Insight Image

العالَم في 2023 تحديات وتحولات

01 يناير 2023

العالَم في 2023 تحديات وتحولات

01 يناير 2023

مع نهاية كل عام، تبدأ لعبة التوقعات والتنبؤات بالأحداث والتغيرات للعام التالي. وبالتأكيد، فإن العام 2023 ليس استثناءً عن ذلك المسار، حيث تتسابق مراكز الفكر ووسائل الإعلام العالمية نحو إصدار التحليلات في المجالات المختلفة لتتوقع وتستشرف الأحداث والمستقبل، وتضع التوصيات للتعامل معها. وفي هذا المقال نقدم مسارات التغيرات المتوقعة في العالم، مع تقديم استقراء لمآلاتها الممكنة، وخصوصًا أن المؤشرات تدل على أن العالم يسير في اتجاه تغيُّر النظام الدولي القائم، والذي يعيش الآن مرحلة مخاض صعبة، وقد ينتج عنها نظام عالمي جديد.

حصاد 2022

لم يكن عام 2022 عامًا عاديًا بكل المقاييس؛ إذ اكتشف العالم فيه أنه أمام استحقاقات كبيرة سبق أن ماطل كثيرًا في مواجهتها والاعتراف بها. إنه عام بدأ بحرب عالمية، وأزمة طاقة، وانهيارات اقتصادية، وانتهى بصدامات حضارية. كانت أبرز الأحداث في عامنا المنصرم هو الاجتياح الروسي لأوكرانيا الذي كانت له تداعيات سياسية واقتصادية ألقت بظلالها على العالم كلّه، كما أن العالم لم يستطع تجاوز أزمة جائحة “كورونا”، خاصة فيما يتعلق بمسألة سلاسل الإمداد والقيمة.

 كل ذلك أوجد أزمة في الأمن الغذائي العالمي، وقاد إلى مستويات غير مسبوقة من التضخم في اقتصادات العالم، وبالتالي كانت معدلات نمو الاقتصادات ضعيفة وأداء الأسواق المالية محبطًا. هذه الأحداث حتمًا ستعبر بتداعياتها إلى العام 2023 بتراكماته ومتغيراته الجيواستراتيجية.

الجدير بالذكر، أن سنة 2023 مرشحة لأن تكون سنة كبيسة بالهموم، مليئة بالتحديات والتعقيدات؛ نظرًا إلى استمرار عناصر عدم الاستقرار في كثير من الملفات الساخنة حول العالم، والتي من بينها ما يلي:

الحرب الروسية الأوكرانية

إن الأزمات الإقليمية والعالمية المتوقعة لعام 2023، تُرتَهن بشكل كامل باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية. واللافت أن سياقات الأزمة، وما أفرزته من مسارات معقدة، ألقت بظلالها السلبية على العالم في صورة أزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية، وذلك بالتوازي مع تزايد حدة التوتر الصيني الأمريكي سياسيًا اقتصاديًا وتجاريًا وحتى عسكريًا؛ ما يجعل المشهد العالمي في 2023 بمنزلة صدى لأزمات مُرَحَّلة من العام 2022 المنصرم.

وفي ظل استمرار الحرب الجارية بين روسيا وأوكرانيا، وخاصة مع حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة لكييف، والتي تقدر بنحو ملياري دولار، يتعين على العالم التعامل مع تأثيراتها على الجغرافيا السياسية والأمنية، وتحمُّل العناء للسيطرة على التضخم، والفوضى في أسواق الطاقة.

إن الدعم الأمريكي المتواصل لأوكرانيا يؤكد أنه لا تسوية تلوح في الأفق لهذه الأزمة خلال العام الجديد 2023.

أسواق الطاقة وعدم اليقين في 2023

يبدو أن التأثيرات الممتدة لهذه الحرب ستظل ماثلة في أسواق الطاقة العالمية، وخاصة على الدول الأوروبية، خلال عام 2023. وقد خفضت “أوبك” تقديراتها لنمو الطلب العالمي على النفط للعام المقبل في تقريرها الشهري الأخير عن أسواق النفط؛ بسبب سياسة الصين حيال الجائحة التي لا تزال صارمة، والتحديات الاقتصادية في أوروبا. وفي هذا الجانب، لاحظت “أوبك” أنه على الرغم من أن المخاطر تميل إلى الجانب السلبي، فإن هناك بعض الاحتمالات الصُّعُودية لتوقعات النمو الاقتصادي العالمي. قد يأتي هذا النمو من مجموعة متنوعة من المصادر. وفي الغالب، يمكن أن يتأثر التضخم بشكل إيجابي بأي حل للوضع الجيوسياسي في شرق أوروبا، ما يسمح بسياسات نقدية أقل تشددًا.

كل هذا يعني أن التوقعات لأسواق النفط بصورة خاصة، والطاقة بصورة عامة في 2023، ستكون على أقل تقدير معقدة وضبابية وصعبة في الوقت ذاته.

في الواقع، حالة الاقتصاد العالمي الحالية والتداعيات الجيوسياسية ترسل رسائل متناقضة ومؤشرات مربكة حيرت المتخصصين والمحللين حول الطريقة التي ستكون عليها أسواق الطاقة في المستقبل القريب. مع كل هذه الشكوك التي تلوح في الأفق، سيكون من الصعب اتخاذ قرارات كبيرة تخص الطاقة خلال العام 2023.

اتجاهات التضخم

هاجس التضخم لا يزال يسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي، والذي بدأت تأثيراته تظهر بقوة على تكلفة الحياة المعيشية للشعوب، وبالتالي سيسبب مخاوف لدى الحكومات من ارتفاع معدلات الفوضى والجريمة. وهناك أيضًا أزمة الطاقة والأمن الغذائي واضطرابات سلاسل الإمداد والقيمة، وهي أزمة مرشحة للتفاقم نتيجة لاستمرار التوترات الجيوسياسية العالمية. ومن الأهمية أن ندرك أن تقديرات صندوق النقد الدولي قدرت أن يصل معدل التضخم العالمي إلى 6.5% في عام 2023، أي بانخفاض بحدود 2.3%، ولكن هذا مشروط باستمرار الجهود المبذولة لخفض أسعار الطاقة والغذاء، وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

التنافس الأمريكي الصيني

سيتواصل التنافس بين الولايات المتحدة والصين بمختلف الأدوات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وذلك بالرغم من أن الاجتماع الأخير بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر الماضي كان وديًّا وبنّاءً، والأمل في أن تكون واشنطن وبكين قادرتين على التنافس استراتيجيًا بينما تتعاونان أيضًا في مواجهة التحديات المشتركة، ولكن الأقرب إلى الواقع أن العلاقات بين واشنطن وبكين سوف تستمر في التأرجح بين المواجهة والردع من ناحية، والتواصل والدبلوماسية من ناحية أخرى.

ولذلك، من المتوقع تعاظُم التنافس الصيني-الأمريكي خلال 2023 والذي سيُنتِج تعددًا للأقطاب. والأكيد أن من سيصنع قطب العالم ليست الحرب، بل هي الشراكات السياسية الاقتصادية والتحالفات الدبلوماسية. والحقيقة القائمة اليوم هي أن أمريكا تخسر قوتها الناعمة بشكل تدريجي لصالح الصين كما يبدو، فميزان العالم اليوم يتطلب الكثير من الأوزان غير العسكرية لكي ترجَحَ كفةٌ على أخرى.

ويعني ذلك بداية حربًا باردة بين القطب التقليدي في واشنطن والقطب الصاعد في بكين، وصراعات بالوكالة بين القوتين العظميين في مختلف مناطق العالم، وخصوصًا مع تنامي دور الصين خارجيًا، ومبادرتها العالمية “الحزام والطريق”، في ظل استمرار الرئيس شي جين بينغ في السلطة؛ ما سيجعل أمريكا في وضعية دفاعية لاحتواء الصعود الصيني، عبر تحالفاتها في “الناتو” ومجموعة السبع ودول آسيا.

ولا شك في أن العالم الآن يتأهب لطريقة مختلفة للترابط الإقليمي والدولي، وسوف يشهد العالم سلسلة من القرارات السياسية المتشابكة بين دوله، حيث تتصاعد مهددات تعدد الأقطاب كأحد السيناريوهات المحتملة، وسيظهر المشهد في كثير من الدول بقناع بعيدًا عن شكل الخرائط المتلائمة مع الهويات السياسية، وهذا يتطلب من الدول المحافظة على قواعد هوياتها؛ حتى لا تذوب وتجف أمام تيارات التنافس.

اتجاهات التهدئة والتصعيد في الشرق الأوسط

تدخل منطقة الشرق الأوسط عام 2023 ولا تزال قضايا الإقليم على ما هي عليه. وبالرغم من ذلك، فإن التغيرات الجيوسياسية العالمية تفرض على دول الشرق الأوسط إعادة تقييم جماعي للصراع والنزاعات القائمة، والعمل على إيجاد حلول مبتكرة لها تراعي المصالح والأمن القومي لجميع الأطراف.

واللافت أن هناك مؤشرات واضحة على رغبة القوى الإقليمية والدولية في التهدئة في المنطقة، والبحث عن تسويات في عام 2023. وهنا، لابد من القول إن أية تسوية محتملة للبرنامج النووي الإيراني لابد أن يُراعَى في طياتها مصالح وأمن جميع الدول في المنطقة.

كما أن هذا العام قد يشهد مزيدًا من التواصل بين الدول العربية وطهران، وذلك عبر الجهود التي تقوم بها بغداد للوصول إلى تفاهمات حول أمن الإقليم. كما قد يشهد العام الجديد مزيدًا من إجراءات التقارب بين بغداد والدول العربية. ويضاف إلى ذلك أن قطار السلام الذي انطلق في المنطقة لن يتوقف بأي حال من الأحوال، ولكن ذلك يتوقف على الأداء السياسي في كلٍّ من تل أبيب وواشنطن.

وختامًا، نحن أمام سنة مليئة بالتحديات والمصاعب، ولكنها قد تكون فرصة لافتة ومهمة لبعض الدول، لتجميد أو حتى طي بعض الخلافات السياسية العميقة، وهي فرصة قد تمنح مساحة مريحة لالتقاط الأنفاس والأمل.

المواضيع ذات الصلة