تتوقف هذه الورقة البحثية عند الخطوط العريضة لتعامل الدول المغاربية مع ثورة الذكاء الاصطناعي، مادام هذا الأخير -إلى جانب مجمل التطبيقات الرقمية- يتجه إلى أن يحتل الريادة في تسيير وتنظيم مختلف مناحي الحياة البشرية.
ولهذا نشهد اليوم اعتماد الحكومات والشركات العالمية الكبرى على تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين مستوى خدماتها، وتطوير مستويات المردودية والإنتاج، وتسهيل الولوج إلى المعلومة، وتعزيز البنية التحتية لمختلف المرافق العمومية والخاصة على حد سواء. بل إن التحولات المفصلية التي طرأت على بنية المجتمعات الإنسانية في العقود الأخيرة، تبدو كما لو أنها جاءت كنتيجة حتمية للثورة الرقمية التي شهدها العالم منذ أن قرر الإنسان الاستعانة بالآلة، خاصة أن التكنولوجيا الرقمية أصبحت من أبرز الميكانيزمات المعاصرة، التي يعوَّل عليها في تدبير الشأن العام، والدفع بعجلة الإنتاج، وتحفيز التنمية المستدامة.
تتفرع محاور التقرير على العناوين التالية:
1 ــ التفاعل المغاربي مع الذكاء الاصطناعي.. أرضية أولية
2 ــ المغرب.. ريادة مغاربية في استثمار الذكاء الاصطناعي
3 ــ الجزائر.. البلد القارة وتحديات الذكاء الاصطناعي
4 ــ تونس.. مساحة جغرافية صغيرة وأحلام رقمية كبيرة
5 ــ الذكاء الاصطناعي مغاربيًا.. خلاصات أولية
وقبل استعراض أهم هذه المعالم، لابد أن نقف بضع وقفات مع تعريفات تهم الذكاء الاصطناعي؛ إذ يشير هذا المصطلح بشكل عام إلى سلسلة الخوارزميات القادرة على محاكاة الذكاء البشري؛ مثل التعلم، والتفكير الواعي، والقدرة على الإدراك المتمثلة في الملاحظة والتحليل والاستنتاج والتفاعل مع البيئة المحيطة وحل المشكلات.
والهدف من الذكاء الاصطناعي هو تطوير آليات وبرمجيات قادرة على تحليل البيانات وتفسيرها والاستدلال منها، والتعلم بشكل مستقل والتحسن بمرور الوقت، ومن بين أشهر التعريفات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، أنه يهدف إلى فهم طبيعة الذكاء الإنساني عن طريق عمل برامج للحاسب الآلي قادرة على محاكاة السلوك الإنساني المتسم بالذكاء، وتعني قدرة برنامج الحاسب على حل مسألة مّا، أو اتخاذ قرار في موقف مّا، وأن هذا البرنامج يجد الطريقة التي يجب أن تُتّبع لحل المسألة، أو التوصل إلى القرار بالرجوع إلى العديد من العمليات الاستدلالية المتنوعة، التي غُذّي بها. ويُعدُّ علم الذكاء الاصطناعي نقطة تحول مهمة تتعدى ما هو معروف باسم “تقنية المعلومات” التي تتم فيها العمليات الاستدلالية عن طريق الإنسان، وتنحصر أسباب استخدام الحاسب هنا في سرعته الفائقة، كما يهتم علم الذكاء الاصطناعي بالعمليات المعرفية التي يستخدمها الإنسان في تأدية الأعمال التي نعدها ذكية.
تختلف هذه الأعمال اختلافًا بيّنًا في طبيعتها، بحيث قد تكون مجسدة- على سبيل المثال- في فهم نص لغوي منطوق أو مكتوب، أو مجسدة أيضًا في لعبة الشطرنج، أو حل لغز، أو مسألة رياضية، أو كتابة قصيدة شعرية، أو القيام بتشخيص طبي، أو الاستدلال عن طريق الانتقال من مكان إلى آخر.
وبخصوص رواد هذه الثورة في بداياتها الأولى، فالمعلوم أن جون مكارثي يُعتبر أول من صاغ مصطلح “الذكاء الاصطناعي”، وذلك في عام 1956 على هامش أشغال مؤتمر دارتموث، الذي نظمه أربعة باحثين أمريكيين وهم: جون مكارثي، ومارفن مينسكي، وناثانييل روتشستر، وكلود شانون. وقد كان موقف أغلب المؤسسين في هذا المجال أنه يمكن وصف مظاهر الذكاء البشري بدقة شديدة تمكّن الإنسان من تصميم آلة تحاكيها وتطوير تقنيات جديدة مثل التعلم العميق واختراع الحاسوب الشخصي، كما أصبحت الأنظمة الخبيرة شهيرة في هذه المرحلة؛ لأنها تقوم بمحاكاة عملية اتخاذ القرار مثل الخبراء المتخصصين، خاصة أن الذكاء الاصطناعي يحاكي وظائف وقدرات البشر، وبالتالي يسعى دائمًا إلى تسهيل أداء مختلف المهام والوظائف والرفع من جودتها في مختلف المجالات.
وبخصوص أصناف الذكاء الاصطناعي، هناك من يتحدث عن ثلاثة منها، مقابل تيار آخر يتحدث عن صنفين اثنين: الذكاء الاصطناعي الضعيف والذكاء الاصطناعي القوي. وقد صُمِّمَ الذكاء الاصطناعي الضعيف لأداء مهام محددة، وهو يفتقر إلى الفهم الشامل أو الوعي الذاتي، حيث يعتمد في بنيته الرقمية على خوارزميات أقل تعقيدًا يَسْهُل التنبؤ بنتائجها. من ناحية أخرى، نجد أن الذكاء الاصطناعي القوي هو شكل افتراضي للذكاء الاصطناعي الذي يمتلك وعيًا ذاتيًا وفهمًا كونيًّا؛ ما يمنحه القدرة على التفكير والتصرف بطريقة مماثلة للإنسان، بل قد يتفوق هذا النوع من الذكاء “نظريًّا” على العديد من المعضلات الأخلاقية، مثل التنافر المعرفي أو الانحياز المعرفي. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي القوي غير متوافر حتى الآن، ويظل مشروعًا استشرافيًّا، يعمل الباحثون على تحقيقه في المستقبل.
لقد أسهم تَغَوُّل العوالم الرقمية وسيطرتها على مختلف مناحي الحياة البشرية في إثارة قضايا أخلاقية ورفع تحديات أمنية؛ من أجل الحفاظ على صحة المعلومات، وحماية سلامة الأفراد من أي تهديد قد يشكله الذكاء الاصطناعي.
ففي عام 2023، وقّع مئات الخبراء، أبرزهم إيلون ماسك، على عريضة تدعو إلى وقف البحث في مجال الذكاء الاصطناعي لمدة ستة أشهر. وخاصة فيما يتعلق ببرنامج GPT-4، الذي طورته شركة OpenAI، حيث يعتقد المتخصصون أنه يشكل مخاطر كبيرة على البشرية. ودعا الموقّعون على العريضة إلى إنشاء أنظمة أمان وسلطات تنظيمية جديدة متخصصة، بالإضافة إلى مراقبة أنظمة الذكاء الاصطناعي والمؤسسات القادرة على إدارة الاضطراب الاقتصادي والسياسي الهائل، الذي يمكن أن تسببه هذه التقنيات الحديثة.
1 ــ التفاعل المغاربي مع الذكاء الاصطناعي.. أرضية أولية
موازاة مع الفَوْرة العالمية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وعنوانه المنافسة الكبيرة القائمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، نعاين تفاعلًا عربيًا، تقوده في المشرق والخليج العربي دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بينما تقوده في المغرب العربي المملكة المغربية.
يهمنا في هذا التقرير التوقف عند معالم التفاعل المغاربي مع ثورة الذكاء الاصطناعي، في شقه الحكومي بالتحديد، وليس في الشق المعنيّ بالقطاع الخاص، أو الذي يهم أداء النخبة البحثية، وإن كنا نعاين تميزًا لهذه الأخيرة خلال السنوات الأخيرة، من خلال صدور أعمال بحثية حول هذا الموضوع، يتقدمها ما يصدر عن الثنائي فاطمة رومات بالإنجليزية، ويحيى اليحياوي بالفرنسية. وهي أعمال صدرت في الخارج وليس في الداخل.
يكفي أن الكتاب الأخير لفاطمة رومات، الخبيرة الدولية في الذكاء الاصطناعي، بعنوان “الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي والبحث العلمي”، اختير في مجال الكتب البحثية حول الذكاء الاصطناعي ضمن أفضل عشرين كتابًا في العالم، من طرف موقع BookAuthority الرائد عالميًا في تصنيف الكتب، والمتخصص في تقديم توصيات وتقييمات حول أفضل الكتب المنشورة في المجالات البحثية كافة، ضمن نماذج بحثية أخرى.
بخصوص تفاعل حكومات الدول المغاربية مع الذكاء الاصطناعي، فإن ما نعاينه أن هذه الحكومات الخمس، وإن كنا سوف نتوقف عند ثلاث منها بالتحديد، تروم اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الخدمات الحكومية الذكية، ورقمنة الأرشيفات الإدارية، وتنمية الصناعات الوطنية، وتطوير التعليم، وتعزيز قطاع الرعاية الصحية، وتحسين الخدمات الأمنية والمراقبة.
وليس هذا وحسب، فقد اتضح أن هذه الحكومات تستعين بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتدقيق أرقام الإحصائيات. كما يتم الاعتماد على الرقمنة الذكية في تحسين الخدمات اللوجستية في القطاع العام؛ مثل أنظمة النقل البري، والملاحة الجوية، وتنظيم حركة الموانئ.
وسبق أن أشرنا إلى أننا سوف نتوقف عند تفاعل ثلاث حكومات مغاربية، هي المغرب والجزائر وتونس، وليس الحكومات الخمس، أي مع إضافة الحالة الليبية والحالة الموريتانية، ومرد ذلك غياب المعطيات حول تفاعل المؤسسات الليبية والموريتانية من جهة، وتواضع تفاعلها أساسًا مع الموضوع، وكأنها خارج التسابق، إن صح الحديث عن تسابق رقمي مغاربي.
والأمر نفسه بخصوص التواضع الكبير في تفاعل حكومات دول الساحل مع الثورة الرقمية، وفي مقدمتها ثورة الذكاء الاصطناعي، وكان ممكنًا إضافة بعض الإشارات حول الموضوع في هذه الورقة، لكن الفوارق الكبيرة، لا تسمح بعقد مقارنات بالمرة، وإن كنا نعاين بعض المبادرات في الموضوع، مما يتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي في هذه الدول مؤخرًا، إما في سياق التفاعل مع التحديات البيئية، أو في إطار مواجهة الجماعات الإسلامية الجهادية؛ لذلك ارتأينا أن نترك الخوض في أداء دول الساحل بخصوص التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، إلى تقرير مغاير خاص بها حصرًا.
نتطرق في هذا التقرير البحثي إلى التحديات التي تواجه حكومات دول المغرب العربي ودول الساحل فيما يتعلق بتحديث ورقمنة البنيات التحتية بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف استطاعت دول مثل المغرب وتونس والجزائر المضيَّ قدمًا في تطوير مجالات البحث العلمي والتنمية الرقمية؟ وما هي الصعوبات التي لاتزال تواجه باقي دول المنطقة في هذا الاتجاه؟ وما هي سبل تحقيق نهضة تكنولوجية شاملة من أجل الالتحاق بركب الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب وقفات عند القطاعات الحكومية في الدول المغاربية، التي استفادت من الرقمنة؛ مثل الإدارات العمومية، والمحاكم، وأنظمة الملاحة، وقطاعي الصحة والتعليم، ومكافحة الجريمة، بما يتطلب وقفات مع أداء مؤسسات الدول المغاربية الثلاث سالفة الذكر.
2 ــ المغرب.. ريادة مغاربية في استثمار الذكاء الاصطناعي
شهد المغرب تطورًا ملحوظًا في العقود الأخيرة فيما يتعلق برقمنة وتحديث الإدارات العمومية، لكن “النهضة الرقمية” الحقيقية في المغرب جاءت مباشرة بعد جائحة كوفيد-19، حيث لجأ العالم إلى الاعتماد على مختلف التطبيقات الرقمية لتسهيل المعاملات الإدارية، وتمكين المواطنين من الولوج إلى مختلف الخدمات التعليمية والقضائية والأمنية. وقد قطع المغرب أشواطًا مهمة فيما أصبح يُعرف بالإدارة الإلكترونية.
ولتحديد مفهوم الإدارة الإلكترونية، من اللازم الحديث والتطرق إلى تعريفها وخصائصها وأبعادها ومقوماتها وأهميتها وفوائدها.
الإدارة الإلكترونية عبارة عن سلسلة عمليات إدارية قائمة على الخصائص المتميزة التي توفرها شبكات الإنترنت في بلورة الأعمال والتخطيط الممنهَج والتوجيه وممارسة الرقابة على الموارد والقدرات الجوهرية للمؤسسات وللآخرين بدون حدود، من أجل تحقيق أهداف المؤسسة. إنها عملية تنفيذ الأعمال والمعاملات التي تتم بين طرفين أو أكثر سواء من الأفراد أو المؤسسات، من خلال استخدام شبكات الاتصالات الإلكترونية، وقد عرّفتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية على أنها “استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ولاسيما الإنترنت، من أجل تحسين إدارة المرافق العامة”.
وانخرطت العديد من التجارب الحكومية، ومنها التجربة المغربية، في تطبيق الخدمات العامة الإلكترونية؛ بهدف تحقيق مفاهيم تمثل في مضامينها مرتكزات للحكم الراشد؛ وهي: الشفافية، والرقابة، والمحاسبة، وروح المسؤولية، ودولة الحق والقانون، وسرعة الاستجابة للخدمات العامة. وجاءت أولى محطات التفاعل الحكومي المغربي مع الإدارة الإلكترونية ابتداءً من سنة 2013 مع إطلاق “مخطط المغرب الرقمي”.
وتنعكس الخدمات العمومية وفعّاليتها على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وهكذا فقد أصبح من الأهمية بمكان تقديم هذه الخدمات بشكل مندمج وشفاف ومتواصل وفعّال؛ وذلك مواكبة لتحويل المجتمع المغربي إلى مجتمع المعلومات بفضل تكنولوجيا المعلومات، وطبقًا لحاجات ورغبات المواطنين والمقاولات.
سجل مخطط المغرب الرقمي تقريب الإدارة من المتعاملين معها ضمن الأولويات الأربع لهذا المخطط، وقد تُرجمت هذه الأولويات من خلال برنامج واسع يحمل عنوان “الحكومة الإلكترونية”، ويضم 89 مشروعًا وخدمة، وذلك تحت مسؤولية مختلف الهيئات والإدارة؛ من أجل استثمار إجمالي يفوق المليار درهم مغربي، (حوالي مئة مليون دولار أمريكي).
وتقع أحداث حياة المواطنين والمقاولات في صميم انشغالات برنامج الحكومة الإلكترونية، ويتجلى الهدف في توفير خدمات ذات جودة عالية للمرتفقين مع تمكينهم من تقليص الكُلفة والآجال، فضلًا عن ضمان قدر كبير من الشفافية، بما يتطلب التدقيق في أهم الخدمات الإلكترونية؛ وهي: الخدمات المرتبطة بالحالة المدنية، بطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، جواز السفر الرقمي، رخصة السياقة، القنصلية الإلكترونية أو بوابة الخدمات القنصلية، التعليم الإلكتروني، خدمة التصريح بالضريبة على الدخل، التسجيل بالمؤسسات الجامعية عبر الخط، خدمة أداء الرسوم المحلية عبر الخط، ضمن خدمات أخرى[1].
وقد حتَّمت الظروف الاستثنائية لجائحة كوفيد-19، مع ما ترتب عليها من قيود فيما يخص الحرص على التباعد وحماية الموظفين والمرتفقين، انتقالًا جليًا نحو رقمنة المرافق العمومية كنمط عمل أثبت نجاعته على أكثر من صعيد. وفي هذا السياق أطلقت وكالة التنمية الرقمية في إطار برنامجها E-GO عددًا من مشاريع تجريد المساطر والإجراءات الإدارية من الطابع المادي في أفق إضافة سلاسة أكبر على الخدمات الإدارية، حيث أعطت الوكالة الأولوية لإطلاق مبادرات رقمية جديدة مع الحرص على ملاءمة الحلول المعمول بها.
عرفت سنة 2020 إطلاق المشاريع التالية حسب تقرير مشروع قانون المالية لسنة 2021 المقدم من طرف الحكومة للبرلمان، إطلاق المشاريع الرقمية التالية:
- مكتب الضبط الرقمي: يروم هذا المشروع إحداث مكاتب ضبط رقمية لفائدة الإدارات والهيئات العمومية، حيث بلغ عدد الإدارات والهيئات العمومية المستفيدة 828 إدارة وهيئة.
- الحامل الإلكتروني: تسمح هذه الخدمة بتجريد معالجة تدفق المراسلات داخل الإدارة من الطابع المادي. ومنذ انطلق العمل بهذه الآلية، بلغ عدد الإدارات والهيئات العمومية المستفيدة من هذه الخدمة خلال الأشهر الخمسة الأولى من تفعيلها 200 إدارة.
- الاستقبال عن بُعد: تسمح هذه الخدمة للمواطن بأخذ المواعيد للاستفادة من الخدمات المقدمة من طرف الإدارة العمومية، وذلك بالتواصل عبر تقنية الفيديو مع المكلفين بالإرشادات والاستشارات، وقد استفادت عدة إدارات من هذه الخدمة، حيث تم تسجيل معدل 20 موعدًا في اليوم.
- التسجيل عن بُعد: وتروم هذه الخدمة تمكين الطلبة عبر منصة رقمية من القيام بعمليات التسجيل عن بُعد.
- المركز التفاعلي الرقمي: يروم مشروع إحداث هذا المركز إنشاء أكاديمية مبتكرة في مجال الواقع الافتراضي والمدمج بالمغرب، تطمح بأن تتبوأ مركزًا محوريًّا في سوق شمال أفريقيا، وأن تعمل على تطوير حلول لنقل المعارف في مجال تكنولوجيا الواقع الافتراضي المدمج، موجهة لبرامج التعليم الأكاديمي والتكوين المهني، بغية المساهمة في تطوير الكفاءات الضرورية للصناعة وتوسيع مجال الاقتصاد الرقمي على المستويين الوطني والجهوي.
وفي تقرير مؤشر المدن الذكية للعام 2023، قام المعهد الدولي للتنمية الإدارية بتقييم استخدام البلديات في 118 دولة حول العالم للتطورات التكنولوجية الجديدة، وعلى وجه الخصوص استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز التطبيب عن بُعد، والتنقل الإلكتروني، والاقتصاد الرقمي، والتحوُّل البيئي والاتصال الرقمي، من خلال استجواب ما لا يقل عن 20 ألف مواطن حول الحياة في مدنهم فيما يتعلق بالأولويات التي يعتبرونها الأكثر إلحاحًا. ولقد حظيت العاصمة الرباط بالثناء؛ لأنها شهدت أيضًا عددًا من التحسينات فيما يتعلق بالصحة والسلامة.
كما أن توفير الخدمات الطبية مُرضٍ، وتحسَّن حجز المواعيد الطبية عبر الإنترنت. وقد حسَّنت خدمة “الواي فاي” العامة المجانية من الوصول إلى خدمات المدينة. ويتيح الإبلاغ عن مشاكل الصيانة في المدينة عبر الإنترنت إمكانية حلها بسرعة. كما أن السلامة العامة لا تمثل مشكلة هنا أيضًا، حيث جعلت كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة السكان يشعرون بمزيد من الأمان، وقد أدى التقدم في مجال الصحة العامة والرعاية الطبية إلى تحسين نتائج الحمل والولادة، إذ انخفضت بمرور الوقت معدلات المؤشرات الصحية في الفترة المحيطة بالولادة؛ مثل وفيات الأمهات، ووفيات الأجنة وحديثي الولادة والرضع، وانخفاض الوزن عند الولادة والولادات المبكرة.
وعمومًا، فإن انكبابَ المؤسسات المغربية الرسمية- بمختلف أنواعها- على دراسة موضوع الذكاء الاصطناعي يعكس رغبة جامحة لدى المملكة في استدراك ما يمكن استدراكه، واللحاق بركب الدول التي حققت تقدمًا مهمًّا في هذا المجال، والسير على خطاها في استثمار الفرص الكبيرة التي تتيحها التقنيات الجديدة.[2]
وبالرغم من ذلك، فلاتزال هذه المؤشرات تمثل مشكلة صحية عامة، ويوفر الذكاء الاصطناعي أساليب استشرافية جديدة فيما يتعلق بالتشخيص والكشف المبكر ورصد الصحة في الفترة المحيطة بالولادة للباحثين الذين يحاولون تتبع صحة الأم والطفل، وللأطباء الذين يعتنون بالحوامل والرضع، وفي هذا السياق تسعى العديد من الشركات المغربية الناشئة المتخصصة في خدمات الذكاء الاصطناعي للإسهام في تطوير قطاع الصحة الإنجابية.
3 ــ الجزائر.. البلد القارة وتحديات الذكاء الاصطناعي
يكتسب الذكاء الاصطناعي في الجزائر زخمًا متزايدًا، خاصة في قطاعات مثل الرعاية الصحية والمالية والنقل. وقد أبدت الحكومة اهتمامًا بتعزيز الذكاء الاصطناعي من خلال المبادرات والاستثمارات. ومع ذلك، لاتزال هناك تحديات مثل محدودية البنية التحتية والخبرة التي يجب معالجتها لكي يصل الذكاء الاصطناعي إلى أقصى إمكاناته في الجزائر. وتعمل الحكومة الجزائرية بشكل متزايد على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات مثل الرعاية الصحية والزراعة والنقل لتعزيز الكفاءة وتقديم الخدمات. وتتراوح تطبيقات الذكاء الاصطناعي من تحسين تخصيص الموارد إلى تحسين خدمات المواطنين وإدارة البنية التحتية. ومع ذلك، فمن المهم التأكد من أن نشر الذكاء الاصطناعي يتماشى مع المبادئ التوجيهية الأخلاقية، ويلبي الاحتياجات والاهتمامات المحلية. وفي هذا السياق، أعلنت الجزائر سنة 2021 عن سياستها الاستراتيجية الوطنية الأولى للبحث والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، والتي تهدف إلى بناء مجتمع الابتكار والاستثمار في جيل من المواطنين ذوي المهارات الرقمية المتطورة.
تشمل الاستراتيجية الجزائرية كذلك دعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل الابتكار، حيث يقترح الفاعلون الحكوميون والمختصون في مجالات التكنولوجيا الرقمية ضرورة الإسراع إلى عملية إدماج تكنولوجيا المعلومات في المجتمع. وينطبق الأمر نفسه على إدخال التكنولوجيا الرقمية في مختلف القطاعات؛ وذلك نظرًا لرداءة الحظيرة المعلوماتية الحالية والتأخر عن إدخال التكنولوجيا الرقمية في المجتمع، إلى جانب الغياب التام لثقافة الذكاء الاصطناعي في المجتمع الجزائري، وخاصة في الجامعة.
ثمة دعوات جزائرية لباحثين إلى ضرورة مشاركة وسائل الإعلام في تعميم الذكاء الاصطناعي بالمدارس الثانوية والوظيفة العمومية والقطاع الخاص، مع الأخذ في الاعتبار أهمية إنشاء محطات عمل ومراكز رقمية عالية الأداء وشبكات إنترنت سريعة. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر احتلت المرتبة 118 من بين 172 دولة في مؤشر الجاهزية للذكاء الاصطناعي للعام 2020، ومن بين 10 دول عربية أفريقية، احتلت الجزائر المرتبة الرابعة بعد مصر (56) وتونس (69) والمغرب (99)[3].
يقيس المؤشر، الذي أصدرته شركة الاستشارات العالمية “أكسفورد إنسايتس” ومركز بحوث التنمية الدولية، مدى استعداد الحكومات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال تقييم الحوكمة والبنية التحتية والبيانات والمهارات والتعليم والخدمات الحكومية والعامة.
تسعى الحكومة الجزائرية لإشراك الجامعات في استراتيجية الرقمنة الشاملة التي تطمح إليها في أفق العشرية القادمة، وفي هذا السياق يرى باحثون أن دور الجامعات أساسي في إصلاح البرامج والمحتوى، وإطلاق مشاريع بحثية جديدة متعددة التخصصات يحتل فيها الذكاء الاصطناعي مكانًا مهيمنًا، بما يتطلب من الجامعات الجزائرية وضع أهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل؛ لإضفاء الطابع الديمقراطي على الذكاء الاصطناعي من خلال إدخال تقنيات متقدمة، بما في ذلك التعلُّم العميق، والتنقيب عن البيانات، والرؤية الحاسوبية، وفهم الصور، إلى جانب الكشف عن الأخبار المزيفة في جميع القطاعات الرئيسية تقريبًا، بما في ذلك القطاعان الاجتماعي والاقتصادي.
4 ــ تونس.. مساحة جغرافية صغيرة وأحلام رقمية كبيرة
تقدم تونس مثالًا ساطعًا على أن تبني الذكاء الاصطناعي يوفر فرصًا فريدةً لتحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز خلق فرص العمل. ومن خلال مبادراتها العديدة التي تهدف إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لصالح البلاد، فإنها تستثمر بقوة في تطوير مستقبل مزدهر ومتقدم تكنولوجيًا لمواطنيها.
لقد برزت تونس كدولة رائدة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي وتبنّيه، حيث سخَّرت إمكانات الذكاء الاصطناعي كعامل تمكين للنمو الاقتصادي ودمجه في مختلف جوانب اقتصاد البلاد. ومع وجود ما يقرب من 10 ملايين مستخدم للإنترنت وهو ما يمثل نسبة انتشار للإنترنت تقارب 80%، فإن النضج الرقمي في البلاد يضعها في موقع قوي عندما يتعلق الأمر بتبني التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي[4].
وبفضل التزامها القوي بالتعليم والابتكار وريادة الأعمال، تستفيد تونس بالفعل من الذكاء الاصطناعي لتعزيز مختلف القطاعات الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، من الحلول الزراعية التي تعمل على تحسين أنظمة الري، إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير بدائل مستدامة للأعلاف الحيوانية، فإن صناعة التكنولوجيا الزراعية تخطو خطوات كبيرة. كما تعمل شركات التكنولوجيا على إتاحة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمستخدمين في البلاد، بينما تعمل منصات الحجز عبر الإنترنت على تحسين تجربة السائحين.
وتعمل الحكومة التونسية بنشاط على تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات؛ مثل: الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، ومراكز الابتكار مثل حديقة الغزالة التكنولوجية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين الأوساط الأكاديمية والصناعية والشركات الناشئة، ومبادرات التدريب والتعليم التي تزود القوى العاملة بالمهارات اللازمة.
إضافة إلى ذلك، تستضيف الدولة وتشارك بنشاط في الفعاليات التي تهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المبتكرة. فعلى سبيل المثال، يشهد عام 2024 النسخة الثامنة من قمة تونس الرقمية، التي تناقش اتجاهات التكنولوجيا الرقمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، مع قادة الصناعة وصنّاع السياسات وروّاد الأعمال. وبالمثل، يشجع “هاكاثون تونس” المشاركين على تطوير حلول مبتكرة للذكاء الاصطناعي لمشاكل العالم الحقيقي.
5 ــ الذكاء الاصطناعي مغاربيًّا.. خلاصات أولية
بعد هذه الوقفات مع تفاعل الدول المغاربية مع ثورة الذكاء الاصطناعي، نخلص إلى مجموعة خلاصات، نوردها في النقاط التالية:
- لم تخرج الحكومات المغاربية عن تفاعل أغلب الحكومات في العالم مع هذه الثورة الرقمية؛ أي ضرورة الانخراط والتوظيف والاستثمار، بحكم الآفاق العملية الكبيرة التي توفرها تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تدبير عدة مجالات وقطاعات حيوية تهم الدولة والمجتمع في آن معًا.
- جاء تفاعل أغلب الحكومات المغاربية متأخرًا، مقارنة بالسبق العالمي الذي يقوده الثنائي الصيني الأمريكي، وجاء متأخرًا نسبيًا، مقارنة بتفاعل بعض الدول الخليجية، وخاصة الثنائي الإماراتي السعودي.
- توجد أهم التفاعلات الحكومية المغاربية مع الذكاء الاصطناعي في الثلاثي المغرب وتونس والجزائر، مقابل غياب كبير لتفاعل الحكومتين الليبية والموريتانية، الأولى بسبب الأزمات السياسية التي تمر بها ليبيا منذ أحداث 2011، ولاتزال مفتوحة، والأمر نفسه تقريبًا مع الحالة الموريتانية، التي تبدو كأنها خارج السياق أو خارج المنافسة.
- في سياق تقييم أداء الحكومات المغاربية الثلاث السالفة الذكر مع ثورة الذكاء الاصطناعي، يبدو المغرب متقدمًا كثيرًا، مقارنة بأداء كلٍّ من الجزائر وتونس، سواء في السياق الزمني أو في طبيعة الاستثمار الكمّي والنوعي، من قبيل توظيفه في تقديم الخدمات العمومية أو في التفاعل مع قضايا البيئة، فالتميز المغربي حاضر، حتى في إصدارات الباحثين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي.
التوصيات:
فيما يلي، تقدم هذه الورقة بعض التوصيات التي يمكن أن تساعد في تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون بين الدول المغاربية في هذا المجال:
- تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول المغاربية لتبادل الخبرات والمعارف في مجال الذكاء الاصطناعي.
- زيادة الاستثمارات في البنية التحتية التكنولوجية والتعليمية لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي.
- دعم البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال إنشاء مراكز متخصصة وتقديم مِنَح للباحثين والمبتكرين.
- إدماج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في السياسات الحكومية لتحسين الخدمات العامة وزيادة الكفاءة والإنتاجية في مُختلِف القطاعات.
[1] Les grandes lignes de la présentation de M. Ahmed Lahlimi Alami, Haut-Commissaire au Plan, à la Conférence de presse pour un échange sur les analyses, les programmes d’activités, 1er Octobre 2019, in: https://www.hcp.ma/Les-grandes-lignes-de-la-presentation-de-M-Ahmed-Lahlimi-Alami-Haut-Commissaire-au-Plan-a-la-Conference-de-presse-pour_a2384.html
[2] . انظر: الذكاء الاصطناعي يجذب اهتمام القطاعات الحكومية والمؤسسات الدستورية، عبدالله التجاني، منصة “هسبريس”، 26 ماي 2024، على الرابط:
[3] Wagdy Sawahel, Algeria. Strategy for research in artificial intelligence launched, 4 February 2021, in:
https://www.universityworldnews.com/post.php?story=20210131063348120
[4] Tunisia’s Artificial Intelligence (AI) Potential: A Path to Economic Growth and Job Creation, May 8th, 2024, in: