Insight Image

المنظور الآسيوي للتغيير المناخي.. الإسهامات والتداعيات ومسارات التعامل معها

01 أكتوبر 2023

المنظور الآسيوي للتغيير المناخي.. الإسهامات والتداعيات ومسارات التعامل معها

01 أكتوبر 2023

لا خلاف اليوم على أن التغير المناخي هو أحد أكبر التحديات التي تواجه دول العالم دون استثناء. ولكن حدّته وكذا تداعياته تختلف بالطبع من منطقة لأخرى وفقًا لظروف ومعطيات مختلفة. ويفرض تغير المناخ تحديات كبيرة على الاستقرار البيئي والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ كما هو في مناطق العالم الأخرى. وتضم المنطقة نحو عشرة دول من أصل 30 دولة تعدُّ الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. لذا تعد آسيا واحدة من أكثر المناطق ضعفًا عندما يتعلق الأمر بمخاطر المناخ بسبب الخصائص المحددة للقارة (السكان، والجغرافيا، والهيكل الاقتصادي، وانبعاثات غازات الدفيئة، والتعرض للكوارث الطبيعية (وغيرها[1]، وبدون اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة، يمكن أن يقع ثمانية ملايين شخص إضافي في المنطقة في براثن الفقر بسبب التأثيرات المناخية بحلول عام 2030.

وتمثل منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية و60 في المائة من استهلاك الفحم في العالم وفقًا لبيانات البنك الدولي[2]. وتعتبر المنطقة ضرورية أيضًا للجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، حيث تتمتع بإمكانات كبيرة ولديها القدرات للتعامل مع تداعيات هذا التحدي. وقد قدمت جميع دول المنطقة تعهدات كجزء من اتفاقية باريس 2015، وتعهد العديد من أكبر الاقتصادات في المنطقة مؤخرًا بالتزامات طموحة لخفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني. وتتناول هذه الورقة المنظور الآسيوي للتغير المناخي وإسهام منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي في هذه الانبعاثات، والتداعيات والتحديات التي تواجهها، فضلًا عن الدور الذي تقوم به للتعامل مع هذا التحدي الخطير. 

أولًا- الإسهام الآسيوي في تلوث البيئة وتغير المناخ

في حين أن منطقة آسيا والمحيط الهادي تعاني بشدة من آثار تغير المناخ، فإن المنطقة هي أيضًا مصدر رئيسي للمشكلة. فهي تنتج نحو نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم وتحتوي على خمسة من أكبر البلدان المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وفي ضوء حصة آسيا الكبيرة من الانبعاثات الحالية إضافة إلى النمو المتوقع للانبعاثات المستقبلية، فإن سياسات الصين والهند وغيرها من البلدان الكبيرة التي تصدر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للحد من الانبعاثات ستكون عنصرًا حاسمًا في الجهد العالمي. ومع ذلك، لا بد من ملاحظة أن المنطقة بحكم تنوعها سواء من حيث التركيبة والخصائص الديموغرافية أو التطور والتنمية، تتباين دولها بشكل كبير في إسهامها في تلويث البيئة والتغيرات المناخية. وفيما يأتي بعض الجوانب الرئيسية لإسهام دول المنطقة عمومًا في هذه المشكلة العالمية:

1. انبعاثات غازات الاحتباس الحراري: هناك العديد من الدول الآسيوية التي تسهم بشكل كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. وتمثل الصين جزءًا كبيرًا من الانبعاثات العالمية بسبب عدد سكانها الكبير وقدراتها التصنيعية كثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتعد وفقًا للتقارير الدولية أكبر مصدر لغاز ثاني أكسيد الكربون في العالم، حيث انبعث منها 10668 مليون طن متري في عام 2020. والمصدر الرئيسي لهذه الانبعاثات هو الوقود الأحفوري، وعلى الأخص تلك التي تحرق الفحم، فنحو 55% من إجمالي الطاقة المولدة من الصين في عام 2021 جاء من الفحم وحده. كما أن الصين من أكبر مستوردي النفط، وهو ما يسهم في انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من خلال استخدام البلاد للسيارات وغيرها من الآلات التي تستهلك الوقود الأحفوري[3].

كما تعد الهند، التي تشهد نموًّا اقتصاديًّا سريعًا، أيضًا مصدرًا رئيسيًّا للانبعاثات. فهي ثالث أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، حيث تم إنتاج 2442 مليون طن متري من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام 2020. والفحم هو مصدر الطاقة الرئيسي للهند، حيث يوفر نحو 45 % من الطاقة في البلاد، بينما يوفر البترول والسوائل الأخرى نحو 26%[4].

ومن بين الدول الآسيوية الأخرى التي لها إسهامات كبيرة في الانبعاثات اليابان، التي تعد خامس أكبر منتج لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث بلغ إنتاجها 1577 مليون طن متري في عام 2020. ويعتبر النفط أكبر مصدر للطاقة في اليابان، حيث بلغت حصته الإجمالية من استهلاك الطاقة 40% في عام 2019 (أحدث رقم متاح). وما يزال الفحم يشكل حصة كبيرة من استهلاك الطاقة في اليابان بنسبة 26%. وأصبح الغاز النووي أكثر بروزًا في اليابان بعد الكارثة النووية في فوكوشيما عام 2011 ويمثل الآن 21% من استهلاك الطاقة منذ عام 2019. وتهدف خطة الطاقة في البلاد إلى زيادة إنتاج الطاقة التي تعمل بالطاقة النووية بحلول عام 2030 لتقليل الاعتماد على واردات الوقود الهيدروكربوني[5].

وهناك بالطبع دول أخرى مسؤولة عن نسبة كبيرة من الانبعاثات من بينها إندونيسيا وكوريا الجنوبية وفيتنام.

2. استهلاك الوقود الأحفوري: تضم منطقة آسيا والمحيط الهادئ معًا منطقة كبيرة ومتنوعة وديناميكية، حيث يعيش 4.7 مليار شخص في بلدان تتراوح من أكبر مستهلك للطاقة في العالم إلى اقتصادات الجزر الصغيرة التي تعد من بين الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ. وتمثل المنطقة أكثر من نصف استهلاك الطاقة العالمي، حيث يتم الحصول على 85% من هذا الاستهلاك من الوقود الأحفوري[6]. وتعد الصين أكبر مستهلك للطاقة الأولية في العالم، حيث استخدمت نحو 157.65 إكساجول [EJ] في عام 2021. وهذا أكثر بكثير مما استهلكته الولايات المتحدة، التي تحتل المرتبة الثانية عالميًّا. وما تزال غالبية أنواع وقود الطاقة الأولية في آسيا كما في غيرها من مناطق العالم مشتقة من الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم[7]. وقد أدى تزايد الطلب على الطاقة في آسيا إلى زيادة استهلاك هذا الوقود، وهو ما يسهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومع استمرار نمو الاقتصادات الآسيوية، ما زال هناك اعتماد كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، لا سيما في الصين والهند. ومع ذلك، تبذل بعض البلدان في المنطقة جهودًا كبيرة للانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة المتجددة.

3. التصنيع: منذ بداية الثورة الصناعية، في عام 1750 تقريبًا، أدت الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنفط، إلى زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري في غلافنا الجوي. وكان أحد أكبر التأثيرات البيئية للثورة الصناعية هو عدد وتنوع الملوثات التي تطلقها في البيئة. وبشكل عام، كانت تأثيرات التصنيع على البيئة كبيرة جدًّا وهناك الكثير من الدراسات التي أثبتت الارتباط المباشر بين التصنيع والتدهور البيئي على مستوى العالم[8].

وقد حققت آسيا نموًّا اقتصاديًّا كبيرًا وشهدت مؤخرًا تطورات مهمة في التصنيع، بل وأصبحت مركزًا صناعيًّا للسوق العالمية، حيث تصنع الكثير من الشركات العالمية منتجاتها في دول آسيوية من أبرزها الصين والهند وأندونيسيتا وتايلاند وفيتنام، وقد ترافق هذا النمو مع زيادة الانبعاثات من العمليات الصناعية، بما في ذلك التصنيع والبناء وأنشطة التعدين وغيرها. ويسهم إنتاج وتصدير البضائع من البلدان الآسيوية بشكل كبير في انبعاثات الكربون المضمنة في سلاسل التوريد العالمية، مع وجود تفاوت في شدة العلاقة بين التصنيع والتدهور البيئي في مناطق مختلفة من آسيا. إضافة إلى ذلك، يعاني العديد من الاقتصادات الآسيوية من حركات تمدن سريع ومنافسة شديدة على الموارد الطبيعية. لذلك، فإن الضغوط البيئية مثل ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإهدار المياه، وتلوث مياه الشرب، وإزالة الغابات، والكوارث المناخية التي رافقت عمليات التصنيع والإنتاج، تتسبب في تدهور البيئة ومن ثم نوعية الحياة. وربما تعد الصين في هذا السياق من أكثر الدول تأثيرًا حيث أدت عملية التصنيع التي شهدتها خلال العقود الأخيرة إلى مشاكل حقيقية للبيئة، ولهذا لا عجب أن تكون أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم[9].

4. إزالة الغابات وتغيير استخدام الأراضي: تعد آسيا موطنًا لغابات واسعة النطاق، ولكن إزالة الغابات وتغيير استخدام الأراضي كانا من العوامل التي أسهمت بشكل كبير في انبعاثات الكربون في المنطقة. ووفقًا للإحصاءات، فقدت آسيا بين عامي 1990 و2005، ما يقرب من 40 مليون هكتار من الغابات، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 12% في الغطاء الحرجي. وهناك إزالة كثيفة للغابات لا سيما في منطقة جنوب شرق آسيا، موطن ما يقرب من 15% من الغابات الاستوائية في العالم، بينما يوجد في المنطقة أعلى معدل لإزالة الغابات في العالم، حيث تفقد 1.2% من غاباتها سنويًّا[10]. وشهدت بلدان مثل إندونيسيا وماليزيا وميانمار والفلبين إزالة الغابات على نطاق واسع لصالح أنشطة من بينها مثلًا مزارع زيت النخيل، التي تطلق ثاني أكسيد الكربون وتسهم في فقدان الموائل وتدهور التنوع البيولوجي.

5. تلوث الهواء: تواجه العديد من المدن الآسيوية، خصوصًا في البلدان النامية منها، مشاكل تلوث الهواء الشديدة. ويسهم حرق الوقود الأحفوري والانبعاثات الصناعية وتلوث المركبات وحرق الكتلة الحيوية في ارتفاع مستويات تلوث الهواء، ولهذا بالطبع تأثير ليس على صحة الإنسان فحسب، بل يسهم أيضًا في تلوث الغلاف الجوي الإقليمي والعالمي. وتشير بعص لإحصائيات إلى أن 92% من سكان آسيا والمحيط الهادئ (نحو 4 مليارات شخص) معرضون لمستويات تلوث الهواء التي تشكل خطرًا كبيرًا على صحتهم[11]. وبرغم أن القوانين والسياسات الحالية قد أحرزت تقدمًا في الحد من تلوث الهواء في المنطقة، غير أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات لرفع جودة الهواء.

6. توليد النفايات وإدارتها: أدى النمو السكاني والتوسع الحضري في آسيا إلى زيادة توليد النفايات. وتؤدي البنية التحتية والممارسات غير الملائمة لإدارة النفايات إلى انبعاثات مدافن النفايات، بما في ذلك غاز الميثان، أحد الغازات الدفيئة القوية. ويسهم التخلص غير السليم من النفايات البلاستيكية في الأنهار والمحيطات أيضًا في التلوث البحري الذي يؤثر بدوره على النظم البيئية. وقد أظهرت دراسة جديدة أن إعادة تدوير جميع النفايات البلاستيكية التي أسيئت إدارتها في جنوب وجنوب شرق آسيا يمكن أن تقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بمقدار 229 مليون طن بحلول عام 2030[12]. 

ثانيًا- تداعيات التغيير المناخي على آسيا

تواجه آسيا تحديات عديدة بسبب تغير المناخ. وفيما يأتي بعض التحديات الرئيسية:

1. أحداث الطقس المتطرفة: آسيا عرضة لمجموعة واسعة من الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك الأعاصير والفيضانات والجفاف وموجات الحر. ومن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة تواتر وشدة هذه الأحداث، وهو ما يؤدي إلى خسائر بشرية واقتصادية كبيرة. وتعد المناطق الساحلية معرضة بشكل خاص للعواصف وارتفاع مستوى سطح البحر. وهناك بلدان في جنوب شرق آسيا مثل الفلبين وفيتنام وبنغلاديش، معرضة للأعاصير. على سبيل المثال، في عام 2013، دمر الإعصار العظيم هايان أجزاء من الفلبين، وهو ما تسبب في دمار واسع النطاق وخسائر في الأرواح. كما تمثل الفيضانات مشكلة متكررة في بلدان مثل الهند وبنغلاديش وإندونيسيا. وفي عام 2019، أثرت الفيضانات الشديدة في الهند على ملايين الأشخاص، وتسببت في النزوح، وألحقت أضرارًا بالبنية التحتية، وأدت إلى خسائر المحاصيل. إضافة إلى ذلك تعاني العديد من المناطق في آسيا، بما في ذلك أجزاء من الصين وآسيا الوسطى، من الجفاف. وقد أثر الجفاف على الإنتاج الزراعي، وهو ما أدى إلى نقص المياه والخسائر الاقتصادية في الهند[13].

وشهد عام 2022 أحداثًا تؤكد أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي أكثر مناطق العالم عرضة للكوارث. فقد وقعت كوارث كبرى في مناطق عدة حيث شهدت أفغانستان وأستراليا وبنغلاديش والهند وباكستان وتايلاند فيضانات خطيرة، بينما ضرب الجفاف مناطق في الصين، والأعاصير المدارية الفلبين، وموجات الحر في الهند واليابان وباكستان، والزلازل في أفغانستان وفيجي وإندونيسيا. وكانت الفيضانات هي الأكثر فتكًا، حيث تسببت في 74.4% من الكوارث في المنطقة و88.4% من إجمالي الوفيات على مستوى العالم[14].

2. ندرة المياه: يؤثر تغير المناخ على موارد المياه في آسيا، وهو ما يؤدي إلى زيادة ندرة المياه في العديد من المناطق. ويؤثر تغيير أنماط هطول الأمطار وذوبان الأنهار الجليدية وقلة تساقط الثلوج على توافر المياه العذبة للشرب والري والاستخدام الصناعي. ويمكن أن تكون لذلك آثار وخيمة على الزراعة والأمن الغذائي وصحة الإنسان. وتعد أحواض أنهار أندوس والغانغ وبراهمابوترا، التي تدعم الزراعة وسبل العيش لملايين الأشخاص في الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال، معرضة بشدة لندرة المياه بسبب انخفاض تدفق المياه من ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا. ويواجه نهر ميكونغ، الذي يتدفق عبر العديد من دول جنوب شرق آسيا، خطر ندرة المياه بسبب تغير أنماط هطول الأمطار وزيادة الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني ومشاريع الطاقة الكهرومائية. وقد حذّر خبراء من أن هضبة التبت، المعروفة أيضًا باسم “برج المياه” في آسيا، وتزود ما يقرب من ملياري شخص بالمياه العذبة قد تشهد انهيارًا شبه كامل لتخزين المياه العذبة بحلول عام 2050 بسبب التغيرات المناخية[15].

 

3. الأمن الغذائي: آسيا هي موطن لعدد كبير من السكان -أكثر من نصف سكان العالم-، والزراعة قطاع حيوي في العديد من البلدان فيها. ويفرض تغير المناخ تحديات كبيرة على الأمن الغذائي في المنطقة. وقد أثرت الأحداث المناخية المتغيرة في آسيا بشكل كبير على تجارة المواد الغذائية. ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة إلى فشل المحاصيل، وانخفاض الإنتاجية الزراعية، واضطرابات في سلسلة الإمداد الغذائي. على سبيل المثال يعد الأرز غذاءً أساسيًّا في العديد من البلدان الآسيوية، ويمكن أن تؤثر التغيرات في أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار بشكل كبير على إنتاج هذه المادة الأساسية. على سبيل المثال، أثرت أنماط الرياح الموسمية غير المنتظمة في الهند على زراعة الأرز، وهو ما أدى إلى انخفاض الغلات وزيادة تكاليف الإنتاج. 

كما يؤثر تغير المناخ على النظم الإيكولوجية البحرية ومصايد الأسماك. ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات حرارة البحر وتحمُّض أو زيادة حموضة المحيطات إلى تعطيل موائل الأسماك وتقليل المخزونات السمكية، وهو ما يؤثر على سبل عيش المجتمعات الساحلية في المنطقة[16].

4. المخاطر الصحية: يؤثر تغير المناخ على صحة الإنسان بطرق مختلفة. ويمكن أن تؤدي موجات الحر إلى أمراض ووفيات مرتبطة بالحرارة، لا سيما في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان. كما يمكن أن تؤثر التغيرات في أنماط درجات الحرارة وهطول الأمطار أيضًا على انتقال الأمراض المنقولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك. ويمكن أن تؤدي الفيضانات وتلوث المياه بعد الظواهر الجوية الخطرة إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه. وتشكل موجات الحر مخاطر صحية في العديد من دول آسيا. في عام 2015، أدّت موجة الحر في الهند إلى وفاة أكثر من 2500 شخص، وهو ما يسلط الضوء على المخاطر التي يمكن آن تواجه السكان الذين لا يتمتعون بالوصول الكافي إلى مرافق التبريد والرعاية الصحية. كما يؤثر تغير المناخ على التوزيع الجغرافي وانتشار الأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا. على سبيل المثال، أدى ارتفاع درجات الحرارة في أجزاء من جنوب شرق آسيا إلى توسيع نطاق موطن البعوض الحامل للأمراض. وفي ظل معظم السيناريوهات، سيعرّض ارتفاع درجات الحرارة عددًا كبيرًا من السكان لموجات حر ضارة بالصحة في جميع أنحاء آسيا، وستكون المخاطر شديدة بشكل خاص في المدن المكتظة بالسكان والمناطق الزراعية في جنوب آسيا وشرق الصين[17]. 

5. فقدان التنوع البيولوجي: تشتهر آسيا بتنوعها البيولوجي الغني، لكن تغير المناخ يهدد العديد من الأنواع والنظم البيئية في المنطقة. ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وفقدان الموائل وتغير أنماط هطول الأمطار إلى تحولات في توزيع الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي. ولا يؤثر هذا على البيئة فحسب، بل له أيضًا آثار على خدمات النظام البيئي وسبل العيش التي تعتمد على الموارد الطبيعية. وتعد الشعاب المرجانية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا والمثلث المرجاني، معرضة بشكل كبير لارتفاع درجات حرارة البحر. وهذا يهدد النظم الإيكولوجية البحرية المتنوعة ويؤثر على السياحة وصناعات الصيد. كما تواجه الغابات في جنوب شرق آسيا، مثل الغابات الاستوائية المطيرة في إندونيسيا وماليزيا، مخاطر حقيقية بسبب عوامل مثل التوسع الزراعي وقطع الأشجار وتطوير البنية التحتية. وهذا يؤدي إلى فقدان الموائل وتدهور التنوع البيولوجي. وسيؤدي تغير المناخ إلى تفاقم العديد من العوامل التي تهدد بالفعل التنوع البيولوجي في جنوب شرق آسيا. وسوف تتضخم هذه الضغوطات بمرور الوقت، بينما لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن حجم تغير المناخ في منطقة الآسيان، وكيف سيؤثر ذلك على موارد التنوع البيولوجي[18].

6. الهجرة والنزوح: يمكن للتحديات الناجمة عن تغير المناخ أن تؤدي إلى الهجرة والنزوح في آسيا. ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر، وتآكل السواحل، وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة إلى إجبار الناس على الانتقال من المناطق المعرضة للخطر. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توترات اجتماعية واقتصادية وسياسية، فضلًا عن الضغط على الموارد في مناطق اللجوء أو الاستقبال. وتعد المناطق الساحلية المنخفضة في بلدان مثل بنغلاديش وفيتنام وجزر المالديف معرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، وهو ما قد يؤدي إلى نزوح ملايين الأشخاص. على سبيل المثال، أدى التآكل المستمر في دلتا نهر الغانغ-براهمابوترا-ميغنا إلى هجرة الناس في بنغلاديش. وفي بلدان مثل الفلبين وإندونيسيا، يمكن أن تؤدي الأحداث المناخية المتطرفة المتكررة، مثل الأعاصير والثورات البركانية، إلى النزوح الداخلي للمجتمعات التي تضطر إلى مغادرة منازلها بشكل مؤقت أو دائم.

7. الآثار الاقتصادية: الآثار الاقتصادية لتغير المناخ في آسيا كبيرة. وتسهم الاضطرابات في الزراعة، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية من الظواهر الجوية الشديدة، وزيادة تكاليف الرعاية الصحية، والحاجة إلى تدابير التكيف، في تفاقم التحديات الاقتصادية. ويمكن أن تشكل تكاليف معالجة تغير المناخ والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون أعباء مالية للعديد من البلدان الآسيوية. كما يمكن لأحداث الطقس المتطرفة أن تلحق الضرر بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الطرق والجسور وشبكات الإمداد بالطاقة. على سبيل المثال، تسببت فيضانات 2018 في ولاية كيرالا بالهند في أضرار جسيمة للبنية التحتية، وهو ما أثر على أنظمة النقل والاتصالات. كما تعد آسيا وجهة سياحية شهيرة، ويمكن أن تؤدي تأثيرات تغير المناخ إلى تأثيرات في صناعة السياحة. كما يمكن أن تؤثر أنماط الطقس المتغيرة على السياحة الساحلية، في حين أن انخفاض تساقط الثلوج في المناطق الجبلية يمكن أن يؤثر على السياحة الشتوية. ومن غير المستغرب أن تظهر السيناريوهات أن دول الآسيان الضعيفة ستتأثر أكثر من غيرها في المنطقة. وفي أسوأ سيناريو أظهرته دراسة حديثة (في حالة ارتفاع درجة الحرارة 3.2 درجة مئوية وافتراض معظم النتائج المادية المتطرفة)، ستفقد أسواق الآسيان نحو 37% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2048[19].

ثالثًا- الجهود الآسيوية للتعامل مع التغير المناخي

استجاب عدد كبير من دول آسيا بالفعل لتحديات التخفيف من تغير المناخ. وقامت جميع البلدان تقريبًا بتقديم أو تحديث التزاماتها بموجب اتفاقية باريس لعام 2015. وقد أعلنت الصين على سبيل المثال عن هدفها المتمثل في حياد الكربون (تحقيق صافي انبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون) قبل عام 2060. وتعهدت اليابان وكوريا بالهدف ذاتِه بحلول عام 2050. وتواصل آسيا جهودها من أجل التعامل مع تداعيات التغير المناخي والتخفيف من آثارها؛ والعديد من دولها تبنت سياسات وخططًا طموحة في هذا الاتجاه، ومن بين ما قامت به دول المنطقة ما يأتي:

1. تحوُّل الطاقة المتجددة: تقود العديد من الدول الآسيوية الطريق في نشر وتعزيز الطاقة المتجددة. وتعدُّ الصين أكبر مستثمر في العالم في مجال الطاقة المتجددة، وقد أحرزت تقدمًا كبيرًا في منشآت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. كما حددت الهند أهدافًا طموحة للطاقة المتجددة وتقوم بتوسيع قدرتها الشمسية بسرعة. وتستثمر اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان أيضًا في تقنيات الطاقة المتجددة وتشجع اعتمادها. ومن المتوقع أن تشهد قدرة الطاقة الإجمالية في آسيا زيادة مستمرة في الطاقة المتجددة، بنسبة 63% في عام 2035، مقارنة بـ 40% في عام 2022. وعلى الرغم من توقع انخفاض القدرة الحرارية بحلول عام 2035، مع انخفاض القدرة النفطية بنسبة 15%، فإن قدرة الغاز ستزداد بنحو 44%. ويرجع ذلك إلى زيادة الطلب على أنواع الوقود منخفضة الكربون، وتفضيل الغاز الطبيعي بدلًا من النفط. ومع ذلك، لم تنخفض قدرة الفحم بالقدر المتوقع، ويرجع ذلك إلى الافتقار إلى سياسات واضحة للتخلص التدريجي من الفحم داخل البلدان الآسيوية[20].

وتعدُّ المركبات الكهربائية مسهمًا رئيسيًّا في طريق آسيا إلى طاقة أنظف وصافي انبعاث صفري. وتمثل صناعة النقل واحدة من أكبر مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المنطقة، حيث تمثل نحو 15% من الانبعاثات بين عامي 2018 و2050، وبالتالي فإن تكييف المركبات الكهربائية سيؤدّي دورًا رئيسيًّا في تحقيق أهدافها المناخية. وتتبنى الدول الآسيوية فكرة المركبات الكهربائية بمعدلات مختلفة. فقد قبلت الصين وكوريا الجنوبية واليابان بسرعة هذه الفكرة وفرضت حظرًا على محركات الاحتراق الداخلي (ICE) لعام 2035، لكن هذا لن يؤثر على المركبات الهجينة. وتخطط دول أخرى، مثل إندونيسيا، للتخلص التدريجي من محركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2050. وعلى الرغم من عدم وجود سياسة واضحة بشأن المركبات الكهربائية، غير أن العديد من الدول الآسيوية لديها مناهج مختلفة لتبني هذه الوسائل الجديدة للنقل الأنظف، حيث مدّدت دول مثل كوريا الجنوبية والهند ميزانيات دعم المركبات الكهربائية، وهو ما سيشجع على شراء هذا النوع من المركبات. وتخطط إندونيسيا وتايلاند لإنتاج بطاريات للتصدير والاستخدام المحلي حيث استثمرتا بكثافة في تصنيع قطع غيار السيارات الكهربائية وجذب أكبر شركات صناعة السيارات إضافة إلى أنهما ستكونان مراكز إقليمية لسوق السيارات الكهربائية[21]. 

2. الاهتمام بابتكار التكنولوجيا الخضراء: تشارك الدول الآسيوية بنشاط في تطوير وتعزيز التقنيات الخضراء لمكافحة تغير المناخ. وتستثمر العديد من الدول الآسيوية في البحث والتطوير لتقنيات الطاقة النظيفة والأنظمة الموفرة للطاقة والنقل المستدام. على سبيل المثال، تشتهر اليابان بتقدمها في الأجهزة الموفرة للطاقة والمركبات الكهربائية وتكنولوجيا خلايا وقود الهيدروجين. وتسارع الشركات في آسيا للاستفادة من التكنولوجيا الخضراء لتعزيز أهداف الاستدامة الخاصة بها حيث تجبر أزمة المناخ العالمية الشركات في المنطقة سريعة النمو على النمو دون الإضرار بالبيئة. وهناك إدراك واضح للدور الذي يجب أن تؤديه التكنولوجيا الخضراء في مكافحة تغير المناخ. من المتوقع أن يصل حجم سوق الخدمات الخضراء في آسيا ما بين 4 تريليونات دولار إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2030 حيث سيمثل النقل الجزء الأكبر، إذْ تبلغ قيمته 900 مليار دولار إلى 1.1 تريليون دولار[22].

3. تعزيز التعاون الدولي للمناخ: تشارك الدول الآسيوية بنشاط في مفاوضات المناخ الدولية وتتعاون في مبادرات تغير المناخ. وهي جزء من الجهود العالمية مثل اتفاق باريس وتُسهم في الصناديق الدولية للمناخ. على سبيل المثال، تقدم اليابان الدعم المالي والتقني للبلدان النامية لمساعدتها على التخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. وفي عام 2022، خصص بنك التنمية الآسيوي (ADB) 7.110 مليون دولار لتمويل المناخ حيث يسهم 4،279 مليون دولار (60.2%) في التخفيف من آثار تغير المناخ و2،831 مليون دولار (39.8%) في التكيف مع تغير المناخ، وهو أعلى تمويل للتكيف تم الالتزام به منذ عام 2011. كما قدم بنك التنمية الآسيوي 6،723 مليون دولار وحشد 387 مليون دولار من موارد خارجية[23]. وفي مايو 2023 أعلن البنك عن تسهيل ضمان التمويل لمساعدة المنطقة على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبناء بنية تحتية مرنة لتأثير تغير المناخ. وتعد خطة التمويل الجديدة أول آلية من نوعها يتم تطويرها من قبل بنك التنمية لمساعدة المنطقة على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبناء بنية تحتية مرنة لتأثير تغير المناخ. وبموجب هذا البرنامج، ستضمن الدنمارك واليابان وكوريا الجنوبية والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بعض القروض وتحمل الخسائر في حالة تخلف المقترضين عن سداد ديونهم. وسيحرر رأس المال الذي يحتاجه بنك التنمية الآسيوي مخاطر الائتمان، ويسمح له بزيادة الإقراض للمشاريع المتعلقة بالمناخ في آسيا [24].

4. حفظ الغابات وإعادة التحريج: تعد آسيا موطنًا لمناطق حرجية مهمة، وتتخذ العديد من البلدان تدابير للحفاظ على الغابات وتعزيز إعادة التحريج. على سبيل المثال، نفذت إندونيسيا سياسات للحد من إزالة الغابات وتدهورها، بينما أطلقت الصين برامج تشجير واسعة النطاق مثل مشروع “السور الأخضر العظيم”. ونفذت ميانمار مبادرات لمكافحة إزالة الغابات، بما في ذلك برنامج الحراجة المجتمعية وإنشاء مناطق محمية. وتهدف جهود الحفظ المجتمعية، المدعومة من المنظمات المحلية والتعاون الدولي، إلى حماية غابات ميانمار، وتعزيز الإدارة المستدامة للموارد، وتحسين سبل عيش المجتمعات المحلية. وفي الفلبين شاركت المجتمعات المحلية والمنظمات البيئية بنشاط في مشاريع إعادة التحريج، وممارسات الإدارة المستدامة للأراضي، والدعوة لسياسات أقوى لحماية الغابات. وتهدف هذه الجهود إلى الحفاظ على الغابات المتبقية، واستعادة المناطق المتدهورة، وتعزيز الاستخدام المستدام للموارد. وكذلك الأمر في بروناي، فقد شاركت المجتمعات المحلية والمنظمات غير الربحية مثل الصندوق العالمي للطبيعة بنشاط في جهود الحفظ، وإنشاء مناطق محمية، وتعزيز سبل العيش المستدامة، والمشاركة في مبادرات إعادة التحريج[25]. وتؤدّي هذه المبادرات دورًا مهمًّا في الحفاظ على الغابات.

وهناك العديد من البرامج التي يجرى العمل عليها منذ سنوات بهدف استعادة الغطاء الحرجي الأكثر استدامة بيئيًّا واجتماعيًّا، حيث يجري تعزيز النهج المعروف باسم التجديد الطبيعي المساعد (ANR) في دول مثل الفلبين، وإندونيسيا، وكمبوديا، ولاوس، وتايلاند، وغيرها. ويتكون هذا النهج من سلسلة من التقنيات لتقليل العمالة والتكلفة المرتبطة بإنشاء المشاتل والأشجار الزراعة عن طريق تسهيل نمو النباتات الخشبية، بينما تدور هذه التقنيات حول العمل مع المجتمعات المحلية لحماية الأشجار والحد ممّا يهددها، مثل رعي الحيوانات والحرائق وغير ذلك[26]. 

5. تعزيز الزراعة المستدامة وإدارة الأراضي: تدرك البلدان الآسيوية أهمية ممارسات الزراعة المستدامة وإدارة الأراضي في معالجة تغير المناخ. وهي تعتمد أساليب مثل الزراعة العضوية، والحراجة الزراعية، والزراعة الدقيقة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتعزيز صحة التربة، وتحسين إدارة المياه. على سبيل المثال، طبقت فيتنام ممارسات زراعية ذكية مناخيًّا لزيادة المرونة وتقليل الانبعاثات. وكان بنك التنمية الآسيوي في الطليعة في دعم البلدان الأعضاء في آسيا والمحيط الهادي لتحسين الإنتاج الزراعي وحماية الموارد البيئية، ومكافحة التصحر، وتحسين إدارة الموارد المائية، والتخفيف من حدة الفقر. وقد طبقت الدول الأعضاء مناهج مختلفة، وأظهرت مجموعة متنوعة من أولويات الاستثمار، والهدف العام كان دائمًا ضمان أن الأراضي تستخدم بطريقة مستدامة. على سبيل المثال، في الصين، يقود بنك التنمية الآسيوي ومرفق البيئة العالمية شراكة بشأن تدهور الأراضي في النظم الإيكولوجية للأراضي الجافة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة الصينية والبنك الدولي وصندوق التنمية الزراعية. ومنذ بداية الشراكة عام 2004، أدخل البرنامج تغييرات كبيرة في الطريقة التي ينظر بها المزارعون وأصحاب المصلحة الآخرون للزراعة، وكيف يستفيدون منها في تطوير ممارسات الإدارة المستدامة للأراضي داخل “المناظر الطبيعية”[27].

وتعمل شركات السياحة في جنوب شرق آسيا على تعزيز الزراعة المستدامة ودعم المزارعين الصغار والمتوسطين لتحقيق تحولات أسرع إلى الزراعة المقاومة للمناخ. في لاوس، مثلًا، أصبحت السياحة البيئية والزراعية شائعة، وتستخدم بعض المزارع الأرباح من السياحة لتعزيز الزراعة المستدامة، بما في ذلك تدريب المزارعين وتطوير الأسواق الخضراء المحلية. وفي تايلاند، توجد فنادق ومنتجعات تعمل بنشاط على تعزيز الزراعة المستدامة وتدريب المزارعين المحليين وإيجاد أسواق للمزارعين المستدامين في شبكتهم. يمكن للشركات أن تدعم الزراعة المستدامة من خلال شراء المنتجات الغذائية الزراعية المستدامة المنتجة محليًّا أو إقليميًّا بأسعار مناسبة، ومن خلال جهود التسويق، يمكنها زيادة وعي المستهلك حول أهمية الزراعة المستدامة[28].

6. تبني نهج المرونة والتكيف مع المناخ: تركز البلدان الآسيوية، ولا سيما تلك المعرضة بشكل كبير لتأثيرات المناخ، على المرونة وتنفيذ استراتيجيات التكيف. وهي تستثمر في البنية التحتية وأنظمة الإنذار المبكر والمسارات أو النهج المجتمعية لتعزيز المرونة في مواجهة الظواهر الجوية الشديدة. على سبيل المثال، نفذت بنغلاديش مشاريع التكيف مع تغير المناخ، بما في ذلك البنية التحتية المقاومة للفيضانات وتحسين الممارسات الزراعية. وهناك برنامج مرونة آسيا في مواجهة تغير المناخ (PARCC) الذي جرى إطلاقه عام 2018 لتعزيز المرونة في مواجهة الكوارث وتغير المناخ في آسيا من خلال تعزيز التعاون الإقليمي بشأن تغير المناخ؛ وبناء القدرات والدورات التدريبية والحوار وتحسين قدرات التنبؤ وصنع القرار في تلك البلدان؛ ودعم الابتكار لتقديم خدمات ومعلومات مفيدة عن الطقس والمناخ للمجتمعات الضعيفة. ويدعم منتدى قياس السوائل في جنوب آسيا (SAHF) المشاركة الإقليمية لتعزيز التعاون والقدرات على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي من أجل تحسين خدمات القياس الهيدرولوجي والإنذار المبكر والمناخ في جنوب آسيا. وهذه المشاركة الإقليمية لها ثلاث ركائز رئيسية هي الحوار الإقليمي وتبادل المعرفة؛ والتدريب الإقليمي وبناء القدرات؛ والمساعدة التقنية على المستوى الوطني لتتماشى مع المشاركة الإقليمية. ويدعم تحدي ابتكار المناخ (CIC)، الذي يجري تنفيذه بالتعاون مع المركز الآسيوي للتأهب للكوارث، العديد من التقنيات المبتكرة والمتطورة لبناء قدرة المجتمعات على الصمود أمام تهديد تغير المناخ في جنوب آسيا[29].

وهناك بالطبع تعاون دولي ودعم من الدول المتقدمة في هذا المجال. فمثلًا، في جنوب شرق آسيا حيث تواجه البلدان في جميع أنحاء المنطقة ارتفاع مستويات سطح البحر، وموجات الحر، والفيضانات والجفاف، والظواهر الجوية متزايدة الشدة التي لا يمكن التنبؤ بها، تعالج بعثة التنمية الإقليمية التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في آسيا تحديات التنمية العابرة للحدود – مثل تغير المناخ – من خلال تعزيز التعاون الإقليمي لبناء المرونة وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتسترشد الوكالة باستراتيجية التعاون الإنمائي الإقليمي 20202025 واستراتيجية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للمناخ (2022-2030)، وتستخدم حافظة البيئة التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية نهجًا قائمًا على البيانات وعلى النظم لتسريع العمل المناخي عبر منطقة جنوب شرق آسيا برمتها[30].

7. التعليم والتوعية: تقوم العديد من البلدان الآسيوية بحملات التوعية والتثقيف بشأن تغير المناخ وتسعى لإشراك المجتمعات في جهودها وتعمل على تعزيز الممارسات المستدامة. وهناك العديد من الدول التي تدمج التثقيف بشأن تغير المناخ في المناهج المدرسية كما تقوم بحملات توعية عامة لتعزيز فهم أكبر لهذه المشكلة وتشجيع العمل الفردي والجماعي. ويمكن أن يكون التثقيف بشأن تغير المناخ إذا تم تنفيذه بشكل صحيح أمرًا حيويًّا في مواجهة مثل هذه التحديات وفي مساعدة الناس على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استراتيجيات التكيف. ومن الدول الرائدة في هذا المجال اليابان التي دمجت التثقيف البيئي في مناهجها منذ وقت مبكر، وتنفق أموالًا طائلة على برامج التوعية في اليابان وآسيا وحتى خارجهما. وتتعامل الحكومات في جنوب آسيا بشكل متزايد مع تغير المناخ في بلدانها حيث تقوم من أجل التكيف مع الأحداث المتعلقة بالمناخ، بتعليم وتدريب الطلاب، وكذلك المجتمعات المحلية. وهناك العديد من المنظمات والمشاريع القائمة التي تركز على التثقيف والتعليم والتوعية في جنوب آسيا[31].

من المهم أن نلاحظ أنه بينما تقدم الدول الآسيوية إسهامات كبيرة في مجال مكافحة التغيرات المناخية، ما تزال هناك تحديات مهمة، بما في ذلك تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية ومعالجة المستويات المتفاوتة للتنمية والقدرات في جميع أنحاء المنطقة. وسيكون استمرار التعاون وتبادل المعرفة والابتكار أمورًا بالغة الأهمية للتصدي بفعالية لتغير المناخ في آسيا. 

الخلاصة

يكشف المنظور الآسيوي لتغير المناخ عن مشهد معقّد ومتنوع من الإسهامات والتداعيات والتحديات والنهج المتبعة في التعامل معها. وتعاني البلدان الآسيوية، بمستوياتها المتفاوتة من التنمية، وحجم السكان، والخصائص الجغرافية، من تداعيات عديدة تتعلق بتأثيرات تغير المناخ، ومن أبرزها الظواهر الجوية الشديدة وندرة المياه ومخاوف الأمن الغذائي والمخاطر الصحية، وغيرها من الظواهر التي أسهم التغير المناخي في تفاقمها. ومع ذلك، فإن الوضع في آسيا يسلّط الضوء أيضًا على الجهود والإسهامات المهمة في معالجة هذه الظاهرة، حيث تقود العديد من البلدان الآسيوية الطريق نحو التحول للطاقة المتجددة، والاستثمار في التقنيات الخضراء، وتعزيز الممارسات المستدامة في الزراعة وإدارة الأراضي. وتحرص الدول الآسيوية وتعمل على تعزيز التعاون الدولي في مجال المناخ، وتشارك بفعالية في المفاوضات والمبادرات المناخية العالمية. ويُظهر التزام آسيا بالحفاظ على الغابات وإعادة التحريج وتدابير مقاومة المناخ اعترافًا بأهمية الحلول القائمة على الطبيعة. إضافة إلى ذلك، تعمل حملات التثقيف والتوعية في العديد من الدول على تمكين المجتمعات الآسيوية من اتخاذ الإجراءات وتبني الممارسات المستدامة. وبينما لا تزال هناك تحديات حقيقية، مثل تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية، يقدم المنظور الآسيوي رؤى قيّمة وأساسًا للتقدم المستمر في مجال مكافحة التغيرات المناخية، حيث يمكن للجهود التعاونية، وتبادل الخبرات، ودمج المعارف التقليدية التي تتمتع بها القارة مع العلم والتقنيات الحديثة أن تسهم في استراتيجيات فعالة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. كما يمكن لآسيا أيضًا ومن خلال تبني مبادئ الإنصاف والعدالة المناخية والمسؤولية المشتركة، أن تؤدي دورًا حاسمًا في الكفاح العالمي ضد تغير المناخ؛ فالجهود الجماعية للدول الآسيوية مهمة وضرورية لبناء مستقبل مستدام وقادر على الصمود ليس للمنطقة فحسب ولكن أيضًا لكوكب الأرض ككل. 



[1] Credendo, ASIA: CLIMATE RISKS ARE A TOP VULNERABILITY FOR ASIA, 17 January 2023: https://shorturl.at/gvQR8.

[2] The World Bank, Climate and Development in East Asia and Pacific Region, Brief, June 2023: https://rb.gy/cvb15.

[3] Andriy Blokhin, The 5 Countries That Produce the Most Carbon Dioxide (CO2), Investopedia, April 11, 2023: https://rb.gy/rfsfu.

[4] Andriy Blokhin, Ibid.

[5] Andriy Blokhin, Ibid.

[6] IRENA, 2022: https://l8.nu/s1cA.

[8] Farhan Ahmed and others, The environmental impact of industrialization and foreign direct investment: empirical evidence from Asia-Pacific region, National Library of Medicine, Jan 7, 2022: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8739025/; Liton Chandra Voumik and Tasnim SultanaImpact of urbanization, industrialization, electrification and renewable energy on the environment in BRICS: fresh evidence from novel CS-ARDL model, Heliyon, Volume 8, Issue 11, November 2022: https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2405844022027451

[10] DGB Group, The current state of deforestation in Asia, June 19, 2023: https://rb.gy/z9ss9.

[11] Climate and Clean Air Coalition, AIR POLLUTION MEASURES FOR ASIA AND THE PACIFIC: https://rb.gy/k49xo. 

[12] Circular, Recycling mismanaged plastic waste in South and Southeast Asia could reduce GHG emissions by 229 million tonnes, July 17, 2023: https://rb.gy/j5t20

[13] Climate change impacts increase in Asia, Azer News, July 28, 2023: https://l8.nu/s1cW.

[14] Economic and Social Commission for Asia and the Pacific (ESCAP), 2022: A Year when disasters compounded and cascaded, January 4, 2023: https://tinyurl.com/mtxtnzha. 

[15] Akanksha Saxena, How climate change is driving water scarcity in Asia, Deutsche Wille, August 26, 2022: https://tinyurl.com/mrs3t8zc. 

[16] Robert B. Pickson, Ai Chen, and Elliot Boateng, Climate change and food security nexus in Asia: A regional comparison, Ecological Information Vol 76, September 2023 (will published): https://shorturl.at/clQ12.

[17] Kristie L Ebi, and Yun-Chul Hong, Health risks of climate change in Asia, East Asia Forum, October 24, 2020: https://shorturl.at/dmzIJ.

[18] ASEAN Center for Biodiversity, Climate Change and Biodiversity: https://shorturl.at/kuKRZ. 

[19] Cherie Gray and Lubomir Varbanov, The Economics of Climate Change: Impacts for Asia, Swiss Re Group, May 21, 2021: https://cutt.us/GyHZA.

[21] Rod Farmer and others, Capturing growth in Asia’s emerging EV ecosystem, June 30, 2022:

[21] TSUBASA SURUGA and DYLAN LOH, Green-tech investments set up Asia for sustainable growth, Nikkei Asia, February 8, 2023: https://l8.nu/toCQ.

[22] TSUBASA SURUGA and DYLAN LOH, Green tech investments set up Asia for sustainable growth, Nikkei Asia, February 8, 2023: https://asia.nikkei.com/Spotlight/Environment/Climate-Change/Green-tech-investments-set-up-Asia-for-sustainable-growth

[23] ADB, Asia and the Pacific’s Climate Bank: https://www.adb.org/climatebank

[26] Reforestation and afforestation (Southeast Asia), BERKSHIRE PUBLISHING GROUP, 2012: https://elti.fesprojects.net/News/BES_Neidel.pdf

[27] William Critchley and Frank Radstake، SUSTAINABLE LAND MANAGEMENT IN ASIA INTRODUCING THE LANDSCAPE APPROACH, Asian Development Bank, 2017: https://www.adb.org/sites/default/files/publication/224336/landscape-land-mgt.pdf

[28] Property Guru Group, The rise of cultivating sustainable farming practices in Southeast Asia, May 23, 2023: https://www.asiarealestatesummit.com/the-rise-of-cultivating-sustainable-farming-practices-in-southeast-asia/

[31] Mbah, M.F., Shingruf, A. & Molthan-Hill, P. Policies and practices of climate change education in South Asia: towards a support framework for an impactful climate change adaptation. Clim Action 1, 28 (2022). https://doi.org/10.1007/s44168-022-00028-z

 

المواضيع ذات الصلة