Insight Image

الإخوان المسلمون: صناعة هوية انفصالية

23 مارس 2021

الإخوان المسلمون: صناعة هوية انفصالية

23 مارس 2021

مقدمة

عندما يتم الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين، يُطرح مراراً التساؤل عن سر استمراريتها منذ عشرينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا، رغم قرارات الحظر والحل العديدة التي واجهتها على مدار هذه الفترة الزمنية، إذ تعرضت الجماعة للحل في مصر ثلاث مرات؛ المرة الأولى كانت عام 1948 خلال فترة الحكم الملكي، والمرة الثانية كانت عام 1954 خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أما المرة الثالثة فكانت عام 2013 حين صُنفت “جماعة إرهابية” من جانب الحكومة المصرية.

وبالإضافة إلى قدرة الجماعة على الاستمرارية والبقاء، فإن ما يلفت الانتباه أيضاً هو قابليتها للانتشار والتوسع؛ فبعد سنوات قليلة من تأسيسها عام 1928، تجاوز عدد أفرعها المئة عام 1935 ليصل إلى 400 فرع نهاية الثلاثينيات، وتضاعفت وتيرة التوسع والانتشار خلال الأربعينيات ليصل عدد الفروع إلى ألفين فرع عام 1949، فيما قُدّر عدد المنتمين إليها ما بين 300 ألف و600 ألف عضو في هذه الفترة[1].

وقد وُظفت نماذج تفسيرية عديدة، تنطلق من حقول معرفية مختلفة منها: علم الاجتماع، والعلوم السياسية، وعلم النفس الاجتماعي، والأنثروبولوجيا، لمعرفة أسباب تمدد جماعة الإخوان المسلمين السريع ونجاحها في التغلغل في المجتمع بجميع فئاته. وتتناول أغلب الدراسات ظاهرة الإسلام السياسي ضمن حدود ثلاثة نماذج أساسية: أولها نموذج الاقتصاد السياسي (نموذج مادي)، وثانيها نموذج الهوية الثقافية (نموذج ثقافي)، وثالثها نموذج الحركات الاجتماعية.

ويولي نموذج الاقتصاد السياسي، في تفسيره للظاهرة الإسلاموية متمثلة في الإخوان المسلمين وانتشارها، أهمية مُحددة لعوامل ترجع إلى فشل الدولة في تلبية الحاجات المعيشية من عمل وسكن وصحة لفئات واسعة من السكان أفرزتها عمليات التحديث وما رافقها من تصنيع وتوسع عمراني وهجرة من الريف إلى المدينة؛ وفضلا عن هذا، فقد فشلت الأنظمة العلمانية التي هيمنت على المنطقة منذ عصر إنهاء الاستعمار في توفير النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والحقوق السياسية والرخاء الاجتماعي، ولم تستطع استيعاب جزء كبير من قوة العمل وخاصة الشباب منهم في قطاع الاقتصاد الحديث. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى انضمام أعداد كبيرة من المتضررين من عملية التحديث السلطوية وغير المكتملة إلى الحركات الإسلامية من خلال المساعدات المادية والخدمية التي تقدمها لهم، ومن خلال الأيديولوجيا بوصفها وسيلة تضفي معنى على حياتهم ووجودهم [2].

أما نموذج الهوية الثقافية، فيعتبر أن صعود النشاط الإسلامي جاء كرد فعل على سيطرة الغرب على المجتمعات الإسلامية [3]، بدءاً من التوسع الاستعماري الأوروبي واستمراره بأشكال مختلفة، حيث تدخل الغرب ليس في المجالات الاقتصادية والسياسية للمجتمعات الإسلامية فقط، ولكن وبشكل أساسي في مجالها الثقافي أيضاً. وحسب وجهة النظر هذه، فإن النهضة الإسلامية هي احتجاج جماعي ضد عقود من الهيمنة الثقافية الغربية، حيث استعاد المسلمون تراثهم الإسلامي كمصدر إيجابي و”أصيل” للهوية والقيم.

وإن كان هذين النموذجين قد ألقيا بعض الضوء على أسباب انجذاب فئات اجتماعية عريضة لجماعات الإسلام السياسي عموماً، فإنهما لا يساعدان على تفسير أسباب استمرارية هذه الجماعات ومحافظتها على كيانها ووجودها رغم الظروف المانعة ورغم انتهاء عصر السيطرة الاستعمارية، ومن ثم برز نموذج الحركات الاجتماعية، الذي يُرجع ذلك إلى أن الجماعة، بالإضافة إلى سعيها للوصول إلى السلطة وحكم المجتمع، تمكنت من بناء هوية جماعية وفردية إخوانية، أصبحت بمثابة اللب الصلب العصي على الكسر. فقد استطاعت الجماعة بناء وضمان بقاء هوية مستقلة وفريدة لأعضائها؛ فالإحساس بالاختلاف والتمايز هو ما مكنها من تجنيد أعضائها وإعادة تشكيل رؤاهم للعالم وتوليد العمل الجماعي[4].

بناء الهوية

بحسب ميلوتشي، فإن الهوية الجماعية هي العملية التي ينتج الفاعلون من خلالها أطراً إدراكية مشتركة تمكنهم من تقييم بيئتهم وحساب المكاسب والخسائر الناتجة عن أفعالهم، وتؤدي ثلاث وظائف تضمن بها استمرار الحركة الاجتماعية، وهي: تنظيم العضوية، وتحديد متطلبات الانضمام إلى الحركة، وترسيم القواعد والمعايير التي يتعرف بها الأعضاء على بعضهم البعض وبالمقابل يتعرف بها الآخرون عليهم[5] .

ومن سمات الهوية الجماعية أن تكون تمييزية إذ تضع حدود خيالية تفصل بين الأعضاء في المجموعة وبين غير الأعضاء، ولذا فهي تشكل معايير وقيم تصف معايير العضوية وبالتالي تفصل نفسها عن فئات اجتماعية أخرى. ولا تحدد معايير العضوية حدود المجموعة فحسب، بل تحدد أيضا نظم المعاني والأطر التي من خلالها يتعامل ويفهم الأعضاء البيئات الاجتماعية المحيطة بهم[6].

الهوية الإخوانية

شهدت مصر في بدايات القرن العشرين في أعقاب سقوط الدولة العثمانية جدلاً واسعاً حول هويتها الوطنية، واقترن هذا الجدل برؤى فكرية وسياسية متصارعة، ففريق طالب بمزيد من الانفتاح والعلمانية وتحديث البنى الاقتصادية والاجتماعية وفقا لقوانين وقيم حديثة، بينما عمل الفريق الثاني على التركيز على هوية مصر الإسلامية وتبني القوانين والقيم التي تتماشى مع المرجعية الإسلامية، خاصة الشريعة[7]؛  وفي إطار هذا المنظور، قام حسن البنّا بصياغة مشروعه الأيديولوجي الذي يحتل فيه موضوع الهوية موقعا بارزاً.

والسؤال إذا هو: كيف تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من بناء هويتها الإخوانية؟ تكمن الإجابة على هذا التساؤل في نجاح الجماعة في الربط بين مجموعة من الأبعاد والمستويات في مشروعها الديني-السياسي في خطى متوازية، بحيث لاءمت بين البعد الأيديولوجي/الدعوي، والبعد التنظيمي والتعبوي، وبربط كل ذلك بحياة المصريين اليومية وبهمومهم وتطلعاتهم[8]؛ أي أن نجاح الجماعة في ربط الأفكار بالتنظيم وبالإنجاز، مكّنها من التأسيس لهوية جماعية تتمايز عن الهوية الجماعية الوطنية المصرية.

وقد لجأت جماعة الإخوان المسلمين إلى هندسة نفسها داخل مجتمع خاص بها، له قيمه ومعاييره ورؤيته الخاصة للعالم، واستخدمت في ذلك سبلاً ووسائط عديدة: منها ما هو اقتصادي مثل الجمعيات والشركات، وما هو اجتماعي خدمي مثل الجمعيات الخيرية والعيادات الطبية، وما هو تعليمي تربوي مثل المدارس والأنشطة الثقافية والإعلام. وتكمن قدرة الجماعة في أنها استطاعت وبفعالية، صهر هذه الأبعاد كلها في بوتقة واحدة شكلت في النهاية هوية إخوانية متكاملة تنافس الهوية الوطنية.

وقد بدأت عملية بناء الهوية لجماعة الإخوان المسلمين بعد سنوات قليلة من نشأتها، وتمت على مسالك متوازية ومتزامنة ومتدرجة؛ اخترنا في هذه الورقة أن نتناول الأيديولوجيا، والتنظيم الإداري، والخدمات الاجتماعية، والنشاط الاقتصادي، ودور كل واحد من هذه العناصر في بناء هوية إخوانية مغلقة.

 

 المرتكزات الإيديولوجية:

تنطلق استراتيجيات وآليات عمل جماعة الإخوان المسلمين من تصورها الفكري الذي وضعه حسن البنّا، الذي يعتبر الإسلام نظاماً شاملاً يضم نواحي الحياة كلها، وقادراً على ترجمتها إلى ممارسات وسلوكيات. ويعبر البنّا عن ذلك قائلاً:

“نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئون في هذا الظن، فالإسلام عقيدة وعبادة، وطن وجنسية، دين ودولة، روحانية وعمل، ومصحف وسيف، والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه”[9].

 بناءً على هذا التصور رأي البنا أن الحل لمشكلات مصر بأبعادها المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية هو الإسلام؛ ومن هذا المنطلق أيضاً وضع استراتيجيته للعمل الإسلامي وصولاً للتغيير الاجتماعي الشامل. وأوضح البنّا استراتيجيته في التغيير هذه عندما أعلن في المؤتمر السادس للجماعة لعام 1941، أن جماعته تعمل لتحقيق غايتين:

  • غاية قريبة وهي تتحقق عندما ينضم الفرد إلى الجماعة ويصبح مساهماً “في الخير العام” أياً كان مجاله، والمطلوب في هذه المرحلة من الفرد أن يطهر جسمه وعقله وروحه للجهاد الطويل؛
  • وغاية بعيدة وهي تحقيق الإصلاح المنشود الذي تصبو إليه الجماعة، والتي لا بد فيها من الانتظار وترقب الفرص وحسن الإعداد وسبق التكوين[10].

وللوصول إلى تحقيق الإصلاح الشامل، ثمة مراحل لابد من تحقيقها هي، بحسب البنا[11]:

  • وجود الأخ المسلم النموذجي، مثقف الفكر، قوي الجسم، صحيح العبادة، والمثابر في عمله.
  • وجود البيت المسلم والأسرة المسلمة في فكرها وعقيدتها لتطبيق مبادئ الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية كلها.
  • وجود المجتمع المسلم الذي يسوده التكاتف وتنتشر فيه دعوة الخير والأمر بالمعروف ومحاربة الرذائل.

وتكشف الاستراتيجية التي انتهجها البنّا فكراً وسلوكاً في عملية التغيير الاجتماعي والسياسي، عن التأرجح بين العمل السلمي وانتهاج القوة، فقد ظهر الجانب الأول من خلال الأطر الشرعية، التي أوردها بصورة إجمالية في مذكراته وإلقاء المحاضرات والدروس في المساجد، وإنشاء الشُّعب في القاهرة وزيادتها في الأقاليم، وتركيز العمل الدعوي في الجامعات والمدارس بأنواعها، وتنظيم التشكيلات الرياضية وإقامة مؤتمرات عدة دورية للإخوان وللجماهير الشعبية، وتناول النواحي الإصلاحية السياسية والاجتماعية بالبيان، والتوجيه والمساهمة في الحياة النيابية.

كما ظهر جانب القوة في سعي البنا لبث روح الجندية في الأعضاء وتكوينه لفرق الرحلات والجوالة والكشافة ثم نظام الكتائب ثم النظام الخاص. وما عزَّز استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين وجعلها تتوغل بين الفئات الاجتماعية للمجتمع المصري أنها سعت إلى تقديم مقترحات عديدة للإصلاح لتنفذ على أرض الواقع سلسلة من المشروعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي جعلها تتميز عن القوى والأحزاب السياسية كافة، آنذاك[12].

التنظيم الإداري وترسيخ الهوية الإخوانية:

ساهمت خصائص التنظيم الإداري الفريد لجماعة الإخوان المسلمين في ترسيخ الهوية الإخوانية. فقد جمع هذا التنظيم بين خصائص بناء مركزي بهيكلية قيادية هرمية، حيث السلطات الرئيسية تعود إلى مكتب المرشد العام ومكتب الإرشاد، وسمات تنظيم فدرالي، حيث “خطوط الاتصالات التنظيمية الداخلية لم تحذُ بالضرورة حذو الأنماط التراتبية؛ خاصة أن الجماعة أدخلت تحسينات على نظام الاتصالات الذي لا يعتمد على نموذج متدرّج ضمن الاتصال العمودي من القمة إلى القاعدة، بل يستخدم بدلاً من ذلك أطراً متعددة سمحت للقيادة بمواصلة بث المعلومات وتدفقها بشكل متواصل نسبياً عمودياً وأفقياً”[13].

وقد جعل هذا أحد الباحثين يصف التنظيم الإداري للإخوان بـ “المركزية المرنة” حيث “مركزية اتخاذ القرار، ولا مركزية التنفيذ”، والتي تمنح الشُّعب والمكاتب الإدارية درجة عالية من الاستقلالية في صيغة السياسات المحلية وتنظيم الفعاليات والإشراف على الأنشطة الاجتماعية[14]. وقد سمح هذا النوع من التنظيم للجماعة بالتكيف مع المستجدات والتغيرات التي طرأت في البيئة المحيطة بها، وبصفة خاصة مكّنها من مقاومة وتخطي كل محاولات الدولة للقضاء عليها.

وقد أظهر هذا النوع من التنظيم بعض الفعالية حين جرى حظر الجماعة في سنة 1948 إبان الحكم الملكي، وبعدها في سنة 1954 خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. كما ظهرت فعاليته خلال عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك أثناء الاعتقالات التي كانت تتعرض لها قيادات الجماعة بين الفينة والأخرى. ولذلك، “راكمت جماعة الإخوان المسلمين مهارات مكّنتها من نقل المعلومات بين الأعضاء في السجن والخارج أو في المنفى من خلال شبكة أفقية معقدة تعتمد على العلاقات الشخصية، وليس على الخطوط العمودية للسلطة وحسب”[15] .

ففي مثل هذه الحالات كانت الجماعة تنقل مسؤوليات هياكلها المركزية إلى إدارات الشُّعَب، إذ كانت هذه الأخيرة تمثل الوحدات الإدارية الأساسية للجماعة المنتشرة في جميع مدن مصر وقراها. وبدورها كانت الشُعب تضم مجموعة من الأسر التي يقوم بين أعضائها علاقات مباشرة ومنتظمة، ويظهر الأعضاء ولاءً كاملا لأسرهم ولشُعَبهم وللجماعة بشكل عام. ويضطلع رئيس الشُعبة بدور مهم، حيث يكون في هذه الحالة بمثابة حلقة الوصل بين قاعدة الجماعة وقيادتها[16].

مخطط للتنظيم الإداري لجماعة الإخوان المسلمين

مخطط للتنظيم الإداري لجماعة الإخوان المسلمين

المصدر: مركز تريندز للبحوث والاستشارات، الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين:

 

 الأهداف والوظائف والعمليات، (أبو ظبي، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2020) ص 110.

وقد شكل نظام الشُعب منذ فترة التأسيس الأولى للجماعة بناءً أساسياً ضمن الهيكل التنظيمي، حيث يلعب المكتب الإداري الذي تنضوي تحته الشُعب دوراً رئيسياً، ويعمل كحلقة وصل بين قواعد التنظيم من الأعضاء والقيادة المركزية.  ويظهر هذا التنظيم فعاليته خصوصاً عندما تتعرض الجماعة إلى الحل أو التقييد على نشاطاتها من قِبل الدولة، فيكون هناك تعاون واتصال بين المكاتب الفرعية والشُّعب وصولاً إلى الأسرة أصغر وحدة تنظيمية؛ وهكذا تحافظ الجماعة على تماسكها واستمرار نشاطاتها من خلال الهيكل التنظيمي حتى إن تم حله رسمياً من قِبل الدولة أو خضوعه لمراقبة متواصلة من قِبل الأجهزة الأمنية[17].

وفي هذه الحالة تستطيع القيادات الإخوانية من الصف الثاني مواصلة إدارة التنظيم والعمل بشكل مستقل دون الرجوع إلى القيادات المركزية، وفي هذا الصدد يقول عصام العريان القيادي في الجماعة، لقد “حدث تطور مهم في الثمانينيات طال طريقة إدارة التنظيم نفسه، حيث بدأ يعتمد على اللامركزية، وطرحت فكرة اللامركزية في الإدارة في الثمانينيات كوسيلة لتطوير فاعلية الحركة”[18].

 وبالإضافة إلى مرونة التنظيم وهياكله الإدارية التي تسمح له بالاستمرار وقت الأزمات، فإن للتشبع الأيديولوجي للأعضاء برؤية الجماعة وأهدافها، فضلاً عن البيعة، وهي إعلان الولاء والطاعة للمرشد العام بصفته رأس الجماعة، دوراً مهماً في بقاء الجماعة واستمراريتها، فالتزام هؤلاء القادة بالأسس التي وضعها حسن البنّا، هو الذي يضمن على وجه الخصوص وجود قواعد تتميز بالولاء والوفاء، ولا تعتمد في الوقت نفسه على التوجيه من فوق إلى تحت إبان الأزمات، وهكذا، يستطيع التنظيم أن يواصل العمل لفترة طويلة من دون تعليمات يومية وتوجيهات إدارية[19].

هذا البناء المتحد المتماسك للجماعة يجعل الصف الثالث والأعضاء العاديين في تواصل جزئي ومتزايد مع سياسات التنظيم، الأمر الذي يعزز من فكرة التداخل بين الأفكار والبناء التنظيمي، ويضمن الولاء بين عناصر تنظيم جماعة الإخوان المسلمين[20]؛ وعليه، وكما يلاحظ رفيق حبيب، القيادي السابق في جماعة الإخوان، فإن الهدف المنوط بالتنظيم الإداري كان “دائماً وأبداً هو المحافظة على التنظيم، فهو الوعاء الوحيد القادر على حمل الفكرة، والمنهج، والوسائل، فضلاً عن تحقيق الأهداف”[21].

وبرغم طابع الجماعة الشعبوي فإن الانتماء لها أمراً ليس ميسوراً، إذ يمر الأفراد بمراحل عديدة يخضعون فيها لعملية دقيقة من التلقين قبل أن يصبحوا أعضاء كاملين في الجماعة[22]؛ فالأفراد، كما يقول بعض الباحثين، لا ينضمون بل يُختارون. وتهدف انتقائية الانضمام إلى الجماعة إلى تفادي أي اختراق من قبل أجهزة الدولة لها أولاً، وإلى غرس معايير وأنظمة الإخوان في عقول الأعضاء الجدد ثانياً [23].

السمة الأخرى التي ينفرد بها التنظيم الإداري لجماعة الإخوان المسلمين هو نظام العضوية الثلاثي المستويات، ويحدد هذا التقسيم درجات التزام الأعضاء؛ فنجد:

  • المستوى الأول “المساعدين” الذين لا تتعدى التزاماتهم التوقيع على بطاقة العضوية ودفع الاشتراكات.
  • المستوى الثاني وهم “المنتسبون” الذين عليهم أن يثبتوا معرفتهم بمبادئ الجماعة، وأن يحضروا الاجتماعات بانتظام، وأن يؤدوا قَسَم الطاعة.
  • المستوى الثالث الأعضاء “العاملون”، الذين يتوقع منهم أن يهبوا حياتهم بالكامل للجماعة، وأن يحفظوا أجزاءً من القرآن والحديث، وأن يحترموا كافة الالتزامات الإسلامية، وأن ينخرطوا في دورات تدريبية بدنية منتظمة المنتظم[24].

ويبين زياد موسون تداخل الجوانب التنظيمية والأيديولوجية في الهيكل الإداري لجماعة الإخوان المسلمين بقوله “أدى التنظيم ذي البنية الفدرالية الثلاثية المستويات إلى الانغماس الجزئي والتدريجي في أيديولوجية الجماعة.. فالأفكار والبناء التنظيمي متداخلان: فهذا الأخير يمنح أسساً لمقدمة تعليمية عن الأول بطريقة تتوافق مع الخبرات اليومية للشعب المصري واحتياجاته”[25].

وتأسيسا على ما تقدم فإن العلاقة بين نظام العضوية وتعزيز الهوية شديدة الأهمية “إذ يتطلب كل مستوى عضوية نمطا من التنشئة والتلقين يتناسب مع عمر العضو ودرجة التزامه وشخصيته[26]. وبالموازاة مع الشبكة الرسمية المتمثلة في الهيكل الإداري، تعتمد الجماعة على شبكات غير رسمية أسهمت قوتها بشكل كبير في بقاء التنظيم وتماسكه، خاصة أن هذه الشبكات استطاعت أن تقدم خدمات متنوعة للفئات المختلفة، وتحديداً الفقيرة منها، وبالتالي ضاعفت من قدرة الجماعة على الحشد والتأثير[27].

وتصف سنغرمان هذه الشبكات بقولها “تتخطى الشبكات غير الرسمية كلاً من الحدود المكانية والثقافية والطبقية والجنسانية، بحيث تدمج الرجال والنساء، والطبقات الاجتماعية المختلفة، في شبكات معقدة. يحافظ المعلمون والزعماء الدينيون والحرفيون والبيروقراطيون وضباط الشرطة والأزواج المشاركون والقادة … على روابط وشبكات بعضها مع بعض لتعزيز مصالحهم؛ فلهذه الشبكات أبعاد قيمية ومادية من حيث إنها تسهل إنتاج السلع والخدمات وتوزيعها وإعادة توزيعها”[28].

ويكمن نجاح جماعة الإخوان المسلمين في الحشد والتوسع والاستمرار في أنها استطاعت بناء هوية جماعية لأفرادها من خلال بسط رؤيتهم وأيديولوجيتهم التي يعتمدون فيها غالباً على الشبكات الشخصية غير الرسمية والارتباط الديني والثقافي[29].

ويغلب الطابع الأسري والعائلي على الشبكات الاجتماعية الإخوانية باعتبارها أحد الأدوات المهمة في إدارة التنظيم وسهولة التواصل بين أعضائه، فهناك عدد لا يحصى من الأمثلة عن روابط عائلية ومصاهرة تلم شمل الأعضاء في جماعة الإخوان المسلمين معاً، وتخلق هذه الروابط شبكات مغلقة نسبياً وتضمن أن تبقى الوسائل الموثوق بها للتبادل قائمة، في الوقت نفسه فإن هذه العلاقات الشخصية والعائلية تشكل ضمانة ضد محاولات الاختراق والتسلل المحتمل والانكشاف، خاصة أن هذه العلاقات تستكمل بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الإخوانية لتمرير المعلومات[30].

الخدمات الاجتماعية:

قدمت جماعة الإخوان المسلمين نفسها منذ البداية على أنها تنظيم اجتماعي هدفه بالدرجة الأولى إصلاح الفرد والأسرة ومن ثم المجتمع وفق منهج إسلامي تدريجي، واعتبرت الجماعة أن الإصلاح الاجتماعي يمثل شرطاً ضرورياً للإصلاح السياسي. وانطلاقا من هذه الرؤية، ركزت الجماعة جهودها في العشر سنوات الأولى من تأسيسها على الجانب الاجتماعي والأخلاقي وامتنعت عن الخوض رسميا في المسائل السياسية[31].

لكن مع ذلك، يجب التنبيه أن الاعتناء الحصري بالبعد الاجتماعي في الحقبة الأولى من مسار الجماعة لم يكن هدفاً لذاته، وإنما كان وسيلة فعالة لتكوين قاعدة اجتماعية واسعة تنطلق منها للاستيلاء على الدولة[32]؛ وفي هذا الصدد يقول الباحث عمار فايد “إن حسن البنّا حدد مراحل للدعوة: التعريف بالفكرة والتبشير بها – اختيار الأنصار والأعضاء وتكوين القاعدة الصلبة للتنظيم – التنفيذ[33].

بناء على ما تقدم، شكّل العمل الاجتماعي للإخوان المسلمين متمثلاً في الاهتمام بقضايا الفئات الاجتماعية الفقيرة من عمال وفلاحين وطلبة وتقديم حلول لها بواسطة أدوات مختلفة منها القانونية والمهنية والخدمية والمساعدات العينية، مدخلاً مهماً للجماعة لكسب التأييد والتمدد. وبذلت الجماعة، في هذا الصدد، جهودا ضخمة في الثلاثينيات والأربعينيات وبداية الخمسينيات في سبيل حماية حقوق العمال في مواجهة الاستغلال والرأسمال المحلي والأجنبي[34]. وقام الإخوان بالشيء نفسه تجاه الفلاحين والطلبة والموظفين، فدأبوا على تقديم   طيف واسع من الخدمات إلى هذه الشرائح شملت قطاعات الصحة، التعليم، الاقتصاد، الإغاثة وغيرها من أجل التوسع وفرض الهيمنة على المجتمع.

في هذا الإطار، ساعدت جماعة الإخوان المسلمين على بناء مخرجات تنظيمية اجتماعية كالجمعيات والمراكز الصحية والمساجد ونحو ذلك من مؤسسات ذات طابع اجتماعي، تدعم أهدافها العامة، ولعل هذا ما يفسر أسباب استمراريتها رغم الانتقادات العديدة التي توجه إلى أدائها السياسي، حيث أن تنوع أنشطتها وأدوارها الاجتماعية كانت دائماً حافزاً وراء هذه الاستمرارية[35].

ولأجل ذلك، نشطت الجماعة في مختلف أوجه العمل الاجتماعي، إذ استطاعت أن تنشئ 102 فرعاً للخدمات الاجتماعية عام 1946 وزادت إلى 500 فرع عام 1948. كما امتدت يدها إلى مختلف جوانب الحياة في المجتمع المصري وأصبحت مؤسساتها التعليمية والصحية والاجتماعية ركائز بالغة الأهمية تعزز مكانتها وتدعم ماليتها، وتقوي جذورها وسط الجماهير[36].

وعلى هذا الأساس، حققت الجماعة الإخوانية انخراطاً شعبياً، بفضل عملها في الميدان الاجتماعي والطبي والاقتصادي والتربوي في المجتمعات الفقيرة، فبواسطة فروعها الـمنتشرة في أرجاء مصر، ونحو 6000 مسجد ومليوني عضو، و20 مستشفى، دون احتساب المستوصفات ودور الأيتام، ونحو 20 منظمة من المنظمات غير الحكومية الخيرية المصرية، تشكلت قاعدة المساعدة الاجتماعية للجماعة. وبحسب بعض المصادر كانت للجماعة 1200 مؤسسة تابعة للمجتمع المدني قبل وقت صعودها إلى الحكم في مصر[37]. ولعل هذه الشبكات الخدمية، تفسر أسباب الصعود القوي للإخوان المسلمين إبان الانتخابات البرلمانية عام 2012 [38].

ويؤدي قطاع الخدمات الاجتماعية مهام متعددة في استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين، فهو كما رأينا، وسيلة فعالة في توسيع القاعدة الاجتماعية للجماعة، وهذا دور مهم إذ يسمح لها بالتواجد والنشاط في المجال العام ويمكنها من البروز كفاعل إيجابي في المجتمع المدني، وللتأكيد على هذا الدور يقول الباحث هارمسن في كتابه ” الإسلام، المجتمع المدني والعمل الاجتماعي”، “لقد ملأت الجمعيات التطوعية الإسلامية فراغاً تركته الدولة”؛ وهي نقد ضمني لعدم قدرة الدولة على توفير الخدمات الكافية، ولا سيما لقطاعات المجتمع غير النخبوية، وبديل للمؤسسات الخاصة الباهظة الثمن وكذلك للمرافق العامة المنخفضة الجودة والمكتظة”[39].

بالإضافة إلى ذلك، يوضح هارمسن أن العمل الاجتماعي لجماعة الإخوان المسلمين  يساعدها في خلق هويتها الخاصة بها لدى أعضائها[40]، فبرغم  أن الجماعة تدعي أنها تقدم خدماتها لكل من يحتاجها  وتلتزم بمبدأ المساواة ولا تميز في ذلك بين الناس بحسب   الدين، أوالجنس والأصل القبلي أو القومي أو العرقي، فإن الواقع العملي يكشف أنها تعتمد  على  الروابط الأسرية والصداقة والجوار وشبكات الثقة الاجتماعية  في تقديم  خدماتها الاجتماعية، ومن ثم ليس من المستغرب أن تكون روابط الدم والهوية العرقية عاملين هامين جداً في تحديد من يتلقى هذه الخدمات[41]، وهؤلاء بالطبع سيكونون بالدرجة الأولى أعضاء في الجماعة أو من المتعاطفين معها على أقل تقدير.

 وأكثر خدمة تقدمها الجماعة يتجسد فيها البعد الهوياتي جلياً هي خدمة التعليم والتربية إذ يعتبر حسن البنّا التربية “الحبل الذي يربط الإخوان سوياً”[42].

الاقتصاد والهوية الإخوانية

اتجهت الجماعة إلى تقديم نفسها كحركة جماهيرية جاذبة لشرائح مختلفة من المسلمين، بالنظر لخطابها الشمولي الذي تزعم أنه يمثل جوهر الإسلام، كونها تعبر عن تيار اجتماعي عريض وواسع متمسك بدور حيوي للدين في مختلف أوجه الحياة، الأمر الذي يعني في أحد جوانبه ضرورة توظيف الاقتصاد لتعزيز مكانة الجماعة السياسية والقانونية والشرعية وتحقيق انتشارها المجتمعي.

كان البعد الاقتصادي حاضراً في وقت مبكر في رؤية حسن البنّا إذ وضعت الجماعة أسس رؤية اقتصادية خاصة من أجل إبراز تميزها عن مكونات المجتمع الأخرى من جهة، وفتح واجهة جديدة للتمدد الاجتماعي من خلال العزف على وتر الأسلمة من جهة أخرى.

ويحقق الاقتصاد أهدافاً عدة لجماعة الإخوان المسلمين منها ما هو عملي مرتبط بتوفير الوسائل المادية الضرورية لبقاء الجماعة وتوسعها، ومنها ما هو وظيفي وعاطفي، يحافظ ويعزز الهوية الجماعية عن طريق دمج أفراد الجماعة في أنشطة اقتصادية تضمن عيشهم كما تمكنهم من التفاعل في المجتمع والانخراط في مؤسساته المتعددة[43].

ويرى بعض الباحثين في الخطاب الاقتصادي للإخوان غطاءً للدفاع عن الهوية الإخوانية ومحاولة للتمايز عن الثقافة الغربية واقتصادها المهيمن؛ وفي هذا الشأن، يقول أحد الباحثين في الاقتصاد الإسلامي إن “الهدف الأساسي للاقتصاد الإسلامي ليس زيادة الكفاءة الاقتصادية، فبالرغم من الادعاء بأن الاقتصاد الإسلامي يقدم بديلاً متفوقاً على المبادئ الاقتصادية العلمانية في عصرنا، فالغرض الحقيقي هو العمل على تجنيب المسلمين من الاندماج في الثقافة العالمية الناشئة والذي يمثل الغرب نواتها الصلبة”[44].

وعليه، فالمنظومة المفاهيمية للاقتصاد الإخواني هي جزء من الترسانة الإيديولوجية للجماعة التي تعمل على أسلمة (أخونة) المجتمع وبناء هوية جماعية إخوانية[45]. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى أن أبو الأعلى المودودي الذي يعد أول من استخدم مصطلح الاقتصاد الإسلامي، قد استخدم هذا المصطلح ضمن تصور أيديولوجي شامل كان يهدف منه تأسيس هوية منفصلة لمسلمي الهند الذين انفصلوا عن هذه الأخيرة في سنة 1947، وشكلوا دولة باكستان. فضلا عن هذا، يوظف مصطلح الاقتصاد الإسلامي كسند للحركات الإسلامية في صراعها الثقافي مع الحضارة الغربية التي تشكل وفق منظور الحركات الإسلامية “دار الكفر” التي يجب التصدي لها بكل الوسائل والاقتصاد من بينها[46].

وكذلك الحال مع جماعة الإخوان المسلمين التي استغلت الاقتصاد لتكوين هوية إخوانية لدى أعضائها، حيث ساهم النشاط الاقتصادي للجماعة في تعزيز الهوية الجماعية الإخوانية من خلال إضفاء علامة مميزة لنشاطها القائم على مبادئ إسلامية في التعاملات الاقتصادية بما يميزها عن طبيعة الاقتصاد السائد هذا من جهة، ومنح إطار خاص للأفراد المنتمين للجماعة للتفاعل وكسب العيش من جهة أخرى.

هوية انفصالية

تمخض عن السيرورات السابقة من أيديولوجيا وتنظيم إداري وخدمات اجتماعية ونشاط اقتصادي، مجتمع إخواني بديل يتمايز عن المجتمع العام. فالديناميكيات التي تحكم المجتمع الإخواني من أيديولوجيا وتراتبية وقيم خلقت ثقافة فرعية أطلق عليها أحد الباحثين مصطلح ” النزعة الإخوانية”[47]، والتي هي في الواقع تعبير عن هوية خصوصية تستند على “أيديولوجيا وتنظيم يعزز تماسكها وينتج أنشطة اجتماعية وسياسية وشعوراً بالاختلاف والتميز في نفوس أعضائها وتضمن ولاءهم للحركة”[48] .

والنزعة الإخوانية بهذ المعنى هي هوية وأسلوب حياة. ويصفها باحث آخر بأنها “مجتمع بديل له نظامه القيمي، ونظام للجزاءات والمكافآت والعقوبات؛ ويصبح هذا مصدر هوية بديلة لأعضائها “[49]، وضع أسسها حسن البنّا عندما رسم عالماً خاصاً لأتباعه. وأضاف لها سيد قطب مزيداً من التشدد لتكون عزلة شعورية تعني هجرة المجتمع واعتزاله بسبب الإحساس بعدم الانسجام معه[50].

يعد هذا الأمر “شكلاً طائفياً من التنشئة الاجتماعية” يولِّد مجتمع مضاد داخل المجتمع يتعامل مع بعضه بعضاً؛ فالأخ يعمل في عمل يملكه الأخ، ويتزوج من أخت أو ابنة الأخ، ويختار أن يعالجه طبيب أخ، وهكذا. وسيكون لهذا المجتمع المضاد ذاكرته الخاصة: مزيج من الأحداث الحقيقية وأخرى مُتَخيلة تحكي قصة مقدسة تتخللها المحاكمات أو ما يعرف في أدبيات الإخوان المسلمين بالمحنة (وهي معاناة يرسلها الله) والانتصارات. وهذه المحاكمات ليست نتيجة خطأ من جانب القيادة السياسية الإخوانية، بل هي دائماً بفعل مؤامرات قوى الشر المتعدد الأشكال[51].

كما يعكس التلقين الأيديولوجي الذي تحرص عليه الجماعة، ثقافة إخوانية مسيسة، تهتم بتعزيز قيم معينة تتجاوز الدين وتساعد على خلق هوية مشتركة. علاوة على ذلك، لا يجري تدريب الأعضاء ليكونوا واعظين فحسب، بل ليكونوا ناشطين اجتماعيين وسياسيين. فالتخلي عن السياسة يعني تغييراً جوهرياً في تلقين الإخوان وبرامج التنشئة الاجتماعية، وهو أمر لا تستطيع الجماعة تحمله[52].

الخلاصة:

تمكنت جماعة الإخوان المسلمين عبر اعتمادها هندسة اجتماعية قائمة على إستراتيجيات متعددة الأبعاد: إيديولوجية وتنظيمية وتعليمية، من خلق مجتمعاً موازياً لأعضائها، يعيشون ويتزوجون ويعملون ويصاحبون فيه ومن خلاله. وقد أدت هذه العملية إلى تأسيس هوية فردية وجماعية إخوانية تمنح الإخوان “نظاماً رمزياً من القيم والمعايير في حياتهم اليومية، يعزز من إحساسهم بالالتزام والانتماء للحركة. وتربط بنية التنظيم القواعد بالسلوك، واللوائح بالقيم، والأعضاء بالقيادة… هذه القواعد لعبت دورا محورياً في تمكين الإخوان الحفاظ على وحدتهم الداخلية وتجنب التفكك”[53].

لكن التساؤل الذي يطرح في هذه المرحلة، هو: ما مدى تأثر الهوية الإخوانية في مصر، بعد ما حُلت الجماعة، وانقسم ما تبقى من قيادتها خارج السجون، إلى جماعتين على الأقل، وبعدما أُوقف نشاطها الاقتصادي، وصُودرت ممتلكاتها من مدارس ومستشفيات ومصانع ومتاجر وجمعيات وغيرها، وبعدما عطلت وسائل تواصل أفرادها فيما بينهم ومع قيادتهم نظرا لما أصاب هيكلها التنظيمي من خلل. لا شك أن هذه الهوية التي حرصت الجماعة على بنائها منذ تأسيسها تواجه تحدياً صعباً خاصة أن الجماعة فقدت الكثير من عناصر بناء هذه الهوية.


المراجع

[1] تم الاستناد في الأرقام عن عدد شعب وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى عدة مصادر، منها:

Lia Bryanjar, The Society of Muslim Brotherhood: The Rise of an Islamic Mass Movement, 1928-1942, Reading, Ithaca Press, 1998, p.153.

Ziad Munson, Islamic Mobilization: Social Movement Theory and the Egyptian Muslim Brotherhood, The Sociological Quarterly, Volume 42, 2001 – Issue4, p.5.

[2] للمزيد عن العلاقة عن الدراسات التي تبنت اقتراب اللامعيارية والأزمة الاجتماعية وظهور الحركات الإسلامية، انظر:

-Said Amir Arjomand )ed(, From Nationalism to Revolutionary Islam (London: Macmillan, 1984)

-Dekmejian Richard, Islam in Revolution: Fundamentalism in the Arab World (New York, Syracuse University Press, 1985)

[3] للاطلاع على مزيد من المراجع عن الطرح الثقافي عن الاسلام السياسي انظر:

-Francois Burgat, Comprendre L’Islam Politique: Une trajectoire de recherche sur l’altérité islamiste, (Edition Decouverte, Paris, 2016).

-Burgat and Dowell, “Islamism as the Language of Political Reaction to Western Cultural Domination,” in: The Islamic Movement in North Africa) Austin: University of Texas Press, 1993(PP 63–85.

– Leila Hessini, “Wearing the Hijab in Contemporary Morocco: Choice and Identity,” in: Fatma Muge Gocek and Shiva Balaghi(eds.)  Reconstructing Gender in the Middle East: Tradition, Identity and Power (New York, Columbia University Press, 1994).

-Esposito John & Tamimi Azzam (eds), Islam and secularism in the Middle East (New York, New York university Press, 2000(.

[4] خليل العناني، داخل الإخوان المسلمين: الدين والهوية والسياسة، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2018)، ص ص 77-80.

[5]  Alberto Meluci, changing codes: Collective Action in the Informative Age (Cambridge University Press, 1996) cited in Khalil al-Inani, Ibid, p.71.

[6]  Dina Al Raffie, Social Identity Theory for Investigating Islamic Extremism in the Diaspora,

in Journal of Strategic Security, Nb.4, Vol.6, Winter 2013.  https://bit.ly/3r1xPBe, P.76-77.

[7]  كتابات عديدة عالجت موضوع الهوية في المجتمعات الإسلامية والصراعات التي ظهرت حولها بين التيارات الفكرية المختلفة منذ بداية القرن العشرين، لمزيد من الإضاءات حول الموضوع: انظر:

Albert Hourani, Arabic Thought in the liberal Age, 1798-1939 (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 1983), pp.138-144.

– د. محمد عمارة، “معنى القومية العربية”، موقع الصوت العربي الحر، 20/9/2010، على الرابط: http://www.freearabvoice.org/?page_id=606

-طارق عثمان، “مأساة الإسلام السياسي: قرن من التجارب مع الحداثة”، المجلة الفصلية لكلية الشؤون العالمية والسياسة العامة، على الرابط: https://bit.ly/2z57mOs

[8]  Ziad Munson, ISLAMIC MOBILIZATION: Social Movement Theory and the Egyptian Muslim Brotherhood, The Sociological Quarterly, Vol. 42, No (4), January 2002. p.24.

[9] حسن البنّا، مجموعة الرسائل، الجزء الأول، (بيروت، دار القرآن الكريم، 1984) ص171.

[10] أحمد حسين حسن، الجماعات السياسية الإسلامية والمجتمع المدني: دراسة في استراتيجية بناء النفوذ السياسي والاجتماعي والتغلغل الفكري، ط1 (القاهرة: الدار الثقافية للنشر، 2000) ص188.

[11] حسن البنّا، مذكرات الدعوة والداعية (القاهرة: دار النشر والتوزيع الإسلامية،1986) ص253.

[12] Keddie N, Islamic Revival in the Middle East: A comparison of Iran and Egypt, In: Smith D, Frasous K (eds) Arab Society: Continuity and change) London: Croom Helm, 1985(, P. 68

[13] مركز تريندز للبحوث والاستشارات، الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين: الأهداف والوظائف والعمليات، (أبو ظبي،مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2020) ص ص 227-231.

[14] خليل العناني، مرجع سابق، ص 166.

[15] المرجع السابق، ص 41.

[16]  Ziad Munson, Op. Cit, pp.17-24.

[17] Ibid. p.25.

[18]“الإخوان المسلمون في عصر مبارك.. من المهادنة إلى المواجهة”، موقع إخوان ويكي، على الرابط   https://bit.ly/2o6EQGb

[19]  Barbara Zollner, Surviving Repression: How Egypt’s Muslim Brotherhood Has Carried On, Carnegie Middle East Center, MARCH 11, 2019, https://bit.ly/3bTy9Oc

[20] المصدر السابق.

[21] للمزيد من التفاصيل عن هذا الجانب، يمكن الرجوع إلى: محمد حبيب، ذكريات د. محمد حبيب: عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر (القاهرة، دار الشروق، 2012).

[22] خليل العناني، مصدر سابق، ص109.

[23]  المصدر السابق، ص 110.

[24]  Michells Richard, The Society of the Muslim Brothers, (Oxford: Oxford University Press, 1993). p.183.

[25] Ziad Munson, op.cit. p.23.

[26] خليل العناني، مرجع سابق، ص149.

[27]      زياد مونسون، مصدر سابق، ص ص 10-14.

[28] Diane Singerman, “The Networked World of Islamist Social Movements”, in: Quintan wiktorowicz (ed)

Islamic Activism.. A social Movement Theory (Indiana, Indiana University Press, 2004) p.155.

[29] Quintan Wiktorowicz, “The New Global Threat: Transnational Salafis and Jihad.” Middle East Policy, Volume 8, Issue 4, December 2001, p15.

[30]  Barbara Zollner, op.cit.

[31] ” وفقاً للمادة الثانية من القانون الأول لجمعية الإخوان المسلمين الصادر في الإسماعيلية عام 1930، فإن الجمعية لا شأن لها بالعمل السياسي، حيث تقول هذه المادة: «هذه الجمعية لا تتعرض للشؤون السياسية أيا كانت”، انظر: قانون جمعية الإخوان الوارد في الموسوعة الرسمية لهم ، على الرابطhttp://goo.gl/Dla0Oj

[32] عمار فايد، هل القضاء على أنشطة الإخوان الاجتماعية في مصر يدفع الجماعة إلى العنف؟ موقع معهد بروكنجز، 23 مارس 2016، https://brook.gs/3cGlIV9

[33] المرجع السابق

[34]  لمزيد من الاطلاع، انظر: أحمد حسين حسن، مرجع سابق، ص ص 210-213

[35] عمار فايد، مرجع سابق.

[36] رفعت السعيد، حسن البنّا  متى كيف ولماذا؟ ط10 (دمشق، دار الطليعة الجديدة، 1997) ص 112.

[37] عمار فايد، مرجع سابق.

[38] زيدان مريبوط، الربيع العربي ثقل الإخوان المسلمين –رؤيتهم للدولة والمالية الإسلامية، ترجمة بو بكر بوخريسة، أبريل 2013، على الرابط: https://bit.ly/3aDGna5

[39] Harmsen, Egbert, Islam, Civil Society and Social Work: Muslim Voluntary Welfare Associations in Jordan between Patronage and Empowerment. (ISIM Dissertations). Amsterdam: Amsterdam Univ. Press. https://nbn-resolving.org. p.53

[40] المرجع السابق، ص 53.

[41] Harmsen, Egbert, Op. cit. P 255.

[42] حسن البنّا، مرجع سابق، ص 44.

[43]  لمزيد من الاطلاع على طبيعة اقتصاد الإخوان المسلمين، انظر

-مركز تريندز للبحوث والاستشارات، البناء الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين، (أبوظبي، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 2020).

-عبدالخالق فاروق، اقتصادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم: محاولة أولية للتقدير، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2014).

[44] Kuran, Timur., “The discontents of Islamic economic morality”, The American Economic Review; May 1996; Vol 86, No 2; ProQuest Research Library May 1989, P.438, https://bit.ly/3c2ypKF

[45] مركز تريندز للبحوث والاستشارات، البناء الاقتصادي لجماعة الإخوان المسلمين، مرجع سابق، ص 37.

[46]  المرجع السابق، ص ص  37-38

[47] خليل العناني، مرجع سابق، ص 179.

[48] المرجع السابق، ص 179.

[49] Halliday, M. A. K, Anti-Languages, American Anthropologist, New Series, 1976, Vol. 78, No. 3, https://bit.ly/2QtKD6Y

[50] منير أديب، “غيتو الإخوان… عندما يتحوّل التنظيم الأيديولوجي إلى تنظيم بيولوجي”، موقع رصيف 21، 20 يوليو 2018، على الرابط: https://bit.ly/2ycCDyA

[51]Tewfik Aclimandos, The Brothers: Gnostic Reformers of Islam, Oasis center, 23/10/2018, https://bit.ly/2VB83r1

[52] Khalil al-Anani, Egypt’s Muslim Brotherhood faces a dilemma: Religion or politics?, the Washington post, June 20, 2016,  https://wapo.st/3cTQXKY

[53] خليل العناني، مرجع سابق، ص201.

المواضيع ذات الصلة