- مقدمة:
عرفت العقود الأخيرة التوقيع على عدد معتبر من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، ما أدى إلى وضع القواعد الأساسية لتحرير الأسواق العالمية، ليسهم بشكل كبير في تخفيض تاريخي للقيود وإجراءات الحماية الجمركية أمام تدفق السلع والخدمات. ولكن لا يشير انخفاض مستوى الرسوم الجمركية على امتداد تطور النظام التجاري الدولي إلى نهاية سياسات الحماية التجارية. ففي الوقت، الذي عرف فيه العالم انخفاضاً معتبراً في مستوى التعريفات الجمركية على حركة تبادل السلع والبضائع، تزايد عدد وأثر عوامل أخرى أكثر تقييداً للشركات المصدِّرة والمستوردة على حد سواء وخاصة في البلدان النامية، نذكر منها على الخصوص الحواجز أو التدابير غير الجمركية (غير التعريفية) التي أصبحت مخرجاً للعديد من البلدان، من أجل الالتفاف على قاعدة “التبادل الحر”، التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية التي بني عليها النظام التجاري الدولي متعدد الأطراف.
ولقد تم تبرير استخدام الحواجز غير الجمركية على المبادلات لتعويض انخفاض مستوى التعريفات الجمركية على المستوى العالمي، أو لتحقيق أهداف أخرى متعلقة بفشل الأسواق. كما أصبحت مصدر قلق متزايد للمؤسسات الاقتصادية على مستوى الأسواق الدولية، لأنها تؤدي إلى زيادة تكاليف المعاملات، وكذلك موضوع انشغال لواضعي السياسات التجارية. وعلى هذا الأساس، سلط التقرير الصادر عن المنظمة العالمية للتجارة عام 2012 الضوء على أهمية الحواجز غير الجمركية كتحدٍّ حقيقي أمام تحرير التجارة الخارجية للمصدرين والمستوردين[1]. فقد أصبحت هذه التجارة تعاني تطبيق بعض القيود المقنعة تحت العديد من المبررات كحماية الصحة البشرية، والحيوانية، والنباتية، وحماية البيئة[2]. وعندما يتم الحديث عن الحواجز غير الجمركية، فنحن من دون شك أمام تشكيلة واسعة من الإجراءات والتدابير والتنظيمات الواسعة والمتنوعة، تختلف حسب البلدان، وحسب المنتجات وتتغير باستمرار. وأصبح اليوم من الصعب على مختلف المؤسسات (المستورِدة أو المصدِّرة) الامتثال للعديد من الاشتراطات والمتطلبات نظراً إلى تكلفتها الكبيرة.
وتشكل الحواجز غير الجمركية والقضايا المتعلقة بتسهيل التجارة تحدياً صعباً أمام التجارة البينية والاستثمار والتكامل بين البلدان الأفريقية. ويعتبرها الكثير من المتخصصين في مجال الاقتصاد السياسي الدولي والتجارة الدولية، والعديد من مراكز البحث والمنظمات الدولية (مثل الأونكتاد، والبنك الدولي) تحدياً من بين أكبر التحديات التي تحول دون تعميق التكامل الاقتصادي، وتحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة الأفريقية (AFCFTA)، التي أصبحت تشكل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم بعد دخولها حيز التطبيق. لكن إذا لم يتم إلغاء أو التخفيف من الحواجز غير الجمركية (Non-tariff barriers)، سيصبح أهداف تحقيق تكامل اقتصادي معمّق مجرد حلم أمام ملايين التجار وشركات الأعمال الأفريقية الصغيرة، التي تجد العديد من الصعوبات في النفاذ إلى البلدان الأفريقية، ومواجهة العديد من القيود المتنوعة أمام حركة السلع والبضائع والخدمات، وبيئة أعمال غير ملائمة وإجراءات إدارية تجعل قطاع البضائع عبر القارة الأفريقية معقداً ومكلفاً ما يحول دون تطوير التجارة البينية، كما أنها تقف عائقاً أمام نجاح منطقة التجارة الحرة الأفريقية. وسنحاول في هذه الورقة البحثية تحليل أهم التحديات التي تمثلها الحواجز غير الجمركية على التجارة عبر الحدود ما بين الدول الأفريقية الأعضاء، وما الآثار الناتجة عن إلغاء أو التخفيف من هذه الحواجز على التجارة البينية الأفريقية؟
- الحواجز غير الجمركية: المفهوم.. الخصائص.. والتطور التاريخي
يتناول هذا الجزء موضوعات تحليلية عدة؛ فهو يتناول مفهوم الحواجز غير الجمركية في التطبيق العملي، وخصائص القيود غير التعريفية، والتطور التاريخي للحواجز غير الجمركية، وصعوبات تصنيف الحواجز غير الجمركية وقياسها، وأخيراً، الحواجز غير الجمركية كأدوات لتحقيق أهداف السياسة العامة والاقتصاد السياسي.
وفيما يلي نتناول هذه الموضوعات التحليلية تباعاً.
2-1 مفهوم الحواجز غير الجمركية:
يتم التمييز من الناحية التطبيقية بين الحواجز الجمركية والحواجز غير الجمركية. ويكون تحليل آثار الحواجز الجمركية على المستوى النظري أكثر سهولة، لأنها تطبق مباشرة على الواردات. لكن الأمر يختلف تماماً عندما يتم الحديث عن آثار الحواجز غير الجمركية. ولقد أدى تطور المفاوضات التجارية متعددة الأطراف على المستوى الدولي إلى تخفيضٍ في مستوى الحواجز الجمركية، ولكن في المقابل ارتفع عدد الحواجز غير الجمركية وأشكالها كأدوات حماية فعالة في التجارة الدولية. ويفضل الاقتصاديون استخدام الحواجز الجمركية عن الحواجز غير الجمركية، وكذلك الحال بالنسبة إلى العاملين في التجارة، وذلك لتمتع التعريفة الجمركية بالشفافية، بينما تفتقر هذه الخاصية في الحواجز غير الجمركية، وكثيراً ما يصاحب انعدام الشفافية فساد داخلي واحتكاكات تجارية ودبلوماسية بين الدول[3].
ومن أجل تحديد طبيعة هذه الحواجز ومفهومها قدمت الأدبيات العديد من التعاريف المهمة. فمثلاً يعرّفها Sandrey, R et al. (2008) على أنها تمثل الإجراءات أو التدابير أو تدخلات الدولة في مجال التجارة الدولية أو الاشتراطات الخاصة بالنوعية كلها، باستثناء التعريفات الجمركية، التي بإمكانها تشويه أو الحد من تجارة السلع ما بين البلدان[4]. ومن ناحية الآثار التي تمارسها، تعرّف المنظمة العالمية للتجارة هذه الحواجز على أنها “التدابير التي تستعملها السلطات العامة، غير الرسوم الجمركية، والتي يمكن أن يكون لها آثار على تجارة السلع وتصحيح اختلالات السوق[5]. بينما يعرفها فريق الشخصيات البارزة المكلف بدراسة القيود غير الجمركية التابع للأونكتاد (Group of Eminent Person on Non-Tariff Barriers) على أنها عبارة عن ” تدابير حكومية تختلف عن التعريفات الجمركية العادية، يمكن أن يكون لها تأثير اقتصادي في تجارة السلع على الصعيد الدولي، من حيث تغيير الكميات المتداولة أو أسعارها، أو تغيير الكميات والأسعار في الوقت نفسه”[6].
وفي السياق نفسه يؤكد Baldwin (1989) وجود 3 مجموعات من الحواجز غير الجمركية. تحتوي المجموعة الأولى على الأدوات التي تهدف إلى تقييد أو الحد من حجم الصادرات أو الواردات مثل الحصص. أما المجموعة الثانية فتشمل إجراءات دعم الحكومات مثل إعانات الصادرات، أو الدعم المالي المباشر. أما المجموعة الثالثة والأخيرة، فتتضمن مجموعة من المعايير والقوانين أو التنظيمات التي تخص الصحة البشرية، والحيوانية، ونوعية الأغذية، والتغليف، والوسم، إلخ. كما درس Baldwin (1989) العلاقة الموجودة ما بين الأسعار وتطبيق الحواجز غير الجمركية. وتم تقدير الآثار الكمية لها من خلال الاختلافات ما بين سعر المنتج المستورد، وسعر المنتج المصنع على المستوى المحلي[7]. ولذلك عرّفها كل من Alan, Deardorff & Stern (1997) على أنها قيود تجارية تعمل على تشويه التجارة، وهي تعدل أسعار و/أو كميات المنتجات المستوردة[8]. كما يعرّفها (Carrére & De Melo, 2009) بأنها التدابير كلها التي تؤدي إلى تشويه المبادلات. ويوجد تشويه عندما يكون السعر المحلي يختلف عن السعر عند الحدود[9]. وحسب (UNCTAD)، فإنه يوجد أنواع مختلفة من الحواجز غير الجمركية، بعضها مرتبط مباشرة بالتجارة (حصص الاستيراد، رسوم إضافية على الواردات، إجراءات مكافحة الإغراق)، وبعضها الآخر لها ارتباط مع المبادلات، حيث إن وضعها حيز التطبيق سيكون مراقباً عند الحدود (المعايير المتعلقة بالتعبئة والتغليف، والمعايير الصحية)، بينما هناك مجموعة ثالثة من الحواجز غير الجمركية ناتجة عن قرارات السياسة العامة (الأسواق العامة، قيود في مجال الاستثمار، حماية حقوق الملكية الفكرية)[10].
وعلى ضوء ما تمت الإشارة إليه يمكننا أن نقول إن الحواجز غير الجمركية هي بصفة عامة التدابير والإجراءات والتنظيمات التجارية كلها، باستثناء التعريفة الجمركية القادرة على الحد من تدفقات التجارة الخارجية، وتعديل السعر و/أو كميات السلع والخدمات المتبادلة وتخفيض الدخل الحقيقي. ولقد ظهرت العديد من المحاولات التي تهدف إلى تصنيف القيود غير التعريفية تبعاً لطريقة تطبيقها وأهدافها أو تأثيرها الاقتصادي وذلك من أجل تسهيل عملية السيطرة عليها وتحليل أثرها في وضعية التجارة الدولية.
2-2 خصائص القيود غير التعريفية:
نظراً إلى تنوعها، تتميز الحواجز غير الجمركية بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن التعريفة الجمركية، ومن بينها:
- أنها تؤثر في قيم التجارة. حيث تخضع للطريقة التي تطبق بها، كأن يكون هناك تعسف في استخدامها من طرف الهيئات أو الوكالات المكلفة، أو أن تكون مكلفة جداً، أو عدم قدرة الدول للامتثال لبعض الاشتراطات أو المعايير. بينما قياس أثر التعريفات الجمركية يكون تقديراً كمياً واضحاً، ما يوفر درجة كبيرة من الاطمئنان للمصدِّرين والمستورِدين، وبالتالي تحسين نفاذ السلع إلى الأسواق ومن ثمة تحقيق مزيد من فرص تحرير التجارة.
- تتغير سلسلة الحواجز غير الجمركية باستمرار. وعندما يتم إخضاع تدبير غير جمركي إلى ضوابط وأحكام صارمة، يمكن تعويضها بتدبير آخر. وتطرح إحلال التدابير (Substitution of measures) العديد من المشكلات. ويصعب في حالات كثيرة التمييز بين المبررات التي يمكن أن تكون “مشروعة” من تطبيق الحواجز غير الجمركية والتي تتمثل في أهداف السياسة العامة، والمبررات الحمائية. وفي هذا المجال يقترح Mattoo & Sauvé (2003) استعمال معيار الضرورة الذي يسمح للحكومات الوصول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية، ولكن بطريقة غير مقيدة بشكل كبير للتجارة[11].
- يفرض التطور التجاري الدولي في الوقت نفسه ضرورة تطبيق التدابير غير الجمركية، وإعداد قائمة الأولويات بالنسبة إلى الدول، والأسباب التي تدفع السلطات العامة إلى اللجوء إليها، مثل تطور الشبكات العالمية للإنتاج، وضرورة محاربة التغيرات المناخية، والاهتمامات المتزايدة للمستهلكين في مجال السلامة الصحية للمنتجات والبيئة في الدول الغنية. ويكون التركيز هنا حول الدفاع عن مصالح المستهلكين والمجتمع وليس الاهتمام بالجانب الإنتاجي فقط.
- الاستعمال الكبير للحواجز غير الجمركية وتعقدها المتزايد من ناحية، وتصميمها وأهدافها من ناحية ثانية يضع العديد من العراقيل أمام ضمان تعاون دولي فعال ومستقر، ما يطرح إشكاليات كثيرة حول التقارب الدولي في هذا المجال، وما المعايير الخاصة والتشريعات الداخلية الموافقة وغير الموافقة مع انشغالات الدول في مجال استيراد السلع وتصديرها وحتى الخدمات.
- تطرح التدابير غير الجمركية العديد من الإشكاليات وخاصة ما يتعلق بشفافيتها، سواء من ناحية صياغتها أو إدارتها. وعلى هذا الأساس، فإن التردد المتزايد للحواجز غير الجمركية يمكن أن يعزى جزئياً إلى كونها أقل شفافية مقارنة مع الإجراءات على الحدود مثل التعريفات الجمركية. ولهذا تكون صعبة من حيث إخضاعها إلى قواعد منضبطة في ظل الاتفاقيات الدولية متعددة الأطراف.
- يتم التعبير عن مستوى التعريفة الجمركية بنسبة مئوية من المبلغ الإجمالي للسلعة (قيود سعرية) إذا كنا في حالة التعريفات حسب القيمة. ولكن بالنسبة إلى الحواجز غير الجمركية فليس هناك مؤشرات عددية أو سعرية واضحة لقياسها.
- توجد للتعريفات الجمركية قواعد بيانات كمية تسمح لنا بقياس مستويات الحماية، بينما يواجه تحديد أثر الحواجز غير الجمركية وقياسها صعوبات معتبرة بسبب نقص في المعلومات التي تخصها وإلى تعقد طرق القياس.
- تنتج العوائق التجارية في كثير من الأحيان عن التدابير غير التعريفية، بل تتخطى التدابير التعريفية، ما يؤدي إلى تجزئة الأسواق بدرجة كبيرة. فعلى من يرغب بالتجارة عبر الحدود أن يخضع إلى الكثير من اللوائح الفنية والمعايير الخاصة بالمنتجات، بالإضافة إلى الإجراءات الجمركية. وتؤدي صعوبة الامتثال إلى الأنظمة والمعايير إلى الحد من التجارة الإقليمية[12].
2-3 التطور التاريخي للحواجز غير الجمركية:
بعد تحرير التجارة الدولية في النصف الثاني من القرن الـ 20 نتيجة دخول العديد من الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف حيز التطبيق، أصبحت تكاليف التجارة أقل ارتباطاً بالقيود التجارية، وأخذت ترتبط أكثر فأكثر بالتدابير غير الجمركية، والإجراءات الجمركية المرهقة. وخلال السنوات الأولى من ظهور اتفاقية الجات، كانت المفاوضات تركز أساساً على تخفيض الرسوم الجمركية، ثم أصبح النقاش تدريجياً يتوجه نحو التركيز على القضايا والمسائل المتعلقة بالحواجز والقيود غير التي أصبحت موضوعاً محورياً ومركزياً على مستوى المفاوضات التجارية. ولهذا، كانت الإجراءات الأولى للجات – ثم المنظمة العالمية للتجارة فيما بعد – وضع بعض التشريعات حول الحواجز غير الجمركية، وكانت في البداية تركز على ميزان المدفوعات والإنتاجية والتنمية التجارية.
بعدها، توسعت هذه التشريعات لتشمل الاهتمامات التقنية، الصحية أو البيئة خلال السنوات الأخيرة من تطور النظام التجاري العالمي، بعدما كانت الحواجز غير الجمركية سابقاً مدفوعة أو متأثرة في تصميمها بمصالح المنتجين. وحالياً، فإنها تعكس اهتمام السياسة العامة الأكثر تنوعاً، بما فيها مصالح المستهلكين، والمدافعين عن البيئة، وهذا في إطار ما يعرف بالاقتصاد السياسي للحماية. ولقد كانت الجولة السادسة للمفاوضات – جولة كينيدي – هي الجولة الأولى التي تتعرض للحواجز غير الجمركية، ولكن لم يتحقق من هدفها إلا الحد الأدنى منه. أما الجولة السابعة للمفاوضات – جولة طوكيو – فهي تعتبر أول جولة كبيرة للمفاوضات تتعامل مع الحواجز غير الجمركية بجدية وفاعلية كهدف له أولوية أولى في المفاوضات.
إن توسع التجارة الدولية وامتداد المفاوضات التجارية متعددة الأطراف إلى مجالات كانت سابقاً محمية، مثل: الزراعة، والخدمات، والملكية الفكرية، حملت بعض الدول لاستخدام مكثف للحواجز غير الجمركية. ولقد أدت العديد من الأحداث الراهنة مثل الأزمة المالية لعام 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية، والنقاش المستمر بين الدول المتقدمة حول التغييرات المناخية، وعودة الاهتمام بسلامة المنتجات الغذائية، وظهور الأوبئة (كوفيد – 19) وما نتج عنه من ركود اقتصادي، إلى الاستعمال المتزايد للتدابير غير الجمركية من طرف العديد من حكومات هذه البلدان في السنوات الأخيرة. كما أن الاندماج الاقتصادي المتزايد وتطبيق القواعد التجارية على مجالات جديدة، مثل: الزراعة، والخدمات، والملكية الفكرية، جعلت النقاش أكثر تعقيداً، بسبب الاختلالات التجارية الجديدة المرتبطة باختلاف التشريعات المحلية وتدخل جماعات رأي جديدة، مثل: المدافعين عن البيئة والمستهلكين؛ ما جعل التجارة أكثر تعقيداً وخاصة بالنسبة إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول النامية، لأسباب تعود إلى عدم قدرتها على الامتثال لمثل هذه التدابير مقارنة مع المؤسسات الكبيرة. وكذلك فهي تحمل تكاليف إضافية من أجل فهم عدد كبير من هذه الاشتراطات والمتطلبات وخاصة في مجال الصحة والسلامة، والاشتراطات المتعلقة بالمنتجات، والقيود التقنية، والتدابير الصحية والصحة النباتية، والتوسيم، وإصدار شهادات المطابقة وغيرها من التدابير اللازمة لاستيراد السلع أو دخول الأسواق.
2-4 صعوبات تصنيف الحواجز غير الجمركية وقياسها:
يواجه المتخصصون في مجال السياسات التجارية صعوبات كبيرة من الناحيتين النظرية والتطبيقية في تحديد، وتحليل طبيعة الحواجز غير الجمركية، إضافة إلى مجالها وأثرها في التجارة، لأنها تأخذ أشكالاً عدة وتتوافق مع مجموعة من الأهداف المختلفة، التي تتغير حسب الدول والمنتجات. ولذلك، فإن المصدر الذي يتضمن بشكل جامع وشامل المعطيات المتعلقة بالحواجز غير الجمركية، تم وضعه من طرف UNCTAD عام 1994 في إطار البرنامج الذي أطلق عليه تحليل التجارة ونظام المعلومات Trade Analysis and Information System (TRAINS). وهي عبارة عن قاعدة معطيات تسمح بتقييم الحواجز غير التعريفية على أساس أهدافها وطرق تطبيقها. ولقد تم تحديث هذا النظام الإحصائي مرات عدة آخرها كان عام 2012 من أجل اقتراح نسخة جديدة من التصنيفات حول الحواجز غير الجمركية كما تظهر في الجدول رقم (1).
جدول رقم (1): تصنيف القيود غير التعريفية التي تم إعدادها من طرف مجوعة CNUCED في عام 2012
Source: CNUCED, (2012), « Classification of Non-tariff Measures », February 2012 version, United Nations, New York, and Geneva, 2013.
كما لا يزال القياس الكمي للحواجز غير الجمركية، وبخاصة أثرها في التجارة الدولية يمثل مهمة عسيرة من وجهة نظر المتخصصين. وفي هذا المجال، حاولت العديد من الدراسات تحديد أثر الحواجز غير الجمركية على التجارة الدولية من خلال تقييم التعريفات القيمية المكافئة (ad-valorem tariff equivalent)، التي يشار إليها اختصاراً بالحروف التالية (AVE) أي مستوى التعريفة الجمركية حسب القيمة التي يكون لها أثر التقييد نفسه على المبادلات مثل القيود غير التعريفية. وهذا يسمح بمقارنة مع التعريفات الجمركية، وهو مهم من أجل تحليل انعكاسات مختلف إجراءات السياسة التجارية على الرفاهية الاقتصادية. ومن أجل تقييم حول آثار الحواجز غير الجمركية، هناك طريقتان يتم استعمالهما على مستوى أدبيات التجارة الدولية: الطريقة القياسية (Econometric method) وطريقة فوارق السعر (Price difference method). فالطريقة القياسية تسمح بتقدير الحواجز غير الجمركية على الأسعار أو الكميات (التدفقات التجارية) بواسطة النماذج القياسية، مثل: نموذج الجاذبية (Gravity model)، بينما طريقة فوارق السعر تتمثل أساساً في قياس أثر الحواجز غير الجمركية على الأسعار[13].
2-5 الحواجز غير الجمركية كأدوات لتحقيق أهداف السياسة العامة:
يمكن لهذه الحواجز أن تكون ذات أهداف حمائية يطلق عليها “تقييدية”. والحواجز غير الجمركية ذات أهداف حمائية التي يطلق عليها “مشروعة”. ويمكن لهذه القيود أن يكون لها كذلك أهداف “مشروعة” مثل حماية الصحة، أو سلامة المستهلك وحماية البيئة، وتحقيق أهداف السياسات العامة أو تحقيق مستوى الرفاهية المحلية أيضاً. كما يمكن أن يكون السبب هو تحقيق أهداف “الاقتصاد السياسي للحماية”، الذي يعكس رد فعل المسؤولين السياسيين على جماعات المصالح أو الضغط الخاصة (منتجين، منظمين، مستهلكين، جمعيات المجتمع المدني، المنظمات غير الحكومية، وأحزاب سياسية…إلخ)، حول القضايا المرتبطة بالصحة والسلامة والبيئة.
- منطقة التجارة الحرة الأفريقية والحواجز غير الجمركية:
ركزت العديد من الأدبيات الاقتصادية على فرص وتحديات نجاح أكبر مشروع تكامل اقتصادي على المستوى العالمي، مقارنة بأكبر التكتلات الاقتصادية الثمانية، نظراً إلى الإمكانيات الاقتصادية التي تتمتع بها أفريقيا، ومؤشرات الكفاءة الاقتصادية التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة من طرف بعض البلدان الأفريقية. فمثلاً حسب تقرير البنك الدولي حول (Doing Business) لعام 2019، فقد احتلت جزر موريس المرتبة الـ 13 عالمياً متقدمة على كلٍّ من ألمانيا في (المرتبة الـ 22) وفرنسا في (المرتبة الـ 32)، بينما احتلت رواندا المرتبة الـ 38 عالمياً والثانية أفريقياً بعد جزر موريس. كما تمثل أفريقيا سوقاً كبيرة وناشئة، تتكون من 1.2 مليار نسمة من السكان، ويتوقع أن يرتفع عددهم إلى أكثر من 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050 أي ما يعادل %26 من مجموع السكان العالمي النشطين. كما تتميز أفريقيا بناتج محلي إجمالي يقدر بنحو 2500 مليار دولار أمريكي لمجموع 55 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي سابقاً، وتمثل الجزائر ومصر ونيجيريا مجتمعة نصف الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا، ولكنها تشارك مشاركة هامشية في التجارة بين الدول الأفريقية، التي تمثل %11 من وارداتها وصادراتها فقط[14].
ورغم أن الأهداف التي تنص عليها اتفاقية إنشاء منطقة التبادل الحر الأفريقية جد طموحة، مثل تحرير التجارة البينية للسلع والخدمات ما بين الدول الأفريقية مع الإلغاء التدريجي للحقوق والرسوم الجمركية، وحرية انتقال الموارد البشرية، وتشجيع الاستثمارات، إلخ. وهي تتوافق مع الأهداف التي بني على أساسها التنظيم التجاري متعدد الأطراف في ظل اتفاقيات الجات أولاً ثم المنظمة العالمية للتجارة منذ عام 1994 ثانياً، فإنها تتاجر بنسبة أكبر مع الدول غير الأفريقية وخاصة الدول المستعمرة لها سابقاً والصين. حيث تراوحت نسبة التجارة البينية ما بين 11% و14% خلال الفترة ما بين الأعوام 2008-2017، ثم ارتفعت لتصل إلى نحو 16.6% فقط من إجمالي تجارة أفريقيا حتى عام 2019. ولقد وصلت هذه النسبة إلى نحو %78 ما بين دول الاتحاد الأوروبي وإلى ما بين%25 و%30 في الدول الآسيوية. وتعد جنوب أفريقيا وحدها مصدر ما يقارب %35 من الصادرات البينية الأفريقية، وتستقبل نحو %15.5 من الواردات بين الدول[15]. بينما تتصدر الخامات والموارد الطبيعية سلة الصادرات الأفريقية للخارج، وهو ما يزيد في اختلال ميزان مدفوعات الدول الأفريقية، واعتمادها التجاري على الأسواق الخارجية.
وبهدف الوقوف على طبيعة الحواجز غير الجمركية في أفريقيا وحدودها وآثارها، نتناول فيما يلي موضوع آليات معالجة الحواجز غير الجمركية في ظل اتفاقية منطقة التجارة الحرة، وموضوع آثار الحواجز غير الجمركية على تكاليف تجارة السلع عبر الحدود الأفريقية.
3-1 الحواجز غير الجمركية في ظل اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية وآليات التعامل معها:
يعرّف بروتوكول منطقة التجارة الحرة الأفريقية، بشأن التجارة في السلع، الحواجز غير التعريفية بأنها “حواجز تعوق التجارة من خلال آليات أخرى غير فرض التعريفات الجمركية”. ويتعامل الملحق الـ (5) من هذا البروتوكول مع الحواجز غير التعريفية بالتفصيل، ويوفر آلية وتصنيف وإزالة الحواجز غير الجمركية داخل منطقة التجارة الحرة الأفريقية. وينص على الهياكل المؤسسية للقضاء على الحواجز غير الجمركية، والتصنيف العام للحواجز غير الجمركية، وأدوات الإبلاغ والرصد، وتسهيل حل الحواجز غير الجمركية المحددة.
ويمكن أن تتولد الحواجز غير الجمركية نتيجة للعديد من الأسباب، منها:
- عملية حظر الاستيراد أو حصص عامة أو خاصة بمنتجات محددة.
- قواعد منشأ معقدة/تمييزية.
- متطلبات جودة غير مبررة يفرضها البلد المستورد.
- وجود شروط صحية وشروط الصحة النباتية غير مبررة.
- وجود متطلبات تغليف وعلامة المنتج غير مبررة.
- تحديد أهلية البلد المصدِّر من قِبل البلد المستَورِد، وتحديد أهلية المؤسسة المستَورِدة من قِبل البلد المستَورِد.
- اشتراط مستندات مبالغ فيها.
- تراخيص الاستيراد وتطبيقاتها المقيدة للتجارة.
- الإعانات من الدولة، الإعانات من أجل التصدير.
- تصنيف أو تقييم جمركي غير مناسب للمنتج.
- نظم الاستيراد الموسمية وإجراءات جمركية تقييدية.
ويبين الجدول التالي فئات الحواجز غير الجمركية المُعترف بها في ظل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية حسب المادة الـ (3) من الملحق الخامس من بروتوكول إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية:
الجدول رقم (2): تصنيف الحواجز غير الجمركية حسب اتفاقية منطقة التبادل الحر القارية الأفريقية*
* معدة بواسطة الباحث
ولتعزيز حجم التجارة البينية الأفريقية فمن المطلوب معالجة القضايا والتحديات المرتبطة بالحواجز غير الجمركية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف أسهمت منظمة (UNCTAD) إلى جانب الاتحاد الأفريقي من خلال حملة “التجارة أسهل” (The trade easier) في الدعوة إلى التخفيف من هذه الحواجز، أو إزالتها عبر المنصة الإلكترونية (tradebarriers.africa) التي تعتبر آلية للإبلاغ عن الحواجز غير الجمركية، من أجل جعل التجارة الأفريقية أسهل وأقل تكلفة وذلك بمساعدة الشركات الأفريقية على الإبلاغ عن هذه الحواجز عبر شبكة الإنترنت، ودعم إزالتها بمساعدة الحكومات من خلال آلية تنسيق الحواجز غير الجمركية التي نص عليها بروتوكول اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية في السلع. وحتى الآن تم حل أكثر من 710 حواجز غير جمركية تم الإبلاغ عنها من بين 783 شكوى مسجلة.
3-2 تحليل الآثار الكلية للحواجز غير الجمركية على التجارة البينية الأفريقية:
يمكن أن يكون للحواجز غير الجمركية آثار معتبرة على التجارة في ظل عالم يتميز باندماج اقتصادي متزايد، وارتفاع حجم التدفقات التجارية والمالية، وبإنتاج جد معقد، وعابر للقارات في شكل سلسلة التوريد العالمية. ومجرد استعمال الحواجز غير الجمركية من أجل الحفاظ على المصالح الخاصة لكل بلد (تزايد ما يطلق عليه الوطنية الاقتصادية أو الحماية الجديدة) تكون عبارة عن لعبة يمكن لأي بلد الدخول فيها. فالحكومات التي تحاول في الوقت نفسه تطبيق الحواجز غير الجمركية، والانشغال بتحقيق الرفاهية المحلية يجب أن تأخذ في الاعتبار أنه يمكن للشركاء التجاريين تطبيق الحواجز نفسها ضده (المعاملة بالمثل).
وعند الحديث عن الحواجز غير الجمركية في أفريقيا، فنحن من دون شك أمام تشكيلة واسعة من الإجراءات والتدابير والتنظيمات الواسعة والمتنوعة، تختلف حسب البلدان وحسب المنتجات وتتغير باستمرار كما سبقت الإشارة إليها. ولقد أصبح اليوم من الصعب على مختلف الشركات وخاصة الصغيرة والمتوسطة الامتثال للعديد من التدابير غير التعريفية نظراً إلى تكلفتها الكبيرة أو لأنها أصبحت لا تستطيع أو عاجزة عن النفاذ والوصول إلى مصادر المعلومات، أو التمتع بالإمكانيات الضرورية لتطبيق الاشتراطات والمعايير وخاصة بالنسبة إلى المنتجات الزراعية والغذائية. ولهذه الأسباب، تستعد العديد من الشركات الأفريقية في ظل الانفتاح التجاري للتعامل مع الحواجز غير الجمركية، فالخبرة وحجم الشركة ونوع النشاط الذي تزاوله، وطبيعة المنتجات المستوردة تلعب دوراً مهماً.
وفيما يلي نوضح أهم تكاليف التجارة التي تعانيها الشركات وقطاع الأعمال والتجارة في أفريقيا وتمثل تحدياً أساسياً لمنطقة التبادل الحر الأفريقية:
أولاً- أوجه الضعف في بيئة الأعمال المرتبطة بالتجارة الخارجية الأفريقية:
يرجع ذلك بالأساس إلى مستوى جودة الحوكمة والبيئة التنظيمية التي تؤثر في نشاطات التجار والشركات في البلدان الأفريقية. ولهذا تستطيع بيئة الأعمال أن تمكّن أو تعطل التجارة الأفريقية. وتتمثل تحديات بيئة الأعمال الأفريقية في انعدام الأمن في الموانئ ما يعرض البضائع للسطو والسرقة أو التلف، وضعف البنية التحتية للنقل والفساد، وعدم وجود إجراءات إلكترونية عند التعامل مع المنتجات. كما أن مرافق التخزين التي تحتاجها الشركات في انتظار التخليص الجمركي غير موجودة أو سيئة التجهيز أو مكلفة للغاية. ويختلف الأداء اللوجستي من ميناء أفريقي إلى آخر، ومن بلد إلى آخر. وهو من العوامل الرئيسية في تدني أداء الخدمات اللوجستية المحلية الذي يقاس بمؤشر الأداء اللوجستي المحلي. ولا يقتصر هذا المؤشر على النظر في المنافذ مثل الموانئ، أو الحدود فقط، بل يتناول البيئة والقيود اللوجستية في البلد نفسه أيضاً. وهذا المؤشر مفيد لتحليل تكاليف النقل لأنه يبين الاختناقات في تدفق السلع عبر دولة ما، حتى إن كان يعتمد على تصورات المستخدمين وليس إلى أرقام واقعية[16]. ومن أهم عناصر الخدمات اللوجستية، نشير إلى أن توقيت تسليم البضائع يستغرق وقتاً طويلاً، بسبب عدم كفاءة تخليص البضائع عند الحدود، ما يؤدي إلى تأخير الإفراج النهائي عن الشحنات، وهذا ما يؤثر بدوره في تكلفة الشحن والمنتج النهائي.
ثانياً- تكاليف الامتثال للتدابير غير الجمركية في التجارة البينية الأفريقية:
ترتفع تكاليف الامتثال للتدابير غير الجمركية في الدول الأفريقية على الشركات الداخلة في التجارة البينية الأفريقية. ويرجع ذلك لكون نسبة كبيرة من الحواجز التي تواجهها الشركات الأفريقية تعتبر قيوداً ذات طابع إجرائي (راجع الجدول رقم (2)). مثل المشكلات المرتبطة بآجال الإجراءات المتصلة بالاستيراد والتصدير، والبنية التحتية غير الكافية، مع ارتفاع المدفوعات غير الرسمية، وغياب المعلومات. وفي ظل تراجع مستوى الشفافية وعدم وضوح الإجراءات أو عدم نشرها بشكل مناسب، ما يزيد من عدم كفاءة الإجراءات ويرفع من التكاليف التجارية من حيث الوقت والتكلفة، ويرفع التسيير اليدوي للوثائق الجمركية الوقت الإجمالي والعبء المالي للعمليات. ونشير إلى أن الأفارقة يتحدثون العديد من اللغات، ولذلك يجب الأخذ في الاعتبار التحديات اللغوية في أي نظام معالجة لمعلومات. وعلى سبيل المثال، قد يرغب سائق شاحنة من بلد أفريقي مثل تنزانيا يتحدث اللغة السواحلية في تقديم شكوى بشأن عدد المستندات المطلوبة عند تسليم سلعة معينة إلى موزمبيق، بعد ذلك يجب إرسال هذه الشكوى إلى المسؤولين الناطقين باللغة البرتغالية، مما يزيد من حاجز اللغة المحتمل.
وتجعل هذه الإجراءات التجارة عملية معقدة وخاصة بالنسبة إلى المؤسسات الصغيرة، لعدم قدرتها على الامتثال لهذه التدابير مقارنة مع المؤسسات الكبيرة، وكذلك تحمل تكاليف إضافية من أجل فهم عدد كبير من الاشتراطات والمتطلبات في مجال الصحة والسلامة، والاشتراطات المتعلقة بالمنتجات، والقيود التقنية، وإصدار شهادات المطابقة وغيرها من التدابير اللازمة لاستيراد السلع أو دخول الأسواق.
الجدول رقم (3): بعض القيود الإجرائية التي تواجه عمليات التجارة الأفريقية*
* معدة بواسطة الباحث
ثالثاً- الفوائد المتوقعة لإزالة الحواجز غير الجمركية بين دول القارة الأفريقية:
يشير التقرير الصادر في عام 2021 عن UCTAD حول “استعراض النقل البحري”[17] إلى أن مساهمة أفريقيا في التجارة العالمية للحاويات منخفضة نسبياً، حيث استحوذت موانئ الحاويات في أفريقيا على %3.9 من حركة موانئ الحاويات العالمية مقابل %14.9 في أوروبا. ويشير إلى أن أطول الأوقات في الموانئ بالنسبة إلى شحن الحاويات وتفريغها هي بشكل عام في أفريقيا خاصة (نيجيريا، السودان، وتنزانيا). يضاف إلى ذلك تدهور حالة الطرق وشبكات السكك الحديدية التي تربط العديد من البلدان الأفريقية والتي بناها المستعمرون، حيث تفتقر البلدان الأفريقية إلى الموارد المالية الضرورية لإصلاح البنية التحتية للنقل وتحديثها.
ووفقاً لتقرير صادر عن UNCTAD إذا أزيلت هذه الحواجز فيمكن للاقتصاد الأفريقي أن يجني نحو 20 مليار دولار أمريكي، وهي أكثر بكثير من 3.6 مليار دولار أمريكي التي يمكن أن يستردها من خلال إلغاء التعريفات الجمركية[18]. وتقدر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا (UNECA) أن منطقة التجارة الحرة لأفريقيا لديها القدرة على تعزيز التجارة بين البلدان الأفريقية بنحو %52.3 من خلال إلغاء رسوم الاستيراد، ويمكن أن تتضاعف التجارة إذا تم تخفيض الحواجز غير الجمركية. كما أنه يؤدي إلى زيادة التجارة البينية الأفريقية بنحو %33. وفي دراسة قامت بها اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإن نسبة زيادة في التجارة البينية ستتزايد بما نسبته %21.9 في عام 2022 مقارنة بعام الأساس 2010 في حالة تنفيذ إقامة منطقة التجارة الحرة القارية، وسوف تتراجع إلى %5.15 في حالة عدم التنفيذ. وتتوقع الدراسة نفسها نمواً في قطاع الصادرات الصناعية بنسبة تصل إلى %4.9[19]. وتشير دراسة قام بها البنك الدولي إلى أن اتفاق التجارة الحرة الأفريقية سيؤدي إلى زيادة حجم الصادرات البينية بنحو %81. وقد تزيد الصادرات بنحو %19 إلى الدول غير الأعضاء[20]. كما سيكون للاتفاقية آثار كبيرة على تحسين اللوجستيات والبنية التحتية للموانئ والخدمات المناسبة للنقل لدعم الربط البحري ما بين البلدان الأعضاء[21].
- ملاحظات ختامية ومقترحات لتعزيز التجارة البينية الأفريقية:
يعتبر تحليل تكاليف التجارة قضية رئيسية في التجارة الدولية بصفة عامة، والتجارة الأفريقية في ظل اتفاقية التبادل الحر الأفريقية بصفة خاصة. فهي تحدد القدرة التنافسية التي تقوم بدور أساسي في المشاركة في أنشطة التجارة الدولية. ومع التطورات المختلفة التي طرأت على قواعد التجارة الدولية الناجمة عن المفاوضات المتتالية حول الاتفاقيات التجارية على المستوى العالمي والإقليمي والثنائي، ونتيجة لانخفاض التعريفات الجمركية على التجارة الدولية إلى مستويات غير مسبوقة تاريخياً، كل ذلك جعل الحواجز غير الجمركية، مثل: اللوجستيات، والإجراءات الجمركية، هي العقبات الرئيسية أمام التجارة ما بين الدول الأفريقية. وفي هذا السياق، كلما كانت تكاليف المعاملات مرتفعة بين الدول الأعضاء تقلص الأثر الإيجابي لتحرير التجارة الخارجية بشكل كبير. فنجاح منطقة التبادل الأفريقية يجب عدم ربطه بمستوى التخفيض الجمركي، وتقليص مستوى الحماية الجمركية المفروضة على الشركات المعنية بالنشاط في الأسواق الأفريقية فقط، ولكن يتأثر كذلك، وبشكل أساسي، بتقليص كلفة هذه المعاملات التي تتعرض لها باستمرار عمليات الشركات الأفريقية في مجال الاستيراد أو التصدير.
وبناء على ذلك، يتركز مجال الإصلاح الحقيقي من أجل الدفع بالتجارة الأفريقية الحرة في العوامل التالية:
- تقليل القيود الإجرائية: مثل الاستثمار في تكوين الموظفين ورفع مستوى مهاراتهم، والاستثمار في البنية التحتية المخصصة لدعم التجارة، مع تبنّـي قواعد تسهيل التجارة التي تنص عليها الاتفاقيات التجارية الدولية. كذلك اعتماد الرقمنة وتقليص المستندات والحد من الإجراءات غير الضرورية وغير المطلوبة، ما سيسمح بخفض المدة اللازمة لإنهاء الإجراءات الجمركية وعددها ومستوى تعقدها، وبما يؤدي إلى إلغاء كل التكاليف الإضافية. ويمكن الاستفادة من أفضل الممارسات والتطبيقات العالمية في مجال تقليل القيود الإجرائية بين دول القارة الأفريقية.
- تبسيط إجراءات التخليص الجمركي والرقابة على الحدود: حيث تعتبر الإدارة الفعالة للمخاطر، والتخليص الجمركي غير الورقي والتحول الرقمي، وكذلك مراجعة التشريعات الجمركية وتحسين البنية التحتية الجمركية، وتبسيط إجراءات الجمارك باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الموارد البشرية، إلى جانب تطوير الأنشطة التدريبية المتاحة للموظفين، وضمان التدريب المستمر الذي يقدمه خبراء وطنيون أو دوليون متخصصون، مثلاً عن طريق التعاون مع منظمة الجمارك العالمية أو السلطات الجمركية في بلدان أخرى. ويعتبر توفير المعلومات المتعلقة بمتطلبات التجارة وشروطها وتحسين الشفافية أحد الأساليب التي تزيد من كفاءة الإجراءات والتقليل من التكاليف. ويمكن الاستفادة من تقنيات نشر المعلومات والتعامل مع العملاء بواسطة البوابات الإلكترونية، واعتماد نظام النافذة الموحدة، من أجل تبسيط الإجراءات وتقليل الوقت. وتحسين التنسيق بين السلطات التنظيمية (البنوك، الجمارك، النقل، إلخ).
- تحسين بيئة الأعمال وتهيئتها: من خلال معالجة قضايا البيئة التجارية على نطاق أوسع، والخدمات المتعلقة بالتجارة وتحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية على مستوى الموانئ والنقل، ومواقع الفحص والتفتيش وعمليات التخليص الجمركي، وتسريع عملية الإفراج عن السلع من أجل القضاء على تكدس البضائع الذي يحدث في الموانئ.
على مستوى العمل الجماعي، فيمكن العمل على تنسيق أو تجانس معايير التجارة[22]: ويكون المعيار متجانساً إذا كان متوافقاً مع معيار دولي منشور من طرف العديد من المنظمات مثل المنظمة الدولية للمقاييس (ISO). أو إذا كان مشتركاً ما بين مجموعة من البلدان. وقد لاحظ Moenius (2004) أن المعايير المشتركة لها أثر إيجابي ومعتبر على التجارة الثنائية[23]، وأكد كل من Clougherty & Grajek (2008) أن المطابقة مع المعيار ISO 9000 في الدول النامية أدى إلى رفع حجم الصادرات نحو الدول المتقدمة. كما لاحظ كل من Vancauter & Werserbs (2005) أن
المراجع
[1] OMC. (2012). Rapport sur le commerce mondial : commerce et politiques publiques, gros plan sur les mesures non tarifaires au XXIe siècle, p.39.
[2] الأونكتاد (2019)، تعزيز القيمة المضافة وتحسين القدرة الإنتاجية المحلية عن طريق التمكين الاقتصادي المحلي، مجلس التجارة والتنمية، لجنة التجارة والتنمية، ص 7.
[3] غنيم، أحمد فاروق (2004). تحرير التجارة، مركز المشروعات الدولية الخاصة، ص 6.
[4] Sandrey, R., Smit, L., Fundira, T. and Edinger, H. (2008). Non-tariff measures inhibiting South African exports to china and India. Tralac Working Paper No6/2008.
[5] OMC, (2012), « Rapport sur le commerce mondial : commerce et politiques publiques, gros plan sur les mesures non tarifaires au XXIé siecle »., p.38.
[6] الأونكتاد (2012). مجلس التجارة والتنمية، تطور النظام التجاري الدولي وتوجهاته من منظور إنمائي، ص 15-16.
[7] Baldwin, E.R., (1989). Measuring nontariff trade policies. Working Paper No.2978, National Bureau of economic research, 1050 Massachusetts Avenue, Cambridge, MA02138.
[8] Deardorff, A.V, & Stern, R.M. (1997). Measurement of Non-Tariff Barriers. OECD Economics Department-Working Papers No.179-OECD Publishing, (179), 118. http://doi.org/10.1787/568705648470.
[9] Carrère, C., De Melo, J. & Wilson, J. (2011), « The distance puzzle and Low-income Countries : An Update », Working Paper/30, Fondation pour les études et recherché sur le développement international, Clermont Ferrand, France.
[10] CNUCED, (2005), « Rapport de la réunion d’experts sur les obstacles non tarifaires : méthodes, classification, quantification et incidences sur le développement », septembre 2005.
[11] Aaditya Matoo; Pierre Sauvé. (2003), Domestic regulation and Service Trade Liberalization, World Trade Review, World Bank and Oxford University Press, p.236.
[12] مركز التجارة الدولي (2018). تفعيل التكامل الإقليمي: وجهة نظر الشركات حول التدابير غير التعريفية في الدول العربية، جنيف، ص16.
[13] CNUCED (2005), Obstacles non tarifaires : Méthodes, classifications, quantifications et incidences sur le développement.
[14] Evilla Secmieg, (March, 2020), The African continental free trade Area, German institute for international and security affairs, N°1, 5. www.swp-berlin.org/publications/products/comments/2020C10_Africa_FTA.pdf.
[15] William W. Olney, (2020), Intra-Africa Trade, Williams College, October 21, 2020, 11, https://web.williams.edu/Economics/wp/Olney_African_Trade062020.pdf.
[16] الإسكوا، (2019)، تكاليف التجارة والنقل في المنطقة العربية، ص 26.
[17] UNCTAD, (2021), Review of maritime transport 2021. https://unctad.org/system/files/official-document/rmt2021_en_0.pdf
[18] David Vanzetti, Ralf Peters and Christian Knebel, (2017), non-Tariff measures: lifting CFTA and ACP trade to the next level, UNCTAD Research Paper N°.14. https://unctad.org/system/files/official-document/ser-rp-2017d14_en.pdf.
[19] UNCTAD, (2016), African free trade area: Policy and negotiation for trade in goods, United Nations, https://unctad.org/system/files/official-document/webditc2016d7_en.pdf.
[20] World Bank Group, (2020), The African Continental Free Trade Area Economic and Distributional Effects.
[21] لمزيد من الدراسات المرجعية حول آثار اتفاقية التبادل الحرة الأفريقية على التجارة، يمكن الرجوع إلى:
- Abrego, Lisandro, Maria Alejandra Amado, Tunc Gursoy, Garth Nicholls, and Hector Perez-Saiz. 2019. “The African Continental Free Trade Agreement: Welfare Gains Estimates from a General Equilibrium Model.” https://www.imf.org/en/Publications/WP/Issues/2019/06/07/The-African -Continental-Free-Trade-Agreement-Welfare-Gains-Estimates-from-a-General-46881.
- ADB (African Development Bank). 2019. African Economic Outlook 2019. Abidjan, Côte d’Ivoire: ADB.
- Jensen, Has Grinsted, and Ron Sandrey. 2015. The Continental Free Trade Area: A GTAP Assessment. South Africa: Trade Law Centre.
- Mevel, Simon, and Stephen Karingi. 2012. “Deepening Regional Integration in Africa: A Computer General Equilibrium Assessment of the Establishment of a Continental Free Trade Area Followed by a Continental Customs Union.” United Nations Economic Commission for Africa, Addis Ababa, Ethiopia.
- Saygili, Mesut, Ralf Peters, and Christian Knebel. 2018. “African Continental Free Trade Area: Challenges and Opportunities of Tariff Reductions.” Research Paper No. 15, United Nations Conference on Trade and Development (UNCTAD), Geneva, Switzerland.
[22] من بين أهم الدراسات المرجعية في هذا المجال:
Julia SCHMIDT, 2020. The trade-enhancing impact of product standard harmonisation [L’impact positif de l’harmonisation des normes de produits sur le commerce international],” Bulletin de la Banque de France, Banque de France, issue 228. Available from: publications.banque-france.fr/sites/default/files/medias/documents/820083_bdf228-2_trade_enhancing_vfinale.pdf.
[23] Moenius, J. (2004), «Information versus Product Adaptation: The Role of Standards in Trade », International Business and Markets Research Centre Working Paper, Kellogg School of Management, North-western University.