قد يكون من المناسب بعد الهجمات الأخيرة التي راح ضحيتها المدرس الفرنسي صامويل باتي على الأراضي الفرنسية، إلقاء الضوء على المشكلة الأساسية والحقيقية التي مثلت تهديداً لمختلف الدول الأوروبية، خصوصاً ألمانيا، خلال السنوات القليلة الماضية؛ ألا وهي أيديولوجيا الإخوان المسلمين.
فقد حذَّر المكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور من الخطر الوشيك الذي يشكله الإخوان المسلمون، واصفاً تنظيمهم بالشمولية. وأكّد في تقرير استخباراتي داخلي أن هذا التنظيم الإسلاموي يشكِّل “تهديداً للديمقراطية أكبر من تهديد المنظمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش… “، وأنه يهدد المبادئ الدستورية والديمقراطية في ألمانيا[1].
ووفقاً للتقرير، خضعت 10% من مساجد ألمانيا للرصد والمراقبة بحثاً عن أي أنشطة متطرفة مشبوهة. ففي ولاية شمال الراين – وستفاليا، على سبيل المثال، تخضع 109 مساجد لمراقبة استخباراتية مستمرة، ويُعتقَد أن نحو 70 من هذه المساجد يتبع للسلفيين، و16 منها يخضع لتأثير الإخوان المسلمين المتطرف. غير أن هذه المراقبة الحكومية – للأسف – دفعت بالأنشطة المتطرفة إلى خارج مباني المساجد، الأمر الذي يزيد من احتمال اللجوء إلى الأعمال السرية.
واستجابةً للتقرير، صرحت وزارة الداخلية في ولاية مكلنبورغ فوربومرن أنها تفكِّر بجدية في استحداث نظام لتمويل المساجد على غرار نموذج تمويل الكنائس بهدف إلغاء التمويل الأجنبي. كما أن تحصيل إيرادات المساجد من المجتمع المسلم المحلي، وفقاً لضريبة المساجد، سيساعد إلى حدٍّ كبير في تقليل التأثير الأجنبي المتطرف على المجتمع المسلم المحلي وخفض المبالغ الكبيرة المتدفقة من التمويل الأجنبي، وتحديداً من تركيا.
وسيجعل فرض قيود صارمة على التمويل الخارجي المؤسسات الإسلامية تلجأ إلى الاعتماد على ضريبة العشور التي يدفعها المسلمون المقيمون في ألمانيا فتصبح في النهاية أكثر استجابةً لآراء الأغلبية المعتدلة في مجتمع المسلمين[2].
التطرف في أوروبا: معلومات أساسية
من الصعب تحديد عدد المتطرفين الإسلامويين في أوروبا لأن معظمهم ظلوا باستمرار يعملون في صمت، غير أن المصادر الرسمية تشير إلى وجود نحو 85 ألف متطرف في المملكة المتحدة، وهولندا، وفرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، وإسبانيا، وسويسرا. وقد يتجاوز هذا الرقم 100 ألف إذا أضيفت الدنمارك، والنرويج، والسويد، وفنلندا، وإيطاليا، والبرتغال، واليونان؛ ومن الصعب على أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات تتبُّعهم، لأن عمليات المراقبة الدائمة يمكن أن تتطلب بين 10 و20 من أفراد هذه الأجهزة ليتتبّعوا شخصاً واحداً[3].
تاريخياً، رسَّخ تنظيم الإخوان المسلمين نفسه في ألمانيا منذ خمسينيات القرن العشرين، وما زال مكتبها الرئيسي موجوداً في المركز الإسلامي في ميونخ، ولكنها تسيطر على مراكز إسلامية أخرى في فرانكفورت، وماربورغ، ونورمبيرغ، وشتوتغارت، وكولونيا، ومونستر، وبراونشفايغ ومدن رئيسية أخرى. كما افتتحت ثمانية مساجد في ساكسونيا، وبراندنبورغ، ووسّعت قاعدتها بإقامة وجود لها بين اللاجئين القادمين من المناطق السنّية في سوريا الذين تدفقوا إلى ألمانيا في السنوات الخمس الماضية.
لقد اتخذت العلاقات الوثيقة بين فرعي تنظيم الإخوان المسلمين المصري والسوري الطابع الرسمي عام 1994 عندما أسس أنصارهما المجلس المركزي في ألمانيا الذي يمثل المظلة الجامعة للإخوان المسلمين في ألمانيا. كما أن تنظيمات الإخوان المسلمين في ألمانيا تتعاون تعاوناً وثيقاً مع بعض نظيراتها التركية؛ أبرزها حركة الرؤية الوطنية التي تُعد فرعاً تركياً لجماعة الإخوان المسلمين.
وقد أقرَّت الحكومة الألمانية علناً بالعلاقات القائمة بين ميول أردوغان الأيديولوجية، والسياسية، وتنظيم الإخوان المسلمين المناهض للديموقراطية. وتُعدّ حركة الرؤية الوطنية وتنظيم الإخوان المسلمين جزءاً من شبكة أردوغان الإسلاموية الأوروبية التي تسعي إلى التأثير في الجاليات ذات الأصول التركية من حيث “تكوين الإرادة”. وقد صرحت الحكومة الفيدرالية في برلين بأن هذه العلاقات تشكِّل تهديداً جوهرياً للسلامة العامة[4].
تقسيم أمّة: استراتيجية الإخوان المسلمين
إن استراتيجية الإخوان المسلمين السياسية القائمة على الهوية الدينية والتي تحاول تأليب المسلمين على غير المسلمين، هي ما يؤدي في النهاية إلى شن هجمات مثل الهجوم الذي وقع في مدينة نيس الفرنسية مؤخراً. فمن أجل أسلمة بلدٍ ما، يستغل الإخوان المسلمون حرية التنظيم والتعبير في أوروبا من خلال بناء قطاعات إسلامية موازية من الهيئات العامة، أي ما يسمى المجتمع المدني المسلم.
كثيراً ما تقدِّم جماعة الإخوان المسلمين نفسها على أنها جماعة ديمقراطية أمام السلطات الأوروبية، وذلك من أجل تأسيس مكانة جيدة لها وكسب النفوذ على الرغم من أن معظم قادتها متشددون غير متسامحين عندما يتحدثون إلى أتباعهم. وكثيراً ما توجد اختلافات كبيرة بين أسلوب تواصل الجماعة باللغة الإنجليزية وتواصلها باللغة العربية، والهدف هو التأثير سلباً في عملية الاندماج في البلاد وتكوين عقلية “نحن” مقابل “هم” بين المسلمين الأوروبيين. لقد سمح هذا النهج الاستقطابي للتنظيم بتوطيد موقع متقدِّم له في أوروبا وإنشاء بنية تحتية واسعة النطاق.
وتشكِّل ما تسمَّى مكافحة الإسلاموفوبيا إحدى الجبهات الرئيسية لأعمال الإخوان المسلمين. ولا شك في وجود تيارات عنصرية ومعادية للأجانب في بعض أجزاء أوروبا، وينبغي إدانتها إلى أقصى حدود الإدانة. غير أن تنظيم الإخوان استغل هذه المشاعر ونجح في الترويج لدور الضحية بين مسلمي أوروبا وإقناعهم بتقمصه، ما دفعهم إلى التصديق بأن الإعلام والأحزاب السياسية ومجموعات كبيرة من السكان الأوروبيين تستهدف المسلمين. ونتيجة لذلك، تتجه الجاليات المسلمة إلى عزل نفسها أكثر فأكثر عن المجتمع، موفرةً للإخوان تربةً خصبة لمواصلة مشروعها المتركز حول الهوية[5].
لدى ألمانيا وباقي الدول الأوروبية ما يكفي من الأسباب لتشعر بالقلق تجاه مشروع الإخوان المسلمين وخطرهم على الأمن والاستقرار في مجتمعاتها.
المراجع
[1] Federal Ministry of the Interior (Germany) (2018) Brief Summary. 2018 Report on the Protection of the Constitution. Facts and Trends. https://www.verfassungsschutz.de/en/download-manager/_annual-report-2019-summary.pdf
[2] Saeed, H. 2019. ‘How does “Muslim Brotherhood” manage its networks from Inside Europe? European Centre for Counterterrorism and Intelligence Services, December 11. 2019, https://en.europarabct.com/?p=46715
[3] House of Commons (2015) Muslim Brotherhood Review: Main Findings. https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/486948/53163_Muslim_Brotherhood_Review_-_PRINT.pdf
[4] Ahval (2020) ‘Turkey’s Government strengthens ties with German Nationalist Islamist Movement’ October 27, 2020. https://ahvalnews.com/turkey-germany/turkeys-government-strengthens-ties-german-nationalist-islamist-movement
[5] Sweden’s Civil Contingencies Agency (MSB) (2018) Islamic Activism in a multicultural context-ideological continuity or change? https://www.msb.se/siteassets/dokument/publikationer/english-publications/islamic-activism-in-a-multicultural-context-ideological-continuity-or-change.pdf