Insight Image

تحالف حارس الازدهار: التحديات والمستقبل

16 يناير 2024

تحالف حارس الازدهار: التحديات والمستقبل

16 يناير 2024

   أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف باسم “حارس الازدهار”؛ ردًّا على عمليات الميليشيات الحوثية التي استهدفت بعض السفن التجارية المارّة من مضيق باب المندب، حيث زعم الحوثيون أن هدفهم هو عرقلة السفن التجارية المتّجهة إلى الموانئ الإسرائيلية؛ للضغط على الاقتصاد الإسرائيلي، إلى أن يتم إيقاف الحرب في غزة، مع إعلانها صراحة تأييدها لحركة حماس.

   وفي تصعيد عسكري بالبحر الأحمر، من قِبل جماعة الحوثي ضد قوات تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، فجر أمس الإثنين 15 يناير، إسقاط صاروخ كروز أطلقته جماعة الحوثي باتجاه حاملة الطائرات “يو إس إس لابون”، التي كانت تعمل بالقرب من ساحل الحديدة في اليمن[1]. ويُعدّ هذا الهجوم الأول من نوعه ضدّ هدف عسكري أمريكي بعد الضربات المكثفة التي شنّها التحالف ضد 60 هدفًا في 16 موقعًا للحوثيين، يومَي 11 و12 يناير الحالي[2].

   كانت جماعة الحوثي قد هدّدت بردٍّ غير محدّد على الضربات، يأخذ في الاعتبار موقفها السياسي في اليمن، واحتمال وقوع المزيد من الهجمات من قِبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. والحقيقة، أنه ليس ثمّة سبب للاعتقاد بأن ضربات التحالف السابقة، أو اللاحقة، ستعمل على ردع المزيد من هجمات الحوثيين على أهداف مدنية أو عسكرية في البحر الأحمر، ولا أنها ستُفضي إلى إضعاف قدرات الحوثيين بما يكفي لتعقيد مثل هذه العمليات؛ ممّا يعني احتمال وقوع مزيد من الهجمات في الأيام، أو الأسابيع، المقبلة.

    في المقابل، من المرجح أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى ردود عسكرية بقيادة الولايات المتحدة، بينما يحاول التحالف الدولي استعادة حرية الملاحة في البحر الأحمر؛ الأمر الذي يعني أنّنا سنَشهد نشوء نمط من “التراشقات” والتصعيد المتبادلَين والمستمرَّين لفترة زمنية، قد تطول، بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي.

    وعلى الرغم من أن احتمالية تطور هذا النمط إلى تصعيد إقليمي أكبر غير مرجَّحة حتى الآن، فإنها غير مستبعَدة بالمطلق، بل من المرجح أيضًا، أن يُفضي هذا النمط من التبادلات بين التحالف وجماعة الحوثي إلى تصعيد، وليس تخفيض حدة المخاطر على الملاحة في البحر الأحمر، خصوصًا في ضوء التحديات التي تواجه تشكيل وعمل التحالف العسكري أصلًا.

وبناءً على ما سبق، تناقش هذه الورقة خمسة تساؤلات رئيسية، وهي:

  • أبعاد التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، ودلالاته.
  • الدوافع، أو المحفّزات لإنشاء تحالف “حارس الازدهار”.
  • أثر العملية، أو التحالف، على وضع جماعة الحوثي في اليمن؟
  • احتمالية التصعيد الإقليمي.. أو هل ستُفضي الضربات إلى تصعيد عسكري في البحر الأحمر، والإقليم؟
  • هل ستؤمِّن عمليات التحالف الملاحة في البحر الأحمر؟ أو فرص وتحديات أمام نجاح التحالف في تأمين الملاحة في البحر الأحمر.

أبعاد التصعيد الحوثي، ودلالاته:

  • تصاعدت هجمات الحوثيين قبالة سواحل اليمن منذ 19 نوفمبر 2023، عندما صعَدت عناصر تابعة لجماعة الحوثي على متن السفينة التجارية “غالاكسي ليدر”، التي ترفع علَم جزر البهاما، بواسطة مروحية، وتم اختطافها ونقْلها إلى ميناء الحديدة اليمني، واحتجاز أفراد طاقمها كرهائن. ثم شاركت الجماعة بعد ذلك مقطع فيديو لعملية الاختطاف لتعلن مسؤوليتها عنها. ومنذ ذلك الحين، شنّت الجماعة المتمردة ما لا يقلّ عن 18 هجمةً على السفن التجارية العابرة للمنطقة؛ ممّا أدى إلى تعطيل التجارة البحرية بشدّة[3]. كما تجاهلت الجماعة التحذير الصادر في 3 يناير الحالي من قِبل الولايات المتحدة وشركائها في عملية “حارس الازدهار” لوقف هجماتهم، أو مواجهة العواقب[4]. وبدلًا من ذلك، ردّ الحوثيون بأكبر قصف لهم حتى الآن في 9 يناير الحالي، حيث أَطلقوا 21 صاروخًا وطائرة من دون طيار على جنوب البحر الأحمر[5].
  • في المقابل، واستجابةً لهجمات الحوثيين المستمرة، أعلنت أربع من أكبر خمس شركات شحن حاويات في العالم، بما في ذلك شركة ميرسك الدنماركية، وشركة CMA” “CGM الفرنسية، وشركة Hapang-Lloyd الألمانية، وشركة MSC السويسرية، والتي تشكل معًا أكثر من %50من قدرة شحن الحاويات العالمية، خططًا لتعليق الشحن عبر البحر الأحمر[6].
  • المثير، أن هجمات الحوثيين استمرت حتى خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقت بين إسرائيل وحماسفي غزة، الذي دخل حيّز التنفيذ في 24 نوفمبر الماضي، والذي التزم كلٌّ من حزب الله اللبناني وميليشيات “الحشد الولائي” (كحزب الله وحركة النجباء بالعراق) باحترامه.

هذا التصعيد المستمر من قِبل الحوثيين، برغم احترام فصائل ما يسمّى “محور المقاومة” للهدنة، اعتبرته بعض التقديرات الغربية خروجًا على الاستراتيجية الإيرانية المتّبعة منذ انطلاق “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الماضي، حيث سعَت طهران إلى تجنّب توسيع الصراع إلى ما هو أبعد من غزة، خوفًا من جعل نفسها هدفًا لهجمات إسرائيلية أو أمريكية مباشرة.  ومن ثم رأوا في ذلك مؤشرًا إلى أن الحوثيين يعملون بشكل أكثر استقلالية عن طهران مقارنة بـــ”وكلاء إيران” الآخرين في المنطقة، سواء في لبنان أو العراق وسوريا[7]. بينما تشير معطيات كثيرة إلى عكس ذلك تمامًا، حيث توثّقت صلة إيران بجماعة الحوثي، وانتقلت إلى مرتبة متقدّمة أكثر عن حالة “التحالف الاستراتيجي” التي توثّقت بين الطرفين طوال السنوات الماضية، ووصلت إلى مسافة أقرب من “العلاقة العضوية” التي قد لا تنفصم حتى في حال تغيّرت الحقائق الجيوسياسية في الإقليم.

    وفي هذا السياق، تشير معطيات أمريكية إلى أن “فيلق القدس” و”حزب الله” اللبناني قد دعما التوسع الإقليمي والعمليات العسكرية للحوثيين، وأن تركيبة “القيادة العسكرية العليا لجماعة الحوثي أو ما يُسمّى “مجلس الجهاد” تتشابه بصورة لا لبس فيها مع “مجلس الجهاد” -القيادة العسكرية العليا- التابع لحزب الله اللبناني[8]. وعند هذه النقطة تجدر الإشارة إلى نقاط أساسية عدة، منها:

  • أن منصب “مساعد الجهاد” الذي يُعدّ جزءًا من “مجلس الجهاد” يحتلّه ضابط تابع لفيلق القدس، وله نائب تابع لحزب الله اللبناني. ويعمل “مساعد الجهاد” مستشارًا عسكريًّا لعبدالملك الحوثي، ومن ثم فهو يُشكّل مع نائبه، إضافة إلى عبدالملك الحوثي، ثالوث القيادة في قلب آلة الحرب الحوثية[9].
  • أن “فيلق القدس” يَستخدم اللقب ذاته؛ أي “مساعد الجهاد” في العراق، لوصف ضابط الارتباط مع ميليشيا “حزب الله”. وعلى غرار الحوثيين أيضًا، فإن “مساعد الجهاد” داخل القيادة العسكرية لميليشيا “حزب الله” في العراق، لديه نائب لبناني من “حزب الله”؛ ممّا يشير إلى نوع من “الهيكل التنظيمي” المعتمد لدى “فيلق القدس”، عندما يتعلق الأمر بتفاعلاته مع “الوكلاء” عبر الإقليم[10].
  • اعتمد قادة الحوثيين في عملية إعادة تشكيل الحركة، إلى حدّ كبير على النماذج الأمنية والعسكرية لدى إيران وكلٍّ من ميليشيا “حزب الله” في لبنان والعراق؛ إذ تبنّى الحوثيون نموذج تنظيم “حزب الله” اللبناني، بتشكيل “مجلس الجهاد”، وتبنَّوا نموذج التوجيه الذي لدى “حزب الله” بالعراق، بقبول تولي قيادي من “فيلق القدس” منصب “مساعد الجهاد”[11].
  • تبنّى “جيش الحوثيين” العديد من الميزات لدى نظرائهم في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، بما في ذلك هندسة القيادة والسيطرة، والتدريب، والتصنيع العسكري، وقوات الطائرات المسيّرة، ومهام “القوات المتنقّلة”، ومركزية وظائف الاستخبارات والاستخبارات المضادة أو الترتيبات الأمنية الوقائية، على مستوى “مجلس الجهاد”.. إلخ، بحيث يمكن القول إن الجيش الذي يسيطر عليه الحوثيون يبدو اليوم في صورة قريبة جدًّا من أنظمة الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني[12].

*على خلفية كلّ هذه المعطيات، يمكن الاستنتاج أن التصعيد الحوثي ليس خروجًا عن الاستراتيجية الإيرانية كما يَعتقد بعضهم، وإنّما تعكس انخراط الحوثيين في أدوار عسكرية تتكامل مع استراتيجية “فيلق القدس”، وتُعزّز مقاربته في الإقليم، التي ربّما تطلّبت في هذه المرحلة عدم قيام “حزب الله” اللبناني بأي تصعيد عسكري يتجاوز قواعد اللعبة مع إسرائيل، أو يؤدي إلى “مواجهة مفتوحة” معها. وبدلًا من ذلك، يمكن لجماعة الحوثي أن تصعّد عسكريًّا على النحو الذي يعزّز مزاعم “وحدة الساحات”.

الدوافع المباشرة لإنشاء “حارس الازدهار”.. واشنطن والحوثيين والحسابات الخاطئة

عقِب هجمات جماعة الحوثي على سفن تجارية عدة في البحر الأحمر، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 18 ديسمبر الماضي، تشكيل عملية “حارس الازدهار”، وهي قوة مهمات أمنية متعدّدة الجنسيات تتألف من 20 دولة؛ لضمان العبور الآمن عبر المنطقة، تحت رعاية فرقة العمل 153 للقوات البحرية المشتركة الحالية[13].

ولأسباب استراتيجية وأيديولوجية، وربّما بسبب خطأ في الحسابات، تجاهل الحوثيون الأمر، وردّوا على إنشاء التحالف بأكبر قصف لهم حتى الآن في 9 يناير الحالي، حيث أطلقوا 21 صاروخًا وطائرة من دون طيار على جنوب البحر الأحمر. ووصف مسؤولون أمريكيون الهجوم بأنه القشّة الأخيرة؛ ممّا أدى إلى اتخاذ القرار بالمضيّ قدُمًا في الضربات العسكرية[14].

في الأغلب، ظن الحوثيون أن “الخط الأحمر” الأمريكي لتنفيذ عمل هجومي ضد أهداف للجماعة سيكون قتل أمريكي. وربّما اعتقدوا بأن الرئيس الأمريكي “بايدن” لا يميل إلى الانخراط في عمليات عسكرية هجومية في عام الانتخابات. وكلا الأمرَين كان قراءة خاطئة في السياق الحالي. وقدّر الحوثيون أن الولايات المتحدة لن تضرب إلا إذا تم استهداف أصول أمريكية، وبعد ذلك فقط من خلال تدابير مضادة.

ومع ذلك، فإن وجود تحالف دولي يدعم التدخل العسكري لتعطيل قدرة الحوثيين على تعريض ممرّات الشحن العالمية للخطر، أدّى إلى تغيير “الخط الأحمر” الأمريكي للعمل، واستعداد الرئيس الأمريكي للتحرك. وحذّر بيان مشترك صدَر في 3 يناير الحالي من قِبل أستراليا والبحرين وبلجيكا وكندا والدنمارك وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة والمملكة المتحدة، الحوثيين من شنّ المزيد من الهجمات على الشحن الدولي في اليمن والبحر الأحمر، أو مواجهة العواقب. ولكن البيان لم يحدّد عواقب تجاهل هذا التحذير[15]؛ الأمر الذي أتاح للحوثيين مساحة تفسيرية للاعتقاد بأن شنّ هجوم لاحق باستخدام الذخائر من مسافة بعيدة لن يشكّل أي خطر على حياة عناصرهم، أو أصولهم وأهدافهم.

أثر عمليات “حارس الازدهار” على وضع جماعة الحوثي

من المنظور العسكري، سيؤدي النطاق الواسع لضربات التحالف إلى تجريد جماعة الحوثي من بعض قدراتها على شنّ هجمات تستهدف الملاحة البحرية، لكن من غير المرجّح أن تكون موجة واحدة من الهجمات قد دمّرت ما يكفي من البنية التحتية لمنع الحوثيين من شنّ هجمات لاحقة.

وعلى الرغم من افتقار الجماعة لأجهزة الرصد والرادار، والقيادة والسيطرة في البحر الأحمر، فإن الوجود العسكري والاستخباراتي الإيراني في البحر الأحمر لا يزال قائمًا وقادرًا على إمداد جماعة الحوثي بالمعلومات والرصد؛ لذا، من المرجح حدوث سلسلة من الضربات العسكرية لقوات تحالف “حارس الازدهار” لإضعاف قدرات الحوثيين بشكل كامل، حيث يمتلك الحوثيون ترسانة كبيرة من الصواريخ، والطائرات، والمركبات المسيّرة.

أما من الزاوية السياسية، فقد اكتسب الحوثيون شعبية بين اليمنيين بسبب تأطيرهم العمليات في البحر الأحمر ضمن إطار الرد على العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة. ولكن، من غير المرجح أن يترجَم ذلك إلى شعبية سياسية أكبر للحوثيين داخل اليمن، في وقت يتم فيه اتخاذ قرارات مستقبلية حاسمة لتقاسم السلطة؛ إذ إن الدعم داخل القطاعات المختلفة للشعب اليمني للفواعل السياسية المختلفة، يتأسس بناءً على المصالح المحلية والمجتمعية والطائفية. ولا يمكن أن يُترجم عمل الحوثيين إلى تبنّي أهدافهم محليًّا، وهي أهداف طائفية بامتياز.

هل ستُفضي الضربات المتبادلة إلى تصعيد إقليمي؟

برغم الضربات الموسّعة التي شهدتها اليمن في 11، 12 يناير الحالي، من المتوقع أن تتبنّى الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجية منضبطة لإنهاء هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، مع تجنّب تدخل عسكري طويل الأمد. وستقاوم ” واشنطن” الرؤى الداعية إلى قيادة حملة أكثر شمولية ضد الحوثيين تشمل توسيع الهجمات، لتشمل بنيتهم ومواقعهم العسكرية التي لا تتعلق فقط بالهجمات البحرية، بما يُفضي في النهاية إلى انخراط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الصراع الأهلي داخل اليمن، من دون “استراتيجية خروج نظيفة”.

في المقابل، ومن منظور استراتيجي، من المرجّح أن تؤدي الطموحات السياسية للحوثيين إلى كبح مستوى “الانتقام” ضد السفن البحرية، على الرغم من أن التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة يعرّض محادثات السلام في اليمن للخطر. وعلى الرغم من الهجوم الذي شنّه الحوثيون، أمس الاثنين 15 يناير، ضد المقاتلة الأمريكية، فمن غير المرجّح أن يشنّ الحوثيون حملة كبيرة لاستهداف سفن عملية “حارس الازدهار”؛ بسبب الخوف من أن مثل هذه الهجمات المكثفة ستستدعي ضربات للتحالف ولكن على نطاق أوسع، مثل هجمات 11 و 12 يناير الحالي، وزيادة الضغوط الأمريكية من أجل عدم تقديم “تنازلات” للحوثيين في محادثات السلام اليمنية، وكلاهما من شأنه أن يعرّض المكاسب السياسية للحوثيين للخطر في اليمن، حيث يسيطرون الآن على منطقة تضم نحو ثلثَي سكان البلاد، وهم على وشك التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار سيمثل اعترافًا فعليًّا بالحوثيين كيانًا سياسيّا شرعيًّا، وهو الأمر الذي استعصى على الجماعة المتمردة منذ بدء عملية “عاصفة الحزم” في عام 2015 بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء إلى جانب مساحات شاسعة من الأراضي.

في المقابل، فإن مزيدًا من ضربات التحالف ضد الحوثيين تخاطر بتعريض المصالح العسكرية الأمريكية والبريطانية في أماكن أخرى من المنطقة، للخطر، خصوصًا الخليج العربي والمياه المحيطة به والعراق؛ وتزيد من احتمال حدوث سيناريو منخفض الاحتمال وعالي التأثير، وهو حدوث تصعيد إقليمي كبير. فحتى الآن، اعتمدت إيران بشكل أساسي على الميليشيات المتحالفة معها، مثل الحوثيين في المنطقة، للتصعيد مع الغرب وإسرائيل عقِب العملية الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث نفّذت إيران نفسها عمليتَين فقط ضد السفن، في 23 ديسمبر الماضي؛ غارة بطائرة من دون طيار على ناقلة مواد كيميائية قبالة سواحل الهند، والاستيلاء على ناقلة نفط خام قبالة سواحل عُمان في 11 يناير الحالي.

الآن، وبرغم انخراط الولايات المتحدة وشركائها بشكل مباشر في اليمن من خلال عملية عسكرية كبيرة، فإن الضرورات السياسية، التي دفعت طهران إلى الامتناع عن التصعيد الكبير الذي من شأنه أن يدعو إلى شنّ ضربات أمريكية على إيران، لا تزال قائمة، على الرغم من أن هذا قد يتغير بعد الانتخابات البرلمانية لمجلس الخبراء الإيراني في الأول من مارس المقبل. وربّما تشارك الميليشيات العراقية في بعض الهجمات التضامنية ضد الوجود الأمريكي في العراق، لكن هذه الهجمات تحدُث بالفعل بشكل مستمر منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل. وقد نفّذت الولايات المتحدة ضربات انتقامية ضد الميليشيات العراقية، بما في ذلك ضربة كبيرة في 3 يناير الحالي، أدّت إلى مقتل قائد كبير من حركة حزب الله النجباء[16]، ولم تؤدِّ الضربات إلى اتساع نطاق الصراع؛ الأمر الذي يشير إلى أن الضربات الأمريكية على اليمن، على الأرجح، لن تفعل ذلك أيضًا.

هل ستؤمِّن عمليات التحالف الملاحةَ في البحر الأحمر؟

يشير إعلان “البنتاغون” إلى أن نحو 20 دولة تشارك في عملية “حارس الازدهار”، لكن وبحسب بيانات لاحقة، لن يسهم “بعض” الشركاء إلا بالحد الأدنى من الأفراد، حيث سترسل النرويج ما يصل إلى 10 ضباط أركان، بينما تقدّم هولندا اثنين فقط. وبينما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية توقعاتها بأن ينمو التحالف بمرور الوقت، للوهلة الأولى، تفتقر المجموعة إلى أي إشارة إلى مشاركات محدّدة من العديد من الحلفاء الرئيسيّين، بما في ذلك تركيا، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، واليابان. وقد اختار بعض الشركاء، مثل إيطاليا والهند وفرنسا، إرسال سفن إلى المنطقة بمبادرة منهم، لينأَوا بأنفسهم عن المظلّة الأمريكية؛ الأمر الذي يشير إلى أنه حتى بعض أقرب حلفاء الولايات المتحدة متردّدون في الانضمام إلى الجهود الأمريكية علنًا[17].

 

الخاتمة:

وختامًا، ربّما كانت واشنطن تأمل أن تُحقّق العملية الجديدة نجاحًا مماثلًا للجهود الدولية لمكافحة القرصنة في الصومال، إلا أن هناك اختلافات واضحة بين تهديد القرصنة في الصومال وتهديد الحوثيين للشحن البحري.

وعلى وجه التحديد، حصلت العمليات في الصومال على تفويض دولي واضح، حيث قدّم جميع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي الدعم للعمليات، في حين لم يَظهر أي تحالف من هذا القبيل عقِب الوضع الحالي؛ ويرجع ذلك إلى الطبيعة السياسية الجوهرية لهجمات الحوثيين، مع ربط الحوثيين الصريح لتصعيدهم بالعملية الإسرائيلية في غزة. ومع تقديم الولايات المتحدة دعمًا قويًّا لتل أبيب خلال الحرب، فإن العديد من الدول متردّدة بشدة في الانضمام إلى مبادرة يمكن اعتبارها منحازة إلى أحد طرفَي الصراع. وينطبق هذا بشكل خاصّ على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تدعم شعوبُها بشكل واسع فلسطين، وبعض الدول الأوروبية التي لديها أعداد كبيرة من الناخبين المؤيّدين للفلسطينيّين.

ومع ذلك، لا يزال تحالف “حارس الازدهار” قادرًا على تحقيق بعض أهدافها المبكرة. لقد قامت بتجميع قوة قد تكون كافية، إلى جانب العمليات المرتبطة بها من دول مختلفة، لردع هجمات الحوثيين والحدّ من آثارها على الشحن الدولي.

وفي 24 ديسمبر 2023، أي بعد الإعلان عن إنشاء التحالف وقبل توجيه الضربات للحوثيين، أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة “ميرسك لاين”، نقلًا عن فرقة العمل التي تقودها الولايات المتحدة، عزمها استئناف بعض عمليات الشحن عبر البحر الأحمر، مع بدء شركات أخرى مثل ” CMA CGM” الفرنسية عودة حذِرة أيضًا[18]؛ معنى ذلك، أنه إذا تمكنت “حارس الازدهار” من ضمان ثقة مزيد من الخطوط التجارية للنقل البحري، فقد تُثبت نجاحها في تأمين الملاحة في البحر الأحمر.

لكن في المقابل، يبقى السؤال أيضًا حول المدة التي تستطيع فيها الولايات المتحدة الحفاظ على انتشار كبير لقواتها البحرية في المنطقة، مع ظهور أزمات جديدة تستنزف موارد واشنطن؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى عودة هجمات الحوثيين في المستقبل. فمن دون التزام مستمر طويل الأمد من شركاء متعدّدين، لا يمكن ضمان حرية الملاحة والعبور الآمن لخليج عدن والبحر الأحمر. والخلاصة، أن الافتقار إلى تفويض دولي واضح وإحجام الحلفاء الرئيسيين يشكل تحدّيات أمام استدامة عملية “حارس الازدهار”، وقد تتطلّب العملية أو التحالف إجراء تعديلات هيكلية كبيرة في المستقبل؛ من أجل الوصول إلى أهدافها.

[1]  صاروخ حوثي أُطلق نحو سفينة بالبحر الأحمر.. ومقاتلة أمريكية أسقطته، (العربية، 15 يناير 2024)، متوافر على الرابط: https://www.alarabiya.net/amp/arab-and-world/american-elections-2016/2024/01/15/%D8%B5%D8%A7%D8%B1%D9%88%D8%AE-%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A-%D8%A3%D8%B7%D9%84%D9%82-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%B3%D9%81%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1-%D9%88%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D9%82%D8%B7%D8%AA%D9%87

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[2]  طالت 60 هدفًا في 16 موقعًا.. كل ما يهمك معرفته عن الضربات الأمريكية-البريطانية على الحوثيين في اليمن، (سي إن إن بالعربية، 12 يناير 2024)، متوافر على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/01/12/us-uk-strikes-response-houthis-yemen-escalation

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[3] What Western Strikes on the Houthis Mean for Yemen and the Region, (Rane Worldview, 12 January 2024), available at: https://worldview.stratfor.com/article/what-western-strikes-houthis-mean-yemen-and-region

(Last time access: 16 January 2024)

[4]  بيان مشترك لـ12 دولة، بينها أمريكا، يحذّر الحوثيين من استمرار استهداف السفن في البحر الأحمر، (يمن ديلي نيوز، 3 يناير 2024)، متوفر على الرابط: https://ydn.news/?p=25018

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[5]  سنتكوم: الحوثي يشنّ هجومًا معقدًا بمسيّرات وصواريخ كروز وباليستي، (سكاي نيوز عربية، 10 يناير 2024)، متوافر على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1683976-%D8%B3%D9%86%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A-%D9%8A%D8%B4%D9%86-21-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D9%91%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D9%83%D8%B1%D9%88%D8%B2-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%8A

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[6] In the Red Sea, Houthi Attacks Force the U.S. to Mull a Tougher Response, (Rane Worldview, 18 December 2023), available at: https://worldview.stratfor.com/article/red-sea-houthi-attacks-force-us-mull-tougher-response

(Last time access: 16 January 2024)

[7] Ibid.

[8] Marc R. DeVore, Armin B. Stähli, and Ulrike Esther Franke, “Dynamics of insurgent innovation: How Hezbollah and other non-state actors develop new capabilities,” Comparative Strategy, vol. 38, no.4 (Taylor &Francis, 2019), pp. 32-33, available at: https://research-repository.st-andrews.ac.uk/bitstream/handle/10023/21452/DeVoreStahliFranke_DynamicsofInsurgentInnovation_Pure.pdf?sequence=1&isAllowed=y

(last time access: 16 January 2024)

[9] Michael Knights, Adnan Al-Gabarni, Casey Coombs, “The Houthi Jihad Council: Command and Control in ‘the Other Hezbollah”, (CTC Sentinel, vol.15, no.10, West Point, October 2022), at: https://ctc.westpoint.edu/the-houthi-jihad-council-command-and-control-in-the-other-hezbollah/

(last time access: 16 January 2024)

[10] Ibid.

[11] Ibid.

[12] Ibid.

[13]  الولايات المتحدة تعلن تشكيل تحالف دولي لمكافحة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، (فرنسا 24، 19 ديسمبر 2023)، متوافر على الرابط: https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7/20231219-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%81%D8%AD%D8%A9-%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[14] Eric Schmitt and Helene Cooper, “U.S. Missiles Strike Targets in Yemen Linked to the Houthi Militia”, (New York Times, 11 January 2024), available at: https://www.nytimes.com/2024/01/11/us/politics/us-houthi-missile-strikes.html

(last time access: 16 January 2024)

[15]  بيان مشترك لـ12 دولة، بينها أمريكا، يحذّر الحوثيين من استمرار استهداف السفن في البحر الأحمر، مصدر سبق ذكره.

[16]  مسؤول أمريكي: الولايات المتحدة استهدفت قياديًّا بحركة النجباء العراقية الموالية لإيران، (سي إن إن بالعربية، 4 يناير 2024)، متوافر على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/01/04/us-targeted-member-iranian-proxy-baghdad

(تاريخ آخر دخول للموقع: 16 يناير 2024)

[17] Tom Freebairn, “Operation Prosperity Guardian Faces Early Hurdles”, (Defense and Security Monitor, 2 January 2024), available at: https://dsm.forecastinternational.com/2024/01/02/operation-prosperity-guardian-faces-early-hurdles/

(last time access: 16 January 2024)

[18] Ibid.

المواضيع ذات الصلة