Insight Image

إهمال وإساءة معاملة المسنين: خلل اجتماعي مستشري

18 يوليو 2022

إهمال وإساءة معاملة المسنين: خلل اجتماعي مستشري

18 يوليو 2022

يشير مصطلح شيخوخة المجتمعات إلى ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع، نتيجة انخفاض معدل الخصوبة بالترافق مع ارتفاع مؤمل العمر أو الحياة. بمعنى؛ أن نسبة المواليد تنخفض تدريجيا بمرور الوقت، مع استمرار المسنين في الحياة لفترات وعقود أطول، وهو ما يعرف بالتحول الديموغرافي (Demographic Transition) من مجتمع شاب إلى مجتمع مسن. وتتعرض تقريبا جميع الدول، وغالبية المجتمعات البشرية لهذا التحول الديموغرافي، وهو ما دفع بمتوسط أعمار أفراد الجنس البشري، وبأعداد المسنين حاليا، إلى مستويات هي الأعلى في التاريخ على الإطلاق. حيث تشير الإحصاءات والتقديرات إلى أن عدد من بلغوا أو تخطوا سن الستين، سيبلغ ملياري شخص بحلول عام 2050، أو ما يعادل 22% من البشر، أي واحد من كل خمسة أشخاص.

ولم تترافق هذه الزيادة في أعداد كبار السن، مع تحسن مماثل في الحالة الصحية لهم، فالمسنون في القرن الحادي والعشرين، لا يتمتعون بحالة صحية أفضل مما كان يتمتع به أقرانهم في الأجيال السابقة. فحاليا تحتل أمراض القلب والشرايين، والسكتة الدماغية، وأمراض الرئة المزمنة، المراتب الأولى على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد هذه الفئة العمرية. أما على صعيد الإعاقة، وما يصاحبها من تدهور في نوعية الحياة، فتتنوع أسبابها لتشمل الإعاقة الحسية، سواء البصرية أو السمعية، وخصوصا في الدول متوسطة الدخل والفقيرة، يليها في ذلك آلام الظهر والرقبة، والانسداد الرئوي المزمن، واضطرابات الاكتئاب، بالإضافة إلى الحوادث الناتجة عن السقوط، والسكري، وعته الشيخوخة، والتهاب المفاصل. كما أن عدد المصابين بالعته أو الخرف مثلا، سيزداد من 57 مليون شخص حاليا إلى 78 مليون مع نهاية العقد الحالي، وإلى 153 مليون بحلول عام 2050.

 وتظهر الدراسات أن نسبة لا يستهان بها ممن تخطوا سن الستين، يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة، وهو ما يترجم إلى عشرات الملايين. وتتنوع وتتعدد أشكال الاستغلال وسوء المعاملة، مثل الأذى النفسي، والاستغلال المالي، والإهمال، والأذى البدني، وحتى الاستغلال الجنسي. وتُعرّف إساءة معاملة المسنين على أنها أي فعل يتسبب في ضرر، أو ألم، أو بؤس، أو تعاسة، أو شقاء، أو أي شيء من هذا القبيل، لشخص مسن، من قبل شخص آخر، تربطه به علاقة ما. ورغم أن أي شكل من أشكال إساءة المعاملة يمكن أن يكون له تبعات سلبية على صحة المسن وعلى راحته ورفاهيته، فإن الأذى النفسي يعتبر الأكثر شيوعا، بما في ذلك الناتج عن سلوكيات تحقر من المسن، وتقلل من قيمته أمام نفسه وأمام الآخرين، بما في ذلك السب، والإحراج، والإهانة، والاستخفاف، أو إتلاف ممتلكاتهم الشخصية، ومنعهم من رؤية أصدقائهم وباقي أفراد العائلة. ويعتبر أيضا سوء استعمال المتعلقات والممتلكات الشخصية، وإهدار مال المسن، من أشكال الاستغلال المادي وإساءة المعاملة.

 أما الإهمال فيتضمن التقاعس أو الفشل في تلبية احتياجات المسن الأساسية، مثل الطعام، والمسكن، والملبس، والرعاية الصحية. وكما تتنوع وتتعدد أشكال سوء معاملة المسنين، تتنوع وتتعدد أيضا التبعات السلبية الناتجة عنها، بما في ذلك الإصابات البدنية، والألم النفسي، والاكتئاب، والتوتر والقلق المزمنين. هذه التبعات تؤدي بدورها إلى زيادة اعتماد المسن على خدمات الطوارئ، والاحتياج للحجز في المستشفيات لمرات عدة، ولفترات أطول، وربما حتى الوفاة في النهاية.

ومما يزيد الموقف الاجتماعي والصحي سوءا لأفراد هذه الفئة، تعرضهم أيضا للتمييز السلبي بناء على السن أو العمر (Ageism)، والمشابه للتمييز السلبي المبني على العنصر أو العرق أو لون البشرة. ويحمل هذا النوع من التمييز في طياته عواقب خطيرة على المسنين وعلى المجتمع ككل، كونه يأخذ أشكالا عدة، مثل الممارسات الضارة والمجحفة، والسلوكيات المتحيزة والمؤذية، والتي أحيانا قد تبلغ السياسات والقوانين، لتوقع ضررا أكبر على المسن. تغيير هذا الوضع برمته، والذي سيجد واحد من كل خمسة أشخاص نفسه فيه خلال العقود القليلة القادمة، يتطلب سياسة عامة وشاملة، تأخذ في اعتبارها الصفات المميزة لمن تقدموا في العمر، على الصعد الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية. وهو أقل رد ممكن للجميل، لفئة ساهمت خلال رحلة حياتها في بناء المجتمعات الحالية، بما تتمتع به من رفاهية وأمن وسلامة وتقدم علمي وتكنولوجي، وبالكثير من الجهد والعرق والكفاح.

المواضيع ذات الصلة