في مطلع العام الحالي احتفلت هيئة الأمم المتحدة بالذكرى 75 لأول اجتماع لها عُقد في عام 1945، حيث كان قد تم تأسيسها في العام السابق، مع تعهد بعدم السماح لويلات الحرب العالمية الثانية أن تحدث مرة ثانية. وكانت الجمعية العمومية الأولى لهيئة الأمم المتحدة مؤلفة من 51 دولة، واجتمعت تلك الدول لأول مرة في المقر المؤقت (بلندن)، وبعد ذلك بأسبوع تم إطلاق وتدشين مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كانت تلك الأيام حافلة بتفاؤل كبير وإيمان بقدرة المجتمع الدولي على بناء عالم أفضل على الأنقاض والآلام التي خلفتها الحربان العالميتان في النصف الأول من القرن العشرين. وارتفع عدد الدول الأعضاء في المنظمة الدولية إلى 193 دولة بعضوية كاملة، وهناك دولتان لا تحملان العضوية تعملان بصفة مراقب دائم، بينما وصلت المنظمة إلى سن 75 عاماً. ولكن السؤال الجوهري هو ما إذا كانت هيئة الأمم المتحدة تحقق الهدف المنشود وقادرة على الوفاء ببنود الثقة الجليلة الواردة في ميثاقها.
هذه الشكوك تصبح أكثر إلحاحاً عندما نأخذ في الاعتبار أن الذكرى السنوية (75) تأتي في وسط واحدة من أخطر الأزمات الصحية والاقتصادية التي شهدها العالم. التغير المناخي يهدد وجود الجنس البشري، النزعات الاستبدادية والرهاب من الأجانب ظواهر تسيطر على العديد من المجتمعات. وعلاوة على ذلك، فإن القوى الدولية الكبرى تسير على حافة حرب باردة جديدة. ولمعالجة هذه القضايا كلها، هناك حاجة ماسة تطالب بدور فعال للأمم المتحدة وذراعها الأكثر أهمية؛ أي مجلس الأمن الدولي.
لكي نفهم أهمية الأمل المعقود على الأمم المتحدة، يحتاج أي فرد منا أن يذكّر نفسه بفشل النظام الدولي في النصف الأول من القرن العشرين. كان العالم بحاجة إلى احتواء العنف والتدمير الشاملين، اللذين هيمنا على العالم بضراوة غير معروفة للبشرية قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية؛ وكان بحاجة إلى احتواء الوحشية الفتاكة التي يستطيع بعض بني البشر ممارستها، كالتي شوهدت خلال تلك الأيام الحالكة السواد.
الحربان العالميتان تجاوزتا القول المأثور لكلاوزفيتـز “الحرب هي لا شيء سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى”. من حرب الخنادق على الجبهة الغربية إلى محارق الهولوكوست، والقصف السجادي (القنابل تغطي المنطقة المستهدفة بكثافة كسجادة)، وتدمير مدن بأكملها، في هذه الأعمال كلها ليس هناك أي علاقة منطقية أو عقلانية بين الأهداف السياسية والقتل الجماعي الوحشي لملايين من البشر، معظمهم مدنيون.
كما هو واضح في ميثاق الأمم المتحدة، فإن ميلاد هذه المنظمة الدولية جاء في وقت ساد فيه الأمل، والتجديد، والإيمان بأن البشرية تستطيع أن تنهي أجيالاً من دوامات الصراع الحافلة بالعنف الشامل وسفك الدماء. حاولت الأمم المتحدة بناء وحدة عالمية حول القيم العالمية المتمثلة في السلام واحترام حقوق الإنسان، والقيام بدور مماثل في الأهمية نحو تحفيز جهود دولية متواصلة لتحسين ظروف المعيشة الإنسانية الكريمة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين كانو على هوامش التنمية الاقتصادية والاجتماعية طوال قرون من الزمن.
مشروع مهم وسريالي
إن تأسيس هيئة الأمم المتحدة على الفور في أعقاب الحرب العالمية الثانية كان مشروعاً ضروريا وسريالياً في الوقت ذاته. كان ضرورياً بقصد منع أي تكرار لعمليات القتل العبثي والدمار الهائل التي حدثت في الماضي، وليس هذا فحسب، بل نتيجة ظهور أسلحة جديدة مرعبة، وأكثر قدرة على القتل من أي شيء عرفه البشر من قبل، مثل القنبلة النووية. وكان ضرورياً أيضاً بقصد منع نشوب حرب عالمية ثالثة يمكن أن تبيد البشرية بأكملها وتمسحها من على وجه الأرض.
المشروع سريالي أيضاً، لأنه يتطلب من الناس إظهار تفاؤل خارق للعادة، وإيمان عميق بالشخصية الإنسانية وقدرتها على تغيير مسار التاريخ بصورة دراماتيكية. حدث هذا التشبث بالأمل السريالي بينما كانت شواهد التاريخ تشير إلى الاتجاه المعاكس تماماً؛ حدث بعد فترة وجيزة من محاولة سابقة لبناء منظمة فيما بين الحكومات لحماية الأمن والاستقرار، وهي عصبة الأمم، التي فشلت فشلاً ذريعاً.
على الرغم من كل مواطن ضعف الأمم المتحدة، لا ينبغي للمرء أن يقلل من أهمية الدور الذي لعبته في تجنّب اندلاع كارثة نووية تحمل معها نهاية العالم التي ذكرتها النبوءات. كان جوهر عقيدة هذه المنظمة الدولية الوليدة يرتكز على إيمان راسخ بحقوق متساوية لكل البشر وجميع الأمم، بصرف النظر عن القوة النسبية أو المكانة التي تحتلها الدولة. وأصبحت الأمم المتحدة قاطرة “لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب”.
على الرغم من النجاحات العديدة للأمم المتحدة على مرّ السنين، فهناك قلة من المراقبين يقولون إنها فشلت في توفير السلام والأمن والازدهار لمناطق عديدة حول العالم؛ فعندما تتعارض المصالح القومية مع المبادئ العالمية المنشودة التي تم إقرارها في ميثاق الأمم المتحدة، فإن المصالح الفردية للدول، وخاصة الدول القوية، هي التي تنتصر وتسود. خمسة وسبعون عاماً بعد الاجتماع الأول للأمم المتحدة في سان فرانسيسكو، لا يزال السلام بعيد المنال، أو أبعد من أن يكون العرف السائد.
حدّد برنامج أوبسالا (Uppsala) لجمع بيانات عن النزاعات العنيفة (يتم إعداده في جامعة أوبسالا في السويد) 285 صراعاً مسلحاً اندلعت منذ عام 1946، في مستويات مختلفة من الحدّة. ومع أن هذه النزاعات لم تسبب مقتل أعداد كبيرة من الناس، كالنزاعات التي سبقت تأسيس الأمم المتحدة، إلا أنه خلال الـ 20 عاماً الماضية، تسببت الصراعات العنيفة في مقتل أكثر من 2.5 مليون إنسان. كما أحدثت أعداداً كبيرة لا تحصى من أشكال المعاناة، ومن بينها حالات: إبادة جماعية، واغتصاب البنات كأحد أسلحة الحرب، وإصابات مرعبة، وتعذيب، وإجبار الأطفال على العمل كجنود، وإعدامات بدون محاكمة، وتدمير ونهب الممتلكات، وهذه الممارسات جميعها تهدف إلى تدمير مجتمعات بأكملها (على أسس طائفية أو عرقية …) وتدمير بلدان بأكملها.
إن الملامة بشأن هذا العجز عن منع نشوب صراعات كبرى أو حل الصراعات الخطيرة، كالحرب الكورية، وحرب قناة السويس، وحرب فيتنام، وحروب الخليج العربي، والحروب بين إسرائيل وجيرانها العرب، وحروب البلقان، والإبادات الجماعية في كمبوديا، أو رواندا، أو سـربرينتشا، أو دارفور، تقع إلى حد كبير على أكتاف الأمم المتحدة ككل، وعلى مجلس الأمن الدولي بصورة خاصة. ومن خلال إعطاء صلاحية الفيتو للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، فإن الأمم المتحدة أحدثت شللاً حتمياً في عمل المنظمة، في مواجهة عالم لا يزال غارقاً ومكبّلاً بفكرة الدولة-القومية، كما أضعفت مصداقيتها فيما يتعلق بتجنّب الأعمال الوحشية الكبرى.
إن هذا العجز عن إيقاف القتل الجماعي وارتكاب المذابح في أجزاء متفرقة من العالم، أو تقديم المسؤولين عنها للعدالة، من معظم منفّذي جرائم الحرب والجرائم الأخرى ضد الإنسانية – هذا العجز أثار انتقادات عادلة ومستحقة للأمم المتحدة. وذهب بعض المراقبين إلى التساؤل إن كان وجود هيئة الأمم المتحدة ضرورياً، مع الأخذ في الاعتبار التكاليف العالية لما يعتبره النقاد عوائد متدنية بل في أدنى الحدود. وقد يكون هناك شيء من الحقيقة في هذا الطرح، ولكنه لا يرسم صورة كاملة لمساهمات الأمم المتحدة للبشرية منذ عام 1945 حتى الآن.
تعددية الأطراف والقانون الدولي
إن مجرد وجود الأمم المتحدة يمثل فكرة التعددية ويجسد الفكرة على أرض الواقع، وكذلك يمثل أهمية القانون الدولي. قبل الأمم المتحدة، لم يكن هناك مطلقاً أي منظمة دولية أعطت أصواتاً متساوية للدول (على الأقل كما هي الحال في الجمعية العمومية) إلى جميع الأطراف الدولية الفاعلة تقريباً، من أضعف دولة حتى أقوى دولة. يقول النقاد إن هذه الميزة حولت الأمم المتحدة إلى جمعية يسود فيها الجدل، أكثر من كونها هيئة مسيطرة لها صلاحيات البتّ في الأمور. ولكنها لا تزال توفر منصة غير مسبوقة للدول والأطراف الفاعلة غير الحكومية.
ولكي تصبح الأمم المتحدة أكثر فاعلية وتبدأ في أن تغدو مشابهة لهيئة حاكمة، فإن الأمر يتطلب من الدول الأعضاء أن تتغلب على نزعتها في رؤية الشؤون الدولية من منظار مصالحها القومية، لأنه منظار ضيق جداً. وبدلاً من النظرة القومية الضيقة، يتوجب على الدول الاستثمار في مساعي الوصول إلى إجماع واسع يخدم مصالحها ولكن ليس على حساب مصالح الآخرين، بل بالتناغم والتنسيق معهم جبناً إلى جنب. كان هناك منطق متأصل في هيكل الأمم المتحدة والصلاحيات الممنوحة لمؤسساتها المختلفة، وبشكل أساسي في مجلس الأمن، وهو يعكس الشروط التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية، وتوازن القوى الدولية في ذلك الزمن.
إن مجلس الأمن الدولي يُعتبر في نظر البعض مشروعاً خيالياً (سريالياً)، وفي نظر البعض الآخر “تعهداً ساذجاً”، يُراد به أن يصبح شكلاً “مجلس وزراء عالمي” لديه النفوذ الكافي لكي يضمن ترسيخ السلام والاستقرار. وكان يُفترض أن يُدعم هذا الهدف من خلال إعطاء صلاحيات وسلطات غير متكافئة للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية. اليوم وبعد مرور 75 عاماً، أصبح من الواضح جداً أن هذا الهيكل قد عفا عليه الزمن، وهو الآن بحاجة ماسة إلى الإصلاح. كما أن الجمعية العمومية ليس خالية من هذه المقاربة المنحازة، ومع الصلاحيات المحدودة جداً للجمعية العمومية، لا تستطيع أن تترجَم نقاشاتها إلى تغييرات ملموسة.
طوال فترة طويلة جداً، كان الجدل بشأن أفضل الطرق لإصلاح مجلس الأمن ينتهي بالفشل من دون التوصل إلى نتائج مفيدة. وكان من المتوخى أن تتم زيادة عدد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بحيث يعكس المجلس بشكل أفضل توزيع القوى في النظام العالمي الراهن، ويقدم أعضاء جدداً من أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية. وكان هناك اقتراح بأن يُعطى الأمين العام للأمم المتحدة سلطات واسعة، وأن يتم اختياره لفترة واحدة أطول، بحيث يصبح / أو تصبح أقل عرضة للضغوط من الدول الأعضاء، التي تكون بحاجة إلى إعادة انتخابها لعضوية المجلس. إن هذه الإصلاحات لن تشفي جميع أمراض الأمم المتحدة، ولكنها ستوفر زخماً جديداً في الاتجاه الصحيح.
لا يمكن التهرّب من الحكم على الأمم المتحدة أولاً وقبل كل شيء، بأنها غير قادرة على تقديم حلول مرضية لأزمات العالم. هذه الأزمات تتفاوت وتتنوع من حملات التطهير العرقي للمسلمين الروهينغا في ميانمار، أو المسلمين الإيغور في الصين، إلى الحرب الأهلية في سوريا (المستعرة منذ 11عاماً)، وإخفاق مجلس الأمن في تبني قرارات بشأن جائحة كوفيد-19 تحشد المجتمع الدولي حول ردّ تعاوني لمواجهة الجائحة.
ولكن، كان من المفترض أن نشعر بالاطمئنان إلى الاعتقاد بأن أداء هيئة الأمم المتحدة يمكن أن يكون أفضل من مجموع أجزائها/مؤسساتها، إلا أن الواقع يوحي بغير ذلك. علاوة على ذلك، هناك مآخذ وعيوب في عمل الأمم المتحدة أكثر بكثير من عيوب الجمعية العمومية. وهناك تشكيلة واسعة من اللجان التابعة للأمم المتحدة بشأن متابعة قضايا متنوعة: الهاجس العالمي بشأن تمكين الجنسين، والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، والأمن الغذائي، والصحة، والطاقة النووية، وتتم مناقشة هذه القضايا في إطار الأمم المتحدة، والسياسات المقترحة تتلقى دعماً واسعاً من الدول الأعضاء.
إن المنظمات والبرامج والصناديق التابعة للأمم المتحدة – مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (UNESCO)، هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، صندوق الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) – تروّج للسلام والأمن وحقوق الإنسان، من خلال برامج عالمية تسعى لتقليل عدم المساواة، وتعزيز تمكين المرأة، والعمل كصوت مدافع عن البيئة، وحماية حقوق الأطفال، وتحسين التعليم، وحماية الحقوق التاريخية والثقافية. وفي بحر حافل بالانتقادات، من الضروري أن نذكّر أنفسنا بهذه الإنجازات لمؤسسات الأمم المتحدة.
إنهاء الاستعمار وتعزيز حفظ السلام
ربما لم تنجح الأمم المتحدة في تجنّب الحروب، وفي أن تصبح المحكّم النهائي في حل الصراعات، ولكنها ساهمت مساهمات كبيرة في عمليات حفظ السلام في مختلف أنحاء العالم. ويجب ألّا ننسى أنه عندما تم تأسيس الأمم المتحدة، كانت أجزاء كبيرة من العالم لا تزال خاضعة لحكم الاستعمار. وقد دعمت هذه المنظمة الوليدة حينذاك عمليات التخلّص من الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
علاوة على ذلك، فقد كانت هيئة الأمم المتحدة طرفاً مركزياً في ترويج التجارة الحرة، وكانت هيئة رائدة في دعم قضية حماية حقوق الإنسان من خلال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948. وقد أدت تلك المبادرة إلى سلسلة من المعاهدات التي أحدثت تغييرات جذرية في الخطاب المتعلق بحقوق الفرد وإطار العمل لحماية حقوقه في وجه السلطات المهيمنة للدولة.
خلال العقود القليلة الماضية، كانت هيئة الأمم المتحدة القوة المحركة في تغيير المقاربات التقليدية للتنمية، حيث حولت قضية التنمية إلى قضية متعددة الأبعاد وأكثر شمولية. وتجسد هذا التحول في مؤشر التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة (HDI)، وتقرير أهداف التنمية للألفية الثالثة، وتقرير أهداف التنمية المستدامة الذي صدر لاحقاً. وهذه التقارير والمبادرات جميعها تتبنى أهدافاً طموحة، وقد تحقق العديد منها من خلال حشد طاقات المجتمع الدولي عبر جهود التعاون والتضامن في أجندات الدول الأعضاء، وبذلك تم تحقيق التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لملايين البشر.
في ظل جائحة كورونا المدمرة، أصبح الأمر أكثر وضوحاً أننا يمكن أن نستفيد جميعاً من وجود هيئة عالمية فاعلة وحاكمة تمتلك الموارد والسلطات والقيادة الحازمة للتعامل مع فيروس الكورونا. وهيئة الأمم المتحدة هي الهيئة المناسبة والمؤثرة التي يجب أن تكون في قلب القضايا التي تقلق مواطني العالم بأسره. ولكن للأسف، في وسط تحديات جائحة كوفيد-19، أخفقت منظومة الأمم المتحدة في لعب الدور الفعال المطلوب.
هناك تحديات؛ مثل التهديد المتزايد للتغير المناخي، والفرص والتأثيرات المعرقلة المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة، والأرقام القياسية لأعداد اللاجئين والمهجّرين من بيوتهم، واندلاع موجات عنف مدمرة فيما بين الدول وداخل بعض الدول، جميعها حالات جديرة بالاهتمام. وفي هذه القضايا جميعها، كما هي الحال في مواصلة الدور الريادي في أهداف التنمية المستدامة وتحقيقها على أرض الواقع، يتوجب على الأمم المتحدة أن تستعيد الدرجة ذاتها من الإقناع والإيمان الراسخ الذي حفّز الحكماء من أصحاب البصيرة الثاقبة الذين أسسوا الأمم المتحدة.
ولكن تحولاً كهذا سيظل مجرد تفكير حالم، حتى يتم التخلص من الظلال السوداء للأحادية والشعبوية القومية، التي هيمنت على المجتمع الدولي ولا تزال تهدد بعض التقدم الذي تم إحرازه خلال الـ 75 عاماً الماضية.
بالعودة إلى عام 1954، صرح الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك داغ همرشولد في كلمة له “لم تُؤسس الأمم المتحدة لكي تأخذ بني البشر إلى الجنة، إنما لكي تنقذ الإنسانية من جهنم”. وفي القرن الحادي والعشرين، أصبحت الحاجة إلى تجنّب السقوط في فوهة البركان أكثر إلحاحاً مما كان الوضع في ذروة الحرب الباردة. ولكن أصبح هناك قناعة متنامية بأنه حتى إذا لم يكن في مقدور الأمم المتحدة بناء جنة على الأرض، فهي لاتزال قادرة على تقديم مساهمات كبيرة لإحراز التقدم في جميع مجالات حياة الإنسان ورفاهيته.