يمر النظام الدولي الآن “بلحظة حرجة”، و”مفصلية” لم يمر بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وذلك على مستوى العمليات والهياكل. فعلى صعيد العمليات، نجد أن هناك ارتفاعًا في مؤشرات الأزمات الدولية والإقليمية والمحلية أيضًا، التي لم تتوقف منذ نهاية الحرب الباردة، بل تحولت بعض هذه الأزمات إلى صراعات عسكرية، وإن اتخذت أشكالًا ومستويات مختلفة، وذلك بحسب أطرافها، ومدى تداخل القوى الكبرى فيها. أما على مستوى هياكل النظام الدولي، فإن المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف وقفت عاجزة عن فك شيفرات تلك الصراعات، وذلك لأسباب عديدة يأتي على رأسها موقف الولايات المتحدة وحلفائها منها، الأمر الذي أدى إلى مطالبة الكثير من الفاعلين الدوليين بإعادة النظر في القواعد المنظمة لتلك الهياكل، والعمل في الوقت ذاته على إيجاد بديل لها أكثر فاعلية لتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.
وفي ظل بيئة استراتيجية سادها الغموض والتعقيد وتعارض المصالح، وزيادة حدة التجاذبات البينية، خاصة بين القوى الكبرى، وارتفاع وتيرة الصراعات الاستراتيجية، وتحوُّل بعضها إلى نزعات و”تحرشات” عسكرية عملت القوى كلها على إعادة النظر في مستوى إنفاقها الدفاعي لمواجهة التهديدات الناشئة من البيئة الأمنية العالمية، الأمر الذي يمكننا معه أن نصِف العالم الآن بأنه يعيش على فوهة بركان من البارود القابل للاشتعال بين حين وآخر، أو أن العالم على أبواب حرب “عالمية ثالثة”، وذلك في الوقت الذي لايزال فيه الكثير من دول العالم يعيش مرحلة التعافي من أزمة وباء كوفيد 19، الأمر الذي حدا بالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بإطلاق دعوة عالمية إلى ضرورة “إسكات الأسلحة” في مختلف مناطق العالم، وأنه حان وقت السلام. ووجّه نداء للقادة السياسيين والدينيين في كل مكان إلى بذل كل ما في وسعهم لضمان أن تكون هذه المرحلة للتعاطف والعمل والسلام[1].
وبناء عليه، فإن هذه الدراسة سوف تناقش العديد من النقاط، على رأسها ماهية الإنفاق العسكري، وخريطة الإنفاق العسكري عالميًّا، والأسباب التي أدت إلى تكالب الدول على زيادة إنفاقها الدفاعي.
أولًا، ماهية الإنفاق العسكري:
تتعدد تعريفات مفهوم الإنفاق العسكري، فمنها ما يذهب إلى أنه تلك الموارد المكرسة للدفاع في الموازنة العامة للدولة، وهو جزء من إنفاقها العام من أجل الدفاع عن نفسها في حالة تعرضها لخطر خارجي، أو لمواجهة خطر واقع عليها فعلًا، أو لتسخير قوتها العسكرية لتحقيق أهداف توسعية[2]. واللافت للنظر أن هذا التعريف لا يأخذ في الحسبان مختلف أوجه الإنفاق المرتبط بالأغراض العسكرية، وإنما يركز فحسب على الإنفاق الوارد في الموازنة العامة للدولة. كما أنه لا يتضمن الأنشطة المدنية التي تقع ضمن موازنة الدفاع، كمشاريع الأبنية الأساسية وأعمال الإغاثة.[3] لذا، يعتمد المتخصصون على التعريف الأوسع والأكثر شمولية للإنفاق العسكري الذي يستخدمه معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي (sipri)، إذ يرى أن الإنفاق العسكري يتضمن الإنفاق على الجهات الفاعلة والأنشطة الآتية[4]: أ) القوات المسلحة، بما فيها قوات حفظ السلام. ب) وزارات الدفاع وهيئات حكومية أخرى مشتركة في مشاريع دفاعية. ج) القوات شبه العسكرية، عندما يُحسب أنها مدربة ومجهزة لعمليات عسكرية. د) الأنشطة العسكرية في الفضاء. وبذلك فإن هذا التعريف يشمل جميع الإنفاق الجاري والرأسمالي على الأفراد العسكريين والمدنيين، بما في ذلك رواتب تقاعد العسكريين والخدمات الاجتماعية للأفراد، والعمليات والصيانة، والمشتريات، والبحث والتطوير العسكريين، والمساعدة العسكرية، والأوجه العسكرية للأنشطة المشتركة بين القطاعين العسكري والمدني مثل (بحوث وعمليات الفضاء، والبحوث والتجارب الطبية التي لها استخدامات عسكرية، والصناعات التي تخدم كلا القطاعين)[5].
وهنا يمكننا الإشارة إلى أن الإنفاق العسكري يعد بمثابة قرار سياسي استراتيجي اقتصادي. وبديهي أن تخضع عملية اتخاذ القرار في هذا الخصوص لتأثير عوامل مختلفة، تتفاعل فيما بينها، سياسية واستراتيجية واقتصادية. ومن تلك العوامل السياسية المؤثرة في الإنفاق الدفاعي الوضع السياسي القائم في البلد المعني، وطبيعة نظام الحكم، ودرجة الاستقرار السياسي فيه. فثمة علاقة مباشرة بين عدم الاستقرار السياسي والإنفاق العسكري. وكذلك في التحالفات الإقليمية للبلد المعني ومدى ارتباطه بتحالفات عسكرية يمكن أن تجعل إنفاق البلد عند مستويات عالية. وتتمثل العوامل الاستراتيجية، في خطر نشوب حرب، إذ إن الإنفاق العسكري يكون عاليًا في المناطق التي تلوح في أفقها احتمالات الحرب، وكذلك الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، التي تطلق سباقات تسلح بين دول المنطقة. في حين تتمثل العوامل الاقتصادية في توافر الموارد الاقتصادية، فكلما كانت الدولة غنية بالموارد الاقتصادية، كانت أكثر قدرة من غيرها على الإنفاق على الأغراض العسكرية، والعكس صحيح. ومستوى التنمية الاقتصادية، والذي يُعبر عنه عادة بالتغيرات في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج الوطني؛ إذ إن مستوى التنمية الاقتصادية يؤدي دورًا مؤثرًا في تحديد مستويات الإنفاق العسكري؛ فمع تزايد النمو قد يميل الإنفاق العسكري إلى الارتفاع، وتوافر الصرف الأجنبي يمكن أن يساعد الدولة على تلبية حاجاتها من المعدات العسكرية المتطورة، ما يدفع النفقات العسكرية إلى الارتفاع، والعكس صحيح. وأخيرًا التصنيع العسكري، أي مدى وجود صناعة عسكرية محلية، ففي الدول التي تتوافر فيها صناعات عسكرية، تجد المؤسسة العسكرية نفسها تحت ضغط ضمان طلب مستمر كافٍ على إنتاج هذه الصناعات، الأمر الذي يجعل الإنفاق العسكري عند مستويات مرتفعة[6].
ثانيًا، خريطة الإنفاق العسكري عالميًّا:
كشف المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS في تقريره السنوي الصادر بعنوان “التوازن العسكري 2024” عن خريطة الإنفاق العسكري عالميًّا؛ فقد ارتفع حجم الإنفاق العسكري العالمي بنسبة 9 بالمئة ليصل إلى مستوى قياسي قدره 2.2 تريليون دولار في 2023. ووفقًا لما جاء في التقرير فإن الولايات المتحدة جاءت في صدارة الإنفاق الدفاعي عالميًّا، إذ بلغت ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2023 نحو 905.5 مليارات دولار، وهي الزيادة المدفوعة بطموحات واشنطن لمواصلة تحديث ترسانتها العسكرية، كما أن الدعم الأمريكي المتواصل لكل من أوكرانيا وإسرائيل لعب دورًا مهمًّا في توسع الإنفاق الدفاعي الأمريكي، وبذلك احتفظت واشنطن بقيادة الإنفاق العسكري بنحو 41 في المئة من الإنفاق العالمي و70 في المئة من ميزانية حلف الناتو[7].
وفي الدول الأوروبية، ارتفعت ميزانية الدفاع بأوكرانيا 9 مرات لتبلغ 31.1 مليار دولار عام 2023 من دون التبرعات الأجنبية. بينما زادت روسيا إنفاقها العسكري بنحو 108.5 مليارات دولار. ومن المتوقع أن تزيد موسكو ميزانيتها العسكرية بأكثر من 60 في المئة عام 2024 ليصل إلى 7.5 في المئة من ناتجها المحلي[8]. كما أن هناك 10 أعضاء أوروبيين أنفقوا 2 بالمئة من الناتج الاقتصادي على الدفاع داخل حلف الناتو عام 2023 وهم بولندا والولايات المتحدة واليونان وإستونيا وليتوانيا وفنلندا ورومانيا والمجر ولاتفيا وبريطانيا وسلوفاكيا وألمانيا في سابقة تاريخية هي الأولى منذ نهاية الحرب الباردة[9]. وأعلنت الدنمارك أنها ستزيد إنفاقها الدفاعي بمقدار 5.43 مليارات يورو، خلال السنوات الخمس المقبلة عبر الاستثمار في تعزيز قدراتها العسكرية، وتقديم دعم إضافي لأوكرانيا. وبهذه الزيادة ستخصص الدنمارك أكثر من 2% من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع في 2024. ومن جانبها أعلنت فنلندا أيضًا في نهاية 2023 أنها ستضاعف قدرتها على إنتاج الذخيرة بحلول عام 2027، وهو الأمر الذي يرتبط بشعور فنلندا بتصاعد التهديدات لها وخاصة من جانب روسيا[10].
ومن ناحيتها، خصصت المفوضية الأوروبية مبلغ 500 مليون يورو المنصوص عليه بموجب قانون دعم إنتاج الذخيرة “ASAP” داخل الدول الأعضاء، بما يسمح لصناعة الدفاع الأوروبية بزيادة طاقتها الإنتاجية للذخيرة إلى مليوني قذيفة سنويًّا بحلول نهاية عام 2025 [11].
وعلى مستوى الدول الآسيوية، بلغت ميزانية الدفاع الصينية في 2023 نحو 219.5 مليار دولار. ومؤخرًا، أكدت الصين عزمها على زيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 7.2% في عام 2024، ليصل إلى 230 مليار دولار[12]. وفي الوقت ذاته يستعد الجيش الصيني لتدشين حاملة طائراته الرابعة، التي تعمل بالطاقة النووية لأول مرة، لتبدأ من خلالها بكين رحلة جديدة نحو توسيع قوتها العسكرية لمواجهة جميع التحديات الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من أن أسطول حاملات الطائرات الصيني يتزايد بسرعة، فإنه لا يزال يمثل نصف حجم قوة حاملات الطائرات التابعة لأسطول الولايات المتحدة في المحيط الهادئ[13]. ومن ناحيتها عملت الهند، ثالث أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكري في العالم، على زيادة ميزانيتها الدفاعية السنوية بنسبة 13 بالمئة، وبذلك تزيد نفقاتها الدفاعية إلى 73 مليار دولار أمريكي[14]. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الدفاعي التراكمي للهند إلى 445.7 مليار دولار في الفترة من 2024 إلى 2028[15].
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، جاءت السعودية في المركز السادس ضمن أكبر 15 دولة من حيث ميزانياتها الدفاعية في 2023.[16].
وقد أكد معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام أن واردات الدول الأوروبية من الأسلحة الرئيسية ارتفعت بنسبة 94% في الفترة بين عامي 2014 -2023، في حين انخفض الحجم العالمي لعمليات نقل الأسلحة الدولية بشكل هامشي بنسبة 3.3%. واحتل المراكز الثلاثة الأولى ضمن قائمة أكبر مستوردي الأسلحة خلال الفترة 2019-2023 كل من الهند والسعودية وقطر [17].
وقد استمر الشرق الأوسط في استيراد الأسلحة بكميات أكبر بكثير مقارنةً بأوروبا؛ فقد كشف التقرير أن 30% من عمليات نقل الأسلحة الدولية خلال السنوات الخمس الماضية تمركزت في منطقة الشرق الأوسط. وتعد ثلاث دول من بين أكبر 10 مستوردين، وهي السعودية وقطر ومصر. وتأتي أغلب واردات الأسلحة لدول الشرق الأوسط من الولايات المتحدة وأوروبا.[18]
ثالثًا، العوامل التي أدت إلى تزايد الإنفاق العسكري:
توجد مجموعة من الأسباب التي أدت إلى زيادة الإنفاق الدفاعي العالمي، من بينها ارتفاع حدة الصراعات الدولية وعسكرتها، والحرب الأوكرانية – الروسية، والسباق نحو امتلاك مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، والتحديث المستمر للعقيدة العسكرية للجيوش، وبناء التحالفات العسكرية، والصراع بين القوى الدولية على سوق السلاح الدولي، والعودة إلى سباق التسلح النووي.
عسكرة الصراعات الدولية: أدت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الأقاليم المختلفة من العالم سواء النزاع الصيني التايواني، والتوترات في بحر الصين الجنوبي، والقطب الشمالي، وفي شبه الجزيرة الكورية، والانقلابات بمنطقة الساحل الأفريقي، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والنزاع الأرميني – الأذربيجاني، والتوترات الحدودية بين الهند والصين، والهند وباكستان، إلى ارتفاع الإنفاق العسكري لتلك المستويات التاريخية. كما أن التنافس الممتد بين الولايات المتحدة والصين أسهم في زيادة استثمار البلدين في مجال الدفاع وتطوير تقنيات عسكرية جديدة. المؤكد، أنه مع استمرار تلك الأزمات، وتفجُّر غيرها، سيزيد حجم الإنفاق العسكري لمستويات غير مسبوقة خلال الفترة القادمة.
الحرب الروسية الأوكرانية: أجبر الصراع في أوكرانيا الدول الأوروبية على زيادة حجم إنفاقها الدفاعي، فرصدت ميزانياتٍ أكبر لأسلحة المدفعية وأنظمة الطائرات المسيّرة، والزوارق البحرية المسيرة، وبناء مخزونات أكبر من العتاد إن اضطرت لخوض حرب طويلة الأمد[19]. كما تأثرت خارطة توزيع مبيعات التسليح بالحرب الروسية الأوكرانية، فتجاوز حجم مبيعات الأسلحة عالميًّا في 2022 مستوى الـ2.1 تريليون دولار[20].
لوبيات صناعة السلاح: توجد علاقة وطيدة بين شركات صناعة الأسلحة والنزاعات والحروب التي تنشب بين تارة وأخرى في العالم، وهذا أمر لا يخفى على أحد، إذ تمتلك تلك الشركات قوة تأثيرية دولية، فهي تقرر وتخطط لنشوب الحروب في مناطق مختلفة. فعلى سبيل المثال، هيمنت صناعة السلاح منذ الحرب العالمية الثانية على السياسة الخارجية الأمريكية، وهي تُعد دولة الإنتاج والتصدير الأولى في العالم[21].
ومؤخرًا ذكر تقرير لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن إجمالي إيرادات مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية لأكبر 100 شركة في إنتاج السلاح بلغ 597 مليار دولار في عام 2022، وأن الطلبيات الجديدة والزيادة في العقود تشير إلى أن عائدات الأسلحة العالمية يمكن أن ترتفع بشكل كبير في السنوات القليلة المقبلة[22]. كما ارتفعت صادرات الأسلحة من الولايات المتحدة، أكبر مورّد للأسلحة في العالم بنسبة 17% بين عامي 2014-2023. كما ارتفعت صادرات فرنسا من الأسلحة بنسبة 47% وتقدمت مباشرة على روسيا لتصبح ثاني أكبر سلاح في العالم المورِّد. وعلى الرغم من رغبة ائتلاف “إشارة المرور” الحاكم في تقليل صادرات الأسلحة، منذ توليه المسؤولية عام 2021، ارتفعت صادرات برلين من الأسلحة بقيمة 11.71 مليار يورو، خلال 2023[23].
سباق امتلاك الذكاء لاصطناعي: تتصارع المنظمات الدفاعية وشركات صناعة السلاح في توظيف مخرجات الذكاء الاصطناعي في أعمال الدفاع. وفي هذا الإطار، تتحرك الصين والولايات المتحدة بسرعة لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في جيوشهما، خاصة مع التوترات بين البلدين بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي. وسيُمثّل إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي على التطور العسكري ثورة داخل الجيوش، لأنه يوفر الجهد الحربي، لكن في الوقت ذاته ستتسع دائرة العنف الناتجة عن استخداماته[24]. وفي هذ السياق طلبت واشنطن 1.8 مليار دولار أمريكي للقدرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي للعام المالي 2024 وحده[25].
تحديث العقيدة العسكرية: عملت العديد من الجيوش في الفترة الأخيرة على تحديث عقيدتها العسكرية ما أدى إلى رفع معدلات الإنفاق الدفاعي، وفي هذا الإطار نشرت ألمانيا أول استراتيجية للأمن القومي، وأصدرت المملكة المتحدة تحديثًا لوثيقة قيادة الدفاع الخاصة بها. وقد كانت التطورات العسكرية للصين أيضًا محور تركيز المراجعة الاستراتيجية الدفاعية الأسترالية. واعتمد البرلمان الفرنسي مشروع “قانون البرمجة العسكرية الجديد”، وذلك بزيادة قياسية في ميزانية وزارة الدفاع تصل إلى 413 مليار يورو في الفترة ما بين 2024–2030 [26]. ويستهدف زيادة الإنفاق العسكري تعزيز أنظمة الدفاع الجوي، والأمن السيبراني، وزيادة أسطول الطائرات بدون طيار، وتعزيز مخزون الذخيرة، وزيادة الدبابات والطائرات المقاتلة، وتحديث البنية التحتية العسكرية، وتعزيز وتحديث قدرات الردع النووي[27]. كما تشمل أولويات الإنفاق المعلنة تعزيز الاستثمارات في التقنيات البحرية لدعم أقاليم ما وراء البحار، في ظل قناعة فرنسية بأن منطقة المحيطين الهندي والهادي من المحتمل أن تكون مسرح الصراع القادم[28].
وعملت بيلاروسيا على تحديث عقيدتها العسكرية، لتنصّ لأول مرة على استخدام الأسلحة النووية[29]. وأطلق الرئيس الصيني شي جين بينج، رؤية 2040 للجيش، التي تهدف إلى تحويله لقوة عسكرية رائدة في العالم بحلول 2027، خلال افتتاح المؤتمر الوطني 20 للحزب الشيوعي الصيني، حيث يولي “شي” تطوير معدات وأسلحة جديدة للجيش اهتمامًا كبيرًا [30].
التحالفات العسكرية: إن ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات الأمنية والعسكرية دليل على اختلال توازن القوى وانطوائها على درجة عالية من الهشاشة الأمنية، كما أن هوية أعضاء التحالفات الأخيرة تشير إلى عدم قدرة النظام الدولي على معالجة التحديات الأمنية القائمة[31]. وفي الفترة الأخيرة عملت الولايات المتحدة على بناء وتفعيل تحالفاتها في منطقة الإندو-باسفيك، خاصة تحالف “أوكوس”، وهو تحالف ثلاثي تأسس عام 2021 ويضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، والتحالف الأمني الرباعي “كواد” الذي أنشئ عام 2007 بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند[32]. وعملت الولايات المتحدة مؤخرًا على بناء شراكة أمنية ودفاعية على غرار حلف “الناتو” مع اليابان وكوريا الجنوبية.
ومن ناحية أخرى، عمل حلف الناتو على التوسع شرقًا؛ فضمّ كلًا من فنلندا، والسويد التي باتت العضو الـ 32، بعد قرنين من حيادها ثم عدم انحيازها العسكري[33]. وباعتبارهما عضوين في حلف شمال الأطلسي، تتمتع فنلندا والسويد بالحماية الممنوحة بموجب المادة 5 من المعاهدة التي أنشأها الحلف والتي تنص على أن الهجوم على أحد الأعضاء يُعدّ هجومًا على الجميع[34]. أما روسيا فقد أكدت أنها ستتخذ إجراءات عسكرية وفنية وإجراءات مضادة أخرى- لم تحددها- لحماية نفسها بعد انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي في خطوة وصفتها بأنها عدائية وخاطئة[35]، كما عملت على توثيق علاقاتها الدفاعية مع كوريا الشمالية؛ خاصة في مجال سبل تعزيز التنسيق الاستراتيجي والتكتيكي والتعاون المتبادل بين القوات المسلحة للبلدين[36].
من ناحية أخرى، تعمقت العلاقات الدفاعية بين الهند واليابان، اللتين يجمعهما تحالف كواد الرباعي في المنطقة، إذ أكد رئيس وزراء الياباني اعتبار الهند شريكًا “لا غنى عنه” في منطقة المحيطين الهندي والهادي[37]. وعقدت الهند أيضًا العديد من الشراكات الدفاعية مع فرنسا وبريطانيا وأستراليا لتعزيز التعاون في الإنتاج الدفاعي والعسكري، إلى جانب توقيع اتفاقيات لتعميق التعاون العسكري في المجالات الحيوية؛ بما في ذلك الحرب المضادة للغواصات، وإعادة التزود بالوقود جو-جو، والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ [38].
سباق دولي حول الإنفاق النووي: تشير التقديرات إلى أن الدول النووية التسع بالعالم (الصين والولايات المتحدة وروسيا وكوريا الشمالية والهند وإسرائيل وفرنسا وباكستان والمملكة المتحدة) تمتلك نحو (13) ألف رأس حربي نووي حتى أوائل 2023، حتى بلغ إنفاق العالم على الترسانات النووية في 2023 نحو (82.9) مليار دولار، ما يوازي إنفاق (167) ألفًا و(664) دولارًا في الدقيقة[39].
World nuclear forces, January 2023
MISSING: summary MISSING: current-rows. | |||||||
Deployed warheadsa | Stored warheadsb | Total stockpilec | Total inventoryd | ||||
Country | 2023 | 2023 | 2022 | 2023 | 2022 | 2023 | |
United States | 1 770 | 1 938 | 3 708 | 3 708 | 5 428 | 5 244 | |
Russia | 1 674 | 2 815 | 4 477 | 4 489 | 5 977 | 5 889 | |
United Kingdom | 120 | 105 | 225e | 225 | 225 | 225f | |
France | 280 | 10 | 290 | 290 | 290 | 290 | |
China | – | 410 | 350 | 410 | 350 | 410 | |
India | – | 164 | 160 | 164 | 160 | 164 | |
Pakistan | – | 170 | 165 | 170 | 165 | 170 | |
North Korea | – | 30 | 25 | 30g | 25 | 30g | |
Israel | – | 90 | 90 | 90 | 90 | 90 | |
Total | 3 844 | 5 732 | 9 490 | 9 576 | 12 710 | 12 512 |
– = nil or a negligible value. Notes: All estimates are approximate. SIPRI revises its world nuclear forces data each year based on new information and updates to earlier assessments. The data for Jan. 2023 replaces all previously published SIPRI data on world nuclear forces. Countries are ordered by date of first known nuclear test. There is no conclusive open-source evidence that Israel has tested its nuclear weapons. The figures for Russia and the USA do not necessarily correspond to those in their 2010 Treaty on Measures for the Further Reduction and Limitation of Strategic Offensive Arms (New START) declarations because of the treaty’s counting rules. a ‘Deployed warheads’ refers to warheads placed on missiles or located on bases with operational forces. b ‘Stored warheads’ refers to stored or reserve warheads that would require some preparation (e.g. transport and loading on to launchers) before they could be deployed. c ‘Total stockpile’ refers to warheads that are intended for use by the armed forces. d ‘Total inventory’ includes both stockpiled warheads and retired warheads awaiting dismantlement. e SIPRI previously estimated that the UK had about 45 retired warheads awaiting dismantlement; however, SIPRI’s assessment as of Jan. 2023 is that these warheads are likely to be reconstituted to become part of the UK’s growing stockpile over the coming years and the stockpile number remained at 225 in Jan. 2022. f The British government declared in 2010 that its nuclear weapon inventory would not exceed 225 warheads. It is estimated here that the inventory remained at that number in Jan. 2023. A planned reduction to an inventory of 180 warheads by the mid-2020s was ended by a government review published in 2021. The review introduced a new ceiling of 260 warheads. g Information about the status and capability of North Korea’s nuclear arsenal comes with significant uncertainty. North Korea might have produced enough fissile material to build 50–70 nuclear warheads; however, it is likely that it has assembled fewer warheads, perhaps around 30.
Table: SIPRI © Source: SIPRI Yearbook 2023.
والجدير بالذكر هو أن الحرب الروسية الأوكرانية أجبرت العديد من الدول على أن تعيد النظر في استراتيجيتها للأسلحة النووية[40]. ومن المتوقع، استمرار سباق التسلح النووي في ظل حالة التوتر الشديد التي تمر بها البيئة الاستراتيجية الآن [41].
الخاتمة:
ناقشت هذه الدراسة ماهية الإنفاق الدفاعي، وخريطة الإنفاق العسكري عالميًّا، والأسباب التي أدت إلى زيادة معدلات الإنفاق العسكري ودلالاتها؛ فبيّنت أن التغير في طبيعة التهديدات الناشئة في البيئة الاستراتيجية الدولية الغامضة، والسباق الدولي حول الفضاء الخارجي قد أفضيا إلى إعادة النظر في العقيدة العسكرية لبعض مؤسسات الدفاع، ومحاولات لامتلاك تكنولوجيا السلاح.
ويُرجّح أن تستمر زيادة معدلات الإنفاق الدفاعي، على المديين القريب والبعيد أيضًا، من قِبل الكثير من الفاعلين الدوليين في ظل ارتفاع وتيرة الصراعات الدولية المدفوعة بمجالات توظيف مخرجات الذكاء الاصطناعي في أعمال الدفاع.
[1] – “غوتيريش يدعو إلى “إسكات الأسلحة” في غزة والسودان بمناسبة شهر رمضان”، الإمارات اليوم، 11 مارس 2024، https://2h.ae/gYHb
[2] – د. طلال محمود كداوي، “الإنفاق العسكري الإسرائيلي 1965 – 1990″، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997)، ص 39.
[3] – د. محمد دياب، “جدلية العلاقة بين الإنفاق العسكري والتنمية الاقتصادية”، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، العدد 75، يناير 2011، https://2u.pw/SLbYH
[4] – “التسلح ونزع السلاح والأمن الدوليين”، الكتاب السنوي 2009 (الطبعة العربية)، معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي sipri، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009)، ص 308.
[5] – د. محمد دياب، مرجع سبق ذكره.
[6] – المرجع السابق نفسه.
[7]– للاطلاع على نص التقرير، انظر الرابط: https://www.iiss.org/en/publications/the-military-balance/
[8] – المرجع السابق.
[9] – “لماذا زاد الإنفاق العسكري العالمي لمستوى قياسي؟”، سكاي نيوز عربية، 16 فبراير 2024، https://2u.pw/DubN6JRL
[10] – “الدنمارك تزيد نفقاتها الدفاعية 5.4 مليارات يورو على مدار 5 سنوات”، القاهرة الإخبارية، 13 مارس 2024، https://2u.pw/xMSWttKv
[11]– “المفوضية الأوروبية تخصص 500 مليون يورو لزيادة إنتاج الذخيرة”، اليوم السابع، 15 مارس 2024، https://2u.pw/4OyfPA6h
[12] – “الصين تزيد الإنفاق الدفاعي 7.2% وتحدد هدف النمو الاقتصادي عند 5% لعام 2024″، روسيا اليوم، 5 مارس 2024، https://2u.pw/F0fsb91L
[13]– مازن إسلام، “لمقارعة أمريكا.. الصين تبني أول حاملة طائرات بالطاقة النووية”، القاهرة الإخبارية، 13 مارس 2024، https://2u.pw/h7eciX1
[14] – “الهند تقر زيادة كبيرة في موازنة الدفاع”، جريدة الاتحاد، 1 فبراير 2023، https://2u.pw/D82igz4Q
[15] – محمد غروي، “نشاط عسكري ملحوظ للهند في الإنفاق والتسليح”، إندبندنت عربية، 19 فبراير 2024، https://2u.pw/RTP7PtAg
[16] – “أي الدول العربية تتصدر؟ تقرير يكشف حصص مبيعات الأسلحة العالمية”، سي أن أن عربية، 16 مارس 2024، https://2u.pw/lukd2DNd
[17] – آمال كنين، “تقرير ستوكهولم يرصد موقع المغرب في السوق الدولية لاستيراد الأسلحة”، جريدة هسبريس، 12 مارس 2024، https://2u.pw/lWlJnrGB
[18] – عبدالسلام الشامخ، “من يصدّر ومن يستورد؟.. خريطة تجارة السلاح حول العالم”، جريدة الشرق، 11 مارس 2024، https://2u.pw/d8Su8Zha
[19] -Rise in SIPRI Top 100 arms sales revenue delayed by production challenges and backlogs, sipri, 4 December 2023, https://2u.pw/ZwM3r3Vj
[20] – ضياء نوح، “كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الموازنات العسكرية لأطراف الصراع؟”، القاهرة الإخبارية، 28 فبراير 2023، https://2u.pw/dd6DFYA8
[21] عادل زكريا، “شركات السلاح الأمريكية وصناعة الحروب..”، حزب الإدارة الشعبية، 4 يونيو 2004، https://kassioun.org/world-news/item/54405-28164
[22] Rise in SIPRI Top 100 arms sales revenue delayed by production challenges and backlogs, Ibid.
[23]– أحمد أنور، “فرنسا تطيح بروسيا من المركز الثاني في سباق تصدير الأسلحة”، القاهرة الإخبارية، 11 مارس 2024، https://2u.pw/akcNIjRA
[24] – “صراع واشنطن وبكين.. هل يخلق حروبًا تقودها الروبوتات؟”، سكاي نيوز عربية، 28 يوليو 2023، https://2u.pw/WsjMSUoj
[25] – “كيف شكلت الأوضاع الأمنية ملامح الإنفاق العسكري عالميًّا في 2023؟”، المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، 26 مارس 2024، https://apa-inter.com/post.php?id=7395#
[26] -Clea Caulcut, Macron proposes major boost to French defense spending amid Ukraine war, POLITICO, JANUARY 20, 2023, https://2u.pw/WEHaVmQ
[27][27] -Leila Abbou, Emmanuel Macron to boost French defence spending in response to Ukraine war, Financial Times, JANUARY 20, 2023, https://2u.pw/etXl8vDY
[28]– Vivienne Machi, Macron wants €400 billion to ‘transform’ France’s forces through 2030, Defense News, JANUARY 20, 2023, https://2u.pw/8FxVUZ0
[29] “بيلاروسيا تتبنى “عقيدة عسكرية” تشمل استخدام الأسلحة النووية”، سكاي نيوز عربية، 17 يناير 2024، https://2u.pw/HHZ40288
[30] مازن إسلام، “الصين تتحدى القوى الغربية.. تحديث الجيش وتطوير التكنولوجيا العسكرية”، القاهرة الإخبارية، 22 سبتمبر 2023، https://2u.pw/m0ZuF9BB
[31]– ياسر عبدالعزيز، عن التحالفات العسكرية، جريدة الوطن، 15 يناير 2024.
[32] – “بعد تحذير صيني لأمريكا.. ما أبرز التحالفات العسكرية قرب الصين؟”، الجزيرة نت، 5 يونيو 2023، https://2u.pw/iMfVXN
[33] – “السويد رسميًّا العضو الـ32 في حلف الناتو بعد عامين من المفاوضات وقرنين من الحياد”، فرانس 24، 7 مارس 2024، https://2u.pw/BqmkXjHq
[34] – “بعد انضمام السويد إلى الناتو.. خريطة توضح مواقع الدول الأعضاء بالحلف”، سي إن إن عربية، 28 فبراير 2024، https://2u.pw/3LDHstW0
[35] “روسيا تهدد باتخاذ إجراءات عسكرية ردًّا على انضمام السويد لحلف الأطلسي”، جريدة الإمارات اليوم، 28 فبراير 2024.
[36] “زعيم كوريا الشمالية وروسيا ينقلان العلاقات العسكرية إلى مستوى جديد”، الشرق الأوسط، 17 سبتمبر 2023، https://2u.pw/ZFGrd18
[37] محمد غروي، نشاط عسكري ملحوظ للهند في الإنفاق والتسليح، إندبندنت عربية، 19 فبراير 2024.
[38] المرجع السابق.
[39] “أمن دولي ـ التسلح النووي ومخاوف أوروبية من خسارة حماية الناتو”، مركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 2 مارس 2024، https://2u.pw/Ma25kXQU
[40] – المرجع السابق ذكره.
[41] States invest in nuclear arsenals as geopolitical relations deteriorate—New SIPRI Yearbook out now, sipri, 12 June 2023.