Insight Image

استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي: التحديات والفرص

29 يناير 2025

استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي: التحديات والفرص

29 يناير 2025

في ظل التطورات الرقمية المتسارعة، أصبح الذكاء الاصطناعي أداةً محورية لتعزيز الشفافية والمساءلة في الشؤون السياسية. وتُستخدم هذه التقنية على نطاق واسع في مراقبة الالتزام بالقوانين والسياسات، بما يشمل تتبع تمويل الحملات الانتخابية، والكشف عن الفساد، وضمان تنفيذ السياسات العامة بفعالية. على سبيل المثال، بدأت العديد من الحكومات، في السنوات الأخيرة، توظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء المؤسسي، ودعم عملية اتخاذ القرار.

ورغم هذه الفوائد، يثير الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي مخاوف متزايدة بشأن تأثيراته في الديمقراطية وحقوق الأفراد؛ إذ يمكن أن يتحول من أداة لتعزيز الشفافية إلى وسيلة للسيطرة، خاصة إذا استُخدم في تقليص حرية التعبير، أو تقويض المعارضين السياسيين. فضلًا عن ذلك، فإن تزايد سيطرة الشركات الكبرى المالكة لهذه التقنيات يمكن أن يؤثر في سيادة الدول وعملياتها السياسية؛ ما يجعل الحاجة إلى تنظيم أخلاقي وقانوني لاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

تأتي هذه الدراسة للبحث في علاقة الذكاء الاصطناعي والممارسات السياسية الحديثة، وكذلك البحث في أهمية الشفافية في الأنظمة السياسية ودور التكنولوجيا في تحقيقها، ثم تستعرض التطبيقات الرئيسية للذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي، وتجلياته في تتبع تمويل الحملات الانتخابية، وكشف الفساد وسوء استخدام السلطة، ومراقبة تنفيذ السياسات العامة. ثم تنتقل الدراسة إلى التحديات والقيود التي يفرضها الذكاء الاصطناعي في مجال الامتثال السياسي كانحياز الخوارزميات، وتهديد الخصوصية، وكذا التأثير في حرية التعبير والممارسات الديمقراطية، ثم البحث في الأبعاد الأخلاقية والقانونية لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الامتثال السياسي، والتوازن بين الأمن والمساءلة السياسية، وأخيرًا مخاطر إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي في الأنظمة السلطوية، واستعراض دراسة حالة استخدمت الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي، وصولًا للخاتمة وما تتضمنه من استنتاجات وتوصيات في هذا الشأن.

أولًا/ العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والممارسات السياسية الحديثة وأهمية الشفافية في الأنظمة السياسية ودور التكنولوجيا في تحقيقها:

تُعَدُّ العلاقة بين الذكاء الاصطناعي (AI) والممارسات السياسية الحديثة موضوعًا متزايد الأهمية، خاصةً مع التقدم السريع في التكنولوجيا وتأثيرها المتنامي في عمليات صنع القرار السياسي؛ إذ تلعب الشفافية دورًا حيويًا في ضمان نزاهة الأنظمة السياسية. ويُعَدُّ استخدام التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وسيلة فعّالة لتعزيز هذه الشفافية. وقد شهدت الحكومات، في السنوات الأخيرة، زيادة ملحوظة في اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الخدمات العامة، وتعزيز عملية صنع القرار. ووفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Information، فإن الذكاء الاصطناعي يُستخدم في تحليل البيانات الضخمة؛ لتحديد الاتجاهات، والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية، ما يدعم تطوير سياسات عامة أكثر فعالية.[1]

ومع ذلك، يثير هذا الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول الشفافية والمساءلة في العمليات السياسية. ويشير مقال نُشر في مجلة Science and Public Policy إلى أن تبنّي أنظمة الذكاء الاصطناعي في المجالات السياسية يتطلب فهمًا عميقًا للعوامل التي تؤثر في مواقف الأطراف المعنية تجاه استخدام هذه التكنولوجيا وحوكمتها.[2]

وفيما يتصل بأهمية الشفافية في الأنظمة السياسية وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي، تُعَدُّ الشفافية عنصرًا أساسيًا في الأنظمة السياسية الديمقراطية، حيث تضمن أن تكون عمليات صنع القرار مفتوحة وقابلة للمساءلة أمام الجمهور. وتعزز الشفافية الثقة بين المواطنين والحكومة، وتُسهم في منع الفساد وسوء الإدارة. ومع إدخال أنظمة الذكاء الاصطناعي في العمليات الحكومية، تزداد الحاجة إلى ضمان أن تكون هذه الأنظمة شفافة ومفهومة؛ إذ يُشير مقال نُشر في Internet Policy Review إلى أن الشفافية في الذكاء الاصطناعي تتطلب فهمًا متعدد الأبعاد، يشمل الجوانب التقنية والقانونية والاجتماعية.[3]

استنادًا إلى لذلك، فإن للتكنولوجيا دورًا معتبرًا في تحقيق الشفافية؛ حيث تلعب دورًا مزدوجًا في تعزيز الشفافية؛ فمن جهة، يمكن استخدامها لزيادة الشفافية من خلال توفير منصات مفتوحة للبيانات وأدوات لمراقبة الأداء الحكومي. ومن جهة أخرى، قد يؤدي الاستخدام غير الشفاف للتكنولوجيا، مثل أنظمة الذكاء الاصطناعي غير المفهومة، إلى تقويض الشفافية. ووفقًا لدراسة، نُشرت في مجلة Data & Policy، فإن الانتقال من الشفافية إلى المساءلة في أنظمة الذكاء الاصطناعي يتطلب تجاوز الطموحات إلى تنفيذ عملي يشمل تطوير أطر عمل واضحة للمساءلة.[4]

وعليه، يُعَدُّ التكامل بين الذكاء الاصطناعي والممارسات السياسية الحديثة مجالًا معقدًا يتطلب توازنًا دقيقًا بين الابتكار التكنولوجي، والحفاظ على المبادئ الديمقراطية. وتلعب الشفافية دورًا حاسمًا في هذا السياق، حيث تضمن أن تكون عمليات صنع القرار، مدعومةً بالذكاء الاصطناعي، مفتوحةً وقابلةً للمساءلة. ومن خلال تبني أطر حوكمة فعّالة، وتركيز على الشفافية، يمكن للحكومات الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على ثقة الجمهور، وضمان تحقيق العدالة في العمليات السياسية.

ثانيًا/ التطبيقات الرئيسية للذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي:

يمكن القول إن عملية صنع السياسات العامة في أي بلد تنقسم إلى أقسام عدة، منها تحديد المشكلات، ولفت انتباه صانعي السياسات لتلك المشكلات، ومن ثم صياغة هذه السياسات وتنفيذها وتقييمها بشكل كامل بعد التنفيذ؛ وذلك بغرض تحليل نجاحها. وقد أسهم الذكاء الاصطناعي، خلال السنوات الأخيرة، في تحسين جودة الحكم السياسي في معظم البلدان. وتسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحديد جدول الأعمال، الذي يحتوي على أبرز القضايا والمشكلات السياسية التي تستحوذ على اهتمام الجماهير وصانعي السياسات؛ حيث تمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحكومات من الحصول على كمية بيانات ضخمة تلتقطها البرامج الذكية عبر الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنصات الرقمية كافة، وبالتالي قياس اتجاهات الرأي العام للقضايا السياسية التي يتناولها رواد هذه المواقع. ومن أبرز الحكومات، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في العمليات السياسية، المملكة المتحدة، حيث أعلنت الحكومة البريطانية عام 2015 تعاقدها مع 7 شركات؛ وذلك لرصد المعلومات والاتجاهات وآراء لمواطنين في القضايا والمواقف السياسية؛ وذلك بهدف معروفة الواقع السياسي، من وجهة نظر الشعب؛ ما يساعدها على صياغة السياسة العامة وتطبيقها بشكل يرضي الجميع[5].

من جهة أخرى، كانت هناك محاولات هائلة لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة للعمل على ضمان الحيادية والأمانة والنزاهة في تعيين الأشخاص العاملين في أجهزة الدولة، تبعًا لجدارتهم واستحقاقهم لمناصبهم. وتُعدّ السويد من الدول الرائدة في السعي لتوظيف الذكا الاصطناعي في عمليات التوظيف الحكومية، وذلك باستخدام الروبوتات التي تختبر المتقدمين، ومن ثم تحليل بياناتهم واختباراتهم، واختيار الشخص الأنسب دون التدخل البشري[6].

يلعب الذكاء الاصطناعي حاليًا دورًا مهمًا جدًا في إدارة العمليات الانتخابية، حيث يُستخدم في المجال السياسي لتحسين دقة نتائج الانتخابات، وذلك بسب تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في السنوات الأخيرة، عبر تطوير تقنيات التعلم العميق، وتوفير البيانات الضخمة وقدرات الحوسبة. وقد مكّنت هذه التقنياتُ الجديدة، مثل النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) والنماذج التوليدية، الفرقَ والمنظمات المسؤولة عن مراقبة العمليات الانتخابية من تحليل النصوص المعقدة وتلخيصها، وإنشاء بيانات متعددة الأنماط، مثل الفيديو والصوت. وأكبر مثال لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في هذا المجال هو مركز معلومات التسجيل الإلكتروني ERIC وهو مركز يعتمد على تقنيات متطورة جدًا لتحليل سجلات الناخبين؛ كي يتم اكتشاف أي عملية تلاعب، كتسجيل أحد الناخبين صوته مرتين، أو مثلًا اكتشاف عدم أهلية أحد الناخبين. أيضًا، تعتمد الكثير من الدول حاليًا على أنظمة توقع بيومتري ونماذج إحصائية؛ وذلك لتحليل نتائج الانتخابات وضمان عدم التلاعب بها[7]. كذلك، من أبرز المنصات، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لكشف التلاعب المالي في الحملات الانتخابية، منصة open secret التي اشتُهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحلّل بيانات تمويل الحملات، وتقدم معلومات واضحة وصريحة للناخبين والجماهير.

أيضًا، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا أساسيًا في كشف الفساد وسوء استخدام السلطات، وذلك من خلال تحليل سلوك الحكومات وتوجهاتها، وتحديد أي نشاط مشبوه تقوم به، وذلك ضمن مجال البيانات المالية والمعاملات الحكومية، عبر استخدام خوارزميات التعلم العميق وتحليل الوثائق والملفات الحكومية؛ لكشف أي ممارسات متحيزة أو فاسدة. ومن الأمثلة على هذه الميزة مشروع BHOOMI الذي استُخدم في الهند؛ بهدف تحسين الشفافية والمصداقية لعمل المؤسسات الحكومية في خصخصة الأراضي؛ لمنع بيعها بشكل مخالف للقوانين.

وبعد استخدام الذكاء ا الاصطناعي في عملية صناعة السياسة، فإنه يُستخدم أيضًا في مراقبة تنفيذ هذه السياسات وتقييم أدائها؛ وذلك لقياس مدى تحقيقها أهدافها، ومدى إرضائها للجماهير، وذلك من خلال قياس البيانات المرتبطة بتأثير السياسات في المجتمع والاقتصاد والبيئة والصحة ومختلف المجالات، ومقارنة هذه البيانات قبل تطبيق السياسة. ومن أشهر المنصات، التي تتيح للجمهور معرفة نتائج تطبيق السياسات بشكل دقيق، منصتا AI for social Good وPOLICYAI وتُستخدم هذه المنصات لتحليل البيانات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ لتقييم تأثير هذه السياسات، وأيضًا للمساعدة على صناعة سياسات وقرارات المرحلة المستقبلية، وذلك بعد معرفة نفاط الضعف، والعمل على معالجتها لتحسين كفاءة تخصيص الموارد، وتحقيق أهداف الدولة التنموية والسياسية والاجتماعية[8].

ثالثًا/ التحديات والقيود المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي

  1. انحياز الخوارزميات:

يُعد انحياز الخوارزميات (Algorithmic Bias) من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي، حيث تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على البيانات التي تُستخدم في التدريب. وفي حال احتواء هذه البيانات على تحيزات مسبقة، أو تم جمعها بشكل غير متوازن وغير مدروس، فسوف يؤدي ذلك إلى نتائج غير عادلة أو مشوهة أو غير نزيهة. على سبيل المثال، تفتقر بيانات تمويل الحملات الانتخابية، المستخدمة في تدريب النظام، إلى تمثيل كافٍ لبعض الفئات أو المناطق؛ ما قد يسبب تجاهلًا أو تقليلًا من أهمية الانتهاكات المرتبطة بها[9].

  1. تهديد الخصوصية:

يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية جمع وتحليل كميات كبيرة جدًا من البيانات السياسية، كسجلات التمويل وسلوكيات الاشخاص الناخبين، أمرًا يثير الريبة والشكوك بشأن خصوصية الأفراد؛ حيث تعتمد هذه الأنظمة على جمع بيانات حساسة وشخصية قد تكون متعلقة بالأفراد أو الأحزاب السياسية، ويمكن أن يؤدي ذلك الأمر إلى ارتكاب انتهاكات قانونية وأخلاقية. على سبيل المثال، في حالة تحليل ودراسة بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لتتبع التبرعات الانتخابية، قد يؤدي ذلك إلى كشف معلومات شخصية للمتبرعين؛ ما يسبب انتهاكًا كبيرًا لقوانين حماية البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي[10].

  1. التأثير في حرية التعبير:

قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي إلى التقليل من حرية التعبير والممارسات الديمقراطية. فعند استخدام الحكومات أو الأحزاب السياسية تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الآراء العامة والتوجهات أو المقالات التي تعارض التوجه الحالي عبر الإنترنت، لن يتمكن الأفراد من التعبير عن آرائهم بحرية مطلقة، وبالتالي سيتسبب استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييد كبير لحرية الأفراد بشكل عام[11].

  1. التأثير في الممارسات الديمقراطية:

قد يؤدي الاعتماد الكبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة العمليات السياسية إلى التأثير في الممارسات الديمقراطية، حيث يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الناخبين، الذين قامو بعمليات الانتخابات السياسية، إلى استهداف فئات معينة منهم بحملات موجهة ضدهم؛ ما يُوجِد بيئة غير متكافئة بين المرشحين. فضلًا عن ذلك، فإن هناك إمكانية لاستخدام أدوات التزييف العميق (Deepfakes) لإنشاء محتوى مزيف وادعائي، يهدف إلى تضليل الناخبين وتغيير آرائهم؛ ما يجعل العمليات الانتخابية غير نزيهة[12].

  1. تحديات قانونية وتنظيمية:

تُعد التشريعات والقوانين، التي تنظم عملية استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي، محدودة وغير معروفة للجميع في العديد من البلدان؛ ما يُوحِي بفراغ قانوني وتشريعي، يمكن أن يؤدي إلى سوء استخدام هذه التكنولوجيا. فنلاحظ غياب لوائح واضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في تتبع عمليات تمويل الحملات الانتخابية؛ ما يسبب الممارسات غير الأخلاقية.

  1. صعوبة تفسير النتائج: (Lack of Interpretability)

يصعب في معظم الأوقات تحليل وفهم كيفية وصول نظام الذكاء إلى قراراته أو تحليلاته؛ بسبب صعوبة طبيعة أنظمة تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ ما يصعِّب على اللجان الرقابية أو العامة الوثوق بالنتائج التي تقدمها هذه التقنيات، وبالتالي تنخفض مصداقية التقارير التي تستند إليها، أو ينتجها الذكاء الاصطناعي[13].

  1. تحديات فنية وتقنية:

تتطلب تقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي عددًا كبيرًا جدًا من التقارير والبيانات ذات الجودة العالية، وهذا يُعد تحديًا صعبًا في البيئات والمجتمعات، التي تفتقر إلى بنية تحتية مناسبة، أو بيانات دقيقة وذات شفافية ونزاهة.

رابعًا/ أبعاد أخلاقية وقانونية:

يُثير استخدام الذكاء الاصطناعي في الممارسات السياسية تحديات أخلاقية متعددة، بما في ذلك قضايا الخصوصية، والتحيز، والمساءلة. ويشير مقال نُشر في مجلة Frontiers in Artificial Intelligence إلى أن الدعوات إلى “أخلاقيات الذكاء الاصطناعي” تتزايد، مع التركيز على تطوير مبادئ توجيهية؛ لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بشكل مسؤول.[14]

بالإضافة إلى ذلك، تتطلب الشفافية في أنظمة الذكاء الاصطناعي توفير تفسيرات واضحة لآليات عمل هذه الأنظمة وقراراتها؛ ما يعزز الثقة ويضمن المساءلة. ويشير مقال نُشر في European Law Open إلى أن الشفافية يجب أن تتجاوز مجرد شرح مخرجات الخوارزميات لتشمل فهمًا أعمق للمنطق الكامن وراء هذه الأنظمة.

لذا، تتبنى العديد من الدول استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تعزيز الابتكار مع ضمان الحوكمة الرشيدة. ووفقًا لدراسة، نُشرت في مجلة Policy and Society، فإن هذه الاستراتيجيات تعكس أولويات الحكومات في تنظيم الذكاء الاصطناعي، وتوجيه تطويره واستخدامه.

على سبيل المثال، وقّعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي أول معاهدة دولية ملزمة قانونيًا بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، تؤكد حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. وتتطلب هذه المعاهدة المساءلة عن نتائج أنظمة الذكاء الاصطناعي الضارة، والحفاظ على حقوق المساواة والخصوصية، ما يوفر سبلًا قانونية للأفراد المتضررين.[15]

  • التوازن بين الأمن والمساءلة السياسية

أضحت عملية تحقيق التوازن بين الأمن والمساءلة السياسية، عند استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) لتحقيق الامتثال السياسي، أحد التحديات المعقدة وذات الأولوية، خاصة في الدول المعاصرة، حيث توجد مخاوف حول الخصوصية والحريات الفردية والشفافية، وذلك بسبب عوامل متشابكة عدة، تشمل الجوانب التقنية، والأخلاقية، والقانونية، والاجتماعية؛ إذ إن التحديات التقنية والأخلاقية والقانونية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية تقيّد هذا التوازن، وتحول بين طرفيه في كثير من الأحيان، كما سبق أن أوضحنا. فعدم تحقيق التوازن المنشود قد يؤدي إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، منها فقدان الثقة، حيث يشعر المواطنون بأن الذكاء الاصطناعي يُستخدم لقمعهم أو مراقبتهم؛ ما يُفقدهم الثقة بالحكومة، وكذا التأثير في الحريات، على اعتبار أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الرقابة قد يقوّض الحريات الفردية، مثل حرية التعبير والتجمع، وأيضًا عدم المساواة المترتبة على أنظمة الذكاء الاصطناعي المتحيزة، التي قد تؤدي إلى تعميق الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى التلاعب بالرأي العام؛ إذ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتوجيه الرأي العام، والافتقار إلى الشفافية. وعليه، يجب على الدول المعاصرة تفكيك تلك التحديات وأسبابها، وما تؤول إليه، وهو ما يمكن أن يتم عبر وضع وتحديث الإطار القانوني المنظم لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، بما يضمن حماية الحقوق الأساسية، وكذا تعزيز الشفافية بجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي قابلة للتفسير، ونشر تقارير دورية عن استخدامها، وأيضًا ضمان المساءلة عبر تحديد جهات مسؤولة عن استخدام الذكاء الاصطناعي، وإنشاء آليات تظلم للأفراد. كذلك، يمكن حماية الخصوصية وتعزيزها باستخدام تقنيات التشفير، وتقليل جمع البيانات الشخصية، وأيضًا مكافحة التحيز باختبار أنظمة الذكاء الاصطناعي لاكتشاف التحيزات وتصحيحها، وأخيرًا تشجيع المشاركة العامة، عبر إشراك المواطنين في مناقشة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي من جهة، وتعزيز التعاون الدولي بوضع معايير عالمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، من جهة أخرى.

وعليه، فإن تحقيق التوازن بين الأمن والمساءلة السياسية، عند استخدام الذكاء الاصطناعي، يتطلب نهجًا متعدد الأوجه يشمل التقنية، والأخلاق، والقانون، والمجتمع. إن التعامل مع هذه التحديات بشكل فعال يمكن أن يعزز الامتثال السياسي، مع الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية.

خامسًا/ دراسة حالة: تحليل تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها رائدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق الامتثال السياسي:

تُعد تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في استخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الامتثال السياسي إحدى التجارب الرائدة عالميًا، حيث وظّفت الإمارات التكنولوجيا بشكل استراتيجي لتعزيز الأمن، وتحسين الحوكمة، ودعم اتخاذ القرارات. ويمكن استعراضها كالتالي:

  1. الأهداف الرئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الامتثال السياسي:
  • تعزيز الأمن الوطني:

استخدمت الإمارات الذكاءَ الاصطناعي للكشف عن التهديدات المحتملة، بما في ذلك التطرف والإرهاب، من خلال تحليل البيانات الضخمة، ومراقبة الأنشطة المشبوهة على المنصات الرقمية.

  • تحقيق الامتثال للقوانين:

تُستخدم الأنظمة الذكية لرصد الامتثال للقوانين واللوائح، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.

  • تعزيز الشفافية:

طوّرت الإمارات منصات ذكية تساعد الحكومة على تتبع تنفيذ السياسات العامة، والتأكد من تحقيق الأهداف الوطنية، مثل رؤية الإمارات 2071[16].

  1. الآليات والأدوات المستخدمة:
  • أنظمة المراقبة والتحليل الذكية

تعتمد الإمارات على أنظمة متقدمة لتحليل البيانات (Big Data Analytics) والذكاء الاصطناعي؛ للتعرف على الأنماط المشبوهة أو غير المعتادة في السلوكيات السياسية والاجتماعية.

  • التكنولوجيا السحابية:

تعتمد على منصات سحابية لجمع وتخزين كميات هائلة من البيانات، ما يسهّل الوصول إليها وتحليلها في الوقت الفعلي.

  • الروبوتات والأنظمة القادرة على التنبُّؤ

تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالاتجاهات السياسية والاجتماعية، ما يتيح استباق الأزمات.

  • دمج الذكاء الاصطناعي مع الأمن السيبراني

لحماية المعلومات الحساسة، ومنع الهجمات السيبرانية التي قد تؤثر في الاستقرار السياسي.

  1. إيجابيات التجربة الإماراتية:

يمكن الوقوف على عدد من الإيجابيات المعتبرة في التجربة الإماراتية، التي يمكن الاستفادة منها في السياقات المناظرة حول العالم؛ منها ما يلي:

  • الكفاءة العالية:

خفَّض استخدامُ الذكاء الاصطناعي الوقت والموارد اللازمَين لمراقبة الامتثال.

  • القدرة على التنبؤ:

مكّنت الأنظمة الذكية الحكومة من التنبؤ بالمخاطر قبل حدوثها.

  • الابتكار في الحوكمة:

تُعد الإمارات من أولى الدول التي دمجت الذكاء الاصطناعي في أنظمة الحوكمة؛ ما عزز من سمعتها كدولة رائدة في التكنولوجيا.

  1. الخاتمة/ دروس مستفادة من التجربة الإماراتية في تحقيق الامتثال السياسي المعزز بأدوات الذكاء الاصطناعي:
  • التوازن بين الأمن والحقوق:

حققت الإمارات تقدمًا كبيرًا في الأمن من خلال الذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على توازن دقيق بين الأمن وحقوق الأفراد.

  • بناء القدرات:

كان الاستثمار في التعليم والتدريب؛ لبناء كوادر قادرة على تصميم وتشغيل الأنظمة الذكية، أمرًا حاسمًا.

  • الحوكمة الذكية:

لم تُستخدم التكنولوجيا لتعزيز الشفافية والكفاءة في صنع القرار في دولة الإمارات بمعزل عن المساءلة، بل كان ذلك مصحوبًا بآليات تضمن المساءلة والتدقيق.


[1] Information. “Using Artificial Intelligence in Public Policy: Big Data Analysis and Future Predictions.” Information 15, no. 9 (2022): 556. https://www.mdpi.com.

[2] Dawes, Sharon S., and Theresa A. Pardo. “Governance and Artificial Intelligence in Public Administration.” Science and Public Policy 50, no. 2 (2023): 161–174. https://academic.oup.com.

[3] Hintz, Arne, and Lina Dencik. “Transparency in the Age of Algorithms: Ethical Perspectives on AI Governance.” Internet Policy Review 9, no. 2 (2020). https://policyreview.info.

[4] Taylor, Linnet, and Elettra Bietti. “From Transparency to Accountability: Governance Frameworks for AI Systems.” Data & Policy 3 (2021): e3. https://www.cambridge.org.

[5] Abu Zaid, Ahmed Al-Shura. 2022. “Artificial Intelligence and Quality of Governance.” Journal of the College of Economics and Political Science 23 (4): 145–76. https://doi.org/10.21608/jpsa.2022.269199.

[6] Ibid

[7] Juneja, Prathm. 2024. “Artificial Intelligence for Electoral Management.” International IDEA. April 29, 2024. https://www.idea.int/publications/catalogue/artificial-intelligence-electoral-management.

[8] Abu Zaid, Ahmed Al-Shura. 2022. “Artificial Intelligence and Quality of Governance.” Journal of the College of Economics and Political Science 23 (4): 145–76. https://doi.org/10.21608/jpsa.2022.269199.

[9] Aarvik, Per. 2019. “Artificial Intelligence – a promising anti-corruption tool in development settings?” U4 Anti-Corruption Resource Centre. June 13, 2019. https://www.u4.no/publications/artificial-intelligence-a-promising-anti-corruption-tool-in-development-settings.

[10] Juneja, Prathm. 2024. “Artificial Intelligence for Electoral Management.” International IDEA. April 29, 2024. https://www.idea.int/publications/catalogue/artificial-intelligence-electoral-management.

[11] Ünver, Hamid Akın. 2024. “Artificial intelligence (AI) and human rights: Using AI as a weapon of repression and its impact on human rights | Think Tank | European Parliament.” Think Tank European Parliament. May 2024. https://www.europarl.europa.eu/thinktank/en/document/EXPO_IDA(2024)754450.

[12] Ibid

[13] Aarvik, Per. 2019. “Artificial Intelligence – a promising anti-corruption tool in development settings?” U4 Anti-Corruption Resource Centre. June 13, 2019. https://www.u4.no/publications/artificial-intelligence-a-promising-anti-corruption-tool-in-development-settings.

[14] Floridi, Luciano, and Josh Cowls. “Ethics of AI: Challenges and Opportunities.” Frontiers in Artificial Intelligence 3 (2022): 869114. https://www.frontiersin.org.

[15] Wachter, Sandra, and Brent Mittelstadt. “Reclaiming Transparency: Contesting the Logics of Secrecy within the AI Act.” European Law Open 2, no. 4 (2023): 579–601. https://www.cambridge.org.

[16] “United Arab Emirates Centennial 2071,” UAE Government, accessed January 28, 2025, https://u.ae/about-the-uae/strategies-initiatives-and-awards/strategies-plans-and-visions/innovation-and-future-shaping/uae-centennial-2071.

المواضيع ذات الصلة