بعد الهزيمة الانتخابية للحزب الديمقراطي الحر (LDP) في أكتوبر 2024، والتي أدّت إلى فقدانه الأغلبية البرلمانية لأول مرة منذ 15 عامًا، تواجه الحكومة اليابانية الجديدة، بقيادة شيجيرو إيشيبا، تحديات معقدة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي، يواجه “إيشيبا” حالة من عدم الاستقرار داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، الذي يعاني انقسامات عميقة وصراعًا محتدمًا بين الفصائل المختلفة للسيطرة على الحزب؛ ولاسيّما بعد خسارة الحزب المدوية. وهناك الاقتصاد أيضًا، حيث تعاني البلاد التضخم، وضرورة طمأنة الأسواق المالية.
أما على الصعيد الخارجي، فيواجه “إيشيبا” مجموعة من التحديات الأمنية والاستراتيجية، حيث تزداد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادي؛ بسبب الصراع المتزايد بين الصين والولايات المتحدة. وتعزز التحديات الإقليمية الحاجة إلى إعادة تشكيل السياسات الدفاعية لليابان، بما في ذلك تعزيز الإنفاق الدفاعي، وزيادة التعاون مع الولايات المتحدة وحلفائها. وقد أثار “إيشيبا” جدلًا بتقديمه مقترحًا لإنشاء “حلف شمال الأطلسي الآسيوي” لمواجهة تهديدات الصين وروسيا وكوريا الشمالية، وهو ما قد يعقّد العلاقات مع بعض القوى الإقليمية، وداخل حزبه. وتهدف هذه الورقة إلى استعراض أبرز التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها “إيشيبا”، خاصة في ظل مساعيه لإعادة توحيد الحزب وتحقيق الاستقرار السياسي، إضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجه اليابان على الساحة الدولية.
أولًا: التحديات الداخلية
شهدت اليابان تطوراتٍ سياسيةً متسارعة بعد الهزيمة الانتخابية للحزب الديمقراطي الحر (LDP)، وهو ما فتح الأبواب على كل الاحتمالات. فبعد استقالة رئيس الحكومة السابق، فوميو كيشيدا؛ بسبب تراجع شعبية الحزب، تولى شيجيرو إيشيبا، غريمه في الحزب، القيادة. وفي خطوة جريئة، دعا “إيشيبا” إلى انتخابات مبكرة في أكتوبر 2024، التي انتهت بخسارة الائتلاف الحاكم المكوّن من الحزب الديمقراطي الحر وحزب كوميتو، وهو ما أفقدهم الأغلبية البرلمانية لأول مرة منذ 15 عامًا. وكانت هذه النكسة تعبيرًا عن غضب الناخبين من التضخم المتصاعد والفضائح المالية التي هزّت الحزب. ومع ذلك، فقد تعهّد رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، بالبقاء في منصبه. ويواجه “إيشيبا” تحديات داخلية تبدو غير مسبوقة ستتطلب منه ومن حكومته جهودًا مضاعفة إذا ما أراد أن تستمر في ظل ما يعصف بالحزب من انقسامات وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل لم يعهده اليابانيون من قبل، حيث يواجه رئيس الوزراء الياباني، شيجيرو إيشيبا، تحديات داخلية كبيرة تتمثل في الانقسامات العميقة داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم. وهذه الانقسامات، التي تعكس التنافس الشديد بين الفصائل المختلفة في الحزب، تهدد وحدة الحزب واستقراره. وإضافة إلى التحديات السياسية، يواجه “إيشيبا” تحدّيًا اقتصاديًّا كبيرًا يتمثل في السيطرة على التضخم، وطمأنة الأسواق المالية، وفيما يلي أهم التحديات الداخلية:
1. الانقسامات داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي
أدى شيجيرو إيشيبا اليمين الدستورية بصفته رئيس وزراء اليابان الجديد، في 1 أكتوبر 2024، بعد انتخابات لقيادة مثيرة للجدل داخل الحزب الديمقراطي الليبرالي؛ لذا فإن أحد أكبر التحديات التي تواجه “إيشيبا” هو وحدة الحزب الليبرالي الذي يترأّسه، حيث يواجه انقسامات تبدو غير مسبوقة. ويواجه “إيشيبا” – الشخصية المتقلبة المعروفة بمثاليتها وانتقادها لرئيس الوزراء السابق شينزو آبي – الآن، التحدي المتمثل في توحيد الحزب الديمقراطي الليبرالي، وتعزيز الدعم الشعبي له. ومع انتظار المرشحة الثانية، سناء تاكايتشي، تلميذة “آبي”، وأنصارها لتعثر “إيشيبا”، فإن الخطر القائم يتمثل في قدرته على منع مزيد من الانقسامات الحزبية، ولاسيّما بعد الخسارة الكبيرة للحزب في الانتخابات الأخيرة، وتراجع شعبيته بشكل غير مسبوق منذ عقود.
والحقيقة أن انتخاب “إيشيبا” لرئاسة الوزراء عكس في حدّ ذاته الانقسامات الواضحة داخل الحزب، ولاسيّما بين الجناحين يمين الوسط واليمين المتشدّد. فالهامش الضئيل، الذي فاز به “إيشيبا” في الانتخابات الداخلية ضد المحافظ المتشدّد تاكايتشي ساناي، أظهر صراع الأجنحة حول الاتجاه الذي سيسير عليه الحزب بعد وفاة شينزو آبي. فقد شابت قيادة “إيشيبا” معارضة من داخل حزبه، خاصة من فصيل “آبي”. وكان صعوده إلى السلطة، والذي يرجع جزئيًّا إلى موقفه المناهض لـ “آبي”، سببًا في استعداء العديد من كبار أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي. وكان استبعاد الموالين لـ “آبي” من حكومته، بما في ذلك تعيين سييتشيرو موراكامي، وهو منتقد معروف لـ “آبي”، وزيرًا للداخلية، سببًا في تفاقم التوترات[1]. ومن المرجح أن تعود هذه الصراعات الداخلية إلى الظهور بعد انتخابات 27 أكتوبر، خاصة إذا كان أداء الحزب ضعيفًا. وهذه الانقسامات تخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي تهدد بقاء “إيشيبا” في منصبه؛ لذا يعاني “إيشيبا” ضعفَ قاعدته الداخلية داخل الحزب الليبرالي، وهو يواجه معارضة قوية من الفصائل المحافظة التي تتمتع بنفوذ كبير داخل الحزب، وهو ما قد يؤثر على قدرته على تنفيذ سياساته، وإجراء الإصلاحات المطلوبة. وهناك من يتربّص برئيس الوزراء الجديد، حيث تنتظر المرشحة الثانية في انتخابات الحزب[2]، سناء تاكايتشي، تلميذة “آبي”، وأنصارها تعثّر “إيشيبا”، ومن ثم إعادة السيطرة مجددًا لفصيل “آبي”.
2. الوضع الاقتصادي
من التحديات الداخلية الرئيسية التي تواجه شيجيرو إيشيبا هي الاقتصاد؛ وكانت أحد أهم أسباب خسارة حزبه الأغلبية في الانتخابات الأخيرة، حيث يتوجب على رئيس الوزراء الجديد كبح جماح التضخم وطمأنة الأسواق المالية. وعقِب “صدمة إيشيبا”، وهو هبوط السوق بسبب المخاوف بشأن سياسته المالية، أكد على المرونة في الإنفاق والدعم[3]. ويدرس “إيشيبا” تمديد الدعم للكهرباء والغاز والبنزين لتخفيف ضغوط التضخم، وأكد أنه سيفرض “إصلاحًا جوهريًّا فيما يتعلّق بمسائل المال والسياسة” [4]. وكان “إيشيبا”، الذي انتقد سياسات “آبي” الاقتصادية، حذِرًا بشأن الإنفاق المالي القوي، وعيّن كاتسونوبو كاتو وزيرًا للمالية لتحقيق التوازن بين النمو والانضباط المالي. ومع الانتخابات المقبلة، يواجه تحديات، بما في ذلك إنشاء استراتيجية نمو جديدة، وتأمين تمويل الدفاع، وتوسيع المساعدة في رعاية الأطفال.
وقد أشار “إيشيبا” إلى أنه سوف يحافظ على السياسات التي انتهجها سلفه لانتشال اليابان من الانكماش، مع التركيز على رفع الحد الأدنى للأجور، وتشجيع الطلب المحلي. وقد تم تحديد التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة على أنها القضايا ذات الأولوية القصوى لإدارته. ومن المتوقع أن تبرز مسألة تنشيط الريف، والتي كانت تشكل جانبًا أساسيًّا من حملته الانتخابية للحزب الديمقراطي الليبرالي، في الخطط الاقتصادية لإدارته أيضًا. وإضافة إلى ذلك، سوف يرِث “إيشيبا” العديد من الالتزامات السياسية من حكومة “كيشيدا”. وتشمل هذه المبادرات زيادة ميزانية الدفاع، وتعزيز معدل المواليد الوطني، وتسريع التحول نحو إزالة الكربون – وكلها مبادرات عالية التكلفة[5]. لذا، يتعين على “إيشيبا” أن يوفِّق بين أجندة اقتصادية مزدحمة سوف تستلزم بالضرورة زيادة في الإنفاق الحكومي، ولكن قنوات التمويل لعدد كبير من المبادرات تظل موضع شك. ومع إرهاق السكان بالفعل بسبب آثار التضخم، فإن من المرجح أن تُقابل المقترحات التي قدمها فريق “إيشيبا” لزيادة العبء العام بالانتقادات أو الرفض؛ لذا من المتوقع أن يتبنى “إيشيبا” سياسات اقتصادية محافظة مع إصلاحات متواضعة. وقد تستمر السياسات المعروفة بـ”سهام آبي الثلاثة” ولكن من دون تغييرات جذرية. وهي الاستراتيجية الاقتصادية التي أطلقها رئيس الوزراء الياباني السابق، شينزو آبي، في إطار خطته الإصلاحية المعروفة باسم “آبينوميكس” (Abenomics)، والتي كانت تهدف إلى إنعاش الاقتصاد الياباني بعد عقود من الركود. وترتكز على ثلاثة مكونات رئيسية، وهي: زيادة التوسع النقدي من خلال ضخ السيولة في السوق لرفع التضخم المستهدف إلى 2% وكبح الانكماش المستمر، الذي عانى منه الاقتصاد الياباني؛ وتقديم حوافز مالية، بما في ذلك زيادة الإنفاق الحكومي لدعم النمو الاقتصادي، مع تعديل الضرائب لتعزيز الاستهلاك المحلي وتشجيع الاستثمار؛ وعلى إعادة هيكلة الاقتصاد الياباني من خلال إصلاحات تهدف إلى تعزيز الإنتاجية، وتحسين بيئة الأعمال، ورفع مشاركة المرأة وكبار السنّ في سوق العمل، إضافة إلى دعم الابتكار الصناعي[6]. لذلك، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الشيخوخة السكانية والحاجة إلى إصلاحات في مجالات الهجرة وغيرها، قد تزيد من صعوبة مهمة “إيشيبا”، خاصة إذا فشل في حشد دعم كافٍ من داخل حزبه لإحداث تغييرات ملموسة.
ثانيًا: تحديات السياسة الخارجية
يواجه شيجيرو إيشيبا مشهدًا معقدًا في السياسة الخارجية تشكله التهديدات الأمنية الإقليمية والتحالفات العالمية الناشئة. ويتعين على “إيشيبا”، المعروف بخلفيّته القوية في الدفاع، أن يعالج التوترات المتصاعدة مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا، في حين يعمل على موازنة علاقة اليابان الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وقد قوبل دفاعه عن إطار أمني أشبه بمنظمة حلف شمال الأطلسي في آسيا بالمقاومة؛ الأمر الذي أدى إلى مناورات دبلوماسية حذرة. وبينما يسعى للحفاظ على الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي، يجب على “إيشيبا” أيضًا تعزيز العلاقات مع الشركاء الرئيسيين مثل الهند، كل هذا في حين يبحر في التوازن الدقيق بين أولويات الدفاع والدبلوماسية الإقليمية. وفيما يلي أبرز تحديات السياسية الخارجية:
1. الأمن الإقليمي
يتمتع شيجيرو إيشيبا بخبرة واسعة وعميقة في مجال الدفاع، ربّما توفر له الأساس القوي لمعالجة التحديات الأمنية التي تواجه اليابان، خاصة في منطقة تتسم بتوترات متزايدة. ويعكس اقتراحه إنشاء نسخة آسيوية من حلف شمال الأطلسي، بهدف مواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا وكوريا الشمالية، التزامه بنهج الأمن الجماعي[7]. ولكن هذا المفهوم قوبل بالمقاومة من جانب لاعبين رئيسيين مثل الهند ودول جنوب شرق آسيا، التي تخشى أن يؤدي مثل هذا التحالف إلى تفاقم الانقسامات الإقليمية واستفزاز الصين. وفي الوقت الحالي، وضع “إيشيبا” هذه الفكرة جانبًا، ولكن استراتيجيته الدفاعية الأوسع نطاقًا سوف تركز على الأرجح على تعزيز القدرات العسكرية اليابانية، وتوسيع التعاون مع الدول ذات التفكير المماثل لضمان بيئة أمنية إقليمية مستقرة. ويشير تأكيده على تحديث الدفاع، بما في ذلك زيادة الإنفاق الدفاعي والتقنيات العسكرية الجديدة، إلى دور أكثر استباقية لليابان، خاصة في الاستجابة للتهديدات من برامج الصواريخ في كوريا الشمالية وحزم الصين في النزاعات البحرية. وسوف يتمثل التحدي الذي يواجه “إيشيبا” في تحقيق التوازن بين هذه الجهود والحفاظ على الدبلوماسية الإقليمية، وضمان عدم استثارة جيرانه الرئيسيين من موقفه بشأن الدفاع الياباني.
2. التحالف الياباني-الأمريكي
لا يزال التحالف بين اليابان والولايات المتحدة يشكل حجر الأساس للسياسة الأمنية اليابانية، ومن المتوقع أن يدعم “إيشيبا” هذه الركيزة الأساسية خلال فترة ولايته، ويكون تعزيز التحالف من أولياته[8]. ولكن “إيشيبا” يواجه وضعًا مختلفًا بعد فوز الرئيس السباق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم 5 نوفمبر؛ حيث يتخذ ترامب موقفًا واضحًا فيما يتعلق بتحمل الأعباء من قِبل الحلفاء، ومن بينهم اليابان التي يوجد فيها قواعدُ وقواتٌ أمريكية كبيرة.
وفي حين دعا “إيشيبا” في السابق إلى إعادة التفاوض على الشروط التي تحكم الوجود العسكري الأمريكي في اليابان من أجل خلق شراكة أكثر إنصافًا، فقد اتخذ موقفًا أكثر تحفّظًا منذ توليه منصب رئيس الوزراء، ويعكس هذا الطبيعة الحساسة للعلاقة، حيث يمكن لأي تغييرات في اتفاقية وضع القوات أن تؤثر على التوازن الاستراتيجي في المنطقة. وتعتبر القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان حيوية للوجود الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، لكنها كانت أيضًا مصدرًا للجدل الداخلي، خاصة في أوكيناوا. وقد يسعى “إيشيبا” لمعالجة هذه المخاوف تدريجيًّا من خلال القنوات الدبلوماسية، ولكن من غير المرجح أن يخضع التحالف الأساسي لتحولات كبيرة في الأمد القريب. وبدلًا من ذلك، من المرجح أن يظل تركيز “إيشيبا” على تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، خاصة في مجالات مثل الدفاع الصاروخي والأمن السيبراني، لتعزيز الردع ضد التهديدات المشتركة، مثل كوريا الشمالية والصين.
وأعلنت اليابان، ومعها كوريا الجنوبية، التزامهما تعزيز تحالفاتهما مع الولايات المتحدة في ظل إدارة دونالد ترامب الجديدة؛ حيث أعرب كل من الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، ورئيس الوزراء الياباني المنتخب حديثًا شيجيرو إيشيبا، عن حرصهما على العمل بشكل وثيق مع ترامب، مشيرَين إلى “قيادته القوية”. ويسلط هذا الضوءَ على أهمية التحالفات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في شمال شرق آسيا، خاصة وسط التهديدات المتصاعدة من كوريا الشمالية، التي اختبرت مؤخرًا أكبر صاروخ نووي لها[9].
3. العلاقات مع الصين
لا شك أن التعامل مع العلاقة المعقدة مع الصين سيكون أحد التحديات الأكثر أهمية في السياسة الخارجية التي تواجه “إيشيبا”. وفي حين يتعين على اليابان حماية مصالحها الأمنية الوطنية، خاصة في بحر الصين الشرقي حيث تستمر النزاعات الإقليمية حول جزر سينكاكو/ دياويو، فإنها تحتاج أيضًا إلى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع أكبر شريك تجاري لها. وتشير التحركات الدبلوماسية الأولية لـ “إيشيبا” إلى نهج عملي -خلال زيارته الخارجية الأولى إلى جنوب شرق آسيا- التقى رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، لكنه تجنب الخطاب الدفاعي الاستفزازي[10].
والواقع أن إدارة “إيشيبا” قد تمثل تحولًا سياسيًّا كبيرًا على المستوى الخارجي عمومًا، إذ تتجه بعيدًا عن تأثير فصيل “سيوا كاي”، الذي كان يقوده رئيس الوزراء السابق، شينزو آبي، لوقت طويل. واشتهر “سيوا كاي” بموقفه المحافظ، ودعمه القوي لتايوان، والتزامه بزيادة الإنفاق الدفاعي، وقد هيمن على السياسة اليابانية منذ عام 2000. ومع ذلك، فإن تراجع دور هذا الفصيل، بسبب فضائح تمويلية ووفاة “آبي”، يسمح لـ”إيشيبا”، المدعوم من رئيس الوزراء السابق فوميو كيشيدا، بقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي (LDP) بتبنّي اتجاه جديد.
ويعكس موقف “إيشيبا” تجاه الصين استمرارية مع سياسة الإدارة السابقة بقيادة كيشيدا، والتي روجت لعلاقة “منفعة متبادلة مبنية على المصالح الاستراتيجية المشتركة” دون تقديم تنازلات كبيرة. وبرغم أن “إيشيبا” قد طرح فكرة إنشاء “ناتو آسيوي” لمواجهة القوة المتزايدة للصين في المنطقة، فقد تخلى عن هذا الاقتراح بعد توليه المنصب[11]. وبدلًا من ذلك، اتخذ “إيشيبا” نهجًا متوازنًا يشجع على التواصل الوثيق مع الصين، بينما يظل ثابتًا في مواقفه بشأن قضايا مثل بحر الصين الشرقي والجنوبي. ويهدف هذا النهج إلى إقامة علاقة يابانية-صينية مستقرة وبنّاءة، حيث ستدافع اليابان عن مصالحها، لكنها ستستمر في الحوار حول مجالات الاهتمام المشترك. وهذا يشير إلى أنه في حين يلتزم “إيشيبا” بمصالح اليابان الأمنية، فإنه يدرك الحاجة إلى علاقة دبلوماسية مستقرة مع الصين لمنع التصعيد.
إن إدارة هذا التوازن الدقيق -ضمان عدم النظر إلى اليابان على أنها معادية بشكل مفرط مع حماية سيادتها- سيكون مفتاح نجاح “إيشيبا”. وإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تستمر اليابان في لعب دور نشِط في تعزيز “منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة والمفتوحة”، وهي الرؤية التي تسعى إلى مواجهة النفوذ المتزايد للصين في المنطقة من خلال الشراكات مع دول مثل الولايات المتحدة، والهند، وأستراليا.
4. العلاقات مع الهند
من المتوقع أن تنمو الشراكة الاستراتيجية بين اليابان والهند في ظل رئاسة “إيشيبا”، حيث تسعى الدولتان لتعزيز مواقفهما في ظل نظام إقليمي سريع التغير. والهند، بسوقها الكبير وموقعها الاستراتيجي، شريك حيوي لليابان، سواء على المستوى الاقتصادي، أو من حيث التعاون الأمني. والواقع أن التقارب الشخصي بين “إيشيبا” ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي -كما تجلى في اجتماعاتهما- يعزز هذا الاتجاه[12]. وأكد الزعيمان التزامهما تعميق التعاون في مجال الدفاع والأمن، خاصة في مجالات مثل الأمن البحري وتكنولوجيا الدفاع. وتكتسب هذه الشراكة أهمية خاصة؛ في ظل تطلع اليابان إلى تنويع علاقاتها الاستراتيجية وسط مستقبل غير مؤكد للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين وتوازن القوى المتغير في آسيا. وسوف تشكل العلاقات الاقتصادية أولوية أيضًا، مع حرص اليابان على الاستثمار في قطاعَي البنية الأساسية والتكنولوجيا في الهند. وأكد الزعيمان أن توسيع التبادلات بين الناس من شأنه أن يعزز هذه الرابطة، ويضع الأساس لتعاونٍ طويل الأجل يمتد إلى ما هو أبعد من المخاوف الجيوسياسية المباشرة.
الخلاصة:
تحديات داخلية وخارجية كبيرة تواجه الحكومة اليابانية بقيادة “إيشيبا”؛ فداخليًّا يمثل توحيد الحزب الليبرالي الديمقراطي تحديًا كبيرًا، حيث يعاني الحزب انقسامات حادة بين فصائله المختلفة؛ الأمر الذي يتطلب من “إيشيبا” توحيد الصفوف، والحفاظ على تماسك الحزب.
إضافةً إلى ذلك، على “إيشيبا” معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة مع ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو، في ظل توقعات بإجراء إصلاحات اقتصادية محافظة. وبرغم خسارة الحزب الحكم للغالبية في الانتخابات الأخيرة، كما كان متوقعًا أصلًا، فإن “إيشيبا” -كما يبدو- سيتسمر رئيسًا للوزراء، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك تحركات داخلية للإطاحة به؛ الأمر الذي يعقد موقفه أكثر.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يبدو أن نهج “إيشيبا” يتسم بالتوازن بين الاستمرارية وإعادة المعايرة الاستراتيجية. وفي حين يظل ملتزمًا بالتحالفات الأساسية وأطر الأمن في اليابان، مثل التحالف بين الولايات المتحدة واليابان ومبادرة المحيطين الهندي والهادي الحر والمفتوح، فإن فترة ولايته سوف تتشكل أيضًا من خلال الديناميكيات الإقليمية المتطورة؛ وكذلك بعودة دونالد ترامب الذي يطالب الحلفاء بمزيد من الإنفاق الدفاعي وتحمّل الأعباء. وسوف تحدّد قدرته على التكيف مع هذه التحولات -سواء في إعادة التفاوض على العلاقة العسكرية اليابانية مع الولايات المتحدة، أو تعزيز العلاقات البراغماتية مع الصين، أو تعميق العلاقات الاستراتيجية مع الهند- إرثه على الساحة الدولية.
[1] يابان تايمز، 4 أكتوبر 2024:
https://www.japantimes.co.jp/editorials/2024/10/04/ishiba-faces-challenges/
[2] Ben Ascione, Ishiba’s challenge is to unite both the LDP and Japan, East Asia Forum, 6 October 2024: https://eastasiaforum.org/2024/10/06/ishibas-challenge-is-to-unite-both-the-ldp-and-japan/
[3] يابان تايمز، 2 أكتوبر 2024:
https://www.japantimes.co.jp/business/2024/10/02/economy/ishiba-economic-challenges/
[4] رغم الهزيمة الانتخابية.. رئيس الوزراء الياباني ينوي البقاء في منصبه، البيان، 28 أكتوبر 2024: https://www.albayan.ae/amp/news/world/5371
[5] Sarah Soh, Challenging Times Ahead for Japan’s New Prime Minister Ishiba, RSIS, IP24081 , 8 October 2024: https://www.rsis.edu.sg/rsis-publication/idss/ip24081-challenging-times-ahead-for-japans-new-prime-minister-ishiba/
[6] Will Kenton Abenomics: Definition, History, and Shinzo Abe’s Three Arrows, Investopedia, July 23, 2024: https://www.investopedia.com/terms/a/abenomics.asp
[7] Purnendra Jain, Meet Prime Minister Shigeru Ishiba: Challenges Ahead for Japan, October 14, 2024: https://www.isas.nus.edu.sg/papers/meet-prime-minister-shigeru-ishiba-challenges-ahead-for-japan/
[8] Strengthening Japan-U.S. Alliance Top Priority: Iwaya, Nippon, October 15, 2024:
https://www.nippon.com/en/news/yjj2024101501480/
[9] US Allies Japan and South Korea React to Trump’s Presidential Win, Newsweek, November 6, 2024: https://www.newsweek.com/america-allies-japan-south-korea-react-trump-presidential-win-support-1981190
[10] Wu Yixue, Ishiba brings hope of better ties, if he matches words with actions, China Daily, October 15, 2024:
https://global.chinadaily.com.cn/a/202410/15/WS670da7f0a310f1265a1c78cb.html
[11] Shin Kawashima, Beyond Abe’s shadow: Ishiba and a new era in Japan-China relations? ThinkChina, October 23, 2024: https://www.thinkchina.sg/politics/beyond-abes-shadow-ishiba-and-new-era-japan-china-relations
[12] Japan-India Summit Meeting Ministry of Foreign Affairs of Japan, October 10, 2024: https://www.mofa.go.jp/s_sa/sw/in/pageite_000001_00566.html