Insight Image

اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل.. وجهتي نظر إماراتية وإسرائيلية

20 أكتوبر 2020

اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل.. وجهتي نظر إماراتية وإسرائيلية

20 أكتوبر 2020

أحدث توقيع “اتفاق أبراهام” (إبراهيم عليه السلام) بين دولة الإمارات وإسرائيل والبحرين تحولاً كبيراً في مفاهيم السلام والأمن والتقدم في منطقة الشرق الأوسط؛ ومن بين العوامل التي نظر فيها مركز تريندز للبحوث والاستشارات لرصد هذا التغير كان موقف الشباب الإماراتي والإسرائيلي من هذه الاتفاق التاريخي.

 وقد تتبع مركز تريندز هذا التحول وحاول رصده من خلال ما كتبته الباحثة الإماراتية اليازية الحوسني على صفحة مدونتها على الإنترنت حول موقف الشباب الإماراتي من هذا الاتفاق، والذي نشرت مضامينه صحيفة ( تايمز أوف إسرائيل) إلى جانب المنظور الإسرائيلي الذي أعدته مريام هيرشلاغ.

 

وجهة نظر مواطنة إماراتية

اليازية الحوسني

أكتب هذا التعليق بوصفي مواطنة إماراتية مهتمة وباحثة في القضايا السياسية والاستراتيجية منذ سنوات، ولا أجاوز الحقيقة عندما أقول إن هذا الرأي الذي أعرضه هنا يشاركني فيه أغلبية أبناء الشعب الإماراتي وخاصة الشباب منهم الذين التمست من تجربتي باعتباري واحدة منهم مدى مستوى التغير في موقفهم تجاه مفهوم السلام والأمن في المنطقة.

ورغم هذه التحولات الكبيرة التي طرأت على الآراء والمواقف بالنسبة للسلام في المنطقة خلال العقود الماضية، أجدُني أمام فئة من الناس ما تزال مُصرة على تجاهل هذه التغيرات الجوهرية، وما تزال متمسكة بترديد المقولات والشعارات نفسها باعتبارها من المسلمات التي لا تقبل التغيير أو التطور أو التعديل.

لا شك في أن أي متابع جادٍّ لسياسة الإمارات خلال السنوات الماضية لن يفاجئه اتفاق السلام بيننا وبين إسرائيل باعتباره خطوة جاءت في سياقها الطبيعي المتسق تماماً مع النهج الذي تسير عليه الإمارات وتعمل على إرسائه في العالم، والقائم على التسامح والاعتدال وقبول الآخر بصرف النظر عن دينه أو عرقه أو مذهبه.

ولعلني، في هذا السياق، أقتبس كلمات معبرة تمامًا عن هذا المعنى مما جاء في رسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة التي وجهها للعالم بمناسبة زيارة بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر للإمارات عام 2019، والتوقيع على وثيقة الإخوة الإنسانية، حيث قال سموه:

إن الكون يتسع للجميع، والتنوع مصدر للثراء وليس سبباً للصراع أو الاقتتال، لقد خلقنا الله متنوعين لكي نكمل بعضنا بعضاً ونتعارف ونتعاون من أجل الخير والسلام والنماء لنا جميعاً.

إننا نعيش اليوم في زمن لا مكان فيه للأيدولوجيا أو القومية أو المذهبية التي ترهن مصالح الأوطان بفلسفات متجاوزة في زمن أصبحت فيه – منطقيًا – المصالح الوطنية تُشكل المحرك الأساسي لسياسات الدول بفعل أن المسؤولية الأولى والأخيرة لأي نظام حاكم تتمثل في إسعاد شعبه وتنميته والحرص على تقدمه قبل أي شيء آخر؛ بمعنى أن مصلحة الوطن تأتي أولاً وبعدها أي شيء آخر.

الإمارات اليوم تسعى وراء مصلحة شعبها، وترى أن العلاقة مع إسرائيل ستفتح آفاقًا رحبة للشراكة تخدم مصلحة الشعبين في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والصحة، والتكنولوجيا، والتعليم…، خاصة إذا ما علمنا أن للدولتين إمكانيات وطموحات كبيرة كانت كافية للإمارات للإقدام على خطوة إبرام اتفاق معلن وصريح للسلام مع إسرائيل، إلى جانب قناعة الإمارات برجاحة توجهها حتى لو رأي البعض غير ذلك، وأن مصلحة شعبها هي البوصلة الرئيسية لقرارات سيادية.

إن الشباب في الإمارات والشرق الأوسط، وهم جُل سكان المنطقة، يتطلعون إلى التنمية وفرص العمل وينظرون إلى المستقبل غير عابئين بصراعات الماضي وعداواته وعقده، ولذلك أجزم بأن غالبية الشباب العربي مع اتفاقية السلام الإماراتية – الإسرائيلية، لأن أولوياتهم تتفق مع مضمون هذه الاتفاقية، وهذا ما كشفت عنه الدراسة الشاملة التي أعدها “مركز الشباب العربي” في الإمارات حول “أولويات الشباب العربي” في الفئة العمرية من 15-35 سنة.

وقد تم نشر نتائج هذه الدراسة بمناسبة اليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس 2020؛ إذ أكدت أن هذه الأولويات على الترتيب هي: الأمان والاستقرار، والتعليم، والصحة، وتعزيز مصادر الدخل، وتوفر فرص العمل، وبناء الشخصية وتطوير الذات، والبيئة، والبنى التحتية، والتمكين الاجتماعي، والتطوير التكنولوجي، والترفيه. وكل هذه الأولويات لا يمكن تحقيقها إلا في ظل السلام.

إن المتطرفين هم فقط من يعارضون السلام لأنهم لا ينظرون إلى التاريخ أو الحاضر أو المستقبل إلا من منظور صراعي حتمي. ولا يمكن أن تظل منطقتنا رهينة لمثل هذه الأفكار بعد أن دفعت ثمناً باهظاً لها من تنميتها ومواردها ودماء أبنائها لعقود طويلة. كما أن التغلب على هذه الأفكار يكون بالشجاعة وأسلوب الصدمة، وتقديم النموذج الإيجابي على ثمار السلام، وهو ما تعمل وستعمل الإمارات على تحقيقه من خلال علاقتها مع إسرائيل.

إن أبناء جيلي من الإماراتيين والعرب يتوقون إلى مستقبل مشرق يسود فيه السلام والازدهار. ونتطلع إلى التخلص من موروث الكراهية غير المبررة الذي ساد لعقود طويلة، واستبداله لتحل محله ثقافة التسامح والأخوة التي تمكّننا من العمل يداً بيد لتحقيق مستقبل أفضل. هذا هو جوهر معاهدة السلام بين إسرائيل والإمارات.

اتفاق السلام من منظور إسرائيلي

مريام 

مع نهاية الشهر الأول من السنة، حسب التقويم اليهودي، يمكنك أن تشعر ببزوغ بدايات جديدة في الأجواء. في 12 أكتوبر 2020 صوّت مجلس الوزراء الإسرائيلي بالإجماع على اتفاقية السلام بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. ثم وافق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) في 15 أكتوبر بأغلبية ساحقة على الاتفاق. وفي 25 أكتوبر وافقت الحكومة الإسرائيلية وبشكل نهائي على تطبيع العلاقات مع الإمارات.

في وقت سابق، كان هناك مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهي المكالمة الأولى منذ توقيع معاهدة السلام على المرج الجنوبي في حديقة البيت الأبيض. ويشعر الإسرائيليون أنهم متحمسون جداً للآفاق والثمار المتوقعة من زيارة رسمية قام بها مؤخراً وفد إماراتي إلى إسرائيل.

وبوصفي إسرائيلية عشت كل حياتي في القدس، كنت أشعر دائماً أن معاهدات السلام مع الدول العربية بعيدة المنال. وكنت متسمرة أمام شاشة التلفزيون في 15 سبتمبر 2020، حيث كان ممثلو بلادي يوقعون معاهدة السلام التي كشفت علاقة كانت تنتظر البناء منذ وقت طويل.

يمثّل في نظرنا نحن الإسرائيليون هذا التوقيع حقبة جديدة. كما نرى أن الوقت قد حان لنتجاوز الخلافات، ونسير نحو مستقبل يتميز بترسيخ الروابط، التي ستتضمن سلسلة من الاتفاقيات الثنائية في قطاعات: الاستثمار، والسياحة، والرعاية الصحية، والثقافة، والعديد من المجالات الأخرى.

لكن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن البال، لكي نفهم معنى هذه الاتفاقيات مع دولة الإمارات والبحرين، هي أنه يتوجب علينا أن ننظر إلى الخلف إلى الأحداث الاستثنائية التي وقعت عام 1967؛ وتحديداً بعد أسبوعين من حرب يونيو 1967، حين اجتمع القادة العرب بقيادة الزعيم المصري جمال عبد الناصر في العاصمة السودانية، الخرطوم؛ وفي ذلك الاجتماع تم إعلان “اللاءات الثلاث”: لا للسلام مع إسرائيل، لا للاعتراف بإسرائيل، لا للتفاوض مع إسرائيل.

العالم العربي معروف بالامتناع عن صنع السلام أو إبرام اتفاقيات مع إسرائيل بسبب حالة ضعف العرب، وهذا يفسّر لماذا كانت الدول العربية مصممة على عدم إبرام أي اتفاق مع إسرائيل عام 1967، غير أن هذه الفكرة بدأت تتغير بعد وفاة عبد الناصر، ومع موته بدأت فكرة الدول العربية العلمانية الموحدة بالتلاشي.

عندما سعى السادات إلى تعزيز الشعور الوطني المصري، تقرّب من الولايات المتحدة، وابتعد عن الاتحاد السوفييتي. وكانت إحدى الخطوات الأولى المنشودة هي التواصل مع إسرائيل، وهذا لا يمكن أن يتحقق من موقع الهزيمة. وأدت هذه الفكرة إلى اندلاع حرب أكتوبر 1973. ومع أن إسرائيل في نهاية تلك الحرب حسنت موقفها واستعادت الكفة لصالحها، إلا أن تلك الحرب لم تُعتبر انتصاراً لإسرائيل. وذلك الوضع دفع السادات إلى توقيع أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية في اتفاقية كامب ديفيد 1979.

تلك المعاهدة كانت الخطوة الأولى لكسر حالة الجمود الناجمة عن حرب 1967 ولاحقاً مهدت الطريق لإبرام اتفاقيات سلام مع الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن الحركة التي غيرت فعلاً مشهد الشرق الأوسط كانت الربيع العربي في أواخر 2010 وأوائل 2011 حيث خرج الناس إلى الشوارع يطالبون بالخبز والعدالة والحرية، وتغيرت حكومات، وتغيرت الأساليب، ولأول مرة بدأت الدول تنظر من خلال مناظير مختلفة، لتحديد ما هو الأفضل لشعوبها وتنمية البلدان.

ومع أن الوضع في بلدان عديدة في الشرق الأوسط غير مستقر، وهناك حروب أهلية وتغيير حكومات، إلا أن إسرائيل تُعتبر دولة مستقرة جداً، ويحتفظ رئيس وزرائنا بنيامين نتنياهو بمنصبه منذ عام 2009. والاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات الرائدة في العالم، وتُعتبر إسرائيل دولة متقدمة ومتطورة؛ وفي الجانب الآخر، رسخت دولة الإمارات موقعها كنموذج فريد للتنمية في المنطقة وهي رمز متميز للسلام والأمن.

وقد دفعت المعطيات المذكورة أعلاه في مجملها دولة الإمارات والبحرين وإسرائيل إلى لحظة تاريخية في 15 سبتمبر 2020. ومن خلال توقيع هذا الاتفاق فإن دولة الإمارات – في جوهر الخطوة – تقول إن إسرائيل ليست جزءا من المشكلة، بل هي جزء من الحل.

يبشر الاتفاق بحقبة جديدة، ليس على المستوى السياسي فحسب- الاتفاق لا يهدف فقط إلى منع إسرائيل من ضم الضفة الغربية- بل إنه يمثل حقبة تم فيها شطب “اللاءات الثلاث”، والدول العربية أصبحت ترى إسرائيل كشريك مستقر، وهذا يدفع دولاً أخرى إلى إبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل. وستؤدي هذه الاتفاقيات إلى بناء شراكات في قطاعات: التكنولوجيا، والطب، والجيش، والمال، والسياحة، والعديد من الجوانب الأخرى.

وأنا بصفتي إسرائيلية، أحلم بمجيء اليوم الذي ننعم فيه بالسلام مع جيراننا، أيام نستطيع فيها أن نصعد إلى الطائرة ونزور دولاً عربية تمتلك ثقافات مشابهة لثقافتنا؛ وبمجيء يوم أستطيع فيه أن أكون دليلاً لأصدقائي الإماراتيين في إسرائيل، وأدعوهم لزيارة القدس، وقد جاء هذا اليوم الذي أحلم به.

نحن في إسرائيل خرجنا لتوّنا من موسم الأعياد، وهناك أغنية إسرائيلية مشهورة نرددها بعد الأعياد مباشرة، نقول فيها “إن التغييرات والأشياء الحلوة ستأتي”. وهذا الاتفاق هو خطوة أولى نحو مستقبل جديد، مستقبل أفضل لنا، ولأولادنا، ولبلداننا، وللعالم أجمع.

 

المواضيع ذات الصلة