Insight Image

أزمة الطاقة في أوروبا: الأبعاد المحلية والتداعيات العالمية

03 فبراير 2022

أزمة الطاقة في أوروبا: الأبعاد المحلية والتداعيات العالمية

03 فبراير 2022

راج الحديث، على مدار عام كامل، عن أزمة طاقة أوروبية خانقة جعلت وضع الطاقة في أوروبا أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. وقد أتى هذا بعد عام استثنائي من تفشي جائحة كوفيد-19، وما كان لها من تداعيات سلبية على اقتصادات العالم، نتيجة حالة الإغلاق وتعطيل سلاسل التوريد التي تأثرت بالتدابير الاحترازية لمحاصرة الوباء.

ولتعويض خسائر اقتصاد العالم لعام 2020، بدأ عام 2021 على وقع الرغبة الملحة في مضاعفة العمل والإنتاج صاحبها طلب جارف على الطاقة، قابله ارتفاع كبير في أسعار الوقود الأحفوري حتى وصل خام برنت في أوروبا، في أكتوبر 2021 إلى أعلى مستوى له منذ خمس سنوات عند 84 دولاراً للبرميل، فيما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الفورية لأكثر من 500٪ على أساس سنوي.[1]

لقد كانت التحديات أمام الدول الأوروبية مضاعفة فيما يتعلق بالطاقة بالنظر، من ناحية، إلى المجهودات التي تبذلها لخفض معدلات انبعاثات الكربون ودعم مساهمة موارد الطاقة النظيفة في توليد الطاق[2]؛ وتزايد، من ناحية أخرى، الطلب على الطاقة مع نقص الاستثمار في قطاع الطاقة الأحفورية في أوروبا بالإضافة إلى الظواهر الجوية القاسية، أدى إلى تراجع مخزون الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي عن معدلاته المعتادة، ما زاد تعقيد وضع الطاقة في أوروبا حتى صارت أزمة.[3]

ولعل وجود أزمة طاقة في بلد ما أو إقليم ما، يعني أنه بدأ يعاني تراجعاً في إمدادات الطاقة أو زيادة في الأسعار بما يهدد الاقتصاد والأمن القومي لتلك الدولة أو الإقليم[4]. وأزمة الطاقة مصطلح واسع ومعقد، وعملية مستمرة، تزداد رغم الجهود الدولية في البحث عن مصادر متجددة للطاقة لمواجهة تلك الأزمة الآخذة في التطور. وغالباً ما تشير أزمة الطاقة إلى وجود نقص في أحد مصادر الطاقة المستخدمة في وقت ومكان معينين، ولاسيما تلك التي تزود شبكات الكهرباء الوطنية؛ وهو ما حدث فعلياً مع الاتحاد الأوروبي في ظل نقص المعروض من الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه بشكل رئيسي في توليد الطاقة[5].

وتسعى الدراسة، من هذا المنطلق، إلى بحث ماهية أزمة الطاقة في أوروبا عبر إلقاء الضوء على واقع الأزمة داخل أوروبا، وأسبابها المحلية والدولية، وتداعياتها العالمية. وأخيراً استعراض سيناريوهاتها ومساراتها المحتملة في محاولة للإجابة عن تساؤل الدراسة الرئيسي المتمثل في: هل من الممكن أن تتحول أزمة الطاقة الأوروبية إلى أزمة هيكلية؟

أولاً- واقع الأزمة داخل الحدود الأوروبية: أزمة عارضة أم هيكلية؟

بتتبع حجم العرض الكلي من الطاقة الأحفورية في الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الخمس الماضية، ومقارنته بحجم الطلب على الطاقة ممثلاً في حجم واردات دول الاتحاد من الطاقة، علاوة على حجم الاستهلاك الإجمالي لها خلال الفترة ذاتها، فإنه من الممكن استخلاص الآتي اعتماداً على الشكل رقم (1):

  • لم تشهد مؤشرات العرض والطلب والاستهلاك، في الفترة بين 2015 و2020 أي فجوات كبيرة واتسمت باستقرارها باستثناء خلال عام 2020 نتيجة لتداعيات جائحة كوفيد-19 على قطاع الطاقة عالمياً الأمر الذي أدى بدوره إلى انخفاض الطلب على الطاقة نتيجة لتعطل العديد من الشركات والمصانع وإغلاقها.
  • شهدت أعوام 2015 و2018 و2019 تراجعاً في معدل التغير في حجم المخزون من الطاقة الأحفورية إلى ما دون الصفر. وبمقارنة حجم التغير في مخزون الطاقة الأحفورية وبقية المؤشرات الأخرى المتمثلة في العرض والطلب والاستهلاك، يتضح وجود فجوة كبيرة؛ وربما يرجع هذا إلى سوء تقدير صناع السياسات في أوروبا حول أهمية زيادة حجم المخزون من الغاز الطبيعي باعتباره مصدراً رئيسياً للطاقة في القارة، كتدبير احترازي يُمَكن الحكومات الأوروبية من الاستجابة للطلب المتنامي على الطاقة، دون الوقوع في أزمة غير متوقعة.
  • لم تشهد أوروبا، خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، أزمة في الطاقة. كما أن عدم وجود فجوة بين قوى العرض والطلب على الطاقة والاستهلاك الكلي منها يشير إلى تمكن الحكومات الأوروبية من إدارة ملف الطاقة جيداً خلال هذه السنوات، وقدرتها على مواجهة التحديات كافة؛ ما قد يوحي بأن أزمة الطاقة التي تكابدها أوروبا، حالياً، أزمة عارضة ناجمة عن جملة من العوامل سنتناولها بالتفصيل لاحقاً، وليست أزمة هيكلية.

ولكن هذا لا يمنع من تحول هذه الأزمة إلى أزمة هيكلية في حال لم تتمكن الحكومات الأوروبية من إيجاد حلول عملية للاستجابة للطلب المتزايد، سواء أكان ذلك بتنويع الجهات التي تستورد منها الغاز أم بزيادة حجم مخزونها وقت انفراج الأزمة أم بتوحيد الجهود من أجل زيادة حجم وفاعلية المعروض من الطاقة النظيفة، بما يحقق أمن الطاقة لأوروبا.

الشكل (1): الطاقة الأحفورية في أوروبا بين 2020 و2015*

 

* من إعداد الباحثة اعتماداً على قاعدة بيانات Eurostat [6]

وفيما يلي نتناول واقع الأزمة التي ظهرت مؤخراً داخل الحدود الأوروبية بشيء من التفصيل، في إطار عدد من المؤشرات:

  • تطورات مخزون أوروبا من الطاقة الأحفورية (الغاز والنفط والفحم)

شهدت، خلال العقد الماضي، أسواق الطاقة الأوروبية تحولاً كبيراً من الفحم إلى الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء في سبيل الحد من الانبعاثات الكربونية. وتسبب ذلك في انخفاض كبير في إنتاج الفحم عند مقارنته بحجم إنتاج الاتحاد الأوروبي من الفحم في عام 1990 [7]. إذ بلغ إنتاج الاتحاد الأوروبي من الفحم عام 2020 نحو 56 مليون طن من الفحم الصلب، أي أقل من إنتاجه في عام 1990 بنسبة 80٪، في دولتين عضوين فقط هما بولندا التي تستحوذ وحدها على 96٪ من إجمالي إنتاج الاتحاد الأوروبي من الفحم، ودولة التشيك. كما قُدر استهلاك الاتحاد الأوروبي من الفحم الصلب بنحو 144 مليون طن في عام 2020، أي أقل بنسبة 63٪ عن عام 1990 [8].

الشكل (2): نسبة إنتاج الفحم الصلب لعام 1990*

 * من إعداد الباحثة اعتماداً على قاعدة بيانات Eurostat[9]

 

الشكل (3): نسبة إنتاج الاتحاد الأوروبي من الفحم الصلب لعام 2020[10]*

*  من إعداد الباحثة اعتماداً على قاعدة بياناتEurostat [11]

أما بالنسبة لواقع النفط في الاتحاد الأوروبي، ففي يونيو 2021، بلغ حجم مخزون دول الاتحاد الأوروبي من النفط حوالي 112.5 مليون طن، وكان النصيب الأكبر منه لصالح النفط الخام الذي قُدر بنحو 47.4 مليون طن، نظراً للدور الذي يلعبه في اقتصاد الاتحاد الأوروبي، خاصة في قطاع النقل والبتروكيماويات، يليه الغاز الطبيعي وزيت الديزل بنحو40 مليون طن، والبنزين بحوالي 10 مليون طن.

وجدير بالذكر أن احتياطات الطوارئ النفطية تختلف من دولة إلى أخرى، ويمكن للدول الأعضاء الاحتفاظ باحتياطاتها النفطية الطارئة في أراضيها أو في أراضي دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما حدث في شهر يونيو 2021، عندما تم الاحتفاظ بـ 12٪ من الاحتياطات في الاتحاد الأوروبي في دول أعضاء أخِرى؛ فبينما احتفظت خمس دول أعضاء بجميع احتياطاتها في أراضيها بما فيها اليونان، والمجر، وبولندا، وسلوفاكيا، وفنلندا، فإن نحو 22 دولة عضو قد احتفظت بجزء من احتياطاتها الخاصة بها في أراضي الدول الأعضاء الأخرى، وتأتيِ لوكسمبورغ على رأس تلك الدول لامتلاكها أكبر حصة من احتياطات النفط في الخارج بواقع 93٪ من حجم احتياطاتها، تليها مالطا بنسبة 81٪ وبلجيكا بواقع 65٪[12].

الشكل (4): احتياطات الاتحاد الأوروبي من النفط في يونيو 2021 محلياً وخارجياً*

* من إعداد الباحثة اعتماداً على قاعدة بيانات Eurostat [13]

وبالنسبة للغاز الطبيعي، فقد برزت أهميته كمورد أساسي للطاقة بالنسبة للاتحاد؛ ونظراً لهذه الأهمية، كانت الدول الأوروبية غالباً ما تحرص على تخزين احتياطات الغاز بشكل كافٍ، حينما تكون الأسعار منخفضة للاستفادة منها وتشغيلها في أوقات الذروة التي ترتفع فيها أسعار الغاز الطبيعي بمعدلات كبيرة، غير أن تفشي جائحة كوفيد-19 وما صاحبه من إغلاق ومن ثم انخفاض الطلب على الطاقة، جعل صانع القرار الأوروبي يعتقد أن لديه ما يكفي من الاحتياطات.

 ولكن منذ بداية تراجع عمليات الإغلاق في النصف الثاني من عام 2020، حدث ما لم يضعه صانع القرار الأوروبي في حسبانه من ارتفاع جارف في الطلب على الغاز، قابله ارتفاع شديد في الأسعار ضمن مساعي التعافي العالمي من تداعيات الجائحة. وما صعب الأمر كذلك هو ارتفاع الطلب الآسيوي على الغاز الطبيعي بشكل كبير، حتى أصبح الإمداد العالمي من الغاز الطبيعي مقيداً للغاية، وعليه لم تتمكن أوروبا من تجديد احتياطاتها من الغاز الطبيعي كما هو معتاد[14]، إذ انخفض حجم مخزونات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي من حوالي 95٪ في أكتوبر من عام 2020 إلى نحو 77٪ في الوقت نفسه من العام الجاري، وهو ما يوضحه الشكل التالي[15].

الشكل (5): احتياطات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي في الفترة من أكتوبر 2020 إلى أكتوبر 2021 *

 * من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات Gas Infrastructure Europe [16]

  • توجهات أسعار الكربون الأوروبية

يأتي تسعير الكربون كأحد أهم العناصر في استراتيجية خفض الانبعاثات الكربونية، إذ يتم من خلالها رفع تكلفة مصادر الطاقة المرتفعة الانبعاثات الكربونية، بما يحفز التحول نحو أنواع الوقود النظيف[17]. ويكون هذا التسعير إما في شكل ضريبة على الكربون أو من خلال أنظمة تداول؛ فبينما يُقصد بضريبة الكربون فرض سعر ثابت تحدده الحكومة، كضريبة على جميع مصادر الانبعاثات الكربونية، فإن نظام تداول الانبعاثات هو أيضاً ضريبة على مخصصات انبعاثات الكربون، غير أن الأسعار يتم تحديدها والحصول عليها من نظام تداول الانبعاثات بالاتحاد الأوروبي (EU ETS)، وهو أكبر سوق لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم. ولعل الفارق بينهما يكمن في أن ضريبة الكربون تحدد سعراً ثابتاً لا يمكن تجاوزه، فيما يتغير السعر في نظام تداول الانبعاثات حسبما يتم الاتفاق عليه[18].

ولعل زيادة الطلب على الغاز الطبيعي في ظل قلة موارد أوروبا من الطاقة وارتفاع أسعارها، قد جاء بالتزامن مع حزمة “Fit for 55”، التي تلزم الاتحاد الأوروبي بخفض الانبعاثات بنسبة 55٪ بحلول عام 2030، بما يفرض على الاتحاد الاعتماد على عدد محدود من موارد الطاقة الأحفورية وعلى رأسها الغاز الطبيعي[19]؛ الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الكربون من حوالي 32 يورو للميجاواط/ساعة مطلع عام 2021 إلى قرابة الـ 90 يورو لكل ميجاواط/ساعة في ديسمبر2021. بيد أن أسعار تصاريح الكربون في الاتحاد قد شهدت تراجعاً بنسبة 15٪ تقريباً من أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 90.75 يورو في 8 من ديسمبر إلى 78 يورو في 24 من ديسمبر الماضي، بعد جولتين من المحادثات في قمة بروكسل وقفت فيهما بولندا وحلفاؤها ضد خطط المفوضية الأوروبية لإصلاح سوق الكربون، غير أن هذا ليس دليلاً على استمرار أسعار الكربون في الانخفاض طالما أن الأزمة ما تزال مستمرة[20].

الشكل (6): تطور أسعار الكربون الأوروبية*

* من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات EMBR[21]

  • توجهات أسعار الطاقة في أوروبا

بالطبع لا تعمل أسعار الكربون بشكل مستقل، إذ يقابل ارتفاعُ أسعارها ارتفاعاً موازياً في أسعار الطاقة، وعادة ما يعتمد سعر الطاقة في الاتحاد الأوروبي على مجموعة عوامل متصلة بمحددات العرض والطلب المختلفة، بما في ذلك الوضع الجيوسياسي، ومقدار تنويع الواردات من الطاقة، وتكاليف حماية البيئة، والظروف الجوية القاسية، إلى جانب مستويات الضرائب المفروضة على الطاقة الأحفورية[22]؛ لذا فإنه مع تسارع وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء في الاتحاد الأوروبي إلى مستويات قياسية، نظراً لكون الغاز الطبيعي هو أحد المصادر الرئيسية للكهرباء في الاتحاد، ومن ثم فإن سعره يؤثر بشدة على سعر الكهرباء في المنطقة.

وقد سجلت، في هذا الصدد، كلٌ من السويد وهولندا والبرتغال أعلى أسعار للغاز الطبيعي المنزلي في عام 2021؛ فبينما كانت المساهمة الضريبية وراء ارتفاع أسعار الكهرباء في هولندا والبرتغال، فإن تكاليف التوزيع كان لها التأثير الأكبر على ارتفاع أسعار الكهرباء في السويد[23]، فيما شهدت أسعار النفط الخام ارتفاعاً بنسبة 65٪ لعام 2021 بنحو 84 دولاراً للبرميل، وتضاعفت أسعار الغاز الطبيعي الذي يوفر أكثر من 30٪ من إجمالي الكهرباء في الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية إلى أكثر من الضعف[24]. كما قفز سعر الغاز الأوروبي القياسي فوق 180 من يورو أي ما يعادل 204 دولارات للميجاواط/ساعة في 21 ديسمبر الماضي قبل أن يتراجع[25]، ليس هذا فحسب، بل ارتفعت أيضاً أسعار الفحم نظراً لتسريع الصين والهند تعدين الفحم، فيما ارتفع سعر الفحم الأمريكي بنسبة 400٪ خلال العام المنصرم إلى 270 دولاراً للطن[26]؛ ما ألقى بتداعيات فادحة على أوروبا، حيث تضاعفت أسعار الكهرباء خمس مرات.

ويذكر، في هذا السياق، أن أوروبا ظلت لمدة أشهر تعاني من جراء ارتفاع أسعار الطاقة، غير أنه في سبتمبر الماضي تفاقمت الأزمة، مع اقتراب أسعار الكهرباء بالجملة في ألمانيا من 130 يورو لكل ميجاواط/ساعة، فيما وصلت أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة، لشهر سبتمبر الماضي تقريباً إلى 200 جنيه إسترليني لكل ميجاواط/ساعة، بزيادة أربعة أضعاف عن التوقيت نفسه في العام السابق. كما تجاوزت أسعار الجملة الإيطالية الـ 150 يورو لكل ميجاواط/ساعة في سبتمبر 2021. وصلت، في أوائل أكتوبر 2021، أسعار الجملة الإسبانية إلى 216 يورو لكل ميجاواط/ساعة[27].

  • مدى كفاية مصادر الطاقة المتجددة الأوروبية

خلال السنوات الخمس الأخيرة، تمكنت أوروبا من توليد ضعف كمية الكهرباء التي يوفرها الفحم عبر الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. فبينما بات يوفر الفحم نحو 12٪ من توليد الكهرباء، فإن طاقة الرياح والطاقة الشمسية وحدها أصبحت تمثل حوالي 21٪ من توليد الكهرباء. وخلال الفترة، بين يناير ويونيو من 2021، أنتجت طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمياه والطاقة الحيوية نحو 40٪ من الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، بينما أنتج الوقود الأحفوري 34٪ فقط. الأمر الذي يشير إلى تسارع حقيقي في انتقال الاتحاد الأوروبي نحو الطاقة النظيفة[28]. وعليه، يرغب الاتحاد الأوروبي في أن تصل حصة الكهرباء من الطاقة المتجددة لديه إلى نحو 32٪ بحلول عام 2030[29].

لكن رغم زيادة الاهتمام بالطاقة النظيفة في الاتحاد الأوروبي، فإن كمية الكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة ما تزال غير كافية لسد الطلب الكبير على الكهرباء، الأمر الذي يدفع الاتحاد الأوروبي للاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر أساسي للكهرباء، وذلك عبر استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي من أجل الاستهلاك والتخزين. ومن ثم فإن أي اعتماد أوروبي على مصادر الطاقة المتجددة وحدها دون حلول إضافية، قد يطيل أمد أزمة الطاقة ويحولها إلى أزمة هيكلية[30].

ثانياً-الأسباب المحلية والدولية للأزمة

يقف وراء أزمة الطاقة في أوروبا، التي استمرت على مدار عام تقريباً وما تزال مستمرة، جملة من العوامل المحلية والدولية، والتي أدت بدورها إلى تفاقم الأزمة، نستعرضها فيما يلي[31]:

أ- زيادة الطلب العالمي على الطاقة الأحفورية ضمن إجراءات التعافي من كوفيد-19

دفعت عمليات الإغلاق العالمي، كجزء من التدابير الاحترازية لمنع تفشي كوفيد-19 في النصف الأول من عام 2020، أسعار النفط مؤقتاً إلى ما دون الصفر، نتيجة لنفاد صهاريج التخزين لدى الشركات، والتي كانت تحتاجها لتخزين الوقود الفائض عن الاستخدام؛ أضف إلى ذلك استمرار البنوك المركزية في تقديم معدلات فائدة منخفضة بشكل مصطنع رغم المستويات القياسية للإنفاق الاستهلاكي وزيادة الصادرات الصينية بنسبة 30٪[32]، ما أسهم في خفض الطلب على الغاز الطبيعي في عام 2020؛ وهو ما تم إرجاعه إلى التغيرات في الطلب على الطاقة، علاوة على اعتدال الشتاء في نصف الكرة الشمالي خلال ذلك العام.

 ورغم توقعات وكالة الطاقة الدولية في استعراضها لأمن الغاز العالمي لعام 2021، بأن ينتعش الطلب على الغاز بنسبة 2.6٪ خلال عام 2021، حتى يصل استهلاك الغاز العالمي بحلول عام 2024 إلى 7٪، أي أعلى من مستويات ما قبل الجائحة، فإن الاتحاد الأوروبي أساء تقدير ذلك، ولم يستعد على نحو كافٍ لمتطلبات التعافي الاقتصادي من الغاز الطبيعي، باعتباره المصدر الأهم للطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي[33].

ب- توجهات الطلب العالمي

يعزى جزء كبير من الارتفاع في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى الارتفاع في الطلب على الطاقة، وتفضيل أسواق النفط للمستهلكين الأسيويين عن العملاء الأوروبيين، نظراً لارتفاع أسعار الغاز في آسيا بدرجة أكبر من الأسعار في أوروبا. ويأتي هذا، في ظل زيادة الطلب الصيني على الطاقة، بعدما حظرت الصين واردات الفحم من أستراليا نتيجة لمطالبة الأخيرة الصين بإجراء تحقيق في أصل أزمة كوفيد-19 في مقاطعة وهان في عام 2020. كذلك أدت عمليات الإغلاق المرتبطة بالوباء إلى خفض الإنتاج في مناجم الفحم في إندونيسيا وأستراليا والهند؛ ما تسبب في زيادة اعتماد آسيا، ولاسيما الصين، على الغاز الطبيعي لتغذية انتعاشها الاقتصادي، أضف إلى ذلك الفيضانات في مناجم الفحم في شرق الصين التي أوقفت الكثير من إنتاج الفحم مما حد من القدرة على توليد الكهرباء، وأصاب الصين بنقص حاد في الطاقة، ومع زيادة طلب دول شرق آسيا على الغاز الطبيعي، قلت الإمدادات المتاحة لأوروبا من الغاز الطبيعي بالتبعية[34].

إذ نظراً لاستيراد الصين، وكذلك اليابان وكوريا الجنوبية، كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال، فإن سعر السوق في آسيا قد تضاعف؛ ما جعل من شرق آسيا سوقاً خصبة أمام منتجي الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية، ولاسيما الولايات المتحدة، لتوجيه جميع إمداداتهم هناك. ونتيجة لهذا؛ حُرمت أوروبا من إمداداتها القياسية من الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية كما ارتفعت أسعار السوق الفورية قرابة عشرين ضعفاً [35]. غير أنه بعد نحو عام من أزمة الطاقة في أوروبا، وفي ظل التفاقم المستمر للأزمة الذي انتهى مؤخراً بتوقف المفاعلات النووية في فرنسا، وانخفاض طاقة الرياح في ألمانيا، بدأ الغاز الطبيعي المسال الأمريكي منذ يوم الأربعاء الموافق 22 ديسمبر 2021 في التدفق نحو القارة الأوروبية؛ الأمر الذي تسبب في انخفاض المؤشر المرجعي لأسعار الغاز الطبيعي في أوروبا عن مستوياته القياسية. ولكي يمكن القول بأن أزمة الطاقة الأوروبية قد تنتهي نتيجة تدفق الشحنات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال، فإن ذلك يحتاج ألا تكون الشُحنات مجرد مُسكن للأزمة، بل أن تستمر الولايات المتحدة في توريد الغاز للاتحاد الأوروبي، وأن تعمل أوروبا على تنويع مورِّدي الغاز الطبيعي إليها، كي لا تقع في أزمة طاقة جديدة[36].

ج- ارتفاع أسعار النقل الدولي واللوجستيات

يعد استئجار السفن لنقل الغاز الطبيعي المسال في جميع أنحاء العالم في مطلع عام 2021 معضلة أساسية، بسبب نقص قدرة الشحن على الاستجابة لارتفاع الطلب؛ ما جعل عملية النقل صعبة ومكلفة. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن الأسعار اليومية لاستئجار سفن الغاز الطبيعي المسال ارتفعت لأكثر من 100 ألف دولار في فصول الشتاء الثلاثة الأخيرة في نصف الكرة الشمالي. وكان قد سجل أعلى مستوى له على الإطلاق ليفوق الـ 200 ألف دولار خلال موجة البرد غير المتوقعة في شمال شرق آسيا في يناير 2021، وسط نقص مادي في سعة الشحن المتاحة[37].

د- المبالغة في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات

يعود الارتفاع في أسعار الطاقة جزئياً لتبني أوروبا نظام تداول الانبعاثات الذي سبق الحديث عنه، علاوة على المبالغة في الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، وهي مجموعة من المعايير يستخدمها المستثمرون – الواعون اجتماعياً – لفحص الاستثمارات المحتملة التي تأخذ المعايير البيئية في اعتبارها[38]؛ الأمر الذي جعل المستثمرين والحكومات الأوروبية يقطعون محافظهم بالكامل عن الاستثمارات الكربونية، وركزوا، بدلاً من ذلك، على ضخ رأس المال إلى بدائل منخفضة الكربون ومقبولة اجتماعياً؛ إذ بالرغم من كون احتراق الغاز أنظف من النفط والفحم، بل ويستخدم على نطاق واسع كبديل عنهما في توليد الكهرباء، وبرغم الدور الذي يلعبه في التخلص من الكربون، فإن الغاز ما يزال مصدراً لانبعاثات غازات الدفيئة؛ ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي يقلق الاتحاد الأوروبي من تشغيل خط الأنابيب الروسي نورد ستريم 2 بكامل طاقته إذ بدوره سيعرّض القارة الأوروبية لكمية ضخمة من الانبعاثات الكربونية، وسيعيق أوروبا عن تحقيق أهداف المناخ الرامية إليها. وقد عرَّفت وكالة الطاقة الدولية الغاز على أنه: “مصدر رئيسي للانبعاثات التي يجب تقليلها، خاصة في الأسواق الناضجة. ويتكون الغاز الطبيعي في الغالب من الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية”. وتشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن ما يقرب من ثلث انبعاثات الميثان ناتجة عن الغاز الطبيعي وأنظمة البترول وآبار النفط والغاز الطبيعي المهجورة[39].

ولعل المشكلة هنا تكمن في أن الطاقة المتجددة لم تثبت قابليتها بدرجة كافية لتعويض النقص في الطاقة. ففي يوليو من العام الجاري، أشارت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن مصادر الطاقة المتجددة (باستثناء الطاقة الكهرومائية) تسهم بما يقل قليلاً عن 10٪ من إجمالي توليد الكهرباء، فيما يسهم الغاز بنحو 42٪ من إجمالي توليد الكهرباء في العالم.[40]

ه- افتقار أوروبا إلى سياسة طاقة متماسكة

بالرغم من دفاع الاتحاد الأوروبي عن أمن الطاقة في أوروبا في سبيل تخفيف صدمات العرض والطلب، وتبنيه مشروع اتحاد الطاقة لعام 2015 بغية إنشاء سوق طاقة متكامل، فإن ثمة عراقيل تقف أمام استكماله، يأتي على رأسها افتقار أوروبا إلى سياسة طاقة متماسكة؛ وربما يرجع ذلك إلى أن الاتحاد الأوروبي ليست قوة عظمى جيوسياسية، إذ تستبعد مؤسسات الاتحاد الأوروبي الطاقة والسياسة الخارجية من اختصاصها التنفيذي؛ الأمر الذي جعل الدول الأوروبية الأعضاء يتبعون سياسات متضاربة في كثير من الأحيان تجاه توليد الطاقة النووية أو الغاز أو توليد الكهرباء أو إنتاج الفحم.

ويمثل هذا في هذا الصدد نقطة ضعف لدى الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، وسبباً قوياً من أسباب أزمة الطاقة التي هو بصددها حالياً. فبينما تعارض ألمانيا بشدة الاستثمار في الطاقة النووية، فإن عدداً من الدول الأوروبية يرى فيها مصدراً جيداً من مصادر الطاقة المتجددة. وبينما تشجع بولندا إنتاج الفحم، فإن بقية الدول الأوروبية ترفضه وترفض الاستثمار فيه. وبينما ترفض الدول الأوروبية مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، فإن المشروع قد تم فعلياً بتعاون روسي/ألماني، وغير ذلك من القضايا التي تؤكد عدم وجود سياسة طاقة أوروبية متماسكة تتوحد فيها الجهود لصالح الجميع[41].

و- تضارب المصالح الأوروبية الروسية

نقطة ضعف أخرى تضاف لما سبق، تتمثل في اعتماد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على روسيا كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي، إذ يتلقى الاتحاد الأوروبي الغاز الطبيعي مباشرة من روسيا عبر خط أنابيب نورد ستريم، وتوفر روسيا أكثر من 40٪ من إجمالي الغاز المستهلك في الاتحاد الأوروبي، رغم سعي روسيا الدؤوب لإحباط مشاريع الاتحاد الأوروبي الرامية لتنويع إمدادات الغاز في القارة[42].

وقد ظهر التضارب في المصالح الأوروبية الروسية، بصورة جلية، حين عملت روسيا على تخفيض شحنات الغاز الموجهة إلى أوروبا مؤخراً؛ ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في دول الاتحاد الأوروبي جرّاء الطلب المتزايد في ظل قلة المعروض. وبينما تدعي روسيا أن انخفاض العرض هو تغيير موسمي لتحويل المزيد من الغاز الطبيعي إلى كهوف التخزين استعداداً لارتفاع الطلب المحلي خلال فصل الشتاء، فإن قطع الإمداد يأتي متزامناً مع اكتمال خط أنابيب نورد ستريم 2، وجهود روسيا لإرغام مفوضية الاتحاد الأوروبي على دعم الموافقة النهائية على خط الأنابيب[43]، الذي سيسمح بتدفق غاز روسي إضافي مباشرة إلى ألمانيا. وهو ما ترفضه أوروبا لعدة اعتبارات بيئية وأمنية وجيوسياسية.

والذي ساعد روسيا في الوصول إلى تلك المرحلة من المساومة غير المباشرة هو دعم كلٍّ من ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ ففي 21 يوليو 2021، توصلت كلتا الدولتين إلى اتفاق يسمح بإكمال خط أنابيب نورد ستريم 2، بعدما رفعت الولايات المتحدة العقوبات التي سبق أن فرضتها على شركة نورد ستريم الألمانية، الواقفة وراء بناء خط أنابيب نورد ستريم 2[44].

وحالياً، تنتظر روسيا موافقة الجهات التنظيمية الألمانية على خط الأنابيب المكتمل. والذي بمجرد التصديق عليه، فإن نورد ستريم 2 سيسلم ما يقرب من 15٪ من واردات الاتحاد الأوروبي السنوية من الغاز مباشرة إلى ألمانيا. وسيترتب على ذلك إلغاء أوكرانيا كطريق رئيسي لنقل الغاز ويحرم الحكومة الأوكرانية من عائدات مهمة، فضلاً عن تضاؤل القدرة على ردع أي عدوان روسي[45].

ثالثاً: التداعيات العالمية لأزمة الطاقة الأحفورية في أوروبا

لم يكن لأزمة الطاقة في أوروبا تداعياتها المحلية على الدول الأوروبية وحسب، بل كان لها تداعيات عالمية ألقت بظلالها على عدد من الدول، وفيما يلي نناقش أبرز تلك التداعيات:

أ- الصين:

 أجبرت الأزمة في سوق الغاز دول الشرق الأقصى على العودة إلى الفحم لتوليد الكهرباء، وبما دفع أسعار الفحم الحراري في آسيا للوصول إلى مستويات قياسية؛ وهو ما مثل تحدياً كبيراً أمام الصين. فقد أدى الشتاء البارد الذي أعقبه صيف حار ونمو اقتصادي أقوى إلى زيادة الطلب الصيني على الطاقة، وقد أسفر ذلك عن تعطل الصناعات بشكل كبير في جميع أنحاء الصين؛ ما دفع الحكومة الصينية لاتخاذ بعض الإجراءات لاحتواء الأزمة، ومنها:

1- تعزيز إنتاج الفحم استجابة لأزمة الطاقة

تسبب هطول أمطار غزيرة وفيضانات في مقاطعة «شانشي»، أكبر منطقة منتجة للفحم في الصين، في إغلاق 60 منجماً للفحم البالغ عددها 682. وقد أدى هذا الإغلاق إلى ارتفاع أسعار الفحم بعدما شهدت معظم مقاطعات الصين انقطاعات مستمرة في التيار الكهربائي. وعلاوة على ذلك، ساهمت حالة الحظر المفروضة بشكل مستمر على الفحم الأسترالي إلى تحول الصين إلى سوقي روسيا وإندونيسيا لاستيراد الفحم.

وعليه زادت واردات الصين للفحم من روسيا أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020؛ الأمر الذي دفع الحزب الحاكم في الصين لمطالبة المنتجين بضمان الإمداد بالفحم، إذ أمرت الحكومة الصينية مناجم الفحم لديها بزيادة الإنتاج بشكل عاجل نظراً لتهديد أزمة الطاقة للإنتاج الصناعي لديها. وبالفعل حصل أكثر من 100 منجم على الموافقة من أجل توسيع الإنتاج، مع السماح بتعدين 55 مليون طن من الفحم في الربع الرابع من العام الماضي 2021.

2- فرض الصين قيوداً على استخدام الطاقة

انتهجت الصين سياسات تقنين الطاقة في حالات الطوارئ كرد فعل لمواجهة الأزمة، والتي تقتضي بموجبها ترك العديد من المنازل والمصانع على حد سواء في ظل طاقة متقطعة مع اقتراب درجات حرارة الشتاء دون الصفر (مئوية). ويسري تقنين الطاقة على المصانع والشركات في أكثر من 20 مقاطعة، بموجب تفويض من بكين. وقد ذهبت بعض المقاطعات إلى درجة أمر المصانع بوقف الإنتاج لبضعة أيام كل أسبوع، فيما لجأ أصحاب المصانع بشكل متزايد إلى مولدات الديزل للحفاظ على استمرار أعمالهم إزاء نقص الطاقة. كل ذلك وضع الاقتصاد الصيني في مأزق كبير، خاصة وأن منطقتها الشمالية الشرقية التي تعاني نقص الطاقة، وتتضرر من قيود تقنين الطاقة، تسهم بنسبة 66٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الدولة[46].

3- السماح بارتفاع أسعار الفحم إلى مستويات قياسية

ومع تفاقم أزمة الطاقة في الصين المستمرة منذ عدة أشهر، وصلت أسعار الفحم والغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية، فيما تضاعفت قيمة الأسهم لشركات تعدين الفحم مثل «تشاينا كول إنيرجي» و«شانيكسي كوكينج كول إنيرجي» خلال عام 2021. علاوة على ذلك ارتفعت العقود الآجلة للفحم الحراري في جميع أنحاء الصين بأكثر من 200٪ على أساس سنوي، لتصل إلى 1669.40 يوان، وبما يعادل 259.42 دولار للطن في منتصف شهر أكتوبر من العام المنصرم.

ونظراً لكون الفحم هو المصدر الرئيسي للتدفئة في فصل الشتاء، فمن المحتمل أن تواصل أسعار الفحم ارتفاعها[47]. وفي ذلك الإطار، أعلنت أكبر وكالة تخطيط اقتصادي في الصين أنها ستسمح لأسعار الكهرباء التي تعمل بالفحم بالارتفاع بمعدل أكبر استجابة لقوى العرض والطلب. فبينما يُسمح للأسعار بالتقلب حتى 20 ٪ من المستويات الأساسية لتحفيز انخفاض استهلاك الطاقة، فقد تُرك تحديد أسعار الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة كالصلب والأسمنت لقوى السوق ولم تقتصر على 20 ٪ فقط[48].

ب- الولايات المتحدة الأمريكية

مع تضاعف تكلفة النفط الخام في الولايات المتحدة، فإن نحو 10٪ من المنازل في الولايات المتحدة التي تعتمد على زيت التدفئة خلال أشهر الشتاء، قد تأثرت بشدة جراء ذلك. حتى بات من المتوقع أن يتأثر المستهلكون الأمريكيون بفواتير تدفئة أعلى بكثير هذا الشتاء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم. لكن وبالرغم من ذلك وفرت أزمة الطاقة في أوروبا مجموعة من الفرص للاقتصاد الأمريكي، يتمثل أبرزها في الآتي:

1– عقد صفقات من أجل تنويع مصادر الطاقة:

في 20 أكتوبر 2021، أعلنت شركة “جلوبال فينتشر”، ومقرها واشنطن، عن صفقة كبيرة للغاز الطبيعي المسال لمضاعفة حجم واردات الصين السنوية من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، والمشتقة من الغاز الصخري الأمريكي الملوث[49].

ليس هذا وحسب، ففي الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، وصل عدد السفن المحملة بالغاز الطبيعي الأمريكي المتجهة إلى موانئ أوروبا الغربية إلى 15 سفينة، من بينهم 4 سفن توجهت إلى كلٍّ من المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا، فيما حصلت هولندا وجبل طارق ومالطا على شحنة واحدة لكل منها، علاوة على 11 شحنة أخرى من الغاز الطبيعي غير معلَنة الوجهة، إلا أن مساراتها كانت تشير إلى اتجاهها نحو أوروبا[50]، الأمر الذي يعد فرصة كبيرة لأمريكا للاستفادة من الأسعار المرتفعة للغاز الطبيعي وسط أزمة طاقة في أوروبا، وكذلك زيادة حصة الولايات المتحدة الأمريكية من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي.

وفي ذلك الإطار، فمن المرجح أن ترتفع صادرات الغاز الأمريكية بشكل كبير خلال الفترة القادمة، بما يؤدي إلى ارتفاع ربحية قطاع الغاز في الولايات المتحدة؛ ما سيكون له تداعياته الإيجابية على الاقتصاد الأمريكي.

2- الاستعداد لرفع إنتاج النفط الصخري

عاد إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى النمو من جديد، ومن المقرر أن يصل إجمالي إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى مستويات مارس 2020، حيث يواصل المنتجون إضافة منصات الحفر على الشاطئ. إذ تخطط بعض شركات النفط الكبيرة لزيادة الإنفاق في نهر «برميان»، الذي يعد أكبر حوض للنفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يمثل المحرك الرئيسي لنمو إنتاج النفط الصخري في أمريكا.

وتشير التوقعات كافة إلى أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي سينمو في الأشهر المقبلة من 600 ألف برميل يومياً إلى 800 ألف برميل يومياً من إجمالي إنتاج النفط الخام الأمريكي في عام 2022 مقارنة بعام 2021؛ الأمر الذي يمثل فرصة أمام الاقتصاد الأمريكي في طريقه للتعافي من تداعيات كوفيد-19 [51]. بيد أن الارتفاع في إنتاج النفط الصخري سيكون أبطأ مما كان عليه في عامَيْ الازدهار 2018 و2019، نظراً لارتفاع التكاليف ونقص العمالة، الذي يعيق بشكل رئيسي نمو الإنتاج الكبير[52]، علاوة على التزام معظم المشغلين بالانضباط الرأسمالي الجديد لشركات النفط الصخري، والذي بمقتضاه يتم التركيز على سداد الديون وإعادة الأموال النقدية إلى المساهمين بدلاً من زيادة الاستثمار في إنتاج النفط الصخري[53].

ج- دول غاز شرق المتوسط

منحت أزمة الطاقة في أوروبا فرصاً عديدة أمام دول غاز شرق المتوسط لزيادة حجم الإنتاج والاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي؛ ففي الوقت الذي تركز فيه وسائل الإعلام والمحللون الماليون بشكل كامل على العقود الآجلة للنفط، تتحرك أسواق الغاز الطبيعي مرة أخرى في اتجاه صاعد. ويبدو أن العقود الآجلة للغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط تتطلع إلى الارتفاع، ليس فقط جرّاء أزمة الطاقة في أوروبا، بل نتيجة كذلك لبعض التطورات الإقليمية الجارية.

ولعل الزيارة غير المتوقعة التي قام بها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى تركيا ومصر، سيكون لها ثمار طويلة الأمد في المنطقة، إذ إن الاتفاقيات الموقعة بمليارات الدولارات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، وخاصة اتفاقيات الاستثمار الطويلة الأجل بين صندوق الثروة السيادية التركي والشركات الإماراتية، مثل موانئ أبوظبي، يبدو أنها تشكل انفتاحاً على حقبة جديدة من التعاون في المنطقة، والتي تشارك فيها كلٌّ من أدنوك ومبادلة في أبوظبي[54].

أضف إلى ما سبق، أن توقيع مصر واليونان وقبرص في 29 أكتوبر 2021 اتفاقاً حول نقل الكهرباء جاء في إطار تعزيز التعاون في مجال الطاقة بين الدول الواقعة في شرق المتوسط، ومن شأن ذلك الاتفاق – في ظل أزمة الطاقة الراهنة بأوروبا – أن تصبح اليونان محطة توزيع للكهرباء في أوروبا. كما أعربت الدول الثلاث الأعضاء أيضاً في منتدى غاز شرق المتوسط مع ست دول أخرى بينها فرنسا وإيطاليا وإسرائيل والأردن، عن نيتها تعزيز تعاونها في استكشاف ونقل الغاز الطبيعي، هو عامل مساعد في استقرار المنطقة؛ الأمر الذي من شأنه أن يعود بالنفع على دول حوض المتوسط[55].

د- روسيا

فيما سبق، وخلال الحقبة السوفيتية، هيمنت روسيا على إمدادات الغاز إلى أوروبا. فمنذ بنائها خط أنابيب إلى الغرب، ازدادت قبضة روسيا على هذه السوق في السنوات الأخيرة، حين فتحت طرقاً إلى الصين وبدأت في تصدير الغاز الطبيعي المسال، حتى باتت موسكو تمتلك نحو 25٪ من صادرات الغاز العالمية، وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي لشركة «بي بي بي إل سي». كما باتت روسيا تسيطر على 13.3٪ من إنتاج النفط العالمي، مقارنة بـ 12.3٪ للمملكة العربية السعودية[56].

وبرغم التزام روسيا خلال السنوات الماضية بعقود طويلة الأجل مع نظرائها الأوروبيين، فإن صادراتها إلى أوروبا انخفضت منذ عام 2019 عن مستواها[57]؛ فبينما لم تكن روسيا السبب الرئيسي في أزمة الطاقة الأوروبية، إلا أنه كان بإمكانها المساعدة من أجل منع تفاقم الأزمة، لكنها لم تفعل، إذ اختارت عدم إرسال إمدادات غاز إضافية إلى أوروبا لشهر نوفمبر 2021، رغم إعلانها الاستعداد لتقديم المساعدة. ويوحي ذلك بأن روسيا لا تريد حل أزمة الطاقة في أوروبا في القريب العاجل لحين التصديق على مشروع نورد ستريم 2؛ حتى تضطر الدول الأوروبية في حال استمرار أزمتها، إلى التعاون مع روسيا، والرضوخ لشروطها[58].

ولعل أزمة الطاقة في أوروبا قد فتحت أمام روسيا العديد من الفرص؛ فمن ناحية هي فرصة أمام روسيا للتأكيد على أهميتها كمورد موثوق به للسوق الأوروبية. ومن ناحية أخرى، أسهمت الأزمة في زيادة نفوذ روسيا في أوروبا، فبرغم إحراز أوروبا تقدماً في استخدام القوانين للحد من نفوذ شركة «غازبروم» الروسية العملاقة، التي تمتلك قدرة كبيرة على التخزين تحت الأرض في أوروبا، لاسيما في ألمانيا وتسيطر فعلياً على الشركة الفرعية المحلية “مولدوفاغاز” في مولدوفا[59] – برغم ذلك فإن روسيا لاتزال أكبر مورِّد غاز للقارة، فقد استحوذت على نحو 47% من واردات الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي في النصف الأول من العام المنصرم، فيما يتركز اعتماد دول وسط وشرق أوروبا على الغاز الروسي، الأمر الذي يمنح موسكو نفوذاً أكبر ويحدّ من قدرة أوروبا على التعامل مع التقلبات والاضطرابات الناشئة في سوق الطاقة. ومن المتوقع أن يزداد نفوذ روسيا مع استكمال خط أنابيب نورد ستريم 2 الذي من المفترض أن ينقل الغاز تحت بحر البلطيق إلى ألمانيا[60].

رابعاً: مستقبل الطاقة في أوروبا: المسارات المتوقعة والسيناريوهات

ثمة سيناريوهات ومسارات تلوح في الأفق، وتشير إلى احتمالات ونتائج مختلفة قد تشكل مستقبل الطاقة في أوروبا خلال الفترة المقبلة، نتناولها فيما يلي:

السيناريو الأول: تعمُّق أزمة الطاقة وتحوُّلها إلى أزمة هيكلية

تذهب بعض المؤشرات الحالية للقول بأن أزمة الطاقة في أوروبا في طريقها للتعقد لا الحل، وأن الشحنات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال التي تتدفق إلى موانئ أوروبا، هي بمثابة مسكنات لأزمة ذات جذور متشعبة لا حلَّ جذرياً يقضي بانتهائها.

فمن ناحية، من المتوقع أن تستمر الزيادة في أسعار الغاز الطبيعي عاماً آخر، في ظل عدد من الدلائل والمؤشرات التي قد تعيق إحراز تقدم ملموس في حل أزمة الطاقة الأوروبية، حيث تدخل أوروبا موسم الشتاء مع مخزون غاز طبيعي أقل من المعتاد وبأسعار أعلى وإمدادات عالمية أقل. وبدون حل جذري للأزمة، قد يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة في ظل تصاعد الطلب مقابل محدودية المعروض من الطاقة. وهو ما يضع أوروبا تحت ضغط موردي الغاز الطبيعي، الأمر الذي يضغط بقوة ويدفع نحو تحول أزمة الطاقة العارضة في أوروبا إلى أزمة هيكلية، يمكن أن تعانيها أوروبا لسنوات، وحينها لن تكون أوروبا قادرة على سد احتياجاتها من الطاقة[61].

ومن ناحية أخرى، فإن طول أمد الأزمة يعني المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة، ومن ثم تصاعد معدلات التضخم؛ ما قد يؤدي إلى تضييق آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا، الأمر الذي بدت مؤشراته حالياً[62]، إذ بلغ التضخم أعلى مستوياته في 13 عاماً في سبتمبر الماضي لعام 2021 عند 3.4٪ في دول منطقة اليورو جرّاء التضخم البالغ نسبته 17.4٪ في قطاع الطاقة. وكان ذلك ارتفاعاً من -8.2٪ في معدل التضخم في القطاع نفسه في سبتمبر 2020.

ولعل ذلك يفسر أهمية الغاز الطبيعي بالنسبة للاتحاد الأوروبي، إذ يمثل الغاز الطبيعي ثاني أكثر وقود استهلاكاً في الـ 27 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بعد النفط والمنتجات البترولية[63]، ومن ناحية ثالثة، تعزز الانقسامات الأوروبية الحالية والخلافات الكبيرة حول بعض قضايا الطاقة من صعوبة التوصل لحل شامل وتنفيذه على نطاق واسع؛ فبينما من مصلحة ألمانيا البدء في تشغيل خط أنابيب نورد ستريم2، لكن ذلك لن يكون جيداً بالنسبة لأوروبا بشكل عام، وسيزيد من مقدار اعتمادية الاتحاد الأوروبي على روسيا[64].

وفي حين ترفض ألمانيا التوسع في الطاقة النووية وترى أنها طاقة غير نظيفة، فإن عدداً من دول الاتحاد الأوروبي تنظر إليها على أنها فرصة لابد من التوسع فيها. هذا علاوة على التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا ومولدوفا، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى حلول مشتركة. وفي حال لم تنجح أوروبا في التنسيق فيما بينها للتغلب على أزمة الطاقة لديها، فستظل معرضة للخطر في مواجهة الضغط الروسي، ولن تكون حينها قادرة على التعامل بشكل مناسب مع أزمة الطاقة وتهديد تغير المناخ كذلك[65].

ويبدو أن ذلك السيناريو غير مرجح بنسبة كبيرة، إذ ظهر للعيان كيف انخفضت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ولو بشكل مؤقت مع تدفق الغاز الأمريكي إلى الموانئ الأوروبية. كما أن دخول خط أنابيب نورد ستريم 2 قد يسهم بشكل كبير في انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، وحل الأزمة في القريب العاجل.

السيناريو الثاني: التوصل إلى حلول مشتركة والتغلب على الأزمة

من المرجح بقوة أن تتحايل الدول الأوروبية على الانقسام الكبير في الآراء بين الدول الأوروبية حول قضايا الطاقة؛ كأن يتم العمل بشكل ثنائي سواء مع الدول الخاضعة لروسيا في مجال الطاقة، كأوكرانيا ومولدوفا وجنوب شرق أوروبا. أو العمل معاً أو على الأقل بشكل ثنائي مع الولايات المتحدة لتنسيق الخطط حول كيفية إدارة ملف الطاقة مع روسيا، أو توحيد الجهود للتوسع في مصادر طاقة إضافية، بحيث لا يصبح الغاز الطبيعي مصدراً رئيسياً للطاقة في أوروبا. ويمكن أن يتم هذا من خلال مسارين مختلفين، نتناولهما فيما يلي[66]:

المسار الأول: دعم التوسع في الوقود الأحفوري وتجاهل أهداف المناخ

ثمة قلق رئيسي أن يتجه العالم في عام 2022 نحو تجاهل ميثاق «جلاسكو» للمناخ. فبينما كان أحد الشروط الأساسية في الميثاق هو مطالبة جميع البلدان بإعادة النظر وتعزيز تعهداتها الوطنية بشأن المناخ بحلول أواخر عام 2022. ورغم الموافقة على ذلك، فإن بعض الدول قد أعلنت عن نيتها عدم القيام بتحديث خططها بشأن المناخ، ومنها أستراليا ونيوزلندا.

وعليه، فربما تلجأ بعض الدول الأوروبية الرافضة لتحديث خططها بشأن المناخ إلى التعاون سوياً من أجل التوسع في الوقود الأحفوري. كأن يتم التعاون مع بولندا التي تستحوذ على إنتاج الفحم في القارة الأوروبية بنحو 96%، ويتم الاستثمار معها في إنتاج كميات كبيرة من الفحم، كي يكون عوضاً لهم عن الغاز الطبيعي[67]. ومن ناحية أخرى، قد يعمل نورد ستريم 2 بكامل طاقته خلال العام القادم، وحينها ربما تتعاون بعض الدول الأوروبية مع روسيا من أجل الاستفادة من الحصة التي سيحصلون عليها من الغاز الطبيعي في المقابل.

ووفق حسابات «جلوبال ويتنس»، فإن تشغيل نورد ستريم 2 بكامل طاقته سيؤدي إلى انبعاث ما يقرب من ثلاثة مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون بين عامي 2022 و2050، ونظراً لأن الغاز مسؤول عن انبعاثات الكربون الأوروبية أكثر من الفحم، ومع حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تقليل استهلاك الغاز بنسبة 90٪ بحلول عام 2050 لتلبية أهدافه المناخية، فإن إغراق السوق بمزيد من الغاز سيكون كارثة مناخية. لكن في الوقت نفسه، فإن كثرة المعروض من الغاز الطبيعي وانخفاض أسعاره بالتبعية قد يحل أزمة الطاقة، ويحول دون تحوُّل الأزمة العارضة إلى أزمة طاقة هيكلية[68].

المسار الثاني: مزيد من توسيع الاستثمار في الطاقة المتجددة

قد تسارع الحكومات الأوروبية إلى تبنّي مصادر طاقة نظيفة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تقليل اعتماد الدول الأوروبية والصناعات على الغاز الطبيعي الروسي وزيادة قدرة التخزين الإضافي للطاقة المتولدة من المصادر المتجددة، ويفرض بمقتضى ذلك خيارات على المدى الطويل للتخفيف من صدمات الأسعار في المستقبل، كتشجيع الاستثمار في الطاقة النووية التي تعد مصدر طاقة منخفض الانبعاثات، وذا سجل ممتاز من الموثوقية، كما أنه أحد أكثر مصادر الطاقة أماناً لكل ميجاواط /ساعة.

وبالرغم من موقف ألمانيا المناهض للطاقة النووية، فإنه من الممكن التعاون بين فرنسا ودول وسط وشرق أوروبا، من أجل التوسع في الطاقة النووية، الأمر الذي يوفر في الوقت ذاته فرصة فريدة لشركات الطاقة النووية الأمريكية لاستعادة حصتها في السوق التي فقدتها في السنوات الأخيرة لصالح شركة «روساتوم» الروسية[69]. كما يمكن إنشاء المزيد من المحطات النووية، التي يوجد بالفعل بعض منها قيد التشغيل في المملكة المتحدة. الأمر الذي من شأنه أن يخفض من أثر الصدمات جرّاء ارتفاع الأسعار الشديد في الوقود الأحفوري.

كذلك، فإن إعداد المحطات النووية للتوليد المشترك، التي من شأنها التقاط الحرارة ونشرها لاستخدامات متعددة كتدفئة المناطق وتحلية المياه، قد يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة الطاقة. أضف إلى ذلك الكهرباء الحرارية الجوفية، التي تعد مصدراً آخر للطاقة الأساسية الموثوقة، كما أنها أيضاً قابلة للتجديد. ولعل ميزة ذلك المصدر هو إمكانية استخدام المضخات الحرارية الأرضية في أي مكان؛ لذا يمكن استخدامها في التدفئة والتبريد في البنايات والمناطق المختلفة[70].

بيد أن عملية نقل الطاقة ليست سهلة لكنها ممكنة، إذ على المدى الطويل، يمكن للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تقليل فرص حدوث صدمات في الأسعار مستقبلاً عبر التخطيط والاستثمار في الطاقة النووية والطاقة الحرارية الأرضية، إلى جانب العديد من المصادر الأخرى للطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن التنويع بعيداً عن سلاسل التوريد الأحفورية والتحول العالمي السريع نحو الطاقة المتجددة يمكن أن يقلل تكاليف الطاقة بحلول عام 2030 بنسبة 30% [71].

خاتمة

منذ مطلع عام 2021، تضافرت جملة من العوامل التي أسهمت في تورط الاتحاد الأوروبي في أزمة طاقة خانقة. ولاتزال دول الاتحاد الأوروبي بعد مرور عام كامل على بداية الأزمة تعاني من جراء غياب سياسة طاقة متماسكة ورؤية واضحة لكيفية الخروج من مأزق نقص الطاقة وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه بشكل رئيسي كمصدر للطاقة. ويزيد ذلك من مخاطر التحول من أزمة عارضة إلى أزمة هيكلية تختل فيها موازين العرض والطلب لسنوات عديدة قادمة.

وقد يضع ذلك دول أوروبا أمام مسارات وسيناريوهات مختلفة؛ فإما التوصل إلى حل أو استمرار تفاقم الأزمة حتى تصبح مرضاً متأصلاً في قطاع الطاقة الأوروبي. ومع وصول الأمر إلى حد إغلاق مفاعلات نووية بسبب نقص الطاقة اللازمة لتشغيلها، فإنه من المرجح أن تختار أوروبا سيناريو الحل وأن تخوض مساراته بتنوعها، سواء بمزيد من التعاون مع الولايات المتحدة أو الاضطرار إلى التعاون مع روسيا في حال دخل خط أنابيب نورد ستريم 2 في العمل بكامل طاقته، أو حتى لجوء بعض الدول إلى التعاون معاً من أجل تعزيز الطاقة المتجددة بصورة أكثر قوة وكفاءة. ومن غير المرجح أن تترك أوروبا نفسها في مهب الريح دون الوقوف على حلول تخرجها من براثن مأزق الطاقة التي هي بصدده حالياً، حتى لا تتحول إلى أزمة هيكلية في المستقبل.

المراجع

[1]. Ariel Cohen, Europe’s Self-Inflicted Energy Crisis, Forbes, 14/10/2021, https://bit.ly/3dhcDCL

[2].Global Energy Center, Rapid Response: The energy crisis, Atlantic Council, 23/10/2021, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/energysource/rapid-response-the-energy-crisis/

[3].At the cross-roads of a low-carbon transition: what can we learn from the current energy crisis? ECOSCOPE, 22/10/2021, https://bit.ly/3xR28zM

[4].Srinivasan Chinnammai, A Study on Energy Crisis and Social Benefit of Solar. Energy, International Journal of Environmental Science and Development, Vol. 5, No. 4, August 2014, http://www.ijesd.org/papers/518-A1001.pdf

[5].What is the Global Energy Crisis? Converse energy future, https://bit.ly/3HlTDjF

[6].من إعداد الباحثة اعتماداً على قاعدة بيانات Eurostat، https://bit.ly/3EIr525

[7].Judy Asks: Is Europe’s Energy Crisis Self-Inflicted? Carnegie Europe, 28/10/2021, https://carnegieeurope.eu/strategiceurope/85668

[8].Coal production and consumption decreased by a third in 2 years, Eurostat, 10/8/2021, https://ec.europa.eu/eurostat/web/products-eurostat-news/-/ddn-20210810-1

[9]. من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات Eurostat، https://ec.europa.eu/eurostat/web/products-eurostat-news/-/ddn-20210810-1

[11].  من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات Eurostat،https://ec.europa.eu/eurostat/web/products-eurostat-news/-/ddn-20210810-1

[12].Emergency oil stocks statistics, Eurostat Statistics explained, 20/9/2021, https://bit.ly/3qvx4Ci

[13].من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات Eurostat، https://bit.ly/3qvx4Ci

[14].Lauren Chadwick, Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Europe News, 25/10/2021, https://bit.ly/3rAjqQo

[15].   Lauren Chadwick, EU Natural Gas Supply, Flourish, https://bit.ly/3En2sJ2

[16].   من إعداد الباحثة، اعتماداً على بيانات Gas Infrastructure Europe، https://agsi.gie.eu/#/

[17].   نحو الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر، موقع صندوق النقد الدولي، 22/7/2021، فلورنس جوموت وغريغور شويرهوف،
https://www.imf.org/ar/News/Articles/2021/07/22/blog-reaching-net-zero-emissions

[18].  EU Carbon Permits, Trading economics, https://bit.ly/3qU0lab

[19].    Lauren Chadwick, Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Europe News, 25/10/2021, https://bit.ly/3rAjqQo

[20].       EU Carbon Permits, Trading economics, https://bit.ly/33XwvJN

[21].    من إعداد الباحثة اعتماداً على بيانات EMBR،https://ember-climate.org/data/carbon-price-viewer/

[22].    Electricity price statistics, Eurostat statistics explained, october2021,https://bit.ly/3eyIpMq

[23].    Bruna Alves, Energy prices in the EU – Statistics & Facts, Statista, 3/12/2021, https://bit.ly/3mLK3Pk

[24].  Lauren Chadwick, Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Europe News, 25/10/2021, https://bit.ly/3rAjqQo

[25].     Lars Paulsson, What’s Behind Europe’s Skyrocketing Energy Prices, Bloomberg, 15/9/2021, Updated on 22/12, 2021, https://bloom.bg/3Hmdv65

[26].   Christopher Helman, Energy Crisis 2021: How Bad Is It, And How Long Will It Last? Forbes, 19/10/2021, https://bit.ly/31kL4q7

[27].          Christopher Helman, Energy Crisis 2021: How Bad Is It, And How Long Will It Last? Forbes, 19/10/2021, https://bit.ly/31kL4q7

[28].          Kara Cuzzone, Lululemon’s Boxing Day Sale Has Started Two Days Early—Here Are The Best Deals, Forbes, 24/12/2021, https://bit.ly/3pE52oU

[29].          Europe, IRENA, https://www.irena.org/europe

[30].          Ibid

[31].          Europe’s Self-Inflicted Energy Crisis, Ibid

[32].          Energy Crisis 2021: How Bad Is It, And How Long Will It Last? Ibid

[33].          5 things you should know about Europe’s energy crisis, World Economic Forum, 13/10/2021, https://bit.ly/3lyGLOA

[34].          Lauren Chadwick, Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Ibid

[35].          Judy Asks: Is Europe’s Energy Crisis Self-Inflicted? Ibid

[36].          الغاز المسال الأمريكي يتدفق على أوروبا لتخفيف أزمة الطاقة، الشرق بلومبرج، 24/12/2021، https://bit.ly/3sLA5Bo

[37].          5 things you should know about Europe’s energy crisis, Ibid

[38].          GORDON SCOTT, Environmental, Social, and Governance (ESG) Criteria, Investopedia, 5/3/2021 https://www.investopedia.com/terms/e/environmental-social-and-governance-esg-criteria.asp

[39].          5 things you should know about Europe’s energy crisis, Ibid

[40].          Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Ibid

[41].          Judy Asks: Is Europe’s Energy Crisis Self-Inflicted?, Ibid

[42].          Judy Asks: Is Europe’s Energy Crisis Self-Inflicted?, Ibid

[43].Ellen Wald, The EU contributed to its own energy crisis, but diversification can solve it, Atlantic Council, 24/11/2021, available at:

 https://www.atlanticcouncil.org/blogs/energysource/the-eu-contributed-to-its-own- /

[44].          Julian Wettenge, Gas pipeline Nord Stream 2 links Germany to Russia, but splits Europe, Journalism for the energy transition, 9/9/2021, available at: https://bit.ly/3FCK8fs

[45].          Emily Holland, Biden is threatening Putin with European energy sanctions. That may be difficult to pull off., The Washington state, 15/12/2021, available at: https://wapo.st/3pDakBc

[46].          Ariel Cohen, China’s Energy Crisis Deepens With Potentially Fatal Consequences, Forbes, 19/10/2021, available at: https://bit.ly/3IfMUci

[47].          Ibid

[48].          Reid Standish, Chinese Ripples: An Evolving Energy Crisis Takes Hold Across Eurasia As Winter Approaches, Radio free Europe, 6/11/2021, available at:

https://www.rferl.org/a/china-energy-crisis-eurasia-russia/31548742.html

[49].          Anders Åslund, US and EU must react to escalating global energy crisis, Atlantic Council, 22/10/2021, available at: https://bit.ly/31jzo73

[50].          الغاز المسال الأمريكي يتدفق على أوروبا لتخفيف أزمة الطاقة، الشرق- بلومبرج، 24 ديسمبر 2021، متاح علىhttps://bit.ly/3pHqtWo

[51].          Tsvetana Paraskova, The U.S. Shale Patch Is Back In Growth Mode, Oil Price, 15/11/2021, available at:

https://oilprice.com/Energy/Crude-Oil/The-US-Shale-Patch-Is-Back-In-Growth-Mode.html

[52].          Ibid

[53].          Taylor Cavey Rene Santos, Spotlight: Will US shale oil operators forget capital discipline and produce a lot more oil next year as oil prices reach a seven-year high?, S&P global, 29 october 2021, available at: https://bit.ly/3zaQlwT

[54].          Cyril Widdershoven, The Geopolitical Game That Could Transform Gas Markets, Oil Price, 28/11/2021, available at:
https://oilprice.com/Geopolitics/International/The-Geopolitical-Game-That-Could-Transform-Gas-Markets.html

[55].          مصر واليونان وقبرص توقع في أثينا اتفاقاً لنقل الكهرباء، euronews، 19/10/2021، متاح على:

https://arabic.euronews.com/2021/10/19/egypt-greece-cyprus-sign-electricity-transmission

[56].          Georgi Kantchev and Benoit Faucon, Russia Shows Its Growing Sway Over Global Energy Markets, The Wall Street Journal, Journal, 13/10/2021, available at:
https://www.wsj.com/articles/russia-shows-its-growing-sway-over-global-energy-markets-11634128607

[57].          Sean Fleming, 5 things you should know about Europe’s energy crisis, Worlf economic forum, 13/10/2021, available at:
https://www.weforum.org/agenda/2021/10/5-facts-europe-energy-crisis/

[58].          Abigail Ng, U.S. official says Russia ‘took advantage’ of Europe’s energy crisis, CNBC, 12/11/2021, available at:
https://www.cnbc.com/2021/11/11/amos-hochstein-russia-took-advantage-of-europes-energy-crisis.html

[59].          Judy Asks: Is Europe’s Energy Crisis Self-Inflicted?, Ibid

[60] .         كيف تتخلص أوروبا من اعتمادها على الغاز الروسي؟ الشرق بلومبرج، 25/12/2021، متاح على: https://www.asharqbusiness.com/article/30493

[61].          أزمة الغاز في أوروبا قد تستمر حتى أوائل 2023، الشرق بلومبرج، 25/12/2021، متاح على:

https://www.asharqbusiness.com/article/30497

[62].          Joe Wallace, Energy Crisis in Europe Intensifies With Russian Troops on Ukraine Border, The Wall Street Journal, 15/12/2021, available at:
https://www.wsj.com/articles/energy-crisis-in-europe-intensifies-with-russian-troops-on-ukraine-border-11639581725

[63].          Europe’s energy crisis: Five charts to explain why your bills might go up this winter, Ibid

[64].          EMILY HOLLAND, EUROPE’S ENERGY SECURITY PROBLEM LEAVES IT IN THE COLD. War on Rocks, 30/11/2021, available at:
https://warontherocks.com/2021/11/europes-energy-security-problem-leaves-it-in-the-cold/

[65].          Ibid

[66].          Ibid

[67].          Matt McGrath, Climate change: Storm clouds gather after COP26, BBC News, 29/12/2021, available at:
https://www.bbc.com/news/science-environment-59744522

[68].          Dominic Kavakeb, US and Russia eye Europe’s energy crisis, doubling down on gas, 1/11/2021, Open Democracy, available at:
https://www.opendemocracy.net/en/oureconomy/us-and-russia-eye-europes-energy-crisis-doubling-down-on-gas/

[69].          EUROPE’S ENERGY SECURITY PROBLEM LEAVES IT IN THE COLD, Ibid
https://warontherocks.com/2021/11/europes-energy-security-problem-leaves-it-in-the-cold/

[70].          Rapid Response: The energy crisis, Ibid

[71].          Ibid

المواضيع ذات الصلة