Insight Image

الانتخابات التشريعية في نيوزيلندا.. دلالات التحول نحو اليمين

16 أكتوبر 2023

الانتخابات التشريعية في نيوزيلندا.. دلالات التحول نحو اليمين

16 أكتوبر 2023

المقدمة:

شهدت دولة نيوزيلندا انتخابات تشريعية في 14 أكتوبر 2023، أسهمت في إعادة تشكيل التركيبة السياسية الحاكمة للبلاد، التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهادي، وتتبع التاج البريطاني كعضو في مجموعة دول الكومونولث التي تضم 15 دولة.

وتنطلق أهمية نيوزيلندا كدولة من موقعها الجغرافي بمنطقة جزر المحيط الهادي، التي تُعدُّ مسرحًا للتحرك الأمريكي في إطار الصراع الدولي مع الصين وروسيا، خصوصًا وأنها تأتي ضمن حلفاء واشنطن، ولاسيما أنها ضمن المعسكر الأمريكي من الصراع العسكري في أوكرانيا، إذ تعهدت بتقديم المساعدات لكييف على التعافي([1]).

وهنا تجدر الإشارة إلى أن حالة التوافق بينها وبين الولايات المتحدة والمعسكر الغربي، بلغت ذروتها مع وصول تيار اليسار، الممثَّل في حزب العمال، إلى السلطة قبل 6 سنوات، وهو ما يدفع بأهمية الانتخابات التشريعية الأخيرة وما أسفرت عنه من صعود اليمين إلى السلطة.

لذا، فإن هذه الورقة سوف تركز على قراءة نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وأهم ما جاء فيها من صعود اليمين وأهم العوامل التي أدت إلى ذلك، إلى جانب حدود التغيير ودلالته. 

تغيّرات مقبلة في المشهد السياسي بعد الانتخابات

إن الانتخابات التشريعية التي تمت أسهمت في تغيير التركيبة السياسية الحاكمة، إذ صعد تيار اليمين الوسط في نيوزيلندا، ممثَّلًا بالحزب الوطني، إلى سدة الحكم بعد الانتخابات التشريعية التي جرت بتاريخ 14 أكتوبر 2023، بعد حصوله على أغلبية ساعدته في إنهاء حكم حزب العمال الذي استمر6 سنوات كاملة.

وحصل الحزب الوطني الذي يقوده، كريستوفر لوكسون، على 38.95% من الأصوات بواقع 50 مقعدًا، مقابل 34 مقعدًا لحزب العمال الحاكم بنسبة 26.90%، وفق ما أعلنته اللجنة الانتخابية([2]).

فقد سيطر أداء حكومة حزب العمال بقيادة، كريس هيبكنز، وتحديدًا في الملفات الاقتصادية وآليات التعامل مع تداعيات التغيّر المناخي بجانب قضايا المهاجرين، على توجهات الناخبين، والذي بات كأنه تصويتٌ عقابيٌّ، أو تصويت من أجل التغيير فقط([3])، وهو ما يمكن قراءته في النتائج ومقارنتها بانتخابات عام 2020.

فبالنظر إلى القضايا التي شغلت الرأي العام في نيوزيلندا، والتي تمثّلت في تصاعد معدلات الجريمة وارتفاع معدلات التضخم، وأيضًا “الحكم المشترك” أو مشاركة الماوري، السكان الأصليين، في الحكم، يتضح أنها كانت محركًا رئيسيًّا للناخبين، وهو ما كشفت عنه برامج الأحزاب قبل الانتخابات.

فالمتتبِّع لبرامج تيار اليمين، يكشف أنه استند إلى ما اعتبره مساوئ سياسات حكومة حزب العمال فيما يتعلق بالإنفاق الحكومي، والخلل في برامج التعليم والصحة والتوظيف، وأيضًا البنية التحتية، بجانب تحوُّل مسار الأمن إلى عدم الاستقرار مع انتشار الجريمة، وهو ما يعكس طبيعة المنافسة الانتخابية الأخيرة، التي كانت بمثابة “مباراة” استندت إلى الترويج لخطاب يحمل مفردات الرأي العام.

النتيجة السابقة عبَّرت عنها استطلاعات الرأي في فترة ما قبل الانتخابات، التي أجمعت على صعود الحزب الوطني وتراجُع حزب العمال، بنسب تقترب من نتيجة الانتخابات([4]).

بيد أن هناك عاملًا آخر يجب وضعه في الاعتبار، يعّبر عنه غياب “الكاريزما السياسية”، أو افتقار “القيادة الشعبية” إذا جاز الوصف. فبرغم أن استطلاعًا للرأي لاتحاد دافعي الضرائب في نيوزيلندا أُجري قبل إعلان رئيسة الوزراء السابقة، جاسيندا أرديرن، تنحِّيها عن منصبها في فبراير 2023، كشف عن انخفاض المؤيدين إلى 31.7% بتراجع قدره 1.4 نقطة؛ نتيجة تراجع الأداء الاقتصادي؛ نظرًا لإجراءات الغلق بعد انتشار جائحة كورونا([5])، لكن لم يُؤدِّ صعود قيادة جديدة من الحزب إلى ترميم هذه الشعبية بالقدر الذي يساعد في مواجهة الحزب الوطني.

فقد شهد حزب العمال النيوزيلندي ارتفاعًا في شعبيته بعد استقالة، جاسيندا أرديرن، وفقًا لاستطلاعَيْن: الأول أجرته 1News Kantar Public Poll([6])، والثاني أجرته Newshub-Reid Research poll ([7])، كشفت نتائجهما عن ارتفاع شعبية الحزب بخمس نقاط مئوية ليصل إلى نسبة 38%، لكنه ظل متقدمًا بنقطة واحدة على الحزب الوطني، الذي انخفضت شعبيته حينها بـ 2.2 نقطة ليصل إلى 37.2%([8])، وهو فَارقٌ استطاعت الحملة الانتخابية للأخير تجاوزه.

الصورة السابقة وما حملتها من تفاعلات انعكست على النتيجة النهائية للانتخابات في نيوزيلندا، تفرض تناول أسباب ومحددات تحرُّك السلوك الانتخابي نحو تيار اليمين، والتي تظهر في قراءة النتائج وحدود انعكاس البرامج الانتخابية للتيار اليميني أو ما يسمى “المجموعة الشعبوية” على السلوك الانتخابي.

ولكن قبل الولوج إلى تفاصيل المحاور السابقة، تبدو هناك ضرورة للوقوف على أبرز مؤشرات نتائج الانتخابات.

أولًا: صعود اليمين.. قراءة في الأرقام:

كشفت نتيجة الانتخابات، التي تم الإعلان عنها رسميًّا، عن العديد من الدلالات وما لها من انعكاسات على مسار التفاعلات السياسية؛ داخليًّا وخارجيًّا. ولكن تبدو هناك ضرورة للوقوف على طبيعة النظام الانتخابي في نيوزيلندا، باعتبارها مدخلًا لفهم طبيعة التصويت وآلية الحصول على المقاعد.

1- النظام الانتخابي:

تعتمد نيوزيلندا ما يعرف بـ”النظام النسبي المختلط”، وبحسب الموقع الرسمي لبرلمان نيوزيلندا، يتم انتخاب أعضاء البرلمان من جميع أنحاء البلاد ومن قائمة الأحزاب السياسية، بمعنى أن نسبة الأصوات التي يحصل عليها أيُّ حزب سياسي، تعكس إلى حدّ كبير عدد المقاعد التي يشغلها في البرلمان([9]).

ويعمل نظام التصويت على أن يحصل كل ناخب على صوتين: التصويت الأول يكون للحزب السياسي الذي يختاره الناخب، وهذا ما يسمى “تصويت الحزب” ويتم احتسابه ضمن العدد الإجمالي للمقاعد التي يحصل عليها كل حزب سياسي في البرلمان.

أما التصويت الثاني، فهو اختيار النائب ذاته، الذي يريد الناخب أن يمثّل الدائرة الانتخابية التي يعيش فيها. وهذا ما يسمى تصويت “الناخبين”، والمرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات يفوز([10]).

وبموجب قواعد هذا النظام، فإن الحزب السياسي الذي يفوز بمقعد انتخابي واحد على الأقل، أو 5% من أصوات الحزب، يحصل على حصة من المقاعد في البرلمان. وهذه الحصة تعادل تقريبًا حصته من أصوات الحزب.

وهنا كل مرشح يفوز في الانتخابات يحصل على مقعد في البرلمان، ويطلق عليهم “نواب الناخبين”، ويتم ملء المقاعد المتبقّية من القوائم الحزبية، بمعنى أنه لدى كل حزب قائمة حزبية، وهي قائمة بالمرشحين مرتبة حسب الترتيب الذي يريد الحزب أن يتم انتخابهم لعضوية البرلمان، وهي أقرب إلى ترشيح حزبي، إذ يطلق عليهم “المرشحين المنتخبين من قائمة الحزب”، أو “نواب القائمة”([11]).

نظام التصويت المتَّبَع في نيوزيلندا، يحمل 3 سمات أساسية يمكن الاستناد إليها في قراءة أرقام ونتائج الانتخابات: الأولى، الاعتماد على الجانب المؤسسي في العمل السياسي. فقد بدا واضحًا أنه لا يعترف بـ”المرشحين المستقلين”، والذي يمكن أن يراوح خطابه السياسي بين تيارات مختلفة، ما قد ينعكس على الأداء الترشيحي لهؤلاء المرشَّحين عند التصويت على السياسات التي تمسُّ المواطنين، سواء بتعطيل تشريع يدعم برنامج الحزب الحاكم في تطبيق حزمة سياساته، أو بتمرير تشريح يؤثر سلبًا على هذه السياسات.

ما سبق يقود إلى السمة الثانية؛ التي تتمثل في التمييز بين التيارات السياسية، وبالتالي إعطاء مساحة مناورة وتطبيق للرؤى والسياسات، وفق ما تقتضيه الظروف والتطورات الداخلية والخارجية. أما السمة فإنها تعبّر عما يمكن تسميته “العقاب الجماعي” للتيار أو الحزب ذاته حال فشله في تحقيق برنامجه أو تلبية مطالب الرأي العام.

وقد تجلّت السمة الأخيرة بوضوح في الانتخابات الأخيرة التي كشفت نتائجها عن تراجع ملحوظ في شعبية حزب العمال، وهو ما انعكس على حصيلة المقاعد التي حصل عليها.

2 – نتائج الانتخابات.. أرقام ودلالات:

يمكن الاستناد إلى طبيعة نظام التصويت في قراءة النتائج الانتخابية التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات في نيوزيلندا، والتي غيّرت الوزن النسبي للأحزاب السياسية.

فقد كشفت النتائج التي أعلنت عنها اللجنة الانتخابية، عن حصول الحزب الوطني (تيار اليمين الوسط) على 50 مقعدًا بواقع 38.95%، تلاه حزب العمال (اليساري) بـ 34 مقعدًا بنسبة 26.90%، ثم حزب الخضر بنسبة 10.77%، بواقع 14 مقعدًا، وحزب ACT (يمين وسط) بنسبة 8.89% بواقع 11 مقعدًا، ثم حزب “نيوزيلندا أولًا” (أقصى اليمين) بنسبة 6.46% بواقع 8 مقاعد، وأخيرًا حزب Te Pāti Māori الممثّل للسكان الأصليين، حصل على 4 مقاعد بنسبة 2.61%.

المصدر: Electoral Commission of New Zealand

وفيما يتعلق بتوزيع المقاعد وعدد الأصوات، فقد جاءت على النحو التالي:

– الحزب الوطني: حصل على 875,234 صوتًا، الذي بموجبه فاز بـ 45 مقعدًا لنواب الناخبين، بجانب 5 مقاعد لنواب القائمة ليصل الإجمالي إلى 50 مقعدًا.

– حزب العمال: حصل على 602,816 صوتًا، وفاز بموجبه بـ 17 مقعدًا لنواب الناخبين، بجانب 17 مقعدًا لنواب القائمة، ليصل الإجمالي إلى 34 مقعدًا.

– حزب الخضر: حصل على 241,977 صوتًا، فاز بموجبه بـ 3 مقاعد لنواب الناخبين، و11 مقعدًا لنواب القائمة، بإجمالي 14 مقعدًا.

– حزب ACT نيوزيلندا: حصل على 202,077            صوتًا، وفاز بموجبه بمقعدين لنواب الناخبين، و9 مقاعد لنواب القائمة.

– حزب نيوزيلندا أولًا: حصل على 145,084 صوتًا، الذي أدى إلى حصوله على 8 مقاعد جميعها لنواب القائمة.

– حزب Te Pāti Māori الممثّل للسكان الأصليين: حصل على 58,393 صوتًا، وبموجبه حصل على 4 مقاعد جميعها لنواب الناخبين.

المصدر: Electoral Commission of New Zealand

وقبل قراءة نتائج الانتخابات، تجدر الإشارة إلى أن تراجع نسبة المشاركة الانتخابية في عام 2023 إلى 78.4% بعد أن سجلت 82.2% بانتخابات عام 2020([12])، وهو ما يمكن بيان دلالاته بجانب أرقام الانتخابات والتصويت على النحو التالي:

الدلالة الأولى، اعتماد الحزب الوطني على شعبية الناخبين: فقد بدا واضحًا أن الحزب الوطني ككيان سياسي ليس له شعبية، كما لأحزاب: العمال والخضر وACT، وحتى حزب نيوزيلندا أولًا، وهو ما انعكس على مقاعد “نواب القائمة” التي حصل عليها، وبلغت 5 مقاعد فقط، مقابل مقعد منافسيه أو حتى أحزاب التيار اليميني.

الدلالة الثانية؛ توازن شعبية حزب العمال: فقد بدا واضحًا أن حالة التعادل بين مقاعد النواب الناخبين ومقاعد نواب القائمة، تكشف عن حقيقة الوزن النسبي للحزب ككيان وأفراد، وهو ما يعني أن ناخبيه عبَّروا بشكل واضح عن برنامجه وأفكاره. وهو ما يمكن القياس عليه فيما يتعلق بناخبي الحزب الوطني، إذ بدا واضحًا أن ثمة فجوة بين أفكار الحزب ومعتقداته، وبرنامجه الذي طرحه ودافع عنه مرشّحوه، وهو ما يفسّر ذلك التباين في عدد المقاعد.

الدلالة الثالثة؛ تصاعد الفكر اليميني المتطرف بشكل عام: فقد كشف حصول حزب “نيوزيلندا أولًا” الذي يمثل أقصى اليمين، عن قبول قطاع معتبَر لأفكار الحزب ككيان سياسي وليس كأشخاص، إذ حصل على مقاعده الـ 8 جميعها من نواب القائمة وليس الأفراد، وهو ما يؤشر إلى أن اختيار العناصر أسهم في الحد من حصوله على مقاعد أكثر، وبالتالي تشكيل حكومة أكثر تشددًا.

الدلالة الرابعة؛ يعبّر عنها حزب السكان الأصليين: فقد بدا واضحًا أنه ينخرط في العملية السياسية استنادًا إلى الجانب العرقي، وهو ما يفسر حصوله على مقاعده الأربعة فرديًّا (نواب ناخبين).

ثانيًا: نتائج الانتخابات وحدود التغيير:

كشفت النتائج السابقة، وما حملته من دلالات، عن حدود التغيّرات السياسية التي شهدتها نيوزيلندا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتسبّبت في صعود التيار اليميني، وتراجع اليسار، ممثَّلًا بحزب العمال، وهو ما يمكن بيانه في تغيّر عدد المقاعد والتصويت خلال انتخابات عام 2023، مقارنة بانتخابات عام 2020، على النحو التالي([13]):

– انهيار شعبية تيار اليسار ممثَّلًا بحزب العمال:

وهو ما يترجمه فقدانه 31 مقعدًا في انتخابات عام 2023 عن تلك التي حصل عليها في عام 2020 والتي بلغت 65 مقعدًا حينها.

– تعزيز شعبية الحزب الوطني ممثّل اليمين الوسط وصعوده بشكل متدرّج في الحياة السياسية:

إذ حصل على 17 مقعدًا في انتخابات عام 2023 ليزيد حصيلته إلى 50 مقعدًا، بعد أن كانت 33 مقعدًا فقط في عام 2020.

– تحوّل تيار اليمين المتطرف الذي يمثّله حزب “نيوزيلندا أولًا” إلى رقم لا يمكن تجاهله في الحياة السياسية:

إذ أسهمت انتخابات عام 2023 وحصوله على 8 مقاعد، في دخوله البرلمان والمشاركة في الحكم، بعد أن فشل في الحصول على أيّ مقعد خلال انتخابات عام 2020.

– تركيز الرأي العام في نيوزيلندا على قضايا المناخ:

وهو ما يفسّر حصول حزب الخضر على 4 مقاعد أخرى في انتخابات عام 2023، ليصل إلى 14 مقعدًا، بعد أن كانت حصيلته 10 مقاعد فقط في عام 2020، وهو أمر يمكن تفهُّمُه مع ما تواجهه البلاد من كوارثَ طبيعية بشكل مستمر؛ نتيجة التغيّر المناخي. والمفارقة أن المقاعد الإضافية التي حصل عليها جاءت على حساب حزب العمال، الذي بات يفقد قدرته وشعبيته، وحتى في القضايا التي تُعدُّ محور أجندته السياسية.

– صعود قضية المشاركة في الحكم من السكان الأصليين:

وقد ترجم هذا الأمر حصول حزب Te Pāti Māori، الممثِّل للسكان الأصليين، على مقعدَيْن إضافيين في ليصل إلى 4 مقاعد انتخابات عام 2023، بعد أن كانت حصيلته مقعدين فقط في انتخابات عام 2020، فقد كان أداء الحزب أفضل من المتوقَّع في الدوائر الانتخابية الماورية (مناطق السكان الأصليين)، حيث أطاح ببعض رموز حزب العمال وفاز بأربعة من المقاعد السبعة.

ثالثًا: عوامل صعود اليمين وسقوط اليسار:

التغير السياسي لتركيبة البرلمان في نيوزيلندا، التي أفرزتها نتائج انتخابات عام 2023، تشير إلى محددات أسهمت في صعود تيار اليمين وتراجع اليسار. فقد أشار تقرير لجريدة نيوريورك تايمز([14]) إلى أن القضايا الاجتماعية هيمنت على الاتجاه التصويتي للناخبين في انتخابات عام 2023.

التقرير كشف عن اعتقاد شريحة ليست قليلة من الناخبين، بأن الحكومة مسؤولة عن التراجع الاقتصادي في البلاد، الذي أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بنحو 6% في يوليو الماضي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12.3%.

ونتيجة لهذا التردي الاقتصادي، يرى التقرير أنه أدى إلى ارتفاع معدلات ما وصفوه بـ”الجرائم العنيفة غير العادية و”المداهمات” من جانب الشباب، كما ظهر الجانب العرقي أيضًا كقضية، بعد مطالب السكان الأصليين “الماوري” بتعديل معاهدة عام 1840، التي تنظّم دورهم وحياتهم السياسية.

وكشف استطلاع للرأي أجرته Ipsos نيوزيلندا في فبراير 2023([15])، أن هناك 5 قضايا تَشغَل الرأي العام؛ هي: التضخم وتكلفة المعيشة بنسبة 65%، يليها الإسكان وأسعار السكن 33%، ثم مواجهة الجريمة وتطبيق القانون 33%، والرعاية الصحية 27%، وأخيرًا تغيّر المناخ 27%.

فقد صعد التضخم وتكلفة المعيشة لأول مرة إلى المركز الأول في أولويات قضايا الشعب النيوزيلندي في فبراير 2023، واستمر في الاتجاه الصعودي منذ ذلك الحين، وكشف الاستطلاع أيضًا أن 34% من النيوزيلنديين ينظرون إلى الحزب الوطني أكثر من أيّ حزب سياسي آخر، باعتباره الأكثر قدرة على التعامل مع هذه القضية.

وبرز تغيّر المناخ بشكل ملحوظ كقضية؛ حيث حدده المزيد من النيوزيلنديين باعتباره مصدر قلق، منذ فبراير 2018، كما أن المخاوف بشأن الإسكان ثابتة؛ حيث وضعها 33% من النيوزيلنديين في أهم ثلاث قضايا لأول مرة منذ فبراير 2021. وللمرة الأولى منذ أكتوبر 2021، يعتقد المزيد من النيوزيلنديين أن حزب العمال هو الأفضل تجهيزًا لإدارة شؤون الإسكان، بنسبة اعتقاد تتراوح بين 29% للعمال و28% للوطني، كما استمرت أيضًا الجريمة وتطبيق القانون في الارتفاع، لتصل إلى 33%، كما ظلت قضية الرعاية الصحية ضمن المراكز الخمسة الأولى.

القضايا السابقة، تكشف بدورها عن منطلقات البرامج الانتخابية للأحزاب التي زادت حصيلتها في انتخابات عام 2023، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1 – الحزب الوطني([16]):

ركز البرنامج الانتخابي للحزب الوطني، صاحب الأغلبية في الانتخابات الأخيرة، على عدة نقاط أساسية خاطبت الرأي العام، وهي:

* الحدّ من الإسراف في الإنفاق من جانب حكومة حزب العمال.

* توفير فرص عمل وإقرار المزيد من الإعفاءات الضريبية.

* الاهتمام بالبنية التحتية للنمو الاقتصادي، مثل الطرق والنقل العام.

* التركيز على التطور التكنولوجي والابتكار.

* دعم التجارة والاستثمار.

* الاهتمام وصقل المواهب المحلية.

2 – حزب الخضر:([17])

ركّز حزب الخضر في دعايته على القضية الخامسة في ترتيب اهتمام الرأي العام، وهي المناخ، وشدد على ضرورة الحصول على التمويلات اللازمة للحد من التغير المناخي لحماية النباتات والحيوانات المحلية، وقضايا التعدين في قاع البحار. كما لم يُغفل القضايا السياسية، مثل: إصلاح نظام الانتخابات بجانب القضايا الاجتماعية، مثل العنف الأسري والعنف الجنسي، بجانب مسألة تنظيم تناول الكحول، وأيضًا قضايا الصحة والطفولة والإعفاءات الضريبية.

3 – حزب ACT: ([18])

اعتمد حزب ACT، الذي يمثل تيار اليمين الوسط، في برنامجه على 7 قضايا أساسية، وهي: بناء مجتمعات آمنة ومكافحة الجريمة، وخصوصًا العنيفة منها، والاهتمام بترقية وتعزيز تعليم الأطفال، والحد من الإسراف في الإنفاق الحكومي، وإعادة النظر في منظومة الضرائب، والاهتمام بالبنية التحتية، وتحديدًا الطرق، وإنهاء التقسيم العرقي، ودعم المناطق الريفية في البلاد.

4 – حزب نيوزيلندا أولًا([19]):

ركّز حزب “نيوزيلندا أولًا” على 5 نقاط أساسية في برنامجه الانتخابي جاءت متوافقة بشكل كبير مع القضايا الأساسية لدى الرأي العام، وهي:

– الدفاع عن الحرية والديمقراطية.

– معالجة أزمة غلاء المعيشة.

– توفير الفرص للجميع في التعليم والصحة والتوظيف والبنية التحتية.

– اتخاذ موقف صارم بشأن ارتفاع معدلات الجريمة.

– تحسين معيشة كبار السن.

5 –حزب Te Pāti Māori: ([20])

تناول البرنامج الانتخابي للحزب الممثِّل للسكان الأصليين، القضايا ذاتها للشعب النيوزيلندي، وذلك بالتركيز على شعب الماوري، فيما يتعلق بقضايا: تحسين الحياة الاجتماعية للمعوقين، والاهتمام بالتعليم، والحد من الضرائب، وتوفير الإسكان بأسعار مناسبة، بجانب تطوير منظومة الصحة، وتحقيق العدالة، وأيضًا تعزيز ثقافة السكان الأصليين في كافة مناحي الحياة الخاصة بهم، والحفاظ على البيئة ومواجهة التغير المناخي.

6 – حزب العمال:

وبرغم أن البرنامج الانتخابي لحزب العمال لم يختلف كثيرًا عن سابقيه، إلا أن سياساته على مدى السنوات الـ 6 ماضية، وعدم مواجهة قضايا الرأي العام بشكل فاعل، أدت إلى تخلّي الناخبين عنه، والتحول إلى تيار اليمين وحزب الخضر.

فقد ركّز برنامج الحزب على:

– زيادة الأجور، وخفض التضخم:

* توفير رعاية صحية لمن تقل أعمارهم عن 30 عامًا (في مجال بعينه وهو الأسنان).

* إلغاء ضريبة السلع والخدمات عن الفواكه والخضروات.

* توسيع نطاق التعليم المجاني في مرحلة الطفولة المبكرة للأطفال بعمر عامين.

* إضافة 300 شرطي جديد للحد من انتشار الجريمة.

* إقرار إجازة أُبُوَّة مدفوعة الأجر مدتها أربعة أسابيع.

 

الخاتمة

يتضح من العرض السابق، أن نتائج الانتخابات في نيوزيلندا جاءت متّسقة مع مطالب وقضايا الشعب، التي ركزت عليها كافة الأحزاب الخمسة المتنافسة، ولكن كان أداء حزب العمال في السنوات الماضية محددًا رئيسيًّا في التحول نحو اليمين.

بَيْدَ أن هذا التحول، وبرغم كونه سياسيًّا مرتبطًا بمرحلة الأداء الحكومي لحزب العمال، إلا أنه حمل بين طياته صعود تيار اليمين، سواء الوسط أو المتطرف، وهو ما عبَّرت عنه المقاعد الـ 8 لحزب “نيوزيلندا أولًا”، التي حصل عليها من القائمة، ما يشير إلى أن أفكاره بشكل عام لها قبول لدى قطاع معتبَر في المجتمع.

كما لا يمكن إغفال دور حزب الخضر في معادلة الحكم والسياسة، وذلك لتركيزه على قضايا المناخ التي تعدُّ القضية الكبرى لدى الشعب النيوزيلندي، لِمَا يواجهه من كوارثَ طبيعيةٍ تكلفتها الاقتصادية تؤثر على معدلات النمو الاقتصادي.

وأخيرًا؛ يُتوقَّع أن تنعكس التركيبة الحاكمة لدى الحكومة الجديدة على توجهات الدولة فيما يتعلق بقضايا الهجرة تحديدًا، وأيضًا يمكن أن تحدد مسار تحالفاتها خارجيًّا، ما يعيد تشكيل أدائها تجاه القضايا الدولية، وخصوصًا فيما يتعلق بالهجرة والتغيّر المناخي.

 

المصادر:


[1] – ROBERT G PATMAN, New Zealand’s priority is helping defeat Russia in Ukraine, Asia times, SEPTEMBER 14, 2023, Link:

https://asiatimes.com/2023/09/new-zealands-priority-is-helping-defeat-russia-in-ukraine/

[2] – 2023 General Election – Preliminary Count, Electoral Commission of New Zealand, Link:

https://www.electionresults.govt.nz/

[3] – Helen Regan and Jerome Taylor, New Zealand shifts right as voters punish ruling party, CNN, October 14, 2023, Link:

https://edition.cnn.com/2023/10/13/asia/new-zealand-general-election-labour-national-intl-hnk/index.html

[4] – على سبيل المثال؛ أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة “الجارديان” قبل أيام من الانتخابات النيوزيلندية إلى تقدم التيار اليميني وتوقعت أن تؤدي إلى تولّي اليمين مقاليد السلطة، انظر:

– Charlotte Graham-McLay, Guardian Essential New Zealand poll: Labour picks up steam days out from election, the guardian, Tue 10 Oct 2023, Link:

https://www.theguardian.com/world/2023/oct/11/guardian-essential-new-zealand-poll-labour-picks-up-steam-days-out-from-election

[5] – Thomas Coughlan, Labour Party support reaches new low in poll; National also down as minor parties rise, New Zealand Herald, 20 Jan, 2023, Link:

https://www.nzherald.co.nz/nz/labour-party-support-reaches-new-low-in-poll/N2RHE26O35FYRMC2AGV5BVB4SQ/

[6] – First poll results with Chris Hipkins as PM revealed, 1News Kantar Public Poll, 30 Jan 2023, Link:

https://www.1news.co.nz/2023/01/30/first-poll-results-with-chris-hipkins-as-pm-revealed/

[7] – Jenna Lynch, Newshub-Reid Research poll: Majority of voters trust Labour’s Chris Hipkins, many don’t trust National’s Christopher Luxon, Newshub-Reid Research poll, 30-1-2023, Link:

https://www.newshub.co.nz/home/politics/2023/01/newshub-reid-research-poll-majority-of-voters-trust-labour-s-chris-hipkins-many-don-t-trust-national-s-christopher-luxon.html

[8] – Tess McClure, New Zealand’s Labour party sees boost in polls after Ardern resignation, the guardian, Tue 31 Jan 2023, Link:

https://www.theguardian.com/world/2023/jan/31/new-zealand-labour-party-polling-chris-hipkins-jacinda-ardern-resignation

[9] – What is the MMP voting system?, New Zealand Parliament, 2016, Link:

https://www.parliament.nz/mi/get-involved/features/what-is-the-mmp-voting-system/

[10] – What is MMP?, Electoral Commission of New Zealand, Link:

https://elections.nz/democracy-in-nz/what-is-new-zealands-system-of-government/what-is-mmp/

[11] – Ibid,

[12] – Preliminary results for the 2023 General Election, Electoral Commission of New Zealand, Oct 14, 2023, Link:

https://elections.nz/media-and-news/2023/election-night-results-for-the-2023-general-election/

[13] – Debrin Foxcroft, Finlay Macdonald, Matt Garrow and Veronica Meduna, It’s National on the night as New Zealand turns right: 2023 election results at a glance, the conversation, October 14, 2023, Link:

https://theconversation.com/its-national-on-the-night-as-new-zealand-turns-right-2023-election-results-at-a-glance-214560

[14] – Natasha Frost, What to Know About the New Zealand Election, New York Times, Oct. 12, 2023, Link:

https://www.nytimes.com/2023/10/12/world/asia/new-zealand-election-explainer.html

[15] – Amanda Dudding, Carin Hercock and Amanda Dudding , THE IPSOS NEW ZEALAND ISSUES MONITOR, An Ipsos Survey, February 2023, Link:

https://www.ipsos.com/sites/default/files/19th%20Ipsos%20New%20Zealand%20Issues%20Monitor%20%2826%20Feb%202023%29.pdf

[16] – This election is an opportunity for change and the chance to get New Zealand back on track, National Party NZ, Link:

https://www.national.org.nz/plan

[17] – Green Party Manifesto 2023, Green Party NZ, Link:

https://docs.google.com/document/u/0/d/e/2PACX-1vSWSfQJunWVEuNIQjF4sdIy3Qa7uFoe6R6vHIk5lh9EmSH_Amf7yXFssfK9GHzu8S19NbrzPcB8Oj_o/pub?pli=1

[18] – act for real change- our polices, Act party NZ, Link:

https://www.act.org.nz/policies-dev

[19] – 2023 Election Planks & Key Announcements, New Zealand First party, Link:

https://www.nzfirst.nz/2023_policies

[20] – Māori Party POLICY, Māori Party, Link:

https://www.maoriparty.org.nz/policy

المواضيع ذات الصلة