<p style=”text-align: right;”>شرع أطباء وعلماء مستشفى جامعة “جونز هوبكنز”، أحد أشهر وأعرق الجامعات العالمية، في البدء بدراسات سريرية للوقاية من سرطان البنكرياس وعلاجه بالاعتماد على تطعيم طبي. وتعتمد فكرة التطعيم على بروتين خاص، تنتجه الخلايا السرطانية في المراحل الأولى لدى 90% من المصابين، ويعتبر باكورة تحول خلايا البنكرياس الطبيعية إلى خلايا سرطانية. فعلى خلاف أنواع الأمراض السرطانية، التي تستثير جهاز المناعة لتوليد أجسام مضادة ضدها، تتمكن خلايا البنكرياس السرطانية من الاختباء والتخفي بعيدا عن أسلحة جهاز المناعة. ولذا، يتم اكتشاف الغالبية العظمى من حالات الإصابة في مراحل متأخرة من المرض، بعد أن يكون المرض انتشر إلى باقي أعضاء وأجهزة الجسم. مما يجعل التدخل الجراحي خيارا غير متاح، ويجعل من سرطان البنكرياس أحد أكثر أنواع الأمراض السرطانية فتكا بمرضاه، ويدفع بالبعض إلى منحه لقب القاتل الصامت. وعلى صعيد التنبؤ أيضا باحتمالات الشفاء من المرض (prognosis)، يعتبر سرطان البنكرياس ضمن الأسوأ -إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق- بين الأمراض السرطانية، حيث تقل نسبة من يظلون على قيد الحياة بعد خمس سنوات من إصابتهم بالمرض عن 5 بالمئة، وتنعدم تقريبا حالات الشفاء التام.</p><p style=”text-align: right;”>وتتعدد عوامل الخطر التي تزيد من احتمالات الإصابة بسرطان البنكرياس، بعضها منطقي ومتوقع، والبعض الآخر غريب وشاذ. ومن عوامل الخطر هذه نذكر: التقدم في العمر، خصوصا بين من تخطوا سن الستين، والجنس، إذ تزداد نسبة إصابة الذكور بنسبة 30 بالمئة مقارنة بالإناث. والوراثة ووجود تاريخ عائلي، والتدخين، حيث تزداد احتمالات الإصابة بين المدخنين مقارنة بغير المدخنين، وحتى بعد التوقف عن التدخين الشره لمدة عقد كامل، تظل احتمالات الإصابة مرتفعة بمقدار 1.2، مقارنة بمن لم يدخنوا أبدا. ونوعية الغذاء المنخفض في محتواه من الخضراوات والفواكه، والمرتفع في محتواه من اللحوم الحمراء، وتناول المشروبات الغازية المحلاة بالسكر بانتظام، والتي تزيد من احتمالات الإصابة بمقدار 1.87، وخصوصا المشروبات المحلاة بسكر الفركتوز، وزيادة الوزن والسمنة المفرطة. وداء السكري، والذي قد يكون ظهوره فجأة علامة مبكرة للإصابة بسرطان البنكرياس. والتهاب البنكرياس المزمن، سواء الناتج عن خلل وراثي، أو من تعاطي الكحوليات، والإصابة ببكتيريا الهليو-بكتر، التي تسبب قرحة المعدة، والتهاب اللثة المزمن.</p><p style=”text-align: right;”>وبوجه عام، تحتل الوفيات بسبب الأمراض السرطانية، مرتبة متقدمة جدا على قائمة أسباب الوفيات بين أفراد الجنس البشري، وهي الوفيات المتوقع لها الازدياد بشكل مضطرد في المستقبل القريب. ففي عام 2021، تخطى عدد الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالسرطان حاجز العشرين مليونا للمرة الأولى في التاريخ، وتوفي في العام نفسه 10 ملايين بسبب مرضهم. وللأسف، يتوقع أن تستمر هذه الأرقام في الازدياد خلال العقود القادمة. فحسب التقديرات المستقبلية، سيصاب واحد من كل خمسة أشخاص بالسرطان في مرحلة ما من حياته، وستشهد أعداد من يصابون بالسرطان مزيدا من الارتفاع بنسبة 50% بحلول عام 2040، مقارنة بأعداد المصابين في 2020، على الرغم من أنه يمكن حاليا تحقيق الوقاية، والشفاء التام، من العديد من الأمراض السرطانية.</p><p style=”text-align: right;”>وما يأمل فيه علماء جامعة “جونز هوبكنز”، هو أن يتم تطوير تطعيم، يدرب جهاز المناعة في الجسم على التعرف على الخلايا السرطانية التي تنتج هذا البروتين المخصوص، ومن ثم مهاجمتها والقضاء عليها في المراحل الأولية، قبل أن تتمكن من الانتشار لباقي أعضاء وأجهزة الجسم. حيث تحظى العلاقة بين جهاز المناعة والأمراض السرطانية، باهتمام متزايد في عالم الأبحاث الطبية الهادفة لفهم طبيعة هذه المجموعة من الأمراض، وتطوير علاج قادر على شفاء المصابين بها. ففي الوقت الذي تؤثر فيه الأمراض السرطانية على قدرة جهاز المناعة على القيام بوظيفته الأساسية في الدفاع عن الجسم، اكتشف العلماء أيضاً أن من الوظائف الأساسية لجهاز المناعة، البحث عن الخلايا السرطانية في الجسم والتعرف عليها ، والقضاء عليها قبل أن تنتشر. وهذه الوظيفة التي تعرف بالمسح المناعي السرطاني، يأمل العلماء في توظيفها بشكل أكثر فعالية، من خلال ما يعرف بالعلاج المناعي (Immunotherapy). بل ربما قد تصبح فكرة التعرف على الطفرة الجينية الوراثية وتحديد وجودها ، أداة فاعلة في تحقيق التشخيص المبكر للأشخاص المتمتعين بتاريخ عائلي من الإصابة بسرطان البنكرياس.</p>