1. مقدمة
هناك منهجية مستقرة ومنضبطة في الدراسات المتخصصة في موضوعات العلاقات الاقتصادية الدولية. فعند البحث في شكل العلاقات الاقتصادية واتجاهاتها القائمة بين دول العالم المختلفة وأقاليمها، تقدم البيانات الدولية للتجارة والاستثمار أساساً علمياً يمكن الاهتداء به في الوصول إلى نتائج تتسم بالدقة والموضوعية، وله قدرة عالية على الاستشراف. ذلك أن التجارة الخارجية توضح مقدار التشابكات القائمة وعمقها بين الاقتصادات المختلفة، وتبرز مكانة كل اقتصاد في سلاسل الإمداد المنتشرة عبر خريطة العالم الواسعة. كما تكشف تدفقات رؤوس الأموال وتحركاتها بين الأسواق الدولية عن اتجاهات هذه التشابكات الاقتصادية في المستقبل؛ إذ ترتقي الطاقات الإنتاجية في الوجهات التي تستقبل هذه التدفقات، وخصوصاً إذا كانت التدفقات الاستثمارية في القطاعات عالية الإنتاجية أو كانت ناقلة لتكنولوجيا الإنتاج الحديثة.
وبتطبيق هذه المنهجية على واقع العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية، يمكن تحديد واقع هذه العلاقات ومردودها التنموي، ويمكن التوصل إلى الخطوط العريضة والمتطلبات الضرورية اللازمة لتعميق آثارها على التنمية الاقتصادية في مستقبل الاقتصاد الخليجي. فالأسئلة التي يجب أن تطرح على طاولة البحث في علاقات الاقتصاد الخليجي بالاقتصاد الياباني هي: ما شكل هذه العلاقة واتجاهها؟ وما الآثار التي تركتها على الأداء الاقتصادي الخليجي؟ وما متطلبات تطويرها مستقبلاً لدعم أصول التنمية الخليجية. إن الإجابة على هذه الأسئلة هو الهدف الأساسي للدراسة الحالية.
ولتحقيق هدف الدراسة، وللإجابة على ما طرحته من أسئلة بحثية، تنقسم موضوعاتها التحليلية إلى خمسة موضوعات بخلاف هذه المقدمة. وفي حين يبدأ الموضوع الأول بتحليل التطورات التي شهدتها العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية، فإن الموضوع الثاني يركز على المحددات التي رسمت هذه التطورات وأوصلتها إلى واقعها الراهن. ثم يتناول الموضوع الثالث المتطلبات الضرورية لتعميق هذه العلاقات وجعلها خادمة ومعززة للتنمية الاقتصادية المستدامة في الاقتصاد الخليجي. وتختتم هذه الدراسة موضوعاتها بنظرة استشرافية لمستقبل هذه العلاقات حال وضع المتطلبات التي اقترحتها موضع التنفيذ.
2. تاريخ حافل بالعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية:
نظراً إلى المكانة المتميزة التي يحتلها الاقتصاد الياباني في العلاقات الاقتصادية الدولية؛ تجارة واستثماراً؛ وكنتيجة مباشرة لتمتع دول الخليج العربية بمكانة دولية مرتفعة في سلاسل الإمداد العالمية للطاقة، مع امتلاكها أسواقاً محلية مرتفعة الطاقة الاستيعابية للاستهلاك والاستثمار؛ كان من الطبيعي أن تنشأ العلاقات والروابط الاقتصادية التي تجمع اليابان بدول الخليج العربية وتتعمق، فرادى وكإقليم جغرافي وسياسي مترابط. فلكل منهما منافعه الاقتصادية المباشرة من قيام هذه العلاقات وتطورها. وللتأكيد على متانة هذه العلاقات وتطورها المستمر، ولاستكشاف شكلها واتجاهها وأهميتها النسبية وما تتركه من آثار اقتصادية متنوعة لأطرافها، تتناول النقاط التالية أهم التطورات التجارية والاستثمارية الخليجية-اليابانية خلال الفترة ما بين الأعوام 2016 و2020.
1-2 التطورات الكمية في العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية:
في الأعوام الخمسة الماضية، شهدت العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية تطورات تجارية واستثمارية تسترعي الانتباه والتحليل. وللوقوف على أبرز هذه التطورات، تسلط الفقرات المقبلة الضوء على أهم التطورات الكمية والنوعية في مجال التجارة السلعية بين دول الخليج العربية واليابان، تصديراً واستيراداً. ثم تتبع ذلك بتتبع أهم التطورات في مجالات الاستثمار والتمويل.
أ. تطورات التجارة:
وعلى صعيد التجارة السلعية، فإن الملاحظة الأولى التي يوضحها الشكل التالي رقم (1)، تتمثل في أن الصادرات الخليجية لليابان شهدت تقلبات واضحة خلال الفترة ما بين الأعوام 2016 و2020، صعوداً ونزولاً. فمن عام 2016 وصولاً إلى عام 2018، صعدت هذه الصادرات لقمتها الكمية عندما وصلت لنحو 91.7 مليار دولار أمريكي. لكنها أخذت بعد ذلك في التراجع السريع، لتنزل إلى ما دون المستوى الذي شهدته في عام 2016. فقد وصلت جملة الصادرات السلعية الخليجية لليابان نحو 53.6 مليار في عام 2020، في حين كانت تبلغ في عام 2016 نحو 55.8 مليار دولار تقريباً. بلغت نسبة التراجع الإجمالي في الصادرات الخليجية خلال هذه الفترة نحو 4% تقريباً. وفي المقابل، وبينما لم تشهد الواردات السلعية الخليجية من اليابان حالة التقلب الكمي نفسها التي حدثت في الصادرات، وإنما شهدت تراجعاً مستمراً في قيمتها، لكنها مع ذلك حققت معدل تراجع إجمالي يتفوق على معدل تراجع الصادرات خلال الفترة ذاتها. فقد تراجعت هذه الواردات السلعية تراجعاً ملحوظاً من نحو 24.3 مليار دولار أمريكي لتصل إلى نحو 17.3 مليار دولار بين الأعوام 2016 و2020؛ ليبلغ معدل هذا التراجع نحو 29% تقريباً.
وكانعكاس مباشر لهذا التباين في معدلات نمو التجارة البينية الخليجية- اليابانية، حقق الميزان السلعي للتجارة البينية فائضاً متقلباً وإيجابياً لصالح دول الخليج العربية. إذ نمت قيمة هذا الفائض من نحو 31.5 مليار دولار في عام 2016، لتصل في عام 2020 إلى نحو 36.4 مليار دولار[1].
شكل رقم (1)
التطورات الكمية للتجارة السلعية بين دول الخليج العربية واليابان خلال الفترة 2016 و2020*
* تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات الجدول رقم (1) في المحلق الإحصائي للدراسة.
على أن النظر في مكونات التجارة البينية الخليجية-اليابانية، والموضحة في الشكل التالي رقم (2)، يؤكد وجود سمات أساسية وتوجهات عامة في العلاقات التجارية القائمة بينهما. وأبرز هذه السمات تدور حول التركز والثبات والاستقرار في نوعية السلع الداخلة في التجارة. والنقطتان التاليتان تشرحان ذلك في:
- السمة الأولى من السمات الهيكلية للتجارة البينية الخليجية-اليابانية، هي حالة التركز والسيطرة في هذا الهيكل. فالصادرات الخليجية لليابان تتركز في المواد الخام والسلع الأولية، ولاسيما الخامات والمشتقات النفطية بأنواعها المختلفة. إذ تسيطر هذه النوعية من السلع على كامل الصادرات تقريباً، وتصل أهميتها إلى ما يزيد على 98% من الصادرات الخليجية لليابان في عام 2020. أما الصادرات من السلع متوسطة وعالية التكنولوجيا، فلا تشكل سوى النذر اليسير مما تصدره دول الخليج لليابان. وفي المقابل، فإن الواردات الخليجية من اليابان تتركز في السلع متوسطة التكنولوجيا ثم السلع عالية التكنولوجيا، وخصوصاً السيارات والآلات بأنواعها المختلفة. إذ تشكل هذه النوعية من السلع نحو 88.6% من جملة هذه الواردات في عام 2020 نفسه.
- يعتبر الثبات والاستقرار النوعي هو السمة الثانية ضمن سمات الهيكل التجاري الخليجي-الياباني. فالثبات على نوعية معينة في السلع الداخلة في التجارة البينية، والاستقرار في تمثيلها النسبي في هذا الهيكل، يعني أن هذا الهيكل مستقر على الصادرات النفطية من جانب دول الخليج والصادرات التكنولوجية من جانب اليابان على امتداد فترة زمنية طويلة، وفي الأعوام الخمسة موضع التحليل الحالي للدراسة.
شكل رقم (2)
هيكل التجارة بين دول الخليج العربية واليابان وفق بيانات عام 2020*
* تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات الجدول رقم (1) في المحلق الإحصائي للدراسة.
وإذا كان ما سبق هي حال التجارة السلعية الخليجية-اليابانية وتوجهاتها، فماذا إذن عن أحوال الاستثمارات البينية وتوجهاتها؛ الفقرة التالية تقدم الإجابة على هذا السؤال.
ب. تطور الاستثمارات الأجنبية البينية:
على صعيد تحركات رؤوس الأموال البينية التي تتدفق في شكل استثمارات مباشرة في القطاعات الإنتاجية المختلفة، ونظراً إلى توافر بيانات عن الاستثمارات البينية للاقتصاد الياباني مع الاقتصادين السعودي والإماراتي فقط في منطقة الخليج العربية، فيمكن الاعتماد على هذه البيانات لتحديد طبيعة التطورات التي حدثت في العلاقات الاستثمارية البينية خلال الفترة ما بين الأعوام 2016 و2020. والنقاط التالية توضح أبرز هذه التطورات اعتماداً على ما يوضحه الشكلان التاليان رقمي (3) و(4).
- تشير بيانات أرصدة الاستثمارات اليابانية المباشرة لإقليم الشرق الأوسط[2] إلى أن الاقتصادين السعودي والإماراتي هما الوجهتان الأكثر جاذبية للاستثمارات اليابانية ضمن هذا الإقليم؛ كونهما الوجهتين الجغرافيتين الأُولَيين في تراكم استثماراتها في دول هذا الإقليم الجغرافي. فخلال الفترة ما بين الأعوام 2016 و2020، دارت حصة هاتين الوجهتين حول 78% تقريباً من أرصدة الاستثمارات اليابانية في إقليم الشرق الأوسط. وقد وصلت هذه النسبة إلى أقصاها في عام 2018. ففي ذلك العام، وبينما بلغت الأرصدة الإجمالية للاستثمارات اليابانية في إقليم الشرق الأوسط نحو 8.8 مليار دولار، كانت حصة الاقتصادين السعودي والإماراتي تبلغ نحو 7.4 مليار دولار. وبالنتيجة، يمكن القول إن هذين الاقتصادين هما الوجهتان الأساسيتان ضمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست خلال الفترة نفسها ما بين عام 2016 و2020.
- وعند المقارنة بين جاذبية الاقتصاد السعودي والاقتصاد الإماراتي للاستثمارات اليابانية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي، يوضح الشكل رقم (3) تفوق الاقتصاد السعودي على الاقتصاد الإماراتي في هذه الجاذبية. بيد أن هذا التفوق آخذ في التراجع خلال الفترة ما بين 2016 و2020. فقد نجح الاقتصاد الإماراتي في تضييق فجوة الجاذبية أمام تراكم الاستثمارات اليابانية في منطقة الخليج. فبعدما كانت هذه الفجوة تبلغ نحو 4.1 مليار دولار في عام 2016، إذ بها تتراجع لتصل إلى نحو 2.5 مليار دولار فقط في عام 2020. وقد وصلت هذه الفجوة إلى أدنى مستوياتها في عام 2019 عندما سجلت قيمتها 2.4 مليار دولار فرقاً في قيمة أرصدة الاستثمار بين الاقتصادين السعودي والإماراتي.
شكل رقم (3)
تطور أرصدة الاستثمارات اليابانية المباشرة في الاقتصادين السعودي والإماراتي ضمن إقليم الشرق الأوسط خلال الفترة 2016-2020 [3]
- وفيما يتعلق بأرصدة الاستثمارات الخليجية في الاقتصاد الياباني، والاستمرار في تحليل بيانات الاقتصادين السعودي والإماراتي، فالجدول رقم (4) يوضح حقيقتين أساسيتين؛ أولهما أن الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الياباني محدودة من حيث القيمة، فضلاً على كونها تتسم بالركود الواضح خلال الفترة ما بين 2016 و2020. إذ ظلت هذه الأرصدة تبلغ نحو 25 مليون دولار، ثم زادت زيادة محدودة لتصل في عام 2020 إلى نحو 28 مليون دولار. وثاني هذه الحقائق أن الاقتصاد الإماراتي، وعلى عكس الاقتصاد السعودي، قد راكم أرصدة من الاستثمارات المباشرة داخل الاقتصاد الياباني زادت من نحو 269 مليون دولار في عام 2016 لتصل في عام 2020 إلى نحو 440.8 مليون دولار. أي إن أرصدة الاستثمارات الإماراتية في الاقتصاد الياباني قد نمت بمعدل سريع بلغ نحو 64% تقريباً خلال الفترة ما بين عام 2016 و2020.
شكل رقم (4)
تطور أرصدة الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الياباني المتدفقة من الاقتصادين السعودي والإماراتي خلال الفترة 2016-2020 [4]
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التحليل السابق قدر ركز على تطور الأرصدة الخاصة بالاستثمارات البينية الخليجية-اليابانية لكونها تعكس، ضمنياً، التطورات التي تشهدها التدفقات السنوية لهذه الاستثمارات البينية خلال فترة التحليل ما بين الأعوام 2016 و2020.
2-2 تطور الأهمية النسبية للعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية:
رغم تصدي الجزء السابق من الدراسة لتحليل أهم التوجهات التي شهدتها العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية على صعيدي التجارة والاستثمار، فإنها لم تتصدَ لأهمية هذه العلاقات البينية بالنسبة إلى علاقات كل طرف بباقي دول العالم. ويمكن تحديد هذه الأهمية النسبية عبر مقارنة البيانات المعروضة سابقاً مع بيانات التجارة والاستثمار الإجمالية خلال فترة التحليل. والنقطتان التاليتان تسلطان الضوء على هذه الأهمية النسبية وفق ما يوضحه الشكلان الآتيان رقمي (5) و(6):
- ففيما يتعلق بالتجارة السلعية بين الخليج العربي واليابان، فإن بيانات التجارة الخليجية مع العالم توضح أن حصة الاقتصاد الياباني ظلت تدور حول متوسط 9% من جملة الصادرات السلعية الخليجية للعالم خلال الفترة 2016 و2020، لكنها تراجعت بين أولها وآخرها. فقد نزل نصيب اليابان من صادرات الخليج من نحو 8.9% في عام 2016 إلى نحو 8.6% في عام 2020. وكانت أعلى حصة له في عام 2018 حينما وصلت إلى 10.2% مما صدّره الخليج للعالم الخارجي. وفي مقابل هذه المكانة المهمة نسبياً للاقتصاد الياباني بالنسبة إلى صادرات الخليج، فإن الواردات الخليجية من اليابان ليست بذات القدر من الأهمية التي حازتها الصادرات، بل إنها تقل عن نصف هذه الأهمية تقريباً. فقد دارت أهمية اليابان كمورّد سلعي للخليج حول 4% تقريباً من جملة ما استورده الخليج من سلع من العالم. وفضلاً على المكانة اليابانية المحدودة في هيكل الموردين السلعيين للخليج، فقد سجلت تراجعاً طفيفاً بين أول فترة التحليل وآخرها؛ إذ نزلت من نحو 4.8% إلى نحو 4% بين عامي 2016 و2020.
شكل رقم (5)
تطور الأهمية النسبية للتجارة السلعية الخليجية-اليابانية خلال الفترة 2016-2020 [5]
- أما فيما يتعلق بالتطور في الأهمية النسبية للشراكة الاستثمارية الخليجية-اليابانية، وبالتركيز على حالة الاقتصادين السعودي والإماراتي لما لهما من أهمية نسبية على نحو ما أوضحت الدراسة سابقاً، فإن الشكل رقم (6) يعكس ضآلة أرصدة الاستثمارات اليابانية في الخليج بالنسبة إلى إجمالي هذه الأرصدة الرأسمالية اليابانية في العالم. ويعكس في الوقت ذاته ضآلة أرصدة الاستثمارات السعودية والإماراتية بالنسبة إلى الحجم الكلي لهذه الأرصدة في الاقتصاد الياباني. فحصة الاقتصادين السعودي والإماراتي من الاستثمارات اليابانية المتراكمة في الاقتصاد العالمي لم تصل في أحسن أحوالها إلى نسبة 0.5%. كما أن حصتهما في الاستثمارات المتراكمة داخل الاقتصاد الياباني لم تزد على 0.1% من الأرصدة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة ما بين الأعوام من 2016 إلى 2020، واستمرت راكدة عند المستوى نفسه خلال هذه الأعوام الخمسة.
شكل رقم (6)
تطور الأهمية النسبية للشراكة الاستثمارية الخليجية-اليابانية خلال الفترة 2016-2020 [6]
وإزاء المكانة النسبية المحدودة للتجارة السلعية الخليجية-اليابانية، وأمام التواضع الشديد لشراكتهما الاستثمارية، فإن السؤال الذي يتعين طرحه والإجابة عليه هو: إلى أي مدى أسهمت هذه العلاقة الاقتصادية على التأثير في الأوضاع العامة للاقتصاد الخليجي، وما محصلتها الإجمالية؟ الجزء التالي يحاول تقديم إجابات على ذلك.
3-2 محصلة العلاقات الخليجية-اليابانية: شراكة تنموية أم مجرد تبادل تجاري؟
انطلاقاً من اهتمام الدراسة بالأبعاد التنموية للاقتصاد الخليجي، سيحاول هذا الجزء الإجابة على السؤال السابق عبر تحديد أثر العلاقات التجارية والاستثمارية الخليجية-اليابانية على القيم المضافة المولدة داخل الاقتصاد الخليجي خلال الفترة من عام 2016 إلى 2020. وفي هذا الصدد، تتناول النقاط الثلاث التالية الأثر على إنتاجية العمال وعلى استنضاب الموارد الطبيعية وعلى التراكم التكنولوجي في الاقتصاد الخليجي.
- رغم تواضع حصة صادرات الصناعة التحويلية الخليجية ضمن هيكل صادراتها لليابان، فإن تتبع التطورات في درجة التحول التصنيعي داخل هذه الصادرات يوضح أن هناك تحسناً، من حيث القيمة، في درجة المهارات العمالية الموظفة في هذه الصناعات، وخصوصاً في الصناعات متوسطة التكنولوجيا. وإذا أمكن الاعتماد على هذا المؤشر في تحديد جانب من آثار التجارة السلعية مع اليابان، فيمكن القول إن زيادة نصيب هذه الصادرات كفيل بترقية المهارات العمالية في قطاع الصناعة التحويلية الخليجية، وهو أثر إيجابي في الأداء الاقتصادي والإنتاجية الكلية. لكن تظل هذه النتيجة مقيدة بالأهمية النسبية المحدودة لصادرات الصناعة التحويلية الخليجية.
- وبالنظر من زاوية أخرى للعلاقات التجارية الخليجية-اليابانية، يمكن أن نرى أن هذه العلاقة تؤثر سلبياً على معدلات استنضاب الموارد الطبيعية في الاقتصاد الخليجي، وخصوصاً أن حصة صادرات المواد الخام البترولية مازالت مسيطرة على هيكل الصادرات الخليجية لليابان. وطالما شكلت السوق الخليجية المصدر الأول لواردات اليابان من هذه المواد الخام، فإن هذا الارتباط العضوي في العلاقات التجارية الخليجية-اليابانية يمكن أن يزيد من مخاطر استنضاب المواد الخام التي تتعرض له الدول المصدّرة لها عموماً للمواد الخام عموماً، بما فيها الدول الخليجية.
- على أن ضآلة الشراكة الاستثمارية الخليجية-اليابانية تحد من فرص التراكم الرأسمالي في الاقتصاد الخليجي بالاعتماد على التكنولوجيا الصناعية اليابانية فائقة التطور. فالحجم المحدود للاستثمارات اليابانية في الاقتصاد السعودي والإماراتي – كنموذج على استثماراتها في دول الخليج – يعني القدرة المحدودة لهذه الاستثمارات على نقل التكنولوجيا وتوطينها، وخصوصاً في قطاع الصناعات التحويلية متوسطة وعالية التكنولوجيا.
وبتفاعل الآثار الثلاثة السابقة، يمكن الانتهاء إلى القدرة المحدودة للعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية في دعم الناتج المحلي والطاقة الإنتاجية في الاقتصاد الخليجي؛ لتكون المحصلة الإجمالية لهذه العلاقات الاقتصادية أنها ليست شراكة تنموية، وأنها مجرد تبادل تجاري يحتاج إلى سياسات اقتصادية داعمة ومعمقة لهذه العلاقات لتزيد من آثاره التنموية داخل الاقتصاد الخليجي. بيد أنه لكي يمكن اقتراح سياسات قادرة على تعميق هذه العلاقات، يتعين الوقوف على أهم محددات العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية في واقعها الراهن. وهو ما سينهض به الجزء التالي من الدراسة.
3. محددات العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية:
ما الذي رسم حدود هذا الشكل من العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية وجعله يتركز في التبادل التجاري؟ إن الإجابة على هذا السؤال المهم تقتضي البحث عن أهم العوامل والمحددات الاقتصادية الخاصة بطرفي هذه العلاقة، وتتطلب تحليل السياق الدولي الذي نشأت داخله وتطورت. إذ لا يمكن الارتكان إلى الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الطرفين فقط [7]. بيد أن التحليل العلمي المنضبط يمكنه استنباط هذه المحددات من ثلاث دوائر تحليلية متصلة ومتداخلة؛ الدائرة الأولى هي المحددات الخاصة بالاقتصاد الخليجي، والدائرة الثانية هي المحددات الخاصة بالاقتصاد الياباني، أما الدائرة الثالثة فتخص السياق الدولي الذي شهد تطور هذه العلاقات.
3-1 المحددات الاقتصادية الخاصة باقتصادات دول الخليج العربية:
لدول الخليج العربية الست مجموعة من السمات والقواسم الاقتصادية المشتركة، وهذه السمات أسهمت – ومازالت – في تحديد طبيعة علاقاتها الاقتصادية باليابان. وتحاول النقاط التالية إبراز ذلك:
- فيما يتعلق بهيكل التجارة القائم، فكان لامتلاك دول الخليج العربية احتياطيات كبيرة من موارد النفط والغاز، وتمتعها بقدرات إنتاجية وتصديرية عالية في السوق العالمي للطاقة، أن جعلها الوجهة الدولية الأولى للباحثين عن هذه الطاقة، وخصوصاً من الاقتصادات عالية القدرات التصنيعية، كالاقتصاد الياباني. وزد على ذلك – وليس أقل أهمية مما سبق-أن الموقع الجغرافي المميز لإقليم الخليج العربي، وموقعه المتميز على خطوط الملاحة الدولية الرئيسية، جعل اليابان تعتمد على دول المنطقة في استيراد احتياجاتها من النفط والغاز. وعلى العكس من ذلك، كان البُعد الجغرافي النسبي للسوق اليابانية مقارنة بالسوق الصينية والهندية شرقاً والسوق الأوروبية غرباً، سبباً في الأهمية النسبية المحدودة للسوق اليابانية أمام صادرات الطاقة الخليجية. إذ أشارت الدراسة فيما تقدم أن هذه الأهمية النسبية بلغت في أحسن أحوالها نحو 10% من هذه الصادرات.
- على أن الدرجة العالية من الجاهزية والكفاءة لاقتصادات دول الخليج العربية، ولاسيما الاقتصادين السعودي والإماراتي، جعلها الوجهة الشرق أوسطية الأولى لتلقي الاستثمارات اليابانية المباشرة. فالاستقرار الاقتصادي، ومتانة مؤشرات الاقتصاد الكلي، والتطور الرقمي الملحوظ، كلها سمات عززت من التنافسية الاقتصادية للدول الخليجية مقارنة بدول إقليمها الجغرافي. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن رغم هذه التنافسية التي تتمتع بها اقتصادات دول الخليج العربية، فمازالت الاستثمارات اليابانية المباشرة المتدفقة إليها متواضعة من حيث الأهمية النسبية للعالم. وستحاول الدراسة في موضع تالٍ تقديم مقترحات علاجية لهذا الوضع.
- ويمكن لسمات سوق العمل ومواصفاتها في دول الخليج العربية أن تشكل سبباً آخر في تحديد المستوى الراهن للعلاقات الاستثمارية الخليجية-اليابانية. فارتفاع متوسط الأجور الحقيقية في مجموعة هذه الدول، والمستوى الراهن من المهارات العمالية، وطبيعة قوانين العمل السائدة وتشريعاتها، تحد كلها من جاذبية هذه الدول لتدفقات الاستثمارات اليابانية المباشرة، وخصوصاً إذا ما قورنت مؤشرات سوق العمل فيها بالمستويات القائمة في إقليم جنوب شرق آسيا. ومن المعلوم أن الأخيرة هي التي تحوز نصيباً مهماً من أرصدة الاستثمارات اليابانية المباشرة عالمياً.
شكل رقم (7)
أهم المحددات الاقتصادية الخليجية المفسرة للعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية
وعموماً، وتأسيساً على المحددات السابقة، فإن لتشابه الهيكل الاقتصادي في دول الخليج العربي، ولأوضاع التنافس والتكامل القائم بين اقتصاداتها، ولمستوى فاعلية المنظمات الاقتصادية الخليجية، آثاراً لا يجوز إغفالها عند تحليل أو تفسير الشكل الحالي للعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية، وخصوصاً فيما يخص الجاذبية الاستثمارات اليابانية المباشرة.
3-2 محددات تخص الاقتصاد الياباني:
وعند البحث في محددات العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية بوضعها الراهن، فمن الطبيعي النظر في سمات الاقتصاد الياباني التي تفسر جانباً مهماً من هذه العلاقات التجارية والاستثمارية. والنقاط التالية توضح ذلك بشيء من التركيز.
- وفق بيانات البنك الدولي الموضحة في الشكل رقم (7)، فإن الاقتصاد الياباني كان بعيداً خلال الفترة ما بين الأعوام 2016 و2020 عن حالة النمو الاقتصادي المطرد. فغاية ما وصل إليه معدل نموه الاقتصادي كان أقل قليلاً من حاجز 2% في عام 2017. ثم أخذ بعد ذلك في التراجع، ليشهد عام 2020 أدنى أداء لهذا المعدل[8]؛ إذ انكمش الناتج المحلي الياباني بمعدل يقترب من حاجز -6%. وتفسر هذه التوجهات في النمو الاقتصادي الياباني جانباً من التراجع والمحدودية لقدرتها على الاستيراد من دول العالم كافة، بما فيها الواردات السلعية من دول الخليج العربية.
- وفي فترة التحليل نفسها ما بين عام 2016 و2020، تراجعت قدرة الاقتصاد الياباني على تصدير الاستثمارات الأجنبية وفقاً لبيانات البنك الدولي في هذا الخصوص والواردة في الجدول رقم (2) بالملحق الإحصائي للدراسة. إذ تراجعت صافي التدفقات الاستثمارية الخارجة منه من نحو 178 مليار دولار في عام 2016 لتصل إلى نحو 171 مليار دولار في عام 2020. ومؤدى ذلك أن قدرة الاقتصاد الياباني على زيادة استثمارات في الاقتصاد الخليجي كانت محدودة بهذا التراجع العام في قدرته الاستثمارية.
شكل رقم (8)
تطور معدل النمو الاقتصادي الياباني خلال الفترة 2016-2020
تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات الجدول رقم (2) في الملحق الإحصائي للدراسة
والجدير بالإشارة هنا أن البيانات الدولية للتجارة والاستثمارات المباشرة خلال فترة التحليل توضح أن الاقتصاد الياباني علاقاته الاستثمارية شبه مستقرة جغرافياً في أقاليم جنوب شرق آسيا، وعلاقاته التجارية شبه مستقرة كذلك في إقليم أمريكا الشمالية وأوروبا. وهذا الاستقرار في العلاقات الخارجية للاقتصاد الياباني يقدم تفسيراً إضافياً للوضع الراهن لعلاقاته الاقتصادية مع دول الخليج العربية في فترة التحليل نفسها [9].
- 3-3 محددات السياق الدولي للعلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية:
وبالنظر في السياق الاقتصادي الدولي للفترة ما بين عام 2016 و2020، فيمكن الخروج بعدد من المحددات الإضافية المفسرة لشكل العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية واتجاهاتها، وهو ما تلخصه النقطتان التاليتان:
- إن حالة التكامل والتناغم الذي يحاول التجمع السنوي لدول G7 إحداثها في الملفات الاقتصادية الدولية الرئيسية – وعلى رأسها ملف الطاقة وملف التنافس الأمريكي مع الصين وملف المُناخ – كفيلة بتفسير جانب مهم من شكل العلاقات التجارية الخليجية-اليابانية. فمحاولة هذه الدول تنظيم صفوفها في سوق الطاقة العالمية، أسهم في رسم منحنى الطلب الياباني على الواردات الخليجية. كما يمكن لهذا التجمع نفسه أن يشكل قيداً على توسع التدفقات الاستثمارية اليابانية لدول الخليج العربية، لكون الاستثمارات البينية القائمة بين دول G7 هي المسيطرة على هذه التدفقات خلال فترة التحليل.
- وبالإضافة إلى محاولات التنسيق بين مجموعة G7، فإن التنافس الاقتصادي الياباني مع أقطاب آسيا، وخصوصاً كوريا الجنوبية والصين والهند، يمثل محدداً آخر ضمن السياق الدولي للعلاقات الخليجية-اليابانية. فلهذه الأقطاب الآسيوية نفسها علاقات اقتصادية متنافسة، استثمارياً وتجارياً، مع الاقتصاد الياباني في دول الخليج العربي خلال فترة التحليل. فالصين والهند من كبريات الدول المتاجرة مع الاقتصاد الخليجي، وبما يشكل مزاحمة ومنافسة لليابان في هذا السياق الدولي[10].
وواقع الأمر، وعلى صعيد السياقات الدولية غير الاقتصادية، فلا شك أن أحوال الاستقرار السياسي في الإقليم الجغرافي لدول الشرق الأوسط، والعلاقات اليابانية-الإيرانية[11]، يمكنها أن تساعد في تفسير شكل العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية واتجاهاتها خلال فترة التحليل من عام 2016 إلى 2020. وبالتأكيد، فعند رسم أي سياسات لتطوير العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية وتعميقها، فمن المهم أخذ هذه السياقات الاقتصادية وغير الاقتصادية في الحسبان.
4. العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية: من التجارة إلى التنمية عبر قناة الاستثمار:
ينتقل التحليل الآن ليتناول المقترحات الضرورية لتعزيز العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية وتعميقها لتكون أكثر إيجابية وأكثر نفعاً لصالح دول الخليج العربية الست. فلكي تتحول هذه العلاقات من مجرد تبادل تجاري لتصبح شراكة اقتصادية ذات مردود تنموي مستدام، هناك العديد من السياسات الواجب تنفيذها لتهيئة بيئة الأعمال الخليجية من ناحية، وهناك بعض الاتفاقات والشراكات التنموية الواجب الدخول فيها مع الطرف الياباني من جهة أخرى أيضاً. كما يضع هذا الهدف بعض الالتزامات على عاتق الشركات اليابانية والخليجية لتنفيذ الاستثمارات البينية عالية الآثار التنموية. ففي المستقبل المنظور، فإن التعويل في تعميق هذه الشراكة سيكون على الاستثمارات اليابانية، لا على ترقية التجارة الخليجية لليابان.
وعلى هدي مما توصلت إليه الدراسة من نتائج تحليلية في أجزائها السابقة، فإن النقاط التالية توضح الخطوط العريضة لسياسات اقتصادية وتجارية واستثمارية كفيلة بتعميق العلاقات الاستثمارية الخليجية-اليابانية، ولكي تتحول من مجرد تبادل تجاري بين أنداد إلى شراكة استثمارية وتنموية طويلة الأجل. والجدير بالتنبيه هنا أن الدراسة ستعتمد في صياغة هذه الخطوط العريضة على التعلم من دروس التجربة الدولية الناجحة في تطوير العلاقات الاقتصادية بين دول العالم المختلفة وأقاليمه.
4-1 ما الذي يمكن أن تقدمه العلاقات الاقتصادية مع اليابان لدول الخليج العربية؟
إن الاقتصاد الياباني، بما يملكه من تكنولوجيا متقدمة وطرائق وأساليب إنتاجية كفؤة، وبما لديه من شركات صناعية دولية النشاط ومنتشرة عبر جغرافيا واسعة عالمياً، يمكنه أن يفيد الاقتصاد الخليجي أيما إفادة عبر البدائل التالية:
- الفائدة الأولى المنتظرة والمتوقعة لشراكة اقتصادية خليجية-يابانية هي توطين التكنولوجيا المتقدمة صناعياً وطرائق الإنتاج التي تدعم أصول التنمية الاقتصادية لبيئة الأعمال الخليجية. فمن المعلوم أن تكنولوجيا الإنتاج اليابانية لها ريادة عالمية في مجالات صناعية عديدة، مثل تكنولوجيا تصنيع السيارات ووسائل النقل. وفي ضوء تطور أساليب نقل التكنولوجيا وإعادة توطينها، وبناء على التحسينات المستمرة لبيئة الأعمال الخليجية لتكون جاهزة لمثل هذا التوطين والتي ستقترح الدراسة سياسات داعمة ومعجلة لها في موضع تالٍ، فهناك فرص واعدة لإعادة توطين التكنولوجيا اليابانية خليجياً.
- كما أن الفائدة الثانية للشراكة الاقتصادية الخليجية-اليابانية ستكون دعم أنشطة الإنتاج المحلية عبر التشابكات الإنتاجية المتوقع حدوثها بفعل توسع الاستثمارات اليابانية في بيئة الأعمال الخليجية.
- ومن الفوائد الواضحة لهذه الشراكة أن تتطور أنظمة الإدارة الحديثة وأنظمة دعم الجودة والرقابة عليها في قطاعات الإنتاج المحلية بفعل المحاكاة والتعلم من تجربة الشركات اليابانية المتوقع توسعها في بيئة الأعمال الخليجية. فأنظمة الإدارة الحديثة تعد رافعة مهمة للإنتاجية الكلية لعناصر الإنتاج الخليجية، وخصوصاً في قطاعات الإنتاج السلعي الموجهة للتصدير.
- وتأسيساً على الفائدة السابقة المتوقع جنيها من الشراكة الخليجية-اليابانية، فمن المنطقي أن يقابل التطور في أنظمة الإدارة الإنتاجية في بيئة الأعمال الخليجية تطوراً مقابلاً في مستوى المهارات للعمالة الوطنية الخليجية. والتحسن المستمر في هذه المهارات يعتبر من الفوائد الأساسية لتعميق هذه الشراكة الاقتصادية المرجوة.
- ولأسواق المال الخليجية فرصة واضحة في الاستفادة من الكفاءة التي تتحلى بها أسواق المال اليابانية، ولاسيما بورصة طوكيو ذات المكانة المرموقة عالمياً. إذ يمكن لازدهار الاستثمارات اليابانية في بيئة الأعمال الخليجية المساهمة في تطوير أنشطة المضاربات والاستثمارات المالية في أسواق الخليج المالية.
وإجمالاً، فمن المهم التأكيد على أن تحقق الفوائد السابقة في بيئة الأعمال الخليجية مرهون بتطوير هذه البيئة لتكون جاذبة لمزيد من التدفقات الاستثمارية للشركات اليابانية دولية النشاط. تلك الشركات التي لها تجارب دولية رائدة على النحو الذي ستوضحه الفقرة التالية.
4-2 كيف يمكن التعلم من دروس الاقتصاد الياباني في بيئة الأعمال الدولية؟
للاقتصاد الياباني خبرات دولية واسعة في نقل جزء من خطوط إنتاجه الصناعي خارج أراضيه. وفي هذا الجزء، تحاول الدراسة ضرب بعض الأمثلة بهدف استخلاص الدروس والعبر للاستفادة منها عند صياغة السياسات الاقتصادية الخليجية المعززة والمعمقة لعلاقاتها الاقتصادية باليابان.
ولقد لعبت الاستثمارات اليابانية دوراً واضحاً في تطوير بيئة الأعمال في الاقتصادين الفيتنامي والإندونيسي، كل على حدة، وقد سبق ذلك توقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية طويلة الأجل مع اليابان؛ تلاه تقديم العديد من الحوافز المحلية التي تحتاجها الشركات اليابانية لنقل جانب من أنشطتها الإنتاجية في ظل تنامي أنشطة التجارة السلعية والخدمية فيما بين هذه الاقتصادات. من ذلك مثلاً ما استهدفته السياسات الاقتصادية لربط مؤشرات سوق جاكرتا للأوراق المالية مع مؤشر نيكي سوق طوكيو مع تحقيق توازن في سوق الصرف بين الين الياباني والروبية الإندونيسية. فضلاً على ذلك دعم المهارات العمالية لتتماشى مع احتياجات الاستثمارات اليابانية في قطاع الصناعة التحويلية. وقد كشفت بعض الدراسات أن نمو الاستثمارات اليابانية في صناعات الآلات والمعدات الكهربائية والبصرية أسهم في زيادة الطلب على نوعية العمالة الماهرة[12] في حالة الاقتصاد الإندونيسي. وفيما يخص الاقتصاد الفيتنامي، ونظراً إلى وجود تنافس محموم على الاستثمار في هذا السوق القريب من الصين، فلقد استفادت الشركات اليابانية من حالة التكامل في الهياكل الإنتاجية الفيتنامية الذي يتناغم مع طبيعة الاستثمارات اليابانية. وقد أفاد هذا التكامل في تنفيذ نحو 4600 مشروع استثماري ياباني في الاقتصاد الفيتنامي برأسمال إجمالي يناهز 60 مليار دولار أمريكي[13].
وللاقتصاد الياباني العديد من الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الأفريقي في قطاعات السيارات والدراجات النارية ومعدات البناء والتعدين والمحروقات. ويصل العدد التقريبي لهذه الاستثمارات نحو 796 استثماراً مباشراً. ويقع اقتصاد جنوب أفريقيا على رأس هذه الاقتصادات الجاذبة للاستثمارات اليابانية. ففيه وحده نحو ثلث الشركات اليابانية المستثمرة في قارة أفريقيا[14]. وتعتبر تجربة الاستثمارات في مجالات الكيماويات من أبرز قصص النجاح الاستثماري لبيئة الأعمال في جنوب أفريقيا أمام الاستثمارات اليابانية. فقد بدأت استثمارات شركة Kansai Paint في اقتصاد جنوب أفريقيا في عام 2011، ومنها توسعت أفريقيا لكينيا وأوغندا وتنزانيا. وقد أسهمت الإصلاحات التي أدخلت على السياسة الاقتصادية الجنوب أفريقية، والحلول الاستثمارية في مجالات البيئة الأساسية وجاهزية المدن الصناعية، في جعل الاقتصاد الجنوب أفريقي وجهة رئيسية للاستثمارات اليابانية في أفريقيا والعالم. وكان من ثمار تلك الجاهزية الاقتصادية – بالإضافة إلى عوامل أخرى مهمة – أن تحول مصنع شركة تويوتا للسيارات في مدينة “ديربان” في جنوب أفريقيا من مجرد مصنع تجميعي صغير إلى واحد من المصانع الرئيسية لهذه الشركة خارج اليابان.
وبإعادة التأمل في التجارب السابقة، فإن ملاءمة السياسات الاقتصادية، وجاهزية بيئة الأعمال، وتطور البنى التحتية الصناعية، وتوافر المهارات العمالية وكفاية عناصر الإنتاج الأخرى، كلها تمثل دروساً مستفادة للاقتصاد الخليجي حال استهدافه تعزيز استفادته من علاقاته الاقتصادية وشراكته التجارية مع الاقتصاد الياباني.
4-3 ما المطلوب خليجياً لتعميق علاقاته الاقتصادية مع اليابان؟
من الممكن بسهولة تفهم الدوافع الخليجية لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع الاقتصاد الياباني[15]. فرغم الجدارة المالية المرتفعة للاقتصاد الخليجي، فإن حاجته لتحقيق نموٍّ عالي المكون التكنولوجي تدفعه، من دون شك، لتمتين علاقاته الاقتصادية باليابان، دون الاقتصار بتنمية التبادل التجاري السلعي والخدمي معها. لكن نجاحه في هذه المساعي يحتاج مزيداً من تهيئة وترتيب بيئة الأعمال المحلية لتكون أكثر جاذبية للاستثمارات اليابانية الناقلة للتكنولوجيا، ولكي تجني منافع مستدامة من أوجه تجارته مع الشريك الياباني. والنقاط التالية تحاول تسليط الضوء على خمسة متطلبات خليجية لزيادة منافعه من شراكته مع الاقتصاد الياباني:
أ. الانطلاق من التجارة إلى الاستثمار:
- نظراً إلى تمتع الاقتصاد الخليجي بقدرات استهلاكية مرتفعة في ظل ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع متوسط الدخل المتاح للتصرف، فإن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الخليجي قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولاسيما الاستثمارات اليابانية. غير أن هذه الطاقة الاستيعابية محدودة حالياً بأوضاع التجارة الخارجية للاقتصاد الخليجي.
- واعتماداً على ذلك، وانطلاقاً من تنوع هيكل التجارة البينية الخليجية-اليابانية، فمن الممكن تقديم حوافز متطورة لتطبيق استراتيجية الاستثمار محل الواردات[16] خليجياً. فطالما تتنوع الصادرات اليابانية للاقتصاد الخليجي في السلع متوسطة وعالية التكنولوجيا، فمن المفيد اقتصادياً لطرفي التجارة أن ينقل ويوطن جزءاً من النشاط الإنتاجي لهذه السلع المستوردة في السوق الخليجية.
- وفي السياق ذاته، من الضروري التنبيه على أن نجاح هذه الاستراتيجية الاستثمارية يحتاج إلى تعديلات هيكلية في بيئة الأعمال الخليجية لتوسع من القدرات الاستيعابية للسوق الخليجي، ولتزيد من عوائد الاستثمارات المستهدفة بالنقل وإعادة التوطين، وتقلل من المخاطر الاستثمارية وغير الاستثمارية المرتبطة بها. وهو ما ستوضحه النقاط التالية.
ب. تشابك التجارة بالاستثمارات المحلية:
- من المتطلبات الأساسية لتعميق العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية، وبافتراض نجاح المتطلب السابق في جذب الاستثمارات اليابانية لبيئة الأعمال الخليجية، فمن فائق الأهمية أن يتم تطوير حوافز ملائمة وقادرة على تشجيع الشركات الخليجية المحلية وتقديمها لتتشابك مع الاستثمارات اليابانية من الأمام والخلف. إذ إن لهذه التشابكات عظيم الأثر في زيادة القيمة المضافة المولدة في الاقتصاد الخليجي من جراء الشراكة مع الاستثمارات اليابانية.
- وعبر هذه التشابكات المقترحة، يمكن أن تصبح السوق الخليجية نقطة الارتكاز والانطلاق للشركات اليابانية للولوج إلى السوق الأوروبية والأفريقية – وحتى اللاتيني- بالصادرات المصنعة في منطقة الخليج العربية؛ كي يمكن تجاوز عقبة الطاقة الاستيعابية المحلية التي يمكن أن ترصدها الشركات اليابانية. فتعدد الاتفاقات التجارية لهذا الإقليم الجغرافي، وتمتعه بالعديد من المزايا الجيواقتصادية، كفيل بحد ذاته لتسهيل نفاذية صادراته للأسواق القريبة منه. ولا يخفى ما لذلك من آثار عديدة على طريق التنمية الاقتصادية المنشودة.
ت. دور رواد الأعمال الخليجيين:
- وتأسيساً على المتطلب السابق، وإزاء الفرص الواعدة لنمو الربحية وعوائد الاستثمار للشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة المرشحة للتشابك مع الاستثمارات اليابانية، فمن الواضح جلياً أن وجود جاهزية محلية من رواد الأعمال الخليجين هو ضمانة مهمة لطرفي هذه الشراكة الاقتصادية. فهي ضمانة لتحفيز الشركات اليابانية على القدوم، كنتيجة لانتظام سلاسل التوريد المحلية واستقرارها. وهي ضمانة لتعميق الآثار الإيجابية في الاقتصاد الخليجي، لما سيخلقه هؤلاء الرواد من فرص استثمار وتوظيف وإنتاج وتشغيل متنوعة محلياً.
- وفي ضوء ذلك، فمن المفيد تدشين اتحادات وتكتلات وروابط لرواد الأعمال الخليجين، ليس لاقتناص الفرص التي ستخلقها الشركات اليابانية التي ستستجيب لاستراتيجية الاستثمار محل الواردات فقط؛ بل للمساهمة في خلق الظروف المواتية، وتوفير قطاع التوريد المحلي، لزيادة استجابة الشركات اليابانية لهذه الاستراتيجية من الأساس.
ث. الدعم الحكومي وسياسات توطين التكنولوجيا:
- بينما أشارت الدراسة في موضع سابق حول فوائد توطين التكنولوجيا مع تعميق الشراكة الخليجية-اليابانية، فإن تحقق هذه الفوائد لا يحدث من تلقاء نفسه. بل يحتاج إلى تدخل واعٍ من المؤسسات والتنظيمات الحكومية الخليجية[17]. ومن أبرز التدخلات الحكومية المطلوبة لذلك أن تقدم حوافز متخصصة لعملية نقل التكنولوجيا وتوطينها من جانب الشركات اليابانية. فالأعباء المالية المترتبة على ذلك تقل كثيراً عن العوائد المتوقعة له. كما يمكن الدخول في شراكات استثمارية مباشرة برعاية حكومية لتنظيم عمليات نقل وتوطين نظم الإدارة اليابانية للشركات المحلية، وخصوصاً الشركات الخليجية المتوقع تشابكها مع الاستثمارات اليابانية المنتظر قدومها.
- وبما أن نقل التكنولوجيا وتوطينها والتعاون الفني يحتاج إلى جاهزية خليجية ولتوافر خبرات وكوادر ورأس مال بشري خليجي، فإن تعزيز الإنفاق الحكومي على تطوير رأس المال البشري الموجه خصيصاً للمهارات الإنتاجية المطلوبة للشركات اليابانية المحتملة هو من الأهمية في سياق التدخلات الحكومية المطلوبة. ويقع ضمن السياسات الحكومية الداعمة لرأس المال البشري الخليجي الدعم الواجب تقديمه لتصبح تكلفة العمالة تنافسية بالنسبة إلى الاستثمارات اليابانية في قطاع الصناعة التحويلية تحديداً.
- وإذا كان من الواضح أن أحوال البنى التحتية الخليجية من الجاهزية والكفاءة لتلائم الاستثمارات اليابانية الصناعية المحتملة، فمن الصحيح في الوقت نفسه أن هذه البنى التحتية في حاجة إلى مزيد من الدعم المتخصص لتكون أكثر ملاءمة وجاهزية في سياق تنمية القيمة المضافة في قطاعات الصناعة التحويلية الجاذبة للاستثمارات اليابانية خليجيا. فالمدن الصناعية الخليجية المتطورة، والترابط والتكامل فيما بينها، هما مطلب لا مناص عنه لتعزيز الجاذبية للشركات الصناعية اليابانية التي تبحث عن الكفاءة الإنتاجية كهدف رئيسي للتحرك.
ج. دور صناديق الثروة السيادية وجاهزية سوق رأس المال الخليجي:
- وتوضيحاً للدور الذي ستتحمله صناديق الثروة السيادية الخليجية في سبيل تعميق الشراكة الخليجية-اليابانية، فإن ما لدى هذه الصناديق من فوائض وقدرات استثمارية يمكنه أن يخلق فرصاً لتمتين العلاقات الاستثمارية مع اليابان. فتوسع استثمارات هذه الصناديق في الاقتصاد الياباني يمكن أن يكون خطوة ضرورية لبناء علاقات استثمارية طويلة الأجل مع كبريات الشركات اليابانية؛ لتتبعها خطوة إضافية للشراكة الاستثمارية مع هذه الشركات العاملة في قطاعات التصنيع عالي القيمة المضافة لتوسيع أنشطتها الاستثمارية في الأسواق الخليجية.
- كما يمكن للسياسات الاقتصادية التي تستهدف تطوير سوق رأس المال الخليجي أن تؤتي أكلها في تحفيز الشركات اليابانية للاستثمار في بيئة الأعمال الخليجية. فالتكامل المطلوب بين أسواق المال الخليجية مع سوق المال الياباني، والاستقرار الحاصل في سوق الصرف الأجنبي لعملات دول الخليج، يمكنها أن تقدم حوافز ضمنية مهمة للشركات اليابانية للاستثمار في الاقتصاد الخليجي.
وفي المتطلبات والأدوار السابقة جميعها، سيكون معيار النجاح الأول هو مدى التناغم القائم فيما بينها؛ سواء كان تناغماً رأسياً بين كل دور وآخر من تلك الأدوار في كل اقتصاد خليجي على حدة؛ أو تناغماً وتكاملاً أفقياً فيما بين هذه المتطلبات والأدوار المختلفة في اقتصاداته الستة. فلا ريب أن تجنب التنافس أو المزاحمة فيما بين هذه المتطلبات والأدوار يزيد من كفاءتها وفاعليتها المرجوة في تعميق الفوائد المنتظرة وتسريعها من الشراكة الخليجية-اليابانية.
4-4 مؤشرات تنموية مختارة:
إن ضمان المتابعة الاقتصادية الدقيقة والمستمرة لما ستسفر عنه السياسات المقترحة السابقة، له أهمية بالغة في استدامة آثارها الإيجابية على تعميق الشراكة الاقتصادية الخليجية-اليابانية. ولذلك تحديداً، فمن المفيد اقتراح بعض المؤشرات التي ستقيس التطور في المنافع التي سيجنيها الاقتصاد الخليجي حال تطبيق هذه السياسات. وفيما يلي بعض المؤشرات الكمية والنوعية المقترحة في هذا الصدد:
أولا-المؤشرات الكمية المقيسة:
- مؤشر عدد الشركات المستثمرة. ويقيس هذا المؤشر التطور العددي للشركات اليابانية التي استجابت للتحفيز المقدم ضمن السياسات السابق اقتراحها. وبديهي أن يعتبر النمو في هذا المؤشر دليلاً مهماً على نجاح هذه السياسات فيما تصبو إليه.
- مؤشر رأس المال. ويقيس هذا المؤشر حجم التدفقات المترتبة على ولوج الشركات اليابانية المستجيبة لبرامج التحفيز الخليجية. ويعكس هذا المؤشر أيضاً قدرة الشركات المتدفقة على نقل التكنولوجيا وتوطينها وتوسيع القدرات الإنتاجية الخليجية المحلية في القطاعات التي تتدفق إليها.
- مؤشر الربحية. ويقيس هذا المؤشر التطور في ربحية الشركات اليابانية التي ستتدفق تبعاً لبرامج التحفيز المقترحة من الدراسة. ويقدم هذا المؤشر أدلة مهمة على فاعلية السياسات المطبقة وعلى كفاءة الاستثمارات اليابانية المتدفقة للاقتصاد الخليجي ونوعيتها.
- مؤشر إعادة استثمار الأرباح. ويقارن هذا المؤشر بين قيمة الأرباح المحققة في الشركات اليابانية المستجيبة للتحفيز وما أعادت استثماره في بيئة الأعمال الخليجية. ويدل هذا المؤشر دلالة مهمة على الاستدامة والتوسع في الاستثمارات اليابانية في السوق الخليجية.
- مؤشر التجارة الخارجية. ويقيس هذا المؤشر حجم التجارة البينية والتجارة الخارجية المترتبة على، والمتشابكة مع، الاستثمارات اليابانية المتدفقة تبعاً لبرامج التحفيز التي اقترحتها الدراسة سابقاً. وكلما زادت قيمة هذا المؤشر، أمكن الحكم على كفاءة الاستثمارات اليابانية في تعزيز مؤشرات النمو الاقتصادي الآني في بيئة الأعمال الخليجية.
ثانياً-المؤشرات النوعية غير المقيسة:
- مؤشر قطاعات الاستثمار. ويقيس هذا المؤشر التطورات التي تحدث في نوعية الاستثمارات المتدفقة من الاقتصاد الياباني إلى الاقتصاد الخليجي. وعبر مقارنة الفترات الاقتصادية من حيث النوعية، يمكن رصد مستوى التحسن القطاعي في هذه الاستثمارات، لأهميته في تحديد العوائد التنموية المحتملة لهذه الاستثمارات الجديدة حسب نوعيتها.
- مؤشر التوزيع الجغرافي للاستثمار. ويهدف هذا المؤشر لقياس التطور التنوع الجغرافي في الاستثمارات اليابانية في الاقتصادات الخليجية الست، ومستوى التنوع الجغرافي داخل كل منها على حدة. ويهدف هذا المؤشر لتحديد متطلبات التطوير الجغرافي ليواكب أهداف تنويع الاستثمارات اليابانية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة عموماً، في وجهاتها الجغرافية داخل الاقتصاد الخليجي.
- مؤشر مرونة تسوية النزاعات. ويقيس هذا المؤشر كفاءة أجهزة المتابعة الاقتصادية في الاقتصاد الخليجي للوقوف على قدرتها على منع حدوث نزاعات استثمارية بين أطراف الشراكة الاقتصادية، مع توافر آليات متطورة ومقبولة للتصدي لما يحدث منها والمعالجة المانعة لحدوث هذه المشكلات الاستثمارية مستقبلاً.
وبمتابعة دقيقة مستمرة لهذه المؤشرات، يمكن تحديد فاعلية وكفاءة السياسات المقترحة من الدراسة في دعم النمو الاقتصادي المحقق خليجياً حال وضعها موضع التنفيذ في واقع الاقتصاد الخليجي، سواء على مستوى تكتله الإقليمي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي[18]، أو على مستوى كل اقتصاد من اقتصاداته الست. ومن البديهي أن يظل الحكم على جدوى هذه السياسات مرهوناً بالتحسن المطرد في هذه المؤشرات جميعها وعبر فترة زمنية مناسبة؛ إذا ليس من المقبول تنموياً أن يتحسن بعضها دون بعضها الآخر، أو يتحسن بعضها آنياً، ويطول الوقت ببعضها الآخر ليشهد تحسناً في قيمته. فهذه المؤشرات تعكس، في مجموعها، المردود التنموي من الشراكة الاقتصادية الخليجية-اليابانية.
5. خاتمة ونظرة استشرافية لمستقبل العلاقات الخليجية-اليابانية:
إن العلاقات الاقتصادية الخليجية-اليابانية قد أمضت زمناً طويلاً تتركز في الجوانب التجارية، تصديراً واستيراداً. وداخل هذه العلاقات، كانت تتركز الصادرات الخليجية في عدد محدود من السلع منخفضة العوائد التنموية على الاقتصاد الخليجي في مجموعة. ولذلك، فيصح القول إن الصورة العامة للعلاقات الخليجية-اليابانية شهدت العديد من النجاحات التجارية؛ لكن تخلل هذه النجاحات بعض الإخفاقات المرتبطة بتطورات الاستثمارات الأجنبية البينية، كماً ونوعاً ومردوداً تنموياً. ولقد آن الأوان للاعتماد على هذا التاريخ الحافل بالروابط التجارية الخليجية-اليابانية المميزة لتحقيق انطلاقة تنموية خليجية، تراعي متطلبات التنمية في الاقتصاد الخليجي، وتلبي-في الوقت نفسه – التطلعات الاستثمارية للشريك الاقتصادي الياباني.
وبوضع هذه الصورة العامة نصب عينيها وهي تنتقل من مرحلة تحليلية إلى أخرى، وفي ضوء تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي الياباني في الأعوام الأخيرة بعكس قدراته على الاستثمار خارجياً، فقد حاولت الدراسة فيما تقدم أن تبني إطاراً جامعاً من المقترحات الضرورية لتعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيزها بين الاقتصادين الخليجي والياباني، للانتقال من التجارة إلى التنمية عبر قناة الاستثمارات اليابانية وما يمكنها نقله من تكنولوجيا حديثة وطرائق الإنتاج المتطورة. ومن المرجح في المستقبل المنظور أن يترتب على تطبيق هذه المقترحات نمواً واضحاً ومستداماً في العلاقات الخليجية، التجارية والاستثمارية، من الاقتصاد الياباني وإليه.
ملحق إحصائي
جدول رقم (1)
تطور التجارة السلعية بين دول الخليج العربية واليابان حسب المستوى التكنولوجي خلال الفترة 2016-2020 [19]
جدول رقم (2)
تطور النمو في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات اليابانية المباشرة خارجياً خلال الفترة 2016-2020 [20]
المراجع
[1]. تجدر الإشارة إلى أن التوازي الظاهر في الشكل رقم (1) بين قيم الصادرات السلعية الخليجية لليابان والفائض المحقق في الميزان التجاري يرجع لأن قيم الصادرات تتفوق على قيم الواردات خلال السنوات الخمس 2016-2020، مع وجود ثبات نسبي في قيم الواردات خلال الفترة نفسها.
[2]. يمثل إقليم الشرق الأوسط في مجموعة الدول الواقعة جغرافياً في دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، بما فيها مجموعة الدول العربية.
[3] تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات منظمة التجارة الخارجية اليابانية الواردة في الرابط: https://www.jetro.go.jp.
[4] تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات منظمة التجارة الخارجية اليابانية الواردة في الرابط: https://www.jetro.go.jp.
[5] تم إعداد هذا الشكل بالاعتماد على بيانات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” UNCTAD ومنشورة على الرابط: https://unctadstat.unctad.org/wds/TableViewer/tableView.aspx?ReportId=217476.
[6] مصدر الشكل السابق نفسه.
[7]. لمزيد من التفاصيل حول الاتفاقات التجارية الموقعة بين دول الخليج العربية واليابان، راجع رابط موقوع مجلس التعاون لدول الخليج العربية على الإنترنت في الرابط: https://2u.pw/WeckN.
[8]. غني عن التذكير أن هذا الانكماش السريع في الناتج المحلي الإجمالي الياباني خلال عام 2020 يرجع في أحد أسبابه الرئيسية إلى حالة الإغلاق الاقتصادي الدولي في غمار جائحة “كوفيد-19” العالمية.
[9]. لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، راجع: عبدالرحيم خليل (2018). السياسة اليابانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، المجلد التاسع عشر، العدد الثاني، إبريل.
[10]. من المعلوم أن المنافسة والمزاحمة في العلاقات الدولية يمكن أن تشكل ميزة كامنة للطرف المتنافس عليه. راجع في ذلك، تشون سايتو، إن جاناردان (2019). العلاقات بين دول الخليج واليابان فيما وراء قطاع الطاقة. أكاديمية الإمارات الدبلوماسية.
[11]. بطبيعة الحال، تؤثر العقوبات الأمريكية بشدة على هذه العلاقات. وللنظر في السمات والمحددات العامة لهذه العلاقات، راجع: سكوت هارولد، علي رضا نادر (2012). الصين وإيران، العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ورقة بحثية غير منتظمة الصدور، مؤسسة راند.
[12]. Kiyota (2014) Kiyota, Kozo. 2014. Exports and Employment in China, Indonesia, Japan, and Korea. OECD Trade Policy Papers No. 166.
[13]. Huynh Tam Sang (2021). Vietnam-Japan Relations: Growing Importance in Each Other’s Eyes. YUSOF ISHAK INSTITUTE ANALYSE CURRENT EVENTS. pp. 3.
[14]. Céline PAJON (2020). Japan’s Economic Diplomacy in Africa Between Strategic Priorities and Local Realities. Ifri Center for Asian Studies. https://2u.pw/cQ3iO .
[15]. لمزيد من الإيضاح حول دوافع وتوجهات والمنافع العامة من العلاقات الخليجية-اليابانية، راجع: تشون سايتو، إن جاناردان، مصدر سابق.
[16]. راجع في التفاصيل العامة لهذه الاستراتيجية الاستثمارية المقترحة: محمد يوسف (2017). برنامج مقترح لتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر، دورية بدائل، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، العدد 22، عدد شهر مايو.
[17]. توضح بعض المصادر أن الدعم الحكومي والحوافز المطلوب تقديمها للشركات اليابانية قد يصل إلى قيمة 50% التكاليف الاستثمارية المتوقعة. راجع في ذلك تقرير حول استراتيجية المملكة العربية السعودية لجذب استثمارات شركة تويوتا اليابانية للاستثمار في الاقتصاد السعودي، في الرابط: https://2u.pw/N8WCR.
[18]. في هذا الإطار تحديداً، يمكن أن يظهر الدور الذي يقع على عاتق المنظمات الاقتصادية الخليجية، وفي القلب منها منظمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
[19] جدول رقم (2)* تم تركيب هذا الجدول بالاعتماد على بيانات منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية UNCTAD والمنشورة على الرابط: https://unctadstat.unctad.org/wds/TableViewer/tableView.aspx?ReportId=217476.
[20] تم تركيب هذا الجدول بالاعتماد على بيانات البنك الدولي WB والمنشورة على الرابط: https://databank.worldbank.org/reports.aspx?source=world-development-indicators#.