بقدر قيمة دور الولايات المتحدة الأمريكية، وأهميته على المسرح الدولي، بقدر ما تحظى انتخابات الرئاسة الأمريكية باهتمام جميع دول العالم، والسياسيين والباحثين والمتخصّصين كافة؛ ولاسيّما أن منصب الرئاسة في النظام السياسي الأمريكي يُعدّ بالغ التأثير في توجهات السياسة الأمريكية داخليًّا وخارجيًّا، ويُنظر إلى الرئيس الأمريكي باعتباره إحدى أقوى الشخصيات السياسية في العالم، كزعيم للقوة العظمى الأولى.
وتشهد الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية العام الحالي 2024، إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تُجرى كل أربع سنوات، وهي عملية مركبة -تتم عبْر مراحل عدة- ضمن نظام انتخابي يُعدّ فريدًا من نوعه، بل من أعقد النُّظم الانتخابية في العالم، برغم سهولته الظاهرية.
في هذا النظام، يجب على الراغب في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية عن حزب سياسي، الفوز بتأييد هذا الحزب؛ عبر جمع الدعم في المؤتمرات الحزبية، والفوز في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب.
ولعل أبرز ما يميز الانتخابات التمهيدية الحزبية هو تقليد المناظرات السياسية بين المتنافسين، وهي تختلف عن تلك الموجودة في الديمقراطيات الأخرى؛ لأن النظام السياسي مرتبط بالمرشح الفردي أكثر من ارتباطه ببرنامج الحزب، حيث يسعى كل مرشح إلى تسويق نفسه، مستخدمًا كل فنون الاتصال والإقناع وصناعة الصورة للوصول إلى الداعمين، خاصة أولئك الذين لم يحدّدوا بعد لمن يصوّتون.
ويهيمن، تقليديًّا، على النظام السياسي الأمريكي حزبان سياسيّان كبيران؛ هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، ويكاد الحزبان يحتكران تبادل منصب الرئاسة فيما بينهما؛ حيث يتواجد الديمقراطيون الليبراليون حاليًّا في البيت الأبيض، بينما يتواجد الجمهوريون المحافظون في المعارضة.
لذا، بالنسبة للديمقراطيين، لا شيء على المحكّ، لأن المؤتمرات الحزبية لعام 2024 لن يكون لها أي تأثير على السباق الرئاسي؛ فالمؤشرات الراهنة تؤكد ترشيح الحزب الرئيسَ الحالي لخوض الانتخابات الرئاسية في مؤتمر بأغسطس 2024، بينما يخوض الجمهوريون ماراثون انتخابات تمهيدية داخلية لاختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيُعلَن عنه رسميًّا في مؤتمر الحزب في يوليو 2024.
وفي هذا الإطار، تحاول الورقة البحثية تحليل أهم ما تضمّنته أبرز المناظرات التمهيدية للحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، وتأثيراتها على الناخب الأمريكي، ومن ثم محاولة استشراف الفائز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية العامة نهاية هذا العام.
أولًا: المناظرات التمهيدية للحزب الجمهوري في عام 2023:
يستغرق اختيار الحزب الجمهوري مرشّحه للانتخابات الرئاسية ما يقرب من عامين، وهي عملية تسمّى الانتخابات الأولية أو التصفية؛ حيث تَجري كلّ ولاية انتخابات للتصويت على من تريده كمرشح عن الحزب.
ويتم تتويج الفائز النهائي بترشيح الحزب رسميًّا في المؤتمر الوطني العام للحزب، وهو حدث سياسي كبير سيُعقَد هذا العام في منتدى فيسيرف the Fiserv Forum بمدينة ميلووكي، بولاية ويسكونسن Milwauke Wisconsin، في (15 – 18) يوليو 2024.
وفي هذا السياق، أجرت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري (RNC) عددًا من المناظرات التمهيدية، وهي بمثابة فرصة أمام الراغبين في الحصول على ترشيح الحزب لتسجيل نقاط ضد منافسيهم، أو التميز في الميدان، أو تحديد بوصلة حملته الانتخابية.
وفيما يأتي جدول بالمناظرات الأولية التمهيدية للحزب الجمهوري في عام 2023:
المناظرات الأولية الرئاسية للحزب الجمهوري 2023 |
|||||
المناظرة |
التاريخ |
المكان |
الراعي |
المتنافسون |
المتابعون |
الأولى |
23 أغسطس 2023 |
Milwaukee, Wisconsin |
Fox News |
(8) |
(12.8) مليونًا |
الثانية |
27 سبتمبر 2023 |
Simi Valley, California |
Fox Business, Univision |
(7) |
(9.5) ملايين |
الثالثة |
8 نوفمبر 2023 |
Miami, Florida |
NBC News, Salem Radio Network |
(5) |
(7.5) ملايين |
الرابعة |
6 ديسمبر 2023 |
Tuscaloosa, Alabama |
News Nation, The Megyn Kelly Show, the Washington Free Beacon |
(4) |
(4.1) ملايين |
– أسفرت جولات التصفية الأربع، المشار إليها، عن الآتي:
1. شارك في المناظرة الأولى (8) متنافسين، تمت تصفيتهم حتى المناظرة الرابعة إلى (4) متنافسين، وبدلًا من أن يحاول كل منهم ترك بصمة قبل التصويت التمهيدي في ولاية “أيوا Iowa“، فإنهم تبادلوا الإهانات والانتقادات اللاذعة؛ الأمر الذي شتّت جهدهم، وأهدر كثيرًا من وقتهم في مواجهة منافسهم الأقوى “ترامب”.
2. كان التنافس الأبرز محصورًا بين “رون ديسانتيس DeSantis” حاكم ولاية فلوريدا، و”نيكي هالي Haley” السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، على المركز الثاني بفارق كبير بعد “ترامب”، وقد تبادلا الترتيب بدءًا من المناظرة الأولى حتى الرابعة[1].
3. لم يشارك “ترامب” في أيّ من المناظرات الجمهورية الأربع السابقة؛ معتبرًا أن معركته القانونية هي بمثابة استفتاء عليه، ولاسيّما أنّه ظل يتصدّر استطلاعات الرأي؛ باعتباره المرشح الأوفر حظًّا[2]، بل سخِر من منافسيه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، معتبرًا أن المناظرات التي تُجرى هي مضيعة للوقت[3].
4. فيما يتعلق بالقضايا التي أُثيرت في تلك المناظرات، سواء على صعيد الداخل الأمريكي أو السياسة الخارجية، لم يتوافق المتنافسون على قضية واحدة بقدر ما اتفقوا على دعم إسرائيل في حربها ضد حماس في غزة.
ثانيًا: المناظرات التمهيدية للحزب الجمهوري في العام الحالي 2024:
المناظرة التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري (10 يناير 2024)
شهِدت جامعة “دريك Drake University” بمدينة “دي موين Des Moines” بولاية “أيوا Iowa” الأمريكية، يوم الأربعاء 10 يناير 2024، ليلة مزدحمة في السياسة الأمريكية؛ حين استضافت شبكة “سي إن إن“ الإخبارية المناظرة الرئاسية الأخيرة لعام 2024، قبل انطلاق المؤتمرات الحزبية في الولاية، حيث يختار الناخبون الجمهوريون في الولاية مرشحهم الرئاسي للحزب يوم الاثنين 15 يناير الحالي.
كانت شبكة “سي إن إن” وضعت عددًا من الشروط يتعيّن على المتنافسين في المناظرة الموافقة عليها واستكمالها؛ منها الحصول على (10%) على الأقل “بدون تقريب”، في ثلاثة استطلاعات منفصلة على المستوى الوطني و/أو في ولاية أيوا Iowa للمشاركين الحزبيين الجمهوريين، أو الناخبين الأساسيين.
إضافة إلى شرط آخر؛ هو أن “أحد استطلاعات الرأي الثلاثة المؤهلة يجب أن يكون استطلاعًا معتمَدًا للأعضاء الحزبيين الجمهوريين المحتمَلين في ولاية “أيوا”.
وأعلنت الشبكة عن تأهل ثلاثة متنافسين للمناظرة؛ الرئيس السابق “دونالد ترامب Donald Trump“، وسفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، وحاكمة ولاية ساوث كارولينا نيكي هالي Haley Nikki، وحاكم فلوريدا “رون ديسانتيس Ron DeSantis“.
وكان الحدث الأبرز، قبل المناظرة، هو انسحاب حاكم ولاية نيوجيرسي السابق “كريس كريستي” المناهض لـ “ترامب” من السباق؛ الأمر الذي يصبّ في مصلحة “هالي”، حيث سيفسح المجال أمامها لحشد المزيد من التأييد بين الناخبين الذين يعارضون ترشيح ترامب، وهذا يُقرّبها أكثر منه.
– أول مناظرة فردية:
عُقدت المناظرة في موعدها المحدّد، ولكنها كانت مواجهة فردية بين “نيكي هالي” و”رون ديسانتيس”، وذلك بعد إصرار “ترامب” على مقاطعة المناظرات الحزبية، وتفضيله عقد مقابلة فردية في قاعة في بلدية “أيوا” على قناة “فوكس نيوز”، على بعد 5 كيلومترات من مسرح المناظرة؛ حيث يسعى إلى خلق حالة من الحتمية حول حملته، وتخطّي جميع المناظرات الجمهورية، وتجنُّب، إلى حدٍّ كبير، المناورات السياسية التي يقوم بها معظم المرشحين، ويقدّم نفسه باعتباره المرشح الرئاسي الوحيد عن الحزب الجمهوري.
ومن الأمور ذات الدلالة في هذا السياق؛ هو أن نِسب مشاهدة مقابلة “ترامب” التلفزيونية بلغت (4.3) ملايين مشاهد، في حين حصدت المناظرة (2.5) مليون مشاهد خلال فترة المقابلة نفسها مع “ترامب”[4]؛ وهو مؤشر للشعبية التي يحظى بها “ترامب” مقارنة بمنافسيه.
– أبرز قضايا المناظرة
هيمن على المناظرة، التي استمرت ساعتين، ما يمكن أن يسمّى صراع الدِيَكة، فمنذ اللحظة الأولى تبادل المتنافسان الانتقادات اللاذعة، وهاجم كلّ منهما مصداقية الآخر وكفاءته، وشكّك في التزامه بالقضايا المهمة بالنسبة للجمهوريين، بدلًا من تكريس طاقتهما وتعليقاتهما تجاه “ترامب” المتصدّر السباق التمهيدي للحزب الجمهوري، أو “جو بايدن” المرشح الرئاسي المحتمل بقوة للحزب الديمقراطي.
وفي هذا السياق، تبارز المرشحان حول عدد من القضايا على المستويين الداخلي والخارجي؛ نرصد منها:
· على المستوى الداخلي:
بدا جليًّا اختلاف الجمهوريين على صعيد القضايا الداخلية، بما في ذلك الاقتصاد والتضخم والضرائب ورفع سنّ المعاش، وكبح جماح الميزانية الفيدرالية، وقضايا التعليم، وعدد من القضايا الاجتماعية، مثل الضمان الاجتماعي، والتحول الجنسي، وغيرها؛ حيث تبادل المتنافسان الاتهام بالكذب، والعمل من أجل مصالح شخصية، ومصالح المموّلين.
وبالنظر إلى السمة المحافظة لناخبي ولاية “أيوا”؛ تسابق المتنافسان للظهور بشكل أكثر صرامة في بعض الأولويات المحافظة الأساسية؛ مثل إنهاء الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود، والحدّ من الوصول إلى الإجهاض.
وكان الرئيس السابق “ترامب” الغائبَ الحاضر؛ حيث التزم كلٌّ من “هالي” و”ديسانتيس” الحذر، وانحصر انتقادهما له على ما يتعلق بفشله في بناء الجدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، الذي وَعد به في حملته الناجحة عام 2016؛ لمنع المهاجرين من العبور، والمخاطر من الملاحقات القانونية التي تحيط بـه، وغيابه عن مشاركتهما المناظرة، إلا أنهما فضّلا الابتعاد عن مهاجمته في بعض القضايا التي يمكن أن تنفّر الناخب الجمهوري منهما.
على هذا المستوى، بدا “ديسانتيس” أكثر تفوقًا من “هالي”.
· على المستوى الخارجي:
– فيما يتعلق بإسرائيل؛ لم يتفق المتنافسان على أي من ملفات السياسة الخارجية، كما اتفقا على الموقف الداعم لإسرائيل في حربها ضد حماس في غزة، وحاولا المزايدة على بعضهما بعضًا في سجلّهما الحافل بدعم إسرائيل، وانتقادهما موقف “الإدارة الأمريكية الحالية”؛ باعتباره أقل من المطلوب.
وتحت ضغط من المشرفين على المناظرة، حول ما إذا كان سيُطلب من إسرائيل عدم طرد الفلسطينيين من غزة، حافظ “ديسانتيس” على دعمه الثابت، وأكد أنه حليف جيد يدعم قرارات إسرائيل من دون قيْد أو شرط.
إيران: كانت هذه هي نقطة الاتفاق الأخرى؛ حيث توافقا على اتهامها بأنها المتسبّب الحقيقي في الصراع بين إسرائيل وحماس من خلالها دعمها الرئيسي لحماس، ووعد كلٌّ من “ديسانتيس” و”هالي” باتخاذ نهج صارم بشأن السياسات الأمريكية مع طهران.
-الحرب الروسية-الأوكرانية؛ كان الدعم الأمريكي لأوكرانيا إحدى أبرز نقاط الخلاف بين المتنافسَين؛ حيث ترى “هالي” ضرورة استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا باعتباره أمنًا قوميًّا أمريكيًّا، وأن تكلفة الدعم الحالي لا تُمثل سوى نسبة ضئيلة، مقارنةً بما يقدّمه الاتحاد الأوروبي.
بينما يرى “ديسانتيس” أن التكلفة باهظة، ولابد من وضع نهاية لهذه الحرب، وطالب بالتركيز على قضايا أخرى أكثر أهمية، مثل التحدي المتزايد الذي تفرضه الصين، والمشاكل الداخلية مثل ارتفاع الهجرة غير الشرعية.
وعلى هذا المستوى، بدَت “هالي” أكثر تفوقًا من “ديسانتيس”.
– ختام المناظرة:
في بيانها الختامي للمناظرة، قالت “هالي” إن لديها أفضل فرصة حقيقية لهزيمة “بايدن” في الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل؛ حيث صورت نفسها على أنها “جيل جديد من القيادة المحافِظة”.
وفي تعليقها على إمكانية إعادة انتخاب “ترامب”، قالت: “انتخاب ترامب هي أربع سنوات أخرى من الفوضى، ولا يمكن أن تكون دولة في حالة من الفوضى في عالم يحترق.. ولا يمكننا أن نخوض انتخابات أخرى صعبة”.
بينما خاطب “ديسانتيس” الجمهور بأنه كان المرشح الوحيد الذي أوفى بجميع وعوده، وانتقد منافسيه خلال كلمته الختامية، مكرّرًا عبارة استخدمها أيضًا في مقدّمته: “دونالد ترامب يترشح لقضاياه، وهالي تترشح لقضايا المانحين.. أنا أترشح لقضاياكم”.
ويمكن القول، إن أداء كلا المتنافسين في المناظرة جاء متقاربًا إلى حدٍّ ما، وإن أظهرت “هالي” بعض التقدم، لكنهما ظلا يتنافسان على المركز الثاني[5]، أملًا في صدور قرارات من المحكمة ضد “ترامب” قبل المؤتمر الجمهوري.
– تداعيات ما بعد المناظرة
أولًا: فوز كبير لـ “ترامب” في انتخابات الحزب الجمهوري في ولاية أيوا:
يبدو أن المناظرة لم تُغيّر شيئًا في المسار العام للسباق الجمهوري، فالجمهوريون في ولاية “أيوا” محافظون للغاية ولا يهتمون بمشاكل “ترامب” القانونية، وهو ما يؤكده استمرار سيطرة “ترامب” على المقدمة في السباق الجمهوري؛ فقد حقق “ترامب” فوزًا مدوّيًا في أول انتخابات رئاسية للحزب الجمهوري لعام 2024، في الولاية يوم الاثنين 15 يناير الحالي؛ حيث حصل على أكثر من نصف الأصوات. حصل “ترامب” على 51%، و”ديسانتيس” على 21%، و”هالي” على 19%، وفقًا لشركة Edison Research، وتجاوز هامش النصر هذا الرقم القياسي السابق البالغ 12.8 نقطة مئوية لـ”بوب دول” في عام 1988[6].
وبالرغم من أن ولاية “أيوا” ليست أهم ولايات “ترامب”، بالنظر إلى عدد المندوبين؛ حيث حصل “ترامب” على 20 مندوبًا مقابل فوزه، بينما حصل “ديسانتيس” على 8، و”هالي” على 7، فإن تأييدها له يمكن أن يكون مؤشرًا إلى كيفية اختلاف الناخبين عنه، أو اصطفافهم معه في كل من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، والانتخابات العامة في نوفمبر المقبل؛ ممّا يُنبئ بحملة انتخابية متقاربة وقوية للغاية ضد الرئيس “بايدن”، الذى كان قد علّق على فوز “ترامب” بولاية أيوا، قائلًا: “يبدو أن ترامب سيكون هو المرشح على الضفّة الأخرى”[7].
ثانيًا: فشل عقد مناظرات حزبية جمهورية أخرى:
من الأمور ذات الدلالة أيضًا؛ فشل عقد مناظرتين أخريين في ولاية “نيو هامشير” New Hampshire، كان قد تم الإعلان عنهما يومَي 18 و21 يناير الحالي، وذلك لعدم توافر العدد الكافي للمناظرة؛ بعد أن ظل “ترامب” مُصرًّا على عدم صعوده منصّة المناظرات، وإعلان ” هالي” أن قدَمها لن تطأ تلك المنصّة مرة أخرى إلا إذا كان “ترامب” أو “بايدن” حاضرَين[8].
ثالثًا: انسحاب المرشح “رون ديسانتيس”:
كان الحدث الأبرز -مؤخرًا- وهو الانسحاب المبكر للمرشح “رون ديسانتيس”، يوم الأحد 21 يناير الحالي، من سباق الفوز بالترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، وإعلانه دعم متصدّر السباق “ترامب”[9] مفاجأة كبيرة؛ ولاسيّما أن بعضهم، داخل الحزب الجمهوري، كان يراهن عليه باعتباره الأوفر حظًّا، والسياسي الشابّ القادم بقوة بديلًا لـ “ترامب”.
يبقى السؤال هنا؛ هل يؤدي رحيل “ديسانتيس” بهذه الآلية إلى تغيير الديناميكية بين “ترامب” و”هالي”؟
لقد ثمّن “ترامب” دعوة “ديسانتيس” أنصاره لتأييده، في تصريحات له خلال فعالية انتخابية في روتشستر بولاية “نيو هامبشاير”، قائلًا”: “لقد كان كريمًا للغاية وأيّدني، لذلك أقدّر ذلك.. أنا أقدّر ذلك، وأتطلّع أيضًا إلى العمل مع رون، والجميع، لهزيمة جو بايدن”[10].
بينما وضع انسحاب “ديسانتيس” “نيكي هالي” في نوع من المواجهة الفردية مع “دونالد ترامب”، وهو وضعٌ تمنّاه خصومه من الجمهوريّين، إلا أنه من غير المرجح أن يُبطئ مَسيرة الرئيس السابق نحو ترشيح الحزب الجمهوري.
لكن، يظل التأثير الحقيقي كامنًا في إعلان “ديسانتيس” دعمه لـ”ترامب”، الذي انتقده بضراوة متزايدة في الأسابيع القليلة الماضية؛ الأمر الذي يعزّز رغبة قيادات الحزب الجمهوري في إنهاء المنافسة داخل الحزب، حتى يتم التركيز على الانتخابات العامة ضد الرئيس “جو بايدن”.
وقد تم بالفعل إرسال هذه الرسالة عبْر إعلان عدد من أعضاء مجلس الشيوخ، وحكام الولايات من الحزب الجمهوري، تأييدهم لـ “ترامب” في الأسابيع القليلة الماضية.
وإذا لم تفُز “هالي” بولاية “نيو هامبشاير”، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي، فهذا التوجه سوف يزيد قوة وإصرارًا، وسوف تتنامى الضغوط على “هالي” لتنسحب.
هذه الديناميكية تُذكّرنا بالتكتل الديمقراطي القوي خلف “بايدن” في انتخابات الحزب التمهيدية لعام 2020، والذي أنهى المنافسة فجأة بعد أيام قليلة من تعافيه من العروض الهزيلة في “أيوا” و”نيو هامبشاير” للفوز بالانتخابات التمهيدية في “ساوث كارولينا”[11].
· خاتمة:
يرى بعضهم أن الخطى الثابتة والقوية للحملة الانتخابية للرئيس السابق “ترامب”، تعزز مكانته باعتباره المرشح الأوفر حظًّا للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة عام 2024، وهو الاحتمال الأقرب للحدوث، ما لم تحدث مفاجآت من قَبيل صدور حكم قضائي يمنع “ترامب” من خوض الانتخابات الرئاسية العامة.
وإذا كانت حظوظ “ترامب” في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية باتت شبه مؤكده، فهل يعني ذلك شيئًا في قدرته على الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
هناك من يرى أن “ترامب” سيكون أول رئيس أمريكي في التاريخ الحديث يحكم، ثم يخسر الانتخابات، ثم يعود بعد ذلك إلى السلطة. وكان آخر رئيس حدث معه ذلك هو “غروفر كليفلاند”، في عام 1892.
ويدعم ذلك التصور عددٌ من العوامل؛ أبرزها:
· الاقتصاد؛ في فترة ولاية الرئيس “بايدن”، وصل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 40 عامًا، علاوة على الأموال الطائلة التي يتحمّلها دافع الضرائب الأمريكي لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، ودعم إسرائيل في حربها ضد حماس في غزة.
· الشباب؛ هذا التقدّم الكبير لـ “ترامب” يُرجعه بعضهم إلى تفوقه على “بايدن” بين الناخبين الشباب. وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” وكلية “سيينا”، في منتصف ديسمبر الماضي، تقدُّمه بـ 6 نقاط مئوية بين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا[12].
· الحالة البدنية للرئيس “بايدن”؛ يَنظر العديد من الجمهوريين إلى شخصية “ترامب” ذات الحضور القوي بأنها تناقضٌ صارخ مع شخصية الرئيس “بايدن”، الذي أَطلق عليه منتقدوه لقب “جو.. الناعس”، بعد أن التقطته الكاميرا وهو يبدو وكأنه يومِئ برأسه خلال مؤتمر المناخ “كوب26”.
في المقابل، نرصد وجهات نظر أخرى، يمثل جانب منها الديمقراطيون؛ حيث يرون أن الوقت لا يزال مبكرًا للغاية لوضع أي استنتاجات كبيرة بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية 2024، ويشيرون إلى أن الكثير يمكن أن يتغير، فربّما يشعر الناخبون بوضع أفضل بشأن الاقتصاد بعد تراجع متوقع للتضخم، ووقف الحرب في غزة؛ ممّا يصبّ في مصلحة حملة الرئيس “بايدن”.
علاوة على ذلك؛ يعتقد آخرون بأن الناخبين سيكونون أقل مَيلًا لدعم “ترامب”، بمجرد أن يكون هو المرشح الجمهوري بشكل واضح، ولاسيّما مع إنفاق ملايين الدولارات من قِبل حملة “بايدن” والجماعات الأخرى؛ لتسليط الضوء على سجلّ “ترامب”، وتصريحاته التحريضية المتطرفة.
نقطة أخرى بالغة الأهمية تصبّ في هذا الاتجاه؛ وهي أن “ترامب” يواجه طريقًا صعبة نحو الوصول إلى البيت الأبيض، على خلفية الافتقار إلى الدعم الواسع النطاق داخل حزبه، خصوصًا بين الناخبين المستقلّين؛ فهناك صدع ملحوظ داخل الحزب الجمهوري، بشأن الموقف من “ترامب”؛ خصوصًا أن هناك من يُحمّل “ترامب” الإخفاق في الانتخابات النصفية التي جاءت مخيّبة للآمال، بعد تحقيق مكاسب أقل من المتوقع في مجلس النواب، وتفوق الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ[13].
ويبدو أن الديمقراطيين يُعوّلون بشكل كبير على هذا الانقسام الداخلي في الحزب الجمهوري، كعقبة كبيرة أمام “ترامب”؛ لأنه يُعيق قدرته على تقديم جبهة موحدة، وحشد القدرة الانتخابية الكاملة للحزب، التي سيحتاج إليها للتغلّب على تراجع شعبيته بين المستقلّين.
وكثيرًا ما يلعب الناخبون المستقلّون دورًا حاسمًا في الانتخابات العامة؛ حيث يؤثرون على النتائج في الولايات المتنافَس عليها بشدة. وقد أدى أسلوب “ترامب” الاستقطابي، والخلافات المحيطة برئاسته، والمشكلات القانونية التي يواجهها، إلى عزوف هذه الفئة الديموغرافية البالغة الأهمية عنه.
وهكذا، يمكن القول إن المؤشرات المبكرة، والاتجاهات التاريخية والديناميكيات السياسية الحالية تشير إلى أن “ترامب” سوف يواجه معركة شاقة في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وسوف تحتاج حملته إلى التغلب على تحديات كبيرة في توحيد القاعدة الجمهورية، واستقطاب الناخب المستقل.
[1] هبه القدسي، “أميركا: احتدام المنافسة على «المركز الثاني» في رابع مناظرة جمهورية”، جريدة الشرق الأوسط، 6 ديسمبر 2023م.
[2]Ebony Davis. CNN. (December 27, 2023). Haley returns to New Hampshire seeking to close gap with Trump less than a month before primary. https://edition.cnn.com/2023/12/27/politics/nikki-haley-new-hampshire-primary-trump/index.html
[3] موقع الغد برس الإلكتروني، “ترامب: مناظرات الحزب الجمهوري “مَضيعة للوقت”، 9 نوفمبر 2023م.
https://alghadpress.com/44321–.html
[4] DOMINICK MASTRANGELO. (January 11, 2024). Trump town hall on Fox News nearly doubles audience of CNN’s GOP debate. https://thehill.com/homenews/media/4403712-trump-town-hall-fox-news-nearly-doubles-audience-fifth-gop-primary-debate-cnn/
[5] هبة القدسي، “ في خامس مناظرة جمهورية… نيكي هيلي ورون ديسانتس يتنافسان على المركز الثاني”، جريدة الشرق الأوسط،14 يناير 2024م.
Jennifer Agiesta. (January 14, 2024). Trump holds wide lead over GOP field ahead of Iowa caucuses, poll finds.
https://edition.cnn.com/politics/live-news/election-campaign-news-01-14-24/h_c9f8e6bdb8a44c36bca8594ea6fa488a
[6] Tim Reid, Nathan Layne, and Gabriella Borter. (January 16, 2024). Iowa caucus 2024: Trump cements frontrunner status to face Biden with record win.
https://www.reuters.com/world/us/trump-seeks-knockout-punch-iowa-delivers-first-verdict-republican-race-2024-01-15/
[7] Shweta Kukreti. (Jan 16, 2024). Republican frontrunner after landslide Iowa win, makes fundraising appeal.
https://www.hindustantimes.com/world-news/us-news/joe-biden-calls-trump-a-clear-republican-frontrunner-after-landslide-iowa-win-makes-fundraising-appeal-101705395202409.html
[8] Maggie Astor. (Jan. 17, 2024). CNN cancels its Republican debate in New Hampshire for lack of participation.
https://www.nytimes.com/2024/01/17/us/politics/cnn-abc-republican-debate-canceled.html
[9] Martin Pengelly. (Jan. 21, 2024). Ron DeSantis drops out of Republican presidential race.
https://www.theguardian.com/us-news/2024/jan/21/ron-desantis-drops-out-presidential-race
[10] “سي إن إن” عربية، “ “بعد إعلانه دعمه له”.. أول تعليق من ترامب على انسحاب “ديسانتيس” من انتخابات الحزب الجمهوري”، 22 يناير 2024م.
[11] Ronald Brownstein. (January 21, 2024). Why DeSantis’ departure isn’t likely to change the dynamic between Trump and Haley.
https://edition.cnn.com/2024/01/21/politics/desantis-exit-haley-trump-analysis/index.html
[12] “بي بي سي” عربية، “ لماذا يحظى ترامب بشعبية كبيرة بين الجمهوريين؟”، 17 يناير 2024م.
https://www.bbc.com/arabic/articles/cn04r432gv1o
[13] سكاي نيوز عربية، “ قبل إعلانه الترشح لانتخابات 2024.. انقسام جمهوري بشأن ترامب”، 14 نوفمبر 2022م.