Insight Image

تنافس جهادي.. دلالات تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية

06 مارس 2024

تنافس جهادي.. دلالات تصاعد هجمات “داعش” ضدَّ حركة الشباب الصومالية

06 مارس 2024

 

 

يبدو أن الصراع والتنافس بين تنظيمي “داعش” و”القاعدة” على التمدد والنفوذ ومصادر التمويل في إفريقيا، قد انعكس صداه بقوة على الصومال، التي أصبحت ساحة صراع مفتوحة بين تنظيم داعش (ولاية الصومال) الذي يسعى إلى تعزيز حضوره على الأرضي الصومالية، وبين حركة شباب المجاهدين- ذراع تنظيم القاعدة – صاحبة النفوذ الجهادي التقليدي في البلاد، التي تعمل جاهدة لتكريس نفوذها في البلاد دون منافسة من أي تنظيمات جهادية أخرى، وهو ما أدى إلى اندلاع العديد من المواجهات المسلحة بين الطرفين، تصاعدت حدَّتها خلال الفترة الأخيرة بشكل لافت للنظر، خصوصًا بعدما تحوَّل تنظيم داعش في صراعه مع “الشباب” من الدفاع إلى الهجوم، في محاولة للسيطرة على مساحات جغرافية في المناطق النائية والجبلية الوعرة، لتأسيس ما يشبه الإمارات الجهادية.

وهو ما أشارت إليه صحيفة “النبأ” الأسبوعية، التي احتفت في العدد 428 بتاريخ 1 فبراير 2024، بسيطرة التنظيم على مساحات واسعة انتزعها من مقاتلي حركة “الشباب” شرق الصومال، بعد معارك طويلة أسفرت عن مقتل وإصابة 230 من عناصر الشباب – بحسب زعم الصحيفة – التي ذكرت أنّ مقاتلي “داعش” استعادوا السيطرة على مساحات كبيرة تضم 10 قرى، وحيازة كمية كبيرة من الأسلحة، وذلك في ضوء الصراع المفتوح بين الطرفين، وهو ما جعل مناطق عديدة من الصومال تشهد موجة من العنف المسلح، بعدما أصبحت المواجهات المسلحة لا تقتصر على المواجهات بين الحكومة الصومالية وبين التنظيمات الإرهابية، وإنما اتسعت لتشمل المواجهات بين “داعش” و”القاعدة”، يمكن وصفها بالمواجهات الأكثر شراسة في الصومال.

ومن هذا المنطلق تسعى هذه الدراسة إلى تناول الحالة التنظيمية لتنظيم “داعش-الصومال”، وأبرز التهديدات المتصاعدة لهذا التنظيم، وأسباب الصراع المحتدم بينه وبين حركة الشباب، ومستقبل الصراع بين الطرفين، في ظل توفر العديد من الممهدات والأسباب التي تغذى هذا الصراع وعلى رأسها عجز الحكومة الاتحادية عن تسطير تصورات تخرج الصومال وشعبه من وطأة التطرف، بالرغم من الدعم الدولي والأممي لها في مكافحة الإرهاب. 

أولًا- حالة تنظيمية خاصة

يعدُّ تنظيم “داعش – الصومال” أحد أبرز فروع التنظيم التي تتمتع بالتنظيم الجيد، وذلك على الرغم من أن تقارير عدة تشير إلى أن عدد مقاتليه لا يتعدى بضع مئات، غير أنهم يتَّسمون بالعنف والشراسة، وبالتمرس في الأعمال القتالية، وذلك بالنظر لأن معظمهم كانوا أعضاء سابقين في حركة “الشباب” الصومالية وخاضوا كثيرًا من المعارك ضدَّ القوات الحكومة، وهو ما جعلهم يتمتعون بخيرة كبيرة من الناحية التنظيمية والقتالية[1]، وتشير بعض التقارير إلى أن “داعش – الصومال” لم يعد مجرَّد فرع من فروع داعش، بل بات حامل لواء المشروع الداعشي في منطقة شرق إفريقيا، لذا يعوِّل عليه تنظيم داعش الأم في تصدير المشروع الداعشي في تلك المنطقة.

وقد بدأ تكوّن التنظيم بانشقاق القيادي عبد القادر مؤمن عام 2014 عن حركة “الشباب”، بعدما قررت قيادة الحركة تعيين أحد أفراد عشيرة “ورسنجلي” التي تقطن بالقرب من جبال “علمدو” قائدًا لقاعدة الحركة في شمال شرق البلاد، حيث رفض مؤمن هذا التعيين، وأعلن بيعته لداعش بقيادة زعيم التنظيم حينها أبوبكر البغدادي، وذلك في عام 2015. وفي التوقيت ذاتِه دعا تنظيم داعش عناصر حركة الشباب للانضمام إليه، وهو ما قوبل بـرفض وغضب من قبل القيادة المركزية لحركة الشباب التي أصدرت بيانات تدين المنشقين وتصدر توجيهات لأجهزتها الأمنية باعتقال أو قتل العناصر الموالية لداعش[2]. ومنذ ذلك الوقت بدأت المواجهات المسلحة بين الطرفين، خصوصًا أن حركة الشباب كانت ترغب في القضاء على التنظيم في مهده قبل أن يستفحل خطره فيستحيل القضاء عليه، وهو ما فشلت فيه الحركة.

حيث ساعد تمركز مقاتلي داعش في منطقة جبلية وعرة في”جبال عيل مدو” على البقاء واستمرار نشاطهم الإرهابي انطلاقًا من تلك المنطقة، خصوصًا تمركزهم في ولاية بونتلاند، وقد يكون هذا هو ما أشار إليه إعلان قوات الشرطة في بونتلاند في شهر فبراير 2024، عن اعتقال اثنين من القادة الأجانب الرئيسيين لتنظيم داعش في إقليم “بري” في الولاية، وبحسب بيان قيادة الشرطة فقد أدت هذه العمليات بشكل كبير إلى تعطيل عمل الشبكات المتطرفة. حيث يدل التركيز على التضاريس الجبلية في إقليم بري، وهي معقل معروف للمسلحين، على العمق الاستراتيجي للمبادرات الأمنية في بونتلاند[3] 

 وبالرغم من الضربات العسكرية التي تعرَّض لها تنظيم “داعش” من قِبل الإدارة المحلية والشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن، غير أن التنظيم ما يزال قادرًا على التحرك والاستمرار في الهجمات الإرهابية وعمليات السلب والنهب، وهو ما يشير إلى وجود بيئة محلية حاضنة للتنظيم تساعده على البقاء والاستمرار، حيث يرى بعض المراقبين أن العامل القَبلي يؤدّي دورًا حاسمًا في قوة “داعش” المستقبلية، إذ إن فئة من أتباعه تنتسب إلى قبيلة زعيم تنظيم “داعش – الصومال”، عبد القادر مؤمن، التي تعرف أنها من القبائل القوية ذات النفوذ.[4]

وبسبب التصاعد اللافت لدور التنظيم ونجاحه في السيطرة على مساحات داخل البلاد، أشبه بإمارة داعشية، أطلق عليه التنظيم في 2017 ولاية الصومال، حيث من المتعارف عليه أن تنظيم “داعش” الأم لا يطلق على فروعه الخارجية مسمى الولاية إلا في حالة سيطرته على مساحات من الأرض، وما سوى ذلك يعدُّه التنظيم مجموعات موالية له، وذلك ما نجح فيه “داعش – الصومال” في وقت مبكر، وهو ما شجّع التنظيم الأم على اعتباره إحدى الولايات الخارجية، ومنذ ذلك الحين والإعلام الداعشى يسلط الضوء بشكل شبه مستمر على أنشطة التنظيم في الصومال، وهو ما برز من خلال تسليط التنظيم الضوء الإعلامي على مبايعة ولاية الصومال لكل قادة التنظيم خلال السنوات الماضية، وإبراز تلك البيعة من خلال وسائله الإعلامية التي تركز على البيعات للفروع الهامة، بداية من البغدادي وحتى الزعيم الحالي، أبو حفص الهاشمي القرشي الذي أصبح الزعيم الخامس للتنظيم، الذي تم تنصيبه بعد مقتل الزعيم الرابع أبي الحسين الحسيني القرشي في اشتباكات مع هيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا.[5]

وقد شهد الصومال خلال الفترة الأخيرة تطورًا كبيرًا في الصراع بين كلٍّ من حركة شباب المجاهدين الصومالية وبين تنظيم داعش الذي يسعى إلى تأسيس “ولاية شرق إفريقيا”، حيث نشبت اشتباكات عنيفة بين الطرفين، مصحوبة بحرب إعلامية وعقائدية، وذلك بعد فترة من الهدوء النسبي، وهو ما يشير إلى أن التنظيمين قد دخلا في مرحلة جديدة من الصراع يمكن أن تمتد إلى مناطق أخرى من شرق إفريقيا يتنافس فيها الطرفان. 

ثانيًا- تهديد داعشي متصاعد

بات فرع داعش في الصومال يشكل تهديدًا كبيرًا، ليس على المستوى المحلي فحسب وإنما على المستوى الدولي والإقليمي، ليس فقط بسبب تزايد هجماته الإرهابية وتحوُّل بعضها إلى هجمات واسعة النطاق، وإنما أيضًا لمساعي التنظيم تجنيد عناصر من خارج الصومال، خصوصًا من إثيوبيا، حيث تشير بعض التقارير إلى نجاح داعش في تجنيد وتدريب وتسليح عدد من الإثيوبيين منذ 2019، وفي هذا الصدد اعتقلت السلطات الإثيوبية في سبتمبر 2023 العشرات من المنتمين إلى التنظيم، في أديس أبابا ومنطقة الأوغادين (الصومالية) التابعة لإثيوبيا ومنطقة أوروميا، وهي موطن العرقية الأكبر ذات الأغلبية المسلمة [6].

ومن ناحية أخرى تشير بعض التقارير إلى أن “داعش – الصومال” قد تحوَّل إلى مركز مالي لدعم التنظيم في إفريقيا، وذلك نظرًا لنجاحه في توفير مصادر تمويل تدرُّ عليه أموالًا طائلة، وهو ما جعل الصومال تمثِّل مركزًا لصرف الأموال ولتوجيه فروع وشبكات “داعش” في جميع أنحاء قارة إفريقيا. إذْ في النصف الأول من عام 2022، حقق داعش في الصومال ما يقرب من مليوني دولار من خلال تحصيل مدفوعات الابتزاز من الشركات المحلية والواردات ذات الصلة والثروة الحيوانية والزراعة، وفي عام 2021، حقق داعش في الصومال عائدات تقدَّر بنحو 2.5 مليون دولار.[7] 

ومن جهة أخرى حرص التنظيم خلال السنوات الماضية على تأكيد وجوده على الساحة الصومالية وإبراز قوته التنظيمية، من خلال نشر العديد من الإصدارات، خصوصًا ما يتعلق بالإعداد والتدريب، على غرار الفيديو الذي نشره التنظيم عام 2020، وظهرت فيه صور لتدريبات يتلقاها عناصره في معسكرات له في مرتفعات “غل غلا” الوعرة في ولاية بونتلاند في شمال شرق الصومال. وذلك بعدما بدأ التنظيم المتشدد تجنيد عناصر جدد بعد مقتل عدد من مقاتليه في معارك خاضها ضد حركة “الشباب” الموالية لتنظيم القاعدة، وفي غارات جوية أمريكية[8].

وهذا التهديد المتزايد لداعش الصومال دفع حملات مكافحة الإرهاب الدولية خلال السنوات الماضية إلى استهداف التنظيم من خلال مجموعة متنوعة من الحملات، منها الحملات العسكرية لاستهداف القيادات البارزة في التنظيم، لخلق حالة من الترهل التنظيمي، على غرار إعلان الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2023 مقتل قياديّ في تنظيم “داعش” يدعى بلال السوداني مع “نحو عشرة أشخاص” مرتبطين بالتنظيم، وذلك في غارة أمريكية في الصومال، وأن هذه العملية قد قررها الرئيس جو بايدن واستغرق الإعداد لها “عدة أشهر”، وبحسب مسؤول في الإدارة الأمريكية فإن عملية الإنزال جرت في منطقة جبلية في شمال الصومال وكان هدفها إلقاء القبض على القيادي الجهادي، لكن معركة بالأسلحة النارية دارت بين العسكريين الأمريكيين والمسلحين الجهاديين أسفرت عن مقتل السوداني وعشرة من رفاقه[9].

هذا إلى جانب العمل المستمر لتجفيف مصادر تمويل التنظيم من خلال استهداف شبكاته المالية، والتركيز على القيادات الفاعلة في هذا الإطار داخل التنظيم، حيث أدرجت الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب رئيسَ الشؤون المالية لتنظيم “داعش” في الصومال، عبد الولي محمد يوسف، الذي أدّى دورًا رئيسيًّا في تسليم المقاتلين الأجانب والإمدادات والذخيرة نيابة عن “داعش” في الصومال، وشغل منصب رئيس الشؤون المالية لداعش في الصومال منذ أواخر عام 2019 على الأقل[10].

وجدير بالذكر في هذا السياق أن وزارة الخارجية الأمريكية صنّفت تنظيم داعش في الصومال تنظيمًا إرهابيًّا في 27 فبراير 2018، وسبق ذلك تصنيف عبد القادر مؤمن، زعيم داعش في الصومال، في 11 أغسطس 2016، كإرهابيين عالميين مُصنفين بشكل خاص وفقًا للأمر التنفيذي 13224. وذلك نظرًا لاستمرار تنظيم “داعش” في شنّ هجمات إرهابية ضد المدنيين، وترهيب واغتيال رجال الأعمال والمدنيين الصوماليين الذين لا يدعمونه ماليًّا ولا يوفرون له الإمدادات.

ومن أبرز المؤشرات على تصاعد تهديدات “داعش” في الصومال أنه يُمكن ملاحظة تضاعف عدد عملياته في الصومال خلال الربع الأول من عام 2023 مقاربة بالربع الأخير من 2022، وإن كانت تلك العمليات لا تعكس تطورًا بارزًا في قدرات التنظيم غير أنها في الوقت ذاته تشير إلى محاولته زيادة نشاطه العملياتي بالرغم من الضغوط التي يتعرض لها من قبل قوات ولاية بونتلاند[11]. 

ثالثًا- صراع جهادي محتدم

منذ ظهور تنظيم داعش في الصومال نهاية 2015، وهو يمثل صداعًا مزمنًا في رأس حركة “الشباب”، التي رأت في وجود “داعش” على الأراضي الصومالية خطرًا يهدد وجودها وتماسكها التنظيمي، خصوصًا في ظل قدرته على جذب عناصر من داخل الحركة، معتمدًا في ذلك على جاذبية الفكر الداعشي من ناحية، وعلى الانقسامات التي تقع داخل الشباب من ناحية أخرى، وهو ما دفع الحركة إلى إطلاق العديد من الحملات الأمنية للقضاء على التنظيم، الذى بات نفوذه يتصاعد في البلاد مع مرور الوقت، وأصبح ينافس الحركة على مصادر التمويل والتمدد والانتشار، وكانت الحملة التي أطلقتها حركة “الشباب” في 2018 هي بداية الحملات القوية التي تهدف إلى التخلص من المسلحين المرتبطين بداعش في مرتفعات إقليم بري بولاية بونتلاند.

هذا إلى جانب سعي الحركة لقتل أيٍّ من عناصرها ينشق وينضم إلى داعش، على غرار ما شهدته مدينة “جلب” جنوب الصومال، حيث قُتل أحد العناصر الأجنبية في صفوف الحركة يدعى أبو يونس المصري في 11 نوفمبر 2018، على يد مجموعة من شباب المجاهدين، بسبب اتهامه بمحاولة الانشقاق عن الشباب والانضمام إلى “داعش”، وهو ما أدى إلى حدوث اشتباكات بين العناصر الأجنبية الموالية للقيادي المقتول وبين المجموعة التي قتلته[12].

وتدرك حركة “شباب المجاهدين” أن تنظيم “داعش” لا يسعى فقط إلى الحضور على الأراضي الصومالية، وإنما التوسع وإقامة إمارة داعشية، ومن ثم طرد حركة “الشباب” من المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما ظهر مبكرًا خلال عام 2016 عندما سعى التنظيم للسيطرة على مدينة “قندلة” التي تقع على بعد 80 كلم من مدينة “بوصاصو” الساحلية بأقصى شرقي الصومال، التي ينحدر منها عبد القادر مؤمن، مستغلّ الحاضنة القبلية التي يتمتّع بها في المنطقة، هو ما عدّته الحركة تهديدًا صريحًا للنفوذ القاعدي في الصومال، وهو ما دفعها إلى توجيه ضربات ضدّ التنظيم ومطاردة عناصر بشكل مستمر.

وهو ما تشير إليه المعارك المتكررة بين الطرفين، في ظل الهجمات التي تشنها حركة “الشباب” ضدّ مواقع “داعش”، على غرار ما ذكرته وسائل إعلام رسمية صومالية في مارس 2023، من أن قتالًا عنيفًا بين مقاتلي حركة “الشباب” ومسلحي “داعش” في منطقة “غلغلا” الجبلية في محافظة “بري” بولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال قد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 40 مقاتلًا من الجانبين، وبحسب وكالة الأنباء الصومالية “صونا” فإن ثلاثة من كبار القادة الميدانيين لحركة “الشباب” قُتلوا في الاشتباكات التي جرت الأسبوع الماضي في المناطق الجبلية في الولاية[13].

وجدير بالذكر في هذا السياق، أن حركة “شباب المجاهدين” أصدرت في ديسمبر 2018 بيانًا عنوانه «والله يعلم المفسد من المصلح»، تدعو فيه إلى ضرورة استئصال تنظيم “داعش” من الصومال، نظرًا لأنه يكفِّر المسلمين ويستحلُّ أموالهم ويسعى إلى زرع الفتنة؛ ويخلق نزاعات وانشقاقات بين الجهاديين، وهو ما ردَّ عليه تنظيم “داعش” بنشر شريط فيديو يوثِّق فيه شنَّ مقاتليه هجومًا على عناصر شباب المجاهدين [14].

رابعًا- أسباب الصراع بين الطرفين

يمكن القول إن هناك مجموعة من الأسباب أدت خلال الآونة الأخيرة إلى تصاعد الصراع بين تنظيم “داعش” وحركة “الشباب” الصومالية، جعلت الصومال يتحوَّل إلى ساحة حرب مفتوحة بين الطرفين، ويمكن تحديد أبرز تلك الأسباب في النقاط الآتية:

امتداد الصراع “الداعشي-القاعدي”: يمكن القول إن “الصراع بين داعش وحركة الشباب ليس إلا نسخة طبق الأصل من الصراع بين تنظيم داعش الأم وتنظيم القاعدة في ميادين كثيرة، ويتمحور حول الهيمنة ومصادر التمويل”. إذ يسعى كل طرف إلى محاولة إظهار تمتعه بالنفوذ على الساحة الصومالية، وتحديدًا في ولاية بونتلاند، حيث أثار ظهور تنظيم “داعش” على الساحة الصومالية في أكتوبر 2015 قلقًا شديدًا لدى حركة “الشباب”، بسبب إدراكها لطموح “داعش” ورغبته في التمدد داخل البلاد على حسابها، فضلًا عن احتمالية تصاعد الانشقاقات داخل الحركة لصالحه، على غرار إعلان القيادي “عبد الفتاح أبو بكر” مع 20 آخرين من عناصر الحركة في يناير 2021 الانشقاق ومبايعة “داعش”.

وهو ما دفع الحركة للضغط عسكريًّا على التنظيم، وأدى إلى دخول الطرفين في مواجهات مسلحة عديدة من أشهرها المواجهات التي وقعت بين الطرفين في فبراير 2019 في إقليم بري في ولاية بونتلاند شمالي شرق الصومال، وخلّفت عشرات القتلى والمصابين من الطرفين، معظمهم من عناصر “داعش”، وذلك بعد قرابة عام من إصدار الحركة بيانًا تصف فيه “داعش” بالسرطان الذي يجب استئصاله، متوعدة فيه بملاحقة كل من ينضم للتنظيم أو يقدّم له المساعدة.[15]

التنافس التنظيمي: دائمًا ما تتّسم العلاقة بين المجموعات الداعشية والقاعدية في المناطق التي يوجد فيها الطرفان بأنها تصارعية تنافسية وليست تعاونية أو تكاملية، حيث إن كلًّا منهما لا يرغب في وجود الآخر إلى جواره، لكونه يخصم من رصيده البشرى والمادي، ويؤثر على نشاطه وحضوره، وهو ما يدفعهما للدخول في مواجهات مسلحة، لا سيما من قبل تنظيم القاعدة الذي عانى من وجود “داعش” ليس في الصومال فحسب وإنما في العديد من المناطق، خصوصًا أنه يدرك أن “داعش” يبحث عن معاقل جديد في ظل حالة الانحسار الشديد التي يواجهها في العراق وسوريا، لتكون تلك المعاقل وجهة للدواعش الفارين من سوريا والعراق من جهة، وليحافظ بها على شعاره الذي رفعه عند تأسيسه بأن دولة داعش باقية وتتمدد، وهو ما يمكن أن يحافظ على عناصره ومجموعاته الخارجية لفترة أخرى قادمة في حال انهياره تنظيميًّا بشكل كامل في سوريا والعراق. حيث تشير بعض التقارير إلى أنه مع نهاية “داعش” في سوريا والعراق تدفَّق المئات من عناصر التنظيم من المركز إلى فروع التنظيم حول العالم خصوصًا إفريقيا، حيث تشير بعض التقارير إلى استقبل الصومال عناصر إرهابية داعشية سودانية وإثيوبية إلى جانب جنسيات إفريقية أخرى في التنظيم[16] 

 . تداخل الانتشار الجغرافي: تشير الصراعات المتصاعدة بين التنظيمين خلال الفترة الأخيرة، إلى وجود حالة من التنافس على بسط النفوذ الجغرافي، حيث تشير التقارير الحكومية إلى أنه خلال شهر نوفمبر 2018 رُصد انتشارٌ لعناصر “داعش” في مختلف الأقاليم؛ وذلك يعني أنه لم يعد يكتفي بالمناطق الجنوبية الجبلية والحدودية التي كان يتمركز فيها منذ سنة 2015، وهو ما مثَّل إزعاجًا كبيرًا لحركة “الشباب” التي تسعى إلى تحجم المجموعة الداعشية وحصر نشاطها في مناطق محددة، خشية أن يؤثر التمدد الداعشى على مصادر تمويل الحركة وتسليحها، نظرًا لأنها تسيطر على مناطق شاسعة من الجنوب الصومالي وفي الريف عمومًا. وهو ما يسمح لها بخلاف فرض الضرائب، بممارسة الأعمال التجارية التي تدر عليها دخلًا كبيرًا، لا سيما تجارة الفحم، إذْ بحسب تقديرات الأمم المتحدة ربحت الحركة من تجارة الفحم عام 2017 ما لا يقل عن 7.5 مليون دولار، ولذا فهي حريصة على ألا يشاركها أحد في تلك المصادر. وهو ما جعل المواجهات بين الطرفين تتصاعد مع مرور الوقت، لا سيما أن الصراع يدور حول مسألة بناء النفوذ وسط دولة فاشلة؛ إذْ لم تستطع القوات الإفريقية ولا المساعدات الخارجية أن تستعيد الدولة ولا أن تقضي على الإرهاب. فما زال الصومال يعيش في نزاعات وانقسامات سياسية، على المستويين المركزي وداخل الولايات؛ ومثال ذلك منع مختار روبو المعروف بأبي منصور من الترشُّح للانتخابات، بالرغم من أنه كان أول من ترشَّح رسميًّا لولاية بيدوا، جنوبي غرب الصومال[17].

  . حرص “الشباب” على تقويض “داعش”: في ظل رغبة حركة “الشباب” الصومالية في الانفراد بالمشهد الجهادي في الصومال دون غيرها من التنظيمات الأخرى، سعت الحركة طوال الأعوام الماضية للقضاء على تنظيم “داعش” بأي طريقة ومهما كانت التكلفة، وهو ما جعلها لا تكتفي بمهاجمة القواعد الداعشية، وإنما عمدت إلى شنّ حملة ترهيب ضدَّ التنظيم ليس فقط من خلال وصفه بالخوارج الذين يجب القضاء عليهم، وتهديد كل من ينضم للتنظيم بالقتل، حيث هدد عناصر حركة “الشباب” الصومالية المتطرفة عناصرها الذين يُقدمون على الانفصال والانضمام إلى تنظيم داعش بالذبح، وذلك وسط تقارير عن تعرُّض بعض الفصائل لعقاب بسبب القيام بذلك، وفي هذا السياق صرّح أحد قادة حركة “الشباب” في بيان بأنه: “إذا قال أحد ما إنه ينتمي إلى حركة أخرى، فاقتلوه مباشرة”، مضيفًا “سنذبح أي شخص يقوِّض الوحدة”، كما نفّذت الحركة مؤخرًا عمليات إعدام لأسرى “داعش” لديها، فضلًا عن الإجهاز على العناصر المصابة خلال المواجهات، حيث كشفت بعض التقارير الإخبارية في مايو 2023 عن أن الحركة أعدمت عشرات الأسرى من “داعش” كانوا محتجزين في سجون تابعة لها بمناطق ساكو، ولجيلب، وكونيا يروي، في محافظات شبيلي السفلى، وجوبا الوسطى[18]. وهو ما دفع “داعش الصومال” إلى توجيه العديد من الضربات الاستباقية ضدَّ مواقع حركة الشباب وأسهَم في اشتعال المعارك بين الطرفين.

 

خامسًا- مستقبل التصعيد الداعشي ضدَّ “الشباب”

يمكن القول إن تصاعد تهديدات “داعش” الأمنية في الصومال خلال الفترة الماضية، بعد تزايد قدراته التنظيمية والعسكرية والمالية، سيشجعه على التحوُّل من الدفاع إلى الهجوم في صراعه مع حركة الشباب، وبالتالي تكثيف هجماته الفترة المقبلة ضدَّ الحركة، وذلك لكسر هيبتها وانتزاع بعض المناطق من سيطرتها، وهو ما يسمح له باستقطاب عناصر ومجموعات جديدة من صفوفها، خصوصًا أن الفكر الداعشيى أثبت قدرته على جذب عناصر ممّن يعتنقون الفكر القاعدي، وهو ما سوف تحاول حركة “الشباب” تقويضه بشنّ مزيد من الهجمات العسكرية المضادة والحملات الفكرية والعقائدية، وهو ما يعني أن الصراع بين الطرفين خلال الفترة القادمة سيكون مفتوحًا على مصراعيه، وبالتالي تزيد حدة الهجمات الإرهابية في الصومال في ظل التنافس العملياتي بين الطرفين، حيث سيسعى كل طرف إلى إثبات قوّته على الساحة ليس فقط من خلال مهاجمة الطرف الآخر وإنما أيضًا من خلال تكثيف الهجمات ضد القوات الحكومية، وهو ما قد يعني مزيدًا من الانفلات الأمني في البلاد، ومن ثم تقويض جهود الحكومة الصومالية لمحاصرة الإرهاب في البلاد، وبالتالي تزايد التهديدات الأمنية في القرن الإفريقي، على نحو قد يهدد مصالح العديد من القوى الدولية والإقليمية في تلك المنطقة.

وأخيرًا، تكشف المواجهات التي شهدها الصومال مؤخرًا بين تنظيم “القاعدة” متمثلًا في حركة “شباب المجاهدين” وبين تنظيم “داعش” عن حجم الصراع الحالي بين التنظيمين، وعدم وجود فرصة للالتقاء أو التعاون بينهما، كما أن هذا الصراع ستكون له خلال المرحلة القادمة تداعيات عديدة على الصومال ومنطقة شرق إفريقيا، إذْ سيؤدي إلى تصاعد الهجمات بين الطرفين، لا سيما في ظل رغبة كل منهما في التمدد والانتشار جغرافيًّا على حساب الآخر، وهو ما سيؤدي إلى تصاعد الهجمات الإرهابية من قبل التنظيمين تجاه قوات الحكومة والمواطنين على حدّ سواء، كما أن هذا الصراع قد يهدِّد مصالح الدول التي تسعى لتعزيز مصالحها في شرق إفريقيا.

[2] رشا رمزي، نشاط تنظيم داعش في الصومال وتوقُّعات المستقبل، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 11 فبراير 2023، على الرابط: https://marsad.ecss.com.eg/75477/ 

[3] بونتلاند تعلن القبض على اثنين من قادة داعش الأجانب، موقع الصومال الجديد، بتاريخ 10 فبراير 2024، على الرابط: https://alsomal.net/%D8%A8%D9%88%D9%86%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AF-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%B6-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%AB%D9%86%D9%8A%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%82%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%AF/ 

[5] تنظيم الدولة يؤكد مقتل زعيمه ويعلن اسم قائده الجديد، موقع الجزيرة نت، بتاريخ 3 أغسطس 2023، على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2023/8/3/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D9%85%D9%82%D8%AA%D9%84 

[8] تنظيم داعش يدرب عناصره في معسكراته في ولاية بونتلاند الصومالية، موقع الصومال الجديد، بتاريخ 18 فبراير 2020، على الرابط: https://alsomal.net/%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%87-%D9%81%D9%8A-%D9%88/ 

[11] محمد الفقي، أسباب تصعيد حركة “الشباب” ضد “داعش” في الصومال، موقع الحائط العربي، بتاريخ 17 مايو 2023، على الرابط: https://arabwall.com/%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%B5%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%B6%D8%AF-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84/ 

[12] الفوضى تضرب «الشباب» الصومالية بعد اغتيال أبو يونس، موقع المصري اليوم، بتاريخ 15 نوفمبر 2018، على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1343069 

[13] قتال عنيف بين حركة الشباب وداعش في محافظة بري يخلف 40 قتيلًا، موقع الصومال الجديد، بتاريخ 26 مارس 2023، على الرابط: https://alsomal.net/%D9%82%D8%AA%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D9%86%D9%8A%D9%81-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%81/ 

[16] بعد مقتل السوداني.. قصة داعش في الصومال وحرب احتواء التنظيم، موقع العين الإخبارية، بتاريخ 27 يناير 2023، على الرابط: https://al-ain.com/article/isis-somalia-containment 

[17] الشباب” و”داعش”… حرب المواجهة المفتوحة في الصومال، مرجع سابق

[18] صونا: مليشيات «الشباب» الإرهابية تعدم عشرات من نظيرتها «داعش» في الصومال، موقع الأسبوع، بتاريخ 13 مايو 2023، على الرابط: https://www.elaosboa.com/901722/

 

المواضيع ذات الصلة