Insight Image

تقديرات نتائج الانتخابات البرلمانية الهندية: الملامح والسيناريوهات

05 مايو 2024

تقديرات نتائج الانتخابات البرلمانية الهندية: الملامح والسيناريوهات

05 مايو 2024

يعرف كثيرون أن الهند على موعد مع انتخابات عامة هي الأكبر عالميًّا، ويبدأ التصويت في 19 إبريل ويستمر حتى 1 يونيو، على أن تُعلَن النتائج في 4 يونيو، ويُتوقع أن يُدلي 960 مليون ناخب- هو حجم الهيئة الناخبة- من أصل 1,4 مليار هندي بأصواتهم لاختيار 543 مقعدًا في المجلس الأدنى المعروف باسم “لوك سابها”، ليتحدد بناء عليه رئيس الوزراء القادم.[1]

وفي حين يتوقع جميع المراقبين استمرار رئيس الوزراء الحالي “ناريندرا مودي” لولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، برغم إعادة ترتيب صفوف المعارضة، فإن أيًّا من هؤلاء لا يجزم بحجم الأغلبية المتوقع لائتلاف مودي الحاكم في تلك الانتخابات، وتسعى هذه الدراسة لرصد وتحليل أهم ملامح هذه الانتخابات والتوقعات بشأنها.

  • هل الديمقراطية الهندية مهدَّدة؟

على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر أن معدلات تأييد مودي هي من الأعلى عالميًّا إذا ما قورنت بمعدلات تأييد غيره من الزعماء حول العالم، لأسباب عدة ذُكرت في مواضع مختلفة من الدراسة؛ منها شخصيته الفريدة وأداؤه الاقتصادي وإذكاؤه النزعة الهندوسية، فإن ذلك لم يمنع كثيرين محليًّا ودوليًّا من توجيه نقد لاذع له ولحكومته، وصل إلى اتهامه بأن الديمقراطية الأكبر في العالم تنزلق في عهده نحو حافة الاستبداد.[2]

ويرى المنتقدون لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم أن ولاية أخرى له بقيادة مودي يمكن أن تقوض مكانة الهند بصفتها دولة علمانية ديمقراطية، إذ يدّعون أن السنوات العشر التي قضاها في السلطة أدت إلى تنامي عداء القوميين الهندوس ضد الأقليات في البلاد؛ وخاصة المسلمين، كما أسهمت في تقليص مساحة المعارضة السياسية، وحرية وسائل الإعلام. [3]

ويُعد أول الانتقادات الموجهة إلى الحزب الحاكم بشأن اتجاهه نحو تقويض الديمقراطية في البلاد خاصة إذا فاز بولاية ثالثة هو انتقاد دستوري؛ فقد انتقدت المعارضة إلغاءه المادة 370 من الدستور – بشأن الوضع الخاص لجامو وكشمير- بالنظر إلى أن إلغاءها يُسهم في تقويض الديمقراطية في البلاد، ليرد “مودي” شخصيًّا على هذا الادعاء بقوله إن إلغاء هذه المادة يضمن تنفيذ الدستور في جميع أنحاء البلاد، وأن معارضة ذلك هو إفلاس سياسي للمعارضة، وقال ما نصه إنه “عندما يصبح رجل فقير رئيسًا للوزراء، تتعرض الديمقراطية لتهديد بالنسبة إلى المعارضة، إذ لا يمكنها – أي المعارضة- أن ترى ابن أم فقيرة ينمو في مكانته، لكن مودي ملتزم بخدمة شعب الهند”.[4]

وأيضًا؛ تأتي الانتقادات للحزب الحاكم في تقليص مساحة المعارضة السياسية في مساحات مختلفة؛ منها اتهام رئيس حزب المؤتمر “ماليكارجون كارجي” الحكومة بشلّ حزبه من خلال تجميد حساباته المصرفية قبيل الانتخابات الوطنية في إطار نزاع ضريبي، حيث طلبت سلطات الضرائب ما يقرب من 35 مليار روبية (426 مليون دولار) من حزب المؤتمر مستحقات ضريبية، وهو الاتهام الذي رد عليه الحزب الحاكم بأن الحسابات المصرفية لحزب المؤتمر جُمّدت جزئيًّا لأنه فشل في تقديم إقرار ضريبة الدخل للتبرعات النقدية التي تلقاها في الفترة من 2017 إلى 2018 وما تلاها، ومن ثمّ فإن الحزب فقدَ الإعفاء الضريبي الممنوح للأحزاب السياسية.

ولا تُعد واقعة “ضرائب حزب المؤتمر” الوحيدة، حيث فتحت حكومة “مودي” تحقيقات ضريبية ضد عدد ممن وُصفوا بأنهم “أصوات ناقدة” في السنوات الأخيرة، وقد استندت إلى القضايا الضريبية الناتجة عن تلك التحقيقات لإلغاء تسجيل العديد من المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج.

ففي فبراير 2023 فتّشت سلطات الضرائب مكاتب هيئة الإذاعة البريطانية في نيودلهي ومومباي، قائلة إنها لم تعلن بشكل كامل دخلها وأرباحها التي جنتها من نشاطها في البلاد، وقد أعقب عمليات التفتيش بث هيئة الإذاعة البريطانية فيلمًا وثائقيًّا في المملكة المتحدة ينتقد “مودي”.[5]

أما الاتهامات الموجهة إليه في تقييد الحريات السياسية فتتصل بادعاءات حول زيادة معدلات الاعتقال والتعذيب المزعوم للمحامين والصحفيين والناشطين الذين انتقدوه، وهي الاعتقالات التي طالت زعامات سياسية بارزة كالقبض على رئيس وزراء دلهي “أرفيند كيجريوال” زعيم حزب “آم آدمي” ذاته على خلفية تحقيقات وصفتها أحزاب المعارضة بأنها اعتقالات سياسية، وقد انعكس ذلك على وضع الهند في المؤشر العالمي السنوي لحرية الصحافة؛ فتراجعت الهند من المرتبة 140 في عام 2014 – وهو عام تولّي مودي السلطة- إلى المرتبة 161 من أصل 180 دولة في المؤشر لعام 2023.[6]

أما عن الاتهامات الموجهة بالإذكاء الثقافي للنزعة الهندوسية على حساب غيرها من النزعات؛ فقد وُجهت اتهامات إلى حكومة مودي بهدم آثار إسلامية، وإعادة تسمية المدن التي أسسها الحكام المسلمون القدامى، وكذا مراجعة كتب التاريخ المدرسية، وهو الأداء الذي يهدد بتحويل الهند من دولة تستند إلى قيم علمانية في الأساس، إلى دولة تستند إلى قيم هندوسية مؤثرة.

كما أن تلك الاتهامات اتصلت بأدائه التشريعي؛ إذ يرى بعضهم أن تعديلات حكومته لقوانين الجنسية والأحوال الشخصية جاء لمصلحة الهندوس على حساب المسلمين، كما وُجهت اتهامات تفيد بأن تعهده بإنشاء سجل وطني للمواطنين يُعد مثيرًا للقلق، لأنه ربما ينتهي إلى منع ملايين المسلمين الذين ليس لديهم أوراق ثبوتية كافية من التأهل للحصول على الجنسية، كما طالت الانتقادات شخصيته الفريدة ذاتها، فوصفته بأنه “لا يحب سماع المعارضة”، مستشهدة على ذلك بأنه خلال وجوده في السلطة لم يعقد مؤتمرًا صحفيًّا واحدًا، ولم يُجرِ أي مقابلات مرتجلة، ليصف عدد من المنظمات  الدولية البلاد في عهده بأنها “حرة جزئيًّا” أو أنها “ديمقراطية معيبة”، وعلى الرغم من تلك الانتقادات المتنامية في الداخل والخارج فإن ذلك لا يُشير إلى احتمالات جادة على فقده شعبيته والأغلبية المشكّلة للحكومة في الانتخابات الراهنة.[7]

  • الإطار التنظيمي والزمني والمالي للانتخابات الهندية 2024:

تُجرى الانتخابات الهندية في 19 إبريل الجاري ويستمر التصويت فيها حتى 1 يونيو، وتُجرى على سبعة مراحل للتصويت في أيام فردية منفصلة، وهي أيام 19 إبريل، و26 إبريل، و7 مايو، و13 مايو، و20 مايو، و25 مايو، و1 يونيو، على أن تُعلن النتائج في 4 يونيو، إذ تُدلي دوائر انتخابية عدة في ولايات متعددة بأصواتها، ويمكّن هذا الأسلوب من الاقتراع المتدرج لجنة الانتخابات الهندية من نشر أفراد الأمن الذين يضمنون سلامة وحرية مسؤولي الانتخابات الذين ينقلون أدوات التصويت.[8]

وعقب ذلك، تفرز لجنة الانتخابات الهندية الأصوات باستخدام نظام حسابي معقد، وعند الانتهاء من ذلك، يدعو رئيس الهند “دروبادي مورمو” الحزب الفائز إلى تشكيل الحكومة، ويُعيّن زعيم هذا الحزب رئيسًا للوزراء، وفي حالة عدم فوز أي حزب بأغلبية مطلقة، يتحالف الحزب الأول مع أحزاب أخرى أصغر في العادة.

خريطة رقم 1 توضح الولايات التي بها أكبر عدد من المقاعد في (لوك سابها)

المصدر: https://to.lk/aEDxik

وتنظيميًّا؛ يجري التصويت إلكترونيًّا بواسطة آلات تصويت إلكترونية عبر أكثر من مليون مركز اقتراع، فيُنشر 15 مليون موظف انتخابي، يسافرون عبر الطرق البرية والقوارب والجمال والقطارات والمروحيات للوصول لكل ناخب هندي، ففي الهند يوجد أعلى مركز اقتراعي في العالم على ارتفاع 15256 قدمًا (4650 مترًا) في قرية “تاشيغانغ” الواقعة في ولاية “هيماشال براديش” في أقصى الشمال على الحدود مع الصين، وكان آخر تصويت انتخابي لسكانها في انتخابات حكومة الولاية عام 2022.

شكل رقم 1 يوضح أداة التصويت الإلكتروني في الانتخابات الهندية

المصدر: https://to.lk/Vaijuf

أما من حيث الأعداد؛ فقد تنافس في الانتخابات التشريعية في عام 2019 أكثر من 8000 مرشح، وأكثر من 2700 حزب، منها ستة أحزاب وطنية، وأكثر من 70 حزبًا على مستوى الولايات، وتعتمد لجنة الأحزاب على الرموز الانتخابية للأحزاب للتغلب على أزمة الأمية لربع السكان تقريبًّا، فتُحدّد اللجنة لكل حزب رمزًا مخصصًا يظهر على بطاقات الاقتراع، ما يسهل عملية التمييز بين الأحزاب، مثل رموز مروحة السقف والمشط والمانجو، ويحصل الحزب الحاكم على رمز “زهرة اللوتس”، في حين يحصل حزب المؤتمر المعارض على رمز “يد مرفوعة وكف مفتوحة، وحزب “آم أدمي” على رمز المكنسة، وهو الرمز الذي يُشير إلى جذوره المستندة إلى حركة الشوارع المناهضة للفساد.[9]

شكل رقم 2 يوضح الرموز الانتخابية للأحزاب الكبرى في الهند

المصدر: http://surl.li/svcnv

ومن حيث الإنفاق الانتخابي؛ فإن الانتخابات الهندية تُعد الأغلى عالميًّا، متفوقة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ففي عام 2019 أنفقت الأحزاب السياسية الهندية ومرشحوها، والهيئات التنظيمية ما يصل إلى 8,6 مليارات دولار، وفقًا لتقديرات مركز الدراسات الإعلامية بدلهي، وهو الإنفاق الذي يُتوقع أن يرتفع هذا العام متجاوزًا هذا الرقم في ضوء تنامي التنافس الإقليمي المحلي للحزب الحاكم من أحزاب المعارضة لمنع سيطرته الانتخابية على الولايات التي تنشط فيها هذه الأحزاب، فقد توقعت بعض التقديرات أن يبلغ الإنفاق الانتخابي في انتخابات 2024 نحو 1,2 تريليون روبية أي ما يربو على 14 مليار دولار – وهو ضعف الإنفاق الانتخابي في انتخابات 2019- أي ما يقرب من 2.2 مليار روبية لكل دائرة انتخابية برلمانية في انتخابات 2024، وتدخل فيها بحسب مراقبين “الأموال القذرة”.

وتُعد تلك الأرقام تقديرية لصعوبة تتبع المدفوعات غير الرسمية المنتشرة على نطاق واسع في الحملات الانتخابية الهندية؛ خاصة المدفوعات غير القانونية – الرشاوى- للناخبين مقابل دعمهم، ومع ذلك اتخذت لجنة الانتخابات الهندية ضوابط للإنفاق في محاولة لمواجهة تلك الظواهر السلبية المرصودة، فوضعت حدًّا رسميًّا للإنفاق للمرشحين، يتراوح بين 7,% مليون و 9,5 مليون روبية لكل مرشح، وذلك استنادًا إلى الولاية التي يترشح فيها للانتخابات، في حين تتحمل الحكومة الاتحادية الهندية نحو 10% من إجمالي النفقات المتوقعة لإجراء الانتخابات، وذلك وفقًا لآخر أرقام متاحة في هذا الشأن، وهي نفقات انتخابات 2014 عندما أنفقت 38.70 مليار روبية أي ما يوازي 466 مليون دولار، أما باقي النفقات فتأتي من الأحزاب السياسية والمرشحين، مع الأخذ في الحسبان أن نفقاتهم القانونية والمحاسبية لا تمثل سوى جزء صغير من المبلغ الحقيقي المقدر للإنفاق في الانتخابات، فوفقًا لتقارير تتراوح نفقات المرشحين بين توزيع الأموال والهدايا الأخرى بدءًا من الدرجات الهوائية إلى الهواتف ورؤوس الأغنام ضمن حملاتهم الانتخابية في محاولة لجذب الأصوات، ومن ثم فإن حجم الإنفاق الانتخابي غير الرسمي من الضخامة بالدرجة التي قد تؤثر في الاقتصاد الهندي وتعزز فرص النمو إذ ما وُجهت تلك الأموال للاقتصاد بحسب بعض المراقبين.[10]

وعلى الرغم من إلغاء ما يُسمى “السندات الانتخابية” بموجب قرار المحكمة العليا الهندية مؤخرًا؛ وهو نظام السندات الانتخابية الذي اعتمدته حكومة “مودي” وقدمته إلى المانحين ومن ضمنهم الشركات في عام 2017، يسمح لهم بشراء الأدوات من البنوك التي تسيطر عليها الدولة لتمويل الأحزاب السياسية من دون إعلان أسمائهم، وهو النظام المثير للجدل الذي طعنت فيه المعارضة ومنظمات من المجتمع المدني، بوصفه نظامًا يسهّل الفساد وغسل الأموال، ويُسهم في تضليل الرأي العام بشأن “من يُمول الأحزاب”، حيث ألغته المحكمة العليا الهندية باعتباره نظامًا غير دستوري، إضافة إلى عدم دستورية النظام المذكور، فقد صاحَبت تطبيقه شبهات فساد؛ إذ تبرعت 33 شركة بسندات انتخابية بقيم تزيد على حجم أرباحها القانونية المسجلة، ما أثار تساؤلًا حول المصدر الحقيقي لهذه الأموال، وخاصة أن ثلاثة أرباع هذه الأموال ذهبت إلى لحزب الحاكم، كما تبين لاحقًا أن 30 شركة من الشركات المانحة التي اشترت السندات الانتخابية بدأت في شراء السندات بعد أن بدأت الوكالات الحكومية المعنية تحقيقات في جرائم اقتصادية ومخالفات ضريبية ضدها.[11]

وقد كان الحزب الحاكم هو المستفيد الأول من نظام السندات الانتخابية؛ إذ حصل على 57% من قيمة السندات الانتخابية المبيعة من 2018 إلى 2022 وفقًا لبيانات لجنة الانتخابات بقيمة 52.7 مليار روبية من إجمالي 92 مليار روبية (1,1 مليار دولار)، في حين حصل حزب المؤتمر المعارض على 9,6 مليار روبية، أي 10% في ذات الفترة، ومع ذلك مازال المال عاملًا حاسمًا في الانتخابات الهندية؛ خاصة “الأموال غير المحسوبة” -أي التي لا تظهر رسميًّا ضمن الإنفاق الانتخابي- وهي تؤدي دورًا مهمًّا في الحصول على الأصوات الانتخابية لأنها تُدفع رشاوى، وذلك وفقًا لتحليلات المراقبين بمؤسسة أوبزرفر للأبحاث بالعاصمة نيودلهي.[12]

  • شكل المنافسة وائتلافاتها:

تكمن المنافسة في الانتخابات الهندية بصورة رئيسية في الانتخابات المزمعة بين أكبر حزبين سياسيين في الهند؛ حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، وحزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض. وقد وصل حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى السلطة لأول مرة في عام 2014 بقيادة رئيس الوزراء الحالي “مودي”، وهو المستمر في الحكم حاليًّا، من خلال ائتلاف يُعرف باسم “التحالف الديمقراطي الوطني”، وقد حقق الحزب الحاكم فوزًا ساحقًا في انتخابات 2019 بعد حصوله على الأغلبية المطلقة بـ 303 مقاعد في “لوك سابها”.

أما على مستوى المعارضة فقد تشكل تحالف جديد في هذه الانتخابات تحت اسم “INDIA” وهي الأحرف الأولى لـ “التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل” بقيادة حزب المؤتمر يضم أحزابًا إقليمية، ومن بين القيادات الشهيرة لهذا التحالف “راهول غاندي” سليل عائلة غاندي الشهيرة عن حزب المؤتمر، وكذا الزعيم “أرفيند كيجريوال” رئيس وزراء دلهي وزعيم حزب “آم آدمي” “Aam Aadmi Party” أو حزب “الرجل العادي”، ومن الشخصيات السياسية ذات الثقل الإقليمي في ولاياتها رئيس وزراء ولاية البنغال الغربية “ماماتا بانيرجي” عن حزب عموم الهند ترينامول “All India Trinamool Congress”، وأيضًا رئيس وزراء ولاية “تاميل نادو” الجنوبية “موثوفيل كارونانيدهي ستالين”، بَيد أن الهدف الرئيسي العملي لتلك الأحزاب والزعامات ليس منافسة مودي على رأس السلطة في العاصمة؛ بل منع الحزب الحاكم بقيادة مودي من الاستيلاء الانتخابي على السلطة في ولاياتهم، فهم يُسلّمون نسبيًّا بعدم قدرتهم على إزاحة “مودي” في هذه الانتخابات.

ولعل تواضُع الهدف السياسي الرئيسي للتحالف الوليد مرده إلى عوامل عدة؛ منها ضعف التحالف ذاته، لاتساع رقعة التمايز الأيديولوجي بين الأحزاب المنضوية تحته من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهو ما ترتب عليه تنافس داخلي من ناحية، ومن ناحية أخرى شخصنة التحالف؛ بمعنى أن التحالف يستهدف شخص مودي ذاته ولا يتجاوزه لتقديم رؤى وبرامج سياسية مؤثرة وقادرة على التعبئة الجماهيرية، ومن ناحية ثالثة عدم بزوغ زعامات تتمتع ببعض الكاريزما التي يتمتع بها “مودي” وقدراته الخطابية الحماسية، إضافة إلى الادعاءات بشأن التضييق الحكومي على أحزاب المعارضة والحريات السياسية كأزمات الضرائب وتوقيف الصحفيين والمحاميين السابق ذكرهم، وهي الأسباب التي تجعل المنافسة الانتخابية الراهنة بين الحزب الحاكم وائتلافه من ناحية، والتحالف الوليد لأحزاب المعارضة من جهة أخرى، يتوقف عند حدود توسيع رقعة السيطرة المحلية لأحزاب المعارضة على ولاياتها، من دون تجاوز للمنافسة الانتخابية على المستوى القومي وإزاحة “مودي” من الحكم.[13]

  • شخصية “مودي” كمحدِّد رئيسي في انتخابات 2024:

تعد شخصية “مودي” محدِّد رئيسي في انتخابات 2024 بين صفوف الحكم والمعارضة على حد سواء، ولكن من رؤى متباينة – أو قل شديدة التباين- بشأنه، بَيد أن مسيرته السياسية شهدت جدلًا كبيرًا وإنجازات مهمة وتحديات كادت تعصف بمستقبله السياسي، وبناء على ذلك تستعرض الدراسة في هذا المقام الملامح الرئيسية لشخصية مودي، وتُفرد مساحة للإنجازات التي بلورت الكاريزما القوية التي يتمتع بها، وصولًا لأن يصبح أحد الزعماء التاريخيين في الهند، برغم ما شهدته العديد من سياساته الإصلاحية من انتقادات.

هو “ناريندرا دامودارداس مودي”، البالغ من العمر 73 عامًا، وُلد في 17 سبتمبر 1950م[14]، بمدينة “فادناغار بالهند، وقبل أن يقود حزبه للفوز في الانتخابات البرلمانية بالغرفة الأدنى “لوك سابها” في 2014م، شغل منصب رئيس وزراء ولاية “غوجارات” في غرب الهند في الفترة من 2001 إلى 2014، وقد نشأ مودي في بلدة صغيرة في شمال ولاية “جوجارات”، وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة “جوجارات” في أحمد آباد، لينضم بعد ذلك إلى منظمة مؤيدي الهندوسية “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (RSS) في بداية السبعينيات، وتأسيس جناح طلاب منظمة (RSS) المعروف باسم “أخيل بهاراتيا فيديارثي باريشاد” في منطقته، ليتدرج في المناصب بالمنظمة التي أفادته بشكل كبير في مسيرته السياسية اللاحقة.[15]

وفي عام 1987م التحق “مودي” بحزب بهاراتيا جاناتا، ليصبح بعد عام واحد أمينًا عامًا لفرع الحزب في ولاية “جوجارات”، ويمارس دورًا فاعلًا حينها في تعزيز وجود الحزب في الدولة كلها بشكل كبير في السنوات التالية، وفي عام 1990م كان مودي أحد أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا” الذين شاركوا في حكومة ائتلافية في ولاية “جوجارات”، وأسهم في فوز الحزب بانتخابات المجلس التشريعي للولاية عام 1995، وهو ما مكّن الحزب من تشكيل أول حكومة يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا في مارس من  العام نفسه، وتكون بذلك أول حكومة للحزب في مختلف أنحاء الهند، بَيد أن سيطرة حزبه على حكومة الولاية كانت قصيرة الأمد نسبيًّا، وانتهت في سبتمبر 1996م.[16]

[17]وفي عام 1995، أصبح مودي سكرتيرًا للمنظمة الوطنية لحزب بهاراتيا جاناتا في نيودلهي، وبعد ثلاث سنوات أصبح أمينًا عامًا لها، وبقي في منصبه لمدة ثلاث سنوات أخرى، ولكن في أكتوبر 2001 حلّ محل رئيس وزراء ولاية “غوجارات” حينها، زميله في الحزب “كيشوبهاي باتيل”، وذلك بعد أن جرى تحميل “باتيل” مسؤولية الاستجابة الضعيفة لحكومة الولاية عقب زلزال ضخم عُرف باسم زلزال “بوج” في ولاية “غوجارات” في وقت سابق من ذلك العام، وهو الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 20 ألف شخص، ليدخل بعدها “مودي” أول منافسة انتخابية له على الإطلاق في الانتخابات المحلية التي أُجريت في فبراير 2002، وفاز فيها بمقعد في مجلس ولاية “غوجارات”.

وقد تأرجحت مسيرة مودي منذ ذلك الحين بين الجدل حوله وإنجازاته التي روج لها ذاتيًّا، فعلى سبيل المثال كان دوره رئيسًا للوزراء خلال أعمال الشغب الطائفية التي اجتاحت ولاية “غوجارات” في عام 2002 موضع تساؤل بشكل خاص، إذ اتُهم بالتغاضي عن أعمال العنف، أو على الأقل عدم فعل الكثير لوقف مقتل أكثر من ألف شخص، أغلبهم من المسلمين، وذلك عقب مقتل عشرات من الركاب الهندوس أُضرمت النيران في قطارهم بمدينة “جودهرا”، ومن مفارقات مسيرته السياسية رفض الولايات المتحدة إصدار تأشيرة دبلوماسية له في عام 2005 على أساس أنه كان مسؤولًا عن أعمال الشغب التي اندلعت عام 2002، وقد وجهت له المملكة المتحدة نقدًا بشأنها أيضًا.

وبالرغم من أن مودي نفسه أفلت في السنوات التالية من أي اتهام أو انتقاد – سواء من قبل القضاء أو جهات التحقيق- فقد أُدين بعض المقربين منه بالتواطؤ في أحداث عام 2002، وحُكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، كما اتُهمت إدارة مودي بالتورط في عمليات القتل خارج نطاق القضاء – وهو ما أُطلق عليه المواجهات المزيفة- على يد الشرطة أو سلطات إنفاذ القانون الأخرى، وإحدى هذه الحالات ما حدث في عام 2004 عندما قُتلت امرأة وثلاثة رجال، وصرح المسؤولون حينها بأنهم أعضاء في منظمة “عسكر طيبة” الإرهابية التي تتخذ من باكستان مقرًّا لها – والتي اتُّهمت لاحقًا بالاشتراك في هجمات مومباي الإرهابية عام 2008- إذ زُعم أنهم كانوا متورطين في التخطيط لاغتيال مودي نفسه.

وعلى الرغم من تلك العثرات فإن النجاح السياسي المتكرر له في ولاية “غوجارات” جعل منه زعيمًا لا غنى عنه داخل نخبة حزب بهاراتيا جاناتا، وهو ما سهّل عليه الاندماج من جديد في التيار السياسي الرئيسي للحزب، وتحت قيادته حقق حزب بهاراتيا جاناتا انتصارًا كبيرًا في انتخابات الجمعية التشريعية في ولاية غوجارات في ديسمبر 2002، إذ فاز بـ 127 مقعدًا من أصل 182 مقعدًا في برلمان الولاية، وبسبب أدائه في ملفات النمو والتنمية في الولاية فاز الحزب مرة أخرى في انتخابات مجلس الولاية عام 2007 بمجموع مقاعد بلغ 117 مقعدًا، ومرة تالية في انتخابات 2012 ليحصل على 115، وفي هاتين المرتين فاز مودي، ليتولى منصب رئيس وزراء الولاية.[18]

وفي تلك الفترة التي قضاها مودي رئيسًا لحكومة ولاية “غوجارات” اكتسب سمعة واسعة باعتباره إداريًّا فذًّا، ويُنسب له الفضل في النمو السريع لاقتصاد الولاية، وكذا ساعد أداءه الانتخابي والفوز المتكرر للحزب في الولاية على تعزيز مكانة مودي السياسية، ليس باعتباره الزعيم الأكثر تأثيرًا داخل الحزب فقط؛ بل كمرشح محتمل لمنصب رئيس وزراء الهند، ليتم اختياره زعيمًا لحملة حزب بهاراتيا جاناتا لانتخابات 2014 للطريق نحو “لوك سابها”.

وبعد حملة انتخابية قوية، قدم مودي نفسه باعتباره مرشحًا عمليًّا قادرًا على تغيير مسار الاقتصاد الهندي الضعيف الأداء؛ وحقق هو وحزبه الفوز في الانتخابات على المستوى الوطني، إذ فاز الحزب بأغلبية معتبرة من مقاعد المجلس، وأدى مودي اليمين رئيسًا للوزراء في 26 مايو 2014، وبعد فترة وجيزة من توليه المنصب، شرعت حكومته في إجراء إصلاحات واسعة، بما في ذلك حملات لتحسين البنية التحتية لوسائل النقل في البلاد، وتحرير القواعد المتعلقة بالاستثمار الأجنبي المباشر، وإصلاحات اقتصادية أخرى[19]، كما نفذ سياسات تعزيز الثقافة الهندوسية، التي جذبت الهندوس على نطاق واسع؛ مثل محاولته حظر بيع الأبقار للذبح.[20]

وقد حقق “مودي” إنجازين دبلوماسيين مهمين في وقت مبكر من ولايته، ففي منتصف سبتمبر 2014 استضاف الرئيس الصيني “شي جين بينج”، وهي المرة الأولى التي يزور فيها زعيم صيني الهند منذ ثماني سنوات، وفي نهاية ذلك الشهر بعد حصوله على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، زار مودي مدينة نيويورك واجتمع مع الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما، ووُصفت الزيارة بالناجحة جدًّا حينها.

وكان لمجمل سياساته؛ خاصة الاقتصادية، تداعيات وتغييرات هيكلية صاحبتْها اضطرابات مؤقتة شعر بها المواطن الهندي في جميع أنحاء البلاد، منها إجراءات بعيدة المدى كإجراء سحب النقود واستبدال الأوراق النقدية من فئتي 500، 1000 روبية مع إشعار قبل بضع ساعات فقط، وكان الهدف من وراء ذلك وقف “الأموال السوداء” – وهي الأموال النقدية المستخدمة في أنشطة غير مشروعة- من خلال جعل تبادل مبالغ نقدية كبيرة أمرًا صعبًا، وفي العام التالي عملت الحكومة على ترسيخ مركزية نظام ضريبة الاستهلاك من خلال إقرار ضريبة السلع والخدمات، التي حلت محل نظام مربك لضرائب الاستهلاك المحلي، وألغت مشكلة الضرائب المتتالية، وقد كان لهذه السياسات دور في تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي كان مرتفعًا بالفعل؛ إذ وصل إلى 8,2% في عام 2015، كما نجحت إصلاحاته في توسيع القاعدة الضريبية للحكومة، ولذلك، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدل البطالة خيبت آمال كثيرين، إذ لم تتحقق وعوده المنشودة بالنمو الاقتصادي.[21]

وقد انعكست خيبة الأمل لدى الناخبين بشأن العوائد الاجتماعية للنمو الاقتصادي خلال الانتخابات المحلية في خمس ولايات، فخسرها حزب بهاراتيا جاناتا جميعًا في أواخر عام 2018، بما في ذلك المعاقل التقليدية للحزب في ولايات “ماديا براديش” و”راجستان” و”تشاتيسجاره”، وفاز حزب المؤتمر الوطني المعارض بمقاعد أكثر في مجالس الولايات الخمس مقارنة بحزب بهاراتيا جاناتا، وهو ما دفع المراقبون إلى توقع انحسار شعبية الحزب في انتخابات ربيع 2019، لكن الكاريزما والشعبية التي يتمتع بها مودي شخصيًّا ساعدت حزبه على الفوز بأغلبية مطلقة مريحة في تلك الانتخابات تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا، ويضاف إلى  الكاريزما التي يتمتع بها مودي، محدد آخر عزز من فرصه في انتخابات 2019، هو تصاعد التوترات مع باكستان إلى ذروتها منذ عقود في تلك الفترة؛ الأمر الذي عزز شعبيته قبل أشهر فقط من الانتخابات، ليفوز بعد الأداء الذي وُصف بالباهت لحزب المؤتمر ومرشحه حينها “راهول غاندي”، ويصبح مودي بذلك أول رئيس وزراء للهند من خارج حزب المؤتمر يُعاد انتخابه بعد فترة ولاية كاملة.

وفي ولايته الثانية، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لجامو وكشمير، وجردتها من الحكم الذاتي في أكتوبر 2019، ووضعتها تحت السيطرة المباشرة للحكومة الاتحادية، وقد تعرضت هذه الخطوة لانتقادات واسعة، بل إنها واجهت تحديات قضائية، ليس بسبب الشرعية المشكوك فيها لحرمان سكان جامو وكشمير من تقرير المصير فقط، بل لأن الحكومة فرضت قيودًا شديدة على الاتصالات وحرية الحركة في الإقليم أيضًا.[22]

وفي مارس 2020 اتخذ مودي حزمة من الإجراءات الحاسمة لمكافحة تفشي فيروس كورونا في البلاد، فنفذ بحزم وسرعة قيودًا صارمة على مستوى البلاد للتخفيف من انتشار المرض، بينما أصبحت شركات التكنولوجيا الحيوية في البلاد من اللاعبين الرئيسيين في السباق لتطوير اللقاحات، وتقديمها في جميع أنحاء العالم، كما اتخذ حزمة من السياسات لمواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، منها إجراءات تنفيذية في يونيو 2020 لتحرير القطاع الزراعي، وهي الخطوة التي جرى تقنينها لاحقًا لتصبح قانونًا في سبتمبر، وقد تعرضت هذه الخطوة للنقد خشية أن تجعل الإصلاحات الزراعية المزارعين عرضة للاستغلال، وخرج المتظاهرون إلى الشوارع معارضين للقوانين الجديدة، وهي المظاهرات التي تطورت مع بداية نوفمبر لتصبح أكثر تنظيمًا وحشدًا وتكون بمثابة اضطراب منتظر؛ خاصة في مدينة دلهي.

وفي 2021 أدت سياساته إلى نتائج عكسية، وتصاعدت الاحتجاجات لتبلغ ذروتها باقتحام “القلعة الحمراء” في يناير 2021، وفشلت القيود غير العادية وحملات القمع التي نفذتها الحكومة في قمع الاحتجاجات، ومع انخفاض انتشار فيروس كورونا بصورة ملحوظة في يناير وفبراير 2021، فإن الزيادة السريعة في الحالات الناجمة عن متغير دلتا الجديد في أواخر إبريل 2021 أدت إلى إرهاق نظام الرعاية الصحية في البلاد.[23]

ومع تعرضه لانتقادات محلية واسعة بسبب سياسته وصلت إلى اتهامه بالإهمال، نظم مودي حملة انتخابية ضخمة قبيل انتخابات الولايات في مارس وإبريل 2021، ومع ذلك خسر حزبه في إحدى الولايات الرئيسية على الرغم من كثافة حملاته، ومع اقتراب جولة أخرى من انتخابات الولايات في نوفمبر 2021 من ناحية واستمرار الاحتجاجات من ناحية أخرى، أعلنت حكومته أنها ستلغي الإصلاحات الزراعية.[24]

وبناء على ذلك فإن الكاريزما التي يتمتع بها مودي في الأساس تبلورت بفعل نشاطه في التنظيمات الهندوسية المبكرة، ودعمه الواسع لسياسات تعزيز الهندوسية، بقدر أكبر من إصلاحاته الاقتصادية التي أسهمت هي الأخرى في تعزيز شعبيته، بَيد أنها لم تنجُ من انتقادات واسعة ترتب عليها تراجع محدود في بعض الأحيان، ولعل إدراك المعارضة لهذه الشعبية جعلها تركز على شخصيته في الأساس.

  • الأجندات الانتخابية للمتنافسين:

وعد مودي خلال الحملات الانتخابية المكثفة في جميع أنحاء البلاد بتوسيع الاقتصاد الهندي إلى 5 تريليونات دولار بحلول عام 2027 من الرقم الراهن الذي يدور حول 3.7 تريليونات دولار، كما وعد بوضع الهند على المسار الصحيح لتصبح دولة متقدمة بحلول عام 2047، عندما تحتفل البلاد بمرور 100 عام على استقلالها عن المستعمر البريطاني، كما أعلن أن حزبه سيعمل على تطوير قدرات البلاد لتكون الهند مركزًا لصناعات الأدوية والطاقة وأشباه الموصلات والسياحة، وكذا وعد بتحديث البنية التحتية للبلاد بما في ذلك السكك الحديدة والمسارات الجوية والممرات المائية، ووعد بزيادة فرص العمل للشباب، وتوفير فرص الحصول على قروض ميّسرة لرواد الأعمال الشباب، أما على الجانب الآخر فتدور الأجندات الانتخابية لائتلاف المعارضة حول نقد مودي ذاته[25].

ويعتمد مودي في هذه الانتخابات على خططه للرعاية الاجتماعية، فقد قدم مؤخرًا خططًا سخية تمثلت في توفير الحبوب المجانية لنحو 800 مليون من فقراء الهند، وراتب شهري قدره 1250 روبية أي ما يوازي 16 دولارًا للنساء من ذوات الدخل المنخفض، في حين يُعلن حزب المؤتمر في بيانه الرسمي في حملاته الانتخابية لعام 2024 أن البطالة لاتزال مرتفعة، وخاصة بين الشباب، وعليه يعد بزيادة مدفوعات الرعاية الاجتماعية للنساء، وكذا يعد بتوفير ثلاثة ملايين وظيفة حكومية إضافية، وأيضًا التوسع في برامج التدريب المهني لخريجي الجامعات، بَيد أن وعده الأهم هو أنه سيوقف “انزلاق الهند نحو الاستبداد”، مستندًا في ذلك إلى ادعاءات مجموعات الأقليات أنها غالبًا ما تواجه التمييز والهجمات، ما أجبر أفرادها على العيش كمواطنين من “الدرجة الثانية” في ظل حكم مودي، وهو الادّعاء الذي ينفيه الحزب الحاكم.

  • توقعات النتائج الانتخابية واستطلاعات الرأي:

تتأرجح توقعات استمرار ائتلاف الحزب الحاكم بأكثر من 400 مقعد لتدور حول 411 مقعدًا بوصفه أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، وبين فوز الائتلاف الحاكم بأغلبية 272 مقعدًا في لوك سابها وهو الحد الأدنى اللازم لتشكيل الحكومة، وذلك بوصفه أكثر السيناريوهات تشاؤمًا، وبناء على ذلك يتفق المراقبون في الداخل والخارج على فوز مودي بولاية ثالثة تضعه في مكانة سياسية فريدة بين زعماء الهند التاريخيين؛ على الرغم مما تُثيره من تحديات مهمة في المستقبل المنظور.[26]

تُشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه من المتوقع أن يقتصر عدد مقاعد تحالف كتلة الهند المعارضة بقيادة حزب المؤتمر على 94 مقعدًا، وذلك على الرغم من التغطية الإعلامية له التي وُصفت بالواسعة، كما يُتوقع أن تنكمش مقاعد حزب المؤتمر  لتصبح 38 مقعدًا، بعد أن حصد 52 مقعدًا في انتخابات 2019، و44 في انتخابات 2014، في حين تُعد واقعة اعتقال رئيس وزراء دلهي “أرفيند كيجريوال” زعيم حزب آم آدمي أحد الملفات المهمة في هذه الانتخابات، فعلى الرغم من الزخم الذي قد تُضيفه إلى الانتخابات الهندية الراهنة، فإنه لا يمكن توقع اتجاهات تأثيرها بعد، وإذا ما كانت ستمثل فرصة لحصد أصوات متعاطفة مع الحزب تمكنه من الحصول على عدد أكبر من المقاعد التي ما كان ليحصل عليها لو لم يُعتقَل زعيمه، أم أنها ستضر بفرص الحزب في الانتخابات.[27]

وتتوقع معظم استطلاعات الرأي أن الحزب الحاكم قادر على الحصول على ثلث المقاعد في المركز، وإن توقعت معظمها عدم قدرته على وصوله لهدفه وهو تجاوز 400 مقعد، ويوضح الشكل الآتي التوقعات لعدد من المؤسسات التي أجرت استطلاعات رأي بشأن الانتخابات.

جدول رقم 1 يوضح التوقعات المتفاوتة بين الجهات المختلفة لاستطلاعات الرأي بشأن نتائج الانتخابات الراهنة

المصدر: https://to.lk/EpoPbL

وفقًا للجدول السابق؛ وصلت أكثر التوقعات تفاؤلًا إلى احتمالية فوز الائتلاف الحاكم بـ393 مقعدًا منها 343 مقعدًا للحزب الحاكم، ما يعني قدرته النظرية على تشكيل الحكومة منفردًا لتجاوزه حاجز الأغلبية المقدر بـ272 مقعدًا، وقد قدّر الاستطلاع ذاته حصول تحالف الهند المعارض على 99 مقعدًا منها 40 مقعدًا لحزب المؤتمر، لينخفض بذلك عدد ما سيحصل عليه من مقاعد مقارنة بانتخابات 2014 و2019 على السواء، في حين أن أكثر التوقعات تشاؤمًا تتوقع حصول الائتلاف الحاكم على 335 مقعدًا منها 304 مقاعد للحزب الحاكم منفردًا، وهي الأغلبية التي تمكنه نظريًّا من تشكيل الحكومة منفردًا أيضًا، وذلك مع توقع حصول تحالف الهند المعارض على 166 مقعدًا منها 71 مقعدًا لحزب المؤتمر ليتجاوز بذلك عدد مقاعده الحاصل عليها في انتخابات 2014 و2019، وعليه تتفق التقديرات واستطلاعات الرأي كافة على اتجاه مودي وائتلافه الحاكم نحو الفوز بولاية ثالثة مريحة في انتخابات 2024.[28]

  • الخاتمة:

 على الرغم من إقرار المعارضة ذاتها بعدم قدرتها على إزاحة مودي في هذه الانتخابات، واتفاقها على أهداف سياسية دون ذلك كإزاحته من بعض الولايات، أو استمرار سيطرتها الإقليمية على ولاياتها، ومن ثم توقع انتهاء الانتخابات التشريعية الراهنة للوك سابها بأغلبية مريحة لحزب مودي الحاكم، فإن ذلك لا ينفي بأي حال تشكل تحديات مهمة أمام مودي وحكومته في المستقبل المنظور تتمثل في تنامي الانتقادات داخليًّا وخارجيًّا لحكومته وأدائها السياسي؛ كادعاءات دفعها الديمقراطية الهندية نحو الانحسار، واتساع تأثير نظام التمويل السياسي غير المتكافئ عبر الأموال السوداء، والتقييد السياسي بحق المعارضة والصحفيين والمحاميين عبر استهداف قانوني كالتحقيقات وتوجيه اتهامات بالفساد وصلت إلى حد السجن لبعض المعارضين، أو انتقادات النظام الانتخابي ذاته المتمثل في الاتهامات الموجهة للجنة الانتخابات الهندية بشأن استقلالها، وكذا معالجتها للمشكلات الانتخابية بصورة فعالة كضعف عمليات التحقق في نظام التصويت الالكتروني، وما يتصل به من مزاعم بقمع الناخبين من الأقليات الأخرى، وكذا ادعاءات إضعاف الحكومة لفرص الحصول على المعلومات، بَيد أن الانتقاد الأهم في هذا الشأن هو الاتهامات الموجهة لها بإذكاء خطاب الكراهية عبر النزعات القومية، وهي الأزمات – خاصة الأخيرة منها- التي لن تجعل مهمة مودي يسيرة في انتخابات 2029، بل يمكن أن تؤدي إلى مساحات متزايدة من الاضطرابات حال استمرارها.


[1] Rajvanshi, Astha. “What to Know About India’s 2024 Election.” TIME, April 12, 2024. https://shorturl.at/hlBF8 .

[2] Reporter, G. S. (2023, April 26). The Observer view on the growing threat to democracy in India. The Guardian. https://rb.gy/34ykoa

[3]———. “Lok Sabha Elections 2024: BJP Vows to Turn India Into Manufacturing Hub | AP News.” AP News, April 14, 2024. https://shorturl.at/asCG7 .

[4] Pti. (2024, April 10). When a poor man becomes PM, opposition says democracy is under threat: PM Modi. The Economic Times. https://rb.gy/s7d711

[5] Sharma, A. (2024, April 5). India’s opposition makes its election case, calling Modi an autocrat and promising aid to the poor | AP News. AP News. http://surl.li/splif

[6] The Hindu Bureau. (2023, May 4). India slips in World Press Freedom Index, ranks 161 out of 180 countries. The Hindu. http://surl.li/svces

[7] Narendra Modi Is a Grave Threat to Indian Democracy (online) – Intelligence Squared. (2022, February 2). Intelligence Squared. http://surl.li/svbob

[8] “India Election 2024: When Are They, Why Do They Matter and Who Can Vote?” BBC News, April 18, 2024. https://to.lk/aEDxik

[9] Keswani, P. (2024, April 19). 2024 Elections: Political Party Symbols, their origins and what do they mean? The Hindu. http://surl.li/svcnv

[10] Sharma, S. N. (2023, December 24). Freebies Frenzy: Indian politics grapples with electoral promises amid economic concerns. The Economic Times. https://to.lk/DcjESA

[11] “With Democracy under Threat in Narendra Modi’s India, How Free and Fair Will This Year’s Election Be?” n.d. Stretton Institute | University of Adelaide. Accessed April 22, 2024. https://to.lk/wmgvSI .

[12] Pradhan, B. (2024, April 8). India’s general election set to be the world’s most expensive at more than $14 billion. The National. https://rb.gy/msvig9

[13] Ellis-Petersen, H. (2024, March 21). Indian opposition claim ‘conspiracy’ as Delhi chief minister arrested. The Guardian. http://surl.li/svbzz

[14]  The Information Architects of Encyclopaedia Britannica, “Narendra Modi Facts,” Encyclopedia Britannica, n.d., https://shorturl.at/fyAS0 .

[15] Mitra, Amit. “RSS Flagging Modi Government’S Failures Reveals Anxiety and Discontent Within Sangh Parivar.” The Indian Express, October 15, 2022. https://shorturl.at/loLX5.

[16] The Wire. “How Narendra Modi Transformed From an RSS Pracharak to a Full-Fledged Politician and Hindu Hridaysamrat,” n.d. https://shorturl.at/cht38 .

[17] Goyal, Shikha. “Narendra Modi Biography: Childhood, Family, Education, Political Life, Net Worth & Key Facts.” Jagranjosh.Com, February 3, 2022. http://surl.li/splez .

[18] DH Web Desk, and DH Web Desk. “PM Modi Turns 69: A Timeline of His Political Career.” Deccan Herald, September 17, 2019. http://surl.li/splfl .

[19] The Economist. “Narendra Modi’s Most Distinctive Economic Policies Were His Worst.” The Economist, February 28, 2019. http://surl.li/splfx .

[20] Ibrahim, Azeem. “How Modi Is Using Hinduism to Turn India Into an Autocracy.” Foreign Policy, April 13, 2021. http://surl.li/splgf .

[21] Ojha, Sangeeta. “Nine Years of Narendra Modi Government: How Income Tax Rules Changed in This Period | Mint.” Mint, May 30, 2023. http://surl.li/splgp .

[22] Hussain, Aijaz. “India’s Supreme Court Upholds Government’s Decision to Remove Disputed Kashmir’s Special Status | AP News.” AP News, December 11, 2023. http://surl.li/splhd .

[23] Pti. “Coronavirus | India Under PM Modi Has Fought Most Successful Battle Against COVID-19 in the World: Amit Shah.” The Hindu, January 16, 2021. http://surl.li/splhr .

[24] Encyclopedia Britannica. “Narendra Modi | Biography & Facts,” April 15, 2024. http://surl.li/splhw .

[25]Ashok Sharma, “India’s Opposition Makes Its Election Case, Calling Modi an Autocrat and Promising Aid to the Poor | AP News,” AP News, April 5, 2024, http://surl.li/splif .

[26] Online, E. (2024, April 20). NDA’s “400 paar” dream faces reality check, Bernstein report suggests. The Economic Times. https://to.lk/rhRLjO

[27] Tiwari, S. (2024, April 3). Fact Check: India Today opinion poll DID NOT predict 4 seats for Opposition in Delhi, viral post is misleading. India Today. https://to.lk/VspcaF

[28] Anand, A. (2024, April 19). Lok Sabha Elections 2024: How exact are the opinion polls? It’s been hit-and-miss affair so far | Mint. Mint. https://to.lk/EpoPbL

المواضيع ذات الصلة