شَكَّلَ حزب الله ظاهرة سياسية وعسكرية مُعَقّدة في السياق اللبناني والإقليمي؛ إذ تجاوز الحزب منذ تأسيسه في مطلع ثمانينيات القرن الماضي حدود الدور التقليدي للفاعلين غير الرسميين في الدولة، ليصبح قوة منظمة تتداخل في مستويات الدولة والمجتمع، وتتجاوز أدواره الإطار الوطني نحو بُعْد إقليمي، كان له تأثير مباشر في ميزان القوى في الشرق الأوسط. يأتي هذا في ظل شبكة تحالفات استراتيجية تربطه بمحور تقوده إيران، وتمثل سوريا إحدى أبرز حلقاته الحيوية، نظرًا لعُمق العلاقة التاريخية واللوجستية بين الجانبين.
في المقابل، يشهد لبنان منذ سنوات أزمة سياسية مركبة، تفاقمت عقب الحراك الشعبي عام 2019، والانهيار المالي عام 2020، والانفجار المروّع لمرفأ بيروت. وقد أسفر هذا المسار عن تحوُّلات في المزاج العام اللبناني، وعن صعود نُخب سياسية جديدة تسعى إلى إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والفاعلين المسلحين، وعلى رأسهم حزب الله.
مع تشكيل حكومة جديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع، تُثار أسئلة ملحة حول مستقبل العلاقة بين هذه الحكومة وحزب الله، في ظل توازنات داخلية دقيقة، وضغوط إقليمية ودولية متشابكة. هل ستتمكن الحكومة من انتهاج سياسة مستقله تُعيد ضبط العلاقة مع الحزب دون الانزلاق إلى صدام؟ أم أن حزب الله سيستمر في فرض معادلاته الخاصة على المشهد السياسي اللبناني كما فعل في مراحل سابقة؟ هل ستحظى حكومة الشرع بالقبول والشرعية التامة من العالم؟
تهدف هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية ومعمقة لمسار العلاقة بين حزب الله والنظام السوري، ثم استكشاف انعكاسات هذا المسار على تعامل الحزب مع الحكومة الجديدة بقيادة أحمد الشرع. كما تُناقش الورقة المحددات الداخلية والخارجية التي تؤثر في هذه العلاقة، وتنتهي بطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة، تتراوح بين التعاون الحذر، واستمرار الوضع القائم، والمواجهة المحتملة.
أولًا: الخلفية التاريخية للعلاقة بين حزب الله وسوريا
1. الجذور الأيديولوجية والتحالف الاستراتيجي
تأسس حزب الله عام 1982 في سياق الاجتياح الإسرائيلي للبنان، مستندًا إلى خلفية أيديولوجية شيعية مُستلهمة من الثورة الإسلامية في إيران. وقد كان النظام السوري بقيادة حافظ الأسد يدرك أهمية دعم قوى المقاومة في لبنان كوسيلة لمواجهة النفوذ الإسرائيلي، وأيضًا كأداة لتعزيز حضوره في المعادلة اللبنانية الداخلية[1]. ومنذ البداية وفّرت سوريا مَمَرًّا جغرافيًّا وسندًا سياسيًّا للحزب، أسهم في ترسيخ دعائمه العسكرية في الجنوب اللبناني، وأتاح له التمدد ضمن البيئة الشيعية الممتدة من البقاع إلى الضاحية الجنوبية.
إضافة إلى الأبعاد الأيديولوجية، لعبت المصلحة الاستراتيجية دورًا جوهريًّا في تعزيز التحالف بين الطرفين. فالنظام السوري لم يكن يتغاضى عن صعود الحزب فحسب، بل شجعه في إطار سياسته التي تعتمد على خلق أدوات غير رسمية تُحقّق له أوراق ضغط في أي تسوية مستقبلية مع إسرائيل أو مع الأطراف الدولية المتدخلة في لبنان[2]. وبالمقابل، استفاد الحزب من الرعاية السورية لتثبيت موقعه في مواجهة حركات مقاومة أخرى كانت مدعومة من جهات مختلفة مثل حركة أمل.
2. تطورات ما بعد اتفاق الطائف (1989–2005)
أُقِرَّ اتفاق الطائف عام 1989 بوصفه نهاية رسمية للحرب الأهلية اللبنانية، ورسّخ الهيمنة السورية على القرار اللبناني على مدى عقد ونصف تقريبًا. خلال هذه الفترة، تحوّل حزب الله إلى لاعب سياسي شرعي عبر مشاركته في الانتخابات النيابية منذ 1992، واستفاد من شبكة التحالفات السورية-الإيرانية لتوسيع نفوذه السياسي والعسكري. بل إن النظام السوري، الذي مارس سيطرة شبه كاملة على مفاصل الدولة اللبنانية، كان يُفَضّل حزب الله على باقي الأطراف الشيعية، لما يمتاز به من انضباط سياسي وولاء إقليمي يترابط مع مصالح دمشق وطهران معًا[3].
هذا التلاقي ظهر بشكل واضح خلال حرب يوليو 2006، التي شهدت دعمًا سوريًّا لوجستيًّا وإعلاميًّا مباشرًا للحزب، بالرغم من انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005 على خلفية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وتزايد الضغوط الدولية على دمشق. وقد حافظت العلاقة بين الجانبين على طابعها الاستراتيجي، وإنْ أصبحت أكثر اعتمادًا على التنسيق الأمني غير العلني بسبب التَّبَدُّل في موازين القوى داخل لبنان وخارجه[4].
3. مُنعطف الحرب السورية (2011-الوقت الراهن)
مَثَّل اندلاع الثورة السورية في عام 2011 نقطة تحوّل عميقة في بنية العلاقة بين حزب الله والنظام السوري. إذ انتقل الحزب من موقع الداعم السياسي لنظام الأسد إلى التدخل العسكري المباشر بدءًا من معركة القصير عام 2013. وقد برر الحزب تدخله باعتبارات أمنية وعقائدية تتعلق بحماية المزارات الشيعية ومواجهة “التكفيريين”، إلّا أن الأبعاد الاستراتيجية كانت أوضح، حيث استشعر الحزب خطر سقوط الحليف السوري وما يمثله ذلك من انقطاع للشريان اللوجستي الذي يربط طهران بضاحية بيروت الجنوبية[5].
خلال سنوات الحرب، لم يكتفِ الحزب بإرسال وحدات قتالية، بل أصبح جزءًا من منظومة الدفاع السورية، حتى إنه كان يشارك في التخطيط العملياتي، ويؤسس وجودًا دائمًا في مناطق سورية عدة، خصوصًا على الحدود مع لبنان. في المقابل، اعتمد النظام السوري على الحزب كقوة ذات كفاءة قتالية عالية في الجبهات التي فَقَدَ فيها الجيش النظامي الكثير من فعاليته. هذا التداخل البنيوي أعاد صياغة العلاقة من “تحالف تكتيكي” إلى “شراكة ميدانية”، بغضّ النظر عن بعض التوترات التي برزت نتيجة تقاطع المصالح مع الفاعل الروسي، الذي كان يسعى لتقليص النفوذ الإيراني تدريجيًّا داخل سوريا[6].
ثانيًا: قراءة في الوضع الراهن لحزب الله والحكومة السورية.. الإيجابيات والسلبيات
منذ ما بعد عام 2011، لم تَعُدْ العلاقة بين حزب الله وسوريا تقتصر على التحالف السياسي أو التنسيق الأمني التقليدي، بل انتقلت إلى مستوى أعلى من التداخل البنيوي، حيث أصبح الحزب جزءًا ميدانيًّا من معادلة الدفاع عن النظام السوري. هذه العلاقة المشبعة بالعوامل العسكرية، والميدانية، والأيديولوجية، باتت اليوم أمام اختبار مختلف، في ظل تَعَقُّد السياق السوري، وتَغَيُّر البيئة السياسية اللبنانية، وظهور حكومة بقيادة أحمد الشرع التي تسعى -نظريًّا على الأقل- إلى التمايز عن النمط التقليدي في التعامل مع حزب الله.
1. الإيجابيات من منظور حزب الله والنظام السوري:
- الحفاظ على خطوط الإمداد الاستراتيجي
بالنسبة لحزب الله، تشكل سوريا العمق الاستراتيجي واللوجستي الذي يربطه بإيران. فمن خلال الأراضي السورية، يمر جزء كبير من التسليح النوعي للحزب، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة والطائرات المُسيّرة، التي تشكل جزءًا أساسيًّا من منظومة الردع التي بنى عليها الحزب توازن الرعب مع إسرائيل. بالتالي، فإن بقاء النظام السوري الحليف يمثّل ضمانة لاستمرار هذه السلسلة الحيوية من الدعم[7].
- غطاء شرعي إقليمي للتموضع الميداني
من خلال مشاركته في الحرب السورية، تمكّن حزب الله من تثبيت وجوده العسكري داخل الأراضي السورية، في مناطق استراتيجية على الحدود اللبنانية، وفي محيط دمشق، بل وحتى في الجنوب السوري القريب من الجولان. وقد جاء هذا التمدد باسم “الدفاع عن المقاومة” أو “مواجهة الإرهاب”، بَيْدَ أنه منح الحزب موقعًا جديدًا كلاعب إقليمي ميداني، له قدرة على التأثير في موازين القوى العسكرية داخل سوريا وخارجها[8].
- توسيع شبكة النفوذ داخل محور المقاومة
الحرب السورية مثّلت بالنسبة لحزب الله فرصة نادرة لتعزيز تماسك المحور الذي يجمعه بإيران وسوريا، ومنحته ميزة الاشتباك المباشر مع قوى معادية لهذا المحور، مثل بعض الجماعات المسلحة المدعومة من دول إقليمية. في الوقت نفسه وفرت الحرب للحزب ساحة اختبار وتطوير لمقاتليه في تكتيكات الحرب غير المتناظرة؛ ما منحه خبرة قتالية متقدمة، تجاوزت إطار المواجهة الكلاسيكية مع إسرائيل[9].
2. التحديات والسلبيات في المرحلة الراهنة
- تآكل القوة السورية الشريكة
برغم هذا التماهي الاستراتيجي، فإن التدهور الهيكلي في قدرات الدولة السورية، سواء على مستوى السيادة أو الاقتصاد أو القرار السياسي، انعكس سلبًا على نوعية التحالف؛ فالنظام السوري -في عهد الأسد- لم يَعُدْ يمتلك القدرة على إدارة العلاقة من موقع الندية، بل بات معتمدًا على شركائه، ومن ضمنهم حزب الله، بدرجة أضعفت توازنه التقليدي في علاقاته. هذا التراجع طرح على الحزب تحديًا يتعلق بكيفية الحفاظ على علاقة حيوية مع كيان سياسي بات ضعيفًا في موازين القوى الإقليمية[10].
- تضارب المصالح مع روسيا داخل سوريا
تسعى موسكو -بصفتها الحليف الدولي الأقوى للنظام السوري- إلى ترسيخ نفوذها عبر إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية السورية، بشكل يُقلّص من الاعتماد المفرط على إيران ووكلائها، بمن فيهم حزب الله. ومن ثم ظهرت مؤشرات متعددة على توتر خفي بين الحزب وبعض وحدات الجيش السوري المدعومة روسيًّا، خصوصًا في الجنوب السوري، حيث تحاول روسيا تهدئة الجبهة مع إسرائيل. هذا التنافس كان يُقيّد حرية مناورة الحزب، ويخلق بيئة أمنية أقل انسجامًا مما كانت علية خلال السنوات الأولى للحرب[11].
- الأثر العكسي للتورط العسكري على صورته اللبنانية
في الداخل اللبناني، لم يمر التدخل العسكري في سوريا دون كلفة. إذ إن قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، من مختلف الطوائف، باتت ترى أن الحزب أصبح يمثل طرفًا إقليميًّا أكثر من كونه مكوّنًا وطنيًّا. هذا الشعور تعزز في ظل الانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان، حيث باتت أصابع الاتهام تُوَجَّه إلى الحزب بوصفه طرفًا يُسهم في عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي، ويُبقيه في دائرة العقوبات وعدم الاستقرار[12].
ثالثًا: محددات العلاقة بين حزب الله ونظام أحمد الشرع
لا شك أن العلاقة بين حزب الله وأي حكومة سورية جديدة سوف تشكل مسألة تتجاوز الاعتبارات المحلية البحتة، لتدخل في نطاق التوازنات الإقليمية والدولية. فحكومة احمد الشرع تمثل تَحَوُّلًا في المزاج السياسي لما بعد الانهيار الاقتصادي والانتفاضة الشعبية، وهي -بهذا الوصف- تقف أمام شبكة من التحديات المعقدة فيما يخص العلاقة مع الحزب، الذي لم يقتصر على كونه فاعلًا سياسيًّا محليًّا فحسب، بل بات محورًا من محاور التأثير الإيراني في المنطقة. ويمكن تحليل محددات هذا العلاقة وفق ثلاثة أبعاد رئيسية: الدولي، والإقليمي، والداخلي.
1. البُعْد الدولي: ضغط بنيوي في مواجهة خيارات محدودة
إن القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، تتعامل مع حزب الله باعتباره فاعلًا غير شرعي يهدد استقرار لبنان والمنطقة. وقد أُدْرِجَ الحزب بجناحيه السياسي والعسكري على لائحة الإرهاب في عدة دول غربية[13]. وقد استخدمت هذه الدول أدوات، مثل العقوبات الاقتصادية، وحجب الدعم المالي، والضغط السياسي على الدولة اللبنانية، كوسائل للحَدّ من نفوذ الحزب وتقليص تمويله.
بالنسبة لحكومة أحمد الشرع، فإن هذا الضغط يعني أن أي شكل من أشكال الشراكة أو التفاهم الضمني مع حزب الله قد يؤدي إلى عرقلة مشاريع دعم دولية ضرورية، لاسيّما في مجالات إصلاح الاقتصاد والبنية التحتية والطاقة[14]. من جهة أخرى فإن أي مواجهة مباشرة مع الحزب قد تُهدد بانفجار الوضع الداخلي، خصوصًا في ظل غياب توازن سياسي قوي مضاد له.
وهكذا، فإن هذه الحكومة باتت مُحَاصَرَةً بين استحقاقات الالتزام بسيادة الدولة من جهة، ومتطلبات الواقع السياسي المعقّد من جهة ثانية، ما يجعل الموقف من حزب الله اختبارًا حاسمًا لقدرتها على المناورة في الحقل السياسي اللبناني تحت سقف القيود الدولية.
2. البُعْد الإقليمي: استقطاب المحاور في قلب القرار
تلعب البيئة الإقليمية دورًا حاسمًا في توجيه شكل العلاقة بين الحزب وحكومة أحمد الشرع. فالحزب يُعَدُّ الامتداد الأبرز للمشروع الإيراني في بلاد الشام، ويُنظر إليه في طهران باعتباره خط الدفاع الأول في “محور المقاومة”، جنبًا إلى جنب مع الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق. وبالتالي، فإن أي تراجع في علاقة الحكومة اللبنانية بالحزب قد يُفَسَّر إيرانيًّا كمحاولة لإقصاء نفوذها الإقليمي، وهو ما قد يُقابَل بالتصعيد أو بالتضييق على الحكومة عبر أدوات داخلية[15].
في المقابل، فإن النظام الإقليمي العربي -بالخصوص الخليج- يشترط لتحسين العلاقة مع لبنان تحجيم دور الحزب، أو على الأقل فصله عن القرار السياسي[16]. ولهذا، فإن حكومة الشرع إذا أرادت استعادة الدعم العربي الخليجي، ستكون مطالبةً بإعادة ضبط العلاقة مع الحزب، دون الدخول في الصدام المباشر، وهو أمر بالغ الدقة، نظرًا لحجم التشابك القائم.
3. البُعْد الداخلي: انقسام وطني واحتقان اجتماعي
على المستوى الداخلي، لاتزال بيئة النظام اللبناني حاضنة لتناقضات طائفية وسياسية حادة. فحزب الله يتمتع بقاعدة شعبية صلبة داخل الطائفة الشيعية، ويُعتبر فاعلًا رسميًّا عبر تحالفاته في مجلس النواب والحكومة، ولا يمكن استبعاده من المعادلة دون كلفة عالية. لكنه في الوقت نفسه يواجه اتهامات دائمة من قوى مدنية وسياسية معارضة بأنه يشكل “دولة داخل دولة”، ويمنع بناء مؤسسات سيادية حقيقية[17].
يُضاف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية الحادة، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة، أسهما في تحفيز جزء من الشعب ضد الطبقة السياسية التقليدية، بما فيها الحزب. وهذا يضع حكومة الشرع أمام اختبار مزدوج: كيفية إدارة العلاقة مع الحزب دون الاصطدام به، مع الاستجابة لضغط داخلي واسع يطالب بإعادة النظر في موقع الحزب ودوره الأمني والعسكري.
في هذا الإطار، تُصبح حكومة الشرع مطالبة بإنتاج خطاب سياسي جديد، يوازن بين الواقعية السياسية ومطالب السيادة، وبين الانفتاح الدولي وعدم التفريط بالاستقرار الداخلي، وهو توازن هش وصعب، لكنه شرط ضروري لأي مشروع إصلاحي حقيقي في المرحلة المقبلة.
رابعًا: البُعْد الاقتصادي في العلاقة بين حزب الله وسوريا
رغم أن العلاقة بين حزب الله وسوريا غالبًا ما تُقْرَأ من منظور عسكري وأمني، فإن البُعْد الاقتصادي يشكل دعامة أساسية لهذا التحالف، خصوصًا بعد الحرب السورية والعقوبات المفروضة على الطرفين.
1. التهريب والاقتصاد غير الرسمي:
خلال السنوات الماضية، برز حزب الله كوسيط اقتصادي بين لبنان وسوريا، من خلال شبكات تهريب منظمة تشمل المحروقات والمواد الغذائية والدواء. وقد أتاح له ذلك تعزيز حضوره في المناطق الحدودية، وتأمين مصادر دخل بديلة في ظل الأزمة المالية اللبنانية. وتشير تقارير إلى أن هذه العمليات لم تكن تخدم الحزب فحسب، بل كانت تُعتبر متنفسًا اقتصاديًّا للنظام السوري في ظل العقوبات الغربية[18].
2. التجارة العابرة للحدود:
يمتلك الحزب قدرة على تنظيم التجارة غير الرسمية بين البلدين، مستفيدًا من السيطرة على المعابر غير الشرعية. وقد شكلت له هذه التجارة مصدرًا للدخل بالعملة الصعبة، خاصة بعد تفاقم أزمة الليرة في البلدين. ورغم الانتقادات، يغض الطرف عن هذه الأنشطة في بعض الأحيان لأسباب تتعلق بالاستقرار الأمني والغذائي في المناطق الشيعية[19].
3. الدعم المالي المتبادل:
تعاني سوريا من عزلة اقتصادية بسبب العقوبات؛ ما دفعها إلى الاعتماد على حلفائها لتأمين احتياجاتها الاستراتيجية. وفي هذا السياق لعب حزب الله دورًا في تسهيل عمليات تحويل الأموال والمواد الأساسية، سواء من إيران أو من داخل لبنان. كما موّل الحزب جزئيًّا بعض الخدمات في مناطق سورية موالية له؛ ما عزز نفوذه المجتمعي في تلك المناطق[20].
بالتالي، فإن الاقتصاد بين الطرفين لم يكن مجرد نشاط ثانوي، بل كان أداة استراتيجية تُستخدم لتعزيز التحالف، ومواجهة الحصار الدولي، وتحقيق استمرارية النفوذ في ظروف بالغة التعقيد.
خامسًا: سيناريوهات العلاقة بين حزب الله وحكومة أحمد الشرع
في ضوء الخلفيات التاريخية وتشابك العوامل الإقليمية والدولية، تبدو العلاقة بين حزب الله وحكومة أحمد الشرع مفتوحة على احتمالات متعددة. ومع أن بعض المؤشرات قد تميل نحو استمرار نمط العلاقة التقليدي بين الدولة اللبنانية والحزب، إلّا أن طبيعة الحكومة الجديدة، والتَّغَيُّر في البيئة الاجتماعية اللبنانية، والانكشاف المالي الكامل للدولة، كل ذلك يفرض إعادة النظر في طبيعة هذه العلاقة، ولو ضمن حدود الممكن السياسي.
يمكن تحليليًّا حصر السناريوهات المحتملة في ثلاثة مسارات رئيسية: التعاون المشروط، أو استمرار الوضع القائم، أو الدخول في مواجهة مباشرة. هذا التصنيف لا يفترض الجمود أو الحصرية؛ إذ من الممكن أن تتقاطع السيناريوهات -أو تتداخل- في فترات متتابعة، كما أنه من المحتمل ألّا تنطبق. غير أن هذه النماذج الثلاثة تتيح قراءة أولية لتداعيات العلاقة في المدى المتوسط.
1. التعاون المشروط: ضبط التفاهم ضمن إطار الدولة
يفترض هذا السيناريو أن حكومة أحمد الشرع ستسعى إلى فتح قنوات تواصل غير علنية مع قيادة حزب الله، تهدف إلى ترسيخ “تفاهم سياسي أمني”، يقوم على الحد الأدنى من الاشتباك، والالتزام المتبادل بعدم تجاوز الخطوط الحمراء.
في هذا الإطار، قد تسعى الحكومة إلى استيعاب الحزب ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، عبر إبقاء وجوده السياسي وتمثيله النيابي والوزاري، مقابل تحييده جزئيًّا عن بعض الملفات السيادية، مثل السياسة الخارجية، أو التفاوض مع المؤسسات الدولية، أو ضبط نشاطه العسكري ضمن سقف الدولة، دون مطالبته صراحةً بنزع سلاحه[21].
هذا السيناريو قد يحظى بقبول نسبي من المجتمع الدولي إذا ما رُوِّجَ له كخطوة انتقالية نحو تعزيز سيادة الدولة. وقد يُسهم في تحقيق استقرار داخلي، ويُعطي الحكومة هامش حركة إصلاحية. لكنه من جهة أخرى لا يضمن تغييرات جذرية في بنية القوة السياسية اللبنانية، وقد يُقابل بالرفض من قوى المعارضة الداخلية التي ترى في هذا الخيار استسلامًا ضمنيًّا للهيمنة الحزبية.
2. استمرار الوضع القائم: الركود ضمن توازن الهشاشة
هذا السيناريو يراهن على بقاء التوازنات الحالية دون تغيير جوهري، أي أن يستمر حزب الله في ممارسة نفوذه عبر شبكة تحالفاته البرلمانية والحكومية، ويحافظ على سلاحه دون خضوع لأي شكل من أشكال المساءلة القانونية أو الدستورية، بينما تسعى الحكومة لإدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية من دون المساس ببنية القوة الأمنية للحزب.
هذا النمط من العلاقة هو ما عرفه لبنان في العقدين الأخيرين، حيث تَكَرَّسَ “توازن قلق” بين مؤسسات الدولة الرسمية ومراكز النفوذ الحزبي، بمعنى أنه: لا حرب ولا تسوية، ولا تفكيك للنفوذ، ولا صدام مباشر. وقد يكون هذا السيناريو هو الأرجح في المدى القصير، خصوصًا إذا كانت الحكومة غير راغبة أو غير قادرة على خوض مواجهة مكلفة[22].
لكن استمرار هذا النمط قد يُكَرِّس الانقسام العام، ويُضعف شرعية الحكومة في نظر الشارع اللبناني والمجتمع الدولي، ويُبقى لبنان رهينةً لحسابات القوى الإقليمية دون قدرة على إنتاج حل سيادي حقيقي.
3. المواجهة المباشرة: التصادم والانفجار
في حال قررت حكومة أحمد الشرع الاستجابة لضغوط داخلية أو خارجية، وذهبت باتجاه محاولة تقليص نفوذ حزب الله بشكل صريح، سواء عبر مطالبته بتسليم سلاحه، أو عبر استبعاده من الحكومة، فإن ذلك قد يؤدي الى سيناريو تصادمي يحمل طابعًا وجوديًّا.
إن الحزب لن يقبل بسهولة فقدان نفوذه الاستراتيجي، وسينظر إلى أي خطوة من هذا النوع كتهديد مباشر لكيانه السياسي والعسكري. وقد يقابل ذلك بتعبئة شعبية، أو باستخدام أدواته الأمنية لإرباك الوضع الداخلي، وصولًا إلى تعطيل مؤسسات الدولة[23].
هذا السيناريو هو الأخطر؛ إذ قد يُعيد لبنان إلى مرحلة الصراع الأهلي البارد أو حتى المسلح، خاصة في ظل غياب دولة قوية قادرة على فرض هيبتها، إلى جانب ضعف قدرة المجتمع الدولي على التدخل الفعلي لضمان الاستقرار. كما أن الأطراف الإقليمية قد تستخدم لبنان كساحة جديدة لتصفية الحسابات؛ ما يزيد من احتمالات التصعيد.
الخاتمة
إن التحليل السابق لمسار العلاقة بين حزب الله والنظام السوري من جهة، وبين حزب الله والحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع من جهة أخرى، يُظهر حجم التعقيد البنيوي الذي يُثقل القرار السياسي في لبنان، ويجعل من مسألة السيادة الوطنية موضع تفاوض دائم بين الدولة ومراكز القوة غير الرسمية. فحزب الله، بصفته فاعلًا عابرًا للدولة، لم يَعُدْ محصورًا في كونه حزبًا لبنانيًّا مسلحًا، بل غَدَا مُكَوِّنًا أساسيًّا في معادلة القوة الإقليمية المرتبطة بالمشروع الإيراني في المنطقة. وقد تعزز هذا الدور بفعل انخراطه العميق في الحرب السورية، حيث انتقل من كونه أداة مقاومة محلية إلى عنصر ميداني دائم في ساحة إقليمية متفجرة.
في المقابل، تُحاول حكومة أحمد الشرع أن تُعيد إنتاج مفهوم “الدولة المركزية”، عبر خطاب إصلاحي، يُشدّد على الحوكمة، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، والانفتاح على محيط لبنان العربي، إلّا أن هذا المسعى لا يمكن أن يكتمل دون معالجة المسألة المحورية التي تتمثل في موقع حزب الله داخل النظام السياسي والعسكري اللبناني.
صحيحٌ أن الحكومة الجديدة تحاول تثبيت خطاب إصلاحي واستعادة زمام المبادرة، إلّا أن نجاحها سيظل مشروطًا بقدرتها على التعاطي الواقعي مع موقع حزب الله ومصالحه المعقدة. ومن ثم فإن الخيارات أمامها محدودة؛ إذ تتراوح بين احتواء الحزب ضمن منطق الدولة، أو القبول الضمني بتوازن القوى القائم، أو الدخول في صدام لا تملك مقوماته. وفي ظل هذه المعادلة الدقيقة، يبدو أن مسار العلاقة سيبقى خاضعًا لتطورات المشهد السوري، ودور إيران في الإقليم، ومدى انفتاح الحزب على إعادة تعريف موقعه داخل الدولة، إلى جانب حجم الضغط الشعبي الساعي إلى بناء دولة أكثر سيادة وعدالة.
وفي الختام، فإن التحدي الأكبر لا يتمثل فقط في إدارة الملفات اليومية كالأمن والاقتصاد، بل في القدرة على بلورة رؤية استراتيجية طويلة المدى، توازن بين متطلبات الاستقرار الداخلي، ومبدأ استعادة القرار السيادي. عبر هذا التوازن -فقط- يمكن للبنان أن يبدأ فعليًّا مسار التعافي وبناء دولة حديثة قادرة على تجاوز أزماتها البنيوية.
المصادر:
“Hizballah’s Identity Crisis in the Wake of Nasrallah’s Assassination.” The Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, 5 Feb. 2025, dayan.org/content/hizballahs-identity-crisis-wake-nasrallahs-assassination.
Alfoneh, Ali . “Iran after the Lebanon Debacle: Suppress Domestic Dissent and Dash for the Bomb? – Arab Gulf States Institute.” Arab Gulf States Institute, 30 Sept. 2024, agsi.org/analysis/iran-after-the-lebanon-debacle-suppress-domestic-dissent-and-dash-for-the-bomb/.
Baczko, Adam, Gilles Dorronsoro, and Arthur Quesnay. Civil War in Syria: Mobilization and Competing Social Orders. Cambridge: Cambridge University Press, 2018. https://doi.org/10.1017/9781108355322.
Brattberg, Erik . “What Are Europe’s Expectations If Biden Wins?” Carnegie Endowment for International Peace, 20 Oct. 2020, carnegieendowment.org/posts/2020/10/what-are-europes-expectations-if-biden-wins?lang=en.
El Khalil, Zeina . “Lebanon Economic Monitor.” World Bank, www.worldbank.org/en/country/lebanon/publication/lebanon-economic-monitor.
El-Hokayem, Emile . Emile El-Hokayem Hizballah and Syria: Outgrowing the Proxy Relationship. 2007.
Khatib, Lina. How Hezbollah Holds Sway over the Lebanese State Middle East and North Africa Programme. 2021.
Levitt, Matthew. “Hezbollah Shadow Governance in Lebanon.” The Washington Institute, 2024, www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/hezbollah-shadow-governance-lebanon.
Levitt, Matthew. “Hezbollah’s Pivot toward the Gulf.” The Washington Institute, 2016, www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/hezbollahs-pivot-toward-gulf.
Matar, Dina, and Farah Dakhlallah. “What It Means to Be Shiite in Lebanon: Al Manar and the Imagined Community of Resistance.” Westminster Papers in Communication and Culture, vol. 3, no. 2, 1 June 2006, p. 22, https://doi.org/10.16997/wpcc.28.
Merhej, Karim . “03 a History of Corruption and Poor Governance.” Chatham House – International Affairs Think Tank, www.chathamhouse.org/2021/06/breaking-curse-corruption-lebanon/03-history-corruption-and-poor-governance.
Nilsson, Marco. “Hezbollah and the Framing of Resistance.” Third World Quarterly, vol. 41, no. 9, 30 June 2020, pp. 1–20, https://doi.org/10.1080/01436597.2020.1779587.
Norton, Augustus Richard. Hezbollah: A Short History. STU-Student edition. Princeton University Press, 2007. http://www.jstor.org/stable/j.ctt7srbn.
Picard, Elizabeth, and Alexander Ramsbotham. “Reconciliation, Reform and Resilience | Conciliation Resources.” C-R.org, 2012, www.c-r.org/accord/reconciliation-reform-and-resilience.
Saad-Ghorayeb, Amal . “Hizbu’llah.” Pluto Press, Jan. 2001, www.plutobooks.com/9780745317922/hizbullah/.
Shaffer, Ryan. 2017. “Joby Warrick. Black Flags: The Rise of ISIS: New York: Doubleday, 2015. 368 Pp., $28.95 Hardcover. ISBN: 978-0385538213.” Terrorism and Political Violence 29 (2): 387–89. doi:10.1080/09546553.2016.1277665.
Wiegand, Krista. “Reformation of a Terrorist Group: Hezbollah as a Lebanese Political Party.” Studies in Conflict & Terrorism 32, no. 8 (2009): 669–680. https://doi.org/10.1080/10576100903039320.
Yahya, Maha , and Mohanad Hage Ali. “Russia’s Balancing Act in the Levant.” Carnegie Endowment for International Peace, 19 Sept. 2024, carnegieendowment.org/research/2024/09/russia-middle-east-levant?lang=en.
Young, Karen. The Interventionist Turn in Gulf States’ Foreign Policies. 1 June 2016.
Young, Michael . “Pushing Back against Hezbollah.” Carnegie Endowment for International Peace, 12 Feb. 2025, carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2025/02/pushing-back-against-hezbollah?lang=en.
[1] Matar, Dina, and Farah Dakhlallah. “What It Means to Be Shiite in Lebanon: Al Manar and the Imagined Community of Resistance.” Westminster Papers in Communication and Culture, vol. 3, no. 2, 1 June 2006, p. 22, https://doi.org/10.16997/wpcc.28.
[2] Saad-Ghorayeb, Amal . “Hizbu’llah.” Pluto Press, Jan. 2001, www.plutobooks.com/9780745317922/hizbullah/.
[3] Norton, Augustus Richard. Hezbollah: A Short History. STU-Student edition. Princeton University Press, 2007. http://www.jstor.org/stable/j.ctt7srbn.
[4] El-Hokayem, Emile . Emile El-Hokayem Hizballah and Syria: Outgrowing the Proxy Relationship. 2007.
[5] Wiegand, Krista. “Reformation of a Terrorist Group: Hezbollah as a Lebanese Political Party.” Studies in Conflict & Terrorism 32, no. 8 (2009): 669–680. https://doi.org/10.1080/10576100903039320.
[6] Yahya, Maha , and Mohanad Hage Ali. “Russia’s Balancing Act in the Levant.” Carnegie Endowment for International Peace, 19 Sept. 2024, carnegieendowment.org/research/2024/09/russia-middle-east-levant?lang=en.
[7] Shaffer, Ryan. 2017. “Joby Warrick. Black Flags: The Rise of ISIS: New York: Doubleday, 2015. 368 Pp., $28.95 Hardcover. ISBN: 978-0385538213.” Terrorism and Political Violence 29 (2): 387–89. doi:10.1080/09546553.2016.1277665.
[8] Levitt, Matthew. “Hezbollah’s Pivot toward the Gulf.” The Washington Institute, 2016, www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/hezbollahs-pivot-toward-gulf.
[9] Baczko, Adam, Gilles Dorronsoro, and Arthur Quesnay. Civil War in Syria: Mobilization and Competing Social Orders. Cambridge: Cambridge University Press, 2018. https://doi.org/10.1017/9781108355322.
[10] Yazigi, Jihad. “Syria’s War Economy – European Council on Foreign Relations.” ECFR, 7 Apr. 2014, ecfr.eu/publication/syrias_war_economy/.
[11] “Hizballah’s Identity Crisis in the Wake of Nasrallah’s Assassination.” The Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, 5 Feb. 2025, dayan.org/content/hizballahs-identity-crisis-wake-nasrallahs-assassination.
[12] “Hizballah’s Identity Crisis in the Wake of Nasrallah’s Assassination.” The Moshe Dayan Center for Middle Eastern and African Studies, 5 Feb. 2025, dayan.org/content/hizballahs-identity-crisis-wake-nasrallahs-assassination.
[13] “Foreign Terrorist Organizations.” United States Department of State, www.state.gov/foreign-terrorist-organizations.
[14] El Khalil, Zeina . “Lebanon Economic Monitor.” World Bank, www.worldbank.org/en/country/lebanon/publication/lebanon-economic-monitor.
[15] Alfoneh, Ali . “Iran after the Lebanon Debacle: Suppress Domestic Dissent and Dash for the Bomb? – Arab Gulf States Institute.” Arab Gulf States Institute, 30 Sept. 2024, agsi.org/analysis/iran-after-the-lebanon-debacle-suppress-domestic-dissent-and-dash-for-the-bomb/.
[16] Young, Karen. The Interventionist Turn in Gulf States’ Foreign Policies. 1 June 2016.
[17] Nilsson, Marco. “Hezbollah and the Framing of Resistance.” Third World Quarterly, vol. 41, no. 9, 30 June 2020, pp. 1–20, https://doi.org/10.1080/01436597.2020.1779587.
[18] Levitt, Matthew. “Hezbollah Shadow Governance in Lebanon.” The Washington Institute, 2024, www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/hezbollah-shadow-governance-lebanon.
[19] Brattberg, Erik . “What Are Europe’s Expectations If Biden Wins?” Carnegie Endowment for International Peace, 20 Oct. 2020, carnegieendowment.org/posts/2020/10/what-are-europes-expectations-if-biden-wins?lang=en.
[20] Khatib, Lina. How Hezbollah Holds Sway over the Lebanese State Middle East and North Africa Programme. 2021.
[21] Merhej, Karim . “03 a History of Corruption and Poor Governance.” Chatham House – International Affairs Think Tank, www.chathamhouse.org/2021/06/breaking-curse-corruption-lebanon/03-history-corruption-and-poor-governance.
[22] Picard, Elizabeth, and Alexander Ramsbotham. “Reconciliation, Reform and Resilience | Conciliation Resources.” C-R.org, 2012, www.c-r.org/accord/reconciliation-reform-and-resilience.
[23] Young, Michael . “Pushing Back against Hezbollah.” Carnegie Endowment for International Peace, 12 Feb. 2025, carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2025/02/pushing-back-against-hezbollah?lang=en.