تشير أغلب التقديرات إلى أن تسلم الرئيس جو بايدن السلطة في الولايات المتحدة والذي تم بالفعل يوم 20 يناير الحالي سيشكل على الأرجح بداية انطلاقة جديدة في مسار العلاقات الأمريكية – الأفريقية التي شهدت تراجعاً واضحاً خلال حقبة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الأمر الذي سمح لأطراف دولية منافسة، لا سيما الصين وروسيا، بلعب دور بارز على حساب النفوذ الأمريكي في القارة، وهو ما من شأنه أن يشكل ضغطا على إدارة بايدن الجديدة بما يستدعي المسارعة نحو صياغة استراتيجية أمريكية جديدة تجاه أفريقيا من أجل طي صفحة الماضي القريب وفتح آفاق جديدة تسهم في تعزيز النفوذ الأمريكي في القارة السمراء في إطار مساعي بايدن لاستعادة الدور القيادي لواشنطن في النظام الدولي مجددا.
من هنا، تسعى هذه الورقة إلى تقييم السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا في عهد إدارة ترامب، ورصد أبعاد التحول أو التغير المحتمل في هذه السياسة خلال فترة إدارة بايدن الجديدة من خلال التعرف على أبرز الاتجاهات والقضايا التي تؤطر العلاقات الأمريكية – الأفريقية، ومستقبل تلك العلاقات.
أولًا- إدارة ترامب و”دبلوماسية الغائبين”
تبنى الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، “دبلوماسية الغائبين” في سياسته تجاه قارة أفريقيا[1] حيث احتلت القارة مرتبة متأخرة في أولوياته إدارته، فلم تُبدِ هذه الإدارة اهتماماً كافياً بالقارة الأفريقية، ولم تعط أولوية لقضاياها، فيما قادت سياسة “أمريكا أولا” التي انتهجتها هذه الإدارة إلى سلسلة من القرارات التي أفضت إلى فك الارتباط بين التزامات واشنطن والقارة السمراء، ومن ذلك على سبيل المثال موافقة واشنطن على خطة لتقليص عدد القوات الأمريكية التي تقوم بمهام مكافحة الإرهاب في إفريقيا بنسبة 25% تقريبًا[2].
ولم تستطع استراتيجية ترامب تجاه أفريقيا التي صدرت في ديسمبر 2018[3]، والتي تضمنت مبادرة “ازدهار أفريقيا” Prosper Africa[4] الوفاء بالوعود الأمريكية، وهو ما اتضح جلياً في تراجع حجم التجارة بين الطرفين إلى 41 مليار دولار في عام 2018 بعدما كان 100 مليار دولار في عام 2008، وانخفاض حجم الاستثمار الأمريكي المباشر في أفريقيا من 50.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 43.2 مليار دولار في عام 2019[5].
وإضافة لذلك، برزت دلالات أخرى على مدى تجاهل ترامب للقارة الأفريقية، فهو لم يقم بزيارة القارة إطلاقا خلال ولايته الرئاسي، ولم يلتق سوى بثلاثة رؤساء أفارقة فقط في البيت الأبيض منذ عام 2016 وهم رؤساء مصر ونيجيريا وكينيا، بالإضافة إلى تطاوله على الدول الأفريقية بتصريحات عنصرية أثارت غضب الأفارقة، حيث وصف هذه الدول بأنها “دول قذرة”، وتحدث عن القارة كمكان حاول أصدقاؤه الثراء فيه[6].
كما سعى ترامب إلى تقييد التمويل المقدم للقارة من قبل المنظمات الدولية وبرامج المساعدات الخارجية بما فيها البرامج الصحية التي تعتمد عليها أفريقيا بشكل ملحوظ[7]، وتحول بشكل تدريجي عن مكافحة الإرهاب في أفريقيا حين اقترح الحد من الوجود العسكري الأمريكي في القارة، وسحب قواته بالفعل من الصومال في يناير 2021، وحاول تقييد الأمم المتحدة من تمويل عمليات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.
وحتى في الحالات التي اهتم فيها ترامب بالتعامل مع القارة والاهتمام ببعض قضاياها، فإن هذا لم يأت من منطلق الاهتمام بأفريقيا والعمل على مساعدتها في جهود التنمية واعتبارها شريكاً له وزن سياسي واقتصادي يؤهله للعب دور عالمي، وإنما جاء في إطار استراتيجيته لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في القارة[8]. بعبارة أخرى، اعتبر ترامب أن القارة الأفريقية مجرد ساحة لمنافسة القوى الكبرى لا سيما الصين وروسيا، وذلك بدلًا من تعزيز العلاقات معها، وتقديم نفسه كبديل كفء للتجارة والتمويل في دول القارة، وهو ما قوبل بتحفظات من قبل بعض الدول الأفريقية التي لا ترغب في أن تكون عالقة في خضم المنافسة الدولية بين الولايات المتحدة والصين، ولا تريد إجبارها على اختيار شريك دون آخر، حيث تبحث أفريقيا عن أكبر عدد من الشركاء لتعزيز فرص تنميتها والتغلب على التحديات التي تواجهها[9].
ورغم أن المخاوف الأمريكية بشأن النفوذ المتنامي للصين في أفريقيا كانت هي المحددة لسياسة ترامب تجاه أفريقيا، فإن الأكيد هو أن سياسة التجاهل التي انتهجها نحو القارة التي أتاحت الفرصة للصين من أجل توسيع نفوذها في أفريقيا على حساب النفوذ الأمريكي، حيث استطاعت بكين ملء الفراغ بتكثيف دبلوماسيتها وتنويع استثماراتها وتعزيز مكانتها كشريك تجاري أول للدول الأفريقية[10].
ثانيًا- حدود التغير المحتمل في سياسة بايدن
ثمة حالة من التفاؤل تسود الأوساط الأمريكية والأفريقية بإمكانية حدوث تغيّرات جوهرية في السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا عقب تسلم الرئيس جو بايدن مقاليد السلطة، بالنظر إلى الاعتقاد السائد لدى البعض بأن الرؤساء المنتمين للحزب الديمقراطي هم الأكثر استجابة للتطلعات والمصالح الأفريقية من الرؤساء المنتمين للحزب الجمهوري، خاصة أن معظم الأمريكيين من أصل أفريقي يؤيدون الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية، وهو ما برز خلال انتخابات عام 2016 حيث صوت 8% من إجمالي أصوات الأفروأمريكان لصالح ترامب، في حين صوت 88% لصالح هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي حينذاك[11].
جانب آخر من هذا التفائل يعود إلى الاعتقاد بأن إدارة بايدن تدرك أهمية أن تكون شريكا قوياً وموثوقاً به لدى الأفارقة في ظل التنافس الدولي المستعر على النفوذ في القارة السمراء. ومن ثم، فقد يكون هناك قدر أكبر من الاهتمام بتعزيز العلاقات الدبلوماسية وإعادة تقديم المساعدات الإنمائية للدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة. كما تجدر الإشارة إلى أن التطورات التي تشهدها الساحة العالمية والأفريقية تفرض قضايا جديدة تنال اهتماما واسعا على رأس أولويات أجندة بايدن تجاه أفريقيا مثل ملفات التغير المناخي ومكافحة جائحة كوفيد-19 وريادة الأعمال في أفريقيا، بالإضافة إلى ثوابت السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا التي في مقدمتها مكافحة الإرهاب، والتعامل مع المناطق التي تعاني من مخاطر الصراعات، والتحولات الديمقراطية.
في هذا الإطار، فإنه من المرجح أن تتجه إدارة بايدن نحو إجراء تغييرات محورية على صعيد السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا، وبما يسمح لواشنطن أن تكون أكثر انخراطًا مع شركائها الأفارقة. ويستند هذا الترجيح إلى عدد من المؤشرات، في مقدمتها: قناعة بايدن بفشل إدارة ترامب في العديد من الملفات التي أفضت إلى تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة ليس في أفريقيا فقط وإنما على الصعيد العالمي أيضاً، وهو ما أكده بايدن عقب فوزه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة حين قال إن “أمريكا عادت، ومستعدة لقيادة العالم”.
يضاف إلى ذلك أن الخبرات السابقة لـ بايدن في ظل إدارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، ستلعب دورًا في صياغة سياسة أمريكية فاعلة يعزز من خلالها العلاقات مع القارة الأفريقية. كما أن الشخصيات التي رشحها بايدن لشغل مناصب قيادية في إدارته المقبلة، تؤشر إلى أن الولايات المتحدة ستعطي اهتماماً أكبر للقارة، بالنظر إلى ما تملكه هذه الشخصيات من آراء ومواقف إيجابية بشكل عام تجاه القضايا الأفريقية. ونذكر من هذه الشخصيات أنتوني بلينكن المرشح لمنصب وزير الخارجية والمعروف بدعمه الكبير للشراكة مع أفريقيا؛ وليندا توماس غرينفيلد ذات الأصول الأفريقية التي عملت في أفريقيا في ليبيريا وكينيا وغامبيا ونيجيريا، وشغلت منصب مساعد وزير الخارجية لمكتب الشؤون الأفريقية في إدارة أوباما؛ وسوزان رايس التي عملت مساعدة لوزير الخارجية للشؤون الأفريقية في الفترة بين عامي 1997 و2001، ومستشارة لـ جون كيري في عام 2004 وأوباما في عام 2008، ومثلت واشنطن في الأمم المتحدة في الفترة 2009-2013؛ وميشيل غافن التي يحتمل أن تصبح مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، والتي عملت في أفريقيا كسفيرة لدى بتسوانا في الفترة 2011-2014، وممثلة لواشنطن لدى منظمة السادك في الجنوب الأفريقي، ومساعد خاص لـ أوباما لشؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي[12].
في ظل هذه المؤشرات الإيجابية، يُتوقع أن تشمل التغييرات المحتملة على مستوى سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة التركيز على زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري مع القارة السمراء، بما في ذلك انخراط واشنطن في تعزيز التنمية الاقتصادية في دول القارة؛ وهو ما يمكن أن يتمثل في دعم أمريكي لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وتمديد العمل بقانون النمو والفرص في أفريقيا لما بعد عام 2025.
وقد تسارع واشنطن أيضا إلى الانخراط في بعض القضايا العاجلة في القارة، مثل التوترات الإثنية في إثيوبيا، وتطورات الأوضاع في إقليم تيجراي وتأثيراته على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، ودعم التحول الديمقراطي والاقتصادي في السودان، ومواجهة التهديدات الإرهابية والأمنية في الصومال بعد قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من هذا البلد، بالإضافة إلى الأزمة الليبية وتطوراتها المتلاحقة، والموقف من تحديث الاستراتيجية الأمريكية بشأن التمركز في منطقة الساحل والصحراء[13].
واستمراراً لنهج يقوم على تبني كل رئيس أمريكي جديدة لمبادرة تجاه أفريقيا، فإن المتوقع أن يطرح بايدن مبادرة خاصة به، فقد اعتمد رونالد ريغان مبادرة “المشاركة البناءة” لوضع حد للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتبنى بيل كلينتون مبادرة “قانون النمو والفرص في أفريقيا” التي كانت حلقة الوصل الرئيسية للتجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا، ووضع جورج بوش الابن خطة إغاثية لمواجهة مرض الإيدز في أفريقيا، وطرح باراك أوباما مبادرة Africa Power. كما أعلن ترامب مبادرة prosper Africa[14]، ويمكن أن تركز مبادرة بايدن على مواجهة الأوبئة في القارة لا سيما في ظل تفشي جائحة كوفيد-19.
ثالثًا- أبرز القضايا والاتجاهات
حرص بايدن خلال حملته الانتخابية على عدم الإفراط في الوعود تجاه أفريقيا خاصة في ما يتعلق بزيادة الإنفاق الأمريكي على المساعدات والتنمية في أفريقيا. كما حرص على عدم الإشارة إلى التزامات تفضي إلى مزيد من التورط الأمريكي بشكل أعمق في التحديات الأمنية التي تواجه القارة الأفريقية لا سيما في ما يخص التنظيمات الإرهابية[15].
مع هذا، تبرز العديد من القضايا والاتجاهات التي من المرجح أن تحظى باهتمام ملحوظ من قبل إدارة بايدن، في إطار التعاون مع القارة الأفريقية، حيث قدمت سوزان رايس وكارين باس التي تدير مجموعة النواب السود النافذة في الكونغرس، خلال حفل لجمع التبرعات لحملة بايدن الانتخابية، بعض الرؤى حول سياسة بايدن المستقبلية تجاه قضايا محورية في أفريقيا مثل التنمية والطاقة النظيفة والصحة العامة والزراعة المستدامة، والمساعدة على مواجهة الأوبئة، كما تحدثتا عن مبادرات حول الابتكار والهجرة والتعليم والاستثمار.
وتبرز من هنا اتجاهات الإدارة الأمريكية الجديدة نحو أفريقيا التي تذهب إلى التركيز على بعض القضايا بما يضمن بناء علاقات قوية مع الدول الأفريقية، وضمان حماية مصالح واشنطن الاستراتيجية في القارة، وتتمثل أبرز تلك القضايا في:
- العلاقات مع دول أفريقيا: ثمة تغير ملحوظ في لغة الخطاب لدى بايدن مقارنة مع ترامب تجاه أفريقيا والأفارقة، فهناك استعداد إيجابي لدى الأول باستعادة المشاركة القائمة على الاحترام المتبادل، وإحياء الدبلوماسية وتنشيطها، والتأكيد على الديمقراطية الأفريقية والنمو الاقتصادي، وتأييد استمرار مبادرة أوباما للقادة الأفارقة الشباب. فقد أشارت سوزان رايس إلى أن استعادة ثقة الدول الأفريقية هو أمر أساسي، وأن بايدن سيتحاور مع البلدان الأفريقية بشكل إيجابي[16].
وتُعقد الآمال، على هذا الأساس، على إدارة بايدن في تحسين العلاقات مع أفريقيا، خاصة أنه يمتلك سمعة طيبة في الأوساط الأفريقية، تكونت حينما كان نائبا للرئيس الأسبق أوباما، حيث أسهم في تحسين العلاقات الأمريكية الأفريقية، واتسم خطابه بالود، واعترف بالدور المهم للمهاجرين الأفارقة في الداخل الأمريكي.
- دعم التحول الديمقراطي في أفريقيا: يمكن لواشنطن مراقبة التحولات السياسية والمساهمة في الاستقرار ومكاسب الديمقراطية في أفريقيا من خلال استراتيجية تؤكد من خلالها إدارة بايدن على دعم المؤسسات الديمقراطية في أفريقيا، انطلاقًا من التزام واشنطن بالرخاء المشترك والسلام والأمن والديمقراطية والحكم كمبادئ تأسيسية للتعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا[17]. وقد يدعو بايدن، من هذا المنطلق، الدول الأفريقية لمؤتمر “القمة من أجل الديمقراطية” الذي ينوي عقده خلال العام الأول من تسلمه السلطة[18]، بهدف تجديد روح الديمقراطيات في العالم وهدفها المشترك، والالتزام بمكافحة الفساد والنهوض بحقوق الإنسان.
- تعزيز التجارة مع الدول الأفريقية: من المرجح أن تعطي واشنطن الأولوية لتوسيع علاقاتها التجارية مع البلدان الأفريقية، وذلك بهدف التصدي للنفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا من خلال عدد من الأدوات التجارية الناشئة مثل مبادرة Prosper Africa التي تتراوح ميزانيتها بين 500 مليون دولار و750 مليون دولار، والمؤسسة الأمريكية الجديدة لتمويل التنمية الدولية باستثمارات تبلغ 60 مليار دولار؛ وهو ما أكده بايدن في رده على استبيان قدمه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، حين قال إن واشنطن ينبغي أن تعطي الأولوية للنمو الاقتصادي في أفريقيا من خلال تعزيز العلاقات التجارية[19].
وتشير بعض التوقعات إلى أن واشنطن ستتجه على الأرجح تعزيز علاقتها مع بعض الدول الأفريقية التي تمثل مراكز اقتصادية قوية في القارة مثل نيجيريا وكينيا وأنجولا وجنوب أفريقيا وإثيوبيا والسنغال لتصبح أسواق ذات أولوية لإدارة بايدن الجديدة. ويتطلب هذا التوجه تحسين العلاقات السياسية والدبلوماسية معها من أجل تعظيم التعاون التجاري[20]. وتشير بعض التقديرات إلى إمكانية إيلاء واشنطن اهتماما كبيرا بجمهورية الكونغو الديمقراطية كونها تمتلك اقتصادا غنيا بالموارد وفرص محتملة لإعادة دعم سلاسل التوريد المعدنية، وتحويل السيطرة على الإنتاج بعيدا عن شرق وجنوب شرق آسيا. كما ستستكمل واشنطن المفاوضات مع كينيا لتصبح أول دولة أفريقية لديها اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة[21].
- الإرهاب والتهديدات الأمنية: لن تتراجع واشنطن عن لعب دور رئيسي في تأمين المناطق الجيوستراتيجية الرئيسية في القارة الأفريقية، فهناك أكثر من 6 آلاف جندي أمريكي في حوالي 12 موقعا عسكريا في أنحاء القارة مما قد يدفع نحو المزيد من الانخراط الأمريكي في دعم الأمن الأفريقي، خاصة أن تلك التهديدات ما تزال قائمة، حتى لو تحول تركيز بايدن على التهديدات الأمنية الأخرى بما في ذلك الأوبئة والتهديدات السيبرانية وتغير المناخ[22]، فيما يتوقع أن تركز واشنطن بشكل أكبر على استراتيجية مكافحة الإرهاب التي تعتمد على العمليات الخاصة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول الأفريقية والأوروبية، والغارات الجوية بدلًا من نشر قوات برية مثلما هو الحال في الصومال.
وستعزز واشنطن، على الأرجح، علاقاتها وشراكاتها مع بعض الدول الأفريقية المتضررة بشكل كبير من الإرهاب مثل نيجيريا التي تعاني من إرهاب بوكو حرام، ودولة مالي التي تحتل أهمية خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
وربما تستعيد واشنطن الاهتمام بالشراكة القوية مع فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي لمحاربة الإرهاب على غرار اهتمام إدارة أوباما بدعم فرنسا في منطقة الساحل كأولوية مهمة، وذلك على عكس ما قامت به إدارة ترامب التي قلصت من حجم هذه الشراكة حينما قللت حجم التمويل الذي تقدمه[23]، وهذا الأمر قد يمثل رسالة طمأنة من جانب بايدن إلى حلفاء واشنطن في أفريقيا بأنه لن يقطع الدعم الأمني الأمريكي من جانب واحد عن منطقة الساحل والصحراء.
- دعم أفريقيا في المحافل الدولية: من المتوقع أن تعزز واشنطن في ظل إدارة بايدن من دعمها لأجندة أفريقيا التنموية في المؤسسات الدولية، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ومنظمة التجارة العالمية نظرًا لانعكاسات ذلك إيجابيًا على معظم دول القارة من ناحية التمويل والمساعدات الخارجية. فقد تعهد بايدن بعودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ وعودتها إلى منظمة الصحة واستئناف التمويل اللازم لها[24] وهو ما يعزز جهود هذه المنظمات الداعمة للقارة الأفريقية. كما أكد أنتوني فاوتشي كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الطبيين لمنظمة الصحة العالمية، يوم 21 يناير 2020 نية الولايات المتحدة الانضمام إلى آلية “كوفاكس” الهادفة إلى توفير اللقاحات للدول الفقيرة، ومن بينها الدول الأفريقية[25].
كما أنه من المحتمل أيضا حصول بعض المرشحين الأفارقة على مناصب دولية، على دعم بايدن، مثل أوكونجو إيويالا، المرشحة النيجيرية المحتملة لرئاسة منظمة التجارة العالمية في أواخر يناير 2021، والنيجيري، أكينوومي أديسينا، المرشح المحتمل لرئاسة بنك التنمية الأفريقي بعد منع ترامب تعيينهما خلال الفترة السابقة[26].
خاتمة:
ثمة مؤشرات أولية إيجابية على إمكانية إحداث نقلة نوعية في مستقبل العلاقات الأمريكية-الأفريقية خلال الفترة المقبلة، والتعاون في العديد من الملفات والقضايا المتشابكة ذات الاهتمام المشترك، بهدف ضمان وتعزيز المصالح الاستراتيجية للطرفين، والتي تعبر عنها بجلاء حالة الرضا في معظم الأوساط الأفريقية من انتهاء حقبة ترامب وصعود بايدن إلى السلطة من جهة، ورغبة إدارة بايدن الجديدة في تجاوز المرحلة السابقة بسلبياتها وفتح آفاق جديدة في العلاقات من جهة أخرى.
إلا أنه، ومع هذا، لا يجب إغفال تغير طبيعة البيئة الدولية خلال الفترة الراهنة مقارنة بما كانت عليه في عهد إدارة الرئيس أوباما، خاصة في ما يتعلق بتنامي النفوذ الدولي في قارة أفريقيا لا سيما النفوذ الصيني، والتأثيرات الاقتصادية العالمية بسبب انتشار جائحة كوفيد-19، وهو ما قد يستدعي عدم التعجل بشأن إقدام إدارة بايدن على تعزيز توجهاتها الأفريقية؛ وبمعنى آخر فإن تحولًا كاملًا في سياسة واشنطن تجاه أفريقيا على الأقل في المرحلة الأولى من تولي إدارة بايدن هو أمر مستبعد نظرًا لأن الاهتمام سينصب أساسا في تلك الفترة على تحديات الداخل الأمريكي إلى حين صياغة استراتيجية أمريكية شاملة تجاه أفريقيا.
المراجع
[1]. Herman J. Cohen, What analysts are missing about Trump’s Africa policy? The Hill. Available at: https://bit.ly/35o59KZ
[2] ” للتفرغ لتهديدات الصين وأمريكا.. “البنتاجون” يخفض قواته في إفريقيا”، صحيفة الوطن، القاهرة، 16 نوفمبر 2018.
[3]. Michael Shurkin, The Good and Bad of the Trump Administration’s New Africa Strategy, Rand Corporation, Available at: https://bit.ly/3oF0onC
[4]. Jonathan Gass, Trump’s Africa surprise, Atlantic Council, 4 February 2019, Available at: https://bit.ly/39lzOJS
[5]. Francis Owusu, Padraig Carmody, Trump’s legacy in Africa and what to expect from Biden, The Conversation, 25 November 2020, Available at: https://bit.ly/2JXKJRj
[6] ” ما هي خطة الولايات المتحدة لاستعادة النفوذ في أفريقيا؟”، بي بي سي عربي، 1 أغسطس 2019 على الرابط التالي: https://www.bbc.com/arabic/world-49172972
[7]. Peter Fabricius, ‘President’ Biden would have to take Africa much more seriously, Institute for Security Studies, 9 October 2020, available at: https://bit.ly/3q8VO1q
[8]. Landry Signe, A Trump visit to Africa is important—and carries some urgency, Brookings, 19 April 2019, available at: https://brook.gs/3q68QfW
[9]. Adva Saldinger, Taking stock of the Trump administration’s Africa policy, devex, 4 June 2020, Available at: https://bit.ly/3shTkjg
[10]. Francis Owusu, Op.cit.
[11]. Gilbert M. Khadiagala, Contextualising the impact of the 2020 US elections on Africa, Africa Portal, 14 September 2020, Available at: https://bit.ly/3bnmQ12
[12]. Who are some of the key figures nominated to be in Joe Biden’s cabinet?, Euro News, 18 January 2021, Available at: https://bit.ly/2XRbMkG
[13]. Souha Majidi, What Could President-Elect Joe Biden’s African Strategy Be?, Policy Center for The New South, 26 November 2020, Available at: https://bit.ly/3nDqKoT
[14]. Francis Owusu, Op.cit.
[15]. John Campbell, The Biden Administration’s Approach to Africa, Council on Foreign relations, 5 November 2020, Available at: https://www.cfr.org/blog/biden-administrations-approach-africa
[16]. Baker Mckenzie, Op.cit.
[17]. THE BIDEN-HARRIS AGENDA FOR THE AFRICAN DIASPORA, Biden Harris, Available at: https://bit.ly/3nBBdkv
[18]. Transition 2020 | Biden and Trade: Africa Policy Shifts Back to Traditional US Engagement, The National Law Review, 1 December 2020, Available at: https://bit.ly/3oFZTtx
[19]. Baker Mckenzie, Op.cit.
[20]. Joe Biden just won the presidency: What does that mean for America’s role in the world?, Atlantic Council, 7 November 2020, Available at: https://bit.ly/2LrYEQh
[21]. Alyssa Harvie, How a Biden presidency could change US relations with the rest of the world?, Atlantic Council, Washington, 13 November 2020, Available at: https://bit.ly/3pYI0GL
[22]. Marie Wilke, Op-ed: What will Joe Biden’s presidency mean for Africa?, ESI Africa, 7 January 2021, Available at: https://bit.ly/3oDntHh
[23]. Nicholas Norbrook, ‘Trump is the rupture in US-Africa policy, Biden much more engaged’, The Africa Report, 12 November 2020, Available at: https://bit.ly/2XogBSd
[24]. Baker Mckenzie, Op.cit.
[25] “أمريكا تعود إلى «الصحة العالمية» وتنضم لآلية «كوفاكس»”، صحيفة الخليج، الشارقة، 22 يناير 2021.
[26]. Marie Wilke, Op.cit.