يواصل مركز تريندز للبحوث والاستشارات في العاصمة الإماراتية أبوظبي جذب اهتمام الخبراء والباحثين بإنتاجات علمية رصينة في مختلف الشؤون والمجالات العربية والدولية، وقد نجح – بما لا يدع مجالاً للشك – خلال وقت قياسي في الخروج عن المألوف، متبعاً أسلوباً مميزاً في نشر المعرفة وتوسيع دوائر البحث العلمي، إذ تمثل الدراسات سلسلة متكاملة في موضوع يعتبر مهماً في مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب.
وقد أثرت الدراسات التي أصدرها مركز “تريندز” النقاش بين الباحثين والمتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية بعد نجاحها في رسم خريطة معرفية فريدة تلقي الضوء على جوانب خفيه لتنظيم الإخوان المسلمين، لا سميا بعد صدور دراستين:
- الأولى: “جماعة الإخوان المسلمين .. ظروف النشأة والتأسيس“.
- والثانية: “الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين: السمات .. الأهداف .. المستقبل“.
واستكمالاً لتلك السلسلة من الإصدارات عن حركات الإسلام السياسي التي يقوم المركز بإعدادها لإلقاء الضوء على ظاهرة الإسلام السياسي من مختلف زواياها وسياقاتها الداخلية والإقليمية والدولية، أصدر المركز دراسته الثالثة تحت عنوان: “النظام الخاص بجماعة الإخوان المسلمين: النشأة .. الأهداف .. التطور”
تتناول الدراسة بالتحليل الروافد الفكرية التي تقف وراء نشأة النظام الخاص، والسياق الداخلي والخارجي الذي وظفته الجماعة في تبرير تأسيس هذا النظام، الذي يعد من أهم أدوات تنفيذ مشروعها السياسي الهادف للوصول إلى السلطة.
ورغم كثرة الدراسات في هذا المجال إلا أن معظمها يركز على السرد التاريخي، دون الذهاب في اتجاه التحليل والتفسير الذي بات يتميز به مركز “تريندز” الذي عالج في هذه الدراسة الجديدة نقصاً جوهرياً في الدراسات العلمية والأكاديمية التي تدرس النظام الخاص بجماعة الإخوان. كما تتناول الدراسة الفلسفة العامة وراء تأسيس النظام الخاص، الذي تجعله جماعة الإخوان المسلمين نظاماً سرياً هدفه تضليل الحكومات لضمان سيطرة القيادات على سير العمل.
وتهدف الدراسة الحديثة إلى كشف طبيعة جماعة الإخوان المسلمين التي تتبع أيديولوجية عنيفة واستراتيجية تقوم على تقويض النظم الحاكمة، وإنشاء دولة الخلافة الإسلامية، وتِبيَان أن النظام الخاص – الذراع العسكرية للجماعة – اتخذ أشكالاً متنوعة من الممارسة الحركية بحسب الزمان والمتغيرات الداخلية والخارجية. كما تسعى الدراسة إلى معرفة المسوغات الفكرية والفقهية لمبدأ استخدام القوة والجهاد، وتتبع النظام الخاص، وإلقاء الضوء على أهدافه ووظائفه مع تِبيَان تطور آلياته الحركية منذ زمن النشأة حتى وقتنا الراهن.
الإطار الفكري والأيديولوجي والجانب التنظيمي
بأسلوب سلس وشَائق، يضع مركز “تريندز” بين يدي القارئ دراسته الثالثة التي تتألف من ثمانية فصول، بالإضافة إلى المقدمة والنتائج الختامية والملاحق. وقد اعتمد المركز في إعداد هذه الدراسة على 298 مصدراً ومرجعاً عربياً وأجنبياً، شملت الكتب، والدوريات، والصحف، والمجلات، والمواقع الإلكترونية، والفيديوهات، والوثائق، والمقابلات.
ويقدم الفصل الأول من الدراسة تحت عنوان: “المنهجية والإطار النظري“، عرضاً للمنهجية التي تم اعتمادها، وأهم المقاربات النظرية الأكاديمية التي تقدم تحليلاً وافياً ودقيقاً لظاهرة العنف السياسي ذي الطابع الديني، حيث تتبنى الدراسة في هذا الإطار منهج التكامل المنهجي من خلال الاعتماد على عدد من المقاربات والمناهج من بينها: المنهج التحليلي، والمنهج الوصفي، والمنهج التاريخي.
ولفهم دواعي نشأة النظام الخاص، وتِبيَان تأثيراته في جماعة الإخوان المسلمين عبر مراحل زمنية متعددة، اعتمدت الدراسة الحديثة على عدد من المقاربات، والنماذج النظرية المتعددة التي تتسم بتنوع أطروحاتها ومنهاجياتها، وتعالج مسألة التنظيمات المسلحة دون الدولة، ودورها في تقويض النظم السياسية للحلول محلها. كما اعتمدت الدراسة، في هذا السياق، على المقاربات التنظيمية: للمنظمات العسكرية، والمنظمات السرية، والعلاقات المدنية والعسكرية، والميليشيات الحزبية، والحركات الشمولية، والعنف السياسي، والحدود الهشة.
ويعرض الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “الروافد الفكرية وراء تأسيس النظام الخاص” أبرز الأفكار التي أثرت في نشأة هذا النظام وحملته على استخدام القوة؛ بينما يناقش الفصل الثالث المعنون بـ”المتغيرات المؤثرة في نشأة النظام الخاص” الأنساق الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي أثرت في اتجاه تشكيل ذراع شبه عسكرية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين؛ أما الفصل الرابع تحت عنوان “النظام الخاص.. الأهداف والوظائف والبيعة“، فيعالج طبيعة بيعة النظام الخاص والتزاماتها وأهداف هذا النظام ووظائفه.
وتُتابع الدراسة في فصلها الخامس المعنون بـ “مراحل تطور النظام الخاص” الحديث عن التطور الزمني لهذا النظام وأبرز محطاته التي شهدها في سياقاته الحركية منذ نشأته الأولى وصولاً إلى الوقت الحاضر؛ وتلقي الدراسة، في فصلها السادس الذي جاء تحت عنوان “فروع النظام الخاص“، الضوء على فروع التنظيم خارج مصر؛ أما الفصل السابع الذي يحمل عنوان “العلاقة بين النظام الخاص والجماعات الجهادية” فرصد التداخل بين الجماعة والتنظيمات الجهادية المعاصرة مع تبيان مستوى التوافق الاستراتيجي بينهما.
وتكشف الدراسة في فصلها الثامن والأخير – من خلال دراسة مقارنة – عن أوجه التشابه ونقاط الاختلاف بين النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين والحرس الثوري الإيراني.
نتائج الدراسة
خلصت الدراسة القيمة إلى نحو 22 نتيجة مهمة كان أبرزها أن النظام الخاص للجماعة يمثل الذراع العسكري لجماعة الإخوان المسلمين التي اعتمدت على مفهوم “البيعة” كثقافة تنظيمية، وسياسية، وعسكرية محورية لديمومة الولاء وتعزيز القوة والاستعداد لمواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف التنظيمية والاستراتيجية التي من أجلها تشكل، والمتمثلة في الحاكمية الإسلامية التي كانت أداة الجماعة في مواجهة خصومها السياسيين من خلال التورط في العديد من أعمال العنف التي استهدفت شخصيات سياسية وقيادات أمنية في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته.
وتؤكد الدراسة وجود تداخل بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الجهادية المعاصرة التي استقت أفكارها من مُنظِّر الجماعة سيد قطب، ما أحدث توافقاً استراتيجياً بين الجماعة وهذه التنظيمات في ما يتعلق باستخدام العنف واللجوء إلى القوة. كما تشير الدراسة إلى أن أهداف النظام الخاص في مصر تتقارب مع أهداف الحرس الثوري الإيراني، إذ يؤمنان معاً باستخدام القوة واستعمال أي وسيلة تمكنهما من تحقيق أهدافهما، وينطلقان من عقيدة دينية تستهدف العمل على تغيير النظم والسيطرة على الحكومات وصولاً إلى تشكيل الحكومة الإخوانية العالمية.
وتوضح الدراسة أن تجربة النظام الخاص في مصر شكلت مصدر إلهام للعديد من فروع جماعة الإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية التي لجأت إلى تأسيس كيانات عسكرية موازية له على غرار ما هو في سوريا، وليبيا، والسودان، والعراق، وفلسطين، واليمن، بهدف السيطرة على السلطة وفرض الحاكمية الإسلامية في هذه الدول والمنطقة. كما توصلت الدراسة إلى أنه رغم إعلان الجماعة حل النظام الخاص والتخلي عن العنف، فإن النظام السري كفكرة ما تزال قائمة وتمارس تأثيرها عسكرياً في مجالات الاقتصاد، والسياسة، والإعلام، والحشد، والتخطيط من خلال لجان الجماعة السرية التي تخطط للحفاظ على كيان الجماعة بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013.
سيناريوهات البقاء
تأسيساً على الفكرة التي انطلقت منها الدراسة، بأن النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين هو تنظيم شامل متعدد المهام، ولا يقتصر على الجانبين العسكري أو الأمني فقط، وإنما له مهام عديدة أخرى، سياسية واقتصادية وإعلامية، تشير الدراسة إلى سيناريوهات مستقبلية تتمثل في:
- السيناريو الأول: نهاية النظام الخاص وقد يكون في مصلحة جماعة الإخوان المسلمين في هذه المرحلة تأكيد ما سبق أن أعلنته بخصوص تخليها عن النظام الخاص واستخدام العنف لأهداف تتعلق ببقائها وتماسك هيكلها التنظيمي والإداري.
- السيناريو الثاني: الإبقاء على حالة الغموض التي تعتري النظام الخاص – كفكرة وحركة – استجابة لقطاع واسع من أنصار الجماعة الذين يؤمنون باستخدام القوة في مواجهة الضربات التي تعرضت لها الجماعة بعد الثلاثين من يونيو 2013؛ وهنا تشير الدراسة إلى أن هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً، لاعتبارات عديدة:
- أولها: الإبقاء يبقي على استخدام القوة – وإن كان ذلك بشكل غير معلن – باعتبارها أهم مرتكزات الجماعة في التمكين الشامل؛
- وثانيها: التوافق مع منهج الإخوان في العمل السري؛
- وثالثها: حل توفيقي بين التيارين المتصارعين داخل الجماعة.
- السيناريو الثالث: تتوقع الدراسة التحول إلى لجان نوعية سرية تمارس العنف، أو تدعم التنظيمات الإرهابية التي برزت على السطح في مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو 2013 وهذا ما لا تستبعد الدراسة احتمال توجه الجماعة إليه.
تؤكد نتائج الدراسة الثالثة – وما سبقها من نتائج وتوصيات في الدراستين الأولى والثانية – أن التفكير خارج الصندوق هو السمة التي تميز دراسات مركز “تريندز”، حيث كشفت الدراسات الثلاث في وقت قصير عن أوجه خفية للجماعة عجزت عن كشفها أكبر الكتب والمجلدات.