Insight Image

جماعة الإخوان المسلمين والتوظيف السياسي للأزمات.. “كوفيد-19 نموذجاً” 

15 أكتوبر 2020

جماعة الإخوان المسلمين والتوظيف السياسي للأزمات.. “كوفيد-19 نموذجاً” 

15 أكتوبر 2020

تشترك حركات الإسلام السياسي بوجه عام في سمة “الاستغلال السياسي للأزمات” وتوظيفها سواء للوصول إلى السلطة أو التحريض ضد الأنظمة الحاكمة ومحاولة تشويه صورتها أو في التغلغل في المجتمع وبناء قاعدة شعبية لها، وخاصة ضمن أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة؛ وتأتي جماعة الإخوان المسلمين في مقدمة هذه الحركات التي لم تترك أزمة أيّاً كانت سياسيةً أو اقتصاديةً أو إنسانيةً إلا وحاولت استغلالها لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها.

وتعد جائحة “كوفيد-19” واحدة من الأزمات التي أظهرت انتهازية جماعة الإخوان، وتغليبها لمصالحها على أي اعتبارات أخرى؛ فبرغم أن هذه الجائحة تعتبر أزمة إنسانية بامتياز تتطلب التعاون لمواجهتها، فإن الجماعة استغلت هذه الأزمة، وما تزال، في تشويه صورة الحكومة المصرية واتهامها بالعجز في إدارتها واحتواء تداعياتها المختلفة.

وقد كان لافتاً للانتباه أيضاً أن العديد من التنظيمات الإخوانية في بعض الدول العربية، وخاصة في مناطق الأزمات والصراعات، لم تستجب للدعوات الأممية والعربية التي طالبت بالعمل على إنهاء هذه الصراعات من أجل التفرغ لمواجهة الجائحة، وواصلت تحركاتها من أجل تعظيم مكاسبها على الأرض كما هي الحال مع إخوان اليمن (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، وإخوان ليبيا (حزب العدالة والبناء).

وتتناول هذه الورقة نهج جماعة الإخوان المسلمين في توظيف الأزمات، مع التركيز على جائحة كورونا، وكيف تم استغلالها من جانب الجماعة سياسياً واجتماعياً وأمنياً ليس في مصر فقط، وإنما في العديد من دول العالم أيضاً.

 

 

جماعة الإخوان المسلمين.. نهج ثابت في استغلال الأزمات  

تشير خبرة السنوات الماضية إلى أن جماعة الإخوان غالباً ما تسعى إلى توظيف الأزمات، وتنظر إليها كـ “فرص” لتعزيز مكاسبها، وهذا نهج ثابت منذ نشأتها عام 1928 إلى الآن؛ فقد نجحت منذ السنوات الأولى لتأسيسها في استغلال الانفتاح الذي شهدته مصر إبان الملكية في تعزيز نفوذها في المجتمع، حينما رفعت شعارات من قبيل إعادة توزيع الثروات وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتي كانت تجد قبولاً لدى المجتمع الذي كان يعاني، آنذاك، أوضاعاً متردية نتيجة الاحتلال البريطاني.

استطاعت الجماعة كذلك توظيف هامش الحرية والحركة التي أتيحت لها إبان عهدي نظامي الرئيسين الراحلين محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك ليس في التمدد في داخل مصر، وإنما في خارجها من خلال تأسيس فروع للجماعة في أكثر من دولة، ترتب عليها ظهور منصّة دولية للجماعة، في يوليو عام 1982 هي “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” بدعم ومساندة إقليمية ودولية[1].

كما استغلت الجماعة مناخ الانفتاح الذي تنعم به الدول الأوروبية في تعزيز وجودها فيها، وتكوين لوبيات مكنتها من الدفاع عنها والترويج لها باعتبارها بديلاً مُمكننا للأنظمة الحاكمة في الدول العربية، خاصة بعد ما يسمى بـأحداث “الربيع العربي” التي اعتبرتها الجماعة “فرصتها الذهبية” لتحقيق حلمها التاريخي الخاص بالتمكين والوصول إلى السلطة، وبالفعل فإن الجماعة تصدرت مشهد “ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011” في مصر.

ورغم أنها ترددت في المشاركة في هذه الثورة منذ البداية، غير أنها حين أدركت نجاحها حاولت قيادة المطالب الشعبية التي أسفرت عن تنحي الرئيس الراحل محمد حسني مبارك عن السلطة في فبراير 2011، ومشاركتها في الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2012، ووصولها إلى السلطة بالفعل، لكنها فشلت في اختبار الحكم خلال الفترة من يونيو 2012 إلى يونيو 2013، ما أكد بوضوح أنها لا تمتلك الأدوات والقدرات التي تؤهلها لممارسة السلطة.

وتؤكد هذه الوقائع التاريخية سعي الجماعة الدائم إلى توظيف الأزمات في تعظيم مكاسبها حتى لو كان ذلك فيه تهديد لأمن الدول واستقرارها أو يتعارض مع ما ترفعه من شعارات سياسية ودينية؛ والمثال على هذه الازدواجية السياسية التي تعانيها الجماعة أنها كانت من أشد المعارضين للتعامل مع صندوق النقد الدولي خلال عهد الرئيس محمد حسني مبارك، إلا أنها بعد “ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011” لم تجد حرجاً في الاقتراض منه في ظل تراجع إيرادات السياحة، وخروج الكثير من الاستثمارات الأجنبية وسط ارتفاع مطرد في المطالب الفئوية التي رفعت حجم المصروفات[2].

وتشير إحدى الدراسات، في هذا السياق، إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تبنّت خلال السنة التي أمضتها في السلطة نهج السوق النيوليبرالية الحاد الذي كان حجر الأساس في برنامجها الاقتصادي، وربما كان هذا أحد أسباب فشل الجماعة في معالجة حالة السخط العام من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والدافع وراء ثورة الشعب المصري عليها في الثلاثين من يونيو 2013[3].

 

جماعة الإخوان المسلمين والتوظيف السياسي لأزمة كورونا “كوفيد-19”

رغم أن وباء كورونا يعد من أخطر الأزمات الإنسانية التي واجهت العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالنظر لارتفاع ضحاياه يوماً، ويقتضي التسامي فوق أي خلافات سياسية من أجل التوحد في مواجهته، فإن جماعة الإخوان المسلمين وظفت هذا الوباء كأحد أدوات الصراع مع النظام السياسي في مصر، وتحركت في هذا السياق على مسارات عدة، يمكن توضيحها على النحو التالي:

  1. “تديين” الوباء باعتباره نوعاً من العقاب للشعب المصري الذي دعم ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ضد حكم الإخوان، وروجت حسابات تابعة لجماعة لهذه الأفكار على مواقع التواصل الاجتماعي[4]. وحسب دار الإفتاء المصرية، فإن 55% من فتاوى الإخوان حول فيروس كورونا دارت حول فكرة العقاب الإلهي، ومنها فتوى الإخواني وجدي غنيم الذي قال: “كورونا.. انتقام الله من الصين وابتلاء وامتحان للمسلمين”[5].

    كما عملت الجماعة، في الوقت ذاته، على “تسييس” قرار الحكومة المصرية الخاص بإغلاق المساجد، كإجراء وقائي احترازي اتبعته معظم دول العالم، لكن الجماعة وظفت ذلك في تشويه صورة الحكومة لدى المواطنين، مستغلة حالة التدين الفطري لدى الشعب المصري، خاصة بالنظر لما تمثله المساجد من دلالة رمزية ومكانة روحية لدى الشعب المصري.

    وقد صورت الجماعة، وأذرعها الإعلامية، هذا القرار باعتباره مؤامرة على الدين الإسلامي، رغم أن هناك خبرات سابقة في التاريخ الإسلامي تشير إلى اتخاذ القرار ذاته في ظروف مماثلة؛ حفظًا للروح الإنسانية، وهذا ما أجازته القيادات الدينية كلها وعلى رأسها الأزهر الشريف؛ نظراً إلى خطورة التجمعات الكبيرة في نشر الوباء والخوف على حياة المصلين[6].

    اللافت للنظر هنا أن محاولة الجماعة تديين وباء كورونا لا يختلف عن التنظيمات المتطرفة والإرهابية الأخرى، وعلى رأسها “داعش” و”القاعدة” اللذين أسبغا هذا الوباء بمبررات دينية تخدم مصالحهما؛ فعلى سبيل المثال فسر “داعش” انتشار الفيروس على أنه “عقاب من الله”، فيما تعاملت “القاعدة” مع الوباء من منطلق ديني، حيث أصدر وثيقة تزعم “أن هذا الفيروس أصاب غير المؤمنين” في محاولة لكسب تعاطف المسلمين وتجنيد المزيد من المؤيدين[7].

  2. التشكيك في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة الوباء والتحريض عليها، وذلك في محاولة لإيجاد حالة عامة من السخط السياسي بين المواطنين تقود إلى تهيئة الأوضاع لعودتها إلى المشهد السياسي مرة أخرى[8]. ولم تدخر الجماعة، في الوقت ذاته، جهداً في التحريض على نشر الوباء بين عناصر الشرطة والجيش.

    وقد دعا، في هذا السياق، أحد العناصر المحسوبة على الجماعة يدعى بهجت صابر، كل مصاب بأعراض كورونا إلى أن يقوم بمصافحة أفراد الجيش أو الشرطة أو القضاء والإعلام، بغية نشر الذعر بين أفراد تلك المؤسسات وإرباك أدائها الوظيفي[9]. كما عملت الجماعة على نشر الشائعات التي تستهدف إثارة الهلع والقلق بين أوساط الشعب المصري، والإساءة إلى الحكومة، وانتقاد طريقتها في مواجهة احتواء الفيروس[10].

  1. انتقاد جماعة الإخوان المسلمين لموقف منظمة الصحة العالمية واتهامها بالتواطؤ مع الحكومة المصرية، خاصة أن المنظمة أشادت بطريقة تعامل الحكومة مع هذه الجائحة؛ وفي هذا السياق كان لافتاً للانتباه هجوم المركز الإعلامي للإخوان المسلمين في لندن على المنظمة، حيث رأى أن البيانات الصادرة عنها تتضمن معلومات مضللة وزائفة بخصوص وضع كورونا في مصر.

    كما زعم المركز أن أعداد الإصابات تفوق بكثير الأرقام المعلنة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل نشر عريضة موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش، ولكل من: نائبته، ورئيسة مجلس حقوق الإنسان، ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، طالب فيها بالتدخل الأممي، بدعوى أن “المشكلة أكبر بكثير من الوضع المنقول في بيانات منظمة الصحة العالمية بشأن مصر” على حد وصف هذه العريضة[11].

 

جماعة الإخوان المسلمين وتوظيف فيروس كورونا في بعض الدول العربية ومناطق الصراعات

لم يقتصر استغلال جماعة الإخوان المسلمين على توظيف أزمة جائحة كورونا ضد النظام في مصر، وإنما حاولت بعض فروع الجماعة في العديد من الدول العربية، استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذه الجائحة، من قبيل تنامي البطالة وارتفاع معدلات الفقر، في إعادة تأكيد حضورها وتغلغلها في المجتمع من بوابة تقديم المساعدات للفئات المهمشة، والأكثر تضرراً من جراء هذه الجائحة.

ففي المغرب، على سبيل المثال، نظم حزب العدالة والتنمية – الذراع السياسية للجماعة – حملة لتوزيع المواد الغذائية والتموينية في أقاليم مغربية عدة خاصة في المناطق الفقيرة، مصحوبة بدعاية سياسية تروج للحزب وأهدافه، فيما استغل حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الموريتاني الذي يمثل الجماعة حملة توزيع كميات كبيرة من المواد الغذائية على أحياء العاصمة، والولايات الداخلية في الدعاية السياسة للحزب وأنشطته[12].

ولا شك في أن استثمار هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن “كوفيد-19” من جانب هذه الأحزاب الإخوانية إنما يعبر عن الاستراتيجية التي طالما شكلت أهم مداخل تغلغل الجماعة وتمددها في المجتمعات منذ نشأة الجماعة في مصر عام 1928 حتى الوقت الراهن.

نموذج آخر للتوظيف السياسي لـ كورونا، بدا واضحاً في إخوان الجزائر الذين أعلنوا تحفظهم على طريقة إدارة الحكومة لأزمة “كوفيد-19″، فقد انتقد عبدالله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية الذي يمثل جماعة الإخوان، ما سماه “تعطيل الجماعات والجمعات”، ورأى أن إغلاق المساجد وتعطيل الصلوات بسبب انتشار هذا الوباء يحتاج إلى التريث.

وقال، في الصدد نفسه، مدوّناً على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك “إننا نعيش في زمن عطل الناس فيه العمل بشرع الله تعالى وناصبه معظمهم العداء، وشنوا عليه أنواعاً من الحروب لإبعاده عن حياتهم”[13]،  وذلك في سلوك يتشابه مع موقف جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذين حاولوا “تسييس” قرار إغلاق المساجد في بداية انتشار الجائحة.

وإذا كانت الجماعة، من خلال النماذج السابقة، استغلت التداعيات الناجمة عن الجائحة في التغلغل في المجتمع، وتعزيز نفوذها لدى فئات جديدة، أو في محاولة “تسييس” بعض الإجراءات الرامية لاحتواء انتشار الجائحة، فإن تنظيمات إخوانية وظفت الجائحة كإحدى أدوات إدارة الصراع، وخاصة في مناطق الأزمات والنزاعات في بعض الدول العربية.

ففي ليبيا على سبيل المثال، أعربت أصوات إخوانية عن أملها في تفشي فيروس كورونا في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي[14]، في سلوك يفتقر إلى الإنسانية والأخلاق، بل وأكثر من ذلك رفض حزب “العدالة والبناء”، الذي يمثل إخوان ليبيا، دعوات التخلي عن السلاح والتركيز على مواجهة كورونا، واعتبر أن انشغال العالم بمواجهة هذه الجائحة يمثل فرصة لتعزيز نفوذ الميليشيات على الأرض.

كما حرض مفتي إخوان ليبيا المعزول الصادق الغرياني، الذي يقيم في تركيا، أكثر من مرة على حمل السلاح، وانتقد تخصيص حكومة الوفاق الوطني ميزانية لمواجهة فيروس كورونا، قائلًا: “إن الحرب أولى بهذه الأموال”، واعتبر أن “دخول الجيش الوطني الليبي إلى طرابلس أخطر على الغرب من انتشار فيروس كورونا”[15].

وحتى مع قبول الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وقف إطلاق النار لمواجهة كورونا، أكدت اللجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان في ليبيا، استغلال الإخوان وحلفائهم الهدنة، لإعادة التمركز، وإدخال المزيد من الأسلحة والمرتزقة إلى طرابلس بمساعدة تركية، وهو الأمر الذي اعترف به محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء بشكل ضمني، عندما رفض تصريح مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي بشأن إطلاق عملية عسكرية لمراقبة حظر توريد السلاح إلى ليبيا[16].

وفي اليمن، فإن حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين، يواصل هو الآخر تحالفه الخفي مع ميليشيات الحوثي، ويخدم أهدافها في المناطق التي يوجد فيها بشكل كبير، ويعرقل جهود الحكومة اليمنية الشرعية في مواجهة احتواء تفشي وباء كورونا، حيث قامت عناصر من الحزب بمنع الإمدادات الطبية الخاصة بمواجهة فيروس كورونا عن مديريات الساحل، لأسباب ترتبط بموقف الحزب من القوات المشتركة التي حررت الساحل الغربي وصولاً إلى مدينة الحديدة[17].

وتشير، في الوقت ذاته، تقارير عديدة إلى أن حزب التجمع اليمني للإصلاح يعارض الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لإحياء اتفاق الرياض، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، عبر نقاط تنفيذية تتضمن استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي بدأ سريانه منذ يونيو 2020.

ويخشى إخوان اليمن أن يؤدي تنفيذ هذا الاتفاق إلى خسارة ما حققوه من مكاسب سياسية على الأرض في ظل سيطرتهم على محافظات غنية بالنفط والغاز مثل شبوة، وحضرموت، ولعرقلة هذا الاتفاق بدأت أصوات من جماعة الإخوان المسلمين في اليمن وخارجها تطالب بتدخل تركي في الأزمة اليمنية على غرار ما حدث في ليبيا[18].

في ضوء ما سبق يمكن القول إن توظيف جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الفرعية التي تمثلها في بعض الدول العربية، لجائحة كورونا اتخذ العديد من المظاهر ولعل أبرزها ما يلي:

  • أولاً: استغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة الناجمة عن هذه الجائحة في تعزيز تغلغلها في المجتمع على النحو الذي أظهرته حالتي إخوان المغرب وموريتانيا.
  • ثانياً: محاولة تديين بعض القرارات و”إسباغها ببعد سياسي”، كقرار إغلاق المساجد، واستغلاله في تشويه صورة الحكومات العربية، باعتبارها “تعادي” الدين، كما هو الحال في إخوان الجزائر ومصر.
  • ثالثاً: استغلال انشغال العالم بمواجهة كورونا في تعزيز مكاسب الجماعة السياسية، خاصة في مناطق الأزمات، على النحو الذي بدا واضحاً في نموذجي الإخوان في ليبيا واليمن، حينما تعمدوا تجاهل الدعوات الصادرة عن منظمات أممية وعربية الخاصة بالتخلي عن السلاح والتفرغ لمواجهة كورونا، وذلك في مؤشر صارخ على الانتهازية السياسية التي لا تعرف معنى للأخلاق والإنسانية.

 التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وتوظيف جائحة كورونا  

إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الفرعية التابعة لها في العديد من الدول العربية، وظفت وباء كورونا في تعظيم مكاسبها كما سبقت الإشارة إليه، فإن التنظيم الدولي للجماعة، رأى في جائحة كورونا أيضاً فرصة مثالية ينبغي استغلالها بشكل يخدم الجماعة وأهدافها، وقد اتخذ هذا الاستغلال العديد من المظاهر، التي يمكن توضيحها على النحو التالي:

  1. الترويج لأيديولوجيا الجماعة ومحاولة بناء مناطق تمركز ونفوذ جديدة لها في أوروبا، حيث استغلت الجماعة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت إغلاق الاقتصاد في أوروبا، وما صاحبها ذلك من مشكلات في الترويج لمبادئها، والسعي إلى استقطاب أعضاء جدد إليها، وهذا ما أثار قلق الأوساط السياسية في العديد من هذه الدول تجاه طبيعة الأنشطة الإخوانية في ظل جائحة كورونا.

    وقد دفع هذا التطور في نشاط الجماعة في أوروبا بالنائب عن حزب المحافظين في البرلمان البريطاني أندرو روزينديل بتوجيه تساؤلات إلى وزراء في الحكومة البريطانية أمام البرلمان بشأن تزايد أنشطة تنظيم الإخوان في كل من بريطانيا والعالم في ظل تفشي فيروس كورونا، وما ترتب عليه من انكماش اقتصادي وأزمات اقتصادية تسعى الجماعة إلى استغلالها في التجنيد للانضمام إليها[19].

    كما بدأت دول أخرى تعيد النظر في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها، بعدما أدركت ما تنطوي عليه من مخاطر وتهديدات لأمنها القومي، وبدا هذا واضحاً في التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ في فرنسا شهر يونيو 2020، وحذر بصورة واضحة مما سماه تنامي “التطرف الإسلامي” في عدد متزايد من المناطق في فرنسا.

    وكشف التقرير أن مؤيدي الإسلام السياسي، يسعون حالياً إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل “إنشاء دولة الخلافة”، ويغذون في بعض المدن “نزعة انفصالية” خطيرة[20]؛ وذلك في إشارة واضحة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمها الدولي، الذي يضع ضمن أهدافه بناء دولة عابرة للقارات تعيد دولة الخلافة الإسلامية التي تحقق للجماعة طموحها الخاص بـ “أستاذية العالم”.

  1. توظيف كورونا في تنمية موارد الجماعة المالية، وخاصة في تلقي التبرعات بدعوى إنفاقها على المتضررين من هذه الجائحة: كما هو معروف تعتمد جماعة الإخوان المسلمين على المؤسسات الخيرية التابعة لها في العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة في تلقي التبرعات، وقد سعت الجماعة إلى توظيف جائحة “كوفيد-19″، لجمع أكبر قدر من التبرعات بحجة إنفاقها على مستلزمات الوقاية من الفيروس أو دعم مخيمات اللاجئين.

    وبالإضافة إلى هذا اعتمدت الجماعة أيضًا على الدعاية التي تقدمها الصفحات الإعلامية للمؤسسات الخيرية، حيث قامت العديد من المواقع الرسمية لمنظمات الإخوان في الولايات المتحدة بوضع استمارة أولية قبل البدء في التصفح، تدعو إلى التبرع لتمكين المؤسسة من مواجهة فيروس كورونا، كما توضع فيها القيم المعتبرة للتبرع عن طريق وسائل الدفع الإلكتروني[21].

    ويعد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير”، في هذا السياق، من أبرز المؤسسات التي اعتمدت استمارة التبرع، والتي تبدأ من 35 دولاراً ثم 50 دولاراً وصولاً إلى ما يشاء التابعون من الدفع، ولم تكتفِ “كير” بتوظيف كورونا، ولكن وضعت إشارة أخرى للتبرع بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم باعتبارها زكاة المال التي يفرض على المسلمين دفعها، معلنة أنها تهدف لوصول التبرعات إلى 2.6 مليون دولار بنهاية شهر رمضان.

    كما كثفت، في هذا الصدد، الدائرة الإسلامية لشمال أمريكا المعروفة بـ”إيسنا” أو “ICNA” من دعوتها للتبرع أيضاً، فهناك منشور للتبرع من أجل كورونا تدعي الجماعة أنه لخدمة المستلزمات الطبية والرعاية الصحية للمواطنين، وآخر لزكاة رمضان، .انضموا إلى منشورها الأساسي للتبرع بجانب الصفحة الرئيسية لموقعها الرسمي[22]

  1. توظيف المؤسسات الإعلامية التابعة للتنظيم الدولي في الغرب، وتحديداً في بريطانيا وتركيا، في تشويه صورة العديد من الحكومات العربية والتحريض عليها، بدعوى “عجزها” عن إدارة أزمة جائحة كورونا، واحتواء تداعياتها السلبية، رغم أن هذه الدول تعد من الدول القليلة، نسبياً، في ما يتعلق بمعدل الإصابات والوفيات جراء هذا الوباء.

خاتمة

جاءت جائحة “كوفيد-19” لتكشف بوضوح الانتهازية السياسية التي تميز ممارسة جماعة الإخوان المسلمين، وحركات الإسلام السياسي والدول الداعمة لها بوجه عام، ونهجها الثابت في توظيف الأزمات واستغلالها في تحقيق أهدافها، حتى لو كان ذلك يتعارض مع الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية التي تؤمن بها شعوب العالم كلها، ولم تختلف في ذلك عن التنظيمات المتطرفة والإرهابية سواء في تديين هذه الجائحة، أو في استغلالها حتى لو كان ذلك على حساب حق البشر في الحياة.

ففي الوقت الذي استغلت فيه هذه التنظيمات انشغال العالم بمواجهة كورونا، وخاصة في مناطق الأزمات والصراعات، في استئناف عملياتها الإرهابية، فإن جماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الفرعية التابعة بها – كما هي الحال في ليبيا واليمن – مارست السلوك ذاته، حينما واصلت تحالفاتها المشبوهة مع ميليشيات مسلحة ترتبط بمشروعات خارجية لقوى إقليمية تستهدف تدمير الدولة الوطنية، ومصادرة حق الشعوب في الأمن والتنمية والرفاه.

 


قائمة الهوامش

[1]–    رامي شفيق، الإخوان المسلمون، مسارات التنظيم وأوهام القوة والاستبداد، موقع ليفانت، 25 مارس 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/39x0ntR

[2]– محمود عبده، هل دمرت فترة حكم الإخوان الاقتصاد المصري بالفعل؟، صحيفة “إندبندنت” عربية، 19 يونيو 2019، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2WWGIzU

[3]–  Wael Gamal, Lost Capital: The Egyptian Muslim Brotherhood’s Neoliberal Transformation, Carnegie Middle East Center, February 01, 2019, https://bit.ly/39BhVGQ

[4]–    Vivian Yee, In a Pandemic, Religion Can Be a Balm and a Risk, The New York Times,  March 22, 2020, https://nyti.ms/2WfVkdT

[5]–     أشرف عبد الحميد، التيارات المتطرفة تستغل كورونا.. تحريض وفتاوى غريبة، موقع العربية نت، 16 مارس 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2YKehag

[6]–     عاصم طلعت، الإخوان في زمن “الكورونا”… التحريض على الدولة والاستثمار في الخوف، مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، 21 إبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2YIEAgJ

[7]–      للمزيد من التفاصيل عن كيفية توظيف التنظيمات المتطرفة والإرهابية لكوفيد-19، يمكن الرجوع إلى: د. أشرف العيسوي، التنظيمات المتطرفة والتوظيف الديني لـ “كوفيد-19”: الأبعاد والتداعيات المحتملة على الإرهاب الدولي، “مركز تريندز للبحوث والاستشارات”، أبوظبي، 6 يوليو 2020، وذلك من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/3mqK8WK

[8]–     عاصم طلعت ، الإخوان في زمن “الكورونا”، مصدر سبق ذكره.

[9]–  للاطلاع على هذا الفيديو ، يمكن الرجوع إلى الرابط التالي:  https://bit.ly/3fEbkxY

[10]— صبري عبد الحفيظ، جماعة “الإخوان” تلجأ إلى كورونا لإسقاط النظام المصري! ، موقع إيلاف الإلكتروني، 17 مارس 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2vHxeOE

[11] – خلدون الشرقاوي، الإخوان وكورونا: هكذا استثمرت الجماعة في الوباء لصالح دعايتها السياسية، موقع حفريات الإلكتروني، 13 إبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2YFyEoV

[12] – المصدر السابق.

[13] –  الحبيب الأسود، الإخوان يستغلون كورونا للتذكير بوصايتهم على الدين، صحيفة العرب “لندن”، 19 مارس 2020 من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/33Az3tE

[14] –  د. جبريل العبيدي، جماعة “الإخوان” وتوظيف “كورونا”، صحيفة الشرق الأوسط (لندن)، العدد [15102] 3 إبريل 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2H9RFco

[15] –  سارة رشاد، يرفضون وضع السلاح.. إخوان ليبيا يستغلون الانشغال العالمي بـ”كورونا”، موقع المرجع، مركز سيمو- باريس، 22 إبريل 2020  من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2ZKYIii

[16] – خلدون الشرقاوي، الإخوان وكورونا: هكذا استثمرت الجماعة في الوباء لصالح دعايتها السياسية، مصدر سبق ذكره.

[17] –  “إخوان اليمن” يمنعون الدواء عن مديريات الساحل، صحيفة البيان (دبي)، 10 يونيو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2ZN69VU

[18] –  إخوان اليمن يلوحون بورقة “أنقرة الدوحة” لإفشال اتفاق الرياض، موقع 24 الإلكتروني، أبوظبي، 27 مايو 2020 من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/32AOZNg

[19]– Thomas Harding, British government asked to account for rise in Muslim Brotherhood activity, the national, April 29, 2020, https://bit.ly/2yFtGxR

[20]–  فرنسا: تقرير لمجلس الشيوخ يحذر من “التطرف الإسلامي” المتزايد في البلاد، موقع فرانس 24، 9 يوليو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/35PINmF

[21]. نهلة عبدالمنعم، كورونا.. مدخل “إخوان أمريكا” لمضاعفة أموال التبرعات، موقع المرجع، دراسات وأبحاث استشرافية حول الإسلام الحركي، باريس، 9 مايو 2020، من خلال الرابط التالي: https://bit.ly/2CwB1le

[22]. المصدر السابق.

المواضيع ذات الصلة