شهد عام 2021 العديد من المتغيرات التي طرأت على ظاهرة الإرهاب، التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة نشاط بعض التنظيمات الإرهابية، بما يفاقم حجم التهديدات الأمنية في بؤر عدة على مستوى العالم، وهو ما يستدعي دراسة هذه المتغيرات وتأثيراتها على أكثر من مستوى في خريطة اتجاهات الإرهاب لعام 2022.
ومن أبرز هذه المتغيرات صعود حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان وما يتصل بذلك من احتمالية زيادة النشاط الإرهابي لتنظيمي “داعش والقاعدة” في منطقة جنوب آسيا، واستمرار جائحة “كوفيد – 19″ التي كانت لها تأثيرات سلبية وإيجابية على حد سواء بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية، و”تبادل التطرف” بين التنظيمات الإرهابية وبعضها، مثل: الصراع بين تنظيمي “بوكو حرام” و “داعش” في أفريقيا، وفتح باب الحوار مع الجماعات الإرهابية في مالي وتأثيراته المحتملة، وانسحاب القوات الأجنبية من مناطق النزاعات وتقليصها في مناطق أخرى، وتوفر مجموعة من الظروف والسياقات التي تدفع التنظيمات الإرهابية إلى ابتكار وسائل جديدة في نشاطها سواء في هجماتها أو التجنيد. وتناقش هذه الورقة تلك المتغيرات بغرض التعرف على تأثيراتها المستقبلية المحتملة في حالة الإرهاب في العالم خلال عام 2022 سواء فيما يتعلق بتناميه أو انحساره.
أولاً: صعود طالبان:
يُسهم الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان وصعود حركة طالبان، في احتمالية زيادة النشاط الإرهابي عالمياً، في ظل وجود تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في البلاد، فضلاً عن مجموعات أخرى تعمل في المنطقة وتقوم على أسس عرقية وطائفية[1]، وهو ما يتضح بالنظر إلى ما يلي:
- شكل انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والترويج بأن حركة طالبان قد انتصرت عليها، آلية دعائية كبيرة تستغلها الجماعات والتنظيمات الإرهابية، مهما صغر حجمها، في تحفيز أعضائها والمتعاطفين معها على مواصلة الهجمات ضد من يصفوهم بالأعداء من الحكومات والقوى الدولية النشطة في مناطق نفوذها بدلاً من الدخول في مفاوضات أو هدنة لوقف إطلاق النار. بالإضافة إلى توليد شعور داخلي يشكك في قدرة الدول الكبرى على مساعدة المجتمعات التي تعاني حالة من عدم الاستقرار جراء وجود التنظيمات الإرهابية، في التغلب على هذه التنظيمات ومن ثم استمرار حالة عدم الاستقرار ما يوفر بيئة مناسبة لنشاط تلك الجماعات والتنظيمات.
- توفر سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية، بيئة وملاذاً آمنين أكثر مما كانت عليه من قبل، للتنظيمات الإرهابية خاصة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”. فعلى الرغم من الضغوط الدولية على الحركة لضمان عدم استخدام البلاد في التحضير لهجمات إرهابية ضد المصالح والقوى الدولية، فإنها تركز نشاطها في المناطق الحضرية بحسب العديد من التقديرات، ربما يخلق مساحة لهذه التنظيمات للعمل في مناطق ريفية ونائية[2].
- يمثل صعود الحركة مصدر إلهام للمجموعات النشطة في جنوب آسيا، وآسيا الوسطى أيضاً، خاصة في شمال غرب باكستان مثل “تحريك طالبان”، والمجموعات التي تركز على الصين خاصة حركة تركستان الشرقية التي تشير بعض التقديرات إلى أن بعض عناصرها توجد داخل أفغانستان والهند.
- من شأن انسحاب القوات الأمريكية التأثير في التكاتف في جهود مكافحة الإرهاب الدولية، حيث تراجعت القيمة الاستراتيجية لتحالفات القوى العالمية والفاعلين الإقليميين في مجال مكافحة الإرهاب، وربما تتجه لمجالات أخرى غير المكافحة مثل التكنولوجيا والتجارة[3].
- يؤثر الحديث عن الدعم الباكستاني لحركة طالبان قبل الصعود وبعده، في النظرة للوكلاء المسلحين غير الحكوميين في المنطقة وعالمياً، حيث يضفي المزيد من القوة على هؤلاء المسلحين، ما قد يدفع إلى مضاعفة قوتهم الاستراتيجية، وزيادة توظيف الدول لهم ودعمهم.
ثانياً: استمرار جائحة “كوفيد-19”:
هناك العديد من التأثيرات المعقدة والمتداخلة لجائحة “كوفيد-19″، على النشاط الإرهابي عالمياً، فمن ناحية وفرت الجائحة بعض الفرص التي يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تستغلها، لكنها من ناحية أخرى أسهمت في تقليص نشاطات هذه التنظيمات.
فقد شكلت سياسات الإغلاق وما نتج عنها من عزلة اجتماعية فرصة لزيادة التطرف في المجتمعات، حيث سعت التنظيمات الإرهابية إلى تجنيد بعض العناصر خاصة من بين المتضررين جراء تلك السياسات، وعلى سبيل المثال، خلصت دراسة صادرة عن وزارة الخارجية الألمانية إلى أن اليمين المتطرف في أوروبا سعى إلى استمالة مناهضين للقاحات وأتباع نظريات المؤامرة وتجنيدهم، عن طريق انتقاد القيود الحكومية المفروضة[4]. كذلك حذر فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في يناير 2021 من أن الجماعات المتطرفة تستغل الجائحة لتجنيد المزيد من العناصر والقيام بهجمات ذات دوافع عنصرية وعرقية وسياسية، ونوّه إلى أن تنظيم “داعش” الإرهابي الذي خسر دولته المزعومة في سوريا والعراق ما زال يسعى إلى إعادة تشكيل قدراته في شن عمليات خارجية[5].
بالإضافة إلى ذلك، فقد أدى حظر الخروج والتزام المنازل إلى زيادة عمليات دخول الأفراد إلى شبكة الإنترنت، ومن ثم زيادة احتمالية الوصول إلى المحتوى المتطرف لا سيما في ظل الشعور المتنامي بالعزلة الاجتماعية وسخط الأفراد على سياسات الإغلاق.
ومن زاوية أخرى، أثر انتشار وباء “كوفيد-19” بصورة مباشرة في جهود مكافحة الإرهاب، بتخصيص بعض الحكومات جزءاً كبيراً من اهتمامها للتصدي للوباء وتحقيق استجابة فعالة للصحة العامة على المستوى الوطني، وهو ما أشارت إليه بوضوح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، السيدة ميشيل كونينكس، المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، حين ذكرت أن إعطاء الدول أولوية للتصدي للوباء قد يؤدي إلى تراجع شامل في النفقات التي تتكبدها لمكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف العنيف، مضيفة أن الجائحة قد تؤدي إلى انخفاض التعاون الدولي الذي يشمل التمويل والدعم في المساعدة التقنية أيضاً، وبالتالي يؤثر سلباً في الدول ذات القدرات المنخفضة الأكثر تضرراً من الأعمال الإرهابية[6].
إلى جانب ذلك، أسهم انتشار الوباء بصورة كبيرة في زعزعة استقرار المعسكرات والسجون التي تحتجز الأشخاص المشتبه في صلتهم بالتنظيمات الإرهابية مثل “داعش”، ونتيجة خوف المعنيين في هذه السجون من الإصابة بالفيروس، زادت مشكلات الهروب والمغادرة غير المنضبطة وتفاقمت، وكلها أمور زادت حدتها في ظل وجود بعض الصعوبات التي تتعلق بهؤلاء الأشخاص منها ما يتعلق على سبيل المثال بمشكلة إعادة بعض عناصر داعش الأجانب المحتجزين في معسكرات في كردستان العراق إلى بلادهم، فوفقاً لـرئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، هناك تقدم بطيء للغاية في التغلب على العقبات القانونية والسياسية والعملية التي تحول دون إعادة هؤلاء إلى بلادهم الأصلية[7].
لكن في المقابل، فقد أدى انتشار الوباء وسياسات الإغلاق والحظر والتباعد الاجتماعي إلى تضييق الفرص أمام التنظيمات الإرهابية لتنفيذ هجمات ذات أثر كبير، حيث قللت هذه السياسات من فرص استهداف الإرهابيين للتجمعات العامة، وقيدت جهودهم في التحضير وتنفيذ هجمات ذات أثر مرتفع.
ثالثاً: تبادل التطرف:
وضع أستاذ علم النفس في جامعة جورج تاون، الإيراني الأصل، فتح علي مقدم، نظرية “تبادل التطرف” التي يقصد بها قيام مجموعتين بممارسة التطرف تجاه بعضهما بعضاً، حيث تدفع كل منهما الأخرى إلى مواقف وآراء أكثر تطرفاً، ويصبح الطرفان غير قادرين على التعاون فيما بينهما حتى لو كان هذا التعاون في مصلحتهما، وقد أوضح “مقدم” أن هذه النظرية تتضمن مجموعة من السمات من بينها[8]:
- التطرف المتبادل هو عملية جماعية: وهذا ما يحرك كلا المجموعتين نحو التدافع، على الرغم من رؤية العقلانيين في المجموعتين أن مجموعته تسير في الاتجاه الخاطئ.
- العمل بمبدأ “معاناتك مكسبي”: بمعنى أن كل مجموعة تضع هدفاً رئيسياً وهي إلحاق الضرر بالمجموعة الأخرى، عملاً بالقول “كل ما يجلب الألم لهم هو منفعة لنا مهما كلفنا ذلك”.
- زيادة نسبة الطاعة في المجموعة، حيث يكون تركيز المجموعة على محاربة المجموعة الأخرى فقط، وتنفيذ الأوامر التي تخدم ذلك الهدف.
- تغيير الهوية: بمعنى أن يكون “صراع المجموعة مع الأخرى” هو جزء مهم من إجابة الأعضاء على تساؤل “من نحن”، ويحاول كل طرف أن يصور نفسه على أنه الشخص الصالح والآخر حقير مكروه.
ويمكن تطبيق نظرية “تبادل التطرف” على الصراع الذي نشأ بين تنظيمي “بوكو حرام” في نيجيريا و”داعش في غرب أفريقيا”، فقبل مقتل “أبو بكر شيكاو” زعيم بوكو حرام، انشغل كل تنظيم بإسقاط الآخر، لكن بعد مقتل “شيكاو” وتحول التنظيم إلى مجموعات صغيرة بعضها عمل بمفرده، وبعضها لجأ إلى الاستسلام للحكومة، اتجه تنظيم “داعش في غرب أفريقيا” – بزعم أنه المثال الصالح – إلى استهداف المستسلمين للحكومة النيجيرية والتضييق عليهم، وبرغم ما يعانيه “بوكو حرام” من انقسامات بعد مقتل شيكاو فإن باحثين يؤكدون أن ذلك لا يعني نهاية التنظيم بأي شكل من الأشكال، وهو ما يشير في أحد جوانبه – وفق نظرية تبادل التطرف – إلى استمرار المنافسة بين “بوكو حرام” و”داعش” في عام 2022.
رابعاً: رغبة بعض الحكومات في الحوار مع الجماعات الإرهابية:
كان أحد أهم التطورات المتعلقة بالنشاط الإرهابي خلال عام 2021، التي تلقي بظلالها على طبيعة النشاط الإرهابي وحجمه في عام 2022، هو إعراب حكومة مالي، عن استعدادها لاستكشاف الحوار مع “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، خاصة في ظل وجود إشارات تصالحية متبادلة.
وترجع بداية التفاوض بين الجانبين إلى عهد الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا، حين أعلن في فبراير 2020، أن حكومته “ستستكشف مسار” الحوار مع الجهاديين[9]، وقوبلت هذه الدعوة باستجابة مشروطة من قِبل “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي أعلنت في مارس 2020 استعدادها الدخول في مفاوضات مع الحكومة المالية، على أن ينص أي اتفاق على انسحاب القوات الغربية من البلاد.
ومع الانقلاب على “كيتا”، وتعيين مختار أواني، رئيساً للوزراء، أعلن الأخير طرقاً لمتابعة الحوار في خطة عمل الحكومة، لكنه أزيح من السلطة في مايو 2021 أيضاً، وبتولي “شوغل كوكالا مايغا” مازال الوضع على حاله، حيث ترغب الحكومة في الحوار، وتقابله “نصرة الإسلام” بإيجابية مشروطة.
هذه الحالة المرنة في ظل عدم اتخاذ خطوات جدية نحو الحوار وعدم قدرة الحكومة على الحسم عسكرياً، يمكن أن تؤدي إلى زيادة النشاط الإرهابي في المنطقة خلال عام 2022 بالنظر إلى ما يلي:
- كسب “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الشرعية: حيث تعتمد الجماعة في هيكلها على غالبية من الداخل المالي، وتسعى إلى كسب التأييد الشعبي عن طريق تفعيل ما تقدمه من خدمات في مناطق سيطرتها مثل حفظ الأمن والحماية من الجريمة ومراقبة الأسعار وجمع الزكاة وتوزيعها على المحتاجين، وتلبية رغبات السكان المحليين في بعض الأحيان مثل تخفيف ضغوطات الحسبة في بعض المناطق[10]. وربما تجد الجماعة في مجرد طرح فكرة رغبة الحكومة الحوار معها، وسيلة لاكتساب الشرعية لأهدافها المعلنة بكونها ليست حركة إرهابية وإنما تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية.
- تنامي الصراع بين “نصرة الإسلام” ومجموعات محلية أخرى: في ظل تنامي قوة “نصرة الإسلام والمسلمين” فإن المرجح هو تنامي صراعاتها مع مجموعات محلية أخرى بغرض السيطرة عليها، فعلى سبيل المثال حين سيطرت كتيبة ماسينا- وهي جزء من نصرة الإسلام- على قرى في “نيونو” وسط البلاد في أكتوبر 2020، ومع عدم قدرة الحكومة على تحرير تلك المناطق، لجأت المجموعة المحلية “دونسو” إلى التفاوض مع “ماسينا”، وبرغم استمرار المفاوضات بين الطرفين حتى مارس 2021 واتفاقهم على وقف إطلاق النار، فإنهما عادتا للقتال مرة أخرى في سبتمبر 2021 بداعي أن كل طرف انتهك شروط الاتفاق. في ظل هذه الحالة التي تتضمن عدم قدرة الحكومة على حسم المعركة عسكرياً مع “نصرة الإسلام والمسلمين”، ورغبة الأخيرة في فرض سيطرتها على المجموعات المحلية الأخرى، فإن المرجح تنامي حدة الصراع الداخلي بين هذه الجماعات.
- تنامي حالة عدم الاستقرار السياسي الداخلي: تُواجه الرغبة الحكومية برفضٍ من قِبل الناشطين الحقوقيين والعلمانيين بسبب مخاوفهم المشروعة من فرض “نصرة الإسلام والمسلمين” تفسيراً متشدداً للإسلام على إدارة شؤون البلاد حال التوصل إلى اتفاق، وعليه يحشد هؤلاء الناشطون لتشكيل حالة من الرفض المجتمعي لتوجهات الحكومة بفتح حوار مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ما قد يؤدي في أحد جوانبه إلى تنامي الانقسامات الداخلية، التي ربما ينتج عنها – حال تفعيل الحوار -مجموعات مقاومة مسلحة رافضة للحوار مع “نصرة الإسلام”، تدفع البلاد إلى مزيد من العنف وزعزعة الاستقرار التي بدورها تمثل بيئة مواتية للتنظيمات الإرهابية.
خامساً: انسحاب القوى الكبرى من مناطق النزاعات والتحولات الجيوسياسية:
شهد عام 2021، العديد من التحولات الجيوسياسية وصعود قوة ونفوذ دول بعينها وتراجعها في مناطق مختلفة، وعلى رأس تلك التحولات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسحب القوات القتالية الدولية في العراق، وتقليص الوجود الفرنسي في مالي، وتعقيدات الاتفاق النووي الإيراني، وتجدد المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في وقت تتطور فيه العلاقات العربية – الإسرائيلية. هذه التحولات من شأنها التأثير في المشهد العالمي للإرهاب، من ناحية زيادة نشاط الجماعات الإرهابية وذلك بالنظر إلى العاملين التاليين:
- تقويض المصداقية، وتفعيل دور الوكلاء: أسهمت نتائج الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتقليص عدد القوات الفرنسية في مالي، في تقويض مصداقية المشاركة الأمنية للقوى العالمية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ما يشجع بعض الدول إلى استخدام مجموعات مسلحة للحفاظ على مصالحها في مناطق النزاعات. فعلى سبيل المثال ربما تتجه إيران في أفغانستان إلى تكليف لوائي “فاطميون”، و”زينبيون” بتأمين الشيعة الهزارة في أفغانستان من هجمات تنظيم داعش في خراسان، أو تفعيل دور “حزب الله” وأذرعه في المنطقة حال زيادة التوترات الإيرانية – الإسرائيلية أو حال تعقد مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني. من جانب آخر فإن تقويض مصداقية القوى الكبرى في أعمال المشاركة في مواجهة الإرهاب قد يشجع الحركات الإرهابية على رفع وتيرة نشاطها خاصة في الدول والبلدان التي تعاني حالة عدم استقرار داخلي كما في بعض الدول الأفريقية مثلاً.
- توظيف جماعات الإرهاب لبعض القضايا الرئيسية لتحقيق أهدافها: سعت بعض التنظيمات الإرهابية إلى توظيف بعض القضايا الرئيسية لا سيما تلك التي تجذب التعاطفين العربي والإسلامي معها، من أجل تحقيق بعض أهدافها المتعلقة بالتجنيد والدعم المالي، وذلك في محاولةٍ لرفع قدرتها على العمل على الأرض وشن الهجمات. على سبيل المثال استغلت التنظيمات الإرهابية الاشتباكات التي وقعت في مايو 2021، بين إسرائيل و”حماس” على خلفية أزمة حي الشيخ جراح، في محاولة لإعادة وضع وتبنّي “القضية الفلسطينية” كقضية رئيسية في خطاب هذه التنظيمات، التي سارعت إلى إصدار بيانات دعم، وصل عددها نحو 30 بياناً، من بينها بيان تنظيم القاعدة “حُبٌ وإجلال ونصرة لأهلنا في فلسطين”، والعدد الخاص من نشرة النفير القاعدية، بعنوان “الأقصى في حماية أحفاد البراء بن مالك” وغيرها.
سادساً: سعي الإرهابيين للابتكار والإبداع:
تشبه المنافسة بين الإرهابيين وأجهزة مكافحة الإرهاب، التنافس بين الشركات في سوق العمل، حيث يهدف كل منهما إلى التغلب على الآخر، وفي هذا الإطار يسعى كل طرف إلى ابتكار طرق جديدة في مواجهته للآخر. وخلال الشهور الأخيرة من عام 2021 ابتكرت بعض المجموعات الإرهابية طرقاً جديدة في تنفيذ عملياتها.
ويقسم “كرينشو” الابتكار الإرهابي إلى ثلاثة أنواع [11]:
- اعتماد تقنيات جديدة لتحقيق ابتكارات تكتيكية، مثل لجوء حزب الله في عام 1982 إلى التفجيرات الانتحارية. وهنا لا نتحدث عن شكل الهجوم فقط، وإنما عن الأسلحة المستخدمة وتسلل المهاجمين أيضاً،… إلخ.
- الابتكار الاستراتيجي وتبنّي أهداف جديدة.
- الابتكار التنظيمي على مستوى التغيرات الهيكلية وعمليات التوظيف والتجنيد.
وهناك مجموعة من الأسباب التي تدفع التنظيمات الإرهابية إلى الابتكار من بينها:
تطور سياسات مكافحة الإرهاب: فمع تطور سبل مكافحة الإرهاب وآلياتها، تسعى الجماعات الإرهابية من ناحيتها هي الأخرى إلى تطوير الوسائل التي تستخدمها لتحقيق أهدافها مثل اللجوء إلى الفضاء الرقمي لنشر الأفكار وتجنيد الأتباع واستخدام أسلحة وتكتيكات جديدة.
مواكبة الزمن: لما كان الابتكار في جوهره عملية تغيير، فإنه مع مرور الوقت لا مفر من أن تلجأ التنظيمات الإرهابية هي الأخرى إلى ابتكار سبل وآليات جديدة لتنفيذ هجماتها وشن عملياتها.
تطور التكنولوجيا بشكل غير مسبوق: إذ إن ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي وسهولة الحصول عليها وتشغيلها يشجع الجماعات الإرهابية على امتلاك هذه التقنيات. وهو ما أكدته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، السيدة ميشيل كونينكس، المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، حين قالت إن الذكاء الاصطناعي قادر على تمكين هذه الجماعات من تهديد الأمن بطرق كانت غير عملية أو مستحيلة سابقاً، ومن ثم من المرجح أن تبحث تلك الجماعات عن سبل لتكييف التقنيات الجديدة والناشئة واستغلالها [12].
وقد شهد عام 2021 بالفعل تحول بعض جماعات الإرهاب إلى امتلاك وسائل وآليات جديدة في تنفيذ عملياتها، ومن أبرز الأمثلة على ذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” في نوفمبر 2021، باستخدام طائرة دون طيار محملة بتفجيرات، وإعلان أحد الإصدارات الموالية لتنظيم القاعدة “ذئاب منهاتن” الصادرة عن “جيش الملاحم الإلكتروني”، جائزة عملة “بيتكوين” لمن يقوم باغتيال ضباط شرطة في أوروبا.
وسيشجع امتلاك مثل هذه التقنيات الجماعات الإرهابية على شن مزيد من الهجمات خلال عام 2022، حتى أنه قد يتسع نطاق استخدام هذه الجماعات لأنظمة الطائرات دون طيار، فقد ذكر تحذير بشأن الاتجاهات السائدةTrends Alert نشرته المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة لعام 2019 بشأن المخاطر المحتملة التي يشكلها الاستخدام الإرهابي لهذه الطائرات، أن الجهات الفاعلة الإرهابية قد تستخدم هذه التكنولوجيا بطريقة تخريبية، بهدف التسبب في آثار نفسية واقتصادية كبيرة[13].
خاتمة:
تُنذر المؤشرات السابقة إلى أنه من المحتمل أن يشهد عام 2022، زيادة في النشاط الإرهابي عالمياً، حيث قد تزداد وتيرة نشاط بعض المنظمات الإرهابية مثل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” اللذين على الرغم من تلقيهما ضربات موجعة طوال السنوات القليلة الماضية، فإنهما ما زالا موجودين ويعملان على إعادة تجميع الصفوف وتطوير وسائلها المستخدمة في شن العمليات. وليس أدل على ذلك من أن هذين التنظيمين ما زالا موجودين في العراق وسوريا وفي بعض المناطق الأخرى مثل أفغانستان وبعض الدول الأفريقية مثل مالي ونيجيريا وغيرها. ولا يتصور من ثم تراجع نشاط التنظيمين خاصة أن المؤشرات السابق عرضها تشير إلى أن هناك فرصة للجماعات الإرهابية عموماً كي تتحرك على الأرض وتقوم بشن عمليات إرهابية.
من زاوية اليمين المتطرف، ربما يشهد عام 2022، نسب صعود عالية من نشأة مجموعات يمينية، وزيادة نشاط المجموعات القائمة، خاصة مع استمرار أزمة وباء كورونا وما يتبعها من سياسات إغلاق وأضرار اقتصادية، فضلًا عن بعض النقاط المؤثرة الأخرى، مثل قضية التغير المناخي وما يسفر عنه من تزايد حالات اللجوء والنزوح.
المراجع
[1]. Jonathan Wood & Arsla Jawaid, Covid and the Taliban drive diverse terrorist threats, Control Risks:
[2]. Jonathan Wood, Taliban takeover likely to drive regional, global terrorism threats, control risks, 27 Aug 2021:
[3]. Colin P. Clarke, Trends in Terrorism: What’s on the Horizon in 2022?, Foreign Policy Research Institute, 8 DEC, 2021: https://www.fpri.org/article/2021/12/trends-in-terrorism-whats-on-the-horizon-in-2022/
[4]. كيف يستغل اليمين المتطرّف وباء فيروس كورونا للتمدد في أوروبا والولايات المتحدة؟، فرانس 24، 22 نوفمبر 2020، https://bit.ly/3HFwrwK
[5]. سعود الشرفات، “استمرار جهود مكافحة الإرهاب تظل عاملاً رئيسياً لوقف الهجمات الإرهابية في الأردن”، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11 مارس 2021، https://bit.ly/3ztHt5K
[6]. “تداعيات كوفيد – 19 على مكافحة الإرهاب”، صحيفة الاقتصادية السعودية، 27 يوليو 2020، https://bit.ly/34p6inR
[7]. The World on Two Fronts: The Impact of the Pandemic on the Fight Against Terrorism, the perspective, NOVEMBER 6, 2020: https://www.theperspective.se/the-world-on-two-fronts-the-impact-of-the-pandemic-on-the-fight-against-terrorism/
[8]. Fathali M. Moghaddam: On Mutual Radicalization, APA Books, JUNE 20, 2018: https://blog.apabooks.org/2018/06/20/fathali-m-moghaddam-on-mutual-radicalization/
[9]. Le président malien IBK annonce un dialogue avec des chefs jihadistes, Radio France Internationale, 10 Feb 2020:
https://www.rfi.fr/fr/afrique/20200210-ibrahim-boubacar-keita-rfi-ibk-jihadistes
[10]. Mali: Enabling Dialogue with the Jihadist Coalition JNIM, Crisis Group, 10 DECEMBER 2021: https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/mali/306-mali-enabling-dialogue-jihadist-coalition-jnim
[11]. Martha Crenshaw, Innovation: Decision Points in the Trajectory of Terrorism. In Maria J. Rasmussen and Mohammed M. Hafez, TERRORIST INNOVATIONS IN WEAPONS OF MASS EFFECT, THE DEFENSE THREAT REDUCTION AGENCY Advanced Systems and Concepts Office Report Number ASCO 2010-019. AUGUST 2010:
https://www.hsdl.org/?view&did=9908
[12]. “تداعيات كوفيد – 19 على مكافحة الإرهاب”، صحيفة الاقتصادية السعودية، مصدر سابق.
[13]. المصدر السابق نفسه.