مقدمة:
لا تُعتبر الاعتداءات التي يقوم بها بعض المتطرفين
ضد المقدسات والرموز الثقافية والدينية أمرًا جديدًا في عالمنا. فهي ظاهرة قديمة
وممتدة، تجدد نفسها بين الحين والآخر، وإن كانت خلال الفترة الأخيرة قد تركزت ضد
الإسلام والمسلمين؛ نتيجة ذلك التفسير الفضفاض الذي تعتمده المجتمعات الغربية
لمفهوم حرية التعبير، أو بالأصح نتيجة استغلال بعض المؤدلجين واليمينيين المتطرفين
للبيئات المجتمعية المنفتحة، وتسامح بعض الحكومات الغربية، فيعطون لأنفسهم الحق في
الاعتداء على المقدسات الإسلامية بما يتسبب في الإساءة لسمعة البلدان التي تحدث
فيها تلك الجرائم[1].
ومع تراكم هذه الأحداث وتكرارها، فإنها قد تُفجر
تلك المجتمعات من الداخل؛ بسبب ما ستخلقه من استفزازات قد تؤدي إلى نشوب صدامات
بين طرفين أو أكثر مختلفين في الدين، مما يهدد استقرار هذه المجتمعات الأمني
والاجتماعي، والأخطر أن هذه الصدامات قد تتخطى الحدود الجغرافية للدولة الواحدة،
بالنظر إلى انتشار الجاليات المسلمة في العديد من المجتمعات الغربية المتجاورة.
وتحاول
هذه الورقة معالجة ظاهرة جديدة بدأت
تنمو في المجتمعات الغربية، من شأنها تغيير الصورة النمطية المترسخة عن تلك
المجتمعات بأنها تقبل الآخر وتتعايش معه وتتسامح مع المختلفين معها. فبسبب أنشطة
اليمين المتطرف تتعرض هذه الصورة الآن إلى التشوه والمسخ، ما ينعكس من ناحية على
استقرار المجتمعات الغربية نفسها، ومن ناحية أخرى يؤثر سلبًا
على الجهود التي تبذلها الدول الإسلامية والعربية في محاربة التطرف والتنظيمات الإرهابية، التي توظف مثل تلك الإساءات والاستفزازات لأهداف أيديولوجية وسياسية.
تَوَجُّهٌ غربيٌّ متنامٍ لاستفزاز مشاعر المسلمين
لقد بات من الواضح أن هناك توجهًا متناميًا في
الغرب عمومًا لاستفزاز الجاليات المسلمة هناك، نتيجة لعدم اندماجهم أو ذوبانهم
بشكل كامل مع ثقافة وقيم المجتمعات الغربية، ويتخذ هذا التوجه شكلين اثنين:
أولهما، تلك السلوكيات الشاذة التي يقوم بها اليمين المتطرف والشعبويون في أكثر من
دولة أوروبية، لا سيّما في الدول الإسكندنافية مثل الدنمارك والسويد، وثانيهما، انضمام
بعض المهاجرين إلى هذا التوجه رغم أن أصولهم تعود إلى دول ذات أغلبية مسلمة، وذلك
بهدف تأكيد ولائهم لمجتمعاتهم الجديدة في الغرب، وكأنهم يُقدمون
“قرابين” للكارهين للثقافة الإسلامية، رغم أنهم يدركون أن هذه القضايا
غير قابلة للمساس بها أو السخرية منها.
وقد تنوعت خلال الفترة الأخيرة في الغرب أنماط
وأشكال الاعتداء على المقدسات الإسلامية ورموزها، ما بين الرسوم الكاريكاتورية التي
تسخر من الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وبين حرق المصحف الشريف. ومما يلفت
النظر أن الأمر وصل أحيانًا إلى اختيار أن يكون المكان الذي سيتم فيه حرق المصحف أمام
مسجد، أو أن يتم اختيار الزمان بحيث يكون في يوم مقدس للمسلمين مثل عيد الأضحى
المبارك. ولا شك في أن من يقوم بهذه الأفعال يدرك تمامًا طبيعة ردة فعل المجتمعات
الإسلامية، لذا فالأمر فيه تعمُّد واضح لاستفزاز مشاعر المسلمين.
وحتى الآن، تمكنت حكومات الدول الإسلامية من احتواء
ردود الفعل الشعبية، حيث تقوم بعمل جاد ودؤوب كي لا ينفلت الوضع أمنيًا، سواءً داخليًا
ضد المختلفين دينيًا؛ لأن المتطرفين لا يفرقون بين الفاعل الحقيقي وبين باقي
معتنقي الديانات الأخرى، أو خارجيًا من خلال التوظيف السياسي للتنظيمات الإرهابية
التي تتصيّد مثل هذه الأحداث، وتعتاش على هذه السلوكيات، لتحريض المسلمين على الانضمام
إليها وتنفيذ عمليات إرهابية.
ولا شك في أن تكرار عمليات الاعتداء على المقدسات
الإسلامية في المجتمعات الغربية- حتى ولو جاءت تحت شعار حرية التعبير- سوف يولد
لدى الجاليات المسلمة شعورًا بالقهر والظلم، ويُعطي إيحاءً بعدم وجود سلطة رادعة
للمعتدين، مما قد يؤدي في لحظةٍ ما إلى ردة فعل عنيفة، قد تنشب من خلالها صراعات داخلية.
فمن الأمور المُسَلَّم بها أن العنف يولد العنف حتى بين أفراد المجتمع الواحد، ما
قد يخلف معه خسائر بشرية ومادية. وفي هذا الصدد كان لافتًا أن جهاز الأمن السويدي SAPO حافظ على
تقييمه لمستوى التهديد القائم في البلاد عند 3 على مقياس من 5، مما يشير إلى وجود
“تهديد متزايد” خلال الأزمة[2].
واللافت للانتباه في هذا الأمر أيضًا، أن
تدخلات الدول العربية والاسلامية، سواءً باستدعاء السفراء التابعين للدول التي
تحدث فيها هذه التجاوزات، أو بمحاولة دفع بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة إلى
اتخاذ مواقف حاسمة، هذه التدخلات لم تلقَ أذانًا صاغية، ولا حتى أي استجابة من
الدول الغربية عمومًا أو من السويد خصوصًا. صحيحٌ أن هذه الدول قد تندد أحيانًا
بتلك الأعمال المتطرفة، ولكن من دون محاولة وضع رادع قانوني لها، الأمر الذي يبني
انطباعًا لدى الرأي العام الإسلامي بسلبية مواقف تلك الدول، ومن شأن ذلك أن يزيد
من حدة حالة الاحتقان ويوسع الفجوة بين الجانبين.
حوادث حرق المصحف.. مبررات غير مقنعة وتشويه لصورة
الغرب
لعل السويد والدنمارك – الدولتين الأوروبيتين – من
أكثر الدول الغربية التي تشهد سلوكيات استفزازية لمشاعر المسلمين، والنتيجة المباشرة
لذلك هي تشوه و”تمزق” الصورة النمطية لهما كدولتين متسامحتين، لدى
مجتمعاتهما من التحضر الإنساني والانسجام ما يكفي لخلق أجواء ملائمة للعيش المشترك.
لكن هذه الصورة المثالية تتعرض الآن للاهتزاز بشدة أمام العالم، خاصة في ظل وجود
وسائل التواصل الاجتماعي، القادرة على نقل الأخبار ونشرها بسهولة وسرعة بالغة، وعلى
أوسع نطاق ممكن، بحيث يصبح من الصعب السيطرة على سرعة انتشار هذه الأخبار ونطاقها
الجغرافي. والأكثر من ذلك أن محاولة الدولتين تعديل الصورة السيئة الراهنة ستُواجَه
بصعوبات بالغة، خصوصًا مع موقف الحكومة السويدية غير الإيجابي، مما يثبت صورتها في
أذهان الكثيرين كعدو للإسلام والمسلمين[3].
الحُجة “الجاهزة”، التي تبرر بها الحكومة
السويدية موقفها، أن الدستور السويدي يجيز لجميع مواطنيها التعبير عن آرائهم بحرية،
وأنه يحق لأي إنسان أن يحرق أي كتاب، ولكنه لا يُجيز الإساءة لمجموعة من الناس
بسبب دينها، أو لونها، أو جنسها، أو عِرقها، أو معتقداتها. ورغم رفضنا لهذا
التبرير جملة وتفصيلًا، فإن هناك عامليْن يخرجان هذه السلوكيات المستفزة من نطاق حرية
التعبير، وهما:
العامل الأول: أن هذه السلوكيات تخلق
بيئة ملائمة للمتطرفين في الجانب الإسلامي أيضًا للقيام بأعمال إرهابية، وربما يكون
هذا الأمر هو ما أدركته الحكومة السويدية مؤخرًا، حينما ظهر رئيس وزرائها، أولف كريسترسون،
وبعض مسؤوليها، ينبهون إلى مثل هذه التداعيات[4]. ولا شك في أن أي عمل من
شأنه توليد أو تأجيج العنف والإرهاب بكافة أشكاله، لا يمكن اعتباره أو توصيفه ضمن
“حرية التعبير”، وإنما هو تحريض مباشر على العنف.
العامل الثاني: أن الهدف
المقصود من حرق المصحف الشريف هو الإساءة إلى الدين الإسلامي نفسه، وإلى مشاعر
ملايين من البشر يعتنقون الديانة الإسلامية. وهذه جريمة ضد الإنسانية وفقًا للقرار
الذي أصدره في 12 يوليو 2023 مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بطلب من
باكستان، واعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة
[5]. حيث ينص القرار على مسؤولية
الدول عن حماية الأقليات ومعتقداتها، وإلَّا فسوف ينزلق المجتمع نحو فوضى في أخطر
مسألة تمزق المجتمعات، وهي الثقافة الدينية.
جدول يوضح مواقف الدول حول التصويت على إدانة حرق القرآن في مجلس حقوق الإنسان[6]
من الواضح – إذنْ – أن هذه الممارسات قد أصبحت
البضاعة الأكثر رواجًا لدى الشعبويين واليمين المتطرف. وهو أمر لا يُعفي الحكومات
من مسؤولياتها عن الاستقرار والأمن الدوليين. أمّا القول بأن القوانين ومبدأ الحرية
الشخصية يكفلان عدم المساس بتلك الأعمال، فهو حجة ضعيفة وغير مقبولة، بل إن الغرب
نفسه يُسقط تمامًا تلك الحجج من حساباته حين يتعلق الأمر بالأمن ومواجهة الإرهاب.
لذا، فإن الأمر هنا يحتاج مراجعة نزيهة، وإلى مزيد من التفكر في احتمالات توظيف تلك
الموجة من الكراهية بواسطة الجماعات المتطرفة العابرة للحدود. فالغضب المجتمعي إزاء
الإساءات المتكررة قد يشكل تهديدًا لاستقرار العالم. خاصة أن التاريخ قد شهد حالات
كثيرة لعمليات إرهابية حدثت في المجتمعات الغربية، كردة فعل على سياسات غربية في
المنطقة.
وما يؤكد هذه
النظرة أن الهدف النهائي من تلك الممارسات هو هدف سياسي بالأساس، إذ إن اليمين
المتطرف الذي يقف وراء هذه الاستفزازات يشجع على مزيد من الضغط على المسلمين
المقيمين في الدول الغربية؛ لإجبارهم على الخروج من هذه الدول[7]؛ وذلك بهدف الحصول على
أصوات الناخبين، خاصة الرافضين لوجود الجانب في بلادهم، فالمسألة – إذنْ – يقف
وراءها دافع سياسي، مما يعني أن على الحكومات الغربية أن تخرج هذه الأمور من خانة
حرية التعبير.
الاعتداء على المقدسات.. فرصة لنمو التطرف في ظل
ظرف دولي معقد
إن تنامي عمليات الاعتداء على الرموز والمقدسات
الإسلامية من شأنه أن يتيح الفرصة أمام جماعات التطرف لاستغلال هذه الأحداث، سواء
للتحريض ضد الدول الغربية وشعوبها، أو لتجنيد مزيد من الأتباع داخل المجتمعات
الغربية بدعوى أنها قادرة على الانتقام. وتزداد خطورة هذه الأمور في ظل انشغال
العالم – بمختلف دوله – بالحرب في أوكرانيا، وما يترتب عليها من تداعيات لا تقتصر
على دول أوروبا فحسب، ولكنها تطال العديد من دول العالم، سواء كانت تداعيات سياسية
أو أمنية أو اقتصادية، أو ما يتعلق بمسألة الأمن الغذائي. ومن ثم فإن هذه
الاعتداءات يمكن اعتبارها عاملًا إضافيًا لزيادة التوتر بين الدول والشعوب، خاصة
وأنها تمس مباشرة العقائد والأديان.
إن اللافت للنظر أنه بعد أن كانت المجتمعات المسلمة
– في فترةٍ ما – هي التي تُتَّهَم بأنها سبب في ظهور “الإسلاموفوبيا”، صارت
هي اليوم من تطالب بوضع الضوابط لمنع أي استفزازات بين أصحاب الأديان المختلفة،
وتعمل من أجل تطبيق مفاهيم التسامح والتفاهم والعيش المشترك. بينما أصبحت الدول الغربية
في المقابل هي مصدر الأزمات والاحتقان بين الشعوب، إذ إن ما تعتبره هذه الدول
حرية الفرد الشخصية في التعبير قد تجاوز الآن حدوده، وطغى على احترام الشعوب
والأديان والمقدسات، وهو ما قد يترتب عليه مجموعة من التداعيات التي ستؤثر
بالتأكيد على الاستقرار الداخلي لهذه الدول.
أول هذه التداعيات هي ارتفاع مستوى القلق والاضطراب
داخل مجتمعاتها، إذ إن من شأن هذه الاعتداءات والسلوكيات أن تثير غضب الجاليات
المسلمة الموجودة في هذه البلدان، الأمر الذي قد يتسبب في حده الأدنى في وجود
مشاحنات بين مكونات هذه المجتمعات، أو في بروز خطاب الكراهية وتراجع قيم التعايش
والتسامح، ومن ثم يؤدي إلى تراجع حالة الاستقرار المجتمعي فيها.
وثاني هذه التداعيات – وهو
الأمر الأكثر خطورة – هو أن مثل هذه الاعتداءات والسلوكيات التي تتم بموافقة
الحكومات، من شأنها أن توفر بيئة خصبة تتحرك خلالها جماعات التطرف والإرهاب،
وتستطيع جذب بعض العناصر التي قد ترى فيها القدرة على التحرك والانتقام، ومن ثم
فإن هذه الجماعات قد تتمكن من تحريض هذه العناصر على ارتكاب عمليات إرهابية في
مجتمعاتها، أو أن تتحول إلى خلايا نائمة، وأحيانًا إلى ما يُسَمَّى “ذئاب
منفردة”. ولعل موجة الإرهاب والعنف التي تخترق الحدود الوطنية ولا تستثني
مكانًا بالعالم، كفيلة بتنبيه الدول الغربية إلى أن التساهل في هذه القضايا بحجة الحريات
الشخصية، يُسهم في إيجاد مبررات للمساس بالأديان الأخرى، ويقدم مسوغات للقيام بأعمال
إرهابية. فالمتطرفون لا يفرقون جغرافيًا بين مكان وآخر، بل يعتبرون أن المختلف
عنهم في الدين مسؤول هو أيضًا عن أخطاء غيره من بني جنسه أو بلده؛ وذلك ببساطة
لأنه لم يمنعه، بل ويُقِرُّ أفعاله.
لا شك إذن أن مثل هذه الاعتداءات المتكررة تشكل
فرصة مواتية للتنظيمات الإرهابية، حيث تجد فيها مبررات لما تقوم به من أعمال ضد
المختلفين عنها دينيًا، كما أن هذه التنظيمات لديها القدرة والمهارة في استغلال
مثل هذه السلوكيات لتعبئة وشحن الرأي العام الإسلامي. وفي المقابل فإن تساهل
الحكومات الغربية مع مرتكبي هذه الاعتداءات يؤدي إلى نتيجة فحواها المزيد من ضياع
الفرص لمواجهة الصراعات والحروب، التي هي أصلًا نتيجة لخطابات الكراهية والتمييز،
ما يعني استمرار تراجع برامج التنمية والاستقرار المجتمعي.
وصحيحٌ أن المسؤولين الغربيين- في عمومهم- على
اقتناع بالتداعيات المحتملة لهذه الاستفزازات، إلَّا أن ردود الفعل لم تتجاوز
التصريحات وإبداء القلق، في حين أن الحكومات الإسلامية والعربية هي التي تقوم عمليًا
بتحركات مستمرة وقوية لسد الثغرات أمام التنظيمات المتطرفة، ومنعها من استغلال
أحداث حرق المصحف وتدنيس القرآن والسخرية منه. وربما يرجع السبب في وجود ذلك البون
الشاسع في المواقف إلى عدم اقتناع الساسة الغربيين بإمكانية عودة تلك التنظيمات الإرهابية
مجددًا. ولو صح ذلك فسيكون خطأً فادحًا من ناحيتهم، وتكرارًا لأخطاء سابقة في
التوقع والتصرف تجاه ظاهرة الإرهاب الديني والتطرف العقائدي والفكري، تلك الظاهرة
التي ضربت العالم كله، ولا يزال يعاني من تبعاتها حتى الآن، رغم الجهود المضنية
التي بذلت لمواجهته.
خاتمة:
في نهاية هذا العرض يمكن الإشارة إلى أننا أمام
سيناريوهين رئيسيين، يحددان مستقبل هذه الظاهرة التي باتت تهدد بضياع الجهود التي
تبذلها الأسرة الدولية والمجتمع الدولي والكثير من دول العالم، من أجل تحقيق
التقارب بين أتباع الأديان، وتعزيز التسامح والعيش المشترك. أولهما هو استمرار
حوادث الاعتداء على الرموز والمقدسات الإسلامية بموافقة الحكومات الغربية، في ظل
عدم تدخلها الجاد لمنع هذه السلوكيات، واعتبارها أن الأمر يتعلق بحرية التعبير.
وثانيهما نجاح هذه الحكومات في التدخل الجاد تشريعيًا من خلال سن قوانين تُخرج هذه
الاعتداءات من خانة حرية التعبير، وتسن عقوبات صارمة على مرتكبيها.
وفي ضوء ما نراه من عدم جدية الحكومات الغربية في
التدخل، وإصرارها على إبقاء الأمر في مجال حرية التعبير، يبدو أن السيناريو الأول
هو الأكثر ترجيحًا، على الأقل في المستقبل القريب، بمعنى أننا – من آنٍ لآخر – قد
نشهد مزيدًا من هذه السلوكيات، سواء لأسباب سياسية أو لأسباب تحريضية، بما قد
يتسبب في إتاحة الفرصة لنمو التطرف في هذه الدول، سواء لليمين المتطرف أو لجماعات
الإرهاب على الجانب الآخر.
غير أن كل
ذلك يُلقي بمسؤولية على الحكومات العربية والإسلامية، التي عليها من جانبها أن
تكثف ردود فعلها، عبر تحركات دبلوماسية داخل المنظمات الدولية، من أجل إقناع الرأي
العام الغربي بأن إدراج مثل هذه الاعتداءات في خانة حرية التعبير أمر لم يَعُدْ
مقبولًا، وأنه يهدد بتدمير كم كبير من الجهود المبذولة دوليًا وإقليميًا من أجل
تحقيق التقارب بين الأديان. وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى البيان الذي أصدره
وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي[8]، كنموذج لتحرك عربي إسلامي
جماعي، يمكن من خلاله التأثير في مواقف الحكومات الغربية.
في الختام، ينبغي التأكيد على أن حساسية الظرف
الدولي، الذي يمر به العالم في هذه المرحلة، لا يحتاج إلى أن نسكب مزيدًا من الزيت
على النار، ومن ثم، فإن الدول التي تسمح بتدنيس الرموز الإسلامية – تحت أي بند –
عليها أن تدرك أن التعرض لثقافات الشعوب بشكل عام، والمساس بالرموز الدينية بشكل
خاص، هو أمر شائك وحساس، يجب الحذر الشديد منه، والعمل على منعه، من خلال بذل جهود
حقيقية واتخاذ إجراءات عملية، أهمها سن تشريعات وقوانين داخلية تضمن عدم تكرار تلك
الأعمال. وربما لن يحدث ذلك إلَّا بعد أن تتيقن تلك الدول من أن أخطار وتداعيات
هذه الأعمال لا تقل خطورة عن الإرهاب والعنف الفعلي، بل إنها بالفعل تُمَهّد له
وتحرض عليه.
[1] صورة السويد
تتأثر سلبًا بسبب تعدياتها على القرآن، صحيفة “الوطن” السعودية، 26
يوليو 2023، https://l8.nu/s1j4
[2]
Swedish PM ‘extremely worried’ what could happen if further Koran burnings go
ahead, Reuters, July 28, 2023, https://l8.nu/toJJ
[3]Elisabeth Braw, How Sweden Became Public Enemy No. 1, Foreign Policy, JULY 28, 2023, https://l8.nu/toOK
[4] رئيس الحكومة
السويدية يعبر عن “قلق بالغ” بشأن طلبات تدنيس المصحف، موقع
“الحرة”، 28 يوليو 2023، https://l8.nu/toMq
[5] بعد حرق المصحف
“ماذا يعني قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن “الكراهية الدينية”؟، موقع
“الحرة”، 12 يوليو 2023، https://l8.nu/toNd
[6] حرق نسخة من
القرآن، قائمة الدول التي أيدت وعارضت الإدانة بتصويت مجلس حقوق الإنسان، موقع CNN بالعربي، https://l8.nu/tt9m
[7] تيسير خلف،
حوادث حرق المصحف التي رسمت مستقبل الأندلس،
مجلة المجلة، 28 يوليو 2023، https://l8.nu/s0Hf
[8] حزام إسلامي تجاه دول تدنيس المصحف الشريف، صحيفة الشرق الأوسط، 01 أغسطس 2023، https://l8.nu/tq8