Insight Image

حقوق الإنسان في الإمارات.. ملاحظات على قرار البرلمان الأوروبي

20 سبتمبر 2021

حقوق الإنسان في الإمارات.. ملاحظات على قرار البرلمان الأوروبي

20 سبتمبر 2021

مقدمة:

تتبنّى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها عام 1971 سياسة تعلي من قيمة الإنسان وتضعه على رأس قائمة أولوياتها، انطلاقاً من قناعتها بأن العنصر البشري هو أهم ما يملك الوطن من ثروات. ومن هذه الرؤية الراسخة جاء الدور الإنساني المهم الذي لعبته دولة الإمارات العربية المتحدة لخدمة بني البشر بمختلف انتماءاتهم الدينية والثقافية والأيديولوجية والعرقية، بالتوازي مع جهودها المتعددة في مجال حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، والتي كان آخرها الإعلان عن تأسيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان.

وعلى عكس هذا الاتجاه الذي يستحق التقدير والتشجيع الدولي، وقوبل بالفعل سابقاً بالكثير من شهادات التقدير والعرفان لجهود الإمارات الإنسانية العالمية، جاء القرار الذي أصدره البرلمان الأوروبي يوم 17 سبتمبر 2021 بشأن ملف حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تبنّى لهجة تحريضية عدائية غير مبررة وصلت إلى حد دعوة الشركات الدولية الراعية لإكسبو دبي 2020 إلى سحب رعايتها، وتشجيع الدول على عدم المشاركة في هذا الحدث العالمي المهم الذي سيتمّ تنظيمه من أكتوبر 2021 حتى مارس 2022. وتناقش هذه الدراسة أبعاد هذا القرار وجوانب القصور التي عاناها، وتوضيح بعض الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات في مجال حقوق الإنسان، من إجل إيصال الصورة الصحيحة وكشف المغالطات التي انطوى عليها هذا القرار غير الموضوعي.

 

أولاً: ملاحظات على قرار البرلمان الأوروبي:

يكشف قرار البرلمان الأوروبي، بإمعان النظر فيه، عن مجموعة من الملاحظات التي تضع علامات استفهام عديدة حول القرار والهدف منه وتوقيت صدوره. ومن أبرز هذه الملاحظات ما يلي:

1– توقيت صدور القرار:

يشير توقيت صدور القرار أنه لا يستهدف الدفاع عن حقوق الإنسان – كما يزعم – وإنما يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية أخرى. فقد صدر القرار قبل أيام من انطلاق معرض إكسبو الدولي في إمارة دبي، وهو المعرض العالمي المقرر أن يفتح أبوابه أمام الزوار من مختلف دول العالم لمدة ستة أشهر كاملة اعتباراً من الأول من أكتوبر 2021، وبذلت دولة الإمارات العربية المتحدة جهوداً كبيرة من أجل أن يخرج بصورة مشرّفة.

وقد جاء القرار في هذا التوقيت متأثراً بمساعي بعض جماعات اليسار المتعاطفة مع جماعات الإسلام السياسي، التي تهدف إلى وضع العراقيل أمام نجاح معرض إكسبو دبي 2020 الذي استثمرت فيه الإمارات مليارات الدولارات وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية والتجهيزات اللوجستية الأخرى، وتتوقع تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، تشمل مختلف القطاعات[1].

ويمكن تفسير موقف جماعات اليسار المتطرف بالنظر إلى أن هذه الجماعات لا ترغب لمعرض إكسبو الذي يرمز إلى قيم العولمة والانفتاح الاقتصادي والليبرالية، في النجاح، في ظل رفضها الهياكل الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المعاصر التي تقوم على مبادئ وقيم الرأسمالية، ومعارضتها لقيم العولمة والليبرالية الجديدة[2]. أما موقف جماعات الإسلام السياسي فيمكن إرجاعه إلى محاولة “الانتقام” من دولة الإمارات العربية المتحدة بسبب الجهود التي بذلتها الدولة لمواجهة هذه الجماعات في الداخل والخارج بحكم ما تشكله تلك الجماعات من تهديد صريح لقيم الدولة الوطنية وقيم المواطنة بحكم ما تروجه من أفكار هدامة تسعى إلى نشر الكراهية وهدم الأوطان وزعزعة استقرارها.

2– افتقار القرار إلى الموضوعية:

افتقر القرار إلى الموضوعية التي تقتضي الحديث عن السلبيات والإيجابيات فيما يخص ملف حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإذا كان البرلمان الأوروبي يرى أن هناك بعض السلبيات التي ما زالت تحتاج إلى علاج، وهي أمور مردود عليها وظنية في أغلبها ومبنية على افتراضات وليس حقائق، فإنه أهمل في الوقت نفسه الحديث عن الخطوات والإجراءات العديدة التي اتُخذت من جانب الحكومة الإماراتية لتعزيز وضع حقوق الإنسان بشكل عام ودورها الإنساني العالمي بصورة خاصة. وهذه الجهود ليست آنية وإنما هي عملية مستمرة، فالهدف هو تحسين هذه الحقوق وتعزيزها باستمرار وهو أمر تجاهله القرار بشكل كبير.

في هذا الصدد، بدأ القرار في ديباجته بـ 17 أمراً أخذها في اعتباره، تتعلق ببيانات وقرارات سابقة صادرة عن البرلمان الأوروبي، وبمواثيق واتفاقيات إقليمية ودولية تتعلق بحقوق الإنسان وبموقف دولة الإمارات من بعض هذه الاتفاقيات، وبحالات بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. كما أورد القرار 16 بنداً تحدث خلالها عما يزعم أنه سلبيات تتعلق بدولة الإمارات دون أن يضع دلائل واضحة على وجود هذه السلبيات[3].

وقد خلت هذه البنود من الحديث عن أي خطوات أو إجراءات اتخذتها دولة الإمارات لتعزيز وضع حقوق الإنسان وترسيخها، اللهم إلا الترحيب – على استحياء – بوقف الإمارات تنفيذ أحكام الإعدام منذ عام 2017، ودعم الحوار بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه والإمارات بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك. أي إنه من بين نحو 54 بنداً يشملها القرار الأوروبي كان هناك بندان فقط تحدثا عن أمور إيجابية لدى الإمارات، وهو ما يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من افتقار القرار إلى الموضوعية ما يجعله محل تساؤل ويثير العديد من علامات الاستفهام حوله وحول الهدف الحقيقي من ورائه[4].

3-الاعتماد على معلومات غير موثوق بها:

اعتمد القرار في أحكامه وبنوده على مجموعة من المعلومات التي نشرتها بعض المنظمات الحقوقية التي يُثار حولها علامات استفهام بالنظر إلى أن هذه المنظمات تعتمد في تقاريرها على معلومات تستقيها من مصادر غير موثوق بها وتتجاهل تماماً المعلومات التي تصدر عن جهات رسمية، ما يجعل هذه المنظمات وتقاريرها تفتقر إلى الموضوعية بالنظر إلى اعتمادها دائماً على وجهة نظر واحدة وتجاهل وجهة النظر الأخرى تماماً.

في هذا السياق أشار خبراء إلى أن الكثير من أعضاء البرلمان الأوروبي لا سيما من أحزاب اليسار تأثروا كثيراً بتقارير تلك المنظمات التي لا يعرف منتسبوها الكثير عن دولة الإمارات، وبحسب هؤلاء الخبراء “تكتب هذه التقارير بناءً على ما تتلقاه من تنظيم الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الإرهابية من أخبار ملفقة فيها الكثير من المزايدات والتحامل على دولة الإمارات”[5].

في هذا الصدد تبنّى القرار، على سبيل المثال، روايات مغلوطة حول المواطن أحمد منصور الذي يقضي عقوبة السجن عشر سنوات، مفادها أنه لا يتمتع بحقوقه في سجنه، وهو الأمر الذي نفته بشدة وزارة الخارجية الإماراتية في بيان، حيث أكدت أنه يلقى الرعاية الطبية اللازمة ويخضع بشكل دوري للفحوصات الطبية ويتمتع بصحة جيدة، كما أن حقوق الزيارة العائلية مكفولة، وأن أسرته تقوم بزيارته بصفة دورية[6].

وقد انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من المعلومات التي حرصت جماعة الإخوان المسلمين وأذرعها الإعلامية على ترويجها وتزويد أوساط برلمانية وسياسية وحقوقية أوروبية ودولية عديدة بها. وعلى سبيل المثال، نشرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريراً في يونيو 2020، زعمت فيه أن فيروس كورونا “كوفيد-19” قد تفشى في ثلاثة سجون في الإمارات، وأنه لم يتم منح الرعاية الطبية للذين أصيبوا بالفيروس. وقد سارعت العديد من المواقع الإعلامية التي تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفة معها إلى تناقل هذا التقرير والاستفاضة فيه. والغريب أن “هيومان رايتس ووتش” نقلت مزاعمها عن أقارب للسجناء دون أن تتأكد من الأمر من الجهات الرسمية، متغافلة الجهود التي بذلتها السلطات الصحية في الدولة لتحصين المساجين ومنع انتقال الفيروس إليهم[7]، فالدولة التي وزعت اللقاحات المعالجة للفيروس في العالم كله لن تتردد في توفيره لمواطنيها كافة والمقيمين على أرضها بما في ذلك المحكومون بأحكام قضائية.

4– اختزال حقوق الإنسان في الإمارات في شخص واحد:

يكشف قرار البرلمان الأوروبي عن اختزال البرلمان حالة حقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة في شخص واحد فقط، وهو ما يشير إلى حالة خلل غير عادية، فالقرار الذي تجاهل الخطوات والإجراءات كلها التي اتخذتها الدولة حتى تضمن لسكانها البالغ عددهم حسب المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء نحو تسعة ملايين و300 ألف شخصاً[8]، يعتبر أن هذا الشخص هو المعبر الوحيد عن وضع حقوق الإنسان في الدولة.

ويبدو أن حالة من عدم الإدراك قد تكونت لدى البرلمان الأوروبي بشأن قضية أحمد منصور؛ وذلك بسبب كمية المعلومات غير الصحيحة التي تلقاها من مصادر غير موثوق بها، وتجاهله كذلك للمعلومات التي تصدُر عن الجهات الرسمية الإماراتية. فالقضية في الأساس لا تتعلق بمسألة حقوق الإنسان، وإنما بمخالفة قوانين الدولة كما يحدث مع أي شخص آخر في العالم[9]، وإثارة هذه القضية تمثل تدخلاً صريحاً وواضحاً في أحكام القضاء الإماراتي، وهو أمر يخالف مبادئ الديمقراطية التي تتبناها الدول الغربية، فالقضاء في هذه الدول له مكانته ولا يمكن التدخل في شؤونه والتعليق على أحكامه، بل ينبغي احترامها وعدم التقليل من شأنها، كما أن هذا الشخص حظى بحقوقه القانونية الكاملة خلال عملية التقاضي، إذ تمت جميع الإجراءات التي اتخذتها الأجهزة القضائية بحقه، بدءاً من مرحلة التحقيق والاتهام، وانتهاء بمرحلة الحكم، ضمن الأطر القانونية المنصوص عليها في التشريعات الوطنية ذات الصلة، كما وفرت له المحكمة محامياً للدفاع عنه وتكفّلت بدفع تكاليف مرافعته. وبعد صدور حكم المحكمة الابتدائية في عام 2018 بسجنه لمدة عشر سنوات، قام منصور بالطعن في الحكم أمام المحكمة الاتحادية العليا والتي أصدرت قرارها بتثبيت الحكم الصادر بحقه[10].

5– التجاهل الواضح لدور الإمارات الإنساني العالمي:

ينبغي أن يتضمن أي تقرير موضوعي الجوانب السلبية والإيجابية لحالة حقوق الإنسان في أي دولة، ولكن يلاحظ هنا التجاهل الواضح للدور الكبير الذي تقوم به الإمارات في دعم حقوق الإنسان عبر العالم من خلال المساعدات الإنسانية والتنموية التي تقدمها، والتي تغطي جوانب مهمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للبشر، فضلاً عن الجهود التي تقوم بها الدولة في مجال نشر قيم التسامح والسلام حول العالم.

ثانياً: حقوق الإنسان في الإمارات: جهود لا تقبل التشكيك

كما سبقت الإشارة، في الجزء السابق من الورقة، إلى أن قرار البرلمان الأوروبي تجاهل العديد من الخطوات والإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات لتعزيز حقوق الإنسان، وهي الخطوات التي تؤكد بوضوح أن الدولة تسعى باستمرار ووفق عملية مستمرة لدعم هذه الحقوق وكفالتها لجميع سكانها الذين يزيدون على 9 ملايين نسمة من نحو 200 جنسية، وذلك دون أي تمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين، وقد أنجزت دولة الإمارات العديد من الخطوات في مختلف المستويات الدستورية والقانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية، وذلك على النحو التالي:

1– على المستوى الدستوري والتشريعي:

تضمن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة وتشريعاتها العديد من البنود التي تكفل حقوق الإنسان وتصونها لجميع من يعيش على أراضيها، كما تؤكد التزام الدولة بهذه الحقوق وبتعزيزها، سواء في الداخل أو الخارج وذلك على النحو التالي:

  • الدستور:

يكفل الدستور الإماراتي الحقوق والحريات المدنية للأفراد؛ فجميع الأفراد سواء أمام القانون، ولا تمييز بين مواطني الدولة بسبب الأصل، أو الموطن، أو العقيدة الدينية، أو المركز الاجتماعي، كما ينص على حماية القانون للحرية الشخصية للمواطنين كافة، ولا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه، أو حجزه، أو حبسه إلا وفق أحكام القانون، ويُحظر إيذاء المتهم جسمانياً أو معنوياً. كما يوضح الدستور الحريات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون كافة، ويُمنع التعذيب والاعتقال والاحتجاز التعسفي، وتُحظر المعاملة المهينة للكرامة بمختلف أشكالها، ويصون الدستور الحريات المدنية، بما فيها حرية التعبير والصحافة، والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات، وممارسة المعتقدات الدينية. كما أن الأفراد كافة متساوون أمام القانون، بصرف النظر عن جنسهم وعرقهم وجنسيتهم ودينهم ومكانتهم الاجتماعية[11].

  • القوانين والتشريعات الوطنية:

تعددت القوانين والتشريعات التي تناولت العديد من الموضوعات والقضايا المتصلة بحقوق الإنسان، وكان أهمها ما يتصل بالفئات والموضوعات التالية:

الأطفال

  • يمنع قانون العمل الاتحادي لدولة الإمارات تشغيل الأحداث من الجنسين، قبل إتمام الخامسـة عشـرة من العمر، كما يسمح القانون للأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين (15 و18) العمل بموجب تصاريح عمل رسمية تصدرها الوزارة، بشرط استيفاء صاحب العمل الذي يرغب بتشغيل الشاب الحدث لديه شروطاً معينة[12]. كما توفر الدولة التعليم المجاني للمواطنين في المدارس والكليات والجامعات، وفقاً للمادة 17 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، والمادة 1 من القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1972 بشأن التعليم الإلزامي.[13] وفي يوليو 2012، أطلق مجلس الوزراء قانوناً جديداً بشأن التعليم وينص القانون الجديد بإلزامية التعليم لكل من أكمل ست سنوات، كما يشدد القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل والمعروف باسم “قانون وديمة” على حق الطفل في الحياة والبقاء والنماء، وتوفير كل الفرص اللازمة لتسهيل ذلك، كما يعمل القانون على حماية الطفل من كل مظاهر الإهمال والاستغلال، وسوء المعاملة، ومن أي عنف بدني ونفسي[14].

الاتجار بالبشر

  • في إطار سعي الدولة لمكافحة الاتجار بالبشر على المستوى القانوني فقد حدد القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006، المعدَّل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2015 في شأن مكافحة الاتجار بالبشر، كل ما يشمل الاتجار بالبشر من جميع أشكال الاستغلال الجنسي، وإشراك الآخرين في الدعارة، والاستعباد، وأعمال السخرة، والاتجار بالأعضاء البشرية، والخدمة بالإكراه، والتسوُّل والممارسات الشبيهة بالاستعباد.

مكافحة التمييز والكراهية

  • حرص المشرع الإماراتي على سنّ قوانين تعمل على مكافحة التمييز والكراهية؛ ففي يوليو عام 2015، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، ويهدف القانون إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية من خلال منظومة قانونية متينة لبيئة التسامح والتعايش وقبول الآخر. ويحارب القانون التمييز ضد الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو اللون[15].

2– تدابير وسياسات وطنية

على مستوى التدابير والسياسات الوطنية فقد تعددت تلك التدابير وتعمقت، وأهمها تلك الوثيقة التي صدرت بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة وأعلنت فيها الحكومة الإماراتية ما اسمته وثيقة “مبادئ الخمسين” والتي ترسم من خلالها الخريطة السياسية والاقتصادية والتنموية للسنوات المقبلة، وقد احتوت تلك الوثيقة على عشرة مبادئ تم تخصيص المبدأ الثامن فيها للتأكيد على قيم حقوق الإنسان، ونصت على أن “منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوَّة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية، وستبقى الدولة داعمة عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوة الإنسانية”[16].

وعلى مستوى الجهاز القضائي، فإنه يتمتع بالاستقلالية التامة، ولا يسمح الدستور بأي تدخل في شؤونه من أي جهة كانت، كما لا يوجد سلطان على القضاة أثناء أداء مهامهم سوى القانون وضمائرهم.[17] وتتبنى دولة الإمارات ثلاثة مستويات/درجات من المحاكم لأغراض التقاضي مما يتيح للطرف المتأثر في القضية فرصة للطعن في الحكم، وإبراز مزيد من الأدلة بما يتفق مع أحكام القانون، ويتمتع كلٌّ من المواطنين والمقيمين والزائرين في الدولة بالحق في الحصول على محاكمة عادلة[18].

أما على مستوى التدابير الوطنية والسياسات التي تهدف إلى الحفاظ على الطفولة فقد اعتمد مجلس الوزراء بدولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة؛ لتكون مرجعاً أساسياً لصانعي القرار في مجال الطفولة في دولة الإمارات، ويأتي إطلاق هذه الاستراتيجية للأعوام من 2017 – 2021 تجسيداً عملياً للالتزام بتعزيز حقوق الطفل وحمايتها، وتغطي الاستراتيجية الوطنية للطفولة والأمومة خمسة أهداف استراتيجية تتضمن ما يلي:

  • تعزيز حق الأطفال والأمهات في رعاية شاملة ضمن بيئة صحية مستدامة
  • وقاية الطفل وحمايته في إطار منظومة متكاملة وشاملة.
  • حق الأطفال واليافعين في فرص تعلّم جيد النوعية، ينمي شخصياتهم وقدراتهم العقلية والبدنية.
  • المشاركة الفعالة للأطفال واليافعين في المجالات كافة.
  • تخطيط السياسات والبرامج بحيث تكون مبنية على أدلة ومعلومات دقيقة تكفل حقوق الطفل[19].

واتصالاً بتعزيز حقوق الطفل فقد أطلقت وزارة التربية والتعليم مبادرة “وحدة حماية الطفل”، لتشمل طلبة المدارس الحكومية والخاصة على مستوى الدولة، بهدف حماية الطفل من جميع أنواع الإساءة والإهمال والاستغلال التي يتعرض لها في البيئة المحيطة سواء في المدرسة أو المنزل، والحفاظ على سلامة الطلبة بدنياً ونفسياً وتعليمياً.

وفيما يتصل بحقوق السجناء فقد حرصت المنشآت الإصلاحية في دولة الإمارات على احترام حقوق السجناء، وتُعدُّ هذه المنشآت بمنزلة مرافق لإعادة التأهيل. حيث تطبق الدولة القواعد النموذجية لمعاملة السجناء في المؤسسات العقابية والإصلاحية في الدولة. وذلك من خلال فصل المدانين وفقاً لطبيعة جرائمهم، وإخضاع المؤسسات الإصلاحية لزيارات عشوائية من إدارات حقوق الإنسان والمدعين العامين. وتتضمن هذه الزيارات إجراءات تفقدية للسجون، وإجراء مقابلات خاصة مع السجناء. كما يتلقى السجناء في دولة الإمارات حقوقهم الكاملة في إعادة التأهيل، والرعاية الطبية، والتغذية، والاتصال بأسرهم ومحاميهم. وتوفر وزارة الداخلية برنامجاً خاصاً لتأهيل السجناء الإماراتيين لسوق العمل. أما وزارة تنمية المجتمع فهي تتولى تقديم مساعدات مالية لعائلات السجناء، كما يقوم صندوق الفرج التابع لوزارة الداخلية بمساعدة المعسرين ونزلاء المؤسسات العقابية والإصلاحية وأسرهم. ومنذ إطلاقه في عام 2009 ساعد صندوق الفرج 12 ألف نزيلاً في المؤسسات العقابية والإصلاحية من أكثر من 50 جنسية. ويقوم الصندوق بمساعدة النزلاء بغض النظر عن جنسياتهم أو عرقهم أو جنسهم أو عقيدتهم أو وضعهم الاقتصادي.

إضافةً إلى ذلك يُسهم صندوق الزكاة في دولة الإمارات، في إغاثة السجناء من خلال مشروع تواصل مع عائلات السجناء. حيث يهدف الصندوق إلى رعاية أسر السجناء في أثناء وجود عائِلَهم في المؤسسة العقابية، إلى جانب رعاية السجين نفسه. كما توفر هيئة تنمية المجتمع في دبي خدمة لرعاية المساجين وأسرهم. تهدف الخدمة إلى معالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية لنزلاء المؤسسات العقابية والإصلاحية، ومساعدتهم على تبني أفكار إيجابية تُعينهم على مواجهة الحياة داخل المؤسسات الإصلاحية وبعد الإفراج عنهم.

أما بالنسبة إلى حقوق العمالة الوافدة، فقد اتخذت الإمارات الكثير من الإجراءات التي تضمن حقوق هذه الفئة، حيث وضعت قانون العمل لتنظيم شؤون العمل والعمال في القطاع الخاص، وألزمت أصحاب العمل التقيد بأنظمة الصحة والبيئة والسلامة، وتوفير تأمين صحي شامل لجميع العمال، إضافةً إلى أن هناك قواعد صارمة فيما يتعلق بتوفير أماكن الإقامة المناسبة. وتُسدَّد الأجور لأكثر من 3.2 مليون عامل من خلال نظام حماية الأجور[20].

 وينص قانون العمل الاتحادي في الدولة على تأمين سلامة العمال وحمايتهم، وعلى سبيل المثال، نذكر قانون حظر العمل منتصف الظهيرة، الذي يحظر عمل العمال في منتصف الظهيرة، مباشرة تحت أشعة الشمس في فصل الصيف. كما اعتمدت الدولة قوانين عدة لحمايتهم، بما في ذلك القوانين الخاصة بمجالات التوظيف، والأجور، والسكن، والصحة. حيث يمنع فرض رسوم التوظيف على الموظفين المحتملين، كما يحظر مصادرة جوازات سفر العمال، ولا يُشترط على العمال الحصول على إذن من صاحب العمل لمغادرة البلاد.

كما تحرص الدولة على تثقيف وتعريف العاملين وأصحاب العمل بحقوقهم وواجباتهم، ولهذا الغرض تقوم بترجمة معظم القوانين، والتشريعات، والقرارات الوزارية التي تحكم علاقات العمل إلى لغات عدة، لتصل إلى شرائح المجتمع كافة. كما وفرت للعمال قنوات عدة للإبلاغ وتقديم الشكاوى ذات العلاقة بالأجر. وبالنسبة إلى التقاضي؛ فقد حرصت الدولة على عدم تحميل العامل أية رسوم خلال دورة التقاضي[21].

3– هيئات رسمية وأجهزة حكومية معنية بحقوق الإنسان

على المستوى المؤسسي فقد حرصت الدولة على مأسسة جهودها الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان كان آخرها إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ففي ديسمبر 2020، اعتمدت حكومة دولة الإمارات إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لتراقب هذا الملف، وتنسق مع الجهات المعنية كافة داخلياً وخارجياً في هذا الملف. وتهدف الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان إلى تعزيز مكانة الدولة في المحافل الدولية والإقليمية، وتطوير شبكات دولية فاعلة مع الأفراد والمؤسسات حول العالم بما يخدم أهداف الدولة ومصالحها وسيكون للهيئة وفق القانون الشخصية الاعتبارية المستقلة وتتمتع بالاستقلال المادي والإداري في ممارسة مهامها وأنشطتها واختصاصاتها. ويعزز إنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان من مكانة الدولة، وإبراز أدوارها في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، بصفتها آلية وطنية تسترشد في عملها بمبادئ باريس للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.[22]

وفيما يتصل بحقوق الطفل فقد أنشأت الدولة البرلمان الإماراتي للطفل ففي فبراير عام 2020 أعلن المجلس الأعلى للأمومة والطفولة إنشاء البرلمان الإماراتي للطفل بموجب اتفاقية وقّعها مع المجلس الوطني الاتحادي. وتتسق هذه الخطوة مع برنامج التمكين السياسي الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وقبل ذلك وفي عام 2018، وجَّهت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات”، رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بإنشاء المجلس الاستشاري للأطفال. والذي يهدف إلى رعاية الأطفال وتنفيذ البرامج وورش العمل والفعاليات التي تخلق فرصاً للأطفال للتفاعل فيما بينهم والتعبير عن آرائهم بحرية.

ولتعزيز حقوق المرأة في المجتمع فقد اعتمد مجلس الوزراء في مايو 2015 تشكيل مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين في جميع ميادين العمل، بغرض الإسهام في دعم مكانة دولة الإمارات محلياً ودولياً، وتقليص الفجوة بين الجنسين، وتحقيق التوازن بينهما في مراكز صنع القرار، تحقيقاً لرؤية الإمارات بأن تكون ضمن أفضل 25 دولة في مؤشر التوازن بين الجنسين بحلول 2021، وهو ما انعكس على تبوؤ الدولة المركز الـ 18 عالمياً والأول عربياً في مؤشر المساواة بين الجنسين الصادر عن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2020.

وتأكيداً على الجهود الوطنية لتعزيز ثقافة التسامح وقبول الآخر فقد استُحدِثَ منصب وزير دولة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات. وفي 5 يوليو 2020، أُعيدَت تسمية الوزارة بوزارة التسامح والتعايش.

4: آليات وطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها

حرصت دولة الإمارات على وجود آليات وطنية لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها وخاصة لضحايا الاتِّجار بالبشر؛ فقد أسَّست مراكز إيواء للنساء والأطفال ولضحايا الاتِّجار بالبشر، والاستغلال الجنسي. حيث تستقبل تلك المراكز ضحايا جرائم الاتِّجار بالبشر، وتقدم لهم المأوى المؤقت والرعاية الضرورية قبل عودتهم إلى بلدانهم. كما أُنشِئت الإدارة العامة لحقوق الإنسان في دبي حيث تعمل تحت إشراف شرطة دبي، وتوفر الدعم النفسي، والاجتماعي، والقانوني، للنساء والأطفال الذين يقعون ضحايا للاتِّجار بالبشر.

5– التزامات الإمارات الدولية في مجال حقوق الإنسان

ولإثبات تعاطيها الدولي والإقليمي مع ملفات حقوق الإنسان الوطنية وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة عضوية اتفاقيات دولية عدة وهي:

  • اتفاقيات منظمة العمل الدولية التسع، بما فيها من موضوعات بشأن ساعات العمل، والعمل القسري، وعمليات تفتيش العمال، والعمل الليلي للمرأة، والمساواة في الأجور، والحد الأدنى لسن العمل، وأسوأ أشكال عمالة الأطفال.
  • اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والبروتوكول الملحق بها، لمنع وقمع ومعاقبة الاتِّجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال (بروتوكول باليرمو).
  • الميثاق العربي لحقوق الإنسان (2008).
  • اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
  • اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
  • الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
  • اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1990.
  • اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
  • ميثاق جامعة الدول العربية.
  • ميثاق الأمم المتحدة.
  • اتفاقية جنيف الأربع للقانون الدولي الإنساني.
  • اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبتها.
  • نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية[23].

 الخاتمة:

يؤكد العرض السابق أن ملف حقوق الإنسان في الإمارات يحظى باهتمام كبير، ويأتي ضمن قائمة الأولويات الرئيسية في الدولة، وهو أمر ينطلق من رؤية الإمارات للإنسان باعتباره الثروة الأغلى لأي وطن، ويجد ترجمة قوية له على أرض الواقع من خلال الدور الإنساني العالمي للإمارات الذي تسعى من خلاله لحفظ كرامة الإنسان، بصرف النظر عن دينه أو ثقافته أو عرقه، وحماية حقه في الحياة الكريمة. ومن ثم، فإن قرار البرلمان الأوربي لن يضر إلا بمن تبناه ويفقده مصداقيته؛ لأنه لم يُبنَ على أي اعتبارات موضوعية.

المراجع:

[1]. 122 مليار سبب لتحب إكسبو 2020، موقع إكسبو 2020 دبي، 15 إبريل 2019، على الرابط: https://www.expo2020dubai.com/ar/news/20190415-economic-impact-study

[2]. سياسة اليسار المتطرف، على الرابط: https://ar.wqbis.com/wiki/Far_left

[3]. https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/RC-9-2021-0434_EN.html

[4]. Ibid.

[5]. مقاطعة معرض إكسبو 2020.. لماذا اتخذ برلمان أوروبا هذا الموقف من الإمارات وما دلالاته السياسية؟، وكالة سبوتنيك الروسية، 18 سبتمبر 2021، على الرابط: https://bit.ly/3tTf8CW

[6]. “الخارجية والتعاون الدولي” تنفي مزاعم بعض المنظمات غير الحكومية بشأن قضية المواطن الإماراتي أحمد منصور، وام، 1 يناير 2020، على الرابط: https://wam.ae/ar/details/1395302813690

[7]. لمزيد من التفاصيل انظر: تعرف على وضع سجناء دبي خلال أزمة كورونا، قناة دبي، موقع يوتيوب، 21 مايو 2020، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=27wI_qkR_RU

[8]. 9,282,410 عدد سكان الإمارات عام 2020، صحيفة الخليج، 21 يونيو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3nQNlSz

[9] . أحمد نصير، الإمارات وحقوق الإنسان.. إنجازات وشهادات من “أرض التسامح”، موقع العين الإخبارية، 18 سبتمبر 2021، على الرابط: https://bit.ly/3EzFcYz

[10] . “الخارجية والتعاون الدولي” تنفي مزاعم بعض المنظمات غير الحكومية بشأن قضية المواطن الإماراتي أحمد منصور، وام، 1 يناير 2020، على الرابط: https://wam.ae/ar/details/1395302813690

[11] .دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط: https://uaecabinet.ae/ar/the-constitution

[12] . الباب الثاني من قانون العمل بدولة الإمارات العربية المتحدة.

[13] . المادة 1 من القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1972 بشأن التعليم الإلزامي، على الرابط:

 https://u.ae/ar-ae/about-the-uae/human-rights-in-the-uae

[14] . القانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2015، على الرابط: https://bit.ly/2VThlSc

[15]. قانون مكافحة التمييز والكراهية، على الرابط: https://www.tamm.abudhabi/-/media/Project/TAMM/Tamm-Images/PDF-attachments/Anti-discrimination-and-hate-law.pdf

[16] . المبادئ العشرة لوثيقة الخمسين الجديدة، على الرابط: https://bit.ly/3AqQiNc

[17] .دستور دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط: https://uaecabinet.ae/ar/the-constitution

[18] . وزارة العدل في دولة الإمارات العربية المتحدة، على الرابط:https://www.moj.gov.ae

 [19] . الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة، موقع حكومة الإمارات، على الرابط https://bit.ly/3tSEilb

[20] حماية حقوق العمال، على الرابط: https://u.ae/ar-ae/information-and-services/justice-safety-and-the-law/protection-of-workers-rights

[21] المصدر السابق.

[22]. https://www.albayan.ae/uae/news/2021-08-30-1.4237425

 [23]. انظر الرابط: https://www.adjd.gov.ae/AR/Pages/Human%20rights/TheUN.aspx

المواضيع ذات الصلة