يمثل تغير المناخ أحد أكثر
التحدّيات إلحاحًا في عصرنا، إذ بات يتجاوز كل الحدود، ويؤثر في كل جانب من جوانب
الحياة على الكوكب، وها هي الظواهر الجوية الخطيرة تتسارع وتيرتها، ودرجات الحرارة
في ارتفاع متواصل، فضلًا عن التهديد الذي يلوح في الأفق للنظم البيئية، وكل هذه
المخاطر تتطلب إجراءات فورية ومنسقة لتأمين مستقبل مستدام للأجيال القادمة. وفي ظل
هذه التهديدات تصبح هناك حاجة مُلحة للتخفيف من آثار تغير المناخ، باستخدام كل
الوسائل والتقنيات الممكنة، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تشهد الآن
تطورًا غير مسبوق. وفي هذا السياق يبرز أمامنا اتجاهان: اتجاه يرى أن للذكاء
الاصطناعي دورًا مهمًا في مكافحة التغير المناخي، واتجاه آخر مخالف، يرى أن التوسع
في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يأتي بآثار سلبية على البيئة والمناخ.
وبناءً على ذلك، فإن هذه
الدراسة تشرع في استكشاف التطبيقات المتنوعة للذكاء الاصطناعي في مجال تغير المناخ،
من خلال التدقيق في الأبحاث والابتكارات والتطبيقات العملية الحالية، ساعيةً للكشف
عن الطرق العديدة التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم بها في هذه المهمة
العالمية، بدءًا من تحسين إنتاج الطاقة المتجددة وتعزيز نمذجة المناخ، وصولًا إلى
إحداث ثورة في الزراعة وتشكيل سياسة المناخ.
كما تتعمق الدراسة في
التحديات الأساسية والعقبات المحتملة التي تصاحب دمج الذكاء الاصطناعي في جهود
التخفيف من آثار تغير المناخ، إذ إن المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، وما يوصف
بالتحيز الخوارزمي واستهلاك الطاقة للذكاء الاصطناعي، كل ذلك يتطلب نهجًا مدروسًا
وأخلاقيًا لضمان الانتشار المستدام والمنصف للذكاء الاصطناعي في المبادرات
المتعلقة بالمناخ. ومن هنا، تعمل الدراسة على تسليط الضوء على حالة دولة الإمارات
العربية المتحدة، باعتبارها نموذجًا رائدًا في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في
مجال مكافحة التغير المناخي، في قطاعات عدة.
أولًا: تبعات استخدام
الذكاء الاصطناعي على تغير المناخ
إن استخدام الذكاء
الاصطناعي وتقنياته – بصفة عامة – يمثل عبئًا على البيئة والموارد الطبيعية، ويزيد
من الانبعاثات، سواء في مجال استخدام المياه في عمليات التبريد أو توليد الطاقة،
وكذلك في مجال استخدام المعادن في تصنيع المكونات الإلكترونية. ومن المتوقع أن استهلاك الطاقة داخل قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
سيتضاعف بمقدار أربع مرات بحلول عام 2030[1]، عمّا
كان عليه الاستهلاك التقديري لعام 2018، والذي تراوح بين “200 إلى 500 تيراواط”[2][3]،
ومع مضاعفة استخدام الإنترنت ووسائل الذكاء الاصطناعي سوف تزداد بالتبعية نسب
استهلاك الطاقة.
الجزء الأهم هنا هو ما
يتعلق باستخدام المياه، والتي يُعَدُّ توافرها وجودتها أمرًا بالغ الأهمية للصناعة
والزراعة، فضلًا عن أنه يمثل مصدر قلق عالمي متزايد، حيث تشير التوقعات إلى أن
الطلب على المياه سيرتفع بنسبة 55% بين عامي 2000 و2050، وذلك لأسباب عدة، من
بينها النمو في التصنيع بنسبة ارتفاع (+ 400%)، وفي عمليات توليد الطاقة الحرارية
بنسبة ارتفاع (+ 140%)، إلى جانب تزايد الاستخدام المنزلي بنسبة (+ 130%)[4].
وحول
استخدام المياه لدى الشركات التكنولوجية، تفيد الإحصائيات باستهلاك مليارات
الجالونات[5]،
فوفقًا لشركة جوجل في تقريرها السنوي لعام 2018، فقد أفصحت عن استهلاك نحو 15.8 مليار لتر من المياه،
مسجلة ارتفاعًا عن استهلاكها في عام 2017، والذي بلغ آنذاك 11.4 مليار لتر، الأمر كذلك مع شركة
مايكروسوفت، والتي أفصحت في عام 2018 عن
استهلاكها نحو 3.6 مليار لتر، مقابل 1.9 مليار لتر في عام 2017.
استهلاك المياه لدى شركتيْ جوجل ومايكروسوفت، بالمليار لتر
المصدر: مجلة “ Nature“[6]
ومن الجدير بالذكر أن استخدام
مراكز البيانات للمياه يأتي في اتجاهين: الأول يكون بطريقة غير مباشرة، وهو
الاستخدام في عمليات التبريد، والثاني بطريقة مباشرة ويتمثل في استخدام المياه في
توليد الكهرباء، أي “الطاقة الكهروحرارية التقليدية”. ووفقًا للإحصائيات
المتعلقة باستخدام المياه، فإن استخدام مراكز البيانات يزيد من الإجهاد المائي.
فعلى سبيل المثال، في عام 2015 بلغ استهلاك
الولايات المتحدة الأمريكية للمياه نحو 1218 مليار لتر يوميًا، في حين أن هذا
الاستهلاك في عام 2014 بلغ إجمالي 626 مليار لتر من استخدام المياه إلى مراكز
البيانات الأمريكية. وبصورة عامة، يُقدر استهلاك المياه في مركز بيانات متوسط
الحجم بما يعادل استهلاك ثلاثة مستشفيات متوسطة الحجم[7].
بغض النظر عن مسألة استهلاك المياه، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبحت تنافس البشر أيضًا في استخدامها للطاقة، فعلى سبيل المثال تشير بعض التقارير إلى أن استهلاك الكهرباء لشركة OpenAI في يناير 2023 – وهي الشركة المسؤولة عن تطبيق (ChatGPT) – يتساوى مع الاستهلاك السنوي لـ 175000 أسرة دنماركية، وذلك وفقًا للاستخدام الحالي للتطبيق. ومع زيادة استخدامه من الممكن توقع أن يرتفع استهلاك الشركة للكهرباء إلى مستوى استهلاك الملايين من البشر[8].
أمّا فيما يتعلق بإسهام الذكاء الاصطناعي في زيادة الانبعاثات، فهنالك ثلاث طرق أو عمليات يُسهم من خلالها الذكاء الاصطناعي في زيادة الانبعاثات، وهي: “الأجهزة المستخدمة، وكثافة الكربون لمصدر الطاقة، والطاقة المستهلكة لتدريب النموذج”.
من بين تلك العمليات، تُعَدُّ عملية تدريب النموذج هي العملية الأكثر إسهامًا في حدوث الانبعاثات، وهي عملية أساسية في تطوير نماذج التعليم الآلي، حيث يتم تقديم ملايين الأمثلة بالخوارزمية لإنشاء نماذج من شأنها التنبؤ بالمواقف. وأثناء اختبار حجم الانبعاثات من عملية التدريب، أجرى الباحث أليكس هيرنانديز “Alex Hernández“[9] دراسة تحلل استهلاك الطاقة على 95 نموذجًا – موزعة على 11 دولة، من بينها 48 نموذجًا في الولايات المتحدة، و18 نموذجًا في الصين، والنماذج الباقية موزعة على 9 دول. وجديرٌ بالذكر أن دراسة هيرنانديز قد توصلت إلى أن إجمالي انبعاثات الكربون للنماذج التي تم تحليلها في الدراسة يبلغ حوالي 253 طنًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل حوالي 100 رحلة جوية من لندن إلى سان فرانسيسكو أو من نيروبي إلى بكين. وينوه الباحث إلى وجوب عدم الاطمئنان إلى أن تلك النسبة قد تبدو قليلة شيئًا ما؛ إذ إن الزيادة في الانبعاثات في السنوات الأخيرة، من متوسط 487 طنًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون للنماذج من 2015- 2016 إلى متوسط 2020 طنًا للنماذج التي تم تدريبها في 2020- 2022، هذه الزيادة المذكورة تشير إلى أن الانبعاثات بصورة عامة في نماذج التدريب آخذة في الارتفاع. بالإضافة إلى ذلك تشير بعض الدراسات إلى أن 73% من مراكز البيانات في الصين[10] يتم تشغيلها بواسطة محطات طاقة تعمل بالفحم في الصين، وقد تسبّبت في انبعاث ما لا يقل عن 100 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2018.
وهناك أمثلة عديدة على استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجالات تزيد من الانبعاثات، ومن بينها استكشاف واستخراج النفط والغاز، حيث تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الوقود الأحفوري. وأشارت بعض التقارير إلى أن هناك شركات نفط تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحديد مواقع الاستخراج وتحسين خطوط الأنابيب لتوسيع قدرات نقل الوقود الأحفوري وتخزينه، وتحسين عمليات التكرير، وتسهيل تسويق وبيع المنتجات المشتقة من الوقود الأحفوري، مع توقع بأن تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في توليد نحو 425 مليار دولار أمريكي[11] من القيمة لقطاع النفط والغاز بحلول عام 2025، ومن ثم يكون لها تأثير مباشر على زيادة الانبعاثات، وزيادة القدرة التنافسية لتقنيات الوقود الأحفوري، وإبطاء الانتقال إلى التقنيات منخفضة الكربون[12].
على الرغم من الآثار
السلبية التي قد يسببها الذكاء الاصطناعي في مسألة تغير المناخ، فإن ثمة مؤشرات
تُدلل على إمكانية استغلاله في مكافحة آثار التغير المناخي. ولعل ما يُعزز هذا
الطرح هو الاستطلاع الذي أجراه مركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث تم طرح سؤال
رئيسي كان مُفاده: “هـل تعتقد أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على الإسهام
بشكل كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ؟”. وأظهرت الإجابات أن هناك اختلافات
واضحة حول مسألة إسهام الذكاء الاصطناعي في مكافحة تغير المناخ، وتأثيره السلبي
على تغير المناخ، حيث يعتقد (43%) من الخبراء أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على
الإسهام بشكل كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ، مقابل (51%) يعتقدون بأنه يُسهم
في ذلك إلى حَدٍّ ما.
ومن هنا فإن إسهام الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة التغير
المناخي يمكن أن يتحقق من خلال[13]:
·
تحليل وتحويل البيانات
الخام إلى معلومات قابلة للتنفيذ: فمن خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن تحديد
المعلومات المفيدة في إطار البيانات الضخمة غير المهيكلة، مما يوفر المزيد من
الجهد البشري، ومن الأمثلة على ذلك استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل صور
الأقمار الصناعية والبيانات الضخمة الواردة من أجهزة الاستشعار والنماذج المناخية؛
من أجل تقديم تنبؤات دقيقة ورؤًى حول اتجاهات المناخ وأحداث الطقس الخطيرة
والتغيرات البيئية. كما يُسهم في تحديد عمليات إزالة الغابات أو المناطق الأكثر
عرضة لمخاطر المناخ، وغيرها من الحالات. وكل هذا بالطبع يساعد العلماء وواضعي
السياسات على اتخاذ قرارات مستنيرة وتطوير استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذا
التحدي.
·
التنبؤات وتحسين التوقعات:
هنالك
العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تمثل نماذج تنبؤ مستقبلي، أو على أقل
تقدير توفر معلومات تُسهم في تحسين التنبؤ بالمستقبل. ومن الأمثلة على ذلك إسهام
الذكاء الاصطناعي في التوقعات بشأن توليد الطاقة الشمسية، أو الإسهام في تحقيق
الأمن الغذائي من خلال التنبؤ بالإنتاجية الزراعية في ظل حالات الطقس المتطرف. ومن
الأمثلة الواقعية على ذلك أيضًا ما تقوم به منظمة “Open Climate Fix5“،
من خلال تطوير نماذج التنبؤ الآنيّ مفتوحة المصدر، والتي تحدد الغطاء السحابي في
صور الأقمار الصناعية، وتجمع ذلك مع بيانات الطقس والمواقع الأخرى، من أجل التنبؤ
بشكل أكثر دقة بالطاقة الشمسية قبل بضع ساعات. على سبيل المثال قامت وزارة الطاقة
الأمريكية بالتعاون مع المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي بتطوير تنبؤات احتمالية
للطاقة الشمسية متعددة النطاقات الزمنية تصل إلى 72 ساعة مقدمًا[15].
وفي هذا الصدد تم طرح سؤال آخر في استطلاع مركز تريندز كان مُفاده: “ما مدى ثقتك بقدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ الدقيق بأنماط المناخ والتغيرات ونمذجتها؟”. وأسفرت النتائج عن أن 30% يثقون بشكل كبير بقدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ الدقيق بأنماط المناخ والتغيرات ونمذجتها، و58% لديهم ثقة متوسطة، و12% فقط لديهم ثقة قليلة.
· المحاكاة والاكتشافات العلمية: يُسهم الذكاء الاصطناعي في تسريع الاكتشافات العلمية، وذلك من خلال تحليل مجموعات البيانات المعقدة ومحاكاة التجارب، والربط ما بين قيود الفيزياء وما يتم الاستفادة منه من البيانات المتاحة، وهذا ما نشهده في محاكاة نماذج المناخ والطقس؛ مما يجعلها أكثر قابلية للتتبع، فضلًا عن اقتراحه بعض المواد أو العوامل التي من شأنها تحسين وتسريع أداء التجارب العلمية.
وبالحديث عن القطاعات بشكل معمق؛ فسوف نرى أن الذكاء الاصطناعي يتم استخدامه بطُرُق يمكن أن تُسهم في مكافحة التغير المناخي، وذلك على النحو الآتي:
·
البناء
والتخطيط: حيث تُسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في زيادة كفاءة
استخدام الطاقة في المباني والبيئات الحضرية، فمن ناحية يُسهم الذكاء الاصطناعي في
تحسين وظائف البناء، مثل التدفئة والإضاءة للحفاظ على الطاقة، فضلًا عن الإسهام في
التخلص من النفايات بصورة تعزز فرص تقليل انبعاثات الميثان المرتبطة بتلك العملية.
فمن خلال تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار الخاصة، يحدد الذكاء الاصطناعي
الأنماط وأوجه القصور، مما يسمح بتحكم أفضل في استخدام الطاقة وتقليل الانبعاثات
غير الضرورية.
·
القطاع
الزراعي: حيث تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا فعالًا في
المجال الزراعي، ففي حالات عديدة يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في ابتكار وعمل
الآليات التي من شأنها الإسهام في تنوع المحاصيل؛ الأمر الذي يُسهم بدوره في زيادة
الكفاءة، وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالمواد الكيميائية
الزراعية واستخدام الأراضي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي يُسهم أيضًا في تحقيق الأمن
الغذائي من خلال التنبؤ بالإنتاجية الزراعية في ظل حالات الطقس القاسي ومواجهة الجفاف. وهناك دور يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في الحراجة
الزراعية، فعلى سبيل المثال يمكن للذكاء الاصطناعي تسهيل ممارسات الاستخدام
المسؤول للأراضي بما يُسهم في توفير حلول للعزل الكربوني بعدة طرق، ومن بينها إسهام
صور الأقمار الصناعية في تقدير مخزون الكربون، وكذلك استخدام الدرونز في عملية
التشجير وتسريعها، بالإضافة إلى التنبؤ بالحرائق وانتشارها. كما تؤدي تقنيات
الزراعة الدقيقة التي تم تمكينها بواسطة الذكاء الاصطناعي إلى تقليل استخدام
الأسمدة ومبيدات الآفات، وتقليل الانبعاثات المرتبطة بإنتاجها واستخدامها؛ وهذا
كله يخدم البيئة ويحميها.
· مجالات النقل: حيث تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على إزالة أو تقليل انبعاثات الكربون من وسائل النقل بطرق ووسائل عدة. ومن بين هذه الطرق، استخدام الذكاء الاصطناعي في وسائل النقل ذاتية القيادة، خاصة الحافلات، وتحديد أي الخيارات ذات الانبعاثات الأقل، وطرحها كخيارات للاستخدام، فضلًا عن إسهامه في تصميم البطاريات وأنواع الوقود من الجيل الثاني.
·
المجال
الصناعي: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التصنيع يسهم بصورة
كبيرة في الوقت الحالي في تقليل الانبعاثات، من خلال تحسينه للعمليات عبر توفير
وتقليل استخدام الطاقة. فضلًا عن إسهامها في تقليل الانبعاثات المتعلقة بعملية
التعدين، من خلال إعادة التدوير والفرز للنفايات من المواد ذات الاستهلاك العالي
للكهرباء، كما هو الشأن في الفولاذ والألومنيوم، بالإضافة إلى الإسهام في تقليل
تسرب غازات الدفيئة، ومنها غاز الميثان. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في اكتشاف
مواد مثل المحفزات، والتي من شأنها تحسين القدرة على تقليل الطاقة المستخدمة في
العمليات الكيميائية.
·
أنظمة
الكهرباء: تدخل تقنيات الذكاء الاصطناعي في العديد من التطبيقات
المتعلقة بأنظمة الكهرباء، والتي تُسهم بدورها في توفير فرصة لخفض الانبعاثات
الناجمة عن هذه الأنظمة. ومن تلك التطبيقات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في
تحقيق التوزان بين شبكات الطاقة بكفاءة، وتوفير فرصة لتكامل كميات كبيرة من مصادر
الطاقة المتجددة، فضلًا عن توفير معلومات حول حالات العرض والطلب على الطاقة
الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، فثمة استخدام لتلك التقنيات في تحسين
عمل مولدات الطاقة المتجددة وتسريع عمليات اكتشافاتها، إلى جانب الكشف والتحديد
لعمليات تسريب غاز الميثان في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.
·
التنوع
البيولوجي والنظام البيئي: يساعدنا الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على النظام
البيئي، من خلال تداخل تقنياته في أجهزة الاستشعار المستخدمة لرصد الحياة البرية،
وأجهزة الاستشعار عن بُعْد التي تعمل على تقييم تغيُّر النظام البيئي بصورة عامة،
وكذلك أنظمة التعرف المستخدمة في عملية تحديد الأنواع من البيانات المرئية أو
الصوتية، بالإضافة إلى استخدامه في تحليل قواعد البيانات العلمية للبشر.
·
عملية
التكيف الاجتماعي: تُسهم تقنيات الذكاء
الاصطناعي في التخفيف من آثار التغير المناخي على المجتمعات، فهي تُسهم من ناحية
في تحديد المواقع والأماكن الأكثر عرضة للخطر، وتستهدف تحسين البنية التحتية، بالإضافة
إلى توفير فرصة تنبؤية للصيانة الدورية للأعطال، إلى جانب إدخال تحسينات
على نماذج الصحة العامة، وتوفير فرص استجابة للأوبئة الناتجة عن التغير المناخي،
فضلًا عن مساعدة تلك التقنيات في أوقات الكوارث الطبيعية، من خلال توفير خرائط من
شأنها توجيه جهود الإغاثة، وتحديد أكثر المناطق تضرُّرًا، والأفراد المتضررين
والمعرضين للمخاطر.
·
الأسواق والتمويل: يساعدنا
الذكاء الاصطناعي في قياس المخاطر المتعلقة بالمناخ، وتحليل بيانات وإفصاحات
الشركات المرتبطة بالمناخ، ويعمل على توفير بيانات حول مخزون الكربون للإبلاغ عن
الأسعار، فضلًا عن التنبؤ بالأسعار، وتحليل العوامل التي تحرك هذه الأسعار، إلى
جانب تحليل ونمذجة أنماط السلوك لتصميم الأسواق بما يتماشى مع التغير المناخي.
·
علم
وسياسة المناخ: توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي فرصة لتطوير نماذج المناخ والطقس
وأنظمة الأرض الأخرى، وتساعد في توفير بيانات لتلك النماذج، من خلال أجهزة
الاستشعار عن بُعْد، أو من خلال الإسهام في استنتاج بعض الخصائص – مثل الغطاء
الجليدي – من البيانات الأولية مثل صور الأقمار الصناعية، فضلًا عن عمليات
المحاكاة الفيزيائية عبر هذه النماذج، والتي من شأنها أن تُسَرِّع تلك العمليات
عشرات المرات أكثر ممّا يستطيعه التدخل البشري، وتوفر فرصًا لنجاحها بصورة أكثر
دقة. ومن خلال ما يوفره الذكاء الاصطناعي من بيانات، والسرعة والدقة في تحليلها،
فإنه يُسهم في عملية اتخاذ قرارات السياسة المناخية لدى صناع القرار، كما يساعد في
بناء وطرح سياسات فعالة في مواجهة التغير المناخي.
وحول إسهامات الذكاء
الاصطناعي في تلك القطاعات، ومن خلال استطلاع رأي مركز تريندز، وسؤاله للخبراء عن
ماهية مجالات تغير المناخ التي يمكن أن تستفيد أكثر من تقنيات الذكاء الاصطناعي
(مثل: الطاقة المتجددة، والزراعة المستدامة، وإدارة الشبكات الذكية)، وبناءً على
إجابات السؤال: “ما هي أهم المجالات التي يمكن أن تستفيد أكثر من تقنيات
الذكاء الاصطناعي في تغير المناخ؟”، أظهرت النتائج أن أكثر من الخُمس بقليل
(22%) يرون أن أهم هذه المجالات تتمثل في إدارة الطاقة وتحسينها، و(18%) يرونها في
النمذجة والتنبؤ بالمناخ، بينما يراها (17%) في المدن الذكية والنقل.
ثالثا: توظيف دولة الإمارات
الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في مكافحة التغير المناخي
تُعَدُّ
دولة الإمارات من أوائل دول المنطقة التي واكبت الاهتمام العالمي بالعمل المناخي، حيث
شاركت في معظم الاجتماعات التحضيرية التي قادت في نهاية المطاف إلى توقيع اتفاقية
الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992، وصادقت عليها بعد عام من
دخولها حيز التنفيذ، أي في عام 1995، كما صادقت الدولة على بروتوكول
“كيوتو” في عام 2004. وكانت الإمارات الدولة الأولى في المنطقة التي تصادق على «اتفاق
باريس 2015»، وقد تمت تلك المصادقة في عام 2016[16].
على
المستوى الداخلي المؤسسي، في شهر مايو 2009، استحدثت دولة الإمارات وحدة “إدارة تغير المناخ”، وهي
وحدة تنظيمية في الهيكل التنظيمي لوزارة البيئة والمياه، كما استحدثت وحدة “إدارة
التغير المناخي وشؤون الطاقة” في وزارة الخارجية، وهي وحدة كان مهمتها
الاهتمام بملف التغير المناخي على المستويين الإقليمي والعالمي، وفي عام 2016 عدَّلت دولة الإمارات اسم
“وزارة البيئة والمياه” إلى “وزارة التغير المناخي والبيئة”[17].
فضلًا
عن ذلك، قامت دولة الإمارات بتشكيل مجموعة من اللجان، واتخاذ مجموعة من التدابير
ذات الصلة باتفاقية باريس وبروتوكول كيوتو، ومنها تشكيل اللجنة الوطنية الدائمة
العليا لآلية التنمية النظيفة[18]،
وذلك بناء على قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (11) لعام 2004، وكذلك تشكيل “اللجنة
الوطنية الدائمة لإعداد البلاغ الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة”،
والتي تم تشكيلها استنادًا لقرار مجلس الوزراء رقم (114/1) لسنة 2005، وتشكيل
اللجنة التنفيذية لآلية التنمية النظيفة التي تتولى التأكد من أن مشاريع آلية
التنمية النظيفة تؤدي إلى نقل التكنولوجيا والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة في
الدولة[19]،
وتشكيل اللجنة الوطنية لتغير المناخ بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 23 لسنة 2010 “[20].
وخلال
السنوات الأخيرة، برزت دولة الإمارات كقوة رائدة في الكفاح العالمي ضد تغير
المناخ، وتسخير القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي، من أجل تمهيد الطريق نحو مستقبل
مستدام. ومن خلال التزامها الراسخ بالإشراف البيئي والابتكار التكنولوجي، قامت
دولة الإمارات بدمج الذكاء الاصطناعي استراتيجيًا في مبادراتها المتعلقة بتغير
المناخ، مما أحدث ثورة في الطريقة التي تتعامل بها مع التحديات البيئية الملحة؛ من
خلال الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد، وتعزيز أنظمة
الطاقة المتجددة، ودفع عملية صنع القرار. ومن هنا فإن دولة الإمارات العربية
المتحدة تقف في طليعة الدول التي تستخدم أحدث التقنيات لمكافحة تغير المناخ،
وتأمين كوكب أكثر خضرة ومرونة للأجيال القادمة.
وقد
أدركت دولة الإمارات إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز التنمية المستدامة، وكانت
سباقة في إدخال تطبيقاته في العديد من القطاعات التي تُسهم في تعزيز جهود العمل
المناخي ومكافحة التغيرات المناخية، ومن النماذج على هذه التطبيقات:
·
مبادرة
البصمة البيئية:
وهي مبادرة أطلقتها دولة الإمارات في
عام 2007، بشراكة بين كل من “وزارة التغير المناخي والبيئة، وهيئة البيئة في
أبوظبي، وجمعية الإمارات للحياة الفطرية، والشبكة العالمية للبصمة البيئية”؛
وذلك لدعم تحقيق استراتيجية الحياد المناخي، ولتخفيض البصمة البيئية بطريقة علمية.
ويُذكر أن الحكومة الإماراتية كانت قد وقعت اتفاقية مع الشبكة الدولية للبصمة
البيئية لخفض البصمة الكربونية للفرد والدولة؛ وبذلك تعتبر دولة الإمارات هي ثالث
دولة على مستوى العالم توقع على مثل هذه الاتفاقية بعد دولتيْ سويسرا واليابان. وهي مبادرة
من العديد من المبادرات التي أطلقتها الدولة في مواجهة تحدي تغيُّر المناخ، من
خلال الاعتماد على أفضل الممارسات والتقنيات المستخدمة في مراقبة التأثيرات
المجتمعية على البيئة[21].
وجاءت هذه المبادرة على ثلاث مراحل، لكل منها إطار زمني مُدَّتُه ثلاث سنوات، وتشمل التعريف بمفهوم البصمة البيئية لدى واضعي السياسات وصناع القرار وأفراد المجتمع، وإدماجه في وضع السياسات واتخاذ القرار، ووضع آليات ونماذج متطورة لجمع ومراجعة وتدقيق البيانات ذات الصلة بحسابات البصمة البيئية، وتوفيرها على المستويين المحلي والعالمي، فضلًا عن تطوير أداة نمذجة علمية لتقييم كيفية تأثير سياسات معالجة العرض والطلب في مجال الطاقة والمياه على الانبعاثات الكربونية، وتطوير معايير وسياسة عامة لاستخدام الطاقة بكفاءة في الإنارة، وكذلك تطوير معايير وسياسة عامة لقطاع النقل. وقد نجحت المبادرة بصورة كبيرة في خفض معدلات البصمة البيئية للفرد داخل دولة الإمارات، من 12 هكتارًا عالميًا في عام 2006 إلى أقل من 8.9 هكتارات للفرد في عام 2021 [22].
·
أنظمة
الشبكة الذكية[23]:
أطلقت
إمارة دبي نظام استعادة الشبكة الذكية الآلي، بوصفه النظام الأول في المنطقة؛ بهدف
إدارة ومراقبة شبكة الطاقة عن بُعْد، دون تدخل بشري، باستثمارات إجمالية تبلغ سبعة
مليارات درهم إماراتي، وهذا النظام الآلي من شأنه أن يوفر فرصًا للمراقبة في الوقت
الفعلي، وموازنة الأحمال، وإدارة الطلب. ويعتمد هذا النظام على أنظمة مركزية ذكية ومبتكرة
لتحديد موقع العطل في شبكة الطاقة، وعزله، وإعادة الخدمة تلقائيًا، حيث تقوم
خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل البيانات لتحسين توزيع الطاقة وتقليل الفاقد
وتقليل البصمة الكربونية.
ومن
خلال الاستخدام الأمثل لهذه الشبكة نجحت دبي في تحقيق رقم عالمي جديد في متوسط
انقطاع الكهرباء لكل مشترك، مسجلة متوسط 1.43 دقيقة انقطاع لكل مشترك، مقارنة مع
15 دقيقة لدى نخبة من شركات الكهرباء في دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تقليل
نسبة الفاقد في شبكات نقل وتوزيع الكهرباء في دبي إلى 3.3%، مقارنة مع 6-7% في
أوروبا والولايات المتحدة.
·
تكنولوجيا
الاستمطار[24]:
منذ
تسعينيات القرن الماضي، بدأ تعاون دولة الإمارات مع وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”،
لمحاولة زيادة نسب هطول الأمطار مع زيادة مخزون المياه الجوفية، ولعل الدافع وراء
هذا الاهتمام بتكنولوجيا الاستمطار هو انخفاض تكلفتها مقارنة بغيرها من الخيارات،
فضلًا عن ضعف تأثيرها على المناخ على المدى الطويل، وذلك نظرًا لاعتماد الإمارات
على الأملاح الطبيعية مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم في عمليات الاستمطار.
وتعتمد
دولة الإمارات على 74 محطة رصد أرضية موزعة في أنحاء متفرقة من الدولة، إلى جانب شبكة
رادارات جوية ثابتة ومتحركة، بهدف رصد كل ما يرتبط بالظاهرة: مثل درجة الحرارة
الجافة، والندى، والضغط الجوي، وسرعة الرياح، واتجاهها، إلى غير ذلك. في هذا
الإطار أيضًا اهتمت الدولة بإيجاد طرق لجمع مياه الاستمطار بدلًا من تبخرها أو
انجرافها إلى البحر، فتم تشييد عدد من السدود لتخزين المياه التي تتدفق في الوديان
بعد سقوط الأمطار. ولمزيد من التشجيع في هذا الصدد، أطلقت الدولة برنامج
“الإمارات لبحوث علوم الاستمطار”، الذي يشرف عليه “المركز الوطني
للأرصاد الجوية والزلازل”؛ بهدف الإسهام في تطوير علوم الاستمطار.
·
احتجاز
الكربون وتخزينه:
عن
طريق استخدام الذكاء الاصطناعي، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط على
استكشاف تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، بغرض تعزيز كفاءة احتجاز ثاني أكسيد
الكربون وتخزينه، واستكشاف طرق جديدة لعزله. ففي أغسطس 2022 أعلنت دولة الإمارات عن افتتاح أول مقر
إقليمي للمعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه في مدينة مصدر[25].
ومن المعروف أن عملية احتجاز الكربون هي “عملية يتم فيها فصل (التقاط) تيار
نقي نسبيًا من ثاني أكسيد الكربون (CO 2) من المصادر الصناعية والمتعلقة بالطاقة، وتكييفه، وضغطه، ونقله إلى موقع
تخزين لعزله من الجو بشكل طويل الأجل”. وهناك طريقتان تُستخدمان في عملية
احتجاز الكربون: الأولى احتجاز الكربون وتخزينه (CCS)، والثانية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه ((CCUS، والفارق بينهما يتمثل في كون
الأولى تتمثل في تخزين الكربون في باطن الأرض بعد التقاطه، أمّا الثانية فتتم عبر التقاط
الكربون وإعادة تدويره للاستخدام في منتجات أخرى[26].
ومن الأمور التي تزيد من أهمية استخدام دولة الإمارات لتلك التقنية، أن منطقة
الخليج لديها خزانات جيولوجية تتسع لملايين الأطنان من انبعاثات الكربون لمدة 150
عامًا[27].
ومن
الأمثلة على تبني دولة الإمارات تلك التقنية، أن شركة سوميتومو اليابانية كشفت عن دراستها
مشروعًا مشتركًا مع مؤسسة نفط الشارقة الوطنية لاستخلاص الكربون وتخزينه بحقل غاز
متقادم في الإمارات، وكذلك إنجاز شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك”
عمليات حفر أول بئر في العالم لحقن ثاني أكسيد الكربون واحتجازه في طبقة المياه
المالحة الجوفية[28].
·
الأمن
الغذائي:
تعتني
الحكومة الإماراتية والسلطات في مختلف أنحاء دولة الإمارات باستخدام أبرز التقنيات
والتكنولوجيا الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعي لتعظيم عوائد الإنتاج وضمان كفاءته
وسلامته، معتمدة في ذلك على أحدث تقنيات الزراعة وتقديم الدعم للمزارعين. ومن بين
تلك التقنيات والوسائل:
–
الزراعة
العمودية: وهي عبارة عن “نظم إنتاج محاصيل تعتمد على استخدام
تكنولوجيا متطورة، بحيث تكون كافة الممارسات الزراعية مؤتمتة من حيث الري والإضاءة
وعمليات التسميد، بما في ذلك عملية الحصاد، وبما يُسهم في تحقيق الاستخدام الأمثل
للموارد الطبيعية والطاقة ومدخلات الإنتاج، وإنتاج محاصيل طازجة ذات جودة وإنتاجية
عالية وعلى مدار السنة”. وقد افتتحت دولة الإمارات في فبراير 2023 مزرعة
“آيروفارمز AgX“،
بوصفها أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبوظبي، حيث تأتي على
مساحة 65 ألف قدم مربعة، بهدف الإسهام في تطوير الزراعة البيئية المستدامة. وتعمل
مزرعة “آيروفارمز AgX” على إجراء
الأبحاث العلمية والتطوير في قطاع الزراعة، وتطوير الجيل التالي من تقنيات وحلول
الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية، وذلك بدعم من مكتب أبوظبي
للاستثمار[29].
–
الزراعة
المائية: هي أحد أساليب الزراعة الحديثة التي لا تعتمد على
التربة بصورة رئيسية، بل يتم الاستغناء عنها أو استخدام كميات ضئيلة منها، مقابل
المياه التي تحتوي على مغذيات تُسهم في نمو النباتات، مع توفيرها نحو 70% من المياه التي يتم استهلاكها
في أنماط الزراعة العادية. وهناك نوعان من الزراعة المائية كلاهما يطبق في
الإمارات[30]:
الأول الهيدروبونيك، أو الزراعة المائية التقليدية، حيث يتم فيها زراعة النبتة في
وسط مائي دون تربة، ويتم تغذيتها من خلال محاليل معدنية طبيعية أو كيميائية،
والثاني الأكوابونيك، أو الزراعة المائية المزدوجة، ويتم فيها زراعة النبتة في وسط
مائي، ويتم تغذيتها من فضلات الأسماك. وقد تبنت دولة الإمارات هذا النوع منذ عام 2009، ووفقًا لإحصاءات وزارة التغير
المناخي والبيئة في 2021، بلغ عدد المزارع التي تعمل بهذا النمط في دولة الإمارات أكثر
من 177 مزرعة، وتقع النسبة الغالبة منها في أبوظبي[31].
– برامج عديدة معتمدة على الذكاء الاصطناعي: أطلقت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية أكثر من برنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ومن بينها الهاكاثون الزراعي، وكذلك برنامج «الأجريثون»، وهو “برنامج شارك فيه عدد من الجامعات، ومنها: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وجامعة خليفة، والجامعة الأمريكية في الشارقة، وجامعة الإمارات العربية المتحدة. ويُعَدُّ أول برنامج تَحَدٍّ للذكاء الاصطناعي في إمارة أبوظبي، والهدف منه وضع حلول للتحديات التي تواجه القطاع الزراعي والغذائي. ومن أهم هذه المخاطر التحديات الخاصة بالأمن الحيوي والأمن الغذائي”، فضلًا عن مواكبة وتطوير جدول أعمال للذكاء الاصطناعي الخاص بالاستدامة الزراعية والأمن الغذائي والأمن الحيوي والسلامة الغذائية، بالإضافة إلى تطوير وتطبيق خوارزمية ذكية من شأنها استئصال مرض طاعون المجترات الصغيرة الذي يصيب الضأن والماعز؛ وذلك بهدف تعزيز مناعة الثروة الحيوانية[32].
·
قياس
وترشيد استهلاك الطاقة والموارد: تعتمد دولة
الإمارات على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في قياس وترشيد استهلاك الأفراد والأسر
للطاقة، ومن بين تلك النماذج :
–
التحكم
الذكي في التوربينات الغازية: وهو برنامج أطلقته هيئة
كهرباء ومياه دبي، وهو عبارة عن مزج ما بين “علوم الديناميكا الحرارية”،
وتقنيات “التوأمة الرقمية”، و”الذكاء الاصطناعي”، و”تعلم
الآلة”؛ وذلك من أجل التحكم الذاتي في التوربينات الغازية في المحطة
“إم” في جبل علي، والتي تُعَدُّ أكبر محطة لإنتاج الطاقة وتحلية المياه
في دولة الإمارات”. ويساعد هذا النظام على رفع كفاءة التوربينات وزيادة
قدرتها الإنتاجية، والحد من الانبعاثات الضارة، وذلك من خلال تقليل استهلاك
الوقود.
–
التوزيع الذكي للمياه: حيث تعتمد دولة
الإمارات على الذكاء الاصطناعي في تعزيز مراقبة وإدارة شبكة توزيع المياه، بالاعتماد
على أنظمة مركزية للمراقبة والتحكم عن بُعْد، بالإضافة إلى أنظمة إدارة هيدروليكية
متطورة، مما يُسهم في الاكتشاف السريع عن بُعْد للأعطال، ومن الأمثلة التطبيقية على
ذلك نظام (اسكادا) بهيئة كهرباء ومياه دبي[33].
– الإشعار بالاستهلاك المرتفع للمياه: حيث تعتمد دولة الإمارات على تقنيات من شأنها الكشف عن أي تسريبات في توصيلات المياه، وإرسال رسائل آنية للمتعاملين في حال اكتشاف التسريب، وذلك من خلال العدادات الذكية التي تسجل ارتفاعًا غير معتاد في نسب الاستهلاك[34].
·
تعزيز جودة الهواء: يمثل تلوث الهواء أحد أبرز القضايا
الرئيسية عالميًا، فوفقًا للأمم المتحدة يموت نحو 6.5 ملايين شخص كل عام من جراء
التعرض لتلوث الهواء الخارجي والداخلي، ومن ثم وضعت دولة الإمارات مسألة جودة
الهواء على رأس أولويات الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021، والتي كانت تستهدف
رفع معدل جودة الهواء من مستواها الذي كانت عليه، إلى 90% في عام 2021[35].
وفي هذا الصدد أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة ضمن تطبيقها الذكي مؤشر “جودة هواء الإمارات”؛ بهدف فحص نوعية الهواء ورصد جودته بشكل آني ولحظي من خلال الأقمار الصناعية، من خلال توظيف التقنيات المبتكرة والحديثة في عمليات الرصد الحيّ والفوري لجودة الهواء، وكذلك عرض التنبؤات لحالة جودة الهواء لفترة تصل إلى ثلاثة أيام متتالية،ويتحقق ذلك من خلال خوارزميات تم تطويرها بهدف التنبؤ بجودة الهواء والمواد الجُسيمية ذات القُطر الأقل من 2.5 ميكرون. ويستند حساب المؤشر على قياس خمسة ملوثات رئيسية (ثاني أكسيد النيتروجين (NO2)، أول أكسيد الكربون ( CO)، الأوزون الأرضي (O3)، ثاني أكسيد الكبريت (SO2)، الجُسيمات بقُطر أقل من 10 ميكرون PM10)[36].
· مؤشر التحول التكنولوجي الصناعي: هو مؤشر اعتمدته وزارة “الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة” خلال القمة العالمية للحكومات التي انعقدت في فبراير عام 2023، ويهدف هذا المؤشر إلى قياس النضج الرقمي في المصانع، وممارساتها المستدامة؛ من أجل صياغة خارطة طريق وطنية للتحول التكنولوجي الشامل في القطاع الصناعي، الأمر الذي من شأنه دعم مستهدفات الدولة لتمكين القطاع الصناعي، ومواكبة توجهات الاستدامة والحياد المناخي، ودفع منظومة التصنيع بالدولة أكثر نحو الذكاء والاستدامة[37].
وهناك
العديد من العوامل الأخرى التي تدفع دولة الإمارات إلى توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
في مكافحة التغيُّر المناخي، والتي من بينها الإسهام في تحقيق أهداف التنمية
المستدامة والحياد المناخي، والتأكيد على دور الدولة في الاندماج مع التوجه
العالمي نحو خفض الانبعاثات، إلى جانب خلق فرص اقتصادية جديدة[38].
الخاتمة
ألقت
هذه الدراسة الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في مكافحة تغيُّر
المناخ من جهة، ومن جهة أخرى تعرضت إلى السلبيات التي يمكن أن يؤثر بها الذكاء
الاصطناعي على المناخ. كما تطرقت الدراسة إلى حالة دولة الإمارات في هذا الصدد،
ونجاحها في مجالات توظيفها للذكاء الاصطناعي. وأكدت الدراسة على الإمكانات
التحويلية للذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.
وبالرغم
من كثرة الإيجابيات، فإن من الضروري الاعتراف بأن هناك تحدّيات ترتبط بتبني تقنيات
الذكاء الاصطناعي، والتي تمثل عبئًا على البيئة والموارد الطبيعية، وتتسبّب في
المزيد من الانبعاثات، سواء في مجال استخدام المياه في عمليات التبريد أو توليد
الطاقة، وكذلك في مجال استخدام المعادن في تصنيع المكونات الإلكترونية، حيث تُعتبر معالجة هذه القضايا أمرًا بالغ الأهمية لبناء ثقة الجمهور،
وتعزيز الاستدامة طويلة الأجل لمبادرات المناخ التي يحركها الذكاء الاصطناعي.
كما
برهنت النتائج على النهج الاستباقي الذي تنتهجه دولة الإمارات في الاستفادة من تقنيات
الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق نتائج ملموسة وإيجابية، فيما يتعلق بتحسين استهلاك
الطاقة في البنية التحتية، وتعزيز دقة التنبؤ بالمناخ، حيث أثبت الذكاء الاصطناعي
قدرته على الإسهام بشكل كبير في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ في الدولة.
وفي
نهاية المطاف، تؤكد الدراسة على أن تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي ليس أمرًا
حيويًا لدولة الإمارات فحسب، بل يمكن أن يكون بمثابة منارة للأمل للعمل المناخي العالمي،
ويُسهم في تسريع عملية الانتقال إلى عالم أكثر اخضرارًا واستدامة للأجيال القادمة.
المراجع
[1] Andrae, Anders SG, and Tomas Edler.
“On global electricity usage of communication technology: trends to
2030.” Challenges 6, no. 1 (2015): 117-157.
[2] Masanet,
Eric, Arman Shehabi, Nuoa Lei, Sarah Smith, and Jonathan Koomey.
“Recalibrating global data center energy-use estimates.” Science 367,
no. 6481 (2020): 984-986.
[3] Bashroush, R. & Lawrence, A.
Beyond PUE: tackling IT’s wasted terawatts. Tech. Rep. UII-34, Uptime Institute, Available at: https://uptimeinstitute.com/beyond-pue-tackling-it%E2%80%99s-wasted-terawatts
[4] OECD.
OECD Environmental Outlook to 2050, OECD Publishing, 2012, Available at:
https://www.oecd-ilibrary.org/environment/oecd-environmental-outlook-to-2050_9789264122246-en
[5]Mytton, D.
Data centre water consumption. npj Clean Water 4, 11 (2021), Available at:
[6]Mytton, D.
Op.Cit
[7]
ibid · op. cit.
[8] MANUEL G.
PASCUAL. The dirty secret of artificial intelligence, El País, Spanish-language
daily newspaper, MAR 23, 2023, Available at:
https://english.elpais.com/science-tech/2023-03-23/the-dirty-secret-of-artificial-intelligence.html
[9] ALEXANDRA
SASHA LUCCIONI, and ALEX HERNANDEZ-GARCIA. Counting Carbon: A Survey of Factors
Influencing the Emissions of Machine Learning, 2023, Available at:
[10] MANUEL G.
PASCUAL. Op.Cit
[11] LYNN H.
KAACK, PRIYA L. DONTI, EMMA STRUBELL, DAVID ROLNICK. Artificial Intelligence
and Climate Change Opportunities, considerations, and policy levers to align AI
with climate change goals, by Heinrich-Böll-Stiftung, December 2020, Available at:
[12]
Victor, D.G., 2019.
How artificial intelligence will affect the future of energy and climate,
Available at: https://www.brookings.edu/articles/how-artificial-intelligence-will-affect-the-future-of-energy-and-climate/
[13] Tegan
Maharaj, Alexandra (Sasha) Luccioni, and Hari Prasanna Das. CLIMATE CHANGE AND
AI Recommendations for Government Action, Global Partnership on Artificial
Intelligence, Issued: November 2021, Available at:
[14]
Haupt, S.E., Kosovic,
B., Jensen, T., Lee, J., Jimenez, P., Lazo, J., Cowie, J., McCandless, T.,
Pearson, J., Weiner, G. and Alessandrini, S., 2016. The Sun4Cast® Solar Power
Forecasting System: The Result of the Public-Private-Academic Partnership to
Advance Solar Power Forecasting, National Center for Atmospheric Research
(NCAR), Boulder (CO): Research Applications Laboratory, Weather Systems and
Assessment Program (US), Available at:
[15]
LYNN H. KAACK, PRIYA
L. DONTI, EMMA STRUBELL, DAVID ROLNICK · op. cit.
[16] مستقبل مشرق، صحيفة البيان – الإمارات، ٣٠
أكتوبر ٢٠٢١، متاح على الرابط التالي:
https://www.albayan.ae/opinions/our-opinion/2021-10-30-1.4284243
[17] رئيس الدولة يصدر مرسومًا بشأن تغيير مسميات
للوزارات واختصاصاتها، صحيفة الاتحاد – الإمارات، 29 نوفمبر 2016، متاح على الرابط
التالي:
[18] وزارة التجارة الخارجية ترصد العلاقة بين
التجارة والبيئة والتنمية المستدامة، وكالة أنباء الإمارات، 22 يونيو 2010، متاح
على الرابط التالي:
[19] وزير البيئة .. الإنجازات التي تحققت في سنوات
قلائل أكسبت الدولة مكانة مرموقة ومتميزة. إضافة رابعة، وكالة أنباء الإمارات، 29
نوفمبر 2009، متاح على الرابط التالي:
[20] تشكيل لجنة وطنية دائمة لتغير المناخ، صحيفة
البيان – الإمارات، 10 أكتوبر 2010، متاح على الرابط التالي:
[21] “البصمة البيئية في الإمارات”..
مبادرة تدعم تحقيق استراتيجية الحياد المناخي، وكالة أنباء الإمارات، 3 يوليو
2023، متاح على الرابط التالي:
[22] المرجع السابق.
[23] “كهرباء دبي” تطلق نظام استعادة
الشبكة الذكية الآلي لتعزيز الإدارة المبتكرة لشبكة الطاقة، وكالة أنباء الإمارات،
27 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي:
[24] إيهاب خليفة، الاستمطار..
نموذج الإمارات في دعم تكنولوجيا زيادة المياه، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات
المتقدمة، 2 أبريل 2016، متاح على الرابط التالي:
[25] افتتاح أول مقر إقليمي للمعهد العالمي لاحتجاز
الكربون وتخزينه في مدينة مصدر، وكالة أنباء الإمارات، 30 أغسطس 2022، متاح على الرابط التالي: https://www.wam.ae/ar/details/1395303078824
[26] ما هي تقنية احتجاز الكربون وتخزينه؟، شبكة
بيئة أبوظبي، 3 مايو 2023، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/qO8Ir
[27] المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه يدعم
أجندة العمل المناخي للإمارات، صحيفة الخليج الإماراتية، 5 مارس 2023، متاح على الرابط التالي: https://cutt.us/5lqnL
[28] احتجاز الكربون وتخزينه بحقل غاز متقادم في
الإمارات بتقنية يابانية، منصة الطاقة، 25 يوليو 2023، متاح على الرابط التالي:
[29] أبوظبي تدشن أكبر مزرعة في العالم للزراعة
العمودية، صحيفة الإمارات اليوم، 16 فبراير 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.emaratalyoum.com/local-section/other/2023-02-16-1.1718882
[30] ما أنواع أنظمة الزراعة المائية التي يمكن
تطبيقها في المنازل؟، صحيفة الخليج، 13 يناير 2023، متاح على الرابط التالي:
[31] «الزراعة المائية» منظومة حديثة تنتصر على
مشاكل المياه والتربة، صحيفة البيان، 23 يناير 2021، متاح على الرابط التالي:
[32] التقنيات الحديثة.. طريق الإمارات لاستدامة
الأمن الغذائي، شبكة بيئة أبوظبي، 26 ديسمبر 2021، متاح على الرابط التالي:
[33] الذكاء الاصطناعي يتيح لهيئة كهرباء ومياه دبي
ابتكار حلول وبرامج متطورة لتحسين الأداء والإنتاجية، هيئة كهرباء ومياه دبي، 5
أغسطس 2022، متاح على الرابط التالي:
[34] المرجع السابق.
[35] جودة الحياة، وزارة التغير المناخي والبيئة،
دولة الإمارات، موقع الوزارة، متاح على الرابط التالي:
https://www.moccae.gov.ae/ar/knowledge-and-statistics/air-quality.aspx
[36] تحسين جودة الهواء، البوابة الرسمية لحكومة
دولة الإمارات العربية المتحدة، متاح على الرابط التالي:
https://u.ae/ar-ae/information-and-services/environment-and-energy/improving-air-quality
[37] مؤشر التحول التكنولوجي الصناعي.. مشـروع
إماراتي عابر للحدود يعزز الإنتاجية والتنافسية والاستدامة، وكالة أنباء الإمارات،
21 يونيو 2023، متاح على الرابط التالي: https://www.wam.ae/ar/details/1395303171483
[38] ديما محمد القيسية، سهير الشـربيني، الابتكار
البيئي: أبعاد توسع الإمارات في استخدام التكنولوجيا لمواجهة التغيرات المناخية،
إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، أبو ظبي، 22 يونيو 2023، متاح على الرابط التالي: