Insight Image

تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”.. “نِصف قرار” أم خطوة لها ما يتلوها؟

20 يناير 2024

تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”.. “نِصف قرار” أم خطوة لها ما يتلوها؟

20 يناير 2024

مقدمة

أعادت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تصنيف جماعة الحوثيين في اليمن “جماعةً إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص”، (SDGT)، وذلك تحت أمر تنفيذي رقم (13224)، وسيدخل التصنيف حيّز التنفيذ في 15 فبراير المقبل؛ أي بعد ثلاثين يومًا من صدور القرار[1].

وأوضح مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، أن الهجمات الأخيرة التي شنّتها الجماعة على القوافل الخاصة بالشحن في البحر الأحمر “تتناسب مع التعريف التقليدي للإرهاب”[2]؛ ومع ذلك، أشارت الإدارة الأمريكية إلى أنه إذا أَوقفت الجماعة هجماتها في البحر الأحمر فيمكن النظر في حذف التصنيف[3].

في ضوء ذلك، تسعى هذه الورقة للإجابة عن مجموعة من الأسئلة، من بينها: ما الفرق بين تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص” (SDGT)، وتصنيفها “جماعة إرهابية أجنبية” (FTO)؟ وكيف تعاملت إدارة “بايدن” مع مسألة فرض العقوبات على جماعة “الحوثيين”؟ وهل من شأن التصنيف أن يؤثر في قدرات الحوثيين، ويدفعهم في آخر الأمر إلى وقف هجماتهم ضدّ حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر؟

تصنيفان مختلفان، أم عقوبات متدرجة؟

يُعدّ تصنيف “جماعة إرهابية مصنّفة بشكل خاص” أقل من حيث حدّة وشدة ونطاق العقوبات المفروضة من تصنيف “منظمة إرهابية أجنبية “FTO”، وذلك من ثلاثة أوجه:

1- يُجرّم القانون الفيدرالي الأمريكي تقديم “الدعم المادي أو الموارد” لمنظمة إرهابية أجنبية FTO؛ الأمر الذي يدفع البنوك العالمية وشركات التأمين والشركات الأخرى إلى قطع جميع علاقاتها مع هذه المنظمة. ولا ينطبق الشيء ذاته على تصنيف “منظمة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص” SDGT، حيث إن تقديم مثل هذا الدعم يتطلّب قبل كل شيء إجراء تحقيق في الأمر.

2- لا يُسمح تلقائيًّا بدخول أعضاء منظمة إرهابية أجنبية FTO إلى الولايات المتحدة، ولا ينطبق هذا على تصنيف “منظمة إرهابية عالمية مصنَّفة بشكل خاص”؛ بمعنى أنه قد يُسمح بدخول أعضاء المنظمة إلى أمريكا في الحالة الأخيرة؛ للمشاركة في أي أنشطة دبلوماسية، أو سياسية.

3- يتمكن ضحايا الهجمات الإرهابية، والناجون منها، من رفع دعاوى مدنية ضد الجماعات المصنَّفة “منظمة إرهابية أجنبية” FTO وضد الكيانات التي تدعمها؛ ممّا يضمن العدالة للضحايا، وزيادة الضغط المالي على هذه الجماعات. لكن لا يمكن مقاضاة الكيانات المصنَّفة ضمن تصنيف “منظمة إرهابية عالمية مصنَّفة بشكل خاص”، إلا بموجب قوانين وإجراءات أخرى.

وبرغم هذه الفروق بين التصنيفَين، فإنه يترتب عليهما فرض عقوبات، لكن بدرجات متفاوتة، فتصنيف أي جماعة “إرهابية مصنَّفة بشكل خاص” SDGT يمنح وزارة الخزانة الأمريكية القدرة على منع أعضاء هذه الجماعة من الوصول إلى الأموال في الولايات المتحدة، ومواقع أخرى داخل النظام المالي الدولي. إلا أن تصنيف أي جماعة “منظمة إرهابية أجنبية” FTO يزيد على ما سبق، بأنه يُجرّم تقديم أي شخص أو كيان داخل الولايات المتحدة، أو تتعامل معه الولايات المتحدة، “دعمًا ماديًّا” للجماعة المصنَّفة، بما في ذلك القتال من أجل الجماعة، أو إعطاؤها المال، أو الدعم العيني، أو التدريب. والأهم من ذلك، أن أي شخص يقدّم دعمًا ماديًّا لمنظمة مصنَّفة إرهابية أجنبية يعتبر إرهابيًّا من الدرجة الثالثة، ويخضع للعقوبات وحظر السفر. وهذا يجعل من الصعب والمحفوف بالمخاطر من الناحية القانونية على الآخرين الاتصال بمنظمة إرهابية أجنبية FTO[4].

وبعيدًا عن الجوانب القانونية، فإن القرار الأمريكي بشأن تصنيف الحوثيين يشير إلى أن إدارة بايدن، في ظل هجمات الحوثيين، قرّرت أن تُزاوج بين العمل العسكري والعمل السياسي والعمل الاقتصادي؛ للضغط على الجماعة. فبعد أن شكّلت إدارة بايدن في ديسمبر2023 تحالفًا دوليًّا تحت اسم “عملية حارس الازدهار” لحماية الملاحة الدولية ضد هجمات الحوثيين، قرّرت تصنيفهم “إرهابيين مصنَّفين بشكل خاص”؛ لتعطيل وصولهم إلى الأسواق المالية الدولية. ويبدو أن الإدارة قرّرت الاحتفاظ بخيار تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية”، ربّما كورقة أخيرة، وحتى تترك المجال للجهود الدبلوماسية؛ إذ إن تصنيف الحوثيين “منظمة إرهابية أجنبية” FTO يمنع الانخراط في “الدبلوماسية” معهم.

كيف تعاملت إدارة بايدن مع مسألة التصنيف؟

اختلف نهج إدارة بايدن في التعامل مع جماعة الحوثيين، وكيفية تصنيفهم، عن نهج إدارة ترامب، فقد أصدرت الأخيرة في الساعات الأخيرة من عمرها، في يناير 2021، قرارًا بتصنيف الجماعة “منظمة إرهابية عالمية مصنّفة بشكل خاص” SDGT، و”منظمة إرهابية أجنبية” FTO، معًا. وقد جاء قرار “ترامب” آنذاك بعد فترة شهدت مطالبات من المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن بالامتناع عن اتخاذ قرار بذلك. فبالرغم من أن الحوثيين كان ينطبق عليهم كافة شروط التعريف القانوني لتطبيق تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، فإن إدارة ترامب امتنعت في البداية عن التصنيف بناءً على طلب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي قَدّر أن ملايين المدنيين سيموتون بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المساعدات، إذا لم يتمكن البرنامج من العمل من خلال الحوثيين لتقديم المساعدة في المناطق التي يسيطرون عليها في البلاد.

غير أن إدارة بايدن سرعان ما ألغت قرار إدارة ترامب في فبراير 2021 جزئيًّا؛ للسماح للمسار الدبلوماسي بتسوية الحرب الأهلية المستمرة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وبين الحوثيين. وكان لدى الرئيس بايدن هدفان: الأول، تمكين منظمات الإغاثة من تقديم المساعدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن. والآخر، إظهار حُسن النية تجاه الحوثيين، وهو الأمر الذي كانت تأمل إدارة بايدن من ورائه أن يحفّزهم على المشاركة بحُسن نيّة في المحادثات السياسية. ولكن بعد ثلاث سنوات من تردّد الحوثيين في هذه المحادثات، يَعتقد فريق بايدن بأن إعادة تصنيفهم لن يعرّض المحادثات للخطر أكثر ممّا يفعله تعنُّت الحوثيين، وهجماتهم على الملاحة الدولية.

ومع ذلك، فقد جاء القرار أقل ممّا كان متوقّعًا في الأوساط السياسية بشأن قرب تصنيف الجماعة “جماعة إرهابية أجنبية”. وذلك ربّما لتهدئة مخاوف وكالات الإغاثة من أن يُفضي مثل هذا القرار إلى مفاقمة الكارثة الإنسانية في اليمن، وكذلك منعًا لانهيار الهدنة القائمة في اليمن.

وبالرغم من الإعفاءات الممنوحة للأنشطة الإنسانية، فإن وكالات الإغاثة حذّرت من إدراج الحوثيين ضمن المنظمات الإرهابية الأجنبية؛ إذ من شأن ذلك أن يُجرّم الدعم المادي للحوثيين، ويردع البنوك والشركات الأجنبية التي تتجنّب العقوبات من الاستمرار في القيام بأعمال تجارية في اليمن[5]. وحذّرت هذه الوكالات أيضًا من أن ضمان الامتثال لشبكة مربكة من العقوبات المالية يمكن أن يُعقّد تسليم المساعدات إلى البلاد، التي تقول الأمم المتحدة إن هناك أكثر من 21 مليون شخص فيها – ثُلثا السكان – يحتاجون إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء.

 وبما أن سريان تصنيف الحوثيين سيدخل حيّز التنفيذ بعد 30 يومًا، من وقت صدور القرار، فإن المسؤولين الأمريكيين -بحسب مصادر وتقارير إعلامية- سيضمَنون إيجاد الإعفاءات والحماية القانونية لمجموعات المساعدات الإنسانية، ووكالات الإغاثة النشطة في اليمن؛ من أجل “تقليل العواقب الإنسانية” على البلاد[6].

أثر القرار الأمريكي على جماعة الحوثي

من المؤكد أن التصنيف ستكون له بعض الآثار على قدرات الحوثيين، ولاسيّما أنه يمنح وزارة الخزانة الأمريكية القدرة على منع الحوثيين من الوصول إلى الأموال في الولايات المتحدة ومواقع أخرى داخل النظام المالي الدولي. وبصفة عامة، يمكن الإشارة إلى ملمَحين رئيسيين:

الأول: يتعلق هذا الملمح بالتمويل أو بالحصول على المكونات اللازمة لتصنيع بعض الأسلحة، ففي حين أن الحوثيين ليس لديهم حسابات مصرفية أمريكية لتجميدها، فإنهم يعتمدون على شبكة من الممولين والشركات الأمامية لتلقّي المكونات الازمة لتركيب الصواريخ والطائرات من دون طيار التي لديهم. وغالبًا ما تكون مصادر هذه المكونات تجارية، ومتعدّدة الاستخدامات، وتشكل جزءًا من النظام المالي الدولي، ومن ثم تستطيع وزارة الخزانة الأمريكية الوصول إليها وعرقلتها، وهو ما قد يقلّص من قدرة الحوثيين على الحصول على هذه المكونات.

الثاني: إن التصنيف قد يسهّل استمرار توجيه الضربات العسكرية الأمريكية للحوثيين وتكثيفها؛ إذ قد يحتاج الرئيس بايدن إلى موافقة الكونغرس لمواصلة هذه الضربات. وفي هذا الحالة يمكن للإدارة أن ترفع دعوى قانونية أمام الكونغرس بأن تهديد الحوثي يستحقّ العمل العسكري المستمر؛ الأمر الذي يسمح لها بتوسيع نطاق الضربات ضد الحوثيين، بما قد يُفضي إلى إضعاف آلة الحرب الخاصة بهم.

وبرغم هذه التأثيرات المهمة فإن التصنيف قد يَفقد بعض تأثيراته، خاصة أنه يتضمّن في الوقت ذاته ما يسمح للحوثيين بالعمل على تفادي هذه الآثار، وذلك كما يتضح مما يأتي:

– بما أن التصنيف لن يدخل حيّز التنفيذ قبل 15 فبراير المقبل، فإن هذا يوفّر للحوثيين الوقت لضبط تدفّقاتهم المالية، والتخفيف من الآثار المالية المحتمَلة للتصنيف.

– إن التصنيف الذي يعتبره البعض أكثر تواضعًا، والذي يفتقر إلى الحظر الجنائي القوي على الأطراف الثلاثة التي تقدّم الدعم المادي، لن يعزل الحوثيين عن التجارة الدولية والنظام المالي الدولي بالقوة ذاتها التي كانت ستحدُث إذا تم تصنيفهم “منظمة إرهابية أجنبية”؛ وبالتالي، لن يكون لدى الكيانات التجارية التي ترغب في تجنّب المسؤولية الجنائية في الولايات المتحدة المصلحة القوية ذاتها في قطع جميع العلاقات مع الحوثيين.

– بما أن الحوثيين لا يمتلكون سوى القليل من الأصول، إن وجدت، في المؤسسات المالية الأمريكية، فلن يكون لديهم الكثير لخسارته بموجب القرار.

خاتمة:

برغم أهمية التصنيف الأمريكي للحوثيين، فإن من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في تضييق الخناق بشدة على الحوثيين، ربّما رغبةً في عدم تصعيد الأمور مع الجماعة، وكذلك عدم التأثير على الوضع السياسي في اليمن، خاصة ما يتعلق بالهدنة القائمة بين الأطراف هناك، والتي أتاحت قدرًا من الاستقرار الذي ساعد في التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية الطاحنة التي ضربت اليمن في ظل الحرب العسكرية.

غير أن هذا التصنيف الذي قد يَنظر إليه البعض على أنه “نِصف إجراء” أمريكي في مواجهة جماعة الحوثيين، قد لا يكون كافيًا لردع الجماعة، ودفعها إلى وقف هجماتها على سفن الملاحة الدولية، وهو أمر مرجّح وتؤكده الشواهد كافة، وآخرها استمرار الجماعة في استهداف سفن الشحن، برغم سلسلة الضربات العسكرية التي تعرّضت لها على أيدي القوات الأمريكية والبريطانية. وعندئذٍ قد تجد إدارة الرئيس بايدن نفسها في مأزق يتطلب التفكير في إجراءات وخطوات جديدة تضع مزيدًا من الضغوط على الحوثيين. 

 

[1]  مصدر مطلع لـCNN: إدارة بايدن تتجه لإعادة تصنيف الحوثي جماعة “إرهابية”، (سي إن إن عربية، 17 يناير 2024) متوفر على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2024/01/17/biden-admin-expected-to-re-classify-yemeni-militant-group-houthis-global-terrorist-entity

(تاريخ آخر دخول للموقع: 18 يناير 2024) 

[2]  بيان لمستشار الأمن القومي جايك سوليفان، بشأن إدراج الحوثيين على قوائم الإرهاب، (وزارة الخارجية الأمريكية، 17 يناير 2024)، متوفر على الرابط: https://www.state.gov/translations/arabic/%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A-%D8%AC%D8%A7%D9%8A%D9%83-%D8%B3%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A7-20/

(تاريخ آخر دخول للموقع: 18 يناير 2024) 

[3]  واشنطن تعيد إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، (الجزيرة، 17 يناير 2024)، متوفر على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2024/1/17/%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9

(تاريخ آخر دخول للموقع: 18 يناير 2024) 

[4]  للمزيد حول الفروق بين التصنيفين انظر:

Foreign Terrorist Organizations, (US Department of State), available at: https://www.state.gov/foreign-terrorist-organizations/#:~:text=Foreign%20Terrorist%20Organizations%20(FTOs)%20are,(INA)%2C%20as%20amended.

Executive Order 13224, ((US Department of State, Counter Terrorism Bureau), available at: https://www.state.gov/executive-order-13224/

(Last time access: 18 January 2024) 

[5] Elizabeth Hagedorn, “US redesignates Yemen’s Houthis as terror group amid Red Sea attacks”, (Al Monitor, 17 January 2024), available at: https://www.al-monitor.com/originals/2024/01/us-redesignates-yemens-houthis-terror-group-amid-red-sea-attacks#ixzz8P9zVditu

(Last time access: 18 January 2024) 

[6] Ibid.

المواضيع ذات الصلة