مقدمة:
أخفقت الأحزاب السياسية العربية في مناطق 48 في تشكيل قائمة ائتلافية واحدة موحدة تُمثّل العرب الفلسطينيين في انتخابات الكنيست الإسرائيلي في دورته الـ 25، المقرّرة في 1 نوفمبر 2022، وهي الجولة الخامسة من الانتخابات في غضون أقل من أربع سنوات؛ بحيث تقدمت للجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية بثلاث قوائم: القائمة المشتركة (تضم ممثلين عن حزبي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير)، والقائمة الموحدة (تتشكّل فقط من ممثلي الحركة الإسلامية الجنوبية)، وقائمة حزب التجمع الوطني الديمقراطي. ويُمثّل ذلك انقساماً وتراجعاً عن خيار الوحدة الذي تبنته الأحزاب العربية في الدورتين الـ 22 عام 2019، والـ 23 عام 2020، ويُعدُّ تراجعاً أكثر عُمقاً عن (الدورة الـ 24) عام 2021، التي خاضتها الأحزاب العربية بقائمتين أيضاً.
في ضوء هذه التحولات، تبحثُ الورقة أسباب انقسام الأحزاب العربية إلى ثلاث قوائم ودوافعه لخوض الانتخابات، وتُناقش انعكاسات أزمة الانقسام على المشهد السياسي في إسرائيل على حظوظ القوائم العربية الثلاثة في مقاعد الكنيست؛ استناداً إلى حجم مشاركة الناخبين العرب، وتداعيات ذلك على النفوذ ومستوى التمثيل السياسي. كما تتحرى هذه الورقة مستوى استفادة الكتلتين الإسرائيليتين المتنافستين بقيادة “يائير لبيد وبنيامين نتنياهو” من انقسام الأحزاب العربية في تشكيل الحكومة الائتلافية أولاً، وفي القضايا التي يُعالجها البرلمان الإسرائيلي في دورته الـ 25 ثانياً.
دوافع انقسام الأحزاب العربية في مناطق 48:
بإعلان الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة الوطنية للتغيير انفصالهما عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وخوضهما الانتخابات ضمن قائمتين إلى جانب قائمة ثالثة للحركة الإسلامية الجنوبية، يكون قد انفرط عقد القائمة المشتركة بالرغم من الاتفاق المسبق على خوض الانتخابات ضمن قائمة ائتلافية، ولهذه التطورات أسبابها ودوافعها المتصلة بالموقف من تشكيل القائمة أساساً، في ظلّ تعارض رؤى وتوجهات القوى والأحزاب السياسية العربية في مناطق 48، والجدل القائم في الوسط العربي مع دخول “القائمة الموحدة” إلى الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، بوصفها تجربة جديدة لها تداعياتها على مجمل الساحة السياسية.
ويُرجع البعض أسباب الأزمة الداخلية بين الأحزاب العربية منذ تشكيل القائمة المشتركة عام 2015، إلى أنها- أي القائمة المشتركة- لم تستند إلى مشروع أو إلى برنامج سياسي متفق عليه، للمطالبة بحقوق أساسية جماعية تعكس حاجة المجتمع الفلسطيني في مناطق 48، بحيث لم يطرح مشروع القائمة المشتركة كمشروع مناهض وبديل للمشروع الإسرائيلي، بل ارتكز على برنامج عمل برلماني خدماتي متفق عليه بالحد الأدنى، وهو عبارة عن مجموعة أهداف سياسية تتمحور حول: أهمية دور القائمة المشتركة في التصدي لليمين الإسرائيلي وإزاحته من الحكم، وزيادة قوة المجتمع العربي السياسية وتأثيره من خلال زيادة عدد ممثليه في البرلمان، وأهمية الوحدة وأثرها على العمل الجماعي العربي في إسرائيل[1].
وفق هذه القاعدة، تركّز الحركة الإسلامية الجنوبية التي تمثل القائمة العربية الموحدة، على القضايا الاجتماعية، المدنية والدينية، فيما ينحصر تركيز حزب التجمع الوطني الديمقراطي على القضايا الوطنية العليا، مثل الهوية القومية ومناهضة السياسات الإسرائيلية ودعم القضية الفلسطينية، وبالمعنى السياسي تتبنى خيار دولة واحدة لجميع مواطنيها. أما الجبهة العربية للتغيير فإنها توازن بين هذه وتلك أي القضية المدنية المطلبية والقضايا الوطنية.
امتدت هذه الأزمة عشية تشكيل القوائم الانتخابية وتقديمها للجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، وعلى إثرها تبادلت قيادة “القائمة المشتركة” و”حزب التجمع” الاتهامات بسبب فشل خيار الوحدة، على خلفية عدم الاتفاق على شروط التناوب على المركز السادس في القائمة الانتخابية. وفي الردود، صرح رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، سامي أبو شحادة، بأن حزبه استجاب لجميع مطالب الجبهة، مقابل تصريحات كل من أيمن عودة وأحمد الطيبي بأنهما سعيا إلى الوحدة. وقال أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير: “كانت الحركة العربية ترغب في الحفاظ على وحدة القائمة المشتركة مع أربعة أحزاب، لكن ذلك لم يتحقق، ما استدعى خوض الانتخابات بصيغة القائمة المشتركة بحزبي الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير”. وقال عضو الكنيست الإسرائيلي النائب أيمن عودة، في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية مكان: “طيلة شهرين منعنا رئيس حزب التجمع من أن نلتقي ثلاثتنا، نحن وهم والعربية للتغيير، ثم اتفق مع أحمد الطيبي وحدهما ليدخلا الانتخابات بجسم واحد، ثم التف على الطيبي.. لا شك أن ما فعله التجمع يدل على تصرف غير لائق أبداً”[2].
وبذلك، فإن أزمة الأحزاب العربية في مناطق 48 وخلافاتها المتجددة، هي خلافات قديمة تتصل بالرؤى والسياسات المتعارضة بينها، لكنها تطفو إلى السطح كلما اقترب استحقاق انتخابات الكنيست وتتحول إلى خلافات موضوعية، مطلبية وشكلية، آخرها النزاع حول ترتيب مقاعد أعضاء القائمة المشتركة بين أحزابها الثلاثة المنقسمة إلى قائمتين.
حجم مشاركة الناخبين العرب ومستوى تمثيلهم (1951- 2021):
ظلّت مشاركة المواطنين العرب في مناطق 48، في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، مرهونة بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتأثرت مشاركتهم – على امتداد تجربة انتخابات الكنيست منذ عام 1951- بالموقف من تطورات الحكم العسكري الإسرائيلي في منطقتي 48 و67، وبالحسابات الخاصة بشأن مستوى التأثير على السياسة الإسرائيلية الداخلية، أو بالاحتجاج على سياسة الدولة في القضايا الاجتماعية والقانونية، أو بمستويات الوحدة والانقسام بين الأحزاب العربية وتداعياتها على المشاركة في الانتخابات البرلمانية بقائمةٍ موحدة أو بقوائم منفصلة.
وفق هذه القضايا، صاغ المواطنون العرب مواقفهم من الانتخابات مشاركةً أو مقاطعة، وتراوحت مشاركتهم ما بين الصعود والهبوط وبنسب متباينة. ففي الدورات الانتخابية الأولى للكنيست، ارتفع المعدل العام لمشاركة الناخبين العرب إلى 82% عام 1951، و90% عام 1955، واستقرت عام 1959 عند نسبة 85%. وبدأت نسبة المشاركة تتراجع تدريجياً في مطلع السبعينيات، فانخفضت عام 1973 إلى 73%، وتواصل الانخفاض إلى 70% عام 1982، ثم 68% عام 1992، فيما انخفضت نسبة التصويت في عام 2003 إلى 53%، واستمرت في الانخفاض إلى أقل من 50% في الدورات اللاحقة إلى حين تشكيل القائمة المشتركة عام 2015، التي دشنت مرحلة جديدة في مسألة تصويت الناخبين العرب؛ إذ ارتفعت نسبة التصويت في عام 2015 إلى 65%، وذلك على خلفية تشكيل القائمة المشتركة، وانخفضت نسبة التصويت إلى 49% بعد تفكيك القائمة المشتركة، ثم عادت وانخفضت هذه النسبة إلى 45%، بعد انشقاق “القائمة الموحدة” عن “المشتركة” في انتخابات عام 2021، وهي الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي[3].
ولهذه المشاركة انعكاساتها، بطبيعة الحال، على مستوى تمثيل الأحزاب السياسية العربية في البرلمان الإسرائيلي، فكلما ارتفعت نسبة مشاركة الناخبين العرب، قابلها الارتفاع في أعداد مقاعد النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي. ويظهر ذلك بوضوح في الدورتين الـ 22 عام 2019، والـ 23 عام 2020، التي حصلت فيها الأحزاب العربية على أعلى الأعداد من مقاعد الكنيست في تاريخها بـ 13 و15 مقعداً على التوالي، وذلك بسبب لجوئها إلى خيار الوحدة والقائمة المشتركة، فيما تراجعت أعداد المقاعد المخصصّة للأحزاب العربية إلى 10 مقاعد في انتخابات الدورة الأخيرة الـ 24 عام 2021، جراء خوضها الانتخابات بقائمتين، سبقها ارتفاع عدد المقاعد إلى 13 مقعداً، حينما ارتفعت نسبة التصويت في العام 2015 إلى 65%. في مقابل هذا كله، وبلُغةِ الأرقام، تراجعت أعداد المقاعد المخصصّة للأحزاب العربية في الكنيست الإسرائيلي إلى: (مقعد واحد فقط عام 1973- و4 مقاعد عام 1982- و5 مقاعد عام 1992) وهي السنوات التي شهدت انخفاضاً حاداً في نسبة مشاركة الناخبين العرب في مناطق 48[4].
احتمالات مشاركة الناخبين العرب وحجم تمثيل القوائم العربية في الدورة الـ (25) 2022:
تعتمد قراءة ثقل مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات المقبلة ومستوى تمثيل القوائم العربية في الكنيست الإسرائيلي، على استطلاعات الرأي الدوريّة التي تُجريها المراكز العربية والإسرائيلية المتخصصّة، والصحف والقنوات الفضائية والإذاعات الإسرائيلية. وتعتمد هذه الوسائط جميعها على قياس تطورات أوضاع المجتمع العربي في مناطق 48 التي تشهد انقساماً وتحليلها، أفرز ثلاث قوائم لخوض الانتخابات قُبيل تنظيمها بشهرٍ واحد.
وتتفق استطلاعات الرأي على انخفاض نسبة تصويت الناخبين العرب إلى أقل من الانتخابات السابقة 2021 وانتخابات عام 2019، التي تفكّكت فيها القائمة المشتركة لأول مرة، بحيث تتراوح نسبة المشاركة المحتملة في هذه الدورة (دورة 25/2022) ما بين 40% – 42%، وهي نسبة منخفضة وغير مشجعة مقارنةً بنسبة تصويت المجتمع اليهودي المرتفعة، والتي تصل عادة إلى 70%، وفي حال استقرت نسبة مشاركة الناخبين العرب عند هذه المعدلات، فإنها تهدّد بعدم تجاوز بعض القوائم العربية لنسبة الحسم[5] التي تبلغ حالياً 3.25%، وبتقليص التمثيل العربي في الكنيست الإسرائيلي.
وتتأكد فرضية عدم تجاوز بعض القوائم العربية لنسبة الحسم، وتقليص التمثيل العربي في الكنيست الإسرائيلي بسبب انخفاض نسبة تصويت الناخبين العرب في استطلاعات الرأي كافة، فقد دلّ استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية في 23/9/2022، أي قبل 38 يوماً من إجراء الانتخابات على عدم تجاوز “حزب التجمع الوطني الديمقراطي” لنسبة الحسم، وعلى أن القائمتين الموحدة والقائمة المشتركة ستحصلان على 8 مقاعد مناصفة (أي 4 مقاعد لكلٍ منها) في الكنسيت الإسرائيلي، وهي نفس النتيجة التي جاء بها استطلاع للرأي نشرته صحيفة “معاريف” في 30/9/2022، أي قبل شهرٍ واحد من إجراء الانتخابات.
إن المقاعد الثمانية المحتملة التي سوف تحصل عليها القائمتان العربيتان وفقاً لاستطلاعات الرأي، تُفقِد المجتمع العربي في مناطق 48 مقعدين من أصل 10 مقاعد كانوا قد حصلوا عليها في آخر انتخابات (الدورة الـ 24) عام 2021، وتفقدهم 7 مقاعد من أصل 15 مقعداً كانوا قد حصلوا عليها في دورة الانتخابات التي سبقتها (الدورة الـ 23) عام 2020 أيضاً. كما أن احتمالية عدم تجاوز “حزب التجمع” لنسبة الحسم وعدم وصوله إلى عتبة البرلمان الإسرائيلي، وفقاً للاستطلاعات نفسها، تفقده 3 مقاعد كان قد حصل عليها حينما خاض آخر انتخابات بشكلٍ منفرد في الدورة الـ 19 عام 2013، علماً بأن “حزب التجمع” خاض الانتخابات الأخيرة (الدورة الـ 24) عام 2021، ضمن القائمة المشتركة التي حصلت على 6 مقاعد، وخاض الانتخابات التي سبقتها (الدورة الـ 23) عام 2020، ضمن القائمة المشتركة التي حصلت على 15 مقعداً، وخاض الانتخابات في (الدورة الـ 22) ضمن القائمة المشتركة التي حصلت على 13 مقعداً، وخاض الانتخابات في (الدورة الـ 21) بتحالف مع “القائمة الموحدة” التي حصلت على 4 مقاعد[6].
ولئن كان هذا التراجع يُمثّل خصماً من رصيد الأحزاب السياسية العربية، فإنه يصبُ، بالمعنى العام، في مصلحة الكتلتين الإسرائيليتين الكبيرتين المتنافستين في الانتخابات، لكنه في الوقت نفسه – وبالتخصيص – يُمثّل فائدة خالصة لإحدى هاتين الكتلتين، ثم إنَّ هذا الضعف والتراجع سيحرم المجتمع العربي في عمومه من تحصيل حقوقه المطلبية بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضاً.
انقسام الأحزاب العربية لمصلحة أيٍّ من المعسكرين الإسرائيليين؟
شهدت الأوضاع السياسية والبرلمانية في إسرائيل حالة من الجمود طيلة السنوات الأربع الماضية، ولم تحسم الانتخابات خلالها تأليف حكومة ذات أغلبية، وعندما نجح “نفتالي بينيت ويائير لبيد” في تشكيل حكومة يتقاسمان فيها منصب رئاسة الحكومة بالتناوب، لم تستطع هذه الحكومة التي وُصفت بـ “الضعيفة” تسوية الأزمات السياسية في عمومها، حتى تقرّر إجراء انتخابات جديدة في الأول من نوفمبر 2022، وهي الجولة الخامسة في غضون أقل من 4 سنوات.
تتنافس في الانتخابات المقبلة 40 قائمة حزبية، تتوزع بين معسكرين إسرائيليين كبيرين: المعسكر الذي تشكّله الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة “يائير لبيد”، ومعسكر اليمين الداعم لزعيم المعارضة “بنيامين نتنياهو” وهو العائد إلى جولة التنافس بحزبه وائتلافه، وتتنافس في هذه الجولة أيضاً أحزاب إسرائيلية صغيرة، بالإضافة إلى القوائم العربية الثلاث المشار إليها.
من المتوقع أن تكون جولة الانتخابات صعبة ومحتدمة، وبدرجة حادة من التنافس بين معسكري “لبيد” و”نتنياهو”، وتتعدى كل الجولات الانتخابية الأخيرة في تنافسيّتها. ففي خلفية هذه الانتخابات، نقف عند الدور الذي تبنته الكتل الحزبية البرلمانية واتفقت عليه من أجل إسقاط “نتنياهو” من رئاسة الحكومة، وما مارسه هذا الأخير في صفوف المعارضة من ضغط لتشويه حكومة “لبيد” واتهامها بالضعف، فضلاً عن الخلافات العميقة بين الطرفين في شأن قضايا داخلية وخارجية، أهمها الجدل حول الدور المطلوب إسرائيلياً لمواجهة الاتفاق النووي الإيراني وإحباطه وحدود مواجهته وآلياتها، والموقف من مبدأ حل الدولتين وفق ما أعلن يائير لبيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 77 في سبتمبر 2022، من أن “حل الدولتين” هو السبيل الأفضل لمستقبل إسرائيل وأمنها واستقرارها لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، شرط أن يلقوا السلاح، والقول بأن غالبية الإسرائيليين يؤيدون رؤية حل الدولتين، والموقف من اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان مؤخراً.
وفي خلفية الانتخابات أيضاً انعكاسات الأزمة السياسية في إسرائيل على أداء الحكومة الحالية التي تراجعت شعبيتها لأسباب عدّة منها[7]: تصاعد العمليات المسلحة التي نفذها فلسطينيون في الشهور الأخيرة، وما تبعها من اتهام للحكومة بالفشل في تحقيق الأمن الشخصي، والوضع الاقتصادي الصعب وغلاء المعيشة، وضعف أداء الائتلاف الحكومي، والإخفاق التشريعي. وهذا كله سوف يخضع لحسابات المصلحة والتوظيف في يوم الانتخابات.
ولنتائج استطلاعات الرأي دلالاتها العميقة، وبسبب عدم حسمها نتيجة الانتخابات لصالح أيٍّ من الطرفين، تتضاعف حدة التنافس بينهما قبل شهر واحد من موعد الانتخابات، وهذا كله يستدعي جهداً استثنائياً من “لبيد” و”نتنياهو” لحصولهما على الأغلبية البرلمانية وفق ما يطمحان إليه. ففي استطلاع أجرته القناة 13 الإسرائيلية في 22/9/2022، حصل المعسكر الذي تشكّله الحكومة الحالية برئاسة لبيد على 55 مقعداً، وحصل المعسكر الدائم لـ “نتنياهو” على 61 مقعداً[8]. أما وفق الاستطلاع الذي أجرته جريدة معاريف الإسرائيلية ونشرت نتائجه في 30/9/2022، فقد حصل المعسكر الذي تشكّله الحكومة الحالية برئاسة لبيد على 57 مقعداً، وحصل المعسكر الدائم لـ “نتنياهو” على 59 مقعداً[9].
كانت مشاركة الناخبين العرب من القضايا المهمة هي التي تحسم مسار الانتخابات، لكن أهميتها تتضاعف في ضوء التطورات الراهنة وشدّة المنافسة واحتدامها، حتى بات السؤال الكبير المطروح بشأن كيفية توظيف الكتلتين الإسرائيليتين للانقسام العربي لمصلحتهما، سؤالاً مهماً ومحورياً ينتظر الإجابات الشافية. بتعبيرٍ آخر: كيف يمكن للطرفين الإسرائيلييْن المتنافسيْن في الانتخابات أن يستفيدا من انقسام الأحزاب العربية، وفي خانة مَنْ منهما يصب الانقسام، ومع أيٍّ منهما ستتحالف الكتل البرلمانية العربية بعد الانتخابات؟ هل ستقبل الكتل العربية الانحياز والتصويت لأيٍّ منهما لضمان تشكيل الحكومة، أم أن أعضاء البرلمان العرب سيكتفون بعضويتهم دون التوصية لأيٍّ من الطرفين، ودون الائتلاف والمشاركة في حكومة أحدهما؟
من المؤكد أن الأحزاب العربية- وخصوصاً الكتل التي تخوض الانتخابات – لها مواقفها المتعارضة مع سياسات زعيم المعارضة الإسرائيلية والمرشح لهذه الانتخابات بنيامين نتنياهو، وهذه المواقف جاهرت بها الأحزاب السياسية العربية قديماً ولأسبابٍ عدّة، وتجلت في دورها في إسقاطه من رئاسة الحكومة، وهي الأحزاب نفسها التي تتبنى موقفاً أقل حدّة من رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد؛ ما يعني أن الأحزاب العربية ربما تكون الأقرب إلى “لبيد” من “نتنياهو” بعد الانتخابات، لكن الحقيقة أن انقسامها وتجزئتها بعد انسحاب “حزب التجمع” من القائمة المشتركة سيمنح الميزة لـ”نتنياهو” على حساب “لبيد” في ارتفاع أعداد مقاعد ائتلافه البرلماني وفي الحصول على نسبة حسم رئاسة الحكومة. وفي مقابل ذلك، فإن الإقبال العربي المنخفض على الانتخابات سيحكم على أحزاب عربية بالفشل في تجاوز نسبة الحسم؛ ما سيؤدي إلى تشتيت الآلاف من الأصوات العربية وتبديدها، وهذا ما سيصب مرة ثانية في خانة “نتنياهو” ومصلحته.
ومن المؤكد كذلك أن انخفاض مستوى التمثيل العربي في الكنيست سيقلل من هامش مناورة الكتل البرلمانية العربية، وهذا سيمثّل مكسباً لليمين الإسرائيلي برئاسة “نتنياهو”، لا يمكن تجاوزه إلا بمشاركة الكتلتين العربيتين بزعامة أيمن عودة، وأحمد الطيبي، ومنصور عباس، في ائتلاف برلماني لمصلحة “لبيد” من أجل مواجهة “نتنياهو”. وبعدها تقرّر الكتلتان العربيتان ما إذا كانتا ستشاركان في الائتلاف الحكومي أم لا، علماً بأن القائمة المشتركة لم يسبق أن انضمت إلى ائتلاف حكومي إسرائيلي، لكن خيار الائتلاف مع حكومة “لبيد” ظلّ قائماً لولا معارضة “حزب التجمع” الغائب عن القائمة المشتركة في هذه الانتخابات، ومع ذلك سيتطلب سيناريو الانضمام الموافقة من قِبل أعضاء حزب “لبيد” وشركائه.
خاتمة:
أخيراً، يمكن القول إن لانقسام الأحزاب العربية في مناطق 48 إلى ثلاث قوائم انتخابية انعكاساته على حجم مشاركة الناخبين العرب وعلى مستوى تمثيلهم في البرلمان الإسرائيلي- الكنيست، انطلاقاً من حقيقة أن انخفاض مستوى المشاركة يقابله تراجع وانخفاض في عدد المقاعد البرلمانية وخسارة للمجتمع العربي الذي يتطلع إلى تحصيل حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر ممثليه في البرلمان، الأمر الذي يتطلب جهداً استثنائياً من ممثلي القوائم الانتخابية العربية وزعامتها لإقناع الناخبين العرب وحشد المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات القادمة، وما لم تتحقق معادلة جلب أعداد معقولة من أصوات الناخبين العرب، فإن القوائم العربية أمام ثلاثة سيناريوهات: إما سقوط القوائم العربية الثلاث وفقدان التمثيل البرلماني، وهو أسوأ السيناريوهات على الإطلاق، أو خسارة قائمتين من القوائم العربية، وما يتبعه من تراجع مستوى التمثيل في الكنيست الإسرائيلي، أو خسارة “حزب التجمع” الذي يخوض الانتخابات منفرداً، وتتحقق بذلك التوقعات بعدم حصوله على نسبة الحسم المطلوبة، وسيكون لهذه التطورات انعكاسها على المشهد السياسي في إسرائيل.
وفي مقابل ذلك كله، يظلّ المشهد السياسي-البرلماني في إسرائيل مرهوناً بقدرة أحد المعسكرين الإسرائيليين على تشكيل الحكومة في اليوم التالي للانتخابات، وما لم ينجح أحدهما “لبيد أو نتنياهو” في ذلك فمن غير المستبعد أن تعود إسرائيل إلى صناديق الاقتراع في انتخاباتٍ جديدة سادسة.
المراجع
[1]. الانتخابات البرلمانية وأزمة الأحزاب العربية، تقدير موقف، حيفا: مدى الكرمل– المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، يوليو 2002، ص1.
[2]. “انشقاقات عربية تعزز فرص اليمين.. كيف تبدو الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟”، قناة الغد الفضائية، 17/9/2022، https://www.alghad.tv/
[3]. للمزيد، راجع موقع عرب 48، أنماط تصويت العرب في انتخابات الكنيست، 17/9/2022، https://www.arab48.com/
[4]. قام الباحث بتجميع الأرقام الواردة في هذه الفقرة من الصفحة الرسمية للبرلمان الإسرائيلي- الكنيست، https://main.knesset.gov.il/AR/Pages/default.aspx
[5]. حتى انتخابات الكنيست الإسرائيلي في دورته الـ 13 في عام 1992، ترتب على كل قائمة الحصول على ما يقل عن 1% من أصوات الناخبين الصالحة للدخول للكنيست. وقبل انتخابات الدورة الـ 13 رُفعت نسبة الحسم إلى 1.5%، وفي الدورة الـ 16 عام 2004، رُفعت نسبة الحسم إلى 2%، وفي الدورة الـ 19 عام 2014، رُفعت نسبة الحسم إلى 3.25%، وهي النسبة المعمول بها حالياً، المرجع السابق.
[6]. قام الباحث بتجميع الأرقام الواردة وتصنيفها في هذه الفقرة حول نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية من الصفحة الرسمية- الكنيست، المرجع السابق.
[7]. مهند مصطفى، الأزمة السياسية في إسرائيل ومستقبل حكومة بينيت- لبيد، مركز الإمارات للسياسات، 19/4/2022. https://epc.ae/ar/details/scenario/alazma-alsiyasia-fi-israyil-wamustaqbal-hukumat-binit-lbid
[8]. استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية، 22/9/2022، على الرابط التالي:
https://13tv.co.il/item/news/politics/politics/m5dek-903277024/?pid=98577&
[9]. استطلاع للرأي أجرته جريدة معاريف الإسرائيلية، 30/9/2022، على الرابط التالي: https://m.maariv.co.il/elections-2022/Article-949083