Insight Image

تصاعد التهديدات الأمنية لـ”بوكو حرام”.. الأبعاد والتداعيات

30 أكتوبر 2024

تصاعد التهديدات الأمنية لـ”بوكو حرام”.. الأبعاد والتداعيات

30 أكتوبر 2024

رغم الضربات القوية والمتعددة، التي وجهها الجيش النيجيري، أو العدو اللدود، تنظيم “داعش”، لجماعة “بوكو حرام” النيجيرية، فإنها لا تزال باقية، ولديها القدرة على التمدد والانتشار، بعد نجاحها في امتصاص تلك الضربات، بل وشن الهجمات الإرهابية الدموية، سواء ضد القوات الحكومة أو المدنيين؛ ما جعلها تشكل تهديدًا أمنيًا كبيرًا، ليس في نيجيريا فحسب، وإنما في منطقة بحيرة تشاد، وذلك بالنظر للهجمات المروعة التي تشنها الجماعة، وتُلقي الرعب والهلع في نفوس المواطنين الموجودين في المناطق التي تشهد تلك الهجمات؛ الأمر الذي يجعل بعضهم يخضع لـ”بوكو حرام” بشكل كامل، خاصة عقب الهجمات الواسعة النطاق التي تشنها، على غرار الهجوم الذي شنه قرابة 150 عنصرًا من مقاتلي الجماعة، في مطلع سبتمبر 2024، على إحدى القرى في ولاية يوبي، شمال شرق نيجيريا؛ ما أسفر عن مقتل 81 شخصًا، وفقدان آخرين.[1] أثار ذلك الأمر قلق وخوف كل المواطنين في المناطق والقرى والمحيطة، لا سيما في ظل ضعف وجود القوى الأمنية الحكومية في هذه المناطق، وبالتالي ضعف قدراتها على حماية السكان من هجمات عناصر “بوكو حرام”.

بات ذلك الأمر يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب استمرار وتصاعد هجمات جماعة “بوكو حرام”، على الرغم من الضربات التي تلقتها طوال السنوات الماضية، والجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة النيجيرية للقضاء عليها، أو-على الأقل- تقويض هجماتها، وذلك بالتزامن مع الجهود الدولية لتجفيف مصادر تمويل ودعم الجماعة، على غرار قرار الولايات المتحدة الأمريكية، في مارس 2022، إدراجَ ستة أشخاص على قوائم الإرهاب لدعمهم جماعة “بوكو حرام” الإرهابية.[2]

من هذا المنطلق، تسعى هذه الدراسة إلى تحديد عوامل قوة “بوكو حرام”، التي تساعدها على البقاء على الساحة وممارسة أنشطتها الإرهابية، وكذلك تحديد أبرز التهديدات التي باتت تشكلها تلك الجماعة في الوقت الراهن، ليس في نيجيريا فحسب، وإنما أيضا في منطقة بحيرة تشاد، خاصة في ظل تصاعد الصراع والمنافسة بينها وبين تنظيم “داعش”، ثم تناول أهم التداعيات المحتملة لهذه التهديدات المتزايدة من قِبل الجماعة من الناحية الأمنية، سواء على نيجيريا فحسب، أو على منطقة غرب أفريقيا وبحيرة تشاد.

تهدف تلك الدراسة أولًا لتعيين عوامل قوة “بوكو حرام”، ومظاهر التهديد المتصاعد لها وتداعياته المحتملة.

أولًا: عوامل قوة “بوكو حرام”

كما هو الحال مع معظم التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، فإن هناك بعض العوامل الرئيسية التي تساعد تلك التنظيمات، ومن بينها جماعة “بوكو حرام”، على البقاء على الساحة والتمدد والانتشار، من أبرزها ضعف مؤسسات الدولة، والبيئة الداخلية الهشة اجتماعيًا، والصراعات القبلية والعرقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم وجود الهياكل الأساسية الإدارية المختصة، وانعدام الفرص الاقتصادية، سهَّلا من صعود الجماعة، ونجاحها في ضم عناصر جديدة إلى صفوفها. ومع ذلك، يمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل الخاصة التي تتعلق بجماعة “بوكو حرام”، أسهمت في بقائها على قيد الحياة، واستعادتها حيويتها التنظيمية، على الرغم من الضربات القوية التي تعرضت لها خلال السنوات الماضية. ويمكن تحديد أبرز تلك العوامل في النقاط التالية:

  • الانتشار الجغرافي الواسع: من العوامل الهمة التي تساعد عناصر جماعة “بوكو حرام” على الاستمرار على الساحة، ومقاومة جميع حملات مكافحة الإرهاب الهادفة للقضاء عليها، أو حتى- على الأقل- تقويض تهديداتها، الانتشار الجغرافي الواسع في مناطق عدة من نيجيريا، معتمدةً في ذلك على اتباع استراتيجية “الانتشار الجغرافي”، والتخلِّي كليًا عن استراتيجية “السيطرة المكانية أو الترابية”؛ وذلك لتجنب الضربات العسكرية المركزة، التي يمكن أن تقضي على أعداد كبيرة من قياداتها وعناصرها، من خلال العمل في مجموعات صغيرة تنشط في أكبر عدد من المناطق على شكل خلايا عنقودية. على سبيل المثال، ينتشر مقاتلو “بوكو حرام” في بلدات عدة في ولاية النيجر بشمال وسط نيجيريا، وهو ما يؤكده تصريح سليمان تشوكوبا، رئيس الحكومة المحلية في منطقة شيرورو بولاية النيجر، المتاخمة لأبوجا، بأن مقاتلي “بوكو حرام” موجودون الآن فيما لا يقل عن ثماني بلدات من إجمإلى 25 في المنطقة، وهو ما يجعل من الصعب محاصرتها وتقويض نشاطها، فضلًا عن القضاء عليها بشكل كامل.[3]
  • الأوكار الإرهابية المحصّنة: عُرف عن جماعة “بوكو حرام” قدرتها الفائقة على تأسيس أوكار آمنة، خاصة في المناطق النائية والحدودية وأطراف القرى والبلدات التي تنتشر فيها، وتنطلق منها لشن الهجمات الإرهابية، ثم العودة إليها سريعًا، معتمدةً في ذلك على خفة الحركة وخفة التسليح وعنصر المفاجأة. لكن أخطر أوكارها على الإطلاق تُعدّ تلك الموجودة في الغابات والمستنقعات على أطراف بحيرة تشاد، ومنها غابات “سامبيسا” التي غالبًا ما يتمركز فيها قادة الجماعة، ومنها تنطلق الهجمات الأكثر دموية، فضلًا عن كونها تمثل مركزَ قيادة وسيطرة للجماعة، وأيضًا مركزًا للتمويل والإمداد، وكذلك يتم فيها الاحتفاظ بالرهائن والمختطفين؛ بالنظر لصعوبة اقتحامها بسبب الطبيعة الجغرافية، التي تجعل من الصعب التحرك فيها بواسطة الآليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، ضرب عناصرُ الجماعة سياجًا من المتفجرات والألغام حول تلك الأوكار، على نحو يكون من الصعب الإغارة عليها؛ ما يجعلها قواعد تنطلق منها الهجمات الإرهابية، وربما هذا ما دفع الجيش النيجيري إلى شن حملة عسكرية على تلك الأوكار في أغسطس 2024، أطلق عليها عملية (هادن كاي)؛ بهدف تفكيك شبكة الإمدادات اللوجستية للجماعة الإرهابية في منطقة بحيرة تشاد.[4]
  • الاستمرار في الاستقطاب والتجنيد: لا تزال لدى “بوكو حرام” القدرة على الاستقطاب والتجنيد، على الرغم من الفظائع التي ترتكبها في المناطق التي تنتشر بها، وهو ما تفسره بعض التقارير بمنح الجماعة مزايا للذين ينخرطون في صفوفها، سواء كانت مالية أو مادية، إلى جانب توفير الحماية لهم ولعائلاتهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الأشخاص ينتمون إلى الجماعة فقط؛ لتجنب بطشها، خاصة أن الهجمات الإرهابية الدموية التي تشنُّها “بوكو حرام” تبث حالة من الرعب والهلع في نفوس المواطنين الذين يعيشون في المناطق التي تنشط فيها الجماعة، على نحو يدفعهم إلى محاولة تجنبها بأي طريقة كانت، وبالتالى عدم إبداء أي شكل من أشكال المقاومة ضدها، فضلًا عن التعاون مع السلطات الأمنية، حيث تقتل الجماعة كلَ من تعتقد أنه يتعاون مع الجيش أو الشرطة. دفع ذلك الأمرالعديد من المواطنين للفرار من المناطق التي يوجد فيها عناصر الجماعة؛ للحفاظ على أنفسهم وعائلاتهم. في هذا السياق، تشير بعض التقارير إلى مقتل أكثر من 27 ألف شخص في شمال شرق نيجيريا، منذ بداية تمرُّد “بوكو حرام” في 2009، فيما نزح نحو مليوني شخص.[5]
  • التركيز على الهجمات الخاطفة: تفضل جماعة “بوكو حرام”، في تنفيذ هجماتها الإرهابية، العمليات الخاطفة وغير المتوقعة، التي تؤدي غالبًا إلى نشر الفوضى في المناطق التي تنفذ بها، وذلك بهدف منع أي نوع من المقاومة لها خلال الهجمات، التي تستهدف، في كثير من الأحيان، المؤسسات العسكرية والأمنية والعاملين بها، إلى جانب بعض الزعماء الدينيين والسياسيين. تطورت تلك الهجمات، بعد ذلك، إلى استهداف دور العبادة والأسواق، والمدارس الحكومية، والمستشفيات، ومؤسسات التعليم العالي، والإعلام، ومرافق الاتصالات السلكية واللاسلكية، مع الاعتماد، في كثير من الأحيان، على العمليات الانتحارية التي يصعب منعها، وتُوقِع أعدادًا كبيرة من الضحايا، وهو ما أدى إلى تصاعد العمليات الإرهابية، وبالتالي ارتفاع أعداد ضحايا تلك الهجمات منذ مطلع عام 2022.[6]
  • التعاون مع عصابات الجريمة المنظمة: يمتلك عناصر “بوكو حرام” خبرة طويلة في عمليات التهريب والتجارة غير المشروعة، إضافة إلى عمليات السلب والنهب، فضلًا عن التمرس على اختطاف المدنيين؛ للمطالبة بفدية مالية مقابل الإفراج عنهم. وفي ظل رغبة الجماعة في تعظيم مصادر تمويلها من الأعمال غير المشروعة، فقد لجأت إلى التعاون مع عصابات الجريمة المنظمة؛ لأغراض لوجستية لا علاقة لها بأيديولوجيتها الدينية، من خلال التعاون في مجال السرقة وفرض الإتاوات وعمليات التهريب عبر الحدود. ومن ثم، تحول بعض قادة هذه العصابات الإجرامية إلى مساعدين لـ”بوكو حرام” في مناطق معينة، خاصة على طول الحدود بين الكاميرون ونيجيريا، الأمر الذي جعل الجماعة تمتع بنفوذ وانتشار جغرافي كبيرين، ومصادر تمويل متنوعة، فضلًا عن وجود بيئة داعمة من عصابات الجريمة المنظمة؛ ما يجعل من الصعب محاصرتها وتجفيف مواردها.[7]

ثانيًا: مظاهر التهديد المتصاعد لـ”بوكو حرام”

تعرضت جماعة “بوكو حرام” إلى ضربات قوية من حملات مكافحة الإرهاب التي تشنها ضدها كلٌ من دول نيجيريا وتشاد والنيجر والكاميرون وبنين، من خلال إطلاق عدد من حملات مكافحة الإرهاب، على غرار عملية “العقل 2″، التي أُطلقت في منطقة بحيرة تشاد، في أبريل 2024، وذلك بهدف تفكيك القواعد اللوجستية الخلفية للتنظيم الإرهابي. ورغم ذلك، لا تزال الجماعة تشكل تهديدًا أمنيًا غير عادي؛ بسبب قدرتها على الاستمرار في العمليات الإرهابية، التي تستخدم فيها العبوات الناسفة المحلية الصنع، والسيارات المفخخة، التي تسببت في نزوح مئات الآلاف والهجرة إلى مناطق أخرى. في هذا السياق، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح نحو 2.7 مليون شخص، خلال 11 عامًا بسبب هجمات «بوكو حرام» المستمرة في نيجيريا، ولجأ الكثير منهم إلى البلدان المجاورة، مثل تشاد والكاميرون والنيجر.[8]

من التهديدات الكبيرة التي باتت تشكلها الجماعة، خاصة في نيجيريا، الاستخدام المفرط للنساء في الهجمات الانتحارية، التي تستهدف المدنيين والتجمعات البشرية، إضافة إلى استهداف المؤسسات المدنية، مثل المستشفيات والمدارس أو ما شابهها من تلك المؤسسات، حيث لا تُعد الجماعة الأكثر استخدامًا للنساء في تلك النوعية من الهجمات من بين كل التنظيمات الإرهابية الأخرى. وتشير بعض التقارير إلى أن الجماعة استخدمت النساءَ انتحارياتٍ في أكثر من نصف عملياتها، بما في ذلك الفترة من أبريل 2011 إلى يونيو 2017. وقد أعادت 3 تفجيرات شهدتها مناطق مختلفة في نيجيريا، في مطلع يوليو 2024، ظاهرة استخدام “بوكو حرام” النساء في العمليات الانتحارية إلى الواجهة، إذ أعلنت السلطات المحلية مقتل ما لا يقل عن 38 شخصًا، في هجمات منسقة نفذها مَن يُعتقد أنهن انتحاريات من تلك الجماعة، وربما هذا ما يفسر إفراط “بوكو حرام” في اختطاف النساء والفتيات، فضلًا عن محاولة استقطابهن لصفوفها. ويعزو الخبراء استخدام الجماعة للسيدات في الهجمات الانتحارية، إلى أنها تَعدُّهن “أقل قيمة” بالنسبة للتنظيم، وأكثر فائدة من الناحية التكتيكية، حيث إنهن لا يخضعن غالبًا للتفتيش أو الرقابة الأمنية، فضلًا عن أنهن يتحركن بسهولة، ولا يلفتن الأنظار. [9] لذا، واصلت “بوكو حرام” عمليات اختطاف الفتيات بأعداد كبيرة، ولم يقتصر خطفهن على نيجيريا فحسب، وإنما تعدّاها إلى دول الجوار على غرار النيجر، التي خطف عناصرها، في نوفمبر 2018، نحو عشر فتيات في قرى تقع جنوب شرق النيجر، بالقرب من الحدود مع نيجيريا.[10]

وقد خلَّفت عملياتُ الخطف الجماعي المتكرِّرةُ للفتيات آثارًا سلبية واضحة على مجمل النشاطات الاجتماعية، لا سيَّما التعليمية؛ بإغلاق المدارس، وتعليق الدراسة، واضطرار المعلِّمين والطلَّاب والأطفال إلى التخلِّي عن التعليم والتعلُّم. فقد أسفرت الهجَماتُ العنيفة، التي شنتها الجماعة على المدارس؛ لتنفيذ عمليات الاختطاف، عن مقتل أكثر من 600 معلِّم، وفرار 19 ألفًا، خوفًا من القتل، وتعرَّض آخرون للتهديد بالاستهداف أو الاختطاف في ولايات مثل: بورنو، ويوبي، وأداماوا. من الجدير بالذكر، في هذا السياق، أن شركة الاستشارات الأمنية “إس بي أم إنتليجنس” أفادت باختطاف أكثر من 3600 شخص في نيجيريا، خلال الفترة ما بين يوليو 2022 ويوليو عام 2023، حيث أصبح من الشائع حدوث عمليات خطف جماعية؛ للحصول على فدية، حيث يتم خطف ستة أشخاص في المتوسط في كل واقعة، مع استهداف العصابات الإجرامية المدججة بالسلاح قرًى نائية؛ لنهبها وخطف سكانها.[11]

إضافة إلى التهديدات السابقة، برز نوع خطير من التهديدات، تمثل فيما يطلق عليه “تجارة الرهائن”، من خلال بروز شبكات من الخاطفين، أصبحت تقتات على خطف المواطنين، خاصة من الفتيات والتجار والأثرياء؛ لما تُدرّه عليهم هذه التجارة من أموال طائلة، وهو ما أدى إلى تزايد عمليات الاختطاف في نيجيريا بشكل كبير، حيث إن الجماعة، في إطار سعيها لتوفير مصادر تمويل جيدة للإنفاق على عناصرها وأنشطتها الإرهابية، لجأت إلى اختطاف الرجال والنساء والفتيات؛ من أجل الحصول على فدية مالية. وهناك عوامل عدة شجعت عناصر الجماعة على القيام بتلك العمليات، منها: الفقر والبطالة، وانتشار حالة اليأس وعدم المساواة، ووجود مساحات واسعة غير خاضعة لسيطرة الدولة، وسهولة إنشاء العصابات، وحِيازة الأسلحة. فقد كشف تقريرٌ لشركة الاستخبارات النيجيرية (إس بي مورجين) عن أن تجارة الرهائن في نيجيريا وصلت قيمتها إلى ما لا يقلُّ عن 18 مليون دولار أمريكي بين يونيو 2011م ومارس 2020م[12]، وهو ما يوفر للجماعة أو غيرها من المجموعات المسلحة الأخرى التي تعمل في تجارة الرهائن، مصادرَ تمويل جيدة تشجعها على التوسع في عمليات الاختطاف والاعتماد عليها كمصدر رئيسي للتمويل.

يعد الابتزاز، أيضًا، أحد طرق التمويل التي تعتمد عليها “بوكو حرام”، حيث يدفع السكان المحليون الضرائب والرسوم مقابل الحماية والأمن، نظرًا لأن الجماعة تبتز الأشخاص الذين يمارسون أعمالًا عادية، أو أنشطة مهنية؛ لكي يتمكّنوا من مواصلة العمل (على سبيل المثال، أصحاب المتاجر وصيادو الأسماك ورجال الأعمال). فضلًا عن ذلك، يجمع أفراد التنظيم التمويل من خلال أخذ جزء من عائدات الأنشطة غير المشروعة، كالاتجار بالمهاجرين وتجارة المخدرات.[13]

ثالثًا: التداعيات المحتملة لتصاعد تهديدات “بوكو حرام”

في ضوء التهديدات السابقة، تبرز على السطح مجموعة من التداعيات المحتملة لتصاعد نشاط وانتشار “بوكو حرام” في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد، تمثل تحديًا كبيرًا للأمن في المنطقة ولجهود حملات مكافحة الإرهاب الدولية والإقليمية، التي تسعى إلى تقويض تهديدات الجماعة، وذلك بالنظر لأنها أثبتت قدرتها العالية على امتصاص الضربات بمختلف أشكالها، والبقاء على الساحة وممارسة أنشطتها الإرهابية المختلفة. ويمكن تحديد أبرز تلك التداعيات في النقاط التالية:

  • التوسع في اختطاف النساء: تعد جماعة “بوكو حرام” النيجيرية من أكثر التنظيمات الإرهابية التي تشكل تهديدًا للنساء في مناطق نفوذها، بالنظر لعمليات الاختطاف المتكررة التي تقوم بها الجماعة ضد الفتيات، خاصة صغيرات السن منهم، وذلك بغرض ضمهن إلى صفوفها؛ لاستغلاهن في أمور عدة، على غرار التزويج بمقاتليها؛ لتكوين مجتمعات موازية خاصة بالجماعة في الأوكار التي تسيطر عليها في الغابات والمناطق النائية، وأحيانًا يكون الاختطاف من أجل الحصول على الأموال. لكن الأخطر من ذلك كله هو استغلال الفتيات في تنفيذ الهجمات الانتحارية، إلى جانب استغلالهن في تولِّي عمليات المراقبة والرصد للأهداف التي ترغب الجماعة في شن الهجمات ضدها. يضاف إلى ذلك أن الاختطاف أحيانًا يكون من أجل الاغتصاب، حيث كشف بحث، أجرته منظمة العفو الدولية، عن أن مقاتلي جماعة “بوكو حرام” استهدفوا النساء والفتيات بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، خلال المداهمات في شمال شرق نيجيريا.[14] يفسر ذلك الأمر حرص الجماعة على الاستمرار في خطف الفتيات أكثر من غيرهم من فئات المجتمع في نيجيريا، على غرار اختطافها نحو 300 تلميذ من مدرسة شمال غرب نيجيريا في شهر مارس 2024، بعد أيام من اختطاف الجماعة عشرات النساء والأطفال، في أثناء جمعهم الحطب في شمال شرق نيجيريا[15].
  • تزايد التهديدات الأمنية ضد المدنيين: تُعد جماعة “بوكو حرام” من أكثر التنظيمات المحلية التي تستهدف المدنيين، سواء من النساء أو الأطفال، فضلًا عن استهدافها للرجال. وتشير التقارير إلى أنه كلما تصاعد نشاط الجماعة في منطقة، تزايدت معها هجماتها ضد المدنيين، وذلك على خلاف ما هو متعارف عليه بين التنظيمات الإرهابية المحلية التي تركز استهدافها على القوات الحكومية من الشرطة والجيش في الدولة التي تنشط بها. لذا، فهي غالبًا لا تستهدف إلا الذين تعتقد أنهم يتعاونون مع الجهات الأمنية، وذلك من باب ضرورة قتل الجاسوس -حسب اعتقادها- لأن الجماعة يطغى على الكثير من عناصرها الفكر التكفيري، بمعنى أنهم يعتقدون أنهم يمثلون الطائفة المؤمنة، التي تمتلك ناصية الحق المطلق، وبالتالى مَن معنا، فهو مع المؤمنين، ومَن ليس معنا فهو مع غير المؤمنين أو الكفار، خاصة أن المنظومة الفكرية للجماعة تقوم على تكفير الحكم الوضعي والديمقراطية، وعدِّها أديانًا مخالفة للإسلام وخروجًا منه.[16] يدفع ذلك الأمر عناصر الجماعة إلى الإسراف والإفراط في قتل المدنيين بصورة كبيرة، مقارنة بغيرهم من عناصر التنظيمات المحلية الأخرى، من خلال العمليات التقليدية، كالهجوم على القرى والمناطق النائية، أو من خلال الهجمات الانتحارية على التجمعات البشرية أو المرافق العامة، على غرار الهجمات الانتحارية التي نفذتها الجماعة في مدينة غووزا بولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا ضد تجمعات للمدنيين، وأودت بحياة 18 شخصًا على الأقل، وأوقعت عشرات الجرحى في شهر يونيو 2024، إلى جانب عمليات الاختطاف، خاصة ضد الطلاب وصغار السن.

    فوفق منظمة Save The Children غير الحكومية، فإن أكثر من 1680 طالبًا تعرّضوا للاختطاف من المدارس النيجيرية بين نهاية عام 2022 وبداية عام 2024، وأن معظم عمليات الاختطاف هذه تنتهي إما بتجنيد المختطفين في التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلّحة؛ لاستخدامهم في تنفيذ عمليات إرهابية، أو إطلاق سراحهم مقابل فدية لتمويل أنشطة إجرامية. في كلتا الحالتين، يعيش المختطفون ظروفًا غير إنسانية ويتعرّضون لانتهاكات صارخة، لا سيّما النساء والفتيات[17]، وهو ما أدى إلى تزايد حالة الخطف بشكل لافت في الأعوام الماضية. ففي عام 2023، شهدت نيجيريا ارتفاعًا كبيرًا في عدد حالات الاختطاف، بلغ نحو 4000، وهو أعلى مستوى تم تسجيله منذ خمس سنوات، وفقًا لبيانات مواقع النزاع المسلح والأحداث. أما تقرير “فايننشال تايمز”، فيرجح أن العدد الفعلي للمختطفين أعلى من ذلك بكثير، نظرًا لعدم الإبلاغ عن العديد من الحوادث.[18]

  • تزايد حدة التنافس الجهادي: يسعى تنظيم “داعش”، منذ ظهوره على الساحة في منطقة غرب إفريقيا بشكل عام، ونيجيريا بشكل خاص، إلى اخضاع جماعة “بوكو حرام” لسيطرته ونفوذه بكل الطرق والوسائل، بداية من الإقناع الفكري والحصول على البيعة لخليفة “داعش” المزعوم، وهو ما حدث في وقت لاحق من عام 2014، وانتهاء بالضغط العسكري، عندما انشق زعيم الجماعة السابق، أبوبكر شيكاو، بمجموعة كبيرة من أنصاره، عقب قرار قيادة “داعش” إقالته من قيادة التنظيم في غرب أفريقيا، وتعيين القيادي أبومصعب البرناوى بديلًا عنه في أغسطس 2016. أدى ذلك الأمر إلى اندلاع معارك دموية بين الطرفين، قُتل فيها العشرات، حتى تمكن “داعش” من قتل “شيكاو” وعدد من أنصاره، وإجبار المتبقين منهم على إعطاء البيعة لزعيم التنظيم، وذلك في مايو 2021، حيث شكّل هجوم “داعش” على معقل “بوكو حرام”، في غابة سامبيسا بولاية بورونو شمال شرقي نيجيريا، نقطة تحول رئيسية في طبيعة الصراع بين التنظيمين، خاصة بعد تفجير أبوبكر شيكاو نفسه؛ حتى لا يقع في قبضة “داعش”.[19] لكن سرعان ما اكتشف التنظيم الأخير أن هناك العديد من المجموعات الموالية لـ”شيكاو” أعادت تنظيم صفوفها، وأحيت الجماعة مجددًا، وبادرت بشن هجمات قوية على معاقل “داعش”. أدى ذلك الأمر إلى نشوب معارك دامية بين الطرفين، خاصة أن هناك تنافسًا بين التنظيمين للهيمنة على حوض بحيرة تشاد ومحيطه، حيث تمارس كل من الجماعتين نفوذًا في تلك المنطقة. وبالتالي، فإن الصراع المفتوح بين التنظيمين قد يكرس حالة الانفلات الأمني في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد، وهو ما قد يحبط العديد من حملات مكافحة الإرهاب، التي تسعى إلى تقويض التهديدات الأمنية لكلا التنظيمين.[20]
  • تزايد الانفلات الأمني حول بحيرة تشاد: لا تزال منطقة بحيرة تشاد ومحيطها يمثلان مجالًا حيويًا لجماعة “بوكو حرام”، على الرغم من الجهود التي تبذلها حكومات غرب أفريقيا لتقويض تهديدات الجماعة في تلك المنطقة، على غرار إطلاق الجيش النيجيري عملية عسكرية، شاركت فيها القوات الخاصة وسلاح الجو النيجيريان، بالتعاون مع القوات العسكرية المختلطة لدول حوض بحيرة تشاد في أغسطس 2024؛ لتطهيرها وجعلها منطقة خالية من مجموعات “بوكو حرام”[21]؛ نظرًا لأنها منطقة هشة من الناحية الأمنية، بسبب حدودها الطويلة والممتدة عبر حدود دول عدة، ووجود العديد من الغابات والمستنقعات التي تحيط بها، على غرار غابة سامبيسا الممتدَّة على مساحة شاسعة من الأراضي، ما يجعلها بعيدةً عن سيطرة الدولة الوطنية. وتشير بعض التقارير إلى أنه منذ وصول عناصر الجماعة إلى البحيرة والمنطقة المحيطة بها، ارتفعت العملياتُ الإرهابية بنسبة 20%، وتضاعفت أعدادُ ضحاياها بنسبة 30%، إلى جانب انتشار عمليات فرض الإتاوات والضرائب على السكَّان والمهربين والتجار، وهو ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية في منطقة بحيرة تشاد.[22]

الخاتمة

في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تهديدات جماعة “بوكو حرام” ستظل مستمرة خلال الفترة القادمة، على الأقل في الأمد القريب، في ظل ما تتمتع به الجماعة من عناصر محترفة ومتمرسة في القتال، وتوافر مصادر التمويل لها، فضلًا عن انتشارها في مناطق متعددة، تطبيقًا لسياسة الانتشار التنظيمي، إضافة إلى تأسيسها مجموعات من الأوكار الإرهابية في الغابات والمناطق النائية، التي يصعب الوصول إليها من القوات الأمنية. سيؤدي ذلك الأمر إلى تزايد حالة الانفلات الأمني في مناطق متعددة من نيجيريا وبحيرة تشاد، وكذلك تزايد عمليات الاختطاف؛ من أجل الحصول على الفدية المالية، وهو ما يعنى استمرار حالة الإرهاب في منطقة غرب أفريقيا بشكل عام، ونيجيريا بشكل خاص، لا سيما في ظل حالة التنافس الجهادي بين “بوكو حرام” و”داعش” على السيطرة والنفوذ، وتصدر مشهد الإرهاب في غرب أفريقيا.


[1] مقتل 81 شخصًا في نيجيريا بهجوم يشتبه بأن «بوكو حرام» نفّذته، موقع صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 3 سبتمبر 2024، على الرابط: https://urlz.fr/srSq

[2] إدراج ستة أفراد لدعمهم بوكو حرام، موقع وزارة الخارجية الأمريكية، بتاريخ 25 مارس 2022، على الرابط: https://urlz.fr/srSs

[3] بوكو حرام تتوسع في نيجيريا وتدخل إقليمًا حدوديًا مع العاصمة، موقع العربية نت، بتاريخ 4 أكتوبر 2021، على الرابط: https://urlr.me/H5qV8

[4] جيش نيجيريا يضيق الخناق على «بوكو حرام» في غابات بحيرة تشاد، موقع صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 22 أغسطس 2024، على الرابط: https://urlr.me/pBnL7

[5]“بوكو حرام”.. خصوصية الحالة وعوامل البقاء، موقع تريندز للبحوث والاستشارات، بتاريخ 28 مارس 2024، على الرابط:  https://urlz.fr/srSo /

[6] تكتيكات جديدة..اتساع مخيف للأنشطة الإرهابية في غرب أفريقيا، موقع سكاي نيوز عربية، بتاريخ 26 يناير 2023، على الرابط: https://urlz.fr/srSl

[7] مخاطر تداخل بوكو حرام والجريمة المنظمة في شمال الكاميرون، موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بتاريخ 26 يناير 2023، على الرابط: https://urlr.me/CkNML

[8]استسلام العشرات من أعضاء «بوكو حرام» في نيجيريا، موقع صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ 11 يوليو 2024، على الرابط: https://urlr.me/SF13b

[9] لأسباب تكتيكية.. هكذا تستخدم جماعات متشددة “الانتحاريات”، موقع الحرة، بتاريخ 2 يوليو 2024، على الرابط: https://urlr.me/BHyCT

[10] “بوكو حرام” تخطف فتيات في النيجر، موقع الحرة، بتاريخ 24 نوفمبر 2018، على الرابط: https://urlr.me/RVZHp

[11] ظاهرة الاختطاف في نيجيريا.. المتورطون وأهدافهم، موقع DW، بتاريخ 4 يونيو 2024، على الرابط: https://urlr.me/Mdyj2

[12] الخضر عبدالباقي محمد، اختطاف الأطفال – بين الأبعاد الاقتصادية والأبعاد السياسية – بوكو حرام أنموذجًا، موقع مركز التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بتاريخ 13 نوفمبر 2021، على الرابط: https://www.imctc.org/ar/eLibrary/Articles/Pages/article13.11.2021.aspx

[13]“بوكو حرام”.. خصوصية الحالة وعوامل البقاء، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بتاريخ 28 مارس 2024، على الرابط: https://urlr.me/FcsjQ

[14] نيجيريا: وحشيّة جماعة “بوكو حرام” ضد النساء والفتيات تتطلّب استجابة عاجلة- بحث جديد، موقع منظمة العفو الدولية، بتاريخ 24 مارس 2021، على الرابط: https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2021/03/nigeria-boko-haram-brutality-against-women-and-girls-needs-urgent-response-new-research-2/

[15] اختطاف نحو 300 تلميذ من مدرسة شمال غرب نيجيريا، موقع مونت كارلو، بتاريخ 8 مارس 2024، على الرابط: https://urlr.me/zKMWJ

[16] هاني نسيرة، “بوكو حرام”.. النشأة والصعود والتحولات، موقع صحيفة الشرق الأوسط، بتاريخ https://urlr.me/zqmfL A

[17] كانوا في طريقهم لحضور مؤتمر لطلاب الطب.. اختطاف 20 طالبًا على أيدي مسلّحين بشمال نيجيريا.. ومرصد الأزهر: “الاختطاف” أسلوب إرهابي يحمل بصمات بوكو حرام، موقع مرصد الأزهر، بتاريخ 18 أغسطس 2024، على الرابط: https://urlr.me/SMXvC

[18] كريك كوكب، خطف الأطفال في نيجيريا مقابل فدية.. مصدر رزق بوكو حرام، موقع أخبار الآن، بتاريخ 4 مايو 2024، على الرابط:  https://urlr.me/vsXKk 5

[19] “بوكو حرام” بين كماشة “داعش” والجيش النيجيري: بحث عن معقل جديد، موقع العربي الجديد، بتاريخ 20 أكتوبر 2021، على الرابط: https://urlr.me/GhJP6

[20] صراع بين “داعش” و”بوكو حرام” للهيمنة في شمال شرق نيجيريا، موقع قناة الشرق بلومبرج، بتاريخ 17 مارس 2023، على الرابط: https://urlr.me/TDxrd

[21] جيش نيجيريا يضيق الخناق على «بوكو حرام» في غابات بحيرة تشاد، موقع صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ 22 أغسطس 2024، على الرابط: https://urlr.me/6Qyh4

[22] إدريس الكنبورى، بحيرة تشاد – في مواجهة مخاطر الإرهاب الإقليمي، موقع التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بتاريخ 29 يناير 2022، على الرابط: https://www.imctc.org/ar/eLibrary/Articles/Pages/article29.1.2022.aspx

المواضيع ذات الصلة