مقدمة
عادة ما يكره أصحاب الأعمال والشركات الضرائب ويتخوفون منها، سواء أكانت مرتفعة أم منخفضة، وفي الوقت الذي ترى فيه الحكومات أن زيادة الضرائب وتعددها وسيلة لتمويل خططها الاقتصادية والاجتماعية، ترى فيها الشركات عبئاً لا مناص منه. وما بين هذا وذاك، دوماً ما تفرض الحكومات كلمتها ذاهبة إلى أن الضريبة وسيلة لابد من تحصيلها، ودائماً ما يتولى صُناع السياسة المالية المتمثلون في وزارة المالية البحث عن نوع جديد من الضرائب سعياً منهم نحو زيادة حصيلتها المالية وتحقيق أهدافها المختلفة.
وفي ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم المعاصر، فقد تزايدت الأنشطة الرقمية وتعقدت العمليات وتطورت المنتجات الإلكترونية، وأصبحت التعاملات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطن العادي، بل إن الرقمنة قد تمكنت من التوغل في جل الأشياء تقريباً وباتت في كل يد وفي كل بيت.
وغني عن البيان القول إن المعاملات والأنشطة الرقمية تدخلت في القطاعات الاقتصادية كافة، وساعدت بصورة جلية، في تطوير الاقتصادات، وتنويع قدرات الشركات في المجالات الإنتاجية والخدمية على حد السواء. وبالفعل، عملت الرقمنة – وما تزال – على تغيير العديد من جوانب حياتنا اليومية، بداية من الطريقة التي يتم بها تنظيم قطاعات الاقتصاد ووظائفه، مروراً بالتأثير في بيئة العمل، ووصولاً إلى جعل المجتمع متصلاً بصورة افتراضية أكثر مما سبق.
وفي ظل تطورات التحول الرقمي في العقد الأخير بالتحديد، لم تكن الآثار الإيجابية المتمخضة عنه هي الجانب الأبرز فقط، بل أُثيرت حولها عديد من تحديات السياسة العامة، في مقدمتها قدرة الاقتصاد الرقمي[1] وتحولاته على تغيير طبيعة صنع السياسات نفسها، من خلال ظهور مجموعة جديدة من الأدوات لدعم تطوير هذه السياسات وتنفيذها [2].
ومن هنا، وفي ظل التحول نحو الاقتصاد الرقمي كنموذج تنموي معاصر، بدأ في السنوات الأخيرة التركيز بشكل رئيسي على السياسات الضريبية التي تلائم المعاملات الرقمية. وركزت المناقشات السياسية على الاختلافات بين فرض الضرائب على العمليات التجارية المادية والعمليات الافتراضية أو الرقمية. حيث تتقاطع هذه المناقشات مع الأنواع المختلفة من الضريبية، بما في ذلك سياسات ضريبة الاستهلاك والشركات.
ومع استمرار صانعي السياسات في تقييم خيارات فرض ضرائب على الشركات الرقمية، سيكون من الضروري تجنب إنشاء سياسات ضريبية مشوهة، لا تخلق آلية توازن بين الحصيلة والعدالة الضريبية[3].
وعلى ضوء ما تقدم، فإن الدراسة الحالية تسعى للتعرف على الضرائب الرقمية أو التقنية والموقف الدولي تجاهها، ثم بيان دوافع استحداثها وأهم آثارها وصولاً إلى تقديم أهم السيناريوهات المستقبلية المحتملة لهذه الضرائب وعلاقتها بمستقبل الاقتصاد العالمي. وهو ما سيتم تناوله في النقاط التالية:
- الضرائب الرقمية: ماهيتها وأنواعها ومبادئها وأهم تحدياتها
يبدو أن فرض الضرائب على الاقتصاد الرقمي قد مثل امتداداً منطقياً لتنامي مساهماته ونشاطاته، وقدرته على جعل القطاعات أكثر قدرة على التحمل في أوقات الأزمات. لذلك، فقد حظي فرض ضرائب على نشاط/ تعاملات الشركات الرقمية، وكذلك الاقتصاد الرقمي بشكل عام، باهتمام كبير. تصاعد هذا الاتجاه في ظل تفشي أزمة فيروس كورونا “كوفيد-19” ومتحوراته المختلفة وحاجة العالم إلى إدارة أعمالها ونشاطاتها بصورة رقمية أكثر من أي وقت مضى.
وقد برزت الحاجة إلى معالجة العديد من أوجه القصور التي لم يتم التطرق إليها من قبل، وفي مقدمتها فرض الضريبية الرقمية أو فرض ضريبة على التعاملات الرقمية. وذلك في ظل اعتبار أن العميل أو “المستخدم” – من خلال أنشطته عبر الإنترنت – يمثل قوة دافعة حاسمة وراء تنامي قيمة الخدمات الرقمية وتعاملاتها. علاوة على ذلك، فإن النمو العددي السريع لمقدمي الخدمات الرقمية على مدى العقد الماضي على وجه الدقة، جعلهم هدفاً شائعاً بشكل متزايد للضرائب الخاصة – على غرار ضرائب الثروة والدخل – التي يمكن أن تساعد في تعبئة الإيرادات التي تشتد الحاجة إليها في أعقاب الأزمات أيضاً [4].
وتُعرّف الضرائب الرقمية على أنها “الضريبة التي تفرضها الدول على الشركات لتدفعها من مبيعاتها أو إيراداتها التي تجنيها من مصادر تقنية كشبكة الإنترنت، ومن المستخدمين داخل البلاد[5]”.
وقد حظيت الضرائب الرقمية باهتمام عالمي من جانب الساسة والمحللين بالنظر إلى كونها متغيرا مهما، أصبح يحكم مستقبل الشركات ذات التعاملات الرقمية، ويساعد في تحديد اتجاهات أنشطة هذه الشركات سواء بمزيد من الاستثمار أو التراجع. وبالفعل، أكدت دراسة أسلم وشاه[6] أن الضرائب الرقمية تشمل مجموعة من السياسات التي تستهدف على وجه التحديد الشركات التي تقدم منتجات أو خدمات من خلال الوسائل الرقمية باستخدام معدل ضريبي خاص. وتشمل هذه السياسات التي توسع القواعد الحالية لضمان سياسة ضريبية محايدة تجاه جميع الشركات، مثل متى يوسع بلد ما ضريبة القيمة المضافة لتشمل الخدمات الرقمية من عدمه. وهي تشمل قواعد ضريبية خاصة على الشركات أيضاً تم تصميمها لتحديد متى يكون للشركة الرقمية منشأة دائمة حتى دون وجود كيان مادي ملموس لها.
كما تنشأ التحديات الضريبية المرتبطة بالاقتصاد الرقمي نتيجة صعوبة تحديد الاختصاص الضريبي، ومشكلة عزو القيمة إلى البيانات التي أنشأها المستخدمون مجاناً. أضف إلى ذلك، مُعضلة إذا ما كانت معاملات التجارة الإلكترونية تندرج ضمن الفئة الضريبية أم لا [7].
وتتنوع الفئات المستهدف فرض ضرائب رقمية عليها، وأهمها ما يلي:
- أنشطة الاستهلاك. إذ تفرض ضرائب القيمة المضافة وضرائب أخرى على بيع السلع أو الخدمات النهائية. وتعمل البلدان على توسيع ضرائب الاستهلاك الخاصة بها لتشمل السلع والخدمات الرقمية. ويتم فرض الضرائب على المستهلكين بناء على استهلاكهم للسلع والخدمات. وتعتبر الضرائب على الاستهلاك مهمة لأنها يمكن أن تؤثر في سلوك المستخدمين فيما يتعلق بشراء السلع الرقمية واستخدامها وخدمات الاتصالات[8]. وتعتبر شركات إدارة منصات التواصل الاجتماعي من أبرز الأمثلة على الشركات التي يمكن تطبيق هذا النوع من الضريبة على نشاطاتها. حيث يتم التعامل مع ما يحصل المستخدمون بموجبه على الوصول إلى المنصة مجاناً على أنه تبادل مقايضة. ويدفع المستخدمون رسوم اشتراك شهرية مقابل الحق في الوصول إلى النظام الأساسي، وتدفع هذه الشركات مدفوعات مالية تُعتبر مثل حقوق الملكية للمستخدمين من أجل الحق في استخدام البيانات التي تم جمعها عنهم بواسطة هذه المنصة [9].
- مستخدمو الخدمات الرقمية: يمكن أن يخضع مقدمو خدمات الإنترنت لرسوم محددة. ويمكن أن تظهر هذه في شكل ضرائب الشركات التقليدية، وضرائب المبيعات على الشراء الأولي للمعدات، والضرائب غير المباشرة على المعدات التي سيتم تركيبها في مباني العميل، وضرائب الممتلكات على الأصول المادية أيضاً. وتعتبر ضرائب الشركات على أرباح مزودي خدمات الإنترنت شاملة إلى حدٍّ ما، على الرغم من اختلاف المعدلات حسب البلد. على سبيل المثال، في تنزانيا، تبلغ ضريبة الشركات التي تؤثر في مزودي خدمات الإنترنت 30%، بينما تبلغ 34% في باكستان (مع 17% إضافية على الإيرادات). وفي بنما، يبلغ معدل ضريبة الشركات على الأرباح 27.5%، بينما يصل في كولومبيا إلى 33%[10].
- المنشآت الرقمية الدائمة: وتتضمن هذه السياسات إعادة تعريف ما يشكل منشأة دائمة لتشمل الشركات الرقمية التي ليس لها وجود مادي داخل الولاية القضائية. والمنشآت الرقمية الدائمة عادةً ما يتم تعريفها باستخدام معايير محددة بما في ذلك التعامل مع السوق المحلية، وهذه الإشكالية تتعلق بتحديد المكان الذي تفرض فيه الضرائب، وهي جزئية لا يمكن أن تطلق على الاقتصاد الرقمي الذي لا يحد نشاطاته مكان، ولا تقف تعاملاته داخل الجدران.
- ضرائب الاستقطاع على أساس إجمالي الخدمات الرقمية: ويستخدم هذا النوع من الضرائب في بعض البلدان كبديل عن الضرائب على أرباح الشركات أو ضرائب الاستهلاك. وهو يتمثل في فرض ضرائب على إيرادات الشركات الرقمية المولدة من معاملاتها التي تمت داخل الولاية القضائية للدولة.
وفي هذا السياق يمكن تقديم بعض الامتيازات الضريبية للشركات الرقمية مثل ائتمان البحث والتطوير (R&D) وصناديق براءات الاختراع التي تقلل العبء الضريبي على الأعمال الرقمية. وعلى الرغم من أن معظم هذه التفضيلات متاحة لأي عمل تجاري، إلا أن بعضها يصلح لنماذج الأعمال الرقمية على وجه التحديد.
لكن في الوقت الذي تتعدد فيه مبادئ فرض الضرائب على الاقتصاد الرقمي، كمبادئ الإنصاف، والمنفعة، والحياد، والسيادة الضريبية، والجدوى الإدارية[11]، تتنوع فيه أيضا المشكلات التي تواجه عملية تطبيق هذا النوع من الضرائب، حيث إن خصائص الأعمال الرقمية، تتضمن القدرة على ممارسة الأعمال التجارية دون وجود مادي، ومشاركة المستخدمين التي تخلق قيمة وتزيد الربحية، واستخدام العديد من الأصول غير الملموسة مثل المنصات الرقمية؛ ومن ثم، فجل هذه الخصائص تثير تحديات ضريبية وتؤدي إلى صعوبات في آلية تنفيذ الضريبة [12].
كذلك، يمكن عرض أهم المشكلات التي تواجه عملية تطبيق الضرائب الرقمية، كالتالي[13]:
- مشكلة الحصر الضريبي: يتمثل التحدي الرئيسي لفرض الضريبة على الاقتصاد الرقمي في الطبيعة المتنقلة وغير الملموسة للسلع والخدمات الرقمية، كجزء أساسي من ثورة التجارة الرقمية أو التجارة عبر الإنترنت التي هي بالأساس غير منظورة؛ فضلا عن أنها تأخذ أشكالاً وأبعاداً ومستويات عديدة، فهي تتم بين المؤسسات التجارية بعضها البعض (B2B) أو بين المؤسسات التجارية والمستهلكين (B2C) أو بين المؤسسات التجارية والحكومة (B2G). وقد تكون بين الدول أو بين دولتين من خلال وسيط في دولة أخرى. وعلى هذا النحو، فإن مشكلة الحصر الضريبي، تعد أولى المشكلات التي يجب التطرق إليها ومعالجتها قبيل تطبيق الضريبية الرقمية.
- مشكلة توصيف الدخل المكتسب من المعاملات الرقمية: إذ لا توجد حدود واضحة بين بعض المفاهيم، مثل: الأتعاب الأدبية، وحقوق المؤلف، ورسوم الخدمات الفنية، والدخل من الأعمال وغيرها. لذلك، فإن العمل على وضع نطاق محدد ومعايير بعينها لتلافي مشكلة توصيف الدخل الناتج عن المعاملات الرقمية، يُعد خطوة لابد منها لدى صانعي السياسات الضريبة وذات أولوية.
- مشكلة تعريف المنشأة الدائمة: يشير مصطلح المنشأة الدائمة إلى أنها مكان ثابت للعمل يتم من خلاله تنفيذ أعمال الشركة كليا أو جزئيا، وهذا التعريف يحتوي على ثلاثة شروط هي[14]:
- وجود “مكان للعمل” أي منشأة مثل المباني.
- أن يكون هذا المكان ثابتا، أي يجب أن يكون محددا.
- الاستمرار في ممارسة أعمال المؤسسة من خلال هذا المكان الثابت.
وفي ضوء ما تقدم، يظل من الضروري فهم عناصر المعاملة الاقتصادية التي قد تنطوي على استخدام التكنولوجيا الرقمية. خاصة أن بعض هذه العناصر، تُشكل تحديات في عملية تطبيق القواعد الضريبية التقليدية التي قد تتطلب تدابير ضريبية خاصة. وبناء على وجود أو عدم وجود مثل هذه العناصر، يتم تصنيف المعاملات الرقمية ونماذج الأعمال الرقمية للأغراض الضريبية[15].
وفي حين لا يوجد نقص في الدراسات المتخصصة حول الضرائب وأشكال إعادة التوزيع المتعارف عليها، فإن التطور المحتمل للضرائب المتمثل في الرقمنة أصبح جزءاً أساسياً من خطط الحكومة في الوقت الحالي وركناً أساسياً من أركان السياسة العامة في المستقبل.
- تطورات الاقتصاد الرقمي حول العالم:
في عام 2016، بلغت قيمة الاقتصاد الرقمي في جميع أنحاء العالم 11.5 تريليون دولار أمريكي، أو 15.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ويُعزى الأداء المتميز للاقتصاد الرقمي بشكل أساسي إلى تطوير الإنترنت الذي يحركه المستهلك. وبحلول عام 2025، فمن المتوقع أن تسود الصناعات الرقمية جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وبلوغ مستويات غير مسبوقة من الرقمنة والذكاء الاصطناعي، إذ يتوقع أن ينمو الاقتصاد الرقمي ليصل إلى 24.3% من إجمالي الناتج المحلي العالمي[16].
في عام 2020، سجل الإنفاق العالمي على التحول الرقمي 1.3 تريليون دولار أمريكي، بزيادة 10.4 في المائة سنويا. وفي العام الحالي 2022، من المتوقع أن يصل الإنفاق على التحول الرقمي إلى 1.8 تريليون دولار أمريكي. أما بحلول عام 2025، من المتوقع أن يصل الإنفاق على التحول الرقمي العالمي إلى 2.8 تريليون دولار أمريكي، وهذا وفق قاعدة بيانات Statista، أنظر الشكل رقم (1)[17].
ومما هو جدير بالذكر، أن الإنفاق على تقنيات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات قد بلغ 4.92 تريليون دولار أمريكي في عام 2019، ومن المتوقع أن ينمو إلى 5.82 تريليون دولار بحلول عام 2023[19]. وتصنف الولايات المتحدة على أنها الدولة الأكثر تنافسية في الرقمنة العالمية حيث تُعد الدولة الأكثر قدرة على تبني التقنيات الرقمية، وتنفيذ هذه التقنيات داخل المؤسسات والمنظمات الحكومية، تليها مجموعة الدول الإسكندنافية، مثل الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا[20].
وبين عامي 2020 و2024، من المتوقع أن تصل الاستثمارات المباشرة في التحول الرقمي إلى ما مجموعه 7.8 تريليون دولار أمريكي. ويشير التحول الرقمي إلى اعتماد التكنولوجيا الرقمية لتحويل العمليات والخدمات التجارية من غير رقمية إلى رقمية؛ يشمل هذا، على سبيل المثال، نقل البيانات إلى السحابة، واستخدام الأجهزة والأدوات التكنولوجية للاتصال والتعاون، وأتمتة العمليات[21].
وفي عام 2018، قدر “معهد ماكينزي الدولي” أنه يمكن إضافة 13 تريليون دولار إضافية إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، من خلال الرقمنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي حيث تخلق هذه التقنيات فرصا تجارية جديدة كبيرة تحفز الاستثمار وتزيد مكاسب الإنتاجية في الاقتصاد[22].
ويعد سوق خدمات تكنولوجيا المعلومات من القطاعات الفرعية الرئيسية في صناعة تكنولوجيا المعلومات، ويجلب هذا القطاع الفرعي مئات الملايين من الدولارات كل عام، مع توقعات تشير إلى أن هذا الرقم سيصل إلى 1.19 تريليون دولار أمريكي في الإنفاق في عام 2022 بعد تجاوزه حاجز تريليون دولار في عام 2019. وعلى سبيل المثال في عام 2020، حققت شركة Dell الأمريكية ما يقرب من 90 مليار دولار أمريكي من إيرادات خدمات تكنولوجيا المعلومات العالمية، مما جعلها أكبر شركة لخدمات تكنولوجيا المعلومات في العالم من حيث صافي المبيعات. وتشمل الشركات الكبرى الأخرى في سوق خدمات تكنولوجيا المعلومات شركة IBM، التي تجاوزت إيراداتها 77 مليار دولار، إلى جانب شركتي Cisco وAccenture، اللتين حققتا 51.6 و44.7 مليار على التوالي[23].
وطبقا لمؤشر Digital Economy and Society Index (DESI)[24] عام 2021، يمتلك 56٪ من الأفراد في الاتحاد الأوروبي المهارات الرقمية الأساسية على الأقل. ويوجد لدى الاتحاد الأوروبي 8.4 مليون متخصص في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مقارنة بـ 7.8 مليون في العام 2019.
وحاصل ما تقدم، أن الاقتصاد الرقمي قد أصبح لاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، وبات قطاعا حيويا يعمل على دفع وتطوير القطاعات الأخرى التقليدية، ولديه القدرة على إنشاء نشاطات وتعاملات لم تكن موجودة من قبل، تتسم بالسرعة والتنوع والدقة الفائقة. ويشير ذلك بصورة واضحة إلى أن مستقبل الاقتصاد العالمي يظل رهين التطورات والتحولات الرقمية ويحتاج لاستعدادات ومهارات واستثمارات تفوق ما كان عليه الاقتصاد العالمي سابقا.
- الموقف الدولي تجاه الضرائب الرقمية:
لقد تزايد، في الآونة الأخيرة، اهتمام مختلف دول العالم بالنظم الضريبية، فمنذ مطلع عام 2010 كان هناك استياء متزايد في العديد من الدول مفاده أن القواعد الضريبية الحالية، المحلية والدولية، لم تعد صالحة للتطبيق في الوقت الحاضر، فهي تسمح لبعض الشركات متعددة الجنسيات بالتهرب الضريبي على نطاق واسع. وقد أصبح من غير المقبول عدم دفع تلك الشركات حصتها العادلة من الضرائب، أو ما يسمى حرمان الدول من الإيرادات الخاضعة للضريبة. وقد دفع هذا الوضع مجموعة العشرين G20 إلى تفويض منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لاقتراح تغيير ضريبي في القواعد الضريبية وسياسات تحويل الأرباح، فيما أطلق عليه مبادرة Base Erosion and Profit Shifting Project (BEPS) بهدف تطوير ضريبة الخدمات الرقمية Digital Service Tax DST مثل الإعلان الرقمي، نقل البيانات الشخصية، الوساطة في السوق[25]. وفي يوليو 2013، وضعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خطة عمل بشأن تآكل القاعدة وتحويل الأرباح[26].
ونتيجة لتزايد النزعة العالمية تجاه الضرائب الرقمية في أعقاب جائحة كورونا عام 2020، أعرب القادة السياسيون ووسائل الإعلام والمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم عن قلقهم المتزايد بشأن التخطيط الضريبي من قبل الشركات متعددة الجنسيات، التي تستفيد من الفجوات في تفاعل الأنظمة الضريبية المختلفة مع خفض الدخل الخاضع للضريبة بشكل مصطنع أو تحويل الأرباح إلى الولايات القضائية منخفضة الضرائب، خاصة التي يتم فيها ممارسة نشاط اقتصادي ضئيل أو معدوم. وقد اتجه قادة الاتحاد الأوروبي للنظر إلى نشاطات الشركات الأكبر أو ما يطلق عليهم “عمالقة التكنولوجيا في العالم”، واتفقوا من حيث المبدأ على فرض ضريبة رقمية، مع تقديم التفاصيل في منتصف عام 2021[27].
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن إجبار شركات التكنولوجيا على دفع المزيد من الضرائب هو مسألة تتعلق بالعدالة الاجتماعية[28]. وتستهدف هذه الدول من فرض الضريبة الرقمية، أهدافا عديدة في مقدمتها الاستفادة من الثروة والحماية من التهرب، أي منع أكبر الشركات في العالم من التهرب من الضرائب. حيث تخسر الحكومات الأوروبية إيرادات ضريبية تقدر بحوالي 100-240 مليار دولار أمريكي سنوياً وفق تقدير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية. كما يخسر مواطنو أوروبا للاضطرار لدفع الفاتورة من خلال ضرائب أعلى للخدمات التي كان من الممكن تمويلها من عائدات ضريبة دخل الشركات. كما تواجه الشركات المحلية صعوبة في التنافس مع الشركات متعددة الجنسيات التي يمكنها خفض فواتيرها الضريبية عن طريق تحويل الأرباح إلى الخارج [29].
ويلخص الشكل رقم (2)، أهم دوافع البلدان الأوروبية ومجموعة العشرين، نحو فرض ضريبة رقمية على الشركات، يتصدرها استغلال وفورات الثورة الرقمية، وإيجاد مصدر جديد للتمويل، والحد من التهرب الضريبي، وإعادة النظر في قواعد التجارة الدولية من ناحية النظام الضريبي وغيرها.
شكل (2) أهم دوافع الضرائب الرقمية
ووفقًا لبيانات أحدث من Euractiv، استنادًا إلى إحصاءات الملاذات الضريبية مثل برمودا أو أيرلندا، فإن حوالي 40% من أرباح الشركات متعددة الجنسيات تتجنب الضرائب. وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي محروم من 20% من إيراداته من الشركات[30].
وبطبيعة الحال، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى جعل القواعد الضريبية الدولية منسقة بشكل أفضل، عبر زيادة تبادل المعلومات بين البلدان، ليكون من الصعب على الشركات متعددة الجنسيات تحويل الأرباح بشكل مصطنع إلى الخارج لدفع ضرائب قليلة أو عدم دفع ضرائب على الإطلاق[31]. أضف إلى هذا، محاولة تجاوز جزئية أن قواعد التجارة الدولية لا تعطي للدول الحق في فرض ضرائب على دخول الشركات متعددة الجنسيات، حيث تبرر ملكية الأصول لدولة ما فرض ضريبة على أرباح تلك الشركات[32].
وفي الأول من يوليو 2021، عقدت اتفاقية تاريخية، وافقت خلالها 130 دولة على بيان يوفر إطاراً لإصلاح القواعد الضريبية الدولية، ويدعو إلى اتفاق شامل بحلول اجتماع أكتوبر 2021 لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة العشرين في أكتوبر 2021، مع دخول التغييرات حيز التنفيذ عام 2023. وتكمن النقاط الرئيسية في اتفاق يوليو عام 2021، في ركيزتين أساسيتين، الركيزة الأولى هي خروج كبير عن القواعد الضريبية الدولية القياسية في المائة عام الماضية، والتي تتطلب وجودا ماديا في بلد ما قبل أن يكون لهذا البلد الحق في فرض الضرائب. والثانية، شهدت اتفاق غير مسبوق بشأن الحد الأدنى العالمي من الضرائب والذي له تأثير على تحديد حد أدنى للمنافسة الضريبية بين الولايات القضائية[33].
وفي 13 أكتوبر 2021، وافق وزراء مالية مجموعة العشرين على إصلاح القواعد الضريبية العالمية، والذي تم الاتفاق عليه مسبقاً، حيث تضمن الاتفاق توقيع 136 دولة ضمن إطار العمل الشامل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية/مجموعة العشرين. ويعمل هذا بشكل رئيسي على إمكانية فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات حتى في حالة عدم وجود مادي لها، مما يعكس الحقائق الجديدة للاقتصاد الرقمي، بالإضافة إلى وضع حد أدنى لمعدل الضريبة العالمي من أجل وضع حد للممارسات المتبقية تحويل الأرباح[34].
وعلى هذا النحو، فإن سعي هذه الدول إلى صياغة هذا الإطار، يعتبر خطوة مهمة في اتجاه تطبيق الضريبة الرقمية والتأثير على القطاع الأكثر أهمية في الاقتصاد العالمي حاليا. ويشار إلى أن مثل هذا الاتفاق، من الممكن أن يغير صناعة السياسات الضريبية عالميا. كذلك، يمكن أن يكون له مردود على حركة التجارة الدولة، وبالتحديد التجارة الإلكترونية وتعاملاتها.
- مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل الضرائب الرقمية المتوقعة:
إذا نجحت الحكومات في صياغة نظام ضريبي جديد، يخضع الشركات الرقمية أو شركات الرقمنة، فقد تسهل على البلدان جمع الإيرادات المتولدة داخل حدودها. وإذا فشلت، فإن مزيجا من الضرائب الرقمية المحددة يمكن أن يشعل الحروب التجارية ويعيق الابتكار. ويمكن أن تتخذ الضرائب على الاقتصاد الرقمي أشكالًا متنوعة مثل ضرائب الاستهلاك على المشتريات عبر الإنترنت أو اشتراكات الخدمة.[35]
ويتبين من الشكل (3) أن القصور في العلاقة بين هيكل النظام الضريبي ومستوى التقدم التقني يتمثل في ثلاث فجوات رئيسية هي[36]:
- الفجوة التشريعية: تمثلت في قصور التشريع الضريبي المصاغ ليتفق مع طبيعة المعاملات التجارية التقليدية في معالجة المعاملات التجارية الرقمية؛ لذلك لابد من إعلان الدول المختلفة عن بدء الإصلاحات التشريعية اللازمة لتتوافق مع طبيعة المعاملات الرقمية.
- الفجوة الإدارية: في الإدارة الضريبية هي الإدارة المختصة بتنفيذ القوانين والتشريعات الضريبية لذلك يجب عليها استخدام التكنولوجيا والابتكارات لضمان مستوى أعلى من كفاءة أداء النظام الضريبي في مجال الحصر وفحص وتحصيل الضرائب المتنوعة.
- الفجوة المفاهيمية: ما يزال المجتمع الضريبي يعاني من القصور في فهم العديد من المعاني والمفاهيم المتعلقة بالمعاملات الرقمية، مثل فجوة تحديد طبيعة بعض السلع والمنتجات مثل برامج الحاسبات الآلية والصور والتسجيلات الموسيقية وغيرها.
شكل (3) [37]
ومع انتشار الرقمنة عبر الاقتصاد بأكمله، من غير العملي وغير المرغوب اقتصادياً تمييز الأعمال “الرقمية” أو “الأقل رقمية” أو تحديد “الاقتصاد الرقمي”. على هذا النحو، من المحتمل أن تكون محاولات تصميم سياسات خاصة بما يسمى “الاقتصاد الرقمي” معيبة. ومن الأفضل عموماً لصانعي السياسات تجاهل التمييز واتخاذ نهج شامل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمجالات مثل الضرائب الدولية. وقد كان هذا هو الرأي المطروح من فريق الخبراء المعني بفرض الضرائب على الاقتصاد الرقمي الذي عقدته المفوضية الأوروبية عام 2014، وقد أشار تقرير هذا الفريق إلى أنه لا ينبغي أن يكون هناك نظام ضريبي خاص لمزيد من الشركات الرقمية، وبدلا من هذا، يجب تطبيق القواعد العامة أو تكييفها بحيث تكون هناك معاملة متساوية لجميع الشركات[38].
وقد اقترحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في العام 2015 أيضا أنه لا ينبغي للبلدان أن تحاول إحاطة شركات أو نماذج أعمال معينة بمعاملة ضريبية خاصة، مشيرة إلى أن “الاقتصاد الرقمي يتحول بشكل متزايد إلى الاقتصاد نفسه؛ ما يعني أن الضرائب الرقمية قد تمثل مخاطر تهدد الاقتصاد الرقمي[39].
ولكل ما سبق، فمن المحتمل أن تؤثر الضرائب الرقمية على الاقتصاد من عدة زوايا أهمها، التالي:
- التأثير على الأسعار: فمع فرض ضريبة جديد عادة ما تكون هناك زيادات في الأسعار تابعة لها، بما يؤدي إلى مزيد من التضخم. وذلك على أساس أن الزيادة في أسعار المنتجات والخدمات التي ستحدثها الضريبة الرقمية، وفي بعض الحالات، عدم القدرة على تحمل تكلفة هذه المنتجات والخدمات والتمتع بها. ونظرا للخصائص الهيكلية للقطاع الرقمي، فإن الخاسرين المحتملين في هذا السياق هم المستفيدون الرئيسيون من الخدمات الرقمية، أي الشركات الصغيرة والمتوسطة والمستهلكين. وسيتم نقل عبء الضريبة إلى الشركات التي تستخدم الخدمات الخاضعة للضريبة، والتي ستحول جزء منه إلى المستهلكين من خلال السعر النهائي لمنتجاتهم؛ أي أن العبء الأخير سيقع على عاتق متلقي الخدمة ومستخدميها[40].
- التأثير على الاستهلاك: غالبا ما تكون قيمة الآثار على الاستهلاك متعلقة بمدى أهمية السلعة أو الخدمة للمستهلكين، ومستوى الاحتكار القائم في سوقها. وفي الاقتصاد الرقمي، فإن التحول المستمر في طبيعة وأهمية منتجاته يزيد من فرص تأثر الاستهلاك بزيادة معدلات الضريبة على الأنشطة الرقمية.
- التأثير على الاستثمار الرقمي: الضرائب هي العدو الأول للاستثمار، فمع زيادة الضرائب تتراجع الاستثمارات. بما يعني وجود علاقة عكسية بين الضرائب الرقمية والاستثمار الرقمي، خاصة في حالة الدول النامية، التي ما تزال في مرحلة جنينية بشأن التحول الرقمي وتوطين التكنولوجيا فائقة الجودة. وبشكل عام، وبغض النظر عن التأثيرات الإيجابية التي تلعبها الضرائب من حيث مساهمتها في تقديم الخدمات العامة، فإنها تميل أيضا إلى التأثير على حوافز الشركة للقيام بالاستثمارات وتقليل المعروض من الأموال المتاحة لتمويلها. ففي صناعات مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية التي توفر خدمات النطاق العريض، وهي منصة مهمة لتقديم المعلومات والخدمات العامة وضمان النمو الاقتصادي، تميل الضرائب إلى تقليل مستوى الاستثمار الرأسمالي[41]. ويمكن أن تتأثر التجارة الدولية من خلال زيادة التكاليف. ويمكن لمتطلبات الممثل المحلي أو التسجيل المرتبطة بضرائب الخدمات الرقمية أو القواعد الضريبية الأخرى أن تقوض قدرة الشركات على توفير الخدمات عبر الحدود[42].
- التأثير على موازنات الدول: قد تساهم الضرائب الرقمية في إضافة مصدر جديد للإيرادات العامة. وهو الأمر الذي يجعل الدول، خاصة في الإتحاد الأوروبي، تتشبث بفرض ضرائب رقيمة، في محاولة منها للاستفادة من الوفورات الرقمية الحادثة من جانب، وبغية زيادة الحصيلة الضريبية من جانب آخر. مع إضافة بعد آخر، يتعلق بحاجة هذه الدول لزيادة تمويل نفقاتها المتزايدة في القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية الأساسية.
- تزايد النزعات الاحتكارية: فمع مزيد من الضغوط الضريبية تتزايد النزعات الاحتكارية. وهو ما يضر بالمنافسة، ويعمل على التناحر بين الشركات الكبيرة وبعضها البعض. وكذلك من الممكن أن تؤدي مثل هذه النزاعات إلى ضرر يصيب الشركات الصغيرة أو المتوسطة أو الشركات الناشئة في مجال الخدمات الرقمية.
- زيادة حدة التوترات التجارية بين الدول وبعضها البعض وبين الشركات الدولية والحكومة: واحدة من أهم الآثار التي يمكن لفرض ضريبة رقمية إحداثها، تتمثل في زيادة حدة التوترات بين البلدان، خاصة البلدان التي تتعامل بالمثل. وهنا، فمع فرض ضريبة رقمية على شركة في دولة ما، حتما سترد الدولة المعنية بمثل هذه المعاملة، بما يؤثر سلبا على قطاعات الرقمنة في كلا الدولتين. وربما من الممكن أن تدخل الدولتين في صراع ضريبي، يثبط الاستثمار الرقمي، ويضر الاقتصاد الرقمي برمته.
- اضطرار بعض الشركات إلى مغادرة بعض البلدان: التي تفرض ضرائب رقمية وانتقالها لبلدان أخرى لتمارس نشاطها أو تصريف منتجاتها. وقد تضطر بعض البلدان إلى خفض نشاطها أو الخروج من السوق. وهو ما يضيع على الدول استثمارات كان من الممكن أن تحفز النمو أو تزيد توظيف العمالة عالية المهارات أو تقدم خدمات رقمية عالية الجودة.
وعموما، فإن فرض ضريبة رقمية تختلف آثاره بين حالة البلد المتقدم والنامي، ويرجع ذلك لاختلاف البنيان الاقتصادي والهيكل العام للضرائب وممارسة الأعمال، وفي الوقت الذي ينعم فيه العالم المتقدم بقدرات عالية على فرض ضرائب، تارة بهدف التمويل، وتارة أخرى بهدف إقرار العدالة وتحقيق الفعالية. وذلك أخذا في الاعتبار أن قطاع الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات، قد وصل إلى مرحلة متقدمة للغاية، بما يمكن فيه أن يتم تفضيل الهدف المالي للضرائب على الهدف الاقتصادي.
وعلى العكس من ذلك تماما، فإن تغليب الهدف المالي المتمثل في زيادة الحصيلة الضريبية في الدول النامية قد يكبح الاستثمار في شركات التكنولوجيا التي تعد في مرحلة ناشئة أو جنينية ولا تقوى على تحمل تكاليف إضافية. ناهيك عن أن فرض ضرائب على شركات التقانة أو الشركات المسؤولة عن التحول الرقمي، قد يعطل قطاعات أخرى من الاقتصاد الأمر الذي قد يؤثر سلبا عليها وعلى مستقبل الاقتصاد العالمي بأسره، ويجعل البلدان النامية تقع في تناقض جوهري بين سعيها نحو التحول الرقمي ودفع الاستثمار في الرقمنة من جهة ورغبتها في زيادة الحصيلة الضريبية من جهة أخرى.
- السيناريوهات المستقبلية:
إن تطبيق الضرائب الرقمية يمثل نسق معقد يتكون من مجموعة من الأهداف والغايات ذات العلاقات المتشابكة فيما بينها على المستوى العالمي. وكذلك يحتاج إلى الموازنة الدقيقة بين الأولويات الاقتصادية والاجتماعية واختيار المزيج الصحيح من خيارات السياسة الضريبية. وهذا، يحتاج إلى فهم أفضل لطبيعة وآثار فرض الضرائب الرقمية على الشركات فائقة التكنولوجيا والشركات الرقمية. ولمساعدة صانعي السياسات على مواجهة آثار وتحديات فرض الضرائب الرقمية، تحتاج إلى تحديد الأولويات ودراسة السيناريوهات البديلة التي يتم تناولها في النقاط التالية:
- السيناريو الأول:
إن التطور المحتمل للضرائب الرقمية يقدم فرصا هامة للاقتصادات، ونظرا للتحول المتزايد نحو المنصات الرقمية في التجارة والإعلان وتوزيع المحتوى، أصبحت الضرائب موضوعاً مهماً بشكل متزايد؛ ووفقاً للسيناريو الأول، تدرك بعض الحكومات أن التدفقات الرقمية المتزايدة تصبح حاسمة في توليد الإيرادات وتضع المزيد من الآليات لتعظيم التحصيل في مجالات النشاط الاقتصادي. وعليه، ففي ظل وجود سيناريو متفائل يرى أن فرض ضريبية رقمية، ستكون آثاره وتبعاته إيجابية على الاقتصاد ككل، وسينعش مالية الدول. ومن ثم، فمحاولة الاستفادة من وفورات الثورة الرقمية، يعد ذو أولوية لدى الحكومات.
وفي عبارة أخرى، فإن الهدف من فرض ضريبة رقمية يأتي أولا بغرض الاستفادة من الثروات التي ولدتها الرقمنة والحماية من التهرب. كما يُنظر إلى الضرائب الرقمية على أنها مصدر جديد من مصادر التمويل. ناهيك، عن أنها مدخل لإعادة النظر في النظام الضريبي الدولي لجعله أكثر عدالة.
- السيناريو الثاني:
تعتبر بعض البلدان أن خفض الضرائب على القطاع الرقمي للاقتصاد يؤدي إلى آثار إيجابية على نمو الإنتاج والإنتاجية في هذا القطاع، وخصوصا في الدول النامية. ومع أخذ هذا في الاعتبار، تزيد فرص التشاؤم والتداعيات السلبية لفرض ضريبة على الشركات الرقمية. فبالنظر إلى الآثار المترتبة على فرض ضرائب على الأنشطة الرقمية في تجارب دولية عديدة، يمكن القول إن خفض عبء هذه الضريبة قد ساعد على زيادة مستويات واتجاهات الرقمنة في الاقتصادات. وبالتالي، سيكون فرض ضريبة رقمية مقيدا لسرعة وانتشار الخدمات الرقمية، حيث تؤدي زيادة تكلفتها إلى خفض الطلب عليها. نتيجة لهذا، في ظل السيناريو المتشائم، يمكن أن يحدث فرض ضريبة رقيمة، حالة من التراجع في الاقتصاد الرقمي، سواء على صعيد الانتشار أو الاستثمار ما سيؤثر على مستقبل الاقتصاد الرقمي وعلى وتيرة التعاملات الرقمية في المستقبل.
المراجع
[1]. يُعرّف التحول الرقمي (DX) على نطاق واسع بأنه دمج التقنيات الرقمية في مجالات الأعمال التجارية جميعها، وتحسين العمليات الحالية وإنشاء عمليات تشغيل جديدة وتقديم قيمة أكبر للعملاء. إنه يمثل تحولاً ثقافياً إلى طرق أكثر مرونة وذكاء لممارسة الأعمال، مدعومة بتقنيات مثل التحليلات المتقدمة والذكاء الاصطناعي (AI). https://www.statista.com/topics/6778/digital-transformation/#dossierKeyfigures.
[2] .OECD. (2018). Tax Challenges Arising from Digitalisation – Interim Report 2018: Inclusive Framework on BEPS, OECD/G20 Base Erosion and Profit Shifting Project, OECD Publishing, Paris.
http://dx.doi.org/10.1787/9789264293083-en.
[3]. Bunn, D .Asen, E and Enache,C. (2020). Digital Taxation Around the World, TAX FOUNDATION. https://taxfoundation.org/digital-tax/.
[4] .Aslam, A and A Shah. (2020). Tec(h)tonic Shifts: Taxing the ‘Digital Economy’. IMF Working Paper No 20/76.
[5]. تم الحصول على هذا التعريف من قاعدة بيانات هارفارد بيزنس ريفيو https://hbrarabic.com/%D8%A7%D9%84%D9
[6] . Aslam, A and A Shah. (2020). Tec(h)tonic Shifts: Taxing the ‘Digital Economy’. IMF Working Paper No 20/76.
[7] .Hadzhieva, Eli. (2016).TAX CHALLENGES IN THE DIGITAL ECONOMY. IP/A/TAXE2/2016-04. European Union, June.
[8]. International Telecommunication Union (ITU). (2015). THE IMPACT OF TAXATION ON THE DIGITAL ECONOMY. GSR15 Discussion Paper. the ITU’s 15th Global Symposium for Regulators, held at Libreville, Gabon, from 9 to 11 June.
[9] .European Commission.(2018).“Proposal for a Council Directive on the Common System of a Digital Services Tax on Revenues Resulting From the Provision of Certain Digital Services,” 7.
[10] International Telecommunication Union (ITU), op,cit. p13.
[11] Cristian Óliver Lucas-Mas, C O and Junquera-Varela, F R. (2021). Tax Principles Applied to Taxing the Digital Economy. World Bank Group. E-ISBN: 978-1-4648-1655-0. Mar. https://elibrary.worldbank.org/doi/pdf/10.1596/978-1-4648-1654-3_ch3.
[12] Katsufumi, K.(2021). Taxation on the Digital Economy – Issues on Implementation and Enforcement -Policy Research Institute, Ministry of Finance, Japan, Public Policy Review, Vol.17, No.1, January, P2.
[13] OECD (2015), Addressing the Tax Challenges of the Digital Economy, Action 1 – 2015 Final Report, OECD/G20 Base Erosion and Profit Shifting Project, OECD Publishing, Paris. http://dx.doi.org/10.1787/9789264241046-en.
[14] OECD, op,cit, p24.
[15] Lucas-Mas, C O and Junquera-Varela, R F.(2021). Tax Theory Applied to the Digital Economy: A Proposal for a Digital Data Tax and a Global Internet Tax Agency. The World Bank. ISBN (electronic): 978-1-4648-1655-0DOI: 10.1596/978-1-4648-1654-3. P43.
[16] Oxford Economics. (2020).Digital Spillover Measuring the true impact of the digital economy. Oxford Economics Ltd.p45.
[17] Mlitz, k.(2021).Digital transformation spending worldwide 2017-2025. Statista.,Nov 26. https://www.statista.com/statistics/870924/worldwide-digital-transformation-market-size/.
[18] Mlitz, k.(2021).Digital transformation spending worldwide 2017-2025. Statista, Nov 26. https://www.statista.com/statistics/870924/worldwide-digital-transformation-market-size/ .
[19] Liu,S.(2021), Digital transformation – Statistics & Facts, Apr 1, https://www.statista.com/topics/6778/digital-transformation/.
[20] Liu, S. (2021).Digital competitiveness rankings by country worldwide 2021, Statista. Oct 5. https://www.statista.com/statistics/1042743/worldwide-digital-competitiveness-rankings-by-country/.
[21] Mlitz,S.(2021), Global IT services providers ranked by revenue 2020, Jun 8, https://www.statista.com/statistics/479308/it-services-provider-revenue-ranking/.
[22] McKinsey Global Institute. (2019).Twenty-five years of digitization: Ten insights into how to play it right. Briefing note. May. P2.
[23] Mlitz, op.cit.
[24] European Commission. (2021). Digital Economy and Society Index 2021: overall progress in digital transition but need for new EU-wide efforts. 12 November. https://ec.europa.eu/commission/presscorner/detail/en/ip_21_5481.
[25] Olbert, S and Christoph, M.(2019): Taxation in the digital economy-recent policy development and question of value creation, (ZEW) discussion papers, No. 19-010, April.
[26] OECD. (2013), Action Plan on Base Erosion and Profit Shifting, OECD Publishing, Paris,
https://doi.org/10.1787/9789264202719-en.
[27] Latif, L. A. (2020), The Evolving ‘Thunder’: The Challenges Around Imposing the Digital Tax in Developing African, International Journal of DIGITAL TECHNOLOGY & ECONOMY, Volume 4 | Number1, May.
[28] Christie, R.(2021), TAXING TECH, FINANCE & DEVELOPMENT, International Monetary Fund, March.
[29] OECD. (0). Ending offshore profit shifting. https://www.oecd.org/about/impact/ending-offshore-profit-shifting.htm.
[30] PWC.(2021).Digital tax: what is it and how it works, September 18. https://payspacemagazine.com/all/weekly-digest-coinbase-to-join-crypto-futures-market-chaps-payments-explained-best-fintech-bootcamps/.
[31] BBC. (2021). Rich nations ‘millimetre away’ from tech tax deal, https://www.bbc.com/news/business-57349803.
[32] Congressional Research Service .(2019): Digital Services Taxes (DSTs): policy and economic analysis, CRS report, February.
[33] KPMG. (2021). BEPS 2.0 Pillar One and Pillar Two: KPMG Insights on the recent OECD ‘blueprints’. https://home.kpmg/xx/en/home/insights/2020/10/beps-2-0-pillar-one-and-pillar-two.html.
[34] OECD. (2021). The OECD’s Two-Pillar Global Tax Reform. Committees European Parliament. October. https://www.europarl.europa.eu/committees/en/the-oecd-s-two-pillar-global-tax-reform/product-details/20211015CDT08641.
[35] Christie, Op, cit. p12.
[36] إبراهيم، آ.ع.(2021). دور التحول الرقمي في دعم الإيرادات الضريبية، مجلة البحوث المالية، العدد الأول، جامعة بورسعيد، يناير.
[37] المصدر: إبراهيم، آ.ع. (2021). دور التحول الرقمي في دعم الإيرادات الضريبية، مجلة البحوث المالية، العدد الأول، جامعة بورسعيد، يناير.
[38] European Commission.(2014).“Report of the Commission Expert Group on Taxation of the Digital Economy.
[39] OECD. (2015). Addressing the Tax Challenges of the Digital Economy, Action 1 – 2015 Final Report, OECD Publishing, Paris.
[40] PWC. (2019). Economic impact of digital services tax in Spain. Final Report .9 January. https://www.adigital.org/the-digital-tax-will-have-a-negative-economic-impact-of-up-to-e662-million-on-the-spanish-gdp/.
[41] Katz, R., Flores-Roux, E., Callorda, F. (2012). Assessment of the economic impact of taxation on communications investment in the United States. New York: Telecom Advisory Services LLC.p17.
[42] World Economic Forum. (2021). Digital Trade in Services and Taxation. Whitpaper. October. P23.