مقدمة:
بينما يتخذ العالم العام 2050 كخط أساس لتحقيق هدف صفر انبعاثات كربونية، فإن محاولات احتواء التداعيات الاقتصادية عبر التوسع في برامج التعافي الاقتصادي قد أفضت لزيادة الانبعاثات الكربونية في العام 2021 وحده بنحو 1.9 جيجا طن لتصل إجماليها لنحو 36.6 جيجا طن.
ولما كان التغير المناخي قد بات التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية على الإطلاق؛ فإن تداعياته المختلفة والخطيرة تنبئ بمستقبل مظلم للبشرية ما لم يتحرك العالم بسرعة وبفعّالية ويعوض الوقت الذي فات. وقد أكدت أحداث عام 2022 -كسابقاتها من السنوات العشر الأخيرة تقريبًا- الحاجة الواضحة لبذل المزيد من الجهد لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وما ينجم عنها من أضرار جسيمة تلحق بالنظم البشرية والطبيعية الناجمة عن التغيرات المناخية التي يسببها الإنسان والتي تزيد من تواتر وشدة وتفاقم الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الجفاف وحرائق الغابات وموجات الحرارة غير المسبوقة والأعاصير والفيضان وغيرها من الظواهر التي تسببت بالفعل في دمار شامل في عدد من مناطق العالم. وتقدر الخسائر التي تسببت فيها تداعيات التغير المناخي خلال عام 2022 بمئات المليارات، بينما قُتل وفُقد الآلاف وشرد الملايين؛ ما يشير إلى مدى الخطر الذي يشكله التغير المناخي ليس فقط على الاقتصاد وإنما على الأرواح أيضًا. وما لم تكن هناك تحركات سريعة ومنظّمة، فإن التداعيات ستتفاقم، وقد تكون عواقبها كارثية على الجنس البشري برمته.
وفي ضوء حمل دولة الإمارات لواء العمل المناخي الدولي في العام 2023 وصولًا لمؤتمر الأطراف الدولية COP28، فإن الدراسة الحالية تحاول استعراض ملامح الطريق إلى هذا المؤتمر، عبر استعراض أهم التداعيات الدولية للتغير المناخي، فضلًا عن استعراض الخطوط العريضة للعمل المناخي الدولي خلال الفترة الممتدة من المؤتمر المناخي الأول، وصولًا لمؤتمر قمة شرم الشيخ في أواخر العام 2022. كما تعرض لأهم العقبات الرابضة في طريق الوصول للحياد الكربوني المستهدف من دول العالم كافة، ثم الأدوار المنوطة بدولة الإمارات لرفع آمال العالم نحو التحول المناخي المنشود بحلول العام 2050.
التداعيات العالمية للتغير المناخي:
إن تداعيات التغير المناخي باتت تشمل كل نواحي الحياة البشرية دون استثناء. وهي عامة، حيث لا يوجد دولة أو شعب أو منطقة بمعزل عن هذه التداعيات. ولو أخذنا عام 2022 كمثال، فقد كانت تداعيات التغير المناخي واضحة وأظهرت أحدث المؤشرات على مخاطر هذه الظاهرة وشمولها من حيث المكان والجوانب الحياتية. فقد ضربت أوروبا موجات حرارة وجفاف لم تشهد مثلهما القارة العجوز منذ خمسة قرون. وفي إسبانيا توفي أكثر من 500 شخص بسبب موجة الحرارة التي تم تسجيلها والتي تجاوزت 45 درجة، بينما تجاوزت الحرارة في بريطانيا لأول مرة حاجز 40 درجة[1]. كما اجتاحت هذه الموجة عددًا من دول القارة، من بينها البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وسببت حرائق واسعة في الغابات.
وفيما يلي عرض لأهم التداعيات المناخية حسب الأقاليم الجغرافية الدولية:
- في الولايات المتحدة كانت التداعيات كارثية، إذ وقعت في فصل الصيف حرائق قوية في عدد من الولايات وعمت البلاد موجة حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية، بينما أدت أمطار غزيرة إلى فيضانات في مناطق مختلفة. كما ضربت عدة ولايات أعاصيرُ وعواصف قوية ومدمرة تسببت في خسائر غير مسبوقة. كما اجتاحت الأعاصير دولًا عدة في الكاريبي وأمريكا اللاتينية، حيث ضرب إعصار “يان” كوبا[2]، بينما استمر الإعصار المداري “فيونا” حتى السواحل الشرقية لكندا بعدما تسبب في خسائر فادحة في أمريكا اللاتينية. وعانت معظم دول أمريكا الجنوبية من الجفاف، وتراجع منسوب المياه في البحيرات والأودية[3].
- أما في آسيا فقد كانت الفيضانات كارثية في كل من أستراليا ونيوزيلندا. كما عانت دول عديدة مثل أفغانستان من حرارة مفرطة، بينما ضربت الهند موجة جفاف شديدة. وضربت الصين عشرات العواصف، بينما سجلت أخطر جفاف منذ أكثر من نصف قرن، وأعلى حرارة منذ بدء رصد التغيرات. وعانت دول آسيوية أخرى من جراء تداعيات التغير المناخي؛ ومنها على سبيل المثال كوريا الجنوبية والفلبين واليابان وبنغلاديش التي ضربتها عواصف قوية. أما باكستان فقد غمرت المياه بسبب الأمطار الموسمية القوية أكثر من ربع مساحتها، وقُتل وفُقد الآلاف، بينما فقد أكثر من 30 مليون شخص على الأقل بيوتهم وأكثر[4].
- وفي أفريقيا، تلك القارة التي تعاني أكثر من غيرها برغم مساهمتها التي لا تكاد تُذكر في هذه المشكلة، فقد كانت تداعيات التغير المناخي عليها قوية، حيث تأثرت العديد من دول القارة بشكل كبير بهطول الأمطار والفيضانات والجفاف، بينما أصبح أكثر من 20 مليون شخص مهددين بالمجاعة، ولاسيما في إثيوبيا والصومال وكينيا.[5]
وهكذا نجد أن تداعيات التغير المناخي تنطوي على مخاطر حقيقية. وقد شهد العقد الماضي بالفعل تزايدًا واضحًا في تأثير التغير المناخي في جميع أنحاء العالم على كل من النظم الإيكولوجية البحرية، والمياه العذبة، والحياة البرية، والأمن الغذائي، والبنية التحتية، والصحة والرفاه، والاقتصادات، وحتى الثقافة. كما أثر تغير المناخ على خدمات النظام البيئي المرتبطة بصحة الإنسان وسبل العيش، حيث أدى الاحترار إلى تقليل الموائل الحرارية، كما هو الحال في القطبين الشمالي والجنوبي، وقمم الجبال وخط الاستواء، فقد أصبحت النظم البيئية الأكثر سخونة لا تطاق بالنسبة للعديد من الأنواع والكائنات. وقد أثرت الظواهر المتطرفة المرتبطة بالمناخ أيضًا على إنتاجية جميع قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على الأمن الغذائي وسبل العيش.
وفيما يتعلق بأنظمة المياه والأمن المائي يعاني ما يقرب من نصف سكان العالم ندرة شديدة في المياه، لمدة شهر واحد على الأقل في العام الأول؛ بسبب العوامل المناخية وعوامل أخرى[6]. ويتجلى انعدام الأمن المائي من خلال ندرة المياه التي يسببها المناخ، وعدم كفاية إدارة المياه، بينما فاقمت الأحداث المتطرفة التي لا تزال قائمة من التأثيرات المجتمعية، وأثرت سلبيًا على الزراعة وإنتاج الطاقة، وزادت من الإصابة بالأمراض التي تنقلها المياه. ولا تخفى الآثار الاقتصادية والمجتمعية لانعدام الأمن المائي، والتي هي أكثر وضوحًا في البلدان المنخفضة الدخل منها في البلدان ذات الدخلين المتوسط والمرتفع.
وتتجاوز تأثيرات التغير المناخي هذه القضايا، حيث أضرت حتى بالصحة البدنية والعقلية للإنسان. وغالبًا ما تقوض الآثار الصحية جهود التنمية الشاملة في الكثير من دول العالم.
إذن، فإن التغير المناخي وما يتسبب فيه من ارتفاع في درجة حرارة العالم يشكل خطرًا حقيقيًا على البشر، وإن الفشل في التصرف اليوم سوف يؤثر بعمق في مستقبلهم على كوكب الأرض.
وقفة مع الجهود الدولية لمحاصرة التداعيات المناخية: من COP1 إلى COP27
لا شك أن العالم تنبه إلى التغير المناخي في وقت مبكر نسبيًا، حيث ظهرت دراسات في السبعينيات من القرن الماضي تحدثت عن التغير المناخي قبل أن يتم كشف ثقب الأوزون في منتصف الثمانينيات، بينما بدأت تتكشف تدريجيًا التداعيات مع تفاقم حدة الظواهر الطبيعية. ولكن، في المقابل هناك شبه إجماع على أن العالم لم يتحرك في الوقت المناسب. ولو أن الدول الكبرى – ولا سيما الصناعية منها – قد استجابت واتخذت خطوات فعّالة في وقت مبكر لربما كان الوضع مختلفًا كثيرًا، ولما وصل العالَم إلى ما هو عليه اليوم. ومع ذلك فقد كانت هناك جهود دولية للتعامل مع هذا التحدي، وفيما يلي أهمها:
- ما قبل قمة الأرض، وتحديدًا في الفترة 1968-1969، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها 2398، أن تعقد في عام 1972 مؤتمرًا عالميًا في ستوكهولم، كان غرضه الرئيسي “أن يكون بمثابة وسيلة عملية للتشجيع وتوفير المبادئ التوجيهية… لحماية وتحسين البيئة البشرية وعلاج ومنع إضرارها[7]. ويُعد هذا أول مؤتمر عالمي يجعل البيئة قضية رئيسية، حيث وضع القضايا البيئية في مقدمة الاهتمامات الدولية، وشكّل بداية حوار بين البلدان الصناعية والبلدان النامية بشأن الصلة بين النمو الاقتصادي والتلوث البئي[8]. وكانت إحدى النتائج الرئيسية للمؤتمر إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP)).
- كما يُنظر إلى البرنامج العالمي لأبحاث المناخ (WCRP) الذي تم إنشاؤه في عام 1980 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في جنيف والمجلس الدولي للاتحادات العلمية (ICSU) في باريس، كخطوة أخرى مهمة في مسيرة الجهود الإنسانية للتعامل مع التغير المناخي، حيث أعطى دفعة قوية لعلوم المناخ، ولا سيما فيما يتعلق بالمحاكاة العددية لظواهر الغلاف الجوي والمحيطات.
ولكن لفهم أسباب وتحديات وعواقب تغير المناخ أنشأت الأمم المتحدة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في نوفمبر 1988[9]، ويتمثل دورها في إعداد ونشر التقارير التي تقدم صورة واضحة وحديثة للحالة العلمية الحالية والمعرفة المتعلقة بتغير المناخ.
- قمة الأرض 1992. بدأت الخطوات العملية في مكافحة التغير المناخي مع قمة الأرض عام 1992 التي انعقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية. ويعد هذا الحدث أول تحرك جماعي جدّي على مستوى العالم، حيث بدأ المجتمع الدولي مكافحة تغير المناخ، في قمة الأرض الثانية. وبعد المؤتمر وقعت 166 دولة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي تقر بدور البشرية في الاحتباس الحراري، والتي تعد على نطاق واسع الخطوة الأولى في التصدي لمشكلة التغير المناخي[10]. وفي كل عام، ينعقد مؤتمر الأطراف بمشاركة جميع الدول التي صادقت على الاتفاقية، والتي بلغ عددها 197 دولة اعتبارًا من عام 2021.
- بروتوكول كيوتو ديسمبر 1997. يعد بروتوكول كيوتو الذي تم اعتماده في 11 ديسمبر 1997، نقلة نوعية في طريق عولمة مشكلة التغير المناخي، حيث يمثل الخطوة الأولى لتنفيذ اتفاقيه الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992. ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى 1 فبراير 2005 [11]. وأهم ما حققه بروتوكول كيوتو هو تعزيز عدد من السياسات الوطنية وإنشاء آليات مؤسساتية جديدة، ومن ثم تعزيز تنمية أنظمة خاصة بضبط الانبعاثات، إلا أنه واجه – في المقابل – تحديات منهجية، ولم يتمكن من إنشاء نظام عالمي بالكامل. كان الهدف هو تقليل انبعاثات 6 من الغازات الدفيئة بنسبة 5.2 % مقابل مستويات 1990 في مرحلة ما بين عامي 2008 و2012. وبناءً على ذلك، تم تقديم مبادرات مختلفة للحد من الانبعاثات من قبل معظم البلدان المتقدمة.
- مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ ديسمبر 2009. اجتمعت الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في كوبنهاغن في ديسمبر 2009 لصياغة اتفاقية جديدة لتحل محل بروتوكول كيوتو. وعلى الرغم من اعتباره مؤتمرًا غير ناجح بالعموم – بل لقد وُصف بـ “المؤتمر الفاشل” – فإنه يُنسب له تحديد الحد الأقصى للزيادة المقبولة في درجة الحرارة العالمية رسميًا بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. ومع ذلك، لم يتمكن المشاركون من التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن غازات الدفيئة وأهداف خفض الانبعاثات للحفاظ على الاحترار العالمي دون هذه العتبة.
- مؤتمر تغير المناخ في كانكون والصندوق الأخضر للمناخ ديسمبر 2010. وقد اختتمت محادثات تغير المناخ في كانكون بالمكسيك بحزمة قرارات لمساعدة الدول في التقدم باتجاه انبعاث أقل للغازات في المستقبل، وقد اتفقت الأطراف على إنشاء صندوق المناخ الأخضر، الذي يُمنح 100 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من عام 2020، لمساعدة البلدان النامية على تبني مبادرات لمكافحة تغير المناخ، بالإضافة الى اتخاذ إجراءات لحماية غابات المناطق الحارة وتبادل التكنولوجيا في مجال حماية البيئة[12]. ومع ذلك، أعربت كثير من الدول والمنظمات غير الحكومية عن عدم رضاها عن الطريقة التي يتم بها تمويل الصندوق.
- اتفاقية باريس ديسمبر 2015. وقد انتهت بحل وسط وافقت عليه كل دول العالم، لأول مرة. وقد اعتُبرت تاريخية؛ لأنها أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وأهميتها تنبع من الهدف الأساسي لها، حيث نصت على احتواء الاحتباس الحراري “نهائيًا” بما لا يزيد على +2 درجة مئوية حتى عام 2100، وإذا أمكن +1.5 درجة، مقارنة بتلك المسجَّلة في عصر ما قبل الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر[13]. كما تهدف الاتفاقية أيضًا إلى تعزيز قدرات الدول على التعامل مع تأثيرات التغير المناخي المختلفة. وتقر أيضًا بضرورة قيام البلدان المتقدمة بتقديم الدعم المالي ونقل التكنولوجيا إلى البلدان النامية. ويشدد الاتفاق كذلك على أهمية الدور المطلوب ليس فقط من قِبل الدول، ولكن أيضًا من قِبل المدن والمناطق والشركات والأفراد في إجراء هذا التحول. وبرغم أهميتها، وبعد مرور 8 سنوات عليها، فمازال التقدم دون المستوى المطلوب، وذلك بالطبع لأسباب مختلفة.
- أكتوبر 2018 – سبتمبر 2019 – ثلاثة تقارير IPCC. حيث نشر خبراء المناخ في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من جميع أنحاء العالم ثلاثة تقارير شاملة في غضون عام واحد: الأول يتعامل مع عواقب ارتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، والثاني مع تأثير الاحترار العالمي على الأرض، والثالث تأثيره على المحيطات والبحر والغلاف الجليدي[14]. وقد عززت هذه التقارير تصميم المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير طوعية للحد من تغير المناخ.
- الصفقة الأوروبية الخضراء ديسمبر 2019. وتهدف هذه الصفقة المعتمدة من المجلس الأوروبي في ديسمبر 2019، في المقام الأول إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050؛ أي لضمان أن الاتحاد الأوروبي لا ينبعث لديه من غازات الاحتباس الحراري أكثر مما يمكنه امتصاصه (المعروف باسم “صافي الانبعاثات الصفرية”). وبعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاق، قطعت الصين تعهدًا مشابهًا بأن تكون الانبعاثات “ذروة” قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060. وعادت الولايات المتحدة، التي انسحبت من الجهود الدولية في ظل رئاسة دونالد ترامب، إلى المسرح العالمي في أوائل عام 2021 بعد انتخاب جو بايدن.
- كوب 26 غلاسكو 2021، والذي انعقد في مدينة غلاسكو البريطانية في أكتوبر -نوفمبر 2021. وبعد 13 يومًا من المفاوضات بين ما يقرب من 200 دولة، تم التوقيع على ميثاق غلاسكو للمناخ، ومن أبزر الإنجازات وضع اللمسات الأخيرة على المبادئ التوجيهية للتنفيذ الكامل لاتفاق باريس؛ والحل الوسط الذي تم التوصل إليه بشأن المادة السادسة المتعلقة بأسواق الكربون، والذي سيضمن تكافؤ الفرص للجميع؛ والانتهاء من المفاوضات حول إطار الشفافية المعزز، الذي يسمح للبلدان بمواصلة بناء الثقة[15]. وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت في غلاسكو، فقد بقي العالم بعيدًا عن المسار الصحيح لتحقيق الاستقرار في ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة، وتواصلت الدعوات لمزيد من التعاون الدولي الفوري لإعادة العالم إلى المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف.
- كوب 27 شرم الشيخ، مصر. وهو المؤتمر السابع والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ((COP27، وقد انعقد في شرم الشيخ المصرية بحضور دول العالم معًا لتسريع الجهود العالمية لمواجهة أزمة المناخ. وقد اكتسب هذا المؤتمر أهمية خاصة؛ لأنه انعقد بينما أظهرت أحدث الدراسات أن تغير المناخ يتحرك أسرع بكثير مما نحن عليه؛ ما يدفع النظم البيئية والمجتمعات إلى أقصى حدودها. وقد حققت القمة نتائج مهمة؛ حيث اختتم المؤتمر بقرار تاريخي بإقرار صندوق للأضرار والخسائر المترتبة على التغير المناخي، وهي خطوة مهمة لأنها جاءت بعد خلافات حادة بين الدول والمجموعات المتفاوضة. كما تحققت إنجازات أخرى، ولا سيما فيما يتعلق بملفات الأمن الغذائي، حيث تم الاعتراف ولأول مرة بعلاقة أزمات التنوع البيولوجي بتغيرات المناخ[16].
ورغم هذا المسار التاريخي الدولي الطويل، وبينما تعددت الجولات المناخية الدولية، فإن هناك العديد من التحديات العالقة في هذا المسار. والجزء التالي من هذه الدراسة يسلط الضوء على أهم هذه التحديات الدولية.
أهم التحديات التي واجهت العمل المناخي الدولي:
لعل المتمعن في طول المسار الخاص بالعمل المناخي الدولي يرى أن العقبات الرابضة في طريق هذا التعاون الدولي هي المسؤولة عن طول أمد المفاوضات، وهي المتسببة في ارتفاع تكاليف التصدي للتحديات المناخية حاليًا. فبينما يتشارك ويتأثر العالم في مشكلات المناخ والبيئة بطريقة أقرب للعدالة، فإن التأثير والتسبب في هذه الأضرار وتلويث البيئة لا يتوزع بنفس هذه العدالة. فهناك دول وأقاليم أكثر من غيرها في الإضرار بالبيئة العالمية، وهناك أقاليم أكثر من غيرها ستتحمل العبء الأكبر من الأضرار البيئة الدولية. ولغياب التناظر بين التأثير والتأثر البيئي، ظهرت العقبات في طريق العمل الدولي في قضايا المناخ.
وعمومًا، فإن النقاط التالية تبرز أهم هذه التحديات التي تواجه العالم حاليًا:
- إن أهم التحديات التي تواجه العمل المناخي الدولي لا تقتصر فقط على ضخامة الأموال والاستثمارات والتكاليف الرأسمالية المطلوبة لمواجهة الأضرار المناخية التي نجمت من الانبعاثات الكربونية المتراكمة، لكنها تتمثل في آليات تعبئة هذه التمويلات من اقتصادات العالم المختلفة، وخصوصًا في ظل أن جزءًا أصيلًا من الاقتصادات العالمية، والمتمثل في دول العالم النامي، لا تسعفها إمكاناتها وظروفها الاقتصادية الراهنة لتحمُّل هذه الأعباء الرأسمالية الضخمة.
- ورغم أن اتفاق باريس للمناخ قد ألزم الاقتصادات المتقدمة بتمويل موجّه للدول الأقل دخلًا مقداره حوالي 100 مليار دولار سنويًا، لكن غياب آلية دولية ملزمة لتنفيذ هذه الالتزامات خلق تحديًا جديدًا أمام العمل المناخي الدولي؛ ألا وهو ضعف فاعلية الالتزامات المناخية الدولية في معالجة القضايا المناخية والبيئية الملحّة. وينطبق ذلك بالطبع على طبيعة وآليات تنفيذ الالتزام الدولي الجديد الناتج عن مؤتمر COP27 بشأن صندوق الأضرار والمخاطر.
- ويمثل التنافس الصيني-الأمريكي معضلة أساسية في طريق العمل المناخي الدولي، فهو يمثل السبب الجوهري في نشوء وتفاقم العقبات أمام العمل المناخي الدولي، وذلك في ضوء ما يلي:
- أن أول عقبة في طريق العمل المناخي الدولي تتمثل في التنافس الصيني-الأمريكي عمومًا، وفي تحملهما المسؤولية تجاه قضايا المناخ تحديدًا. ولقد لعبت قضايا المناخ الدولية دورا سلبيًا في دعم السياسات الحمائية وفي الصراعات التجارية بين هذين القطبين، إما عن طريق توظيف المناخ بطريقة متحيزة في هذا السياق، أو عبر التهديد بالخروج من الاتفاقات المناخية الثنائية[17]. ولذلك، فإنه فمن الممكن شيوع استخدام الرسوم الجمركية المرتبطة بقضايا المناخ في الصراعات التجارية، كما يتم توظيفها حاليًا في سياق الصراع التجاري الصيني-الأمريكي.
- وبينما تعتبر قضية توزيع المسؤولية عن الانبعاثات الكربونية العالمية محلًا للخلاف الدائم في جدول مناقشات قمم المناخ الدولية. وبالتالي، فإن غياب التوافق بين قطبي التلوث العالمي في أمريكا والصين سيمنع وجود الضمانة الأساسية للتوافق حول توزيع المسؤولية على الصعيد العالمي.
- وليست قضية التنافس الصيني-الأمريكي هي العقبة الوحيدة في طريق العمل المناخي الدولي. ففي ضوء أن الاقتصاد الهندي يشكل واحدًا من مصادر التلويث الكربوني الرئيسية في العالم[18]، لكون الهند من كبريات دول العالم في الأنشطة الإنتاجية، لكن وقوع اقتصادها ضمن الشريحة الدنيا في الدول المتوسطة الدخل وفق تصنيف البنك الدولي[19]، فإن قضية تصنيفه ضمن فئة الممولين لبرامج المناخ أو ضمن المستحقين ستظل محل جدال وخلاف دولي. فمن ناحية، تعتبر الأنشطة الإنتاجية الهندية مسؤولة عن تفاقم الانبعاثات الكربونية، ومن ناحية فإن قدرة الاقتصاد الهندي محدودة في تحمل تكاليف دعم المناخ على الصعيد الدولي.
- مازالت الفجوة قائمة بين السقف الحالي المتوافق عليه في القمم المناخية السابقة وبين السقف الضروري لتحقيق الأهداف المناخية في السنوات المتبقية لخط الأساس 2050. حيث مازالت الانبعاثات الكربونية من الأنشطة الملوثة للبيئة لا تضمن تسارع الوصول لأهداف خط الأساس.
- على أن التزامن الذي حدث بين أزمة الغذاء العالمية مع عقد قمة COP27 قد سلط الضوء على أن العمل المناخي الدولي قد تهدده الأزمات الدولية الطارئة، كما حدث في أزمة الغذاء. فهناك علاقة وطيدة بين قطاع الغذاء العالمي وبين قضايا المناخ، كما يشكل الاستقرار في سلاسل الإمداد الغذائية أهمية استراتيجية لتحقيق الأهداف المناخية القصيرة الأجل، لكونه يحرر جزءًا من الإنفاق الجاري العالمي لصالح قضايا المناخ العاجلة.
- ومن التحديات التي خلقتها فكرة إنشاء صندوق الأضرار والخسائر، أن هذا الصندوق يحتاج إلى رأس مال ضخم بقدر ضخامة الفجوة بين الحالي والمستهدف من العمل المناخي الدولي؛ كما أن التحديات المنتظرة لعمل الصندوق لا تنبع فقط من مدى توافر التمويل الذي سيتاح لمجلس إدارة، بل من آلية عمله المتوقعة وطرق استهدافه الجغرافي والقطاعي لتغطية الأضرار والخسائر المرتبطة بالقضايا المناخية ذات الأولوية خلال السنوات القليلة القادمة.
- مع تعدد المؤشرات الدولية الراصدة للمناخ، فإن القضية المهمة التي تظهر في ظل طول أمد العمل المناخي الدولي هو الإمكانات الإلزامية المحدودة لاتفاقية الأمم المتحدة للمناخ في متابعة مستويات الامتثال من الدول للالتزامات التي تقطعها على نفسها؛ فغياب هذه المتابعة يقلل بشدة من فاعلية الالتزامات المناخية التي تقطعها الدول، ولا يضمن زيادة مستويات الامتثال في المستقبل.
وبخلاف العقبات السابقة، وفي ظل ظروف دولية مأزومة، فمازالت هناك قضايا إضافية ملفات عالقة وأهمها عدم الاتفاق على التخفيض التدريجي لاستخدامات جميع أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط والغاز. ومادام هذان النوعان من الوقود من المسببات الرئيسية للتغيرات المناخية، فستظل الفجوة متسعة بين المستوى الحالي والمستوى المأمول من العمل المناخي الدولي، وستظل الرؤية الدولية غير واضحة في تحديد المسارات والخطط لتحقيق هدف الإبقاء على درجة حرارة الأرض بحدود 1.5 درجة مئوية لمستويات ما قبل الصناعة.
دولة الإمارات وآمال التحوّل المناخي العالمي المنشود:
للوقوف على دور دولة الإمارات في التحول المناخي العالمي لتحقيق أهداف خط الأساس 2050، فإن هذا الجزء من الورقة يقدم قراءة مركزة للتجربة الإماراتية في الالتزام المناخي وفي حماية البيئة من تداعيات التلوث وانبعاثات الكربون الضارة. فقراءة سريعة لمؤشرات المناخ المحلي، ومتابعة للجهود التنظيمية المحلية، وتسليطٌ للضوء على الأهداف الاستراتيجية للعمل المناخي – تمثل كلها تفاصيل للنموذج الريادي المحلي الذي تقدمه الإمارات للعالم كنموذج بيئي يُحتذَى به. وفي إطار مكانتها الدولية، فإن الجهود الإماراتية الدولية في التصدي لقضايا المناخ ومشاركتها الإيجابية في المؤتمرات والمحافل الدولية، بما في ذلك استضافة أسبوع أبوظبي للاستدامة، والتحول في مجال الطاقة – هي ملامح الطريق للوصول إلى COP28.
والنقاط التالية توضح أبرز تفاصيل التجربة الإماراتية في العمل المناخي على الصعيدين المحلي والدولي، وتقدم بعض الرؤى والتطلعات والتوصيات التنفيذية لتحقيق مزيد من التميز الإماراتي، وصولًا للقمة العالمية المنتظرة للأطراف في نهاية العام الحالي 2023:
– الالتزام المناخي الإماراتي:
لا يأتي الالتزام البيئي الإماراتي من وجود تهديدات مناخية قد تؤثر على مقومات البيئية المحلية والدولية فحسب، بل لإيمانها بأن تطوير المؤشرات البيئية الوطنية هي أساس متين من أسس الاستدامة التنموية. وتعكس الإجراءات التالية مدى الالتزام البيئي الإماراتي كما يلي[20]:
- على الصعيد التنظيمي، أنشأت الحكومة الإماراتية وزارة متخصصة للتغير المناخي والبيئة في مسعى لتعزيز جهود الدولة في معالجة مشكلة التغير المناخي وحماية النظم البيئية الفريدة. وقد منحت هذه الوزارة صلاحيات واسعة للتدخل، كما وضعت تحت تصرفها الإمكانات الكاملة لتطوير الاستراتيجية الإماراتية لتطوير البيئة.
– وعلى صعيد الجهود التنفيذية المحلية، اتخذت الحكومة الإماراتية الإجراءات الآتية:
- اطلاق استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء في عام 2012 بهدف جعل الاقتصاد الإماراتي رائدًا عالميًا في مجال منتجات وتقنيات الاقتصاد الأخضر، والحفاظ على بيئة مستدامة لتحقيق رؤية الإمارات 2021.
- وللتحكم في الانبعاثات، باشرت الدولة تنفيذ نحو 14 مشروعًا بغرض الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة (GHGs) تحت مظلة مشاريع آلية التنمية النظيفة.
- وفي مجال التكنولوجيا الزراعية، فإن وزارة التغير المناخي والبيئة عززت التحول نحو استخدام تكنولوجيا الزراعة بدون تربة في مشروعات زراعية متعددة، لمكافحة الآثار الجوهرية لتغير المناخ في النظم البيئية الطبيعية.
- ولتقليل إشعال الغاز الطبيعي، تضع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) الوصول إلى أدنى درجات الإشعال كأحد أهدافها الاستراتيجية. وفي الفترة ما بين 1995 و2010، خفضت شركة أدنوك إشعال الغاز بنسبة تصل إلى 78%.
- ولزيادة كفاءة الطاقة وفاعليتها، أطلقت الحكومة الإماراتية في العام 2010 معايير البناء الأخضر ومعايير البناء المستدام ليتم تطبيقها في جميع أنحاء الدولة. وأصدرت حكومة دبي في عام 2011 مجموعة من قوانين البناء الأخضر الخاص بغرض تقليل استهلاك الطاقة والموارد.
- ولدعم التحول الوطني للطاقة المتجددة، تتمثل الأهداف الاستراتيجية القائمة في توليد الطاقة من المصادر النظيفة لنحو 30% بحلول عام 2030.
- ونظرًا لأن وسائل النقل والمواصلات من أهم مصادر توليد الانبعاثات، فهناك دعم متصل لأنظمة نقل جماعي مستدام، مثل نظام السكك الحديدية الخفيفة والسريعة (مترو دبي)، ومشروع القطار عالي السرعة المقترح.
- وفي مجال التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون، تقوم دولة الإمارات بتطوير مشروع لالتقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون في أبوظبي. ويعد هذا المشروع أول خطوة في مجموعة مشروعات التقاط واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون المخطط لها في إمارة أبوظبي.
- وانطلاقًا من أهمية التوعية البيئية ونشر ثقافة حماية المناخ من التلوث، فلقد قطعت الحكومة الإماراتية شوطًا طويلًا في دعم ونشر ثقافة التعليم البيئي، ولجأت لتضمين المحتوى البيئي في المناهج والكتب المدرسية وتطوير مناهج دراسية حول التغير المناخي؛ كما أطلقت العديد من المبادرات البيئية الرائدة، مثل مبادرة “جيلنا”، وأنشأت فكرة المدارس المستدامة ومبادرة المدراس البيئية – كل ذلك بهدف تشجيع العمل البيئي في المدارس.
- ونتيجة للارتباط الوثيق بين دعم قضايا المناخ والتوسع في زراعة الغابات التي تلائم مختلف البيئات الزراعية، فقد ظهرت بوضوح أهمية الخطوات التي يسير فيها الاقتصاد الإماراتي في ملف الغابات، وخصوصًا التغلب على معضلة المياه والتضاريس والجغرافيا.
وعمومًا، فقد انعكست الجهود السابقة كافة في تحسن وارتقاء مؤشرات المناخ في بيئة الإمارات المحلية؛ فوفقًا لبيانات البنك الدولي[21]، فقد حقق الاقتصاد الإماراتي الإنجازات المناخية التالية:
- تحسن معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من 21.7 إلى نحو 20.5 طن متري للفرد بين عامي 2017-2019.
- تراجع معدلات انبعاثات أكسيد النيتروز في قطاع الطاقة من مليون طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2017 لتصبح نحو 880 ألف طن متري في العام 2019.
- تحسن إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من 248 كيلو طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لتصبح نحو 243 كيلو طن بين عامي 2017-2019.
- تحسن متصل في قيمة أضرار الانبعاثات الكربونية المقدرة وفق مؤشرات البنك الدولي من نحو 1.1 مليار دولار أمريكي خلال العام 2019 لنحو 0.9 مليار دولار في العام 2020.
– مكانة دولة الإمارات في العمل المناخي العالمي:
بينما كانت دولة الإمارات واحدة من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية باريس في شهر سبتمبر 2016، فإنها، وبالتوازي مع ذلك، بذلت جهودًا دولية حثيثة لدعم العمل المناخي الدولي عبر:
- تطوير منصة دولية للعمل المناخي المنتظم والمستمر. وهذه المنصة تتمثل في أسبوع أبوظبي للاستدامة، والذي يُعقد بطريقة منتظمة في يناير من كل عام، ويجمع سلسلة من الفعاليات العالمية التي تجمع رؤساء دول ونخبة من صناع القرارات وقادة الأعمال ورواد التكنولوجيا من حول العالم، لمشاركة المعرفة حول كيفية تحقيق الاستدامة والحياد المناخي. وتحت مظلة هذا الأسبوع التنموي، تُعقد فاعليات منتدى الطاقة العالمي للمجلس الأطلسي، وتوزع جائزة زايد للاستدامة، وتُعقد القمة العالمية لطاقة المستقبل ومبادرة “ابتكر”، ومنصة شباب من أجل الاستدامة، وملتقى السيدات للاستدامة والبيئة والطاقة المتجددة، وملتقى أبوظبي للتمويل المستدام. ولذلك، فإن المخرجات المتوقعة لهذا الأسبوع تتمثل في:
- تسريع وتيرة العمل المناخي الدولي والحياد المناخي في المنطقة والعالم.
- توفير منصة شاملة للقاء صنّاع القرارات وقادة الأعمال ورواد التكنولوجيا في العالم لمشاركة المعرفة، واستعراض الابتكارات، وصياغة الاستراتيجيات، في إطار المساعي المشتركة لتحقيق الاستدامة والحياد المناخي.
- تسليط الضوء على التزام دولة الإمارات بمواجهة التحديات العالمية ودورها الريادي في دفع جهود العمل المناخي وتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.
- استضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) والتي تدعم الدول للانتقال إلى الطاقة المستدامة، وتعتبر منصة للتعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة؛ مثل: الطاقة الحيوية، والطاقة الحرارية، والطاقة المائية، والمحيطات، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.
ونظرًا لأن التحول للطاقة المتجددة من أهم الوسائل لحماية المناخ من أثر الانبعاثات الضارة، فإن الدعم العملي من جانب الحكومة الإماراتية لهذا التحول كان باستضافة مقر هذه الوكالة الدولية؛ ففي عام 2009، تم تعيين مدينة أبوظبي كمقر مؤقت للوكالة. وفي أبريل 2011، تم اختيار العاصمة أبوظبي بالإجماع لتكون المقر الدائم للوكالة، ما يجعلها المدينة الأولى في الشرق الأوسط التي تستضيف منظمة حكومية دولية كمقر رئيسي لها.
- واستمرارًا لنفس الدعم الإماراتي الدولي للعمل المناخي العالمي، سواء بإتاحة التمويل الذي تحتاجه الاستثمارات البيئية أو بدعم التحول لمصادر الطاقة النظيفة، فقد تم توقيع شراكة استراتيجية بين الاقتصادين الإماراتي والأمريكي لاستثمار ما قيمته 100 مليار دولار لإنتاج 100 جيجاوات من الطاقة النظيفة بحدود العام 2035. وتهدف هذه الاستراتيجية لتعزيز سلاسل الإمداد في قطاع الطاقة النظيفة عبر التوليف بين القدرات التمويلية والإمكانات التكنولوجية، لينعكس كل ذلك على ارتقاء مؤشرات الموثوقية والاستدامة في قطاع الطاقة العالمي. كما أن هذه الاستراتيجية تركز على تطوير إنتاج الطاقة النووية، مع تحسين منظومة الإنتاج وتطوير التكنولوجيا اللازمة للمفاعلات النووية النمطية والنزول بالآثار الخارجية للطاقة النووية لحدودها الدنيا. كما تقوم هذه الاستراتيجية على الاستهداف الدقيق للقطاعات والأنشطة الإنتاجية الأكثر توليدًا للانبعاثات الكربونية والأكثر تلويثًا للبيئة، ولاسيما قطاعي الصناعة والنقل، وتستهدف تطوير ممكّنات الطاقة المولدة من الهيدروجين الأخضر.
توصيات لإنجاح الدور الإماراتي في ملف المناخ COP28:
في ضوء التطورات العالمية الراهنة والمتصلة منها بقضايا المناخ، وفي ظل طول أمد العمل المناخي الدولي وصولًا لقمة الأطراف الدولية في COP27، فإن دعم الاقتصاد الإماراتي الذي يحمل حاليًا لواء العمل المناخي الدولي وصولًا لقمة العالم في COP28 التي ستنعقد في أواخر العام الحالي في مدينة دبي، يقتضي العمل على المحاور التالية:
- اعتمادًا على مخرجات قمة COP27، ونظرًا لأنها قد أرجأت بعض الملفات الأساسية للقمة التالية، فإن التحرك الإماراتي الأساسي خلال الشهور القادمة، وصولًا لانعقاد القمة المقبلة في مدينة دبي، يتمثل في:
- حصر وتحديد دقيق لبنود هذه الملفات الدولية، ثم تحديد أسباب إرجائها، وأهم الأطراف الدولية الفاعلة، والبدائل المتاحة والترجيحات الخاصة بكل ملف من هذه الملفات. ومثال على ذلك ملف صندوق الأضرار والمخاطر وآليات تحقيق أهدافه المنشودة.
- حشد الجهود الإقليمية والدولية للوصول رؤية واضحة حول كيفية حسم القضايا المناخية العالقة والمُرَحَّلة من القمة السابعة والعشرين في شرم الشيخ.
- وعلى صعيد دولي آخر، ولتحفيز العمل المناخي لمحاصرة المشكلات المتسببة في التلوث البيئي، وبهدف الوصول للحياد الكربوني المتضمن في خط الأساس 2050 – يمكن أن يحدث عبر قيام دولة الإمارات بالدعوة لتطوير آلية دولية للمتابعة المنتظمة وللتنبيه المبكر لحدوث فجوات متوقعة في مستويات الامتثال المناخي بين دول وأقاليم العالم، بما في ذلك الدعوة لتطوير آلية المرصد المناخي الدولي لقياس ومتابعة الالتزام التمويلي من قبل الاقتصادات الأعلى تلويثًا للمناخ، ولاسيما في أمريكا الشمالية وشرق وجنوب آسيا.
- واستمرارًا للمساعي الإماراتية الدولية لدعم قضايا المناخ، فإن الاعتماد على – فضلًا عن تطوير – أدوات الدبلوماسية المناخية يمكن أن يساهم في متابعة الالتزامات والتعهدات المناخية الدولية، كما سيفيد في تهيئة الطريق أمام نجاح الجولة القادمة من قمة الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية COP28 ورفع نسب المشاركة والالتزام الدولي من قادة دول العالم كافة. كما أنه من المفيد تركيز دبلوماسية المناخ الإماراتية على تعزيز فرص مشاركة الصين بمستوى تمثيل رئاسي، سعيًا للتغلب على واحدة من أهم العقبات في طريق العمل المناخي الدولي، ألا وهي القضايا العالقة بين الولايات المتحدة والصين في ملف المناخ.
- وباستثناءات دولية قليلة، وبينما يلاحظ أن الزخم المحيط بقضايا المناخ يزداد فقط خلال عقد قمم الأمم المتحدة للمناخ، فمن الضروري أن يدعم الاقتصاد الإماراتي من الآن وضع برنامج عمل مناخي يحاصر ظاهرة تراجع الاهتمام بقضايا المناخ والالتزامات الدولية الناشئة عنها خلال الشهور القليلة القادمة حتى موعد عقد قمة COP28.
- وفي السياق الدولي نفسه، يُقترح أن تتولى الإمارات وضع تصور عاجل لبرنامج عمل دولي لتحقيق هدف سعر عالمي موحد للكربون عبر الاعتماد على الطرق القياسية الاقتصادية والإحصائية المفيدة في هذا الشأن. ويمكن الانطلاق من تجربة الاتحاد الأوروبي لتسعير الكربون في الاعتماد على آليات السوق الدولية الحرة لدعم تداول سندات الكربون بين الشركات دولية النشاط تحديدًا.
- إقليميًا، من المهم أن تقود الإمارات الجهود لتعزيز التعاون الإقليمي كبديل مرحلي لتحقيق الأهداف المناخية ولزيادة القدرات التفاوضية للأقاليم الأقل مسؤولية في توليد الانبعاثات.
- محليًا، وتأسيسًا على مخرجات أسبوع أبوظبي للاستدامة، فيقترح:
- الاستمرار في تفعيل العمل المناخي الإماراتي يتطلب العمل على دعم أساليب مبتكرة للمشاركة بين القطاعين العام والخاص محليًا لزيادة القدرات الوطنية على الامتثال والالتزام بأهداف المناخ.
- دعم تكنولوجيا ترشيد وزيادة الكفاءة في استخدام الطاقة الأحفورية جنبًا إلى جنب مع دعم خطط التحول للطاقة المتجددة.
وختامًا، وفي إطار الترويج للاقتصاد الإماراتي كنموذج كفء وفعّال في العمل المناخي، يُقترح تطوير آليات لتسويق الإنجازات الإماراتية في التعامل مع ملف المناخ خلال العام 2023، لكي تصبح السمة الأولى للصورة الذهنية الدولية عن الإمارات أنها منظم كفء لأنشطة المناخ الدولية، سواء بعمق تجربته عن أسبوع أبوظبي للاستدامة ومخرجاتها البيئية المتنوعة، أو من خلال التسويق للنجاح الإماراتي في تطوير مؤشرات الاستدامة والتحول في قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة.
المراجع
[1] فرانس 24، 20 يونيو 2022: https://bit.ly/3DejoD5
[2] فرانس 24، 27 سبتمبر 2022: https://bit.ly/3XaIOJw
[3] أجواء بريس، 31 ديسمبر 2022: https://bit.ly/3iCVZ7c
[4] الأمم المتحدة، 31 أغسطس 2022: https://bit.ly/3w4CoQ7
[5] يورو نيوز 5 مايو 2022: https://bit.ly/3QFDKdL
[6] بي بي سي عربي 20 أغسطس 2022: https://bbc.in/3iEgO23
[7] Günther Handl, DECLARATION OF THE UNITED NATIONS CONFERENCE ON THE HUMAN ENVIRONMENT (STOCKHOLM DECLARATION), 1972 AND THE RIO DECLARATION ON ENVIRONMENT AND DEVELOPMENT, 1992, 2012. p. 1: https://bit.ly/3WcIcll
[8] United Nations: https://bit.ly/3ZGaFTG
[9] أي بي سي سي عربي: https://bit.ly/3CNyT4E
[10] الأمم المتحدة، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية، ريو دي جانيرو، البرازيل، 3 – 14 يونيو 1992: https://bit.ly/3AfDBY2
[11] وكالة أنباء الإمارات (وام)، 12 يناير 2023: https://bit.ly/3iHLcIQ
[12] سيويز أنفو، 13 ديسمبر 2010: https://bit.ly/3X6uqC5
[13] فرانس 24، https://bit.ly/3w3LXyS
[14] أي بي سي سي عربي (IPCC): https://bit.ly/3CMabBB
[15] الأمم المتحدة: https://bit.ly/3Xc5Bog
[16] وكالة الأناضول، 21 نوفمبر 2022: https://bit.ly/3CPCNdb
[17] هذا ما حدث عندما قامت مسؤولة أمريكية رفيعة بزيارة لجزيرة تايوان متحدية بذلك السياسة الصينية تجاه تايوان. راجع في ذلك: https://www.bbc.com/arabic/world-62544510
[18] العرب، 22 نوفمبر 2022: https://bit.ly/3ITiwXY
[19] راجع في ذلك مؤشرات التنمية العالمية للبنك الدولي على الإنترنت في الرابط التالي: https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators.
[20] يتمثل أهم هذه التهديدات في أن التغير المناخي في دولة الإمارات قد يفضي مستقبلًا إلى مناخ أدفأ، وهطول أمطار أقل، وجفاف، وزيادة في منسوب مياه البحر، والكثير من العواصف. ولمزيد من التفاصيل حول الجهود الإماراتية في العمل المناخي المحلي والدولي، راجع الرابط التالي: https://u.ae/ar-ae/about-the-uae/leaving-no-one-behind/13climateaction.
[21] راجع في ذلك مؤشرات التنمية العالمية على الرابط التالي: https://databank.worldbank.org/source/world-development-indicators.