زادت الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط مع الاكتشافات الهائلة للثروات الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي، ما أدى إلى حدوث توترات عكست تضارب مصالح القوى المحلية والإقليمية والدولية. وهناك مجموعة من العوامل الأخرى التي أسهمت في زيادة حدة هذه التوترات، من بينها الإرث التاريخي للصراعات بين تركيا واليونان.
كما اشتدت هذه التوترات مع تنامي مساعي تركيا لتصبح قوة إقليمية ليس في شرق البحر الأبيض المتوسط فقط، بل وفي الشرق الأوسط عموماً. وقد اتخذت هذه التوترات مظاهر عدة من بينها إرسال تركيا سفن الاستكشاف والتنقيب في منطقة مُتنازع عليها مع اليونان، ما أنذر بنشوب مواجهة عسكرية كان من الممكن أن تتطور إلى حرب شاملة بين البلدين.
وتسعى هذه الورقة، في هذا الإطار، إلى إلقاء الضوء على هذه التوترات ورصد انعكاساتها على تركيا وعلى المنطقة من خلال مجموعة من المحاور التي تحلل الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة شرق المتوسط، ودوافع التوتر في المنطقة وانعكاساته على تركيا في ما يتعلق داخلياً بأوضاعها السياسية والاقتصادية، وخارجيا في علاقاتها الشرق أوسطية والدولية وصولاً إلى التطورات المحتملة التي يمكن أن تأول إليها هذه التوترات.
أولاً: الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط
تتبوأ منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط موقعاً استراتيجياً مهماً، حيث تعد مركزاً للنقل التجاري، وتؤمن الوصول إلى المحيط الهندي عبر قناة السويس. كما تعد مجالا للتجارة البحرية بنسبة 30%[1]، ومن أبرز نقاط عبور النفط والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي[2]، بواقع ما يقدر بـ 35% من للغاز و50% من النفط[3]. وتمثل المنطقة أيضاً مركزاً للدعم الأمني، حيث تقف “جدار صد” ضد التهديدات الإرهابية العابرة في اتجاه الدول الأوروبية[4].
كما تحتوي المنطقة على كميات هائلة من الثروات الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي، وفقاً لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية التي أصدرت تقييماً في مارس عام 2010 يقول بأن منطقة حوض بلاد الشام، والتي تشمل الأجزاء البحرية لغزة وإسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص، يمكن أن تحتوي على نحو 120 تريليون قدم مكعب (3.4 مليار متر مكعب) من الغاز القابل للاستخراج، و1.7 مليار برميل من النفط، تتراوح قيمتها بين 700 مليار دولار، و3 تريليونات دولار[5].
وأصدرت الهيئة ذاتها في مايو 2010 تقييماً آخر يتعلق بحوض دلتا النيل وقبالة السواحل المصرية في البحر المتوسط، باعتبارها تحتوي على ما يقرب 6.320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي غير المكتشف، و7.6 مليار برميل من النفط[6]؛ وهذا ما أكده اكتشاف حقل “ظهر” عام 2015 في المنطقة الاقتصادية لمصر وقدرت موارده بنحو 30 تريليون قدم مكعبة، وسبقه اكتشاف حقلي تمارا وليفيثيان في إسرائيل بموارد قدرها 30 تريليون قدم مكعبة، فيما تمتلك قبرص موارد غازية تقدر بنحو 10 تريليون قدم مكعبة[7].
ثانياً: دوافع التوتر في منطقة شرق البحر المتوسط ومظاهره
هناك مجموعة من الدوافع التي تقف وراء ما تشهده منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط من توترات، بعضها يرتبط بمظاهر آنية تطفو على السطح فتزيد توسيع رقعة التوتر، والبعض الآخر متوارٍ تتجدد تفاعلاته في حال تصاعدت الأزمات.
- دوافع التوتر في شرق البحر المتوسط
يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى عدد من الدوافع التي تقف وراء حالة التوتر التي تشهدها المنطقة، وكلها تتمحور بدرجة أو بأخرى حول تركيا وطبيعة علاقاتها بدول المنطقة، وأهم هذه الدوافع ما يلي:
- طموحات تركيا الإقليمية ومصالحها في شرق المتوسط
عاد الدور التركي مجدداً إلى منطقة الشرق الأوسط مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002 حيث تبنى قادته سياسة إحياء دور تركيا الإسلامي، وتصفير المشكلات، وساهم في ذلك تحقيق الاقتصاد التركي معدلات نمو كبيرة خلال الفترة من 2002 حتى 2017[8].
تزامن ذلك مع زيادة الروابط مع الدول العربية والإسلامية، حيث تزايد الارتباط الاقتصادي بين تركيا ودول الخليج العربية، وشهدت الفترة من عام 2002 حتى عام 2014 سلسلة من المبادرات الحكومية التي تعمل على تعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين. وفي عام 2014 بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 16 مليار دولار.
لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، فقد حدث تحول في توجه تركيا ودورها في الشرق الأوسط بعد أحداث ما يسمى “الربيع العربي”، إذ دعمت أحزاب الإسلام السياسي، وأيدت قطر في أزمتها مع دولة الإمارات والسعودية والبحرين ومصر، وتدخلت في العراق وسوريا وليبيا، وأقامت قواعد عسكرية في قطر والصومال، وكانت بصدد إقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن السودانية بعد اتفاقها مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير على تطوير هذه الجزيرة[9].
كما اتخذت تركيا موقفاً متشدداً إزاء دول منطقة شرق المتوسط خاصة بعد الاكتشافات الهائلة لمصادر الطاقة في محاولة منها لتأمين حصتها من موارد المنطقة تخرجها من أزماتها الاقتصاد من جهة، وتحقق لها، من جهة أخرى، طموحاتها في التمدد في مناطق جديدة خروجاً مما تراه حصاراً في مناطق ساحلية ضيقة. بالإضافة إلى محاولة تأكيد ما تردده حول وجود حقوق لها في شرق المتوسط وفي الجزر اليونانية الواقعة قبالة ساحل بحر إيجة[10].
دفعت هذه الأسباب وغيرها أنقرة إلى التصرف بعيداً عن القوانين الدولية لتجنب خسارة ثروات شرق المتوسط، حيث وقعت مع حكومة الوفاق الليبية اتفاقاً أمنياً وبحرياً لترسيم الحدود البحرية، وهو ما يعد مخالفاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 التي لم توقع عليها أنقرة، ومنع اتفاقية لوزان لها من التنقيب عن النفط والغاز خارج مياهها الإقليمية حتى 2023[11].
- الخلافات بين تركيا واليونان
هناك مجموعة من الخلافات بين تركيا واليونان التي أسهمت في تصاعد التوتر في منطقة شرق المتوسط، يتعلق بعضها بقضايا قديمة، في ما يتعلق البعض الآخر بقضايا طفت على السطح حديثاً؛ ومن أبرز هذه الخلافات ما يلي:
- الخلاف حول ثروات جزيرة قبرص
يعود الخلاف بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص إلى عقود تاريخية سابقة، وقد طفا الخلاف على السطح عندما نالت الجزيرة استقلالها عن بريطانيا أواخر الخمسينات القرن الماضي، حيث تم انتخاب الأسقف ماكاريوس رئيسا لها والقبرصي التركي كوجوك نائبًا له، وذلك انعكاساً للتركيبة السكانية التي ضمت يونانيين وأتراك.
ومع تحول قبرص عام 1964 إلى جمهورية وانضمامها إلى الأمم المتحدة، ظهرت الخلافات بين القبارصة اليونانيين والأتراك التي تدخلت على إثرها تركيا واليونان في الجزيرة. وبعد محاولة مجموعة من الضباط اليونانيين في يوليو 1974 اغتيال ماكريوس وإعلان الانضمام إلى اليونان، قامت تركيا بغزو الجزيرة.
وتمكنت تركيا عسكرياً بعد شنها لهذا الغزو على الجزيرة من السيطرة على ثلث مساحتها، وبعد ذلك بعدة أشهر أعلنت قيادات القبارصة الأتراك قيام جمهورية قبرص التركية تحت قيادة رؤوف دنكتاش الذي أعلن بدوره عام 1983 قيام جمهورية شمال قبرص التركية، التي لم تعترف بها سوى تركيا[12].
وتتباين مواقف قبرص اليونانية وقبرص التركية حول ثروات الجزيرة، حيث تعتبر الثانية أن ثروات الجزيرة ملك للجميع ولا يجوز استغلالها من طرف واحد. لكن الأولى تجاهلت ذلك وقامت بترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بها للتمكن من استغلال الغاز الطبيعي. وردت قبرص التركية بتحديد حدودها البحرية ووقعت اتفاقاً مع تركيا لترسيم الجرف القاري في 2011.
وقد أدى هذا الوضع إلى تداخل بين المناطق المحددة من قبل الطرفين، وتطالب قبرص التركية بحقوقها في بعض المناطق التابعة لقبرص اليونانية؛ وفي ظل هذا التوتر دخلت تركيا طرفاً رئيسياً في مواجهة قبرص اليونانية، حيث اعتبرت أن المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها الأخيرة تتداخل مع الجرف القاري ومع المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها.
ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل اعترضت تركيا على الاتفاقيات التي وقعتها قبرص اليونانية مع مصر وإسرائيل ولبنان ولم تعترف بها[13].
- الخلاف حول مجموعة من الجزر
بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وقعت تركيا الجديدة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك مع الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى معاهدة لوزان عام 1923 التي تم على إثرها تحديد حدود تركيا القائمة، ومن بين ما نصت عليه المعاهدة تخلي تركيا عن المطالبة بمجموعة من الجزر التي تسيطر عليها اليونان وتقع قبالة السواحل التركية.
لقد كانت هذه الجزر خاضعة للسيادة الإيطالية، قبل أن تتخلى عنها لليونان بعد الحرب العالمية الثانية[14]. وتشكل هذه الجزر أحد أبرز الملفات حساسية في العـلاقة بين البلدين، وتحدث على الدوام بشأنها مناوشات من قبل القوات الجوية والبحرية للجانبين تطورت في بعض الأحيان إلى اشتباكات عسكرية. وتطالب تركيا بعودة هذه الجزر إلى سيادتها على اعتبار أنها أُجبرت على التخلي عنها من خلال المعاهدات التي وقعتها مع الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى.
- الخلافات حول اللاجئين
شكلت قضية اللاجئين السوريين خلافاً كبيراً بين البلدين، فبعد اتفاق مارس عام 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي، القاضي بإعادة أنقرة للاجئين الذين وصلوا إلى الجزر اليونانية إلى تركيا مقابل بعض الامتيازات، تخلت الحكومة التركية في 27 فبراير 2020 عن هذا الاتفاق وسمحت للاجئين بعبور حدودها مع اليونان، الأمر الذي رفضته أثينا ومنعت اللاجئين من دخول أراضيها ما أدى إلى حدوث اشتباكات بين قوات الأمن واللاجئين[15].
- تحويل “آيا صوفيا” في إسطنبول إلى مسجد
جاء قرار تركيا تغيير وضع كنيسة “آيا صوفيا” من متحف، كما كان قائماً منذ عام 1934، إلى مسجد، ليزيد من خلافاتها مع اليونان، التي رأت في هذا القرار “استفزازاً”. ورغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اعتبر أن هذا القرار سياديا، في ظل الانتقادات التي وجهت لأنقرة من المجتمع الدولي، فإن اتخاذه كشف النقاب عن الصراع التاريخي بين تركيا واليونان[16].
ويعود موقف اليونان الرافض لهذا القرار إلى أن “آيا صوفيا” تعكس جزءاً من التاريخ البيزنطي، حيث أقام البيزنطيون هذه الكنيسة في القرن السادس عشر وكانوا يتوجون أباطرتهم فيها، ويقول متخصصون إن “الإمبراطورية البيزنطية هي أحد مكونات الهوية اليونانية، وأهم مكونات تاريخ وديانة البلاد، وهي الصلة بين العصر الإغريقي واليونان المعاصرة”[17].
- التوتر المصري التركي
تمر العلاقات المصرية التركية بمرحلة من التوتر لعدة أسباب من أبرزها، دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مصر، ووجود بعض المعارضين المصريين على أراضيها، بالإضافة إلى الملف الليبي، والتدخلات التركية في الملف الفلسطيني. ومما زاد من حدة التوتر بين البلدين في أعقاب توقيع مصر واليونان في 6 أغسطس 2020 اتفاقية لترسيم المناطق البحرية.
وبموجب هذا الاتفاق أصبح بإمكان البلدين التنقيب عن الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط أصبح بإمكانهما الاستفادة من الموارد المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولا سيما احتياطيات النفط والغاز. كما يدفع هذا في اتجاه تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة. وقد أثارت هذه الاتفاقية استياء تركيا، ووصفها الرئيس التركي بـ “عديمة القيمة”[18].
وتعد هذه الاتفاقية امتدادًا لمنتدى شرق البحر الأبيض المتوسط الذي أعلن عن تأسيسه في يناير 2019 ويضم مصر، واليونان، وقبرص، وإسرائيل، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين. ثم تحول إلى منظمة دولية حكومية بعد توقيع ميثاقه في القاهرة في 22 سبتمبر 2020. واعتبرت تركيا أن ذلك يهدف لتهميشها من الترتيبات المستقبلية المتعلقة بالغاز الطبيعي بإنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء فقط[19].
ثالثاً – مظاهر التوتر
أثار توجه دول شرق البحر المتوسط لتوقيع اتفاقيات ثنائية لتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة استياء تركيا، التي رأت في ذلك تهديداً مباشرا لما تدعيه من حقوق لها في ثروات شرق المتوسط. وقد بدأ هذا التوجه منذ سنوات، ومن أبرز هذه الاتفاقيات ما يلي:
- الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص عام 2003، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون أخرى في مجال التنقيب عن البترول والغاز عام 2012؛
- الاتفاقية الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 2005؛
- الاتفاقية الموقعة بين مر قبرص ولبنان عام 2007؛
- الاتفاقية الموقعة بين قبرص وإسرائيل 2010؛
- الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل والأردن واليونان وإيطاليا في يونيو 2020؛
- والاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان في 6 أغسطس 2020[20].
وقد حرك هذا الاتجاه نوازع تركيا العدوانية تجاه منطقة شرق البحر المتوسط، إدراكاً منها أن ذلك قد يؤثر على موقفها من الاستثمارات الخاصة بمصادر الطاقة المكتشفة في المنطقة، في وقت تحتاج فيه بشدة إلى مورد اقتصادي جديد يمكنها من مواجهة الأزمات الاقتصادية، وتأمين مصادر الطاقة التي تحتاجها، حيث تستورد نحو 95%منها، بالإضافة إلى أنها تعول على توظيف ورقة الغاز كمدخل لتوحيد شطري قبرص[21].
وقد تمثلت أبرز مظاهر التوتر في المنطقة في ما يلي:
- إصرار تركيا على التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، حيث أرسلت أنقرة على فترات متقطعة سفنها للتنقيب في مناطق متنازع عليها سواء مع قبرص أو اليونان، وهو ما تسبب في تصاعد التوتر في المنطقة، وقد جاء هذا الإصرار رغم التحذيرات الدولية بأن ذلك يمثل اعتداءً على مصالح دول المنطقة مثل قبرص واليونان.
- تعمد تركيا إرسال سفن حربية مصاحبة لسفن التنقيب عن الغاز والنفط الأمر الذي زاد من احتمال اشتعال مواجهات عسكرية كما حدث بين الفرقاطة اليونانية “ليمنوس” وسفينة “كمال رئيس” إحدى سفن الحراسة البحرية التركية التي رافقت سفينة التنقيب “أوروتش رئيس” في منتصف أغسطس 2020.
- قيام دول المنطقة بتحركات ومناورات عسكرية، أراد منها كل طرف أن يؤكد للطرف الآخر على جاهزيته واستعداده عسكرياً؛ فعلى سبيل المثال، أجرت تركيا في 29 أغسطس 2020 ولمدة أسبوعين مناورات عسكرية في منطقة قبالة بلدة أنامور جنوب تركيا، إلى الشمال من جزيرة قبرص.
كما نقلت، وفقاً لوسائل إعلام تركية، 40 دبابة من ولاية هاتاي الجنوبية مع سوريا، إلى ولاية إدرنة الحدودية مع اليونان[22]، وأجرت في 6 سبتمبر ولمدة 5 أيام مناورات عسكرية مع جمهورية شمال قبرص، غير المعترف بها دولياً[23]. وأجرت في 29 سبتمبر 2020 تدريبات استمرت ليوم واحد في منطقة تقع بالقرب من جزيرتي رودس وكاستيلوريزو اليونانيتين.
وأجرت اليونان في المقابل مع كل من قبرص وفرنسا وإيطاليا تدريبات عسكرية في الفترة بين 26 و28 أغسطس 2020 في المنطقة التي تقع جنوب جزيرتي كريت وقبرص[24]. كما أجرت في 14 سبتمبر ولمدة 5 أيام تدريبات عسكرية مع الولايات المتحدة، وقد شاركت أحدث الدبابات الأمريكية في هذه التدريبات التي أجريت بالقرب من الحدود البرية مع تركيا.
- مع تطور الأزمة بدأت بعض القوى الدولية في التدخل، مما زاد من درجة التوتر في المنطقة، ورغم أن بعض هذه القوى (مثل ألمانيا) سعى لبذل جهود وساطة بين أطراف الأزمة، فإن قوى أخرى اتخذت موقفاً متشدداً غلب عليه الطابع العسكري، إذ برزت حالة من “المخاشنات” في البحر بين فرنسا وتركيا.
ففيما بدأت سفينة التنقيب التركية “أوروتش رئيس” تتحرك في البحر المتوسط محاطة بالبحرية التركية، كانت المقاتلات الفرنسية تحلق فوق منطقة بحرية متنازع عليها قرب قبرص اليونانية، وأرسلت باريس فرقاطة وسفينة حربية إلى جزيرة كريت، وأجرت مناورات مشتركة مع قوات يونانية، ووافقت على أن تبيع اليونان مقاتلات رافال المتطورة، إضافة إلى وجود حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول قرب السواحل القبرصية – اليونانية[25].
رابعاً: انعكاسات التوتر في شرق البحر المتوسط على تركيا
انعكس التوتر في منطقة شرق البحر المتوسط على تركيا في مستويين الأول، يتمثل في المستوى الداخلي بشقيه السياسي والاقتصادي، فيما يرتبط الثاني بالمستوى الخارجي متمثلاً في علاقاتها الخارجية.
- المستوى الداخلي
- الوضع السياسي
تعرضت الحكومة التركية لانتقادات شديدة من قبل المعارضة الداخلية، التي رأت أن حكومة حزب العدالة والتنمية أقحمت البلاد في خلافات هي في غنى عنها، وفي هذا السياق قال زعيم المعارضة التركية زعيم حزب الشعب، كمال كليجدار أوغلو، إن سياسات الحكومة «دفعت بنا صوب عزلة في شرق البحر المتوسط، ثم سموها بـ (العزلة الثمينة). لكن أين الثمين في ما يحصل؟ نحن في حاجة إلى العيش بسلام مع كل جيراننا. نحتاج السلام مع الجميع، مع سوريا وإيران والعراق وروسيا واليونان وبلغاريا”؛ ومصطلح “العزلة الثمينة” الذي استخدمه كليجدار أوغلو هو تعبير أطلقه المتحدث الحالي باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، عام 2011 عندما كان يشغل وقتها منصب نائب وكيل في وزارة الخارجية، رداً على تحذيرات من عزلة تركيا، قائلاً إن الأمر غير صحيح، وأكد أنه “حتى لو صح التشخيص، وكانت تركيا في عزلة فهي في عزلة ثمينة”[26].
وقد اكتسبت هذه الانتقادات درجة أكبر من المصداقية حين جاءت من رئيس الوزراء الأسبق زعيم حزب المستقبل المعارض أحمد داود أوغلو، رفيق الرئيس رجب طيب أردوغان السابق الذي وضع كثيراً من أسس السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، إذ رأى داوود أوغلو أن سياسات أردوغان “جعلت أنقرة وحيدة في أزمة شرق المتوسط”، مضيفاً “رغم أننا محقين في أزمة شرق المتوسط، إلا أننا بقينا وحيدين في مواجهة هذه الأزمة فلا يدعمنا أحد سوى أذربيجان”[27].
كما اعتبر داود أوغلو أن “تركيا تجازف بالدخول في مواجهة عسكرية في شرق المتوسط لأنها تعطي للقوة أولوية على الدبلوماسية”، واتهم حكومة بلاده بإساءة إدارة الأزمة وقال إنه برغم أن أنقرة لديها تظلمات بشأن الأحقية في عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة في البحر وصولاً إلى ساحل تركيا على البحر المتوسط “لكن النهج الذي يتبعه أردوغان ينطوي على مجازفات شديدة”، و”للأسف حكومتنا لا تقدم أداءً دبلوماسيًا لائقًا”[28].
- الوضع الاقتصادي
أسهمت سياسات أنقرة في منطقة شرق المتوسط في تراجع قوة الليرة التركية؛ فعلى سبيل المثال، انخفضت الليرة خلال شهر يوليو 2020 بأسرع مما كانت عليه خلال أزمة التضخم الكبيرة عام 2018، خصوصاً بعد تجاوز سعر اليورو حاجز ثمانية ليرات بعد أن كانت 6.65 لليورو الواحد بداية العام الجاري، وقد ربط المراقبون هذا التراجع في قيمة الليرة بالتوتر بين تركيا واليونان بسبب خطة أنقرة للبحث عن الغاز في شرق المتوسط، واحتمالات نشوب مواجهة عسكرية بين البلدين آنذاك[29].
يضاف إلى ذلك، أن استمرار موقف تركيا في منطقة شرق المتوسط قد يعرضها لعقوبات أوروبية تلقي بمزيد من الأعباء على الاقتصاد التركي، ورغم أن الاتحاد الأوروبي قد فرض عقوبات بالفعل على أنقرة فإنها لم تزعج الحكومة التركية بالنظر إلى أنها اقتصرت على عدم السماح لمديري شركة طاقة التركية دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، لكن فرض عقوبات صارمة أخرى سيكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد التركي المرتبط بشكل عضوي بالاقتصاد الأوروبي[30].
ومن جهة أخرى، فإن استمرار الأزمة في منطقة شرق المتوسط وما يترتب عليها من تنامي احتمالية نشوب مواجهات عسكرية بين تركيا وأطراف الأزمة وخاصة اليونان، سيستدعي إنفاقاً عسكرياً أكثر مما هو مخطط له، الأمر الذي سينعكس في ازدياد عجز الميزانية؛ فعلى سبيل المثال، أدت الزيادة غير المخطط لها في الإنفاق العام في موازنة عام 2020، والتي تحظى نفقات الدفاع بالقدر الأكبر منها، إلى تجاوز هدف عجز الموازنة البالغ 138.9 مليار ليرة -الذي كان مقرراً حتى نهاية العام- خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، مما دفع العجز في الفترة من يناير إلى يوليو إلى 139.2 مليار ليرة[31].
- المستوى الخارجي
انعكس التوتر في منطقة شرق المتوسط على علاقات تركيا الخارجية لا سيما في ما يتعلق بعلاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
- العلاقات مع دول الشرق الأوسط
تعاني تركيا من تراجع مستوى علاقاتها مع العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، وذلك بسبب مواقفها من أزمات المنطقة وقضاياها، حيث أسهمت تلك المواقف في تعقيد هذه الأزمات وصعوبة تسويتها؛ فعلى سبيل المثال، تراجعت علاقات أنقرة مع معظم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بسبب دعمها لقطر في أزمتها مع الرباعي العربي.
كما توترت علاقاتها مع مصر بسبب تدخلاتها في الملف الليبي ودعمها لـ “جماعة الإخوان المسلمين”، بالإضافة إلى طموحاتها الإقليمية ورغبتها في التوسع في المنطقة. جاءت تحركات أنقرة لاستغلال مصادر الغاز والطاقة في منطقة شرق المتوسط لتزيد من درجة التوتر في علاقاتها مع دول هذه المنطقة، ولا سيما مصر كما تم التوضيح[32].
- العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا
شهدت العلاقات التركية/الأمريكية تراجعاً خلال العامين الأخيرين بسبب مجموعة من الخلافات الناتجة عن تعارض موقف البلدين تجاه بعض القضايا، من بينها دعم واشنطن للأكراد في سوريا، ورفضها تسليم فتح الله جولن لأنقرة، وأزمة القس الأمريكي أندرو براندون، وإخراج الولايات المتحدة تركيا من مشروع المقاتلة إف-35 وحرمانها من الحصول عليها.
وقد جاءت أزمة منطقة شرق المتوسط لتضيف خلافاً آخر إلى الخلافات القائمة بين البلدين، ورغم أنه بدا أن واشنطن تتخذ موقف الحياد في هذه الأزمة، إلا أن الولايات المتحدة اتخذت مجموعة من الإجراءات التي تشير إلى أنها ترفض النهج التركي في المنطقة، ومن الأمثلة على ذلك:
- إقرار الكونجرس في ديسمبر عام 2019 عدة تشريعات، كجزء من حزمة الإنفاق الدفاعي بقيمة 1.4 تريليون دولار، تجعل الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في سوق الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط من خلال إقرار قوانين لخلق شراكة أمنية وطاقية مع دول شرق المتوسط، ويقوي هذا الإجراء العلاقات العسكرية مع اليونان، ويرفع الحظر المفروض على الأسلحة منذ عقود على قبرص، وقد صادق الرئيس دونالد ترامب، على مشروع قانون الميزانية الدفاعية لعام 2020، الذي يتضمن رفع حظر السلاح عن قبرص[33].
- توقيع الرئيس ترامب “قانون التعاون في مجال الطاقة والأمن لشرق المتوسط”، المضاف إلى مشروع قانون الميزانية، ويؤكد القسم ذو الصلة من القانون على تعاون الولايات المتحدة مع قبرص، واليونان، وإسرائيل في شرق البحر المتوسط[34].
- إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو في 2 سبتمبر 2020 أن الولايات المتحدة سترفع حظر توريد الأسلحة المفروض على قبرص منذ 33 عاماً، وستعمل على تعزيز تعاونها الأمني مع نيقوسيا، ودعوته تركيا في 11 سبتمبر 2020 إلى سحب قواتها من منطقة شرق المتوسط، وإعرابه في اليوم التالي بعد اجتماع في نيقوسيا مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس عن قلق واشنطن بشأن تحركات تركيا في المنطقة.
- توقّيع مذكرة تفاهم مع قبرص في 12 سبتمبر 2020 لإنشاء مركز تدريب أمني في نيقوسيا، للحدّ من المخاطر “التي تشكلها الجهات الفاعلة الإقليمية الخبيثة والمنظمات المتطرفة العنيفة”. وبحسب الخارجية الأمريكية، فإنّ هذا المركز سيسمح للولايات المتحدة وشركائها بتقديم المساعدة الفنية في المزيد من المجالات المتعلقة بالأمن والسلامة، وسيجلب المركز بذلك تواجداً أمريكياً مباشراً في المتوسط في مواجهة تركيا[35].
أما على صعيد علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، فقد شكلت الأزمة في منطقة شرق المتوسط، مجالاً للخلاف بين الجانبين، إذ يدعم الاتحاد بصفة عامة اليونان وقبرص ضد تركيا في هذه الأزمة، لكن هناك قدر من التباين بين دول الاتحاد حول كيفية التعامل مع أنقرة بشأن الأزمة حيث برزت ثلاث توجهات رئيسية: أولها متشدد، تقوده فرنسا، ويتمثل في تقديم دعم عسكري وسياسي واضح لليونان، والتلويح بورقة العقوبات ومحاولة خلق تكتل أوروبي ضد تركيا؛ والثاني يدعو للتهدئة، وتقوده ألمانيا التي قدمت عرضًا لتركيا بالتفاوض مع اليونان على الحدود البحرية، وضمها لمنتدى غاز المتوسط مقابل تقديمها تنازلات في سوريا وليبيا؛ أما التوجه الثالث فهو توجه غير مبالِ بالقضية[36].
ويقف خلف كل توجه من هذه التوجهات الثلاثة عدة أسباب، فالتشدد الفرنسي إزاء تركيا يأتي نتيجة الاستشعار بالتهديد الإستراتيجي التركي لأمن المتوسط، ومصالح أوروبا فيه وفي البلدان المجاورة وصولاً لأفريقيا في ظل تنامى الدور التركي في ليبيا وشمال أفريقيا، ومساعي أنقرة للحصول على قواعد عسكرية دائمة.
أما موقف التهدئة الذي تتخذه ألمانيا، فيأتي من كونها تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وتحرص على تحقيق الاستقرار داخل الاتحاد، بالإضافة إلى أنها تخشى من تراجع تركيا عن اتفاقاتها مع أوروبا بشأن منع تدفق اللاجئين، أما التوجه الأخير فأصحابه لا يجدون لهم أي مصلحة في هذه الأزمة.
ورغم هذا التباين الواضح، أعلن الاتحاد الأوروبي إمكانية فرض عقوبات على تركيا بسبب سياساتها في منطقة شرق المتوسط، فخلال اجتماع قادة التكتل الذي عقد في بروكسل في 2 أكتوبر 2020، هدد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على تركيا بسبب “أعمال استفزازية وضغوط” تمارسها أنقرة في ظل خلاف مع اليونان بشأن موارد الطاقة والحدود البحرية، وأعطى الجانب التركي مهلة ثلاثة أشهر، ليتوقف عن انتهاكاته للسيادة المائية اليونانية والقبرصية[37].
رابعاً: انعكاسات التوتر في شرق البحر المتوسط على المنطقة
تحمل التوترات في منطقة شرق المتوسط مجموعة من الانعكاسات على المنطقة، لا سيما إذا ما استمرت تركيا في سياستها تجاه المنطقة، وبصفة عامة يمكن الإشارة إلى بعض هذه الانعكاسات على النحو التالي:
- استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة لا سيما مع تمسك تركيا بمواقفها إزاء الأزمة؛ إذ من المرجح نشوب صراعات – ولو باردة – بين هذه الدول؛ فعلى سبيل المثال، رغم المساعي التي بذلها حلف شمال الأطلسي وألمانيا، والتي أثمرت اتفاق عودة المحادثات المتوقفة منذ عام 2016 بين أنقرة وأثينا للانعقاد مجدداً في إسطنبول، فإن التوتر ما لبث أن عاد مع إعلان اليونان في 3 أكتوبر 2020 إجراء مناورات عسكرية تتضمن تدريباً على الرماية في منطقتين شرق المتوسط في الفترة بين 6 و8 أكتوبر 2020.
وسارعت تركيا في ظل هذه التطورات إلى إعلان إجراء تدريبات عسكرية في المكان والزمان نفسهما اللذين حددتهما اليونان، قائلة إن المنطقتين اللتين أعلنت أثينا إجراء تدريباتها فيهما تقعان في مناطق الصلاحية البحرية التركية، على شواطئ ولاية أنطاليا جنوب البلاد، وهو ما يشير بوضوح إلى استمرار الخلافات بين البلدين خاصة في ظل حالة انعدام الثقة بينهما.
كما تظهر التصريحات من جانب المسؤولين في البلدين أثناء الأزمة، أن كل منهما لا يعول كثيراً على جدية الطرف الآخر في التهدئة وغير مستعد لتقديم تنازلات في مواقفه على غرار ما حدث مع اليونان التي رفضت عرضاً قدمته ألمانيا لتركيا بانضمامها لمنتدى غاز المتوسط[38].
- محاولة روسيا تعزيز وجودها في الشرق الأوسط بصفة عامة وشرق المتوسط على وجه الخصوص، حيث عرضت المساعدة في المحادثات بين تركيا واليونان من أجل تطوير حوار بناء يهدف إلى حلول مقبولة للطرفين[39]. وترى موسكو أن دخولها على خط التوتر في شرق البحر المتوسط يمنحها فرصة للتغلب على التضييق الذي تواجهه هناك من قبل قوات الناتو، وتقليل الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
وتتخذ روسيا من مشروعات الغاز وسيلة لتعزيز مصالحها الاقتصادية مع تركيا، حيث وقع البلدان على هامش مؤتمر الطاقة العالمي في إسطنبول في أكتوبر 2016 الاتفاقية الخاصة بمشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا[40].
- إعادة التموضع الأمريكي في شرق المتوسط، نتيجة إدراك الولايات المتحدة الأهمية الاقتصادية والسياسية للمنطقة، الأمر الذي يستدعى حضوراً مكثفاً لها يواجه محاولات روسيا وبعض القوى الإقليمية بسط نفوذها في المنطقة[41]. وشرعت واشنطن في اتخاذ خطوات عملية في هذا السياق من أهمها العمل على تعزيز علاقاتها مع قبرص من خلال مجموعة من الإجراءات التي سبق الإشارة إليها، ومن أبرزها: توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء مركز جديد للأمن البري والبحري والموانئ جنوب قبرص، ورفع حظر السلاح على البلاد[42].
- ظهور تحالفات إقليمية جديدة محركها الغاز الطبيعي، خاصة مع تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، وتحوله إلى منظمة إقليمية. وكان المنتدى قد أرسى خريطة طريق لصادرات غاز شرق المتوسط. كما أرسى دور مصر المركزي لصناعة غاز المتوسط، وتحولها لمركز إقليمي للطاقة. بالإضافة إلى شروع بعض الدول التي تمتلك موارد للطاقة شرق المتوسط في توقيع اتفاقيات تصدير الغاز الطبيعي للأسواق القريبة[43].
وقد رأت تركيا أن المنتدى يهدف إلى استبعادها من خريطة ثروات المنطقة لا سيما في ما يتعلق بالغاز والنفط؛ وهو أمر ترفضه أنقرة بالنظر إلى أنها تسعى للحصول على جزء من هذه الثروات بما يساعدها على تقليل وارداتها من الطاقة التي وصلت قيمتها إلى نحو 45 مليار دولار عام 2018[44].
خاتمة
رغم حالة التوتر التي تعيشها منطقة شرق المتوسط، والتي كادت أن تتحول في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة خاصة بين تركيا واليونان، فإنه من المستبعد أن تتطور هذه التوترات إلى حرب عسكرية شاملة بالنظر إلى وجود العديد من الأسباب السياسة والاقتصادية والأمنية التي تحول دون ذلك؛ غير أنه في ظل تمسك تركيا بمساعيها لتمزيق كثير من الاتفاقيات الدولية مثل معاهدة لوزان وغيرها، وفي ظل إصرارها على نشر النفوذ ليس في شرق المتوسط فقط وإنما في الشرق الأوسط كافة، فإن الأرجح هو استمرار حالة التوتر ومن ثم حالة عدم الاستقرار التي من شأنها أن تحد من قدرة الدول على استغلال ثروات المنطقة.
وربما يكون البديل هو تدخل دولي قادر على إقناع تركيا بضرورة الكف عن مساعيها للتملص من الاتفاقيات الدولية التي وقعتها في الماضي، وبالتوقف عن مساعيها لتوسيع نفوذها في المنطقة، من أجل إنهاء حالة التوتر والتوجه إلى التهدئة، بما يساعد على الاستفادة من ثروات المنطقة، خاصة أن جميع الأطراف الدولية في حاجة إلى ذلك؛ فاليونان تحرص على الاستفادة من هذه الثروات للتغلب على مصاعبها الاقتصادية المتواصلة، وتسعى دول مثل مصر إلى تعظيم دورها كمركز إقليمي للغاز، في حين تريد واشنطن حصول شركات أمريكية على حقوق التنقيب في المنطقة.
أما أوروبا فتسعى إلى تخفيف الضغط الروسي عليها بورقة الغاز، ومحاولاتها تنويع إمدادات الطاقة، وترى أن وجود مركز جديد لتصدير الغاز في شرق المتوسط أمراً جاذباً لها، وقد تجد تركيا صيغة تستطيع من خلالها الاستفادة من حالة الهدوء والاستقرار التي ستعم المنطقة.
المصادر:
[1] إيمان زهران، “تركيا والتفاعلات في شرق المتوسط،”، مجلة السياسة الدولية، العدد 219، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يناير 2020. ص ص 164-171
[2] نغم قاسم، “شرق المتوسط: هل هناك احتمال لنشوب حرب في المنطقة من أجل الغاز والنفط،” موقع بي بي سي عربي، 31 أغسطس 2020، https://bbc.in/33rXcnk
[3] جاغتاى أوزدمير، “صراع القوى الكبرى في شرق البحر الأبيض المتوسط”، موقع دورية رؤية التركية، 1 يونيو 2018، https://bit.ly/2Sp68Uf
[4] آية عبد العزيز، “تركيا وتطور الهوية الجيو-استراتيجية لمنطقة شرق المتوسط”، الموقع العربي للبحوث والدراسات، 23 مايو 2019، https://bit.ly/3lcDj9H
[5] Gul Tuysuz, “NATO allies are facing off in the Eastern Mediterranean. The conflict could entangle the entire region”, CNN, August 26, 2020, https://cnn.it/34mC2X3
[6] صبحت كاربوز، موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط: التحديات والفرص، الكتاب السنوي للبحر الأبيض المتوسط 2012 (الأردن، دار فضاءات للنشر، 2014).
[7] “صراع الغاز في حوض شرق المتوسط”، ورشة حول صراع الغاز في حوض شرق المتوسط وتأثيراته المحتملة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 24 فبراير 2020، https://bit.ly/33wbPWB
[8] محمود القصاص، “نفوذ تركيا في المنطقة: قوة للبناء أم للهدم؟”، موقع بي بي سي، 20 أكتوبر 2019، https://bbc.in/3iufEQr . و: خالد بشير، “تصفير المشكلات”.. إستراتيجية أردوغان التائهة”، موقع حفريات، 2 أغسطس 2020، https://bit.ly/3jBoQnu
[9] سارة بازوباندى، النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط.. التغيرات والتحديات، ( القاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات، 2020).
[10] “تركيا تعلن نيتها بدء عمليات تنقيب عن النفط في شرق المتوسط”، موقع يورو نيوز، 30 مايو 2020، https://bit.ly/2StQRBE
[11] لواء أ.ح. د.محمد عبدالخالق قشقوش، “الموقف التركى وتداعياته على الأزمة الليبية” مجلة السياسة الدولية، العدد 220، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أبريل 2020.
[12] “حكاية قبرص بين تركيا واليونان”، موقع بي بي سي، 8 أغسطس 2019، https://bbc.in/3lfrdwM
[13] منال فهمى البطران، “السياسات التركية تجاه شرق المتوسط،” مجلة السياسة الدولية ، العدد 217، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يوليو 2019. ص ص 180-183.
[14] مجد أبو ريا، “تمزيق الخرائط والاتفاقيات.. تركيا في مواجهة التصعيد اليوناني في المتوسط”، موقع نون بوست، 10 سبتمبر 2020، https://bit.ly/3nhwy8q
[15] “تركيا تسمح للاجئين بالمغادرة إلى أوروبا”، موقع بي بي سي، 29 فبراير 2020، https://bbc.in/3iybcjN
[16] “صراع التاريخ والجغرافيا بين اليونان وقبرص”، موقع إندبندنت عربية، 29 أغسطس 2020، https://bit.ly/3ivTltQ
[17] “آيا صوفيا مصدر توتر جديد بين تركيا واليونان”، صحيفة العرب اللندنية، 13 يوليو 2020، https://bit.ly/36mgOLy
[18] هبة العياط (مترجم)، “البرلمان اليوناني يصدق على اتفاقية تاريخية مع مصر لتقسيم المناطق البحرية”، جريدة الجرائد العالمية، القاهرة، الهيئة العامة للاستعلامات، 30 سبتمبر 2020.
[19] بهاء الأمين، “من قبرص إلى السودان والخليج وأميركا.. خريطة العزلة الدبلوماسية التركية تتسع”، موقع إندبندنت عربية، 28 مايو 2019، https://cutt.us/FeNkL
[20] أنظر بالتفصيل عن علاقات مصر وقبرص: “العلاقات المصرية القبرصية”، موقع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، د. ت، https://bit.ly/34nXBGK
[21] محمود حسين وتوماس أليسون، “الاتفاق التركي-الليبي.. لماذا تناوش أنقرة القاهرة وحلفائها؟”، موقع دويتشه فيله، 29 نوفمبر 2019، https://cutt.us/DtE0U.
[22] “القوات التركية تنقل 40 دبابة إلى الحدود مع اليونان”، صحيفة العرب اللندنية، 5 سبتمبر 2020، https://bit.ly/36Bfu7L
[23] “مقاتلة يونانية تحلق فوق جزيرة كريت لمتابعة طائرة تركية في المتوسط”، موقع تركيا الآن، 12 أغسطس 2020، https://cutt.us/e2JqS
[24] “التوتر بين تركيا واليونان: أثينا تعزز قدراتها العسكرية بمقاتلات من فرنسا”، بي بي سي، 12 سبتمبر 2020، https://bbc.in/34opn5P
[25] محمود حسين، أزمة شرق المتوسط .. هل تنجح سياسة “حافة الهاوية” التركية؟، موقع دويتشه فيله، 7 سبتمبر 2020، https://bit.ly/3ivekg4
[26] “المعارضة التركية تنتقد سياسات إردوغان في شرق المتوسط”، صحيفة الشرق الأوسط، 26 أغسطس 2020، https://bit.ly/36tFGRo
[27] “المعارضة التركية: سياسات أردوغان جعلت أنقرة وحيدة في أزمة شرق المتوسط”، موقع Arab Observer، 16 سبتمبر 2020، https://bit.ly/2EXnDHZ
[28] محمود حسين، مصدر سابق.
[29] حسن زنيند، “انزلاق الليرة ـ اقتصاد تركيا يترنح وسط أزمات شرق المتوسط”، موقع دويتشه فيله، 29 يوليو 2020، https://bit.ly/34mlvlZ
[30] المصدر السابق.
[31] “الإنفاق العسكري “المسكوت عنه” يفاقم متاعب الاقتصاد التركي”، موقع سكاي نيوز عربية، 2 سبتمبر 2020، https://bit.ly/33qYZc8
[32] محمود حسين وتوماس أليسون، مصدر سابق.
[33] “ذا هيل: أميركا تدير ظهرها لتركيا وتعلن المواجهة بالمتوسط”، موقع العربية نت، 20 مايو 2020، https://bit.ly/34kJd1X
[34] المصدر السابق.
[35] رحاب عليوة، “هل تضيق الولايات المتحدة الخناق على تركيا شرق المتوسط؟”، موقع حفريات، 13 سبتمبر 2020، https://bit.ly/34oPJ7S
[36] باسم راشد، “تركيا والاتحاد الأوروبي.. حدود التباعد والتقارب”، مجلة السياسة الدولية، العدد 219، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يناير 2020.
[37]“الاتحاد الأوروبي يمهل تركيا 3 أشهر للتراجع عن أنشطتها في المتوسط”، صحيفة الشرق الأوسط، 3 أكتوبر 2020، https://bit.ly/34o4fg5
[38] عبد العزيز محمود، “الأزمة اليونانية التركية إلى أين”، صحيفة الأهرام، العدد (48866)، 20 سبتمبر 2020.
[39] “الاتحاد الأوروبي يعد قائمة عقوبات على تركيا.. ما آثارها؟”، موقع دويتشه فيله، 10 سبتمبر 2020. https://cutt.us/TmNDv
[40] نورهان الشيخ، “الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.. حدود وملامح التغيير”، مجلة السياسة الدولية، العدد 209، القاهرة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يوليو 2017.
[41] سمير مرقس، “استراتيجية أمريكا في شرق المتوسط”، صحيفة المصري اليوم، العدد (5638)، 16 سبتمبر 2020.
[42] “الناتو يواصل جهوده لاحتواء التوتر شرق المتوسط”، صحيفة الشرق الأوسط، العدد (15268)، 16 سبتمبر 2020.
[43] وليد خدورى، “الأبعاد الجيوسياسية للصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط”، صحيفة الشرق الأوسط، العدد (15020)، 12 يناير 2020.
[44] İSMAIL NUMAN TELCI, “Why the Eastern Mediterranean is of Strategic Importance for Turkey”, Politics Today, May 13, 2019, https://bit.ly/3iw2Lpc