Insight Image

أهمية التحالف الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية

28 يوليو 2021

أهمية التحالف الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية

28 يوليو 2021

مقدمة:

انطلقت في العاصمة الأمريكية واشنطن في الثالث والعشرين من يوليو 2021 جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين الولايات المتحدة والعراق، والتي تمثل استمرار العمل بمبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين البلدين عام 2008. وقد انعقدت هذه الجولة في ظل استمرار التنظيمات المسلحة التي تعد امتداداً عقائدياً وعسكرياً للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في العراق وسوريا، وامتداداً كذلك لفلسفة المواجهة بين إيران ولاية الفقيه والولايات المتحدة منذ عام 1979- استمرار تلك التنظيمات في استهداف المصالح الحيوية الأمريكية في العراق وقوات التحالف الدولي الموجودة في البلاد في إطار الحرب على الإرهاب، باعتبارها قوات مساندة للقوات العراقية، وذلك بناء على دعوة رسمية قدمتها لها الحكومة العراقية في يونيو عام 2014، بعد هزيمة أربع فرق عسكرية وفرقة للشرطة الاتحادية أمام 400 من مقاتلي تنظيم “داعش” التي استولت آنذاك على ثلث العراق، بعد هروب القيادات العسكرية.

أهمية الجولة

ترأس وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وفد بلاده في جولة الحوار الاستراتيجي، التي انطلقت قبل أيام من وصول رئيس الوزراء العراقي مصطفي الكاظمي إلى واشنطن في السادس والعشرين من يوليو 2021 حيث التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن، وطرح الوزير العراقي خلال مباحثاته في العاصمة الأمريكية واشنطن ملفات كثيرة؛ أهمها تحديد طبيعة الوجود الأمريكي بالعراق، والمصالح المتبادلة الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية والصحية، وتحديد الجوانب السياسية والتقنية لعلاقات التحالف الاستراتيجي بين البلدين التي ستشهد التوقيع على مجموعة من الاتفاقات المشتركة، خصوصاً في مجال الاستثمار في إنتاج الغاز الذي يعاني العراق من هدر سنوي فيه بحرق ما قيمته 2.5 مليار دولار، وفي مجال الطاقة الكهربائية لإنتاج 30 ألف ميغاواط، والطاقة البديلة، وإعادة تشغيل 50 ألف مصنع معطلة منذ عام 2003م وتطوير الزراعة بعد أن تحول العراق من الاكتفاء الذاتي إلى استيراد 92% من احتياجاته الغذائية.

وتكتسي هذه الاتفاقات أهمية كبيرة، بالنظر إلى ما يعانيه العراق من ظروف اقتصادية صعبة؛ فبحسب بيانات البنك الدولي، يوجد في العراق نحو 15 مليون شخص عاطل عن العمل، و10 ملايين شخص يعيشون تحت مستوى خط الفقر و4 ملايين شخص يعيشون في مدن عشوائية و6 ملايين طفل يتيم يعانون ظروفاً قاسية بسبب الحروب، بالإضافة إلى انتشار الأمية والجهل بين 8 ملايين مواطن، وارتفاع الديون إلى 134 مليار دولار والعجز المالي إلى 100 مليار دولار، وذلك كله بسبب السياسات الفاشلة للحكومات العراقية السابقة التي لم تتبنَّ استراتيجية شاملة لبناء الاقتصاد والمجتمع العراقي؛ لذا يفترض اليوم اعتماد اقتصاد السوق المفتوح وفسح المجال للاستثمارات الوطنية والدولية للاستثمار في الثروات الطبيعية التي تقدر قيمتها بـ 20 ترليون دولار لكي يتمتع الشعب العراقي بالرفاهية والازدهار بدلاً من الفقر والبطالة والحروب.

إلى جانب تلك الاتفاقيات التي ترغب الحكومة العراقية في إبرامها مع الجانب الأمريكي، تستهدف حكومة الكاظمي البحث عن صيغة جديدة بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق، إذ يبدو أن الهدف الاستراتيجي لبغداد يتمثل في تحرير البلاد من الضغوط الإقليمية الإيرانية والأزمات الداخلية المتمثلة في الانقسام العميق بين التيارات التي تؤمن بالدولة الدستورية وتطبيق القانون والعدالة واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية، وبين التيارات الراديكالية الإسلاموية التي لا تؤمن بالنظرية السياسية للدولة الوطنية، وتعتبرها غير شرعية من الناحية الدينية، طبقاً لأفكار الإمام الخميني، لذا تستهدف نشر الفوضى وانتشار العنف المسلح للتنظيمات الولائية لتقويض سلطة الدولة والقانون وتكريس ظاهرة اللادولة لتحويل العراق إلى مسرح للعمليات العسكرية في إطار نظرية المواجهة المسلحة المستمرة ضد القواعد العسكرية والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والخليج العربي لإقامة “دولة العدل الإلهي”؛ مما يضع الحكومة العراقية أمام ضرورة تبني مواقف استراتيجية تُحقق ضمان المصالح الوطنية العراقية في السيادة والاستقلال، وبما يعزز وحدة الدولة والشعب ونبذ مختلف أشكال التمييز الديني والمذهبي والعرقي وتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية مع دول الجوار وفي إطار العلاقات الدولية.

نتائج الجولة

ركزت جولة الحوار الرابعة بين الولايات المتحدة والعراق على ملفات الحرب على الإرهاب، والوجود الأمريكي في العراق، ومسألة الطاقة والغاز والشركات الأمريكية التي تعمل في البلاد وتطوير الفرص الاستثمارية، إضافة إلى الجوانب الثقافية المتعلقة بالآثار والتعاون العلمي والتعليمي، وإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في البلاد بكلفة 400 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي.

وقد أسفرت الجولة عن مجموعة من النتائج، فعقب توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خلال لقائهما في واشنطن يوم الاثنين 26 يوليو 2021 اتفاقاً ينهي رسمياً المهمة القتالية الأمريكية في العراق بحلول نهاية 2021، أصدر البلدان بياناً مشتركاً في ختام الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي تناول مختلف القضايا محل الاهتمام.

فقد أكد البلدان في البيان الختامي المشترك تحويل مهمة القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق إلى مهمة تدريبية واستشارية، وأنه لن تكون هناك قوات قتالية بعد نهاية العام الحالي، وأوضحا أن “القواعد العسكرية التي تستضيف أفراد الولايات المتحدة وأفراد التحالف الدولي الآخرين هي قواعد عراقية تدار وفق القوانين العراقية النافذة، وليست قواعد أمريكية أو قواعد للتحالف الدولي، وأن وجود الأفراد الدوليين في العراق هو فقط لدعم حكومة العراق في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي”، وأضاف البلدان في البيان الختامي أنه “بعد استكمال مباحثات الفرق الفنية الأخيرة، ستنتقل العلاقة الأمنية بالكامل إلى المشورة والتدريب والتعاون الاستخباري، ولن يكون هناك أي وجود لقوات قتالية أمريكية في العراق بحلول 31 ديسمبر 2021″، وذكرا أن “الولايات المتحدة تعتزم مواصلة دعمها للقوات الأمنية العراقية ومن ضمنها قوات البيشمركَة من أجل بناء قدراتها على التعامل مع التهديدات المستقبلية”، كما قال البلدان إن “الولايات المتحدة أكدت من جانبها احترامها لسيادة العراق والقوانين العراقية، وتعهدت بمواصلة توفير الموارد التي يحتاجها العراق للحفاظ على سلامة ووحدة أراضيه”.

وفي المقابل “أكدت حكومة العراق التزامها بحماية أفراد التحالف الدولي الذين يقدمون المشورة والتدريب للقوات الأمنية العراقية، وإعادة تأكيد موقفها بأن جميع قوات التحالف الدولي المتواجدة في العراق أتت بناءً على دعوتها”.

وكما هو واضح من نصوص البيان الختامي، فإن سحب القوات القتالية الأمريكية الذي سينجز في نهاية عام 2021، لا يعني سحب القوات غير القتالية؛ مثل المستشارين والمدربين والدعم والمساعدة العسكرية، وتطوير القدرات العسكرية للجيش العراقي بصنوفه المختلفة، مثل القوة الجوية والدفاع الجوي، كما ينطبق هذا الموقف على قوات حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة ضمن قوات التحالف الدولي التي ستبقي على قوات استشارية غير قتالية مساندة في الجهد الاستخباري والتدريب لرفع جاهزية القدرات القتالية للقوات المسلحة العراقية.

ومن الواضح أن الحكومة العراقية، عبر تلك الصيغة الخاصة بالوجود الأمريكي في العراق، ترغب في التخلص من ضغوط إيران والجماعات الموالية لها، فقد دأبت طهران عبر التنظيمات الموالية لها في العراق على استهداف القوات الأمريكية في البلاد من أجل تحقيق مجموعة من المصالح الخاصة بها، سواء ما يتعلق منها بالدفع نحو رحيل هذه القوات من العراق، أو من أجل تخفيف الضغوط عليها في الملف النووي، غير أن حكومة الكاظمي لم ترغب في إنهاء الوجود الأمريكي تماماً، وإنما أبقت جانباً منه يتعلق بتقديم الدعم والمشورة والتدريب من أجل رفع قدرات القوات العراقية في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها البلاد.

وبرغم أن قضية الوجود العسكري الأمريكي قد حظيت باهتمام كبير خلال جولة الحوار، فإن القضايا الأخرى قد حظيت بجانب من الاهتمام كذلك، إذ جدد البلدان في البيان الختامي لجولة الحوار على “المبادئ المتفق عليها في اتفاقية الإطار الاستراتيجي: الأمن الإقليمي، والصحة العامة، والتغير المناخي، واستخدام الطاقة بفاعلية والاستقلال في الطاقة، والمساعدات الإنسانية، وحقوق الإنسان، والتعاون الاقتصادي، والتبادل الثقافي والتعليمي، من بين موضوعات أخرى”. وهو ما كان مؤشراً على استمرار الولايات المتحدة في تقديم الدعم للعراق في المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية الثقافية ومجالات الطاقة.

في هذا الإطار، فان الولايات المتحدة الأمريكية التي استثمرت 3.5 ترليون دولار لمواجهة الإرهاب في العراق، مطالبة اليوم بتقديم خبراتها وقدراتها الاقتصادية والتكنولوجية، للاستثمار في بناء السلام وتحقيق الاستقرار والأمن في العراق، والإسهام في محاربة الفساد المستشري في البلاد، الذي أضاع على البلاد نحو ترليون دولار؛ ما وضع الاقتصاد العراقي على حافة الانهيار، وملاحقة الفاسدين الذين يمتلكون خبرات دولية في سرقة موارد العراق، وإعادة أموال الدولة التي هُرّبت إلى الخارج، وأودعت في بنوك خارج سيطرة العراق.

 ويبدو أن ما أسفرت عنه جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بين البلدين ينسجم مع رغبتهما المتبادلة في التطلع نحو إنقاذ العراق عبر تعزيز علاقات التعاون الثنائي في القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية والثقافية، وكذلك في مجال الطاقة، وتجنيب البلاد أي فوضى يمكن أن تحدث بعد إنهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية.

خاتمة:

أسفرت الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق عن صوغ أسس لعلاقات البلدين في المرحلة المقبلة، تتفق مع مصالحهما، بما يساعد العراق على وجه الخصوص على مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية التي يواجهها، حيث يحتاج العراق إلى الدعم الأمريكي لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكذلك لمواجهة الإرهاب، كما أن إنهاء المهام القتالية للقوات العسكرية في البلاد والاقتصار على تقديم المشورة والتدريب من شأنه أن يساعد في تحقيق نوع من الاستقرار الأمني الداخلي، إذ قد يشجع إيران على التوقف عن حث التنظيمات والجماعات الموالية لها على استهداف الوجود الأمريكي في البلاد.

أخيراً، فإن الشراكة الاستراتيجية بين واشنطن وبغداد ستنظم العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية، في إطار المصالح المتبادلة واحترام السيادة والاستقلال، كما ستساعد في التزام الجميع بالدستور وقواعد الدولة، وعدم تدخل دول الجوار الإقليمي في الشؤون الأمنية أو العسكرية أو السياسية، بما يوفر الأمن والاستقرار الذي من شأنه تعزيز القدرة على حماية البعثات الدبلوماسية المعتمدة والمصالح الاقتصادية والشركات الأجنبية العاملة في البلاد.

المواضيع ذات الصلة