Insight Image

الأمن المائي بين التحديات المحلية والرهانات الإقليمية والدولية

01 سبتمبر 2025

الأمن المائي بين التحديات المحلية والرهانات الإقليمية والدولية

01 سبتمبر 2025

الأمن المائي بين التحديات المحلية والرهانات الإقليمية والدولية

يُعدّ الأمن المائي أحد المكونات الجوهرية للأمن القومي انطلاقًا من كون المياه عنصرًا حيويًّا لاستقرار الدول وتنميتها الشاملة؛ حيث إن توافر المياه بشكل كافٍ وآمن لا يرتبط فقط بصحة السكان وإنتاج الغذاء والطاقة، بل يمتد أيضًا ليشمل الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يجعل أي تهديد للمياه تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للدول. وقد أصبحت التغيرات المناخية، وتزايد عدد السكان، وتنامي الطلب على الموارد المائية في كثير من الدول، خاصة تلك التي تعاني من ندرة المياه أو تشترك في أحواض نهرية عابرة للحدود، بمثابة تهديدات حقيقية قد تؤدي إلى توترات داخلية أو نزاعات إقليمية، كما أن تدهور جودة المياه أو سوء إدارتها يمكن أن يسهم في زعزعة الأمن الغذائي، وانتشار الأمراض وارتفاع معدلات الهجرة القسرية.

وفي هذا السياق يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث تحولًا نوعيًّا في إدارة الموارد المائية، من خلال تحليل البيانات الضخمة الخاصة بالاستهلاك والهيدرولوجيا، والتنبؤ بالجفاف والفيضانات وتحسين أنظمة الري، واكتشاف تسربات المياه ورصد جودة المياه بشكل لحظي. وتسهم هذه التطبيقات في تحسين الكفاءة وتقليل الفاقد، وضمان التوزيع العادل والمستدام للمياه، وهو ما يعزز بدوره قدرة الدول والمجتمعات على التكيف مع الضغوط البيئية والمناخية، ومن ثمّ فإن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجيات الأمن المائي لا يُعد خيارًا تقنيًّا فحسب، بل مسارًا استراتيجيًّا لتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وترتيبًا على ما سبق تستهدف هذه الورقة إلقاء الضوء على واقع الأمن المائي على المستوى العالمي والإقليمي العربي، على أن تُختتَم بتناول استراتيجية وجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق وتعزيز الأمن المائي على الصعيد الوطني.

أولًا: واقع الأمن المائي على المستوى العالمي

ابتداءً يشير مفهوم الأمن المائي Water security وفقًا للجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية UN-Water إلى “قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة، بما يضمن استدامة سبل العيش ورفاه الإنسان والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويضمن كذلك الحماية من التلوث المنقول بالمياه والكوارث المرتبطة بها، ويحافظ على النظم البيئية في مناخ من السلام والاستقرار السياسي”[1]، ويعرّف البنك الدولي الأمن المائي بأنه “توافر كمية ونوعية مقبولة من المياه للصحة وسبل العيش والنظم البيئية والإنتاج، إلى جانب مستوى مقبول من المخاطر المتعلقة بالمياه على الناس والبيئات والاقتصادات”. ووفقًا لهذا التعريف يُركز الأمن المائي على النتائج الإيجابية والسلبية بالنسبة للأشخاص والاقتصادات والبيئة التي تتأثر بجوانب متنوعة من إدارة المياه، وقد تشمل النتائج الاجتماعية الأشخاص المتضررين من الكوارث المتعلقة بالمياه، والأطفال المتضررين من الأمراض المنقولة بالمياه، والصراعات حول الوصول إلى إمدادات المياه، أو الأنشطة الترفيهية القائمة على المياه، وقد تشمل النتائج الاقتصادية الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الفيضانات والجفاف وإنتاج الطاقة الكهرومائية أو قيمة الزراعة المروية، أما النتائج البيئية فقد تشمل بدورها صحة النظام البيئي ومساحة الأراضي الرطبة، ومصبات الأنهار وجودة المياه العذبة أو التنوع البيولوجي المائي[2].

والجدير بالذكر أن الأبعاد الرئيسية للأمن المائي تتمثل في التوافر: Availability ويقصد به مدى توافر المياه العذبة، إمكانية الوصول:  Accessibilويقصد به إمكانية وصول جميع الفئات الاجتماعية إلى موارد المياه التي تحتاجها، والمرونة: Resilience ويقصد به مدى قدرة المجتمعات على الاستجابة للكوارث المتعلقة بالمياه، فضلًا عن البعد المتعلق بالاستدامة: Sustainability ويقصد به إدارة الموارد بشكل متوازن يضمن استدامتها في المستقبل[3]، ويتحقق الأمن المائي وفقًا للجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية من خلال إتاحة مياه صالحة للشرب وخدمات صرف صحي، ونظافة تحمي الصحة وتلبّي الاحتياجات اليومية، وكذلك من خلال حماية النُظُم البيئية (Ecosystems) لضمان خدمات بيئية مستدامة، وتحجيم المخاطر المرتبطة بالمياه وتغير المناخ، فضلًا عن تأمين مياه كافية وموثوقة تضمن تعزيز الأنشطة الاقتصادية والتنمية دون الإضرار بالبيئة أو حق الإنسان في الماء. أما فيما يتعلق بالمُمَكِّنات أو العوامل الداعمة التي تضمن تحقيق الأمن المائي فتتمثل بدورها في الحوكمة الجيدة Good Governance، التعاون عبر الحدود Transboundary Cooperation، السلام والاستقرار السياسي (Peace & Political Stability)، فضلًا عن التمويل Financing [4].

وقد أصبح الأمن المائي أو الوصول الموثوق إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للصحة، وسبل العيش والنظم البيئية والإنتاج قضية ملحة في جميع أنحاء العالم، ولهذه الأزمة آثارٌ بعيدة المدى على الصحة العالمية والأمن الغذائي والتعليم والاقتصاد العالمي[5]، فمع تضاؤل ​​موارد المياه وزيادة عدد السكان -الذي بلغ في عام 2024 نحو (7.9) مليارات نسمة مع توقعات الوصول إلى نحو (8.4) مليارات نسمة عام 2030 وفقًا لصندوق النقد الدولي كما هو موضح بالشكل رقم (1)[6]، من المرجح أن تتفاقم الصراعات والقضايا الإنسانية المتعلقة بالحصول على المياه النظيفة[7]؛ حيث يعاني أربعة مليارات شخص، أي ما يقرب من ثلثي سكان العالم، من ندرة شديدة في المياه لمدة شهر واحد على الأقل كل عام، ويعيش أكثر من  مليارَي شخص في بلدان تعاني من نقص في إمدادات المياه، وتحدّ ندرة المياه من إمكانية الحصول على مياه آمنة للشرب، وللحفاظ على النظافة الأساسية في المنزل والمدارس ومرافق الرعاية الصحية[8]، وقد أكد تقرير جديد أطلقته منظمة الصحة العالمية واليونيسف خلال أسبوع المياه العالمي ٢٠٢٥، أنه لا يزال واحد من كل أربعة أشخاص أو (٢,١) مليار شخص حول العالم، يفتقرون إلى مياه شرب مُدارة بأمان بما في ذلك (١٠٦) مليون نسمة يشربون مباشرة من مصادر سطحية غير مُعالجة، كما أشار إلى أنه لا يزال نحو (3.4) مليارات شخص يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي المُدارة بأمان، ونحو (1,7) مليار شخص يفتقرون إلى خدمات النظافة الأساسية في منازلهم، بما في ذلك (٦١١) مليون شخص لا يستطيعون الوصول إلى أي مرافق[9].

شكل رقم (1)

عدد سكان العالم الفعلي والمتوقع بالمليار نسمة خلال الفترة (2015 – 2030)

Source: “Population: Millions of people”, International Monetary Fund, available at: https://n9.cl/b7pxs

ويُعدّ سكان أقل البلدان نموًّا أكثر عرضة بأكثر من ضعفي سكان البلدان الأخرى للافتقار إلى خدمات مياه الشرب والصرف الصحي الأساسية، وأكثر عرضة بثلاثة أضعاف للافتقار إلى النظافة الأساسية، وبوجه عام فإنه في إطار السياقات الهشة تقل تغطية مياه الشرب المُدارة بأمان بنسبة (٣٨%)، بالمقارنة بالبلدان الأخرى، مما يُبرز وجود تفاوتات كبيرة[10]. وتصل نسبة السكان الذين بإمكانهم الحصول على مياه شرب مُدارة بأمان في عام 2024 إلى نحو (72%)؛ وذلك من إجمالي سكان دول العالم الذين تتوافر بياناتهم والبالغ عددهم (160) دولة، وتصل نسبة السكان الذين بإمكانهم الحصول على خدمات الصرف الصحي المُدارة بأمان إلى نحو (86%)؛ وذلك من إجمالي سكان دول العالم الذين تتوافر بياناتهم والبالغ عددهم نحو (145) دولة، أما فيما يتعلق بنسبة السكان الذين بإمكانهم الوصول إلى خدمات النظافة الأساسية فتصل نسبتهم إلى نحو (71%) من إجمالي سكان دول العالم الذين تتوافر بياناتهم والبالغ عددهم نحو (91) دولة[11].

شكل رقم (2)

نسبة السكان المتاح لهم الوصول إلى الخدمات المختلفة (%)

Source: WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, P4

والجدير بالذكر أنه بحلول عام 2024 حققت (89) دولة بالفعل تغطية تزيد عن (99%) من خدمات مياه الشرب الأساسية على الأقل، في حين زادت نحو (20) دولة من تغطية مياه الشرب الأساسية بنسبة (10%) على الأقل خلال الفترة (2015 – 2024)، ويأتي على رأس تلك الدول كلّ من الصومال وأفغانستان وجمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، وكذلك موزمبيق وتيمور الشرقية واليمن وأوغندا، وذلك كما هو موضح بالشكل رقم (3) الموضح أدناه[12].

شكل رقم (3)

دول زادت من تغطية مياه الشرب الأساسية بنسبة (10%) على الأقل في الفترة (2015 – 2024)

WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, P18

ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية واليونيسف فإنه لتحقيق الوصول الشامل إلى خدمات المياه والصرف الصحي الأساسية، تحتاج البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأدنى إلى مضاعفة معدلات التقدم الحالية، في حين ستحتاج البلدان منخفضة الدخل إلى زيادة هائلة قدرها سبعة أضعاف في المياه الأساسية، وزيادة قدرها (18) ضعفًا في خدمات الصرف الصحي الأساسية والنظافة الصحية الأساسية. وتصل معدلات التقدم (الزيادة) المطلوبة لتحقيق الوصول الشامل لخدمات مياه الشرب المدارة بأمان عالميًّا بحلول 2030 إلى نحو (4.2%) مقارنة بالمعدل المتحقق خلال الفترة (2000 – 2024)، والبالغ (0.5%)، أما معدل التقدم المطلوب لتحقيق الوصول الشامل إلى خدمات مياه الشرب الأساسية عالميًّا، فيبلغ نحو (1.3%)، وللمزيد يمكن الاطلاع على الشكل رقم (4)[13].

شكل رقم (4)

معدلات الزيادة اللازمة لتحقيق الوصول الشامل للخدمات المرتبطة بالمياه بحلول عام 2030

Source: WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, p.x

ويعدّ الإجهاد المائي: (Water Stress) أحد أهم العوامل المُهددة للأمن المائي، ويعرّف وفقًا للوكالة الأوروبية للبيئة (EEA) بأنه حالة تحدث عندما يتجاوز الطلب على المياه الكمية المتاحة خلال فترة زمنية معينة، أو عندما يُقيّد سوء جودتها استخدامها، ويؤدي الإجهاد المائي إلى تدهور موارد المياه العذبة من حيث الكمية والجودة[14]. ويعيش نحو (10%) من سكان العالم في بلدان تعاني من مستويات عالية وحرجة من الإجهاد المائي، وقد تأثر أكثر من (791) مليون شخص بالإجهاد المائي المرتفع عام 2021 مقابل نحو (721) مليون شخص في عام 2015، وقد ارتفعت مستويات الإجهاد المائي عالميًّا بمقدار (0.57) نقطة مئوية منذ عام 2015، لتصل إلى )18.6%) في عام 2021، وفقًا لتقرير التقدم المحرز في مستوى الإجهاد المائي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في أكتوبر 2024 وذلك كما هو موضح بالشكل رقم (1)، والجدير بالذكر أن قطاع الزراعة يبرز كمستخدم رئيسي لموارد المياه، حيث يمثل نحو )72%) من إجمالي عمليات سحب المياه العذبة، يليه القطاع الصناعي بنسبة (15%)، وقطاع الخدمات بنسبة (13%)، وتبلغ مساهمة القطاع الزراعي في إجمالي مستوى الإجهاد المائي العالمي في عام 2021 نحو (13.3%)، في حين بلغت مساهمة القطاع الصناعي في ذات العام نحو (2.8%)، وبلغت مساهمة القطاع الخدمي في هذا الشأن نحو (2.5%)[15].

في المقابل، أصبح الإجهاد المائي من العوامل الرئيسية التي تهدد استقرار العديد من الدول. هذا الأمر يظهر في زيادة النزاعات حول الموارد المائية، خصوصًا في المناطق الجافة والمكتظة سكانيًّا. كما يؤدي نقص المياه إلى تقليص المساحات الزراعية الصالحة للزراعة، مما يزيد من التوترات الاقتصادية والاجتماعية، ويزيد من الفقر في بعض المناطق.

شكل رقم (5)

المستوى العالمي للإجهاد المائي خلال الفترة (2015 – 2021)

Source: “AQUASTAT Dissemination System”, FAO, available at: https://n9.cl/r3g4ro, See also: food and agriculture organization of the United Nations, “Progress on the level of water stress”, Rome, 20224, p8

وتُعاني مناطق جنوب ووسط آسيا وشمال إفريقيا وغرب آسيا من مستويات مرتفعة من الإجهاد المائي، وقد شهدت معظم المناطق ارتفاعًا في مستويات الإجهاد المائي في السنوات الأخيرة، حيث شهدت منطقتا غرب آسيا وشمال إفريقيا زيادة ملحوظة بنسبة (12%) منذ عام 2015، مما يُبرز التحديات الحادة التي تفاقمت بسبب تغير المناخ، وفي المقابل فقد لوحظ انخفاض في الإجهاد المائي على مستوى المناطق الفرعية في أوروبا، وآسيا الوسطى وشرق آسيا[16].

وتتطلب معالجة الإجهاد المائي تعزيز الإدارة الفعالة للمياه، وتحسين كفاءة استخدامها في الزراعة وضخ استثمارات استراتيجية، الأمر الذي سيسهم بدوره في تقليل التحديدات المواجهة للأمن المائي، وبالتالي الأمن الغذائي العالمي الذي يواجه بالفعل العديد من التحديات المرتبطة بالمياه في الآونة الأخيرة؛ حيث إن أكثر من نصف إنتاج الغذاء العالمي من المتوقع أن يتعرض لخطر الانهيار خلال (25) عامًا القادمة في ظلّ أزمات المياه المتسارعة، ما لم يتمّ تبني إجراءات عاجلة للحفاظ على موارد المياه، ووضع حدّ لتدمير النظم البيئية المرتبطة بالمياه العذبة، والتي من المتوقع وفقًا لتقرير صادر عن اللجنة العالمية لاقتصاديات المياه في أكتوبر 2024 أن يتجاوز الطلب عليها المعروض منها بنسبة تصل لنحو (40%) بحلول عام 2030، وذلك نظرًا لتعرض أنظمة المياه العالمية لـضغط غير مسبوق، مع الأخذ في الاعتبار أن حوالي (3.5%) فقط من مياه العالم هي مياه عذبة ومعظمها محجوز في الأنهار الجليدية والمياه الجوفية[17].

وقد أشار تقرير لجنة اقتصاديات المياه أيضًا إلى أن الحكومات والخبراء قللوا بشكل كبير من تقدير كمية المياه اللازمة للعيش الكريم للفرد، فعلى الرغم من تأكيدهم احتياج كل شخص إلى ما بين (50) و(100) لتر يوميًّا لضمان صحته ونظافته، إلا أنه في الواقع بحاجة إلى نحو (4000) لتر يوميًّا للحصول على تغذية كافية وحياة كريمة، علمًا بأن معظم المناطق لا يمكن توفير هذه الكمية التي تحتاجها محليًّا. وقد أشار التقرير في ذات السياق إلى أن بعض البلدان تستفيد أكثر من غيرها من “المياه الخضراء”، وهي رطوبة التربة الضرورية لإنتاج الغذاء، وذلك على عكس “المياه الزرقاء” من الأنهار والبحيرات، كما وجد التقرير أن الماء يتحرك حول العالم في “أنهار جوية” تنقل الرطوبة من منطقة إلى أخرى، وتُعدّ الصين وروسيا المستفيدين الرئيسيين من أنظمة هذه الأنهار، بينما تُعدّ الهند والبرازيل المُصدرين الرئيسيين، إذ تدعم مساحاتهما البرية الواسعة تدفق “المياه الخضراء” إلى أقاليم أخرى، ووفقًا للتقديرات فإنه يتم توليد ما بين (40%) و(60%) من الأمطار العذبة عالميًّا من خلال استخدامات الأراضي والنظم البيئية المجاورة. [18].

ثانيًا: واقع الأمن المائي في الدول العربية

تُعدّ الدول العربية من بين أكثر دول العالم شُحًّا بالمياه، حيث يعيش ما يقرب من (390) مليون شخص في حالة الشُحّ المائي أو الشُحّ المُطلق. وتتفاقم حالة شُحّ المياه العذبة نتيجةً لعدة عوامل، لعل على رأسها الاعتماد على موارد المياه العابرة للحدود، التلوث، تغير المناخ، خسائر المياه غير المُدرّة للدخل، الاستخدام غير الكفؤ، تزايد الطلب، نقص الاستثمار، فضلًا عن الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية بسبب النزاعات[19]. ويتفاقم هذا الوضع مع تزايد الطلب بما يتجاوز حدود الاستدامة، ومن المتوقع أن يُفاقم تغير المناخ الضغط على تلك الموارد الشحيحة. وتعاني بالفعل -وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة- نحو (12) دولة عربية من نقصٍ حادٍّ في المياه، كما أن سكان المنطقة العربية الذين يمثلون نحو (5%) من سكان العالم لا يحصلون إلا على (1%) فقط من إجمالي موارد المياه في العالم[20]، وقد بلغ متوسط نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة في الدول العربية نحو (480) مترًا مكعبًا سنويًّا في عام 2024، وتقع نحو (19) دولة عربية تحت خط الفقر المائي البالغ (1000) متر مكعب للفرد سنويًّا[21].

والجدير بالذكر أن الأنهار الدائمة تساهم بنحو (70%) من موارد المياه العذبة في كل من لبنان والأردن، وتعتمد عُمان والمملكة العربية السعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة واليمن على المياه السطحية والأنهار الموسمية، أما بالنسبة لبقية دول المنطقة فيُلبى ثلث الطلب على المياه من خلال موارد المياه الجوفية، ويؤدي الاستخراج المستمر للمياه الجوفية بمعدلات غير مستدامة إلى ندرة المياه على المستويين الوطني والإقليمي مما يُؤجج الصراعات، ويُعدّ الطلب المتزايد على المياه في اليمن نتيجةً للنمو السكاني وسوء إدارة المياه مسؤولًا عمّا يقرب من (80%) من الصراعات الداخلية في البلاد. ويُقدّر تقريرٌ صادرٌ عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن مساحة الموارد المائية في غرب آسيا من المرجح أن تنخفض إلى (20%) خلال الخمسين عامًا القادمة؛ بسبب عوامل متعددة مثل تغير المناخ، ولذلك فإن الجهود الإقليمية لدمج قضايا المياه في السياسات الوطنية والدولية تعد ضرورية للحد من الأزمات المحتملة الناجمة عن نقص المياه، مثل أزمة المياه التي شهدها شمال العراق عام 2005 والتي تسببت في نزوح أكثر من (100) ألف شخص[22].

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن قائمة الدول الأكثر إجهادًا مائيًّا تضم نحو (14) دولة عربية من إجمالي (25) تتعرض لإجهاد مائي شديد الارتفاع سنويًّا، كما هو موضح بالشكل رقم (6)[23]، ويُعزى الإجهاد المائي في هذه البلدان في الغالب إلى انخفاض العرض بالمقارنة مع الطلب من الاستخدامات المنزلية والزراعية والصناعية، وتستخدم الدولة التي تواجه “إجهادًا مائيًّا شديدًا” بوجه عام نحو (80%) على الأقل من إمداداتها المتاحة، بينما تقوم الدول التي تواجه “إجهادًا مائيًّا مرتفعًا” بسحب (40%) من إمداداتها. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوجه عام من أكثر المناطق معاناةً من الإجهاد المائي، حيث يتعرض (83%) من السكان لإجهاد مائي شديد، وبحلول عام 2050 من المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافي عالميًّا في ظل إجهاد مائي شديد، وذلك حتى إذا استطاعت دول العالم الحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما بين (1.3) درجة مئوية و(2.4) درجة مئوية، ويمكن أن يؤدي نقص المياه في هذه الحالة إلى انقطاعات صناعية وانقطاعات في الطاقة وخسائر في الإنتاج الزراعي[24]. 

شكل رقم (6)

الدول ذات مستويات الإجهاد المائي المرتفعة والحرجة عام 2021

Source: WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, Pp 16, 39

ويزداد مشهد الأمن المائي في الدول العربية تعقيدًا بفعل التوزيع غير المتوازن لهطول الأمطار في المنطقة، حيث تتلقى المناطق الجبلية معظم الأمطار بينما تواجه المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية ندرة شديدة، مما يؤثر بشكل مباشر على تدفقات المياه السطحية وتكوينات الأنهار، ويضاف إلى ذلك أن نحو (65%) من موارد المياه في المنطقة تأتي من خارج حدودها[25]، لذلك تنخفض حصة الفرد في العديد من الدول العربية من الموارد المائية العذبة الداخلية المتجددة، ولعل الكويت تفتقر نهائيًّا إلى مصادر طبيعية للمياه العذبة كالأنهار والبحيرات، وتتلقى أقل من (120) ملم من الأمطار سنويًّا، ويتبخر معظمها بسرعة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وعلى عكس الدول ذات التضاريس الجبلية أو طبقات المياه الجوفية، فإن جيولوجيا الكويت المسطحة والقاحلة لا توفر سوى القليل من المياه الجوفية العذبة الكافية للاستخدام، ونتيجة لذلك تعتمد الدولة اعتمادًا كبيرًا على تحلية المياه لتلبية احتياجاتها المائية؛ حيث يأتي أكثر من (٩٠%) من مياه الشرب من محطات تحلية المياه، بالإضافة إلى الواردات وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي.[26].

شكل رقم (7)

حصة الفرد من الموارد المائية العذبة الداخلية المتجددة في الدول العربية في عام 2021

Source: “Renewable internal freshwater resources per capita (cubic meters)”, World Bank, available at: https://n9.cl/q4hl9

كما تُصنّف البحرين ضمن الدول العشر الأكثر عرضة لأزمة المياه خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة، حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الموارد المائية العذبة الداخلية المتجددة (2.7) مترين مكعبين فقط، وتأتي البحرين أيضًا ضمن قائمة تضم (33) دولة تم تصنيفها من قِبل معهد الموارد العالمية (WRI) أنها ستعاني من أزمة مياه حادّة بحلول عام ٢٠٤٠، وذلك إلى جانب كل من الكويت، وفلسطين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان[27]. وبوجه عام ووفقًا لبيانات أطلس مخاطر قنوات المياه لعام 2023 الصادر عن معهد الموارد العالمية، فإن أربعًا من أصل خمس دول تعاني من شحّ المياه في العالم تقع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد تصدرت الكويت القائمة، بينما جاءت كل من عُمان في المركز الثالث، تليها قطر، والبحرين، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وليبيا[28].

والجدير بالذكر أن قطاع تحلية المياه في الدول العربية قد شهد نموًّا ملحوظًا في الآونة الأخيرة؛ وذلك في ظل سعي تلك الدول إلى إيجاد حلولٍ لمشكلة ندرة المياه الناجمة عن النمو السكاني وتغير المناخ والتلوث والتنمية الصناعية؛ وتمتلك الإمارات العربية المتحدة الرائدة في هذا المجال بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، والأردن، وتونس، والمغرب أهدافًا طموحة في هذا الشأن[29]، وقد ساهمت برامج وطنية مثل استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2036 ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، وخطة الموارد المائية المصرية 2037، في تعزيز تطوير البنية التحتية لتحلية المياه في السوق بشكل كبير. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه من المتوقع أن تستحوذ الإمارات العربية المتحدة على حصة (٣٨%) من سوق أنظمة تحلية المياه في الشرق الأوسط وأفريقيا بحلول عام 2025، ومن المرجح أن تصبح الدولة الرائدة في مجال الطاقة الإنتاجية والابتكارات التكنولوجية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ (٨%) حتى عام ٢٠٣٢[30].

ثالثًا: جهود الإمارات العربية المتحدة لتحقيق الأمن المائي

على الرغم من محدودية موارد الإمارات العربية المتحدة المائية إلا أنها قد تمكنت من إدارة الملف المائي على نحو جعلها تُصنّف عالميًّا من بين الدول الرائدة في هذا الشأن[31]، ولاسيما في ضوء انخفاض نسبة فاقد شبكات المياه إلى نحو (4.6%)، مقارنة بحوالي (15%) في أمريكا الشمالية في عام 2023[32]، وهو ما جعلها تسجل أحد أدنى النسب عالميًّا، ويمكن القول بوجود العديد من المؤشرات الدالة على جهود الإمارات العربية المتحدة لتحقيق الأمن المائي، ولعل من أبرزها ما يلي:

1- إطلاق استراتيجية الإمارات للأمن المائي 2036

تبنت وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية في سبتمبر 2017 استراتيجية وطنية للأمن المائي تهدف إلى ضمان استدامة الوصول إلى المياه في الظروف العادية والطارئة، بما يتماشى مع التشريعات المحلية ومعايير منظمة الصحة العالمية، ورؤية الإمارات لتحقيق الرخاء والاستدامة. وتتمثل الأهداف العامة الواردة في إطار تلك الاستراتيجية في خفض إجمالي الطلب على الموارد المائية بنسبة (21%)، وزيادة مؤشر إنتاجية المياه إلى نحو (110) دولار للمتر المكعب، وزيادة كفاءة استخدام المياه بشكل كبير في جميع القطاعات، وضمان سحب وتوريد مستدام للمياه العذبة لمعالجة ندرة المياه، وتقليل عدد الأشخاص الذين يعانون من ندرة المياه بشكل كبير من خلال خفض مؤشر ندرة المياه بمقدار (3) درجات مئوية.

وذلك إلى جانب تحسين جودة المياه من خلال الحد من التلوث، والقضاء على إلقاء النفايات، وتقليل إطلاق المواد الكيميائية والمواد الخطرة، وزيادة إعادة تدوير المياه المعالجة، وإعادة استخدامها بشكل آمن بنسبة (95%)، وخفض متوسط ​​استهلاك الفرد إلى النصف مع التركيز على الممارسات المستدامة، فضلًا عن تحقيق وصول شامل وعادل إلى مياه شرب آمنة وبأسعار معقولة للجميع، من خلال زيادة سعة تخزين المياه الوطنية لمدة تصل إلى يومين في الظروف العادية، أي ما يعادل (16) يومًا في حالات الطوارئ، ويكفي لتوفير المياه لأكثر من (45) يومًا في حالات الطوارئ القصوى.

كما تتضمن الاستراتيجية أيضًا إنشاء ست شبكات ربط بين هيئات المياه والكهرباء في جميع أنحاء الدولة. وستتمكن شبكات المياه في إطارها من توفير (91) لترًا من المياه للفرد يوميًّا في حالات الطوارئ، و(30) لترًا للفرد يوميًّا في حالات الطوارئ القصوى. وتستهدف الاستراتيجية أيضًا تحقيق وفورات قدرها (74) مليار درهم، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بعملية تحلية المياه بمقدار (100) مليون طن متري. وتركز الاستراتيجية الإماراتية على ثلاثة برامج رئيسية تتمثل في برنامج إدارة الطلب على المياه، وبرنامج إدارة إمدادات المياه، وبرنامج الإنتاج والتوزيع في حالات الطوارئ، كما تتناول الاستراتيجية تطوير السياسات والتشريعات، وحملات التوعية بالترشيد في استخدام المياه، واستخدام التقنيات المتقدمة، والابتكار، وبناء القدرات الوطنية في مجال الأمن المائي[33].

 لهذا كله تمثل استراتيجية الأمن المائي 2036 حجر الزاوية للسياسات الوطنية المتعلقة بالمياه. من بين الحلول المبتكرة التي تمّ تبنيها، نجد استخدام محطات تحلية المياه التي تعمل باستخدام الطاقة المتجددة، مما يساهم في تأمين المياه في مناطق مثل الصحراء التي تعاني من شح الموارد المائية. كما أن دولة الإمارات تبنت تقنيّات الري الذكي التي تضمن الاستخدام الأمثل للمياه في القطاع الزراعي، وبالتالي تقليل الفاقد وتحقيق الاستدامة.

2- تبني البرنامج الوطني لإدارة الطلب على المياه والطاقة

تمّ إطلاقه من قِبل وزارة الطاقة والصناعة في مارس 2021، وذلك لضمان تحقيق أهداف الاستدامة الطموحة للاستراتيجية الوطنية للطاقة واستراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتوحيد الجهود الوطنية، ولاسيما في مجال كفاءة الطاقة والمياه، ويستهدف البرنامج تحقيق كفاءة استخدام الطاقة بنسبة (40%) في القطاعات الثلاثة الأكثر استهلاكًا للطاقة في الإمارات، وهي: (النقل، الصناعة، المباني)، كما يستهدف تحقيق كفاءة استخدام المياه بنسبة (50%) في القطاعين الأكثر استهلاكًا للمياه وهما: (الزراعة، المباني)، ويتضمن البرنامج ثلاثة محاور رئيسية تتمثل بدورها في (الطاقة، المياه، الحملة الوطنية للترشيد)، ويجمع البرنامج جميع الجهات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة لتحقيق أهداف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، واستراتيجية الإمارات للأمن المائي 2036، والجدير بالذكر أنه من المستهدف إطلاق عدة مبادرات لخفض استهلاك الطاقة وتحقيق جملة من الأهداف الرئيسية بحلول عام 2050، والمتمثلة في خفض الطلب على الطاقة بنسبة (40%)، وخفض الطلب على المياه بنسبة (50%)، وتوسيع نطاق إعادة استخدام المياه بنسبة (95%)[34].

3- التوسع في مشروعات تحلية المياه المعتمدة على الطاقة المتجددة

يعدّ أحد أهم المصادر الرئيسية التي تعتمد عليها الإمارات العربية المتحدة لتلبية احتياجاتها المائية؛ حيث تأتي معظم مياه الشرب في الدولة (نحو 42% من إجمالي احتياجاتها المائية) من حوالي (70) محطة تحلية رئيسية، والتي تُمثل حوالي (14%) من إجمالي إنتاج المياه المحلاة في العالم، وتتعدد مشروعات تحلية المياه القائمة في الإمارات العربية المتحدة، ولعل من بينها محطة “الشويهات” (S2) لتوليد الكهرباء والمياه في إمارة “أبوظبي”، والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية نحو (1510) ميجاوات من الكهرباء و(100) مليون جالون إمبراطوري من المياه يوميًّا. وكذلك محطة “جبل علي” لتوليد الكهرباء في إمارة “دبي”، والتي تُعد بمثابة أكبر محطة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه في الإمارات العربية المتحدة؛ حيث تضم (6) توربينات غازية تنتج نحو (2060) ميجاوات، ونحو (140) مليون جالون إمبراطوري من المياه يوميًّا، فضلًا عن محطة (F2) في إمارة “الفجيرة”، وهي محطة لتوليد الطاقة وتحلية مياه البحر، بقدرة إنتاجية تبلغ نحو(2850) ميجاوات من الكهرباء، ونحو (230) مليون جالون إمبراطوري يوميًّا من المياه[35]. والجدير بالذكر أن حجم المياه المحلاة في الدولة قد بلغ نحو (450595) جالون في السنة في عام 2022، وهو ما شكل ارتفاعًا بالمقارنة مع عام 2019 الذي بلغ حجم المياه المحلاة خلاله نحو (437513) جالون في السنة[36].

4- الاهتمام المتنامي بإنشاء السدود

اهتمت الإمارات العربية المتحدة بإنشاء السدود انطلاقًا من أهميتها في الحماية من مخاطر الفيضانات والتدفقات المائية، وتحسين جودة وكمية المياه في طبقة المياه الجوفية من خلال زيادة معدلات تغذية المياه الجوفية، ولعل من بين السدود القائمة في الدولة سد “وادي البيح”، والذي يقع في الجزء الشمالي من إمارة “رأس الخيمة” ويبلغ طوله نحو (575) مترًا وارتفاعه نحو (18) مترًا. وسد “وادي غلفا” الذي يقع في منطقة “مصفوت” في “وادي غلفا”، ويبلغ طوله نحو (235) مترًا وارتفاعه نحو (8) أمتار. وسد “وادي الوريعة”، والذي يقع في المنطقة الزراعية الشرقية، ويبلغ طوله نحو (367) مترًا وارتفاعه نحو (33) مترًا، وكذلك سد “وادي بصيرة” والذي يقع في المنطقة الشرقية، ويبلغ طوله نحو (885) مترًا وارتفاعه نحو (8) أمتار، وسد “وادي حام”، والذي يقع في المنطقة الشرقية، ويبلغ طوله نحو (2800) متر وارتفاعه نحو (16) مترًا، وسد “وادي أذن”، ويقع في المنطقة الزراعية الشمالية، ويبلغ طوله نحو (١١٠) أمتار وارتفاع نحو (١٠) أمتار، بالإضافة إلى سد “وادي الغيل” والذي يبلغ طوله (٢٦) مترًا وارتفاعه نحو (٤,٥) أمتار[37].

5- توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تحقيق الأمن المائي المستدام

تعدّ الإمارات العربية المتحدة نموذجًا رائدًا لاستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إدارة الملف المائي ومواجهة آثار التغيرات المناخية؛ حيث قامت بتوظيف الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام المياه في الزراعة من خلال أنظمة الري الذكية التي تضبط توزيع المياه بناءً على بيانات آنية من أجهزة استشعار التربة وأحوال الطقس، وتستخدم الدولة نماذج الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بآثار التصحر والتخفيف منها، مما يسمح بتخطيط وتخصيص أفضل للموارد. ويُساعد تطبيق هذه التكنولوجيا في أنظمة الطاقة والمياه والأنظمة الحضرية الإمارات العربية المتحدة على الاقتراب من أهدافها في مجال الاستدامة، ويُقدم مثالًا يُحتذى به للدول الأخرى[38].

وقد أطلقت الإمارات العديد من المشروعات والبرامج الطموحة في هذا الصدد وقامت بتنفيذها، ولعل على رأسها مختبر الذكاء الاصطناعي لرصد الطاقة الشمسية، والتلوث بالتعاون بين وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وذلك في سبتمبر 2018، وتتمثل مهام هذا المختبر في تحديد مواقع الطاقة الشمسية المُثلى، بالإضافة إلى رصد ملوثات الهواء وفحص جودة المياه[39]. وقد أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي أيضًا أحدث الأنظمة والحلول المبتكرة في قطاع المياه؛ إذ قامت في عام 2023 بتدشين المرحلة الثالثة من مركز التحكم الإشرافي وجمع البيانات (SCADA) لنقل وتوزيع المياه في مبنى مركز إدارة النفايات بالرويعة، ويأتي ذلك في إطار جهودها لتحقيق التحول الرقمي باستخدام أحدث التقنيات التشغيلية، والتي تشمل النمذجة الهيدروليكية الآنية، ونظام محاكاة التدريب، وأدوات إعداد التقارير المتقدمة[40].

وقامت أيضًا بإطلاق مبادرة الشبكة الذكية Smart Grid والتي توفر ميزات متقدمة بما في ذلك أتمتة اتخاذ القرارات والتوافق بين شبكات الكهرباء والمياه، وتطوير بنية تحتية متطورة لإدارة المرافق والخدمات وفقًا لأنظمة ذكية ومتكاملة باستخدام تقنيات ثورية وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وقد أطلقت هيئة كهرباء ومياه دبي العديد من البرامج والمبادرات الرائدة لتعزيز أمن وإدارة الشبكة الذكية؛ بما في ذلك منصة حوكمة بيانات الشبكات الذكية، والنظام التلقائي لاستعادة أداء الشبكات الذكية (ASGR)، والذي يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنصة البيانات الضخمة والتحليلات لدمج تطبيقات الشبكات الذكية وتقنيات التشغيل وغيرها[41].

وقد قامت الإمارات العربية المتحدة بتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي في تقنيات التنبؤ الجوي المتقدمة لتطوير التنبؤات الجوية وتحديد الظروف المثلى لتلقيح السحب، حيث تستطيع خوارزميات التعلم الآلي تحليل كميات هائلة من بيانات الأرصاد الجوية لاكتشاف الأنماط، والتنبؤ بالأحوال الجوية، وتحديد أفضل الفرص لتلقيح السحب، وتُحسّن هذه الأدوات التوقيت والموقع وتقنيات التلقيح مما يضمن الدقة ويعزز الفعالية بدرجة كبيرة. والجدير بالذكر أن برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار قد دعم جهود المركز الوطني للأرصاد الجوية لبناء ونشر نظام الحوسبة عالية الأداء، الذي يعزز قدرات البحث في مجال الأرصاد الجوية[42].

ويأتي هذا التقدم في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أمن مائي مستدام في إطار تبني الإمارات العربية المتحدة رؤية طموحة بأن تصبح قوة رائدة عالميًّا في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031 [43]، وقد احتلت الدولة بالفعل ترتيبات متقدمة في العديد من مؤشرات الذكاء الاصطناعي العالمية؛ حيث جاءت في الترتيب الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والترتيب (13) عالميًّا في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي Government AI Readiness Index 2024 الصادر عن مؤسسة “أوكسفورد إنسايتس” Oxford Insights، والذي يُعد أداة دولية لتقييم مدى استعداد (188) حكومة حول العالم لتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات العامة وتحسين كفاءة الإدارة الحكومية. ويركّز المؤشر على ثلاثة أبعاد رئيسية: قدرة الحكومة، وفعالية قطاع التكنولوجيا، ومدى توفر البيانات والبنية التحتية الرقمية[44]. 

شكل (8)

 ترتيب دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفقًا لمؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي في عام 2024

Source: “Government AI Readiness Index 2024”, Oxford Insights, available at: https://n9.cl/tyxmjq

كما جاءت الإمارات في الترتيب الأول عربيًّا والترتيب (32) عالميًّا في إطار مؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index خلال عام 2023، والصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية World Intellectual Property Organization (WIPO)،[45] ويليها في ذلك المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية عربيًّا و(47) عالميًّا، وقطر في المرتبة الثالثة عربيًّا و(49) عالميًّا، وذلك كما هو موضح بالشكل رقم (9)، ويأتي ذلك التقدم بفضل الاستثمارات الحكومية والأجنبية الكبيرة في قطاع التكنولوجيا والبنية التحتية للبيانات[46]. 

شكل رقم (9)

 ترتيب الدول العربية وفقًا لمؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية خلال عام 2023

Source: Soumitra Dutta & others, Global Innovation Index 2024 Unlocking the Promise of Social Entrepreneurship, World Intellectual Property Organization (WIPO), p.18, available at: https://n9.cl/4vxf8f

وختامًا، يمكن القول: إن الأمن المائي يشكل أحد أبرز التحديات الاستراتيجية المعاصرة، إذ يتزايد الطلب على المياه بوتيرة تفوق النمو السكاني، وذلك في ظل استهلاك القطاعات الإنتاجية -وعلى رأسها الزراعة- النسبة الأكبر من الموارد المحدودة. وتتفاقم تلك الضغوط بفعل تغير المناخ والمنافسة بين المستخدمين. ويبرز الوطن العربي كأحد أكثر الأقاليم تأثرًا بهذه التحديات، ما يستدعي مقاربة جماعية قائمة على الابتكار والتكامل الإقليمي. وفي هذا السياق، تمثل الإمارات نموذجًا متقدمًا في إدارة الموارد المائية عبر الاستثمار في التقنيات الحديثة، وتعزيز كفاءة الاستخدام وإعادة التدوير، كما أنها قد نجحت في خفض الفاقد ورفع معدلات إعادة الاستخدام إلى مستويات عالمية متقدمة. ولا تقف التجربة الإماراتية عند حدودها الوطنية، بل تمثل مرجعًا إقليميًّا يسهم في صياغة مسارات عربية أكثر استدامة في إدارة المياه.


[1]– “What is Water Security? Infographic”, United Nations, May 8, 2013, available at: https://n9.cl/s8kuq

[2]– “Water Security Diagnostic Initiative”, World Bank, January 15, 2021, available at: https://n9.cl/lv4x4

[3]– “Four Dimensions of Water Security: Availability, Accessibility, Resilience, and Sustainability”, SOM Foundation, available at: https://n9.cl/ojt0r

[4]– United Nations, Op.Cit.,

[5]– Mitota P. Omolere ,“Global Water Crisis: Why the World Urgently Needs Water-Wise Solutions”, Earth.Org, 12 Mar 2024, available at: https://n9.cl/0uffmz

[6]– “Population: Millions of people”, International Monetary Fund, available at: https://n9.cl/b7pxs

[7]– Mitota P. Omolere, Op.Cit.,

[8]– “Water scarcity: Addressing the growing lack of available water to meet children’s needs”, UNICEF, available at: https://n9.cl/3zgsw96

[9] – “1 in 4 people globally still lack access to safe drinking water – WHO, UNICEF”, World Health Organization (WHO), 26 August 2025, available at: https://n9.cl/wc2ra

[10]Idem

[11]– WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, P4

[12]Ibid, P18

[13]– WHO/UNICEF, “Progress on household drinking water, sanitation and hygiene 2000-2024”, 2025, p.x

[14]– “water stress”, European Environment Agency (EEA), available at: https://n9.cl/27j07

[15]– food and agriculture organization of the United Nations, “Progress on the level of water stress”, Rome, 20224, Pp8, 12,17

[16]Ibid, P9

[17] “Global water crisis leaves half of world food production at risk in next 25 years”, The Guardian, 16 Oct 2024, Available at: https://2u.pw/oLN5T

[18]Idem

[19]– “Improved Water Security in Arab States”, UN ESCWA, 2022, available at: https://n9.cl/kcytm

[20]– “Water Security in the Arab World”, EcoMENA, April 9, 2024, available at: https://n9.cl/cg0ml

[21]– “Water Resources Programme”, CEDARE, available at: https://n9.cl/veuvag

[22]Idem

[23]– WHO/UNICEF, Op.Cit., Pp 16, 39

[24]– Samantha Kuzma and others,” 25 Countries, Housing One-Quarter of the Population, Face Extremely HighWater Stress”, World Resources Institute, August 16, 2023, Available at: https://n9.cl/pe2vb5

[25]CEDARE, Op.Cit.,

[26]– “Kuwait has no natural lakes or rivers: Here’s how the nation stays afloat”, The Times of India, Jul 23, 2025, available at: https://n9.cl/xdrjhh

[27]– “Water Scarcity in Bahrain”, EcoMENA, January 8, 2025, available at: https://n9.cl/sjdle4

[28]– “Desalination in North Africa and the Middle East”, ECOMONDO, 2025 13 June, available at: https://n9.cl/0e9b3l

[29]– “Seawater Desalination – A Better Choice for MENA”, ECOMENA, August 8, 2024, Available at: https://n9.cl/lm3t3

[30]– “Middle East and Africa Water Desalination Equipment Market Size, Share, and Growth Forecast for 2025 – 2032”, Persistence Market Research, 20 Jan 2025, available at: https://n9.cl/5h0v27

[31] – ” Become a Pre Med student in Budapest, Hungary and pass Medical University requirements, IPS International, Available at: https://2u.pw/Nlc2t

[32] – Saeed Mohammed Al Tayer, “DEWA’s water network loss is among the lowest worldwide”, MEP Middle East, 22 Mars 2024, Available at: https://2u.pw/OQv9s

[33] – The United Arab Emirates’ Government portal, The UAE Water Security Strategy 2036, Available at: https://2u.pw/ZKmJR

[34] – The United Arab Emirates’ Government portal, National Water and Energy Demand Management Programme, Available at: https://2u.pw/jwokW

[35] – The United Arab Emirates’ Government portal, “Water”, Available at: https://2u.pw/X7GK5

[36] – “Total quantity of desalinated water produced 2019-2022”, Official Data Portal of UAE Government, Available at: https://bayanat.ae/ar/data

[37]Idem

[38]– Vivek Adatia, “AI and Sustainability: How the UAE is Using AI to Tackle Climate Change”, WDCS technology, January 20, 2025, Available at: https://n9.cl/2t5cxp

[39]– Bernd Debusmann Jr, “UAE launches AI lab to track solar power, pollution”, Arabian Business, Sep 2, 2018, Available at: https://n9.cl/kco66

[40]– “DEWA’s smart management of the water network saves AED 225 million in 10 years”, Dubai Electricity & Water Authority (DEWA), April 21, 2024, available at: https://n9.cl/ohs9a

[41]Idem

[42]– Ashwani Kumar, “UAE: How AI-powered cloud seeding boosts rainfall, water security”, Gulf News, January 26, 2025, available at: https://n9.cl/w2j3n

[43]– “The UAE’s technology ambitions”, The International Institute for Strategic Studies, October 2024, available at: https://n9.cl/iqh49m

[44]– “Government AI Readiness Index 2024”, Oxford Insights, available at: https://n9.cl/tyxmjq

[45]– Soumitra Dutta & others, Global Innovation Index 2024 Unlocking the Promise of Social Entrepreneurship, World Intellectual Property Organization (WIPO), p.18, available at: https://n9.cl/4vxf8f

[46]– Gregory C. Allen and others, “The United Arab Emirates’ AI Ambitions”, Center for Strategic and International Studies, January 24, 2025, available at: https://n9.cl/024xw

المواضيع ذات الصلة