ينتج عن نمط الحياة الحديثة لأفراد الجنس البشري، ملايين الأطنان من النفايات المتعددة الأشكال والمختلفة الأنواع. فعلى سبيل المثال، تعتبر نفايات ثورة المعلومات، من أخطر مصادر الملوثات الكيماوية السامة. ويشير مصطلح نفايات ثورة المعلومات إلى القمامة الصلبة التي تشكل جزءا لا يستهان به من القمامة الإلكترونية (e-waste)، الناتجة بعد انتهاء العمر الافتراضي لأجهزة المعلومات، من كمبيوترات، وطابعات، وماسحات ضوئية، وأجهزة هاتف محمول، وغيرها.
وحتى الفضاء الخارجي، لم يسلم من قمامة إنسان العصر الحديث، فمنذ بداية عصر الفضاء في ستينيات القرن الماضي، تم إطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ ومكوك، حمل كل منها غالبا قمرا صناعيا أو أكثر، وُضعت جميعها في مدارات متباينة حول الأرض لأغراض المراقبة والمتابعة، أو الاتصالات، أو تحديد المواقع، أو غيرها من الاستخدامات. وتتعرض هذا الأقمار الصناعية، بعد انتهاء صلاحيتها وانقضاء عمرها الافتراضي، إلى التصادم ببعضها بعضا مما يُفككها، ويُجزئها إلى أجسام صغيرة من الحطام. ويقدَّر حاليا وجود أكثر من مئة مليون جزيء، أو جسيم صغير، تطير وتدور حول الأرض بسرعة تزيد عن 28 ألف كيلومتر في الساعة، وهي سرعة أعلى بكثير من سرعة الصوت.
ويعتبر قطاع الرعاية الصحية من أهم وأكبر القطاعات والنشاطات الاقتصادية في العالم، ومن أكثرها نموا حاليا. حيث يقدَّر أن قطاع الرعاية الصحية، يشكل حاليا ما يعادل عشرة في المئة من الناتج القومي الإجمالي لغالبية الدول الصناعية والغنية، مما يجعله قطاعا بالغ الأهمية لاقتصاديات العديد من الدول. ويترافق هذا النشاط الاقتصادي الهائل، بحجم مماثل من النفايات أو القمامة الطبية، حيث يقدَّر مثلا أن العالم يستخدم حوالي 16 مليار حقنة (سرنجة) سنويا، ورغم أن جزءا كبيرا من هذه الحقن يتم التخلص منه بالطرق الصحيحة، يظل جزء لا يستهان به لا يخضع للإجراءات السليمة عند التخلص منه، لتجنب المخاطر الصحية التي قد تنتج عنه.
وبوجه عام، يتكون 80 في المئة من نفايات الرعاية الصحية من قمامة عادية ومواد لا تشكل خطرا يذكر، تشابه إلى حد كبير القمامة الصادرة من البيوت والمنازل. إلا أن ذلك يعني أن 20 في المئة من النفايات الطبية، يحمل في طياته خطرا خاصا، مثل نشر الجراثيم بين مرضى المستشفيات، أو بين عامة الناس، أو أن تكون مكونات في حد ذاتها سامة، كما يحتمل أن تكون النفايات الطبية محتوية على مواد مشعة. وفي الحالات التي يتم فيها حرق النفايات الطبية بطرق غير صحيحة، أو في غير الأماكن المخصصة لذلك، فينتج عن ذلك مواد سامة تتسبب في تلوث الهواء، ويعود أفراد المجتمع لاستنشاقه.
وللأسف، زاد هذا الوضع سوءا منذ بداية وباء كورونا نهاية عام 2019. حيث نتج عن الوباء ملايين الأطنان من المخلفات، من جراء مليارات الفحوصات، ومن المستلزمات الطبية المستخدمة في رعاية المصابين في المستشفيات أو في منازلهم، بالإضافة إلى مئات الملايين أو المليارات من التطعيمات. وتتكون هذه المخلفات في غالبيتها من أقنعة للوجه، ومن إبر وقوارير التطعيمات، ومن المواد الكيميائية ومسحات الأنف المستخدمة في فحوصات التشخيص، بالإضافة إلى أردية الحماية الشخصية التي يرتديها أفراد الطاقم الطبي، من مآزر وأقنعة بلاستيكية. ويمكن تقدير حجم المخلفات الطبية الناتجة عن وباء كورونا من حقيقة أنه في عام 2020 فقط، تم استخدام 4.5 تريليون أقنعة وجه لمرة واحدة، أو ما يعادل 6 ملايين طن إضافية من القمامة. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن القمامة الناتجة من مؤسسات الرعاية الصحية، خلال وباء كورونا، قد زادت بمقدار ثلاثة أو أربعة أضعاف. ومما زاد الطين بلة، أنه في المؤسسات التي لا تقوم بفصل وتصنيف المخلفات الطبية، زادت هذه النسبة بمقدار عشرة أضعاف، وهو ما يجعل من الضروري تفعيل الإجراءات والأساليب الكفيلة بالحد من مخاطر النفايات الطبية. وربما كان من أهم هذه الإجراءات، نشر الوعي والثقافة العامة بين عامة الناس بخطورة النفايات الطبية، والتنبيه على أفراد الطاقم الطبي بضرورة التخلص منها بالسبل السليمة والصحيحة، مع توفير المصادر المالية اللازمة لتشييد وتشغيل التجهيزات والمباني اللازمة للتعامل معها بالشكل الذي يحمي المجتمع وأفراده من أخطارها الجمة.