Insight Image

حسابات الصراع في إقليم تيغراي ومساراته

07 فبراير 2022

حسابات الصراع في إقليم تيغراي ومساراته

07 فبراير 2022

يبدو المشهد الإثيوبي على درجة كبيرة من التعقيد في ظل حالة اللايقين السياسي التي تغلب على السياق العام في البلاد منذ اندلاع الصراع في إقليم تيغراي منذ نوفمبر 2020 بين الحكومة الإثيوبية بقيادة رئيس الوزراء، آبي أحمد، وحلفائه في الداخل والخارج من جهة، وجبهة تحرير تيغراي وحلفائها من جهة أخرى. والذي شهد تصعيداً في مراحله المختلفة على مدار أكثر من 14 شهراً؛ ما عزز المخاوف الإقليمية والدولية من مستقبل ضبابي قد تواجهه الدولة الإثيوبية في ظل حالة الاستقطاب السياسي والأمني التي تشهدها البلاد، وما يصاحبها من تهديدات لأمن منطقة القرن الأفريقي واستقرارها التي تعد إثيوبيا بمنزلة ركيزة أساسية لاستقرارها خلال العقود الماضية، الأمر الذي يشكل تهديداً واضحاً للمصالح الاستراتيجية للقوى الدولية الفاعلة هناك.

ومع حالة الهدوء النسبي التي تسود ساحة القتال في إثيوبيا عقب انسحاب جبهة تحرير تيغراي إلى معاقلها في الإقليم شمال البلاد في 20 ديسمبر 2021 بحجة منح الفرصة لتحقيق السلام وتسوية الصراع، وتصديق البرلمان الإثيوبي مؤخراً على تأسيس لجنة الحوار الوطني المستقلة تمهيداً لدعوة الحكومة الإثيوبية جميع الأطراف السياسية لانعقاد حوار وطني شامل في البلاد بهدف تجنيبها مخاطر الفوضى والحرب الأهلية، والتي عززتها بإطلاق سراح عدد من المعتقلين وزعماء المعارضة السياسية في 7 يناير 2021، إلا أن المشهد الإثيوبي يظل على المحك في ظل احتمال اندلاع الصراع مجدداً في ضوء استمرار المواجهات العسكرية بين إقليمي تيغراي وأمهرة، واستمرار الغارات الجوية التي تنفذها القوات الحكومية، وفي حالة تجاهل آبي أحمد دعوة جبهة تحرير تيغراي لأي حوار وطني محتمل بغرض تسوية الصراع.

وعليه؛ تلقي هذه الدراسة الضوء على ديناميات السياق العام في إثيوبيا، وحسابات وتوازنات أطراف الصراع الإثيوبي، وتباينات الموقف الدولي تجاهه، بالإضافة إلى تأثيرات استمراره في البلاد، وسيناريوهات محتملة حول مستقبل هذا الصراع.

أولاً- ديناميات السياق العام في إثيوبيا

شهدت الساحة السياسية الإثيوبية خلال السنوات الأربع الأخيرة سلسلة من التفاعلات المعقدة والمتشابكة على الصُّعد السياسية والاقتصادية والأمنية والإثنية، والتي تلقي بظلالها على مستقبل الدولة الإثيوبية خلال المرحلة المقبلة في ضوء تعقد السياق العام الراهن في البلاد. فمع صعود رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى السلطة في إبريل 2018 عقب موجات من الاحتجاجات والتظاهرات شهدتها البلاد منذ عام 2014 أدت في النهاية إلى إجبار رئيس الوزراء السابق، هيلي ماريام ديسالين، على تقديم استقالته في فبراير 2018[1]؛ لتنتهي بذلك حقبة جبهة تحرير تيغراي في الحكم في إثيوبيا، وهي التي هيمنت على الائتلاف الحاكم السابق قرابة ثلاثة عقود مضت، لتبدأ إثيوبيا مرحلة جديدة شرع فيها آبي أحمد في إجراء العديد من الإصلاحات على مستويات عدة، وذلك بهدف ترسيخ أركان حكمه الجديد، والتخلص من خصومه الرئيسيين، ولاسيما جبهة تحرير تيغراي التي تمثل خصماً عنيداً يقف عقبة كؤوداً أمام تحقيق طموحاته السياسية، حيث قام بتغييرات عدة جوهرية على مستوى القيادات العسكرية في الجيش الإثيوبي ممن ينتمون إلى عرقية تيغراي، بعد توجيه اتهامات لهم بالفساد وسوء استغلال المنصب. كما تخلص من قيادات الأجهزة الأمنية أيضاً، فضلاً عن العديد من المؤسسات الحكومية الأخرى. وهو ما اعتبرته جبهة تحرير تيغراي استهدافاً لها بهدف إقصائها من المشهد السياسي الإثيوبي. وقد عزز حالة العداء بين الطرفين إعلان آبي أحمد تأسيس حزب الازدهار الحاكم في ديسمبر 2019، الذي قام على أنقاض الائتلاف الحاكم السابق (الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية)؛ وقد رفضت الجبهة الانضمام إليه.

وتفسر خطوة آبي أحمد بتأسيس الحزب الجديد وموقف جبهة تيغراي منه، نشوب حرب الرؤى بين الأطراف السياسية في البلاد حول مستقبل النظام الفيدرالي الإثيوبي[2]، حيث يؤمن آبي أحمد بضرورة الانتقال من الفيدرالية إلى المركزية في الحكم التي تنطوي على تقليص سلطات حكومات الأقاليم الإثيوبية في مقابل تركيز السلطات كافة في يد الحكومة المركزية في أديس أبابا[3]، وهو ما ترفضه جبهة تحرير تيغراي التي ترى ضرورة استمرار النظام الفيدرالي العرقي في البلاد، بما يضمن موازنة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية في البلاد.

وقد تصاعد الخلاف بين النظام الحاكم وجبهة تحرير تيغراي بعد إجراء الأخيرة الانتخابات التشريعية في الإقليم في سبتمبر 2020 على الرغم من تأجيل الحكومة الفيدرالية للانتخابات في البلاد بحجة تفشي جائحة “كوفيد-19″، بالإضافة إلى عدم اعتراف قادة الجبهة بشرعية حكومة آبي أحمد بعد انتهاء ولايتها في فبراير 2020 وفقاً للدستور الفيدرالي، وانسحاب نواب البرلمان الاتحادي المنتمين إلى قومية تيغراي[4]. وهو ما دفع آبي أحمد إلى اتخاذ بعض الإجراءات العقابية ضد الإقليم مثل قطع العلاقات بينهما، وحرمان الحكومة الإقليمية من مخصصاتها المالية لدى الحكومة المركزية، وصولاً إلى شن عملية عسكرية في 4 نوفمبر 2020 ضد جبهة تحرير تيغراي بهدف احتواء إقليمها والقضاء على الجبهة[5]. وقد شهدت هذه الحربُ مراحلَ مختلفة وتبادلاً للسيطرة الميدانية في ساحات القتال بين طرفي الصراع، إلى أن قررت قوات دفاع تيغراي الانسحاب من جبهة القتال والتراجع إلى معاقلها في إقليم تيغراي، وهو ما اعتبرته الحكومة الإثيوبية انتصاراً لها، وإن كانت جبهة تحرير تيغراي تروّج أن القوات الحكومية لم تستطع إجبارها على الانسحاب من المدن التي سيطرت عليها بالقوة، على الرغم من حالة الحشد التي دعا إليها آبي أحمد وانخراط حلفائه الرئيسيين في الصراع منذ اللحظة الأولى لاندلاعه في نوفمبر 2020[6].

وتزامن مع هذا الانسحاب إعلان الحكومة الإثيوبية عن تأسيس لجنة الحوار الوطني المستقلة والتي صادق عليها البرلمان الإثيوبي في 29 ديسمبر 2021؛ بهدف تحسين الوضع السياسي في البلاد وتسوية الملفات والقضايا الشائكة جميعها على المستوى الداخلي، والحيلولة دون تفاقم الصراعات في البلاد خوفاً من الانزلاق في مستنقع الحرب الأهلية الشاملة[7].

وربما ربط بعضهم بين دوافع انسحاب جبهة تحرير تيغراي من الصراع واحتمال انعقاد حوار وطني شامل للأطراف السياسية جميعها في الساحة السياسية الإثيوبية، بتوريط آبي أحمد أمام المجتمع الدولي حول ضرورة دعوة الجبهة للحوار الوطني وهو ما يضمن حضورها بقوة في المعادلة السياسية بالداخل الإثيوبي، في الوقت الذي تستمر فيه سياسة النظام الإثيوبي الحاكم التي تقوم على شيطنة الجبهة أمام الرأي العام الإثيوبي خاصة أن آبي قد وصفها منذ اندلاع الصراع على أنها تشبه السرطان والمرض والأعشاب الضارة؛ ما يعني إصراره على التخلص منها، وعدم التوصل إلى اتفاق سلام معها.

ثانياً- المحطات الرئيسية في صراع تيغراي

شهد الصراع بين القوات الإثيوبية وقوات دفاع تيغراي عدداً من المحطات الرئيسية التي شكلت السياق الأمني المضطرب في المشهد الإثيوبي العام خلال العام الماضي؛ ويتمثل أبرزها فيما يأتي:

1- تفوق القوات الحكومية: الذي استمر منذ نوفمبر 2020 حتى يونيو 2021، فقد نجحت قوات آبي أحمد في بداية الصراع في السيطرة على إقليم تيغراي بعد فرار قوات دفاع تيغراي وقادة الجبهة[8]؛ الأمر الذي دفع آبي أحمد إلى تنصيب حكومة إقليمية جديدة موالية له في الإقليم. وقد شهدت هذه المرحلة التي امتدت حتى يونيو 2021 تورط القوات الإريترية وميليشيات عرقية الأمهرة في الصراع، وهو ما دفع جبهة تحرير تيغراي إلى توجيه بعض الضربات الصاروخية إلى العاصمة أسمرة وإقليم أمهرة، الأمر الذي عرَّضها للعديد من الانتقادات الدولية، ولاسيما واشنطن[9].

2- استعادة سيطرة قوات دفاع تيغراي على الإقليم: وذلك في أواخر يونيو 2021 حتى نوفمبر 2021، حيث استطاعت قوات دفاع تيغراي إعادة ترتيب صفوفها، ونجحت في إلحاق الهزيمة بالقوات الحكومية وطردها من العاصمة ميكيلي اعتماداً على تكتيك حرب العصابات[10]. كما تحولت استراتيجيتها العسكرية من حالة الدفاع في داخل الإقليم إلى حالة الهجوم خارج الإقليم حيث لاحقت قوات دفاع تيغراي القوات الحكومية في إقليمي عفر وأمهرة، وانخرطت في ثلاث جبهات قتالية، هي: الجبهة الشرقية في إقليم عفر بهدف قطع الطريق الاستراتيجي الذي يربط العاصمة أديس أبابا بميناء جيبوتي[11]؛ والجبهة الغربية من خلال السيطرة على منطقة “حمرة” الإثيوبية والتحكم في المعبر البري الرابط بين إثيوبيا والسودان باعتباره شريان حياة لإقليم تيغراي ومنفذاً مهماً لها[12]؛ بالإضافة إلى الجبهة الجنوبية في إقليم أمهرة بهدف إسقاط الحكومة الإقليمية هناك باعتبارها نقطة البداية للوصول إلى العاصمة أديس أبابا وإطاحة حكم آبي أحمد[13].

وقد حققت جبهة تحرير تيغراي سلسلة من الانتصارات الميدانية التي مكنتها من السيطرة على عدد من المدن الاستراتيجية في إقليمي أمهرة وعفر، حتى باتت قوات دفاع تيغراي على بعد 130 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا[14]. في المقابل، تزايدت مخاوف آبي أحمد من التقدم العسكري لقوات دفاع تيغراي في ساحة القتال؛ الأمر الذي دفعه إلى تكرار الدعوة للحشد والتعبئة العامة للمواطنين كافة للانخراط في القتال ضد جبهة تحرير تيغراي[15]، كما دعا حكومات الأقاليم الإثيوبية إلى إرسال قوات خاصة للمشاركة إلى جانب القوات الحكومية في مناطق القتال، حيث شاركت قوات خاصة من ستة أقاليم في هذا الصراع[16]. ومع ذلك لم تستطع تلك القوات هزيمة قوات دفاع تيغراي التي كانت تمتلك العديد من الخبرات والقدرات القتالية.

3- انسحاب جبهة تحرير تيغراي من الصراع: ومع استمرار قوات دفاع تيغراي في التقدم نحو العاصمة أديس أبابا، أعلن آبي أحمد في 22 نوفمبر 2021 الانضمام إلى قواته وقيادتها في مناطق القتال[17]، حيث استطاعت القوات الحكومية إعادة السيطرة على بعض المدن الاستراتيجية من قوات دفاع تيغراي وتحقيق تقدم استراتيجي وعسكري على الأرض، وعززه إعلان جبهة تحرير تيغراي في 20 ديسمبر 2021 الانسحاب من جبهات القتال والتراجع إلى مواقعها في إقليم تيغراي.

وبرر قادة تيغراي هذه الخطوة المفاجئة بحرصهم على تحقيق السلام في إثيوبيا دون الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة تعصف بوحدة الدولة الإثيوبية، فضلاً عن دعوتهم المجتمع الدولي إلى الضغط على آبي أحمد من أجل رفع الحصار عن إقليم تيغراي، الذي تتفاقم فيه الأوضاع الإنسانية نتيجة انعدام الأمن الغذائي هناك، بما يعزز الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية والإغاثية لملايين المواطنين المتضررين في الإقليم ومناطق القتال.

وربما يفسر تراجع قوات تيغراي في هذا التوقيت اعتماد آبي أحمد على الطائرات المسيَّرة “درونز”، التي حصل عليها من بعض الأطراف الإقليمية والدولية[18]، والتي لعبت دوراً بارزاً في إحداث تغيير دراماتيكي في مسار الصراع الإثيوبي بعدما عززت التفوق الجوي لقوات آبي أحمد ضد قوات دفاع تيغراي التي لا تملك أي شكل من أشكال الدفاع الجوي للدفاع عن نفسها، وبرغم محاولتها الحصول على مضادات للطائرات المسيَّرة فإن أنظمة الدفاع الجوي أكثر تطوراً وتكلفة، وهو ما جعل تقدمها الاستراتيجي نحو العاصمة أديس أبابا مستحيلاً بسبب استهداف قواتها العسكرية في مناطق القتال.

وقد بدأت حكومة آبي أحمد في شراء هذا النوع من الطائرات منذ نحو عام، خاصة طائرات “بيرقدار تي بي 2” من تركيا بقيمة 5 ملايين دولار للطائرة الواحدة والتي يمكنها أن تحمل أربعة صواريخ صغيرة موجهة بالليزر، وطائرات من نوع “مهاجر 6” من إيران التي تقدر قيمتها بنحو مليوني دولار محملة بصاروخين. فيما تسعى الحكومة الإثيوبية لتمرير ميزانية تكميلية بقيمة 2.5 مليار دولار للمساعدة في إعادة إعمار المناطق المتضررة التي دمرتها الحرب الإثيوبية، وسط تشكك من قيام آبي أحمد بتوجيه هذه الأموال لشراء المزيد من الطائرات المسيرة[19]، وهو ما يجعل الصراع الإثيوبي ساحة اختبار لهذا النوع من الطائرات.

ثالثاً- حسابات وتوازنات القوة بين أطراف الصراع الإثيوبي

كشف الصراع الإثيوبي منذ اندلاعه في نوفمبر 2020 عن نية آبي أحمد في التخلص نهائياً من جبهة تحرير تيغراي بوصفها خصماً عنيداً يمكنه عرقلة طموحاته السياسية، بما في ذلك تنفيذ مشروعه السياسي الداخلي، وهو إلغاء الفيدرالية واستبدال النظام المركزي الذي يمنحه سلطات أوسع على جميع الأقاليم الإثيوبية مكانها، كما أن الجبهة تعد منافساً قويّاً له في المشهد السياسي الإثيوبي[20].

واستطاع آبي أن يضم حلفاء يشاركونه القتال في هذا الصراع ممن لهم إرث تاريخي سيئ مع جبهة تحرير تيغراي، وهما الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، الذي كان قد اتهم الجبهة بتورطها في اندلاع الحرب الإثيوبية-الإريترية في الفترة بين عامي 1998 و2000[21]. بالإضافة إلى قومية أمهرة التي أضحت حليفاً رئيسياً لآبي أحمد في الداخل عقب صعوده إلى السلطة في عام 2018، وتمتلك تاريخاً سيئاً مع جبهة تحرير تيغراي بسبب سيطرتها على بعض الأراضي الواقعة ضمن سيادة إقليم أمهرة منذ تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تستعيد أمهرة السيطرة عليها في خضم تصاعد الصراع الراهن[22]؛ الأمر الذي دفع بعضهم إلى الاعتقاد بأن قرار الحرب على تيغراي قد اتخذه آبي أحمد وحلفاؤه في وقت سابق على اندلاعها.

وفي المقابل، تدرك جبهة تحرير تيغراي أنها محاطة بالأعداء من كل جانب تقريباً، في ظل عدائها التاريخي مع كل من النظام الإريتري، وقومية أمهرة، والحكومة الفيدرالية مؤخراً. وهو ما جعلها تتوقع مبكراً اندلاع الهجوم عليها من قبل القوات الحكومية وحلفائها[23]، وصولاً إلى رغبتها في الوصول إلى مركز الحكم في العاصمة أديس أبابا وإطاحة حكم آبي أحمد، قبل أن تتحول الحرب دراماتيكياً لصالح آبي أحمد وينتهي الأمر – ولو مؤقتاً – بانسحاب تيغراي من مناطق الصراع إلى معاقلها في إقليم تيغراي.

وقد استطاع آبي أحمد حشد المزيد من الحلفاء على المستوى الداخلي، على رأسهم ميليشيات قومية أمهرة، والقوات الخاصة لبعض الولايات الإقليمية التي أعلنت مشاركة القوات الحكومية في الصراع[24]، فضلاً عن عملية الحشد والتعبئة التي أعلنتها الحكومة أكثر من مرة خلال الشهور الأخيرة بهدف تسليح المدنيين للانخراط في الصراع، كما أشارت بعض التقارير إلى استدعاء آبي أحمد عدداً من القوات الإثيوبية الموجودة في الصومال خارج نطاق بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم)، بالإضافة إلى انخراط بعض القوات الصومالية في الصراع الإثيوبي إلى جانب القوات الحكومية كما زعمت بعض التقارير الصومالية[25].

وعلى الرغم ذلك لم يستطع الجيش الإثيوبي الذي يبلغ عدد عناصره نحو 162 ألف جندي، وفقاً لمؤشر Global Firepower لعام 2021[26]، أن يقضي على قوات دفاع تيغراي منذ سيطرة الأخيرة على إقليم تيغراي مجدداً في يونيو 2021 حتى استطاع آبي أحمد الحصول على دعم إقليمي ودولي؛ ما أدى إلى تغيير المعادلة العسكرية على الأرض.

وفي المقابل وجدت جبهة تحرير تيغراي نفسها بمفردها في هذا الصراع، خاصة أنها تملك إرثاً سلبياً خلال فترة حكمها في البلاد منذ عام 1991؛ ما خلق نوعاً من العداء مع الأطراف السياسية الأخرى في المشهد الإثيوبي[27]. وذلك رغم امتلاكها نحو 250 ألف جندي وفقاً لبعض الإحصائيات، ولديها من الخبرات والقدرات القتالية والعسكرية ما تعزز به موقفها في الحرب مع النظام الحاكم. وقد انضم إليها نحو ثماني حركات مسلحة في “تحالف تُساعي” يهدف بالأساس إلى إطاحة نظام آبي أحمد وتشكيل حكومة انتقالية في البلاد[28]، فإنها لم تستطع مواكبة الطفرة التسليحية التي حصل عليها آبي أحمد من بعض حلفائه الإقليميين، وفضلت الانسحاب من جبهات القتال لحين إعادة ترتيب أوراقها واستراتيجيتها العسكرية ما لم تنجح الضغوط الدولية في إجبار الأطراف المعنية بإجراء حوار وطني شامل ينهي القتال الدائر ويفتح مجالاً جديداً للتسوية السياسية في البلاد.

رابعاً- تباينات الموقف الخارجي تجاه الصراع الإثيوبي

حظي الصراع في إثيوبيا منذ اندلاعه باهتمام واضح على المستويين الإقليمي والدولي، في ضوء الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها إثيوبيا باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، وتعتمد عليها القوى الدولية الفاعلة هناك، ولاسيما واشنطن في بعض الملفات المهمة، مثل مكافحة الإرهاب وحماية المصالح الدولية الاستراتيجية في المنطقة.

1- الموقف الإقليمي:

يعدُّ الدور الإقليمي في الصراع الإثيوبي حاضراً بقوة، متمثلاً في تورط القوات الإريترية إلى جانب القوات الإثيوبية في الهجوم على إقليم تيغراي بهدف القضاء على جبهة تحرير تيغراي التي يناصبها أفورقي العداء منذ اندلاع الحرب الإثيوبية-الإريترية التي اندلعت بين عامي 1998 و2000. وعلى الرغم من النفي المستمر من جانب الطرفين الإثيوبي والإريتري لوجود قوات إريترية في الداخل الإثيوبي، فإنهما قد اعترفا في مارس 2021 بالمشاركة في الحرب الإثيوبية[29]، وهو ما ترتب عليه تزايد الانتقادات الدولية، وخاصة الأمريكية، للنظام الإريتري، والدعوات المتكررة إلى انسحاب القوات الإريترية من شمال إثيوبيا؛ حتى لا يتفاقم الصراع الإثيوبي ويتسع نطاقه الجغرافي إلى المحيط الإقليمي؛ ما يهدد أمن منطقة القرن الأفريقي واستقرارها.

وبخلاف ذلك، لم تنجح القوى الإقليمية في إقناع أطراف الصراع الإثيوبي بإنهاء القتال والتوجه نحو تسوية الصراع بطرق سلمية لمنع تفاقم الاضطراب السياسي والأمني في البلاد. فقد دعا الاتحاد الأفريقي طرفي الصراع إلى الحوار وإنهاء القتال، تمهيداً للجلوس على طاولة المفاوضات لتسوية الأزمة، وعين ثلاثة مبعوثين خاصين للدفع نحو وضع حل نهائي للصراع في البلاد دون أي جدوى، وإن أبدى بعض مسؤولي الاتحاد، ولاسيما موسى فقيه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في بداية الصراع تأييدهم للحكومة الإثيوبية في شن هجمات ضد جبهة تحرير تيغراي بهدف إعادة النظام والقانون والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها، فيما سعت بعض دول المنطقة للوساطة من أجل تسوية الصراع الدائر في شمال إثيوبيا، حيث قدم السودان الشمالي – باعتباره رئيس الهيئة الحكومية الدولية للتنمية المعروفة باسم إيغاد – مبادرة لتسوية الصراع الإثيوبي، والتي رفضتها حكومة آبي أحمد بسبب تشكيكها في حيادية الخرطوم، وذلك على خلفية الأزمة الحدودية حول السيادة على منطقة الفشقة المتنازع عليها بين البلدين، والتي نشبت بينهما في نوفمبر 2020[30]. فيما أطلق الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، مبادرة تهدف إلى إجراء حوار وطني يجنب البلاد الانزلاق إلى حرب أهلية شاملة. ومع تطور الصراع خلال الشهور الأخيرة، انطلق الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، بدعم أمريكي لتقديم مبادرة للوساطة في الصراع الإثيوبي؛ إلا أن جميع المحاولات الأفريقية للتدخل بهدف تسوية الصراع الإثيوبي قد قوبلت بالرفض من جانب آبي أحمد الذي أصرَّ على أن الأزمة تعد شأناً داخلياً، وأن أي تدخل إقليمي أو دولي يمثل اعتداءً على السيادة الإثيوبية، في إشارة إلى إصرار آبي أحمد على تحقيق هدفه المنشود من شن الحرب ضد إقليم تيغراي وهو القضاء بشكل نهائي على جبهة تحرير تيغراي.

2- الموقف الدولي:

برز الموقف الدولي تجاه الصراع الإثيوبي من خلال ثلاثة اتجاهات عبر مراحل الصراع المختلفة:

أ- الاتجاه الأول: تمثل في تكرار الدعوات الدولية والمطالبات بإيقاف الحرب الإثيوبية ضد إقليم تيغراي بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية في شمال البلاد، وتزايد أعداد اللاجئين إلى دول الجوار الإقليمي، ولاسيما السودان. إذ دعت الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وفرنسا وعدد من القوى الدولية أديس أبابا إلى ضرورة الحوار الوطني وإنهاء الصراع في مناطق القتال والبدء في إجراء مفاوضات حول تسوية الصراع الداخلي؛ خوفاً من تفاقم الأوضاع التي قد تمتد انعكاساتها السلبية على أمن القرن الأفريقي واستقراره [31]. ولم يلتفت آبي أحمد إلى تلك المطالبات الدولية، واعتبرها تدخلاً في الشأن الداخلي الإثيوبي؛ ما أدى إلى توتر العلاقات مع بعض القوى الدولية، ولاسيما واشنطن.

ب- الاتجاه الثاني: يتمثل في التهديد بفرض العقوبات الدولية ضد أطراف الصراع؛ فقد توترت العلاقات الإثيوبية – الأمريكية على خلفية تطورات الصراع الإثيوبي، وتعنت النظام الإثيوبي في الاستجابة للدعوات الدولية والأمريكية بإنهاء القتال ورفع الحصار عن إقليم تيغراي، واللجوء إلى الحوار والبدء في مفاوضات التسوية السلمية للصراع في البلاد، فقد أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أمراً تنفيذياً في 17 سبتمبر 2021 يمنح وزارة الخزانة الأمريكية سلطة فرض عقوبات شاملة على أطراف الصراع الإثيوبي من أفراد وكيانات بهدف إجبارها على إنهاء القتال في إقليم تيغراي[32].

وفي نوفمبر 2021 فرضت واشنطن عقوبات ضد أربعة كيانات إريترية رسمية واثنين من المسؤولين الإريتريين بسبب تورط القوات الإريترية في الصراع الإثيوبي، وهددت باستهداف بعض الأطراف الإثيوبية خلال الفترة المقبلة، في محاولة لإجبار طرفي الصراع على تقديم تنازلات من شأنها إنهاء القتال والمضي قدماً نحو تسوية الصراع[33]. كما هددت واشنطن باستثناء إثيوبيا من المزايا التفضيلية لقانون النمو والفرص في أفريقيا بحلول يناير 2022[34]؛ وهو ما يهدد صناعة النسيج في إثيوبيا، وتداعيات تلك السلبية على تراجع الاقتصاد الإثيوبي. الأمر الذي أثار استياء أديس أبابا، ودفعها لمحاولة البحث عن بدائل أخرى من خلال التقارب مع بعض القوى الدولية الأخرى، ولاسيما الصين.

3- الاتجاه الثالث: ويمثل القوى المؤيدة للنظام الحاكم في إثيوبيا ضد جبهة تحرير تيغراي، والتي شرعت في تقديم الدعم اللوجستي للحكومة الإثيوبية، الذي شكَّل نقطة تحول جوهرية في إحداث تغيير دراماتيكي في مسار الصراع على الأرض. فقد شرع آبي أحمد إلى توسيع تحالفاته الخارجية بالتزامن مع توتر علاقاته مع واشنطن التي اتهمها بالانحياز إلى جبهة تحرير تيغراي ورغبتها في استيلائها على الحكم مرة أخرى، وهو ما نفته واشنطن على يد مبعوثها الخاص، جيفري فليتمان، حيث قام آبي بزيارتين إلى تركيا في شهري سبتمبر وأكتوبر 2021، كما زار وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أديس أبابا في ديسمبر 2021 لتأكيد حرص بكين على دعم النظام الإثيوبي في حربه ضد تيغراي[35]، وهي التي دعمت أديس أبابا إلى جانب روسيا في مجلس الأمن الدولي من خلال التصدي لأي قرارات مضادة للجانب الإثيوبي بشأن الصراع في إقليم تيغراي[36].

وقد برز الدعم الدولي من الصين وتركيا وإيران في تزويد آبي أحمد ببعض صفقات الطائرات من دون طيار “الدرونز”، والتي نجحت في إيقاف تقدم قوات دفاع تيغراي نحو العاصمة أديس أبابا، وأجبرتها على الانسحاب والتراجع للخلف؛ ما اعتُبر انتصاراً للقوات الحكومية. ويثير هذا التقارب الإثيوبي مع كل من الصين وإيران تحفّظ الجانب الأمريكي؛ بسبب التخوف من تنامي الدور الصيني في إثيوبيا والقرن الأفريقي، ما يشكل تهديداً واضحاً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في إثيوبيا والقرن الأفريقي، والتخوف من إعادة إحياء الدور الإيراني في المنطقة وإيجاد موطئ قدم للحرس الثوري الإيراني في إثيوبيا والمنطقة.

خامساً- تأثيرات متباينة للصراع في تيغراي

برغم انسحاب قوات دفاع تيغراي من مناطق القتال في ديسمبر 2021، وما تلاه من بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية مؤخراً بتأسيس لجنة الحوار الوطني المستقلة، والإفراج عن عدد من رموز المعارضة السياسية من السجون الإثيوبية، فإن تداعيات الصراع الإثيوبي، وإن توقف نسبياً، ستظل ممتدة على المستويات جميعها.

ففي الداخل الإثيوبي، يظل الوضع الأمني على المحك مادام أحد الطرفين لم يحقق انتصاراً حاسماً بإقصاء الآخر من المشهد الإثيوبي. وربما يندلع الصراع مجدداً في حال لم تتوصل أطرافه إلى تسوية شاملة تضمن وجود جبهة تيغراي كجزء من المعادلة السياسية في البلاد. وفي هذه الحالة قد تنزلق البلاد بالفعل إلى حرب أهلية شاملة. وما يصاحب ذلك من تنامي احتمالات تفكك الدولة الإثيوبية إلى دويلات صغيرة. وفي الوقت نفسه، فإن احتمال تجدد الصراع واستمراره دون حسم يعني استنزافاً لمقدرات الدولة الإثيوبية وتفاقم حالة الاستقطاب والانقسام الداخلي بين الأطراف السياسية في البلاد؛ الأمر الذي يلقي بظلاله على تدهور الاقتصاد الإثيوبي والمزيد من التفكك المجتمعي وتفاقم الاضطرابات السياسية والأمنية والعرقية.

وقد تشهد البلاد تصاعداً للتنافس الأمريكي – الصيني في إثيوبيا، في ظل المساعي الأمريكية لامتلاك خيوط اللعبة في الصراع الإثيوبي، ليتسنى لها التأثير في الداخل الإثيوبي، خاصة أنها تحاول إحكام السيطرة على النظام الإثيوبي وفك الارتباط بين آبي أحمد وبكين التي تتوسع بشكل واسع في دول القرن الأفريقي، ولاسيما إثيوبيا عبر ضخ المزيد من الاستثمارات والمشروعات الضخمة، وتعزيز حضورها العسكري هناك. وهو ما يجد ترحيباً لدى النخبة الحاكمة الإثيوبية، خاصة أن الموقف الصيني يؤيد الرواية الرسمية الإثيوبية إزاء الصراع في إقليم تيغراي، فيما يسعى آبي أحمد لتوسيع دائرة تحالفاته الدولية للحصول على حليف دولي بديل عن واشنطن في ضوء التوتر القائم بينهما؛ ما يعني أن التوتر الأمريكي – الإثيوبي ربما يستمر خلال الفترة المقبلة حتى حسم هذا الملف، برغم الاتصال الهاتفي الذي أجراه بايدن مع آبي أحمد في 10 يناير 2022 بعد إطلاق سراح السجناء السياسيين في أديس أبابا[37].

وإقليميّاً، تتزايد المخاوف تجاه مستقبل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي مع احتمالية امتداد شبح الصراع إلى دول الجوار في حال اندلاعه مجدداً، وتدفق المزيد من اللاجئين إلى دول الجوار الإقليمي، ولاسيما السودان. فقد باتت التطورات في إثيوبيا بمنزلة مهدد رئيسي لأزمات اقتصادية وأمنية وإنسانية إقليمية. ويمثل استمرار الصراع في إثيوبيا تحدياً واضحاً للأمن الإقليمي في القرن الأفريقي؛ الأمر الذي يترتب عليه زعزعة أمن المنطقة وعدم استقرارها، ما يهدد المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية، وربما يترتب عليه انخراط المزيد من القوات الأجنبية في المنطقة؛ وهو ما يعني المزيد من العسكرة في القرن الأفريقي، حيث تظل المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية مهددة باستمرار التهديدات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي، واحتمالية تجدد الصراع في البلاد وتمدده إلى المحيط الإقليمي؛ ما قد يهدد بنشوب حرب إقليمية تتجاوز الحدود الإثيوبية. وهو ما ينعكس سلبياً على أمن القرن الأفريقي والمصالح الدولية وتنامي موجات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ودول الخليج العربي.

سادساً- سيناريوهات محتملة حول مستقبل الصراع الإثيوبي

يمكن رسم سيناريوهات محتملة متعددة حول مستقبل الصراع الإثيوبي، وتتمثل فيما يلي:

السيناريو الأول: تجدد الصراع في البلاد مرة أخرى، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً في ضوء إعلان وقف الحرب من طرف واحد وهي جبهة تحرير تيغراي بعد انسحابها من مواقع القتال، واحتمال استمرار تمسك آبي أحمد بالقضاء على الجبهة في ظل موقفه القوي خلال الفترة الأخيرة بمساندة ودعم بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي زودته بالطائرات من دون طيار؛ ما قد يدفعه نحو مهاجمة قوات دفاع تيغراي في الإقليم وإحكام الحصار العسكري عليها بمساندة حلفائه من أمهرة والقوات الإريترية من أجل القضاء عليها. في الوقت الذي يرفض فيه آبي الانصياع للمطالبات الدولية باللجوء إلى التفاوض مع الجبهة، واستمرار حصار إقليم تيغراي الذي يترتب عليه تفاقم الأوضاع الإنسانية، وربما يدفع ذلك جبهة تحرير تيغراي إلى العودة للحرب مجدداً والتقدم نحو العاصمة أديس أبابا لإسقاط حكم آبي أحمد.

ويتحقق هذا السيناريو في حالة فشل التوصل إلى اتفاق حول بدء المفاوضات بين الحكومة المركزية وجبهة تحرير تيغراي، وإخفاق الضغوط الدولية في إجبار آبي أحمد على تسوية الصراع الراهن، واستمرار الضربات الجوية للقوات الحكومية ضد إقليم تيغراي، واستمرار الحصار الحكومي على مواطني الإقليم، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية فيه.

وتعتبر تكلفة هذا السيناريو باهظة؛ لكونها تدفع البلاد نحو الانزلاق في حرب أهلية شاملة ربما تؤدي إلى تفكك الدولة الإثيوبية، أو التدخل الأجنبي تحت ذريعة إعادة الاستقرار للبلاد.

السيناريو الثاني: استمرار ضغوط آبي أحمد وحلفائه على جبهة تحرير تيغراي، وهو سيناريو مرجح. وذلك في ضوء توافقهم وإصرارهم على التخلص من قادة تيغراي، وتنامي الدعوات من جانب قطاع كبير من الرأي العام الإثيوبي بضرورة التخلص منها. ويعزز هذا السيناريو استناد آبي أحمد إلى دعم بعض القوى الدولية والإقليمية، خاصة في مجلس الأمن الدولي، ولاسيما من الصين وروسيا، للحيلولة دون اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد نظام آبي أحمد، بالإضافة إلى استمرار تفوق قوات آبي أحمد عسكرياً بفضل سلاح الطائرات المسيَّرة.

وتكلفة هذا السيناريو ستكون باهظة بسبب استمرار استنزاف القدرات العسكرية للطرفين واستمرار الاضطرابات الأمنية في البلاد، وما يصاحبها من تفاقم للأوضاع الإنسانية في شمال البلاد وانعكاساتها على أمن واستقرار القرن الأفريقي كله.

السيناريو الثالث: بدء الحوار بين طرفي الصراع الإثيوبي برعاية دولية، وهو سيناريو أقل ترجيحاً، ويتوقف هذا السيناريو على درجة قبول نظام آبي أحمد واستجابته للدخول في مفاوضات مع جبهة تحرير تيغراي، ودعوتها للحوار الوطني الشامل المحتمل عقده خلال المرحلة المقبلة في أديس أبابا، خاصة بعد الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين في 7 يناير 2021، وإن كانت تصريحات آبي أحمد تعكس احتمالية تجاهله دعوة الجبهة للحوار، فضلاً عن تقديم القوى الدولية الفاعلة، مثل الصين، العديد من الحوافز في ضوء نفوذها الاقتصادي القوي في إثيوبيا والمنطقة من خلال الإعلان عن نيتها دعم الاقتصاد الإثيوبي، وإعادة إعمار إقليم تيغراي وزيادة الاستثمارات في بعض المناطق الإثيوبية المتضررة من الصراع، وفي الوقت نفسه تواجه إثيوبيا تهديداً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بمزيد من العقوبات على أطراف الصراع حال عرقلة التوصل لتسوية بشأنه، بل إنها قد هددت بالفعل في نوفمبر 2021 بتعليق عضوية إثيوبيا في قانون النمو والفرص في أفريقيا بحلول يناير 2022 في حالة عدم إنهاء الحرب، وفرض عقوبات إضافية في حالة استمرار الصراع، وتعنت أطرافه في التوصل إلى إيجاد مخرج لتسويته؛ ما قد يدفع أطراف الصراع للانخراط في عملية تفاوضية تنهي الصراع الدائر منذ نوفمبر 2020.

خاتمة

برغم ما قد شهده الصراع الإثيوبي من تحولات وتغيرات استراتيجية وعسكرية بين طرفيه في مراحله المختلفة منذ اندلاعه في نوفمبر 2020، فإن تراجع قوات دفاع تيغراي التكتيكي لا يغير حقيقة عدم حسم الصراع الإثيوبي بعد، برغم التطورات النوعية التي شهدها الصراع مؤخراً، مثل تنامي دور العامل الخارجي، وما قدمته بعض القوى من دعم لوجستي أسهم في ترجيح كفة القوات الحكومية في هذه المرحلة من الصراع، في مقابل انسحاب قوات دفاع تيغراي وتراجعها إلى مواقعها داخل إقليم تيغراي خوفاً من تكبد المزيد من الخسائر البشرية والعسكرية، وما قد يترتب على ذلك من مخاطر عدة تتمثل أبرزها في تضييق الخناق والحصار على جبهة تحرير تيغراي تمهيداً للقضاء عليها، في ظل تباطؤ المجتمع الدولي في اتخاذ قرارات حاسمة حول ضرورة إنهاء الصراع.

فالمشهد السياسي في إثيوبيا يعبر عن صراع وجودي بين الأطراف المنخرطة فيه، إذ يخشى آبي أحمد من إطاحة حكمه على يد تيغراي، وربما ترغب قومية أمهرة في استمراره على رأس السلطة، لكسب مزيد من النفوذ السياسي تمهيداً لاستعادة حكم إثيوبيا مجدداً. في حين تخشى قومية تيغراي من الإبادة والقضاء عليها نهائياً من جانب نظام آبي أحمد وحلفائه وبمساندة إريترية؛ وهو ما قد يعني تجدد الحرب واستمرارها دون حسم ودون منتصر، بالنظر إلى الدعم الشعبي والتعبئة من جانب الطرفين؛ ما يعني عدم قدرة أيّ طرف على توجيه ضربة قاتلة للطرف الآخر، في ظل عدم انتفاء الأسباب الجذرية للصراع التي تجعله قابلاً للاشتعال مجدداً، ومن أبرزها استمرار العداء بين تيغراي وأمهرة، خاصة مع عدم انسحاب القوات الأمهرية من الأراضي التي سيطرت عليها في غرب تيغراي في بداية الحرب الإثيوبية، واستمرار رغبة النظام الإريتري الحاكم في الانتقام من جبهة تحرير تيغراي، ما قد يترتب عليه مواجهات عسكرية بين القوات الإريترية وقوات دفاع تيغراي على الحدود بينهما؛ وهو ما يعني استمرار المشهد المضطرب على الساحة الإثيوبية بحيث يصبح من المستبعد تحقيق أديس أبابا استقراراً سريعاً خلال المرحلة المقبلة، حتى تتم تسوية أزمة تيغراي بشكل نهائي.

 

المراجع

[1]. Macharia Kama, Martin Kimani, Ethiopia – only African solutions can resolve crisis, New African, 5 November 2021, available at: https://bit.ly/3n4wHxx

[2]. Aly Verjee, The Crisis of Ethiopian Foreign Relations, ACCORD, 24 August 2021, available at: https://bit.ly/3FZCBaN

[3]. OP-ED: ENDING ETHIOPIA’S ARMED CONFLICTS: A MODEST PROPOSAL, Addis Standard, 15 December 2020, available at: https://bit.ly/2SVt2X4

[4]. Taylor Luck, Tigray crisis: Ethiopian stature and regional stability at risk, The Christian Monitor, 25 November 2020, available at: https://bit.ly/3G8BdCE

[5]. Michelle Gavin, One Year On, Ethiopia’s Tigray Conflict No Closer to Political Solution, Council on Foreign Relations, 1 November 2021, available at: https://on.cfr.org/3f367AE

[6]. Declan Walsh and Abdi Latif Dahir, Why Is Ethiopia at War With Itself?, The New York Times, 14 December 2021, available at: https://nyti.ms/34B0s2V

[7]. Olusegun Akinfenwa, Tigray conflict: A plea for peace before Ethiopia becomes the Libya of east Africa, Mereja, 1 January 2022, available at: https://bit.ly/3HRtR7b

[8]. Jonathan Fisher, Ethiopia: At the Roots of the Conflict in Tigray, Italian Institute for International Political Studies, 11 November 2020, available at: https://bit.ly/3Fa8pbE

[9]. William Davison, who is involved in the expanding fighting in Ethiopia?, The International Crisis Group, 30 July 2021, available at: https://bit.ly/3eZBZpB

[10]. Payton Knopf; Jeffrey Feltman, Ethiopia’s Worsening Crisis Threatens Regional, Middle East Security, United States Institute of Peace, 13 January 2021, available at: https://bit.ly/3pZC2bn

[11]. Ethiopia’s Future Is at Stake as Tigray Forces March On, RANE, 4 November 2021, available at: https://bit.ly/339Um8L

[12]. Abiyot Geneme Gebre, Ethiopia Crisis: Causes, Implications and Way Forward, Research Group “The Future of Democracy”, CPIG Occasional Series, No. 20-12, December 2020, PP. 2-8.

[13]. Andres Schipani and David Pilling, Ethiopia: war in Tigray threatens to end Abiy’s dream of unity, Financial Times, 8 April 2021, available at: https://on.ft.com/3t575Vh

[14]. Mukesh Kapila, Following the Tigray conflict, the rocky road to peace in Ethiopia, The Conversation, 2 September 2021, available at: https://bit.ly/3JSU6Mc

[15]. Experts react: Understanding the conflict in Tigray, Atlantic Council, 11 November 2020, available at: https://bit.ly/3t7Trk4

[16]. Guillaume B. Mpoko, Why The World Shall Worry About Ethiopia’s Crisis, The Organization for world peace, 27 November 2021, available at: https://bit.ly/3t9fvuK

[17].Guillaume B. Mpoko, Why The World Shall Worry About Ethiopia’s Crisis, The Organization for world peace, 27 November 2021, available at: https://bit.ly/3t9fvuK

[18]. Declan Walsh, Foreign Drones Tip the Balance in Ethiopia’s Civil War, The New York Times, 20 December 2021, available at: https://nyti.ms/3qf1GIe

[19]. Martin Plaut, Civilians are drone warfare ‘guinea pigs’ in Ethiopia, Harnnet, 4 January 2022, available at: https://bit.ly/33sWI2w

[20].  Adem K. Abebe, A Blueprint for Peace in Ethiopia, Foreign Policy, 12 November 2021, available at: https://bit.ly/34pMi4l

[21]. Rene Lefort, Ethiopia’s war in Tigray is ‘but the tip of the iceberg when it comes to conflicts ravaging the country’, The Africa Report, 30 April 2021, available at: https://bit.ly/3qQR8ze

[22]. Martin Plaut, Who Can Resolve Ethiopia’s Catastrophic Conflict?, Fair Observer, 18 November 2021, available at: https://bit.ly/3G6FWVr

[23]. The war in Tigray is taking a frightful human toll, The Economist, 17 April 2021, available at: https://econ.st/3zD9ibD

[24]. Samuel Getachew, The biggest casualty of Ethiopia’s brewing conflict will be its people, then its economy, Quartz Africa, 13 November 2021, available at: https://bit.ly/3zz09kt

[25]. Vanda Felbab-Brown, What Ethiopia’s crisis means for Somalia?, Bloomberg, 20 November 2020, available at: https://brook.gs/3zNMmXv

[26]. 2021 Ethiopia Military Strength, Global Firepower 2021, available at: https://www.globalfirepower.com/country-military-strength-detail.php?country_id=ethiopia

[27].  Nathanael Tilahun, Eritrea’s involvement in Ethiopia’s Tigray conflict ‘is a tragic but explainable option’, The Africa Report, 21 January 2021, available at: https://bit.ly/3t8r59A

[28].   Aleksi Ylönen, How Ethiopia Can Save Itself Out of the Crisis?, Italian Institute for International Political Studies, 12 November 2021, available at: https://bit.ly/3n63y56

[29]. Michelle Nichols, Eritrea admits presence in Ethiopia’s Tigray, tells U.N. withdrawing, Reuters, 16 April 2021, available at: https://reut.rs/3GTLvXF

[30]. Morris Kiruga, Sudan: Ethiopia accused of attack near border, killing Sudanese soldiers, The Africa Report, 28 November 2021, available at: https://bit.ly/3nPhi4F

[31]. Naba Mohiedeen, Lesley Wroughton, after fleeing to Sudan, Ethiopians from Tigray recount brutal killings, Washington Post, 18 November 2020, Available at: https://wapo.st/396JysX

[32].  Camillo Casola, Eritrea in Tigray: Settling Old Scores?, Italian Institute for International Political Studies, 31 January 2021, available at: https://bit.ly/3F2Kpap

[33].    Press Statement: Eritrea Deplores Illicit and Immoral US Sanctions, Ministry of Information Eritrea, 13 November 2021, available at: https://bit.ly/3I3ibPo

[34]. Why US Is Suspending Ethiopia, Mali, Guinea From Free-Trade Deal?, Voice of America, 6 November 2021, available at: https://bit.ly/3qPw2m0

[35]. Fasika Tadesse, Chinese Foreign Minister Visits Ethiopia in Support of Abiy, Bloomberg, 2 December 2021, available at: https://bit.ly/32Xvm4W

[36].  Lukas Fiala, Why Ethiopia’s Fate Matters to China?, Italian Institute for International Political Studies, 26 November 2021, available at: https://bit.ly/3n6rR2Y

[37]. Readout of President Biden’s Call with Prime Minister Abiy Ahmed of Ethiopia, The White House, Washington, 10 January 2022, available at: https://bit.ly/32l1P4L

المواضيع ذات الصلة