انعقدت بالمملكة العربية السعودية، القمة العربية الإسلامية المشتركة (غير العادية)، لبحث العدوان والحرب على قطاع غزة، الذي أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، وخصوصًا من الأطفال والنساء.
القمة التي انعقدت بالرياض في 11 سبتمبر بمشاركة 57 دولة، والتوصيات التي انتهت إليها، أكدت على أهميتها، خصوصًا في المرحلة المقبلة، لوقف الحرب على غزة، ولاسيما أنها جاءت على وقع استمرار الغارات الجوية التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي بالتزامن مع اختراقات برية وعمليات هجوم متتابعة في شمال قطاع غزة، كان من نتائجها ظهور موجات نزوح نحو الجنوب([1]).
كما أن التطورات الميدانية واتساع رقعة الحرب لتشمل جنوب لبنان واستهداف نقاط تمركز حزب الله، فضلًا عن استهداف مواقع داخل سوريا([2])، بجانب تحرك الميليشيات في العراق وسوريا باستهداف القواعد الأمريكية والتي بلغت بحسب وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) 38 هجومًا حتى 6 نوفمبر 2023 ([3]) – يبدو أنها دفعت المملكة العربية السعودية إلى ضم القمتين العربية والإسلامية، بعد التنسيق مع جامعة الدولة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لتوحيد الصف العربي – الإسلامي عبر إقرار رؤية مشتركة للتعامل مع الأزمة([4]).
فقد بدا واضحًا أن هناك توافقًا عربيًّا وإقليميًّا على عدم اتساع الحرب الدائرة في قطاع غزة، لما له من تأثيرات حيوية على الأمن بالمنطقة، وتداعيات على الأمن العالمي، نتيجة تصاعد الهجمات والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية على السواء.
لذا؛ تبدو هناك ضرورة للوقوف على نتائج القمة العربية – الإسلامية المشتركة، عبر قراءة البيان الختامي وما تضمنه من توصيات، كمرآة كاشفة لاستراتيجية التحرك العربي الإسلامي مستقبلًا لوقف الحرب.
أولًا: بيان القمة.. مرتكزات الاستراتيجية المستقبلية:
حمل البيان الختامي للقمة وما تضمنه من توصيات، ما يمكن توصيفه بـ “مرتكزات استراتيجية الدول العربية والإسلامية” لوقف الحرب وتسوية القضية الفلسطينية.
ويمكن الوقوف على هذه المرتكزات عبر 3 نقاط أساسية([5]):
1 – التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في سياسة الدول العربية والإسلامية:
فقد أشار البيان إلى مركزية القضية الفلسطينية، ودعم الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير والعيش في دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
2 – ضرورة تسوية القضية الفلسطينية وفق بنود المبادرة العربية للسلام([6]):
إذ اعتبر قادة الدولة العربية والإسلامية أن السلام الشامل والعادل كخيار استراتيجي هو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة، وهو ما لن يتحقق إلا بتجاوز القضية الفلسطينية، عبر اعتماد مبادرة السلام العربية التي أيدتها منظمة التعاون الإسلامي، كمرجعية أساسية لها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المبادرة العربية للسلام التي صدرت في القمة التي عقدت ببيروت يومي 27 و28 مارس 2002، تتضمن بنودًا إجرائية؛ تشمل: انسحاب إسرائيل بشكل كامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خـــط الرابع من يونيو 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يُتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 يونيو 67 في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكون عاصمتها القدس الشرقية.
ووفق المبادرة أيضًا، تعتبر الدول العربية نزاعها مع إسرائيل منتهيًا، والدخول في اتفاقية سلام لتحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.
3 – الربط بين عدم تسوية القضية الفلسطينية وتهديد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين:
شدد البيان على أن عدم تسوية القضية الفلسطينية وإقرار السلام الشامل والعادل، سيؤدي إلى استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط، والذي قد تمتد تداعياته إلى الأمن العالمي.
فقد كانت القضية الفلسطينية محورًا وركيزة رئيسية في خطاب التنظيمات المتطرفة والراديكالية، وتعتبر أداة مركزية في تكتيكاتها الخاصة بالتجنيد والانتشار، وبالتالي فإن استمرار الاحتلال والقضية دون تسوية، يعني استمرار تغذية هذا الخطاب، ما يعد سببًا رئيسيًا في التوتر التي تشهده المنطقة نتيجة خطابات الكراهية والعنف المتبادل([7]).
المرتكزات الثلاثة السابقة تشير إلى أن الاستراتيجية المقبلة للدول العربية والإسلامية ستعتمد على التحرك الدبلوماسي لتحفيز عملية السلام الشامل، لإنهاء القضايا العالقة بين الدول العربية وإسرائيل.
وهو ما ينطوي بدوره على ملامح التحرك في المحافل الدولية لنزع فتيل الحرب في الفترة المقبلة، والذي ظهر بجلاء في التوصيات والقرارات التي اتخذتها القمة.
ثانيًا: القمة المشتركة.. قراءة في التوصيات:
اعتمد البيان الختامي للقمة العربية – الإسلامية المشتركة ببنوده الـ 31، على العديد من الدلالات التي يمكن الوقوف عليها فيما يلي:
1 –الاستناد إلى القانون الدولي والمعاهدات الدولية لإنهاء الحرب:
فقد أكد البيان على ضرورة الالتزام بالقواعد والأعراف الدولية لإنهاء الحرب، وتحقيق النفاذ الفوري وإيصال الدعم الإنساني والمواد الأساسية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
2 – وضع المجتمع الدولي أمام واجباته عبر المنظمات الأممية أو بشكل فردي:
إذ دعت القمة إلى ضرورة اتخاذ مجلس الأمن قرارًا بوقف الحرب وإدانة استهداف المدنيين والمستشفيات في قطاع غزة ومنع إسرائيل إدخال الدواء والغذاء والوقود إليه، وقطع الكهرباء ومنع تزويد المياه والخدمات الأساسية فيه، بما فيها خدمات الاتصال والإنترنت.
3 – دفع المجتمع الدولي لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 2007:
فقد شدد البيان على ضرورة تحرك المجتمع الدولي وليس الدول العربية فقط، لفك الحصار على غزة وإدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية واسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
4 –البناء على الجهود الفردية للدول العربية وتحديدًا مصر لوقف الحرب:
فقد ظهر جليًّا في البيان دعم الخطوات التي اتخذتها الدول العربية المعنية، وتحديدًا مصر، لإنهاء الحرب في غزة، وجهودها أيضًا لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكافٍ، وهو ما يعني أن التحرك الجماعي سيبني على هذه الجهود، مما يساعد في تشكيل قوة ضاغطة على المجتمع الدولي وحلفاء إسرائيل لوقف الحرب.
5 – التأكيد على الموقف العربي الموحَّد باعتبار السلام خيارًا استراتيجيًّا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتسوية القضية الفلسطينية:
فقد شدد البيان على التمسك بالسلام لحل الصراع العربي-الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973) و497 (1981) و1515 (2003) و2334 (2016)، والتمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحَّد وأساس أي جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط.
6 – تحديد مستقبل قطاع غزة بعد الحرب:
فقد وضع بيان القمة العربية – الإسلامية المشتركة، للمرة الأولى ملامح مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، عبر التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وذلك في سياق رفض أي محاولات أو مبادرات لفصل الضفة الغربية عن القطاع، ضمن إجراءات إعادة توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية من ناحية، وأيضًا التأكيد على وجود طرف فلسطيني له شرعية يمكن معه استئناف عملية السلام الشاملة.
إذ دعت القمة الفصائل والقوى الفلسطينية إلى التوحد تحت مظلة المنظمة، في ظل شراكة وطنية، تساعد على تفنيد مسألة صعوبة استئناف عملية السلام نتيجة الصراع الداخلي.
7 – عدم قبول عملية سلام لا تشمل كافة الأراضي العربية المحتلة:
فقد دعت القمة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، تنطلق من خلاله عملية ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ضمن إطار زمني محدد وبضمانات دولية، تشمل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وأيضًا الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري اللبنانية وتنفيذ حل الدولتين.
وهنا، يمكن القول إن هذه المطالب تأتي في سياق تطبيق المبادرة العربية للسلام، وهو ما يمكن اعتباره رسالة للمجتمع الدولي، بعدم قبول أي عملية سلام لا تتخذ من المبادرة مرجعية لها.
8 –الضغط على المجتمع الدولي تجاه وقف الحرب:
إذ كشف الموقف الموحَّد للدول المشاركة في القمة العربية – الإسلامية أن الرسالة الموجهة للمجتمع الدولي بشكل عام، وضمنيًا للولايات المتحدة، فحواها أن ثمة ضرورة لأن يكون هناك تفهُّم لموقف الـ 57 دولة، وهناك ضرورة لموازنة أمريكا لعلاقاتها معها ومع إسرائيل، وذلك على اعتبار أن واشنطن تملك من أدوات الضغط الفاعلة على تل أبيب، التي يمكن أن تساعد على إنهاء الحرب في غزة.
أخيرًا، يتضح من العرض السابق، أن القمة العربية – الإسلامية المشتركة؛ اعتمدت على تبنّي ما يمكن توصيفه بـ “الدبلوماسية المتوازنة”، التي سعت لتحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولياتها في إنهاء الحرب، إلى جانب إعادة طرح المبادرة العربية للسلام بكافة بنودها، كمدخل للاعتراف بإسرائيل في محيطها الإقليمي، وبدء حقبة جديدة من التعاون الإقليمي يعظِّم الاستفادة من قدرات أعضائه.
اللافت للنظر هنا أن القمة تحدثت بشكل واضح عن ضرورة تسوية كافة القضايا العالقة الخاصة بالأراضي العربية المحتلة جميعها، كمحدد لشكل وطبيعة العملية السلمية المرتقبة، وهو ما يعني عدم تسوية كل قضية على حِدَةٍ، وهو ما من شأنه إطالة أمد التوتر في المنطقة.
كما أن التوافق حول بنود البيان الـ 31، يشير إلى أن التحرك الجماعي مرتقب للدول العربية والإسلامية، كوحدة واحدة، في المحافل الدولية للضغط على المجتمع الدولي لوقف الحرب، وسيؤتي ثماره؛ ما يؤشر إلى تصاعد فرص نجاح التحركات العربية – الإسلامية لوقف العدوان وبدء عملية سلام شاملة.
المصادر:
[1] – لا يوجد إحصاء دقيق عن عدد النازحين من الشمال للجنوب، لذا تضاربت الأرقام حول هذا الأمر، انظر:
– استمرار حركة نزوح الفلسطينيين من شمال قطاع غزة إلى الجنوب والوسط، Deutsche Welle، 9-11 – 2023، انظر الرابط التالي:
– في يومين.. 100 ألف فلسطيني نزحوا من شمال غزة إلى جنوبها، العربية نت، 11-11-2023، انظر الرابط التالي:
– Abeer Salman, ‘Nothing is left’: Thousands of Palestinians flee south as Israel steps up Gaza City offensive, CNN, 9 November 2023, Link:
https://edition.cnn.com/2023/11/08/world/palestinians-fleeing-south-gaza-city-unbearable-situation/index.html
[2] – اتسعت رقعة الميدان العسكري للجيش الإسرائيلي لتشمل مواقع في سوريا ولبنان؛ انظر:
– Israeli aerial attack targets Syrian military sites -Syrian state media, Reuters, November 9, 2023, Link:
– Israel, Lebanon, Syria: Violence across the shared border between Israel, Lebanon, and Syria likely through November /update 6, Crisis 24, 31 OCT 2023, Link:
https://crisis24.garda.com/alerts/2023/10/israel-lebanon-syria-violence-across-the-shared-border-between-israel-lebanon-and-syria-likely-through-november-update-6
[3] – Carla Babb,Pentagon: 38 Attacks Target US Forces in Iraq, Syria, Voa News, November 06, 2023, Link:
https://www.voanews.com/a/pentagon-38-attacks-target-us-forces-in-iraq-syria/7344657.html
[4] – انظر بيان وزارة الخارجية السعودية على حسابها الرسمي بموقع (إكس) في الرابط التالي:
https://twitter.com/KSAMOFA/status/1723102880796651820/photo/1
[5] – قمة الرياض تدعو لـ “كسر الحصار وفرض إدخال المساعدات” إلى غزة، سكاي نيوز عربية، 11-11-2023، انظر الرابط التالي:
https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1669480-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D9%80-%D9%83%D8%B3%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D9%81%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%95%D8%AF%D8%AE%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%BA%D8%B2%D8%A9
[6] – قرارات القمة العربية خلال الدورة العادية رقم (14)، جامعة الدول العربية، بيروت، 28 مارس 2002، انظر الرابط التالي:
http://www.lasportal.org/ar/summits/Documents/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%2014.pdf
[7] – انظر على سبيل المثال:
– Dania Koleilat Khatib, Mutual Recognition between Palestinians and Israelis Is Necessary for Peace, Policy Analysis, Washington institute, Nov 15, 2018, Link:
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/mutual-recognition-between-palestinians-and-israelis-necessary-peace