Insight Image

الإخوان المسلمون في المملكة المتحدة ومساعي السيطرة على الصوت العربي

09 يوليو 2025

الإخوان المسلمون في المملكة المتحدة ومساعي السيطرة على الصوت العربي

09 يوليو 2025

الإخوان المسلمون في المملكة المتحدة ومساعي السيطرة على الصوت العربي

تُعد جماعة الإخوان المسلمين من أكثر التنظيمات الإسلامية إثارة للجدل على الساحة الدولية؛ فهي جماعة تحمل مشروعًا أيديولوجيًّا عابرًا للحدود، يخلط الديني بالسياسي وبالتنظيم الحركي. وعلى الرغم من تصنيفها جماعة محظورة أو إرهابية في عدد من الدول العربية والغربية، فإن المملكة المتحدة بقيت ساحة مفتوحة لأنشطتها الفكرية والتنظيمية، بفضل بيئة الحريات العامة والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية التي توفر لها غطاءً مدنيًّا.

في هذا السياق، تهدف هذه الدراسة التحليلية إلى تفكيك طبيعة الخطاب العام المصاحب لمؤتمر الجالية العربية في بريطانيا (2024)، من خلال تحليل محتوى الكتيب الرسمي للمؤتمر، واستقراء مضامينه السياسية والاجتماعية. وتسعى الورقة إلى رصد المؤشرات غير المباشرة التي قد تدل على وجود نفوذ لجماعة الإخوان المسلمين داخل مكونات المؤتمر، سواء عبر الخطاب أو عبر الشخصيات المشاركة. كما تتناول تصنيف أبرز الأسماء المرتبطة بالمؤتمر، وتحديد مدى قربها الفكري أو المؤسسي من جماعة الإخوان. إضافة إلى ذلك، تعمل الدراسة على فحص التوجهات السياسية المُعلنة للمؤتمر، ومدى إمكانية استخدامها كغطاء لتمكين مشروع أيديولوجي غير معلن. وأخيرًا، تُحذّر هذه الورقة من خطورة المشروع الإخواني في السياق البريطاني، لما يمثله من تهديد محتمل لتعددية الصوت العربي وتمثيله المستقل.

طبيعة الخطاب العام في الكتيب

على الرغم من خلو الكتيب من إشارات مباشرة لأدبيات الإخوان، فإن قراءة متأنية لخطاب الكتيب تبيّن ما يلي:

  • التركيز الواضح على قضايا الاندماج السياسي، واختزال القضية الفلسطينية في حركة حماس، وتحديات الهوية، وهي قضايا اعتادت الجماعة توظيفها لإنتاج نفوذ مجتمعي لها في أوروبا عمومًا.
  • غياب المصطلحات الصريحة مثل “التمكين” أو “الخلافة” لا يعني غياب المشروع الأيديولوجي، بل قد يكون انعكاسًا لتكتيك الجماعة في التمويه السياسي؛ انتظارًا للحظة التمكين في أديباتهم.
  • على الرغم من أن المحتوى يعكس جهدًا مدنيًّا ظاهريًّا، فإن هذا الإطار قد يكون -كما في تجارب مماثلة- واجهة لاختراقات أيديولوجية ناعمة، تبدأ بالخطاب وتنتهي بالتحكُّم في تمثيل الجالية العربية وقراراها السياسي وصوتها الانتخابي.

مؤشرات غير مباشرة على النفوذ الإخواني

1. توظيف شخصيات محسوبة على الإسلام السياسي

يُعد الحضور المتكرر لشخصيات معروفة بانتمائها أو تقاطعها مع الإسلام السياسي، وبعضها يرتبط عضويًّا بجماعة الإخوان أو بحركات ذات توجهات مماثلة، مؤشرًا دالًا على المسار الأيديولوجي الذي يتبناه المؤتمر. فهذا النمط من التوظيف لا يبدو اعتباطيًّا، بل يُفهم ضمن استراتيجية إعادة إنتاج خطاب الجماعة بوجوه متجددة، مع الحفاظ على الجوهر الفكري والتنظيمي ذاته.

2. القضية الفلسطينية كمدخل تعبوي

لطالما استخدمت جماعة الإخوان المسلمين القضية الفلسطينية كأداة تعبئة جماهيرية، وهو ما تجدد بوضوح في هذا المؤتمر. وبرغم أن تبني قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية لا يُدان في جوهره، فإن توظيفها في سياقات ذات أهداف سياسية غير معلنة يعكس أحد الأساليب التقليدية الراسخة في خطاب الجماعة، حيث تُستثمر المشاعر العامة لبناء شرعية أيديولوجية وتوسيع النفوذ التنظيمي.

3. غياب التنوع الأيديولوجي والديني

غياب الإشارة في وثائق المؤتمر إلى حضور تيارات فكرية غير إسلامية، كالعلمانية والليبرالية والمسيحية العربية، يثير تساؤلات مشروعة حول احتمال وجود توجه لإقصاء ناعم لهذه المكونات التي لا تنسجم تمامًا مع الرؤية الإخوانية للمشروع السياسي والفكري. 

الشخصيات ذات الصلة بجماعة الإخوان أو مشروعها السياسي

التي شاركت في مؤتمر الجالية العربية في بريطانيا (2024)

 

الاسم الانتماء / الدور العلاقة بالإخوان التصنيف
د. أنس التكريتي مؤسسة قرطبة علاقة تنظيمية مباشرة سابقة مباشر
محمد عايش العربي الجديد خطاب إعلامي داعم للإخوان قريب
أرنست خوري العربي الجديد موقع إداري في مؤسسة تتهم بدعم الإخوان مؤسسي
رشيد غلام العدل والإحسان (سابقًا) تقاطع فكري وأيديولوجي فكري
شيماء البربري ناشطة إعلامية خطاب متعاطف مع الطروحات الإسلامية محتمل
د. كامل حواش ناشط فلسطيني وأكاديمي تقاطع في بعض القضايا لا في التنظيم غير تنظيمي

 

يجب أن ننوه بأن اعتماد الجماعة على “تحالف رمادي” من شخصيات غير إخوانية صريحة، لكنها متعاطفة مع خطابها، يمثل أحد أخطر أدواتها في اختراق الساحات الأوروبية دون أن يُرصد لها نشاط تنظيمي مباشر.

النشاط السياسي العلني: واجهة لحضور أيديولوجي خفي

أعلن المؤتمر عن عزمه دعم مرشحين عرب للبرلمان البريطاني، وهي خطوة تبدو في ظاهرها مظهرًا من مظاهر الانخراط الديمقراطي المشروع، ومحاولة لتفعيل حضور الجالية العربية داخل النظام السياسي البريطاني. غير أن التجربة التاريخية مع جماعة الإخوان المسلمين تُحتّم قراءة مثل هذا التوجه بحذر، نظرًا لما تمتلكه الجماعة من خبرة واسعة في إنشاء واجهات مدنية تحمل طابعًا حقوقيًّا أو اجتماعيًّا، لكنها في جوهرها أدوات سياسية موجهة. فقد اعتادت الجماعة، في عدد من السياقات، استخدام الجمعيات الخيرية، والمنتديات الثقافية، والتحالفات المجتمعية، كمنصات تمهيدية لبناء نفوذ أيديولوجي منظم، يُفضي لاحقًا إلى السيطرة على القرار التمثيلي داخل الجاليات.

ومن هذا المنطلق، يصبح دعم المرشحين، إذا ما تم في إطار محكم من قبل فئة بعينها، خطوة تمهيدية نحو تمكين مشروع سياسي إخواني الطابع، يختبئ خلف شعارات تمثيلية، لكنه يسعى فعليًّا إلى احتكار الصوت العربي تحت مظلة تنظيمية مغلقة.

خطورة المشروع الإخواني في السياق البريطاني

  • إنتاج سرديات المظلومية والهوية لاحتكار تمثيل الجالية، تمامًا كما تفعل الجماعة في مناطق نفوذها الأخرى.
  • استبعاد التيارات المخالفة تحت شعارات فضفاضة (مثل “الإجماع”) يمهد للهيمنة الخطابية للجماعة.
  • تمويل غامض وخطاب مزدوج يميز الجماعة، وغالبًا ما يُستخدم العمل المجتمعي كغطاء لأنشطة تأثير سياسي خارجي.
  • التمدد عبر التحالفات الرمادية يجعل من تتبعها تحديًا أمنيًّا وفكريًّا في السياق الأوروبي الليبرالي.

الخاتمة

من الممكن أن يدّعي البعض أنه لا توجد دلائل قاطعة على اختراق تنظيمي مباشر لمؤتمر الجالية العربية في بريطانيا من قِبَل الإخوان، إلا أن تركيبة المشاركين، وطبيعة القضايا المطروحة، وغياب التنوع الفكري والديني – كل ذلك يشير إلى احتمال تغلغل ناعم للجماعة أو تيارات متقاطعة معها. والخطورة لا تكمن في الوجود الظاهري، بل في بناء سردية تُمكّن جماعة محددة من احتكار “الصوت العربي” في بريطانيا تحت مظلة الحريات.

وفي هذا السياق، يمكن أن نفهم ضرورة الرقابة البحثية والحقوقية على أنشطة الجاليات العربية لضمان تمثيل تعددي حقيقي، ووجوب رصد مصادر التمويل والخطاب العابر للحدود، وتشجيع تمثيل التيارات المدنية، الليبرالية، والمسيحية العربية لضمان التوازن. ووضع آليات مساءلة لأي كيان يدّعي تمثيل الجالية بشكل حصري.

  • المرجع: محمد أمين (تقديم وتحرير)، البريطانيون العرب: تحديات وتطلعات – وقائع الاجتماع التأسيسي لمؤتمر الجالية العربية في بريطانيا، عرب لندن، 2024.

المواضيع ذات الصلة