Insight Image

الواقع والتحديات: اليوم العالمي للعمل الإنساني

19 أغسطس 2023

الواقع والتحديات: اليوم العالمي للعمل الإنساني

19 أغسطس 2023

يستهدف العمل الإنساني ضمان سلامة البشر وكرامتهم وحماية حقهم في التنمية والازدهار[1]، ويحرص القانون الدولي، وكذلك المواثيق الدولية على تعزيز العمل الإنساني وتوسيع نطاق انتشاره على مستوى العالم، فضلًا عن إشراك فاعلين مختلفين، بدءًا من الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني، وحتى الأفراد. فعلى سبيل المثال، ينصّ ميثاق الأمم المتحدة على أن أحد أهدافه الرئيسية يتمثل في “تحقيق التعاون الدولي في حل المشكلات الدولية ذات الطابع الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي، أو الإنساني”، وبالفعل حرصت المنظمة الدولية الأم على تحقيق ذلك الهدف لأول مرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية في القارة الأوروبية، مما ساعد في إعادة بنائها[2].

وفي هذا السياق، يحتفل العالم في 19 أغسطس من كل عام باليوم العالمي للعمل الإنساني، وهو اليوم الذي تُحيي فيه منظمة الأمم المتحدة ذكرى الهجوم الذي وقع على فندق “القناة” في العراق عام 2003، وأسفر عن مقتل 22 عاملًا في مجال الإغاثة الإنسانية. وقد جعلت الأمم المتحدة من هذا اليوم ذكرى للدفاع عن المتضررين من الأزمات والصراعات العالمية.

ويأتي الاحتفال هذا العام لإظهار التزام المنظمة الراسخ بتقديم المساعدة والدعم الشامل بكل أشكاله لجميع المجتمعات دون تفرقة أو استثناءات، والتأكيد على أن المجال الإنساني والعاملين فيه يستهدفون فقط إنقاذ الأرواح وحمايتها وتوفير الضروريات الأساسية للحياة؛ لذا يُراعي الاحتفال تكريم العاملين في المجال الإنساني في جميع أنحاء العالم؛ نظرًا لمساعيهم العظيمة، التي تغضّ الطرف عن مدى الخطر القائم في تلبية الاحتياجات العالمية المتنامية، من حيث مساعدة المناطق المنكوبة التي باتت تشكّل جزءًا يُعتدُّ به من العالم، وإنقاذ الأشخاص المحتاجين وحمايتهم في مناطق النزاع، إلى جانب توفير الغذاء والماء والمأوى والتعليم والصحة والتغذية، وكذلك الحماية كأساسيات للحياة اللائقة [3].

وفي هذا الإطار، نناقش في هذه الورقة واقع العمل الإنساني الدولي، والدور الإنساني العالمي الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة، وأخيرًا تحديات وأولويات العمل الإنساني العالمي.  

أولًا، واقع العمل الإنساني الدولي:

يُعدّ العمل الإنساني بمثابة استجابة أخلاقية وإنسانية لأشكال المعاناة الناجمة عن النزاع المسلَّح والعنف وكذلك الكوارث الطبيعية[4]، ويعتمد المجتمع الدولي على العديد من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية؛ لتنسيق جهود الإغاثة الإنسانية في حالات الطوارئ الناجمة عن الكوارث الطبيعية والأزمات التي تنشأ من صُنع الإنسان، ولاسيما في المناطق التي تصعُب إغاثتها من قِبل الحكومات الوطنية وحدها[5].

واللافت للنظر أن الاحتفال باليوم العالمي للعمل الإنساني يأتي هذا العام في ظل مشهد عالمي بالغ التعقيد؛ حيث زادت حدة الصراعات الدولية وتشابكها. وفي هذا الإطار، يشير معهد “الاقتصاد والسلام” بأستراليا في تقريره السنوي، الذي يحمل هذا العام عنوان “مؤشر السلام العالمي لعام 2023″، إلى أن الأوضاع العالمية صارت أكثر مأساوية. وقد أشار التقرير إلى العديد من المؤشرات التي تقيس مستوى السلام في العالم من خلال ثلاثة مجالات رئيسية، وهي: مستوى الأمن والسلامة المجتمعية، ودرجة الصراع المحلي والدولي، ومستوى السلام العالمي (إحصائيات الجريمة، عدد جرائم القتل). وقد رصد المؤشر هذا العام تدهور متوسط مستوى السلام في العالم بمقدار 0.42%، وبذلك يكون عام 2022، وهو العام التاسع على التوالي الذي يتدهور فيه مستوى السلام العالمي؛ حيث تضاعف عدد قتلى الصراعات تقريبًا مقارنة بالعام السابق، إذ قُتل أكثر من 230 ألف شخص، وكانت الزيادة الهائلة في معدلات القتل مدفوعة في الغالب بالحرب في أوكرانيا، وإثيوبيا تحديدًا. كما أكد التقرير أن تكلفة الحرب والعنف في العالم قُدِّرت بـ 17.5 تريليون دولار؛ أي 12.9% من الناتج الإجمالي العالمي. كما وجد المؤشر أن 91 دولة من دول العالم متورطة الآن في نوع ما من أنواع الصراعات المختلفة. [6]

وفي ضوء الأزمات الدولية غير المسبوقة، أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، في يونيو 2023، أن الاحتياجات الإنسانية العالمية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام، بواقع 360 مليون شخص يحتاجون إلى الإغاثة في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 30% منذ بداية عام 2022، كما يواجه أكثر من 260 مليون شخص انعدامًا حادًّا في الأمن الغذائي، وبعضهم مُعرَّض لخطر المجاعة، هذا بالإضافة إلى نقص التمويل، ففي منتصف عام 2023، بلغ إجمالي التمويل 20% فقط من الأموال اللازمة في إطار النداء الإنساني العالمي[7]. كما زادت المتطلبات الإنسانية ذات الصلة بمنظمة الصحة العالمية في العام الجاري 2023 بحوالي 8.4 مليارات دولار مقارنة بنصف العام في 2022، وهو ما يمثّل زيادة بنسبة 18%[8].

الجدير بالذكر، أن مشهد الوضع الإنساني العالمي، المترتّب على زيادة الصراعات الدولية وانتشارها، يضع قادة العالم أمام تحدٍّ يوجب – بل يفرض في الوقت ذاته – العملَ معًا من أجل حلّ تلك الصراعات والنزاعات بأشكالها المختلفة، وإحلال الأمن والسلام الدوليين لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية عامة، ولاسيما الدول النامية تحديدًا، جرّاء تلك الصراعات. كما أن هذا المشهد المأساوي يتطلّب من الأسرة الدولية العودة إلى تفعيل مبادئ ومواثيق المنظمات الدولية المتعددة الأطراف، وتفعيل جهود الوساطات الدبلوماسية، وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لحلّ النزاعات الداخلية أو البينية، والتكاتف الجماعي لمواجهة الأزمات العالمية الناشئة، ولاسيما تلك الأزمات المرتبطة بالتغيّرات المناخية والأوبئة، وخاصة أن العالم بات يعيش في عصر “الأوبئة العابرة للحدود”. كما أن العالم الآن بات في أمسّ الحاجة إلى التفكير بطرق ووسائل أكثر إبداعًا لوأد الصراعات مبكرًا، وإيجاد حلول جماعية تُرضي جميع الأطراف، من أجل إقرار الأمن والسلم العالميين.

ثانيًا، الدور الإنساني لدولة الإمارات:

تُعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول على صعيد العمل الإنساني؛ وذلك في ضوء أنماط الدعم المختلفة التي تقدّمها للمتضررين والمجتمعات المستضعَفة حول العالم، ما جعل الدولة تشكل ركيزة أساسية في مجال العمل الإنساني الدولي، وفقًا لنهج راســـخ عالمي الطـــابع تتبــناه سياستها الخارجــيـــة منذ عهد المغفور له بإذن الله تعالى، الشـــيــخ زايـــد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويستند ذلك النهج الإنساني لدولة الإمارات إلى اعتبارات إنسانية بحتة لا تُمليها دوافع سياسية أو اقتصادية أو غيرهما، بل تنبع تلك الاعتبارات من التزام دولة الإمارات وإيمانها بأهمية تعزيز العلاقات التعاونية الإنسانية مع مختلف الدول والشعوب والمجتمعات حول العالم؛ لإطلاق المبادرات الإنسانية الهادفة إلى إنقاذ الأشخاص المتضررين وتحسين جودة حياتهم وإدماجهم في استراتيجيات التنمية، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية، أو السياسية، أو العرقية، أو الثقافية[9].

وينعكس اهتمام دولة الإمارات بالعمل الإنساني في سياستها واستراتيجيتها، وكذلك في جهودها الحثيثة ودورها الفعال على صعيد العمل الإنساني العالمي، وذلك من خلال ما يلي.

1- العمل الإنساني في الاستراتيجيات الوطنية الإماراتية:

يؤطَّر العمل الإنساني لدولة الإمارات في السياسة الرسمية التي تقودها الدولة من خلال وزارة الخارجية والتعاون الدولي، وتعززه كذلك وتُشير إليه صراحةً الاستراتيجيات الوطنية؛ حيث تمحورت استراتيجية وزارة الخارجية الإماراتية (2017-2022) حول رؤية رئيسية، مفادها “التعاون والتعايش لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم”[10]، ويُعدّ تحقيق الازدهار، كما سبقت الإشارة، أبرز أهداف العمل الإنساني؛ ما يؤكد حِرص دولة الإمارات على بذل الجهود الإنسانية وتطويعها في سبيل خدمة المتضررين حول العالم. كما تتمثل السياسة الخارجية الرسمية للدولة في 8 محاور أساسية، يأتي في مقدمتها التعاون الإنساني والتنموي؛ حيث تقدّم الدولة منذ تأسيسها في عام 1971، الدعم الشامل إلى الدول الأخرى في إطار الالتزام بالسلام والازدهار العالميين والعمل على تطبيقهما بأشكال عديدة، بما في ذلك تقديم الرعاية، وتوفير المساعدات الخارجية التي تهدف إلى تقويض دوافع الفقر، وبناء علاقات مع الدول الأخرى، ومن بينها الدول التي تقدّم لها الإمارات المساعدة والدول المانحة الشريكة. ويُعدّ أحد أهداف ومبادئ محور التعاون الإنساني والتنموي المنصوص عليها بوضوح، تقديم المساعدات الخارجية التي تستهدف الحدّ من الفقر ومساعدة المجتمعات والدول المحتاجة وتعزيز الازدهار، كما يرتكز برنامج المساعدات الخارجية لدولة الإمارات، بحسب ما نشرته وزارة الخارجية، على عدة مبادئ توجيهية من بينها: التعاون مع الجهات المانحة والمنظمات التنموية والاهتمام بالقضايا المهمَلَة والمجتمعات التي تفتقر إلى الدعم الكافي[11].

اتصالًا، ترتبط المساعدات الخارجية، التي تشمل مساعدات إنسانية واسعة النطاق، ارتباطًا وثيقًا بأهداف التنمية المستدامة 2030؛ ما يؤكد التزام الدولة بالمبادئ الدولية والأهداف العالمية ورسم سياستها في إطارها[12]؛ حيث أوضح تقرير “سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية” لعام 2022، الذي يوضح سياسة الدولة بصدد تقديم المساعدات الخارجية الإماراتية، أن الأخيرة ستسهم بشكل فعّال في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، وضمان تمتُّع الجميع بأنماط عيش صحية، وتحقيق التوازن بين الجنسين وتمكين المرأة، وغيرها[13].

ليس ذلك فحسب، بل عكست مئوية الإمارات 2071، التي تمّ إطلاق نسختها الأولى عام 2017 من قِبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مركزية العمل الإنساني في السياسة الإماراتية؛ حيث أشارت نقاط ومحاور تلك المئوية إلى “بناء منظومة قيم أخلاقية إماراتية في أجيال المستقبل، وتعزيز التماسك المجتمعي”[14].

بالإضافة إلى ما سبق، أعلنت حكومة دولة الإمارات في سبتمبر 2021 المبادئ العشرة للخمسين عامًا المقبلة، وتَمثَّل المبدأ التاسع في أن: “المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزّأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظًّا”، وأضاف المبدأ “الاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرّر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات”، ويؤكد ذلك، بما لا يدع مجالًا للشك، التزام الإمارات بالمساعدات الخارجية لتي تستند إلى قيم أخلاقية لا سياسية[15].

وبشكلٍ عام، تهدف سياسة المساعدات الخارجية الإماراتية إلى توجيه الدعم القائم على دفع عجلة النمو وتعزيز الاستدامة إلى الحكومات الشريكة أو المجتمعات الهشَّة، فضلًا عن تحقيق الأهداف ذات الأولوية للأخيرة؛ بحيث تسهم تلك السياسة في توجيه عمليات التخطيط وضمان اتساقها بين مختلف أصحاب المصلحة والأطراف المعنيّة العاملة في قطاع المساعدات الخارجية، كما تسهم أيضًا في تعزيز استقرار المناطق التي عصفت بها الصراعات أو شهدت أعمال عنف، ومساعدة الأشخاص بداخلها على تجاوز التداعيات الناجمة وتوفير الخدمات الرئيسية لهم[16].

2- الجهود الإنسانية لدولة الإمارات

دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة، وفق سياسة مدروسة، على توفير المساعدات الإنسانية، وتنويع سبل الدعم غير المشروط، بالإضافة إلى توفير الخدمات الرئيسية للمجتمعات الهشّة في البلدان الفقيرة والنامية؛ في سبيل تحسين مستوى الحياة للأشخاص في تلك البقاع؛ حيث أسست دولة الإمارات هيئة الهلال الأحمر في عام 1983؛ لتقديم المساعدات الإنسانية المتنوعة التي تغطي جميع القطاعات داخل الدولة وخارجها، ونالت الهيئة الاعتراف الدولي باعتبارها العضو رقم 139 في الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر في أغسطس 1986. وفي عام 2001 أضحى الهلال الأحمر الإماراتي ثاني أفضل هيئة إنسانية على مستوى القارة الآسيوية نتيجةَ لجهودها المتشعّبة. وتقوم استراتيجية الهيئة على أربعة محاور رئيسية، هي: زيادة الأثر الإنساني المحلي، وتقوية الاستدامة المالية، والتركيز على المساعدات الخارجية والإغاثية، ورفع الثقة المؤسسية. وتتضمن الخدمات الإنسانية المُقدَّمة من جانب هيئة الهلال الأحمر، مجالات: التعليم والصحة والتضامن الاجتماعي ودعم الابتكار، فضلًا عن إغاثة المناطق المتضررة من النزاعات أو الكوارث[17].

في السياق ذاته، حققت دولة الإمارات نجاحًا منشودًا في هذا المجال من خلال تضافر الجهود بين الجهات المانحة والمؤسسات المعنية داخل الدولة، وكذلك من خلال التعاون المثمر مع الشركاء الإقليميين والدوليين ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة العاملة في المجالين الإنساني والتنموي[18]، وفي هذا الصدد تُظهر حكومة الإمارات شراكة قوية مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (The United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs)؛ حيث تقدّم الدولة مساعدات إنسانية قوية في الأزمات الكبرى حول العالم، مع استجابة حكومية واسعة بقيادة وزارة الخارجية والتعاون الدولي وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي[19]، التي تحرص على إقامة علاقات شراكة قوية مع الوكالات الإنسانية، وتكثيف التعاون مع الحركة الدولية للصليب الأحمر؛ لتلبية الاحتياجات المتزايدة في مجال الإغاثة الإنسانية[20].

وتسهم الإمارات بشكل واضح ومؤثر في العديد من المشروعات الإنسانية المقدَّمة إلى الشعوب الأكثر تضررًا واحتياجًا، ولم تُغفل الدولة كذلك تقديم الدعم استجابةً للأزمات والطوارئ والكوارث الناجمة عن تداعيات الحروب والأوبئة، ومن ذلك التَّبعات السلبية التي فرضتها جائحة كوفيد-19[21].

ونتيجة لتلك الجهود، احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى بين المانحين، في السنوات الخمس منذ عام 2018 وحتى عام 2022، وفي عام 2022 فقط خصصت الإمارات حوالي 293.9 مليون دولار أمريكي لتمويل عمليات المساعدة الإنسانية لعدد من الأزمات الدولية في إثيوبيا واليمن وفلسطين، وكذلك أوكرانيا والصومال وأفغانستان وغيرها، وأسهمت تلك الأموال في تحفيز الوكالات الإنسانية على تقديم المساعدة الفعالة التي تمَّ وصفُها بأنها “منقذة للحياة” في مختلف المجالات، مثل: الصحة، والغذاء، وخدمات الحماية، والتعليم، وغير ذلك[22]. ومن خلال تقرير وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية لعام 2022، بعنوان “من أجل السلام والازدهار في العالم… سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، تبيّن أنه خلال خمسة عقود، منذ نشأة الدولة، قدّمت الإمارات مساعدات خارجية تصل إلى حوالي 87.97 مليار دولار أمريكي، بعدد مستفيدين بلغ مليار شخص حول العالم[23].

ويُذكر في هذا الصدد، إشادة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في عام 2021، بمبادرات الإمارات الإنسانية والتنموية حول العالم، مؤكدًا دورها البارز في تعزيز أوجه التضامن مع القضايا الإنسانية المُلحَّة، فضلًا عن حشد الدعم لضحايا الكوارث والأزمات. وأوضح رئيس اللجنة الدولية أيضًا أن الإمارات ظلت لسنوات طويلة داعمًا ومؤيدًا رئيسيًّا لبرامج اللجنة وعملياتها الإنسانية في مختلف مناطق العالم، من خلال الدور المُطَّرد والمتنامي الذي يؤديه الهلال الأحمر الإماراتي في تقديم المساعدات الإنسانية لمستحقيها، بغضّ النظر عن الاعتبارات السياسية والثقافية[24].

ونتيجة للدور الذي تقوم به دولة الإمارات في العمل الإنساني العالمي، فقد احتفظت منذ أعوام بالمراكز الأولى عالميًّا في تقديم المساعدات الخارجية، مستلهِمة، في أعمالها الإنسانية والإغاثية الدولية، مقولة المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بأن “الله العلي القدير منَحَنَا هذه الثروة لتطوير بلادنا، وفي الوقت نفسه للمساهمة في تطوير الدول الأخرى”.

ثالثًا، تحديات وأولويات العمل الإنساني العالمي:

في حقيقة الأمر، تتنامى جهود العمل الإنساني بشكل مطَّرد وتصبح أكثر صعوبة وخطورة من أي وقت مضى؛ نظرًا لتزايد حجم التحديات الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والتجاهل الشديد للقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تصاعُد حملات التضليل[25]، ونتيجة لذلك، أصبح مجتمع الإغاثة العالمي والعاملون في المجال الإنساني يتسابقون لاحتواء الخسائر الناجمة عن الصراعات العديدة والنزاعات الشائكة، إلى جانب الأزمات الاقتصادية، واستمرار تداعيات الوباء، وكذلك حالات الطوارئ التي أفضى إليها التغيّر المناخي، وتزايد معدلات الفقر، الأمر الذي تسبَّب في وصول عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية إلى رقم قياسي بلغ 303 ملايين في عام 2022[26]. وفي عام 2023 الحالي؛ أي بعد 20 عامًا، شهد العمل الإنساني نموًّا ملحوظًا من حيث الحجم والتعقيد، وأضحى يستهدف مساعدة ما يقرب من 250 مليون شخص حول العالم، ما يمثّل 10 مرات أكثر مما كانت عليه الحال في عام 2003، ويعني ذلك أن العمل الإنساني أصبح أكثر انتشارًا وأقرب إلى فئات مجتمعية مختلفة، ولا يُميز بين النساء والرجال والأطفال في المناطق والمجتمعات شتى[27].

وفي ظل هذه التحديات، عمدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى تأصيل نهج قائم على حقوق الإنسان في العمل الإنساني؛ ويهدف ذلك النهج إلى إشراك أصحاب المصلحة، وهم الأشخاص المتضررون، في الجهود الدولية الرامية إلى الاستجابة للكوارث أو التأهب لها؛ حتى يتسنّى من خلال ذلك تضمين احتياجات المتضررين ومطالبهم، وكذلك تعزيز مساءلة الجهات المعنية عن مدى الوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني[28]. وقد أثبت ذلك النهج صحته في خضمِّ ما شهده النصف الأول من عام 2023؛ فخلال تلك الفترة تصاعدت حول العالم أزمات إنسانية مدفوعة بالصراعات وأزمة المناخ، فضلًا عن انعدام الأمن الغذائي[29]؛ لذا حرصت المفوضية السامية على تبنّي سياسة من شأنها مواجهة الاحتياجات المفاجئة في حال اندلاع مثل تلك الأزمات، والتنسيق بين الوكالات لضمان الحماية، والمشاركة في خارطة التخطيط الإنساني، ويؤكد ذلك أهمية تضمين رؤى وأفكار الفئات المهمَّشة وإدراجها في الأعمال الإنسانية بكافة عملياتها[30].

بناءً على ذلك، حددت الخطة الاستراتيجية لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (2023-2026) ست أولويات لمواجهة التحديات العالمية التي تعيق المجتمع الإنساني وتَحُول دون توسيع نطاقه؛ حيث غدت الاحتياجات الإنسانية تتنامى نتيجة التغيرات العالمية والاقتصادية، وزيادة فجوات التمويل والموارد، ولاسيما في ظل المشهد الجيوسياسي المجزَّأ والتنافسي الذي أفضى إلى تفاقم التحديات السياسية والاقتصادية وإضعاف الجهود المتعددة الأطراف للتصدي لها؛ لذا من المقرر أن تفوق الاحتياجات الإنسانية الموارد المقرَّرة لتلبيتها بنسبة كبيرة للغاية بحلول عام 2026، ما يجعل العمل الإنساني يكافح من أجل الوصول إلى عدد بسيط من المستفيدين وليس العدد المستهدَف بأكمله.

وتمثّلت الأولويات الست في: استجابة إنسانية متماسكة ومحددة السياق تتمحور حول الأشخاص وتسهم في صمود المجتمع وتعزز نتائج الحماية، وقيادة منهجية وقادرة على الوصول إلى المستهدفات، وحلول دائمة للنزوح الداخلي طويل الأمد، واستجابة إنسانية شاملة لا تستثني أحدًا، والتمويل الإنساني التحفيزي المؤثر في حياة الأشخاص، وأخيرًا التحليل الاستراتيجي للمخاطر وتعزيز سُبل التكيف مع المشهد المتطور والمتغيّر. وعلى الرغم من أن تلك الأولويات لا تعكس جميع القضايا ولا تغطي جميع الأنشطة، فإنها تتناول المجالات الأكثر أهمية التي يجب التحول إليها والتنسيق بشأنها. ويقوم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بترجمة الخطة إلى ممارسات فعليّة من خلال خطط التنفيذ المدروسة التي يتم تنفيذها عبر الوظائف الأساسية الخمس للمكتب[31].

وفي النهاية، يمكننا القول إن ما تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة من جهود دولية لحلّ الصراعات، وإعلاء قِيم العمل الإنساني، يعتبر نموذجًا يجب أن يُحتذى به؛ حيث لا تربط الدولة مساعداتها الإنسانية الخارجية بدين، أو عرق، أو لون، أو طائفة، بل تراعي في المقام الأول الجانب الإنساني الذي يتمثّل باحتياجات الشعوب، والحدّ من الفقر، والقضاء على الجوع، وبناء مشاريع تنموية لكل مَن يحتاج إليها.

 

الهوامش والمراجع:


[1]  أنطوان جيرار، “إعداد خطة للعمل الإنساني”، الأمم المتحدة، مارس 2018، على الرابط: https://2u.pw/4cYFoO7

[2] “Deliver Humanitarian Aid”, The United Nations, available at: https://2u.pw/6gmKUKc  

[3] “World Humanitarian Day 2023”, The United Nations, 2023, available at: https://2u.pw/SSWK54M

[4]  عاطف عثمان، “أخلاقيات العمل الإنساني: دليل إلى أخلاقيات المساعدة في الحروب والكوارث”، المركز الإقليمي للإعلام في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 15 نوفمبر 2022، على الرابط: https://2u.pw/nmj5ATu

[5] “Deliver Humanitarian Aid”, Op.cit.

[6]  مركز تريندز للبحوث والاستشارات، “الحاجة إلى العمل الإنساني في خضم الصراعات الدولية”، جريدة الوطن الإماراتية، 15 أغسطس 2023.

[7] “People in Need of Humanitarian Assistance at Record Levels, Secretary-General Tells Economic and Social Council, Urging More Aid Funding, Efforts to Resolve Conflict”, The United Nations, June 21, 2023, available at: https://2u.pw/M5m7Enk

[8] Global Humanitarian Overview 2023, Mid-Year Update (Snapshot as of 18 June 2023), Reliefweb, Jun 27, 2023, available at: https://2u.pw/CJMPYUM

[9] عبدالله العوضي، “الدور الإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة”، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 28 يونيو 2010، على الرابط: https://2u.pw/UiCjQN

[10] “استراتيجية وزارة الخارجية 2017-2022″، موقع وزارة الخارجية والتعاون الدولي، على الرابط: https://2u.pw/UEnDAnj

[11] “التعاون الإنساني والتنموي”، موقع وزارة الخارجية والتعاون الدولي، على الرابط: https://2u.pw/tegvPVA

[12] “UAE Foreign Aid”, Ministry of Foreign Affairs and International Cooperation, available at: https://2u.pw/PghPr3p

[13] “تقرير سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، موقع وزارة الخارجية والتعاون الدولي، 2022، ص: 11، متاح على الرابط:  https://2u.pw/htfrSEg

[14] “محمد بن راشد يطلق مئوية الإمارات 2071″، موقع مجلس الوزراء لدولة الإمارات، على الرابط: https://2u.pw/gtzQXVt

[15] “تقرير سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، مرجع سبق ذكره، ص: 4.

[16] المرجع السابق، ص ص: 4 – 10.

[17]استراتيجية الهيئة”، موقع هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، على الرابط: https://2u.pw/CAqYi8D

[18] “تقرير سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، مرجع سبق ذكره، ص 4.

[19] “Dubai’s Burj Khalifa Lights up on the World Humanitarian Day”, Reliefweb, Aug 21, 2022, available at: https://2u.pw/LtPpmCz

 [20]  عاصم الخولي، “رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر يشيد بمبادرات الإمارات الإنسانية والتنموية حول العالم”، وكالة أنباء الإمارات، 4 فبراير 2021، على الرابط: https://2u.pw/EwE2I30

[21] “تقرير سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، مرجع سبق ذكره، ص 4.

[22] “Dubai’s Burj Khalifa Lights up on the World Humanitarian Day”, Op.cit.

 [23]“تقرير سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للمساعدات الخارجية”، مرجع سبق ذكره، ص4.

[24] عاصم الخولي، مرجع سبق ذكره.

[25] “No matter what.. World Humanitarian Day 2023”, World Humanitarian Day, 2023, available at: https://2u.pw/ZMBZaoH

[26] “World Humanitarian Day 2022”, The International Organization for Migration, 2022, available at: https://2u.pw/X69dHgx

[27] Idem.

[28] “عملنا في مجال حقوق الإنسان في سياق العمل الإنساني”، الأمم المتحدة، على الرابط: https://2u.pw/qSrOJon

[29] “Humanitarian action: 2023 mid-year snapshot”, UNICEF, 2023, available at: https://2u.pw/IyGZE1W

[30] “عملنا في مجال حقوق الإنسان في سياق العمل الإنساني”،مرجع سبق ذكره.

[31] “OCHA’s Strategic Plan 2023-2026: Transforming Humanitarian Coordination”, Reliefweb, Feb 7, 2023, available at: https://2u.pw/oqg7TR0

المواضيع ذات الصلة