كثيرًا ما اتّسم الموقف الأمريكي الرسمي من الصومال بالتمسك بوحدة أراضيه، في انسجام مع مواقف دولية وإقليمية عديدة، غير أن التطورات الجيوسياسية المتسارعة، وتصاعد التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي، قد يدفعان الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في هذه السياسة، لاسيّما في ظل ما بات يُعرف بـ “مشروع 2025″، الذي طرحه الحزب الجمهوري، وأوصى باعتراف أمريكي باستقلال “أرض الصومال”.
لا يمكن فهم هذا التحوّل المحتمل إلا في إطار موازين القوى الدولية، والتغيرات التي تشهدها العلاقة الأمريكية مع جيبوتي، وتصاعد النفوذ الصيني، وعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بسياسة خارجية غير تقليدية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل الدوافع السياسية والاستراتيجية التي قد تُفضي إلى اعتراف واشنطن بأرض الصومال، وبيان الانعكاسات الإقليمية والدولية المحتملة لهذا الاعتراف، مع استشراف السيناريوهات المستقبلية لهذا المسار.
أولًا، دوافع الاعتراف الأمريكي المحتمل
لم يعد الحديث عن الاعتراف الأمريكي باستقلال أرض الصومال مجرد تكهنات أكاديمية أو مطالبات محلية، بل تحول إلى احتمال واقعي تُغذّيه مجموعة من الدوافع الجيوسياسية والاستراتيجية التي تشكل ضغوطًا داخل أروقة صنع القرار الأمريكي، وتُعيد رسم أولوياتها في منطقة القرن الأفريقي. ومن أبرز هذه الدوافع:
1. أزمة الثقة المتنامية مع جيبوتي
تُعد جيبوتي، منذ سنوات، قاعدة الارتكاز الرئيسية للوجود العسكري الأمريكي في القرن الأفريقي، حيث تحتضن “معسكر ليمونييه”، الذي يُعد القاعدة الأمريكية الوحيدة الدائمة في أفريقيا. غير أن هذه العلاقة بدأت بالتآكل، خصوصًا بعد رفض حكومة جيبوتي، في مايو 2024، طلبًا أمريكيًّا باستخدام أراضيها لشن عمليات ضد الحوثيين في البحر الأحمر[1]. ووفقًا لمصادر أمريكية، فإن هذا الرفض لم يكن نابعًا من موقف سيادي فحسب، بل يعكس أيضًا تصاعد النفوذ الصيني في جيبوتي، حيث باتت معظم البنية التحتية الحيوية (الموانئ، والقطارات، والاتصالات) خاضعة لتمويل وسيطرة شركات صينية، وهذا ما يثير قلقًا بالغًا لدى واشنطن، التي ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لقدرتها على التحرك الحر والاستجابة السريعة في بيئة جيوسياسية متوترة.
2. الموقع الحاسم لأرض الصومال
تقع أرض الصومال على الساحل الشمالي الغربي للصومال، مقابل مضيق باب المندب، أحد أهم المعابر البحرية للتجارة العالمية ونقل النفط. ويُعد ميناء “بربرة” على وجه الخصوص من أهم المرافق الحيوية غير المستغلة بشكل مناسب في المنطقة، وهو يشكّل بديلًا محتملًا لميناء جيبوتي من حيث التمركز العسكري والاستخباراتي. أيضًا، تمتلك أرض الصومال قاعدة جوية واسعة قرب بربرة، يمكن تطويرها لتشكل مركزًا عملياتيًّا إقليميًّا للولايات المتحدة. وتُعد هذه الأصول الجيواستراتيجية ذات أهمية مضاعفة في ظل استمرار التهديدات التي تشكلها جماعة الحوثي، وتنامي أنشطة تنظيم الشباب، وازدياد التنافس الإقليمي والدولي على خطوط الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.
3. النضج السياسي والديمقراطي في أرض الصومال
بالرغم من غياب الاعتراف الدولي، فقد استطاعت أرض الصومال أن تبني مؤسسات سياسية مستقرة، وأن تُجري انتخابات دورية، وتنتقل السلطة بشكل سلمي. كما نجحت في فرض الأمن الداخلي ومنع الجماعات الإرهابية من اختراقها، مقارنة بالصومال الفيدرالية، التي لاتزال تعاني الهشاشة السياسية، وانعدام السيطرة على العديد من المناطق، فضلًا عن الفساد والانقسامات. وتُعد هذه المعطيات مغرية لصناع القرار الأمريكي، الذين يبحثون عن “شركاء موثوق بهم” في مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي، ولو كان ذلك خارج الإطار التقليدي للعلاقات مع الدول ذات السيادة المعترف بها.
4. تحالف أرض الصومال مع تايوان
في فبراير 2020، أعلنت تايوان إقامة علاقات دبلوماسية مع أرض الصومال، وهي خطوة مثّلت سابقة دولية، وفتحت الباب أمام الاعتراف المتبادل بين كيانين غير معترف بهما من الأمم المتحدة. ووجدت هذه الخطوة ترحيبًا من بعض الأوساط الأمريكية، خصوصًا في مجلس الأمن القومي. وفي ظل التحالف الاستراتيجي بين واشنطن وتايبيه، فإن دعم أرض الصومال يُعد مكسبًا مزدوجًا؛ فهو يقوّض نفوذ بكين، ويعزز في الوقت نفسه من خطاب واشنطن حول دعم ما يسمى “الديمقراطيات الصاعدة”.
5. صعود الخطاب الجمهوري الراغب في الحسم
أخيرًا، يُمثّل تيار الحزب الجمهوري، لاسيما الجناح الترامبي، عاملًا حاسمًا في بلورة التوجه نحو الاعتراف. فمشروع “2025”، الذي أعدّه 140 من الجمهوريين، يضع أرض الصومال ضمن الأولويات، ويبرر الاعتراف بها كضرورة لحماية المصالح الأمريكية. كما أن نهج ترامب في قرارات السياسة الخارجية يشير إلى ميله لكسر الأعراف، وتبني قرارات “صادمة”، لكنها تخدم مصالح واشنطن، من وجهة نظره، كما حدث مع اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية في 2020[2].
ثانيًا، المؤشرات الأمريكية العملية
بالرغم من أن الولايات المتحدة لم تصدر حتى الآن موقفًا رسميًّا يعترف باستقلال أرض الصومال، فإن سلسلة من التحركات والتصريحات الأمريكية، خلال السنوات الأخيرة، تشير إلى تغيّر تدريجي ومدروس في طريقة تعاطي واشنطن مع هذا الكيان، وكأنها تمهد الأرضية لسيناريو الاعتراف، سواء بشكل كامل أو جزئي. ويمكن رصد هذه المؤشرات على مستويات عدة: سياسية، ودبلوماسية وعسكرية، وتشريعية.
1. وثيقة “مشروع 2025” مخطط سياسي لتحول استراتيجي
في صيف 2023، صدرت وثيقة ضخمة بعنوان “مشروع 2025: مشروع الانتقال الرئاسي”، أعدّها أكثر من 140 من كبار المحافظين الجمهوريين، وتشكل خريطة طريق لسياسات دونالد ترامب. اللافت للانتباه أن الوثيقة لم تذكر من القارة الأفريقية سوى بلدين فقط، هما جيبوتي وأرض الصومال، وهو ما يعكس تحوّل تركيز الجمهوريين نحو القرن الأفريقي باعتباره أولوية أمن قومي[3]. وتدعو الوثيقة إلى إعادة تقييم العلاقة مع جيبوتي؛ بسبب ما تعدّه “انحيازًا متزايدًا لبكين”، وتُوصي صراحة بأن تدرس واشنطن الاعتراف بأرض الصومال كموقع بديل قادر على استضافة الوجود الأمريكي، وتعزيز القدرات الاستخباراتية والعسكرية في مواجهة الصين وإيران والحوثيين.
2. تصريحات المسؤولين وتآكل الالتزام بـ”الصومال الواحد“
في سابقة دبلوماسية، صرّح نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، كريستوفر لاند، بتاريخ 7 أبريل 2025، بأن بلاده تدرس إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع أرض الصومال[4]. ويحمل هذا التصريح في طياته تحولًا نوعيًّا في لغة الخطاب الأمريكي، التي كثيرًا ما شددت على التمسك بوحدة الصومال. كما أن استخدام مصطلح “علاقات دبلوماسية مباشرة” يعني فتح قنوات مستقلة عن مقديشو، وهو ما يُفسَّر كخطوة تمهيدية للاعتراف، أو على الأقل لفك الارتباط السياسي مع الحكومة الصومالية المركزية في بعض الملفات.
3. التحركات في الميدان.. سباق على الموانئ والقواعد
كشفت تسريبات إعلامية عن أن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، عرض على واشنطن في مارس 2025 “سيطرة تشغيلية حصرية” على بعض الموانئ الاستراتيجية الواقعة في أرض الصومال -مثل بربرة وبوساسو- كمحاولة لقطع الطريق أمام الاعتراف الأمريكي[5]. غير أن هذه الخطوة، كما يبدو، قوبلت بتحفظ أمريكي، في ظل تزايد التعاون المباشر مع حكومة هرجيسا؛ ما يُظهر أن واشنطن لم تعد ترى مقديشو بوصفها الشريك الحصري في الصومال.
4. دعم الكونغرس الجمهوري
ثمة دعم متزايد داخل الكونغرس، خصوصًا في أوساط الجمهوريين، لأرض الصومال ككيان ديمقراطي ناشئ، يمكن التعاون معه أمنيًّا واقتصاديًّا[6]. وقد لوحظ إدراج أرض الصومال في قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA) لعام 2022، بما يسمح لها بالمشاركة في برامج عسكرية أمريكية[7]. كما أن هناك مؤشرات إلى وجود مشروعات قوانين قيد الإعداد تهدف إلى دعم فتح مكتب تمثيلي أمريكي في هرجيسا، على غرار ما فعلته تايوان.
5. زيارات رسمية وغير رسمية
قامت وفود أمريكية غير رسمية، تضم أعضاء من الكونغرس وشخصيات محافظة مقربة من ترامب، بزيارات متكررة إلى أرض الصومال خلال 2023 و2024. كما أرسلت إدارة بايدن وفدًا في ديسمبر 2024 لتهنئة الرئيس المنتخب عبدالرحمن إيرو[8]. وعلى الرغم من استبعاد هرجيسا من القمة الأمريكية-الأفريقية، التي نظمتها واشنطن في ديسمبر 2022[9]، فإن هذه الزيارات تمثل مؤشرات واضحة إلى تطبيع غير معلن في العلاقات.
ثالثًا، الانعكاسات الإقليمية والدولية للاعتراف الأمريكي بأرض الصومال
لا يمكن النظر إلى الاعتراف الأمريكي المحتمل بأرض الصومال بوصفه قرارًا ثنائيًّا يخص واشنطن وهرجيسا فقط، بل هو تطور جيوسياسي عميق يحمل انعكاسات خطيرة على الاستقرار الإقليمي، ويؤثر في توازنات القوى في القرن الأفريقي، ويعيد خلط أوراق التنافس الدولي على ضفاف البحر الأحمر. ومن هنا، فإن فهم هذه الانعكاسات يتطلب فهم وتفكيك أبعادها الإقليمية والدولية، وكذلك تبعاتها على الداخل الصومالي.
1. الانعكاسات الإقليمية
تعد مصر من أبرز الدول المتضررة من الاعتراف المحتمل، نظرًا لاعتبارات عدة متشابكة؛ فالقاهرة ترى في أي تمدد إثيوبي في البحر الأحمر تهديدًا للأمن القومي المصري، وقد عبّرت صراحة عن رفضها للاتفاق المبدئي الموقّع في يناير 2024 بين إثيوبيا وأرض الصومال، الذي يمنح أديس أبابا منفذًا بحريًّا في بربرة، مقابل اعتراف إثيوبي باستقلال أرض الصومال. واعتُبر الاتفاق حينها تجاوزًا خطيرًا على السيادة الصومالية، ومهددًا للتوازن البحري في المنطقة.
وسيُفسَّر الاعتراف الأمريكي بهذا الاتفاق أو دعم أرض الصومال بشكل مباشر في القاهرة بأنه انحياز أمريكي لإثيوبيا على حساب المصالح المصرية، وقد يدفع القاهرة نحو تحركات أكثر حدّة في البحر الأحمر، قد تشمل تعميق التعاون العسكري مع الصومال، أو حتى تعزيز الوجود البحري في مناطق قريبة من بربرة.
إلى جانب ذلك، يُهدد الاعتراف الأمريكي بتقويض الوساطة التركية، التي نجحت في ديسمبر 2024 في التوصل إلى تفاهم بين مقديشو وأديس أبابا، يقضي بوقف التصعيد، وتأجيل تنفيذ الاتفاق البحري[10]؛ إذ إن واشنطن، في حال الاعتراف، ستُفرغ المبادرة التركية من مضمونها، وتفتح الباب لتصعيد سياسي، وربما عسكري جديد، في المنطقة.
2. الانعكاسات الدولية
في البعد الدولي، يُتوقع أن يؤدي الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال إلى توسيع رقعة التنافس بين واشنطن وبكين في القرن الأفريقي. فالصين، التي تعدّ تايوان “جزءًا لا يتجزأ من أراضيها”، تنظر بعين الريبة إلى دعم الولايات المتحدة لأرض الصومال المتحالفة مع تايبيه. ومن المرجح أن تسعى بكين للرد من خلال توثيق علاقتها بالحكومة الصومالية المركزية، وربما المضي قدمًا في إنشاء قاعدة عسكرية على الساحل الصومالي الشرقي؛ ما يؤدي إلى تطويق النفوذ الأمريكي من الشرق (الصين في الصومال) ومن الغرب (الصين في جيبوتي).
في المقابل، قد تتحمس دول أخرى حليفة لواشنطن لاتخاذ خطوات مماثلة؛ فالمملكة المتحدة، التي تمتلك علاقات عسكرية ودبلوماسية قوية مع أرض الصومال، قد تعترف بها رسميًّا في حال أقدمت الولايات المتحدة على ذلك[11]، وهو ما يُحدث “تأثير الدومينو” في مواقف عدد من الدول الغربية، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.
3. الانعكاسات الداخلية
داخليًّا، سيشكل الاعتراف الأمريكي ضربة قاسية لوحدة الصومال، ويُضعف شرعية الحكومة المركزية، ويُعزز من خطاب الانفصال لدى أقاليم أخرى قد تسعى لاستنساخ تجربة أرض الصومال. كما أنه قد يؤدي إلى تصعيد عسكري بين قوات الحكومة الصومالية وقوات أرض الصومال، لاسيما في المناطق المتنازع عليها، مثل صول وسناغ.
فضلًا عن ذلك، فإن الاعتراف سيؤدي إلى تعميق الانقسام المجتمعي بين أبناء الصومال، ويغذي مشاعر العداء ضد واشنطن، وقد يدفع شرائح واسعة من النخبة السياسية الصومالية نحو الارتماء في أحضان خصوم الولايات المتحدة -كالصين أو إيران- كرد فعل على ما سيُنظر إليه بوصفه “طعنة أمريكية في الظهر”.
رابعًا، السيناريوهات المستقبلية
مع تسارع التحولات السياسية في الولايات المتحدة، وعودة الطروحات الجمهورية الداعية إلى حسم الملفات الجيوسياسية بقرارات حادة وغير تقليدية، يُصبح من الضروري تحليل السيناريوهات المستقبلية المحتملة تجاه ملف الاعتراف بأرض الصومال، خاصة أن تداعياته ستمتد إقليميًّا ودوليًّا. ورغم تعدد الاحتمالات، فإن أبرزها يمكن تلخيصها في ثلاثة مسارات رئيسية:
1. الاعتراف الكامل
يُعد هذا السيناريو هو الأكثر تأثيرًا، والأكثر إثارة للجدل؛ ففي حال قررت الولايات المتحدة، الاعتراف رسميًّا بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة، فستكون تلك سابقة غير معهودة في السياسة الخارجية الأمريكية في أفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة. وسيترتب على هذا الاعتراف نتائج قانونية ودبلوماسية وعسكرية واسعة، من أهمها فتح سفارة أمريكية في هرجيسا، وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري وتجاري، ودعم مشاريع البنية التحتية، مثل ميناء بربرة وتوسيعه كمركز لوجستي إقليمي، وربما دعوة الحلفاء الغربيين للاعتراف تباعًا، وعلى رأسهم المملكة المتحدة وكندا.
لكن في المقابل، قد يُشعل هذا السيناريو توترًا إقليميًّا حادًّا، حيث سيكون هناك بالطبع اعتراض حاد من الحكومة الصومالية، وقد يصل إلى قطع العلاقات مع واشنطن، وتفاقم الأزمة مع مصر، وربما سعيها لحشد موقف عربي موحد ضد القرار، كما قد يُشعل تصعيدًا إثيوبيًّا يُعيد فرض الاتفاق البحري المثير للجدل مع أرض الصومال، وربما تفجر صراع ثلاثي الأطراف (الصومال -إثيوبيا- أرض الصومال).
2. الاعتراف العملي دون إعلان رسمي
في هذا السيناريو، تتجه الولايات المتحدة إلى تعزيز علاقاتها مع أرض الصومال بشكل تدريجي وفعّال، دون الاعتراف الرسمي الكامل، وذلك لتفادي التوترات المباشرة مع مقديشو والقاهرة، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. وقد تشمل هذه الخطوات افتتاح مكتب تمثيل دبلوماسي أو قنصلية في هرجيسا، وتوقيع اتفاقيات عسكرية محددة مع أرض الصومال، كمشاركة في تدريبات مشتركة، أو استخدام مرافق ميدانية، ودعم مشاريع اقتصادية وتنموية في أرض الصومال، عبر قنوات غير حكومية أو منظمات أمريكية. وما يميز هذا السيناريو أنه يحقق الأهداف الأمريكية دون الدخول في صدام مباشر مع الحلفاء، لكنه في المقابل قد يضعف واشنطن في نظر أرض الصومال، التي تنتظر اعترافًا واضحًا، ويجعل موقفها غامضًا أمام خصومها الدوليين الذين قد يستغلون ترددها.
3. تجميد الاعتراف
يفترض هذا السيناريو أن تُواجه الولايات المتحدة عقبات داخلية أو ضغوطًا خارجية تحول دون المضي في الاعتراف، سواء بسبب معارضة قوى داخلية، مثل الحزب الديمقراطي، أو اعتراضات دول حليفة كفرنسا ومصر وتركيا، أو نتيجة انشغال الإدارة الأمريكية بأزمات داخلية أو دولية أخرى. في مثل هذا السيناريو، تستمر العلاقة بين واشنطن وأرض الصومال على مستوى التعاون المحدود، مع إبقاء ملف الاعتراف مفتوحًا كأداة ضغط أو تفاوض في ملفات إقليمية أوسع، مثل النفوذ الصيني أو ملف البحر الأحمر.
الخاتمة
يشكّل ملف الاعتراف الأمريكي بأرض الصومال حالة معقدة تتقاطع فيها الحسابات الجيوسياسية مع طموحات الانفصال المحلي، وسط توازنات إقليمية هشّة. فلم يعد الاعتراف مجرد احتمال نظري، بل بات مطروحًا على الطاولة في واشنطن، خاصة في ظل التوجهات الجمهورية الداعمة له. غير أن هذا التوجه يحمل تحديات عدة، مثل توتر العلاقات مع الحلفاء مثل مصر، وإضعاف الحكومة الصومالية، والتأثير سلبًا في الاستقرار بالمنطقة، التي تعاني أصلًا حالة عدم استقرار شبه مزمنة. وقد يثير الملف انقسامًا داخليًّا في الولايات المتحدة بين المصالح الاستراتيجية والالتزامات القانونية. ويبقى مسار هذا التوجه الأمريكي مفتوحًا على سيناريوهات عدة، ربما يكون أكثرها ترجيحًا عدم الاعتراف في المدى المنظور، ولكن الاحتفاظ به كورقة ضغط، سواء على الدول المنافسة مثل الصين، أو حتى الحكومة الفيدرالية؛ للحصول على امتيازات خاصة.
[1] Mandate for Leadership, The Conservative Promise, by the Heritage Foundation, 2023, https://shorturl.at/iOTZI
[2]“واشنطن تجدد الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء”، شبكة سكاي نيوز الإخبارية، 9 أبريل 2025، https://shorturl.at/jw27O
[3] بير مجدي، “ما التداعيات المُحتملة لفوز ‘دونالد ترامب’ على الصومال؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 14 نوفمبر 2024، https://rcssegypt.com/19362
[4] “الولايات المتحدة تدرس إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع أرض الصومال”، الصومال الجديد، 7 أبريل 2025، https://alsomal.net/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%B3-%D8%A5%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D9%82%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D8%B9/
[5] “الصومال يعرض على أمريكا سيطرة حصرية على قاعدتين جويتين وميناءين “Swissinfo، 16 مارس 2025. https://www.swissinfo.ch/ara/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%8a%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d8%a7-%d8%b3%d9%8a%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%ad%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af%d8%aa%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%aa%d9%8a%d9%86-%d9%88%d9%85%d9%8a%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d9%86/89082410
[6] Maxwell Webb, “There’s a rare opportunity to deepen US-Somaliland ties. But several obstacles stand in the way”, published December 17, 2024, https://shorturl.at/Ex3KD
[7] يدر الموسوي، “مصادر: صومالي لاند جزء من خطة أمريكية لمواجهة الحوثي”، المنشر، 17 ديسمبر 2023.
[8] “Somalia: U.S officials visits Somaliland”, Garowe online, Published December 3, 2024, https://shorturl.at/N6icb
[9] استبعاد أرض الصومال وإريتريا من حضور القمة الأمريكية الأفريقية، موقع الصومال الجديد،8 ديسمبر 2022، https://shorturl.at/yAPVa
[10] “كيف ترى مصر اتفاق المصالحة الصومالية – الإثيوبية؟”، صحيفة الشرق الأوسط، 12 ديسمبر 2024، https://shorturl.at/hLpRD
[11] https://www.declassifieduk.org/gavin-williamson-kept-lobbying-for-somaliland-amid-civil-war/