على مدى العقود الأخيرة، أصبح الاستقرار السياسي محورًا أساسيًا في تحليل النظم السياسية، ودراسة الديناميات الدولية. ويعكس الاستقرار السياسي قدرة الدولة على الحفاظ على النظام الداخلي، وتجنب الصراعات العنيفة، وضمان استمرارية مؤسساتها. ومع تعاظم تأثير العولمة، والتغيرات المتسارعة في المشهد السياسي العالمي، ازدادت الحاجة إلى أدوات دقيقة تساعد على فهم المؤشرات، التي تُنذر بتغيرات سياسية جذرية. هنا، يبرز دور التكنولوجيا، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، كأداة حديثة تُحدث تحولًا جذريًا في تحليل البيانات المعقدة، والتنبؤ بالأحداث المستقبلية.
أثبت الذكاء الاصطناعي، الذي يشمل مجالات، مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغة الطبيعية، فعاليته في مجالات متعددة، مثل الاقتصاد والرعاية الصحية، وأصبح يُستخدم بشكل متزايد في تحليل البيانات السياسية. يتيح الذكاء الاصطناعي التعامل مع كميات هائلة من البيانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتحليلها؛ لاستخلاص أنماط معقدة؛ ما يمكّن الباحثين وصنّاع القرار من التنبؤ بالمخاطر السياسية، مثل الاضطرابات الاجتماعية والانقلابات، بدقة أكبر من الطرق التقليدية[1].
أولًا- إشكالية الدراسة وأهميتها
مع تعقيد التحديات السياسية والاقتصادية، التي تواجهها الدول، يُثار سؤال مهم حول مدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم تنبؤات دقيقة تسهم في تعزيز الاستقرار السياسي. وعلى الرغم من التقدم الملحوظ في هذا المجال، تواجه الأبحاث تحديات تتعلق بنقص البيانات الموثوق بها، والتحيز في النماذج، والمخاوف الأخلاقية المتعلقة بخصوصية الأفراد. وبالتالي، تُركّز هذه الدراسة على دراسة مدى فعالية الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي، واستعراض الأدبيات الموجودة لتحديد الفجوات البحثية، وتقديم توصيات مستقبلية.
ثانيًا- أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات السياسية، وتقديم تنبؤات تتعلق بالاستقرار السياسي. كما تسعى إلى تقييم فعالية النماذج المستخدمة في التنبؤ بالمخاطر السياسية، مقارنة بالأساليب التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، تركز الدراسة على تسليط الضوء على التحديات التقنية والأخلاقية، التي تواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، مع تقديم توصيات لتحسين تطبيق هذه التقنيات لدعم صنّاع القرار السياسي.
ثالثًا- منهجية الدراسة
تعتمد هذه الدراسة على نهج استقرائي تحليلي، حيث تستعرض الأدبيات السابقة التي تناولت العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والاستقرار السياسي، مع تحليل النماذج والتقنيات المستخدمة. أيضًا، تسعى الدراسة لتقديم تحليل نقدي للتحديات والفرص المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال[2].
رابعًا- الإطار النظري والمفاهيمي:
تعريف الاستقرار السياسي
يشير الاستقرار السياسي إلى قدرة النظام السياسي على الحفاظ على النظام الداخلي، وضمان استمرارية مؤسساته، والتعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية بكفاءة. ويُعد الاستقرار السياسي شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ إن غيابه يؤدي إلى اضطرابات سياسية واقتصادية تهدد كيان الدولة ومصالح مواطنيها. وقد ركزت العديد من الدراسات على العوامل المؤثرة في الاستقرار السياسي، مثل الأداء الاقتصادي، وتوزيع الثروة، والاستقرار الأمني والاجتماعي، بالإضافة إلى دور القيادة السياسية والمؤسسات[3].
الذكاء الاصطناعي في العلوم السياسية
الذكاء الاصطناعي هو مجال يهدف إلى تصميم أنظمة قادرة على محاكاة الذكاء البشري في معالجة المشكلات، واتخاذ القرارات. في مجال العلوم السياسية، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات السياسية الضخمة والمتنوعة، واستخراج الأنماط التي قد لا تكون واضحة للإنسان. تشمل هذه البيانات بيانات اقتصادية، واجتماعية، وسياسية تُجمَع من مصادر، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار، والتقارير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني.
كذلك، تشمل التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في العلوم السياسية تحليل النصوص باستخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتحليل الخطابات السياسية، والمنشورات الإعلامية، والتصريحات العامة. أيضًا، تُستخدم النمذجة التنبُئِية القائمة على التعلم الآلي لإنشاء نماذج قادرة على التنبؤ بالاضطرابات السياسية، استنادًا إلى بيانات تاريخية. فضلًا عن ذلك، يلعب تحليل الشبكات الاجتماعية دورًا مهمًا في دراسة الروابط بين الفاعلين السياسيين لفهم الديناميات السياسية الداخلية والخارجية.[4]
النماذج والطرق المستخدمة
تتعدد النماذج المستخدمة في توظيف الذكاء الاصطناعي لتنبؤ الاستقرار السياسي، ومن أبرزها:
1. نماذج التعلم الآلي التقليدية، مثل الانحدار اللوجستي والغابات العشوائية، التي تُستخدم لتحديد العلاقات بين المتغيرات السياسية. وتُعد أدوات شائعة لتحليل البيانات، واكتشاف العلاقات بين المتغيرات، بما في ذلك المتغيرات السياسية.
الانحدار اللوجستي: (Logistic Regression)
يُعد الانحدار اللوجستي أداة فعالة تُستخدم للتنبؤ بمتغير استجابي ثنائي، مثل التصويت لمصلحة، أو ضد قضية معينة، أو تقييم نجاح، أو فشل سياسةٍ ما. يتميز هذا النموذج بقدرته على تفسير العلاقة بين المتغيرات المستقلة، مثل المستوى التعليمي، والدخل، أو الانتماء الحزبي، وبين المتغير التابع. كما يوفر الانحدار اللوجستي معاملات واضحة يمكن تحليلها لفهم مدى تأثير كل متغير بشكل دقيق في النتائج.
في السياقات السياسية، يُستخدم هذا النموذج لتحليل سلوك الناخبين من خلال استكشاف العوامل التي تؤثر في قراراتهم في الانتخابات. بالإضافة إلى ذلك، يتم تطبيقه لدراسة العوامل المؤثرة في نجاح الحملات الانتخابية؛ حيث يتيح هذا النموذج فهم تأثير عناصر مختلفة، مثل الرسائل الدعائية أو استراتيجيات التواصل، في الجمهور المستهدف. فضلًا عن ذلك، يمكن للانحدار اللوجستي أن يكون أداة مهمة في قياس تأثير السياسات الحكومية في شرائح معينة من السكان، ما يُمكّن صناع القرار من اتخاذ قرارات مدروسة ومبنية على بيانات دقيقة.
الغابات العشوائية: (Random Forests)
تُعد الغابات العشوائية من النماذج المهمة، التي تُستخدم لتصنيف البيانات أو التنبؤ بالنتائج، خاصة عند التعامل مع مجموعة كبيرة ومتنوعة من المتغيرات. ويتميز هذا النموذج بقدرته الفائقة على معالجة البيانات المعقدة وغير الخطية؛ ما يجعله خيارًا مناسبًا لتحليل البيانات المتعددة الأبعاد. بالإضافة إلى ذلك، توفر الغابات العشوائية تقديرات دقيقة لأهمية كل متغير ضمن مجموعة البيانات؛ ما يساعد على فهم تأثير كل عامل في النتائج النهائية. كما أن هذا النموذج مقاوم للانحياز؛ حيث لا يتأثر بشكل مفرط بالمتغيرات الفردية؛ ما يعزز دقته وثباته في تقديم النتائج.
في السياق السياسي، تُستخدم الغابات العشوائية لتصنيف الناخبين، بناءً على بياناتهم الديموغرافية والسلوكية، ما يتيح فهمًا أفضل للتركيبة السكانية، التي تؤثر في الاتجاهات الانتخابية. كذلك، تُستخدم هذه النماذج في التنبؤ بنتائج الانتخابات، حيث تُسهم في تقديم تقديرات دقيقة حول نسب التصويت، بناءً على التحليل الشامل للبيانات. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الغابات العشوائية دورًا محوريًا في تحليل تأثير السياسات المختلفة في مناطق جغرافية متعددة، ما يساعد صنّاع القرار على تقييم فعالية السياسات، وتوجيه الموارد بطريقة أكثر كفاءة.
- مقارنة بين النموذجين:
الانحدار اللوجستي | الغابات العشوائية | العامل |
عالية | أقل نسبيًا | سهولة التفسير |
ضعيف | قوي | التعامل مع العلاقات غير الخطية |
منخفضة | عالية | المقاومة للضوضاء |
سريعة | أبطأ نسبيًا | سرعة التدريب |
2. الشبكات العصبية العميقة: (Deep Neural Networks)، التي تُستخدم لتحليل البيانات المعقدة واكتشاف الأنماط الخفية، وهي نماذج تعلم آلي متقدمة تُستخدم لتحليل البيانات الضخمة والمعقدة، وتُعد أداة قوية لاكتشاف الأنماط الخفية والتنبؤات الدقيقة في المجالات المختلفة، بما في ذلك العلوم السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، أثبتت نماذج التحويلات، وهي فئة فرعية من التعلم العميق، فعاليتها الكبيرة في إنشاء محتويات نصية، وصورية، وفيديوهية بشكل مستقل. وقد بدأت هذه التطورات تظهر تأثيراتها في المجال السياسي؛ حيث قد تسهم في تحليل الخطب السياسية، واستخراج المعلومات من النصوص، ما يفتح آفاقًا جديدة للتنبؤ بالتغيرات السياسية[5]. وتُستخدم الشبكات العصبية العميقة في العلوم السياسية لعدد من الأسباب، التي يمكن استعراضها كالتالي:
- التعامل مع البيانات الكبيرة وغير المهيكلة:
تتسم العلوم السياسية بإنتاج كميات ضخمة ومتنوعة من البيانات، بما في ذلك النصوص السياسية، مثل الخطابات والتغريدات والتقارير، بالإضافة إلى الصور مثل اللافتات السياسية والخرائط، وأيضًا البيانات السلوكية المتعلقة بسلوك الناخبين واتجاهات الرأي العام. تُظهر الشبكات العصبية العميقة كفاءة عالية في معالجة هذه الأنواع المتعددة من البيانات، ما يمكّنها من تحليل الأنماط الخفية، واستنتاج النتائج بشكل فعال.
- اكتشاف الأنماط المعقدة:
غالبًا ما تكون العلاقات بين المتغيرات السياسية معقدة وغير خطية؛ ما يجعل من الصعب اكتشافها باستخدام النماذج التقليدية. لكن الشبكات العصبية العميقة قادرة على التعرف على هذه الأنماط الدقيقة، واستيعاب العلاقات الخفية بينها؛ بفضل بنيتها المعقدة، وقدرتها على تحليل البيانات المتعددة الأبعاد.
- التنبؤ الدقيق:
تُستخدم الشبكات العصبية العميقة لتقديم تنبؤات دقيقة بشأن نتائج الانتخابات، وقياس التأييد للسياسات المختلفة، بالإضافة إلى رصد التغيرات السياسية والاجتماعية على المدى الطويل.
من الأمثلة العملية لهذه التطبيقات:
- تحليل النصوص السياسية: تعتمد الشبكات العصبية ونماذج التحويلات، مثل BERT أو GPT، على تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل النصوص السياسية. وتُستخدم هذه النماذج لتصنيف الخطاب السياسي إلى محافظ أو ليبرالي؛ للكشف عن الأخبار الزائفة والتضليل السياسي، وأيضًا لتحليل تغريدات السياسيين، واستنتاج استراتيجياتهم.
- تحليل الصور والفيديو: تُستخدم الشبكات العصبية الالتفافية (CNNs) لتحليل الصور والفيديوهات؛ بهدف التعرف على الرموز والشعارات السياسية، وفهم التفاعلات والخطابات السياسية المسجلة.
- النمذجة السلوكية: تُسهم الشبكات العصبية العودية (RNNs) في تحليل التسلسلات الزمنية لسلوك الناخبين، ما يُمكّن من التنبؤ بتحولات الرأي العام، وتحليل تأثير الأحداث السياسية في قرارات الناخبين.
- التنبؤ بنتائج الانتخابات: من خلال دمج البيانات الديموغرافية والاقتصادية والسلوكية، تتيح الشبكات العصبية العميقة تقديم تنبؤات دقيقة حول نسب التصويت وتحليل الاستبيانات بعمق وسرعة أكبر.
3. تقنيات التعلم غير الموجَّه (Unsupervised Learning)، يُستخدم التعلم غير الموجَّه عندما تكون البيانات غير مُعلَّمة، أي أنه لا توجد تصنيفات أو نتائج محددة مسبقًا. ويعتمد هذا النوع من التعلم على اكتشاف الأنماط أو المجموعات الكامنة في البيانات. أيضًا، تُستخدم هذه التقنيات في العلوم السياسية؛ لفهم العلاقات بين المتغيرات، وتصنيف البيانات دون الحاجة إلى تدخل بشري، وتتيح اكتشاف الفئات أو المجموعات دون الحاجة إلى بيانات مسبقة.
أهمية البيانات الضخمة
تلعب البيانات الضخمة دورًا محوريًا في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتحسين أدائها؛ إذ تتيح البيانات الشاملة والمحدَّثة للنماذج استخراج مؤشرات دقيقة حول العوامل المؤثرة في الاستقرار السياسي[6]. ومع ذلك، تواجه هذه البيانات تحديات تتعلق بالجودة، والتحيز، والخصوصية؛ لذا يصبح من الضروري تطوير تقنيات فعالة لمعالجة البيانات، وتحسين دقتها قبل استخدامها في النماذج التنبُئِية.[7]
دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي
يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين التنبؤ بالاستقرار السياسي من خلال توفير رؤى دقيقة وبيانات تحليلية شاملة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي توقع احتمالية وقوع احتجاجات أو أعمال عنف، بناءً على أنماط تاريخية ومؤشرات حالية. كما يُستخدم لدعم صنّاع القرار السياسي عبر توفير توصيات مبنية على تحليل معمق للبيانات المتاحة[8].
خامسًا- التحديات والفرص في استخدام الذكاء الاصطناعي:
1. التحديات التقنية
- نقص البيانات الموثوق بها
تُعد البيانات العنصر الأساسي لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، غالبًا ما تعاني البيانات السياسية نقصًا في الجودة والمصداقية. وتُواجه النماذج تحديات تتعلق بغياب بيانات موحدة وشاملة، خاصة في البلدان النامية، حيث تكون المعلومات السياسية غير متاحة أو تخضع للتلاعب. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون البيانات متقطعة أو تحتوي على تناقضات؛ نتيجة لطبيعة الأنظمة السياسية والقيود على حرية التعبير. يؤثر هذا النقص بشكل مباشر في دقة النماذج وقدرتها على تقديم تنبؤات موثوق بها.[9]
استُخدمت أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل الناخبين، وتوجيه الحملات الانتخابية بطرق مبتكرة، مثل تجربة Simulmatics في حملة جون كينيدي عام 1960 واستخدام Cambridge Analytica في حملة دونالد ترامب عام 2016، التي اعتمدت على بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي؛ لصياغة رسائل موجهة بدقة. وعلى الرغم من أن هذه الأدوات أظهرت قدرات مذهلة في استشراف السلوك السياسي، فإنها أسهمت أيضًا في زيادة الاستقطاب السياسي، وتراجع الثقة بالمؤسسات؛ ما يشكل تحديًا كبيرًا لاستقرار الأنظمة الديمقراطية[10].
- مشكلات التحيز في النماذج
يُعاني الذكاء الاصطناعي مشكلة التحيز التي قد تنشأ عن البيانات المستخدمة في تدريبه. وعندما تحتوي البيانات على تحيزات متعلقة بالجنس، والعرق، أو الأيديولوجيات السياسية، فإن النماذج قد تعكس هذه التحيزات بشكل يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة أو غير عادلة. وفي سياق التنبؤ بالاستقرار السياسي، يمكن أن يؤدي هذا التحيز إلى تضليل صنّاع القرار، وتفاقم الأزمات بدلًا من تخفيفها.[11]
فضلًا عن ذلك، تثير الحوكمة بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي مخاوف أخلاقية تتعلق بالشفافية والمساءلة، خاصة عندما يتم اتخاذ القرارات بشكل تلقائي. ولكي تكون الحوكمة بالذكاء الاصطناعي مشروعة سياسيًا، فمن الضروري التركيز ليس فقط على النتائج المحققة، وإنما أيضًا على كيفية هيكلة هذه الأنظمة، بما في ذلك معالجة التحيزات، وضمان توافقها مع القيم الديمقراطية[12].
2. التحديات الأخلاقية
- خصوصية البيانات
يتطلب تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الوصول إلى كميات كبيرة من البيانات الشخصية والسياسية، ما يثير قضايا تتعلق بخصوصية الأفراد والمجتمعات. وفي كثير من الحالات، تُجمَع البيانات من مصادر غير معلنة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يثير مخاوف حول الانتهاكات القانونية والأخلاقية. لذلك، يصبح تحقيق التوازن بين استخدام البيانات، والحفاظ على خصوصيتها تحديًا رئيسيًا.[13]
- الشفافية في التنبؤات
تُعرف نماذج الذكاء الاصطناعي، لاسيما تلك المعتمدة على التعلم العميق، بأنها “صناديق سُود”، نظرًا لصعوبة تفسير كيفية وصولها إلى نتائجها. وفي مجال التنبؤ بالاستقرار السياسي، تُثير هذه الخاصية مخاوف بشأن الشفافية والمساءلة. وإذا لم تكن العمليات التي أدت إلى التنبؤ واضحة ومفهومة، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض ثقة المستخدمين وصناع القرار بهذه الأدوات.[14]
3. الفرص
- تحسين دقة التنبؤ
يمتلك الذكاء الاصطناعي قدرة كبيرة على تحسين دقة التنبؤ، مقارنة بالطرق التقليدية. ومن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، واكتشاف الأنماط المعقدة، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم رؤى استباقية حول احتمالات وقوع أزمات سياسية، مثل الاحتجاجات أو الانقلابات. على سبيل المثال، أظهرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي قدرتها على التنبؤ باندلاع احتجاجات جماهيرية في العديد من البلدان.[15]
- الاستجابة للأزمات
يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين القدرة على الاستجابة للأزمات السياسية من خلال توفير تحليلات فورية تساعد على فهم الأوضاع، واتخاذ قرارات استراتيجية. ويمكن للنماذج التنبُئِية تحديد المناطق الأكثر عرضة للمخاطر السياسية، وتوجيه الموارد نحوها، ما يقلل من احتمالات التصعيد، ويزيد من كفاءة الاستجابة.[16]
- تعزيز القدرة على اتخاذ القرارات
يدعم الذكاء الاصطناعي صنّاع القرار من خلال تقديم معلومات تحليلية دقيقة وشاملة، ما يعزز من قدرتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة. ويمكن أن تُسهم أدوات الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز البشري وتوفير سيناريوهات مختلفة للتعامل مع الأزمات؛ ما يُمكّن القادة السياسيين من تقييم الخيارات المتاحة، واتخاذ إجراءات فعالة[17].
- التوازن بين التحديات والفرص
رغم التحديات التقنية والأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي، فإن الفرص التي يوفرها تفوق هذه التحديات، إذا تم التعامل معها بشكل صحيح. ومن خلال تطوير أطر قانونية وأخلاقية واضحة، وتحسين جودة البيانات المستخدمة، وتعزيز الشفافية في النماذج، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُصبح أداة فعالة لدعم الاستقرار السياسي عالميًا.
سادسًا- دراسة مسحية للأدبيات السابقة:
1. دراسة مسحية للأدبيات السابقة
تستعرض الدراسة، في هذا المقام، أبرز الدراسات البحثية في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي؛ إذ إن العديد من الدراسات ركزت على استخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي. من بين هذه الدراسات، يبرز عمل Goldstein and Pevehouse (2018)، الذي استخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) لتحليل التقارير الإخبارية الدولية. فقد ركزت الدراسة على تحليل النصوص لتحديد المؤشرات المبكرة للأزمات السياسية، مثل الاحتجاجات والانقلابات، وكانت نتائجها فعالة في التنبؤ بأحداث سياسية على المدى القصير.[18]
في دراسة أخرى، استعرض Cederman et al. (2017) استخدام الشبكات العصبية لتحليل الأنماط التاريخية للنزاعات العرقية والسياسية. أيضًا، استخدمت الدراسة بيانات تاريخية من عشرات البلدان لبناء نموذج قادر على التنبؤ باندلاع النزاعات، بناءً على عوامل مثل توزيع الثروة، والتمييز العرقي. وأظهرت النتائج قدرة عالية على التنبؤ بالنزاعات قبل حدوثها بفترات زمنية معقولة.[19]
كذلك، تناولO’Brien (2020) استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر بيانات رئيسي. وركزت الدراسة على كيفية استغلال البيانات النصية والصور لفهم الديناميات الاجتماعية والسياسية، وقدمت نموذجًا قادرًا على تحديد التصعيد السياسي، بناءً على لغة الخطاب العام.[20]
2. تحليل نتائج الدراسات السابقة
أ- طرق جمع البيانات وتحليلها
- استخدم Goldstein and Pevehouse البيانات الصحفية الدولية كمصدر رئيسي لتحليل المؤشرات السياسية. وعلى الرغم من أن النتائج كانت دقيقة نسبيًا، فإن الاعتماد الكبير على مصدر واحد قد يؤدي إلى تحيزات.
- Cederman et al. اعتمدا على بيانات تاريخية متعلقة بالنزاعات، ما أعطى النموذج عمقًا تاريخيًا، لكنه قد يفتقر إلى التنبؤ بالأحداث المفاجئة أو غير النمطية.
- O’Brien ركزت دراسته على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي مصدر غني وديناميكي، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالضوضاء في البيانات، وصعوبة التحقق من صحتها.
ب- النماذج والتقنيات المستخدمة
- اعتمدت معظم الدراسات على تقنيات التعلم الآلي التقليدية، مثل الانحدار اللوجستي، والشبكات العصبية العميقة.
- أظهرت الشبكات العصبية العميقة تفوقًا في اكتشاف الأنماط المعقدة في البيانات المتعددة المصادر. ومع ذلك، كانت تعاني مشكلات “الصندوق الأسود”، حيث يصعب تفسير قراراتها.
- استخدمت بعض الدراسات، مثل دراسة O’Brien، النماذج الهجين، التي تجمع بين التعلم التقليدي والتعلم العميق؛ لتحسين دقة النتائج وتقليل التحيز.[21]
ت- دقة التنبؤ
- كانت النماذج القائمة على بيانات الصحافة الدولية أقل دقة عند التعامل مع أزمات معقدة؛ بسبب التحيزات الإعلامية.
- أظهرت النماذج المعتمدة على البيانات التاريخية نتائج جيدة في التنبؤ بالنزاعات، لكنها كانت أقل كفاءة في التعامل مع الأحداث المفاجئة.
- تفوقت النماذج المعتمدة على وسائل التواصل الاجتماعي في التنبؤ بالأحداث القصيرة الأجل، لكنها كانت تواجه صعوبة في التنبؤ بالاتجاهات الطويلة الأجل.
3. الفجوات البحثية
- نقص الشمولية في البيانات
تركزت العديد من الدراسات على مصادر بيانات محددة، مثل الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى نقص في الشمولية. إن الجمع بين مصادر متعددة، مثل البيانات الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية، يمكن أن يُعزز من دقة النماذج.
- التحيز في النماذج
أظهرت معظم الدراسات وجود تحيزات ناجمة عن طبيعة البيانات المستخدمة. على سبيل المثال، قد تؤدي الأخبار الدولية إلى تحيزات جغرافية أو سياسية، فيما قد تحتوي وسائل التواصل الاجتماعي على ضوضاء وبيانات مضللة.
- محدودية التطبيقات في البيئات المتنوعة
ركزت معظم الدراسات على سياقات محددة، مثل البلدان النامية أو النزاعات العرقية. وهناك حاجة لدراسات أكثر شمولية تختبر فعالية النماذج في سياقات مختلفة ومتنوعة.
- التفسير والشفافية
رغم فعالية النماذج المستخدمة، فإن معظم التقنيات تُعاني مشكلات الشفافية، وصعوبة تفسير النتائج. وتُعد هذه المشكلة عائقًا أمام قبول الذكاء الاصطناعي كأداة موثوقٍ بها لدعم اتخاذ القرار السياسي[22].
- الاعتبارات الأخلاقية
تناولت قلة من الدراسات القضايا الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي. مثلًا، قد تُستخدم هذه النماذج لأغراض غير أخلاقية، مثل القمع السياسي، أو مراقبة النشطاء، وهو ما يستدعي وضع أطر أخلاقية لاستخدامها.
في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين عام 2023 كمثال حي على التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في السياسة. وقد استخدمت الفرق المتنافسة، خلال هذه الانتخابات، تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور وأفلام، بعضها للترويج، وبعضها الآخر لشن هجمات سياسية. وطلب سيرجيو ماسا، أحد المرشحين الرئاسيين، من فريقه إنتاج مقطع فيديو يُظهر منافسه خافيير مايلي وهو يشرح الإيرادات الافتراضية الممكنة من بيع الأعضاء البشرية، ويدعو الآباء إلى اعتبار إنجاب الأطفال استثمارًا طويل الأجل. وعلى الرغم من وضع تصنيف واضح بأن الفيديو تم إنشاؤه باستخدام الذكاء الاصطناعي، فإنه انتشر على نطاق واسع عبر المنصات دون إخلاء أي مسؤولية، ما أثار جدلًا واسعًا.
كذلك، أظهرت الحملات الانتخابية في الأرجنتين أن الصور والفيديوهات، التي تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن تصل إلى جمهور واسع؛ حيث حققت أكثر من 30 مليون مشاهدة. وعلى الرغم من ذلك، لم يمنع هذا الأمر من فوز مايلي، الذي وصف نفسه بأنه “رأسمالي فوضوي” يميني متطرف. ويسلط هذا المثال الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعي على التأثير الكبير في العمليات السياسية، لكنه يكشف أيضًا عن المخاطر الأخلاقية المتعلقة باستخدامه في التضليل أو التلاعب، ما يستدعي ضرورة وضع أطر تنظيمية؛ لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات[23].
وعليه، يمكن القول إن الأدبيات السابقة توفر أساسًا متينًا لفهم إمكانيات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي، لكنها تواجه تحديات تتعلق بجودة البيانات، والتحيز، والاعتبارات الأخلاقية. تشير هذه الفجوات إلى الحاجة إلى مزيد من الأبحاث التي تجمع بين مصادر بيانات متعددة، تُركز على الشفافية، وتُراعي الأبعاد الأخلاقية لاستخدام هذه التقنيات.
سابعًا- دور الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالاستقرار السياسي: مراجعة نقدية
أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تحسين التنبؤ بالاستقرار السياسي، خاصةً في الحالات التي تتطلب معالجة كميات كبيرة من البيانات، وتحديد الأنماط المعقدة. ومع ذلك، فإن هناك تحديات تعيق فعالية هذه التقنيات.
من جهة، تتيح أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) والتعلم الآلي، القدرة على تحليل بيانات ضخمة ومتشعبة بسرعة، ما يُمكّن صنّاع القرار من استباق الأزمات، واتخاذ إجراءات وقائية. على سبيل المثال، استُخدمت تقنيات تحليل النصوص في تقييم مستوى الخطاب السياسي في دول متعددة لتحديد احتمالية التصعيد أو الاحتجاجات.[24]
من جهة أخرى، تعتمد فعالية الذكاء الاصطناعي على جودة البيانات المُدخَلة، ومدى تمثيلها للواقع. وغالبًا ما تحتوي البيانات على تحيزات أو تكون غير مكتملة، ما قد يؤدي إلى تنبؤات غير دقيقة أو غير منصفة. بالإضافة إلى ذلك، تُعد مشكلة “الصندوق الأسود” في النماذج العميقة عائقًا رئيسيًا، حيث يصعب تفسير آلية اتخاذ القرار التي تعتمد عليها النماذج؛ ما يضعف الثقة بالنتائج[25]. ومن الأمثلة العملية على دراسات الحالات الخاصة بتنبؤ الاضطرابات السياسية في دول معينة ما يلي:
1. تنبؤ الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط
ركزت دراسة أُجريت على بيانات من وسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الإخبارية؛ لتحليل احتمالية اندلاع احتجاجات خلال “الربيع العربي”. وباستخدام الشبكات العصبية وتحليل النصوص، تم التنبؤ بارتفاع مستوى التوتر في مصر وتونس قبل وقوع الاحتجاجات الفعلية. ورغم نجاح النموذج في تحديد اتجاهات عامة، فإن الدقة الزمنية كانت محدودة، حيث توقعت الأزمات بفارق زمني يصل إلى شهرين.[26]
2. مراقبة التوترات في جنوب آسيا
في دراسة أخرى، استُخدمت نماذج تعلم آلي لتوقع احتمالية اندلاع نزاعات عرقية في الهند، بناءً على البيانات التاريخية، وتقارير الجرائم ذات الطابع العرقي. وأظهرت الدراسة قدرة على التنبؤ بمناطق محددة قد تشهد تصعيدًا؛ ما ساعد على توجيه الموارد الأمنية بشكل أكثر كفاءة. ومع ذلك، واجهت الدراسة تحديًا في التعامل مع البيانات المتعلقة بالعوامل الثقافية والسياسية، التي يصعب ترميزها رقميًا[27].
3. تحليل الاحتجاجات في أوروبا
في أوروبا، استُخدمت دراسة بيانات وسائل التواصل الاجتماعي لتحليل الاحتجاجات ضد إجراءات التقشف بعد الأزمة الاقتصادية في اليونان. واعتمدت الدراسة على تحليل نبرة المنشورات لتحديد مستوى الغضب الشعبي. ورغم أن النموذج كان دقيقًا في رصد تصاعد الاحتقان، فإنه لم يتمكن من التنبؤ بمدى انتشار الاحتجاجات بين شرائح مختلفة من السكان[28].
من المعتبر في هذا المقام مقارنة بين التنبؤات والنتائج الفعلية، حيث تُظهر الأمثلة أعلاه تباينًا في دقة التنبؤات، بناءً على طبيعة البيانات والمناهج المستخدمة. ففيما أظهرت النماذج قدرة عالية على توقع الاتجاهات العامة، مثل احتمالية وقوع احتجاجات أو نزاعات، فإنها كانت أقل كفاءة في تحديد التفاصيل الدقيقة، مثل التوقيت الدقيق، أو حجم الحدث.
- الدقة الزمنية: غالبًا ما تعاني النماذج تأخيرًا في التنبؤ، حيث تحتاج إلى وقت كافٍ لمعالجة البيانات، وتحديث النتائج.
- شمولية التغطية: تميل النماذج إلى التركيز على البيانات الرقمية القابلة للتحليل، مثل النصوص والإحصاءات، فيما قد تهمل العوامل النوعية، مثل الثقافة والسياسة.
- التفاعل بين العوامل: يصعب على النماذج التنبؤ بالنتائج في حالات تتداخل فيها عوامل متعددة، مثل الاقتصاد، والدين، والعرق؛ ما يجعل النتائج أقل شمولية.
وباستشراف المستقبل المحتمل المتصل بتحسين التنبؤات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في الاستقرار السياسي، يمكن تحقيق ما يلي:
1. تكامل البيانات المتعددة المصادر
لتعزيز دقة التنبؤات، يجب تطوير نماذج تجمع بين مصادر بيانات مختلفة، مثل البيانات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية. إن التكامل بين النصوص، الصور، وإشارات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يوفر رؤية أشمل وأكثر دقة حول الديناميات السياسية.[29]
2. زيادة الشفافية في النماذج
يُمكن تعزيز الثقة بالذكاء الاصطناعي من خلال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي القابلة للتفسير (XAI). تساعد هذه التقنيات على توضيح كيفية وصول النماذج إلى نتائجها، ما يسهّل على صنّاع القرار فهم الآليات، التي تعتمد عليها التنبؤات، وتجنب الأخطاء الناتجة عن تحيز النماذج[30].
3. الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الهجين
إن الذكاء الاصطناعي الهجين، الذي يجمع بين النماذج الإحصائية التقليدية وتقنيات التعلم العميق، يمكن أن يحقق توازنًا بين دقة التنبؤ وإمكانية تفسير النتائج. كما يمكن تعزيز هذه النماذج باستخدام تقنيات تعلم الآلة التكيفية، التي تُحدِّث نفسها، بناءً على بيانات جديدة[31].
4. استخدام الحوسبة الكمومية
تقدم الحوسبة الكمومية، التي بدأت في الظهور كمجال متقدم، إمكانيات هائلة في تسريع تحليل البيانات واكتشاف الأنماط. ومن المتوقع أن تُسهم هذه التقنية في تحسين دقة وسرعة التنبؤات المتعلقة بالاستقرار السياسي[32].
في النهاية، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يوفر أدوات فعالة لتحليل البيانات والتنبؤ بالاستقرار السياسي، لكنه يواجه تحديات تتعلق بجودة البيانات، والشفافية، وتعدد العوامل المؤثرة. ومع التقدم المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، ودمج مصادر بيانات متعددة، يمكن أن تتحسن دقة التنبؤات بشكل كبير؛ ما يُعزز من قدرة صنّاع القرار على الاستجابة للأزمات السياسية بشكل استباقي.
الخاتمة والتوصيات:
في النهاية، أثبت الذكاء الاصطناعي إمكانياته الواعدة في التنبؤ بالاستقرار السياسي من خلال تحليل البيانات الضخمة، واكتشاف الأنماط المعقدة التي يصعب على البشر ملاحظتها. وبفضل تقنيات معالجة اللغة الطبيعية، والتعلم الآلي، والنماذج التنبُئِية، تمكنت أدوات الذكاء الاصطناعي من تقديم تنبؤات دقيقة نسبيًا حول أحداث سياسية متعددة؛ مثل الاحتجاجات، والنزاعات العرقية، والأزمات الاقتصادية. ومع ذلك، أظهرت الدراسة مجموعة من التحديات التي تعيق تحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الأدوات، وتشمل نقص الشفافية في النماذج، والتحيزات الموجودة في البيانات المستخدمة، وعدم شمولية العوامل المؤثرة في التحليل.
بناءً على هذه النتائج، يمكن تقديم عدد من التوصيات لدعم الأبحاث المستقبلية، وتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، كما يأتي:
أولًا، يجب تحسين النماذج التنبُئِية المستخدمة من خلال تكامل مصادر البيانات المختلفة، بما في ذلك البيانات الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، إذ سيُسهم هذا التكامل في تعزيز شمولية التنبؤات ودقتها؛ ما يجعلها أكثر موثوقية وفاعلية. ثانيًا، تُعد الشفافية عنصرًا أساسيًّا لتعزيز الثقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لذلك يُوصَى باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي القابلة للتفسير (XAI) لتوضيح كيفية عمل النماذج، وتقديم رؤى واضحة حول أسباب اتخاذ قرارات معينة. ثالثًا، يُعد التعاون بين الباحثين والممارسين أمرًا ضروريًا لتطوير نماذج تلبي الاحتياجات الواقعية. ومن خلال إقامة شراكات بين الأكاديميين، والحكومات، والمنظمات الدولية، يمكن تحسين جودة البيانات المستخدمة، وتطبيق النماذج بفعالية في مختلف المواقف.
أما فيما يتعلق بآفاق البحث المستقبلي في مجال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالاستقرار السياسي، فهناك مجالات عدة تستحق الاهتمام: أولًا، يجب معالجة التحديات الأخلاقية المرتبطة باستخدام هذه التقنيات، مثل قضايا الخصوصية، والتحيز، والشفافية. ويمكن أن تركز الأبحاث المستقبلية على تطوير أطر أخلاقية شاملة تضمن الاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ثانيًا، هناك حاجة لتطوير تقنيات متقدمة، مثل الحوسبة الكمومية والتعلم العميق المتقدم، التي يمكنها تحسين سرعة التنبؤات ودقتها. وسيُسهم هذا التطوير في تحليل البيانات الضخمة بصورة أكثر كفاءة وفعالية. ثالثًا، يجب توسيع نطاق الدراسات لتشمل مناطق جغرافية متنوعة، وسياقات سياسية مختلفة. ستتيح مثل هذه الدراسات فهمًا أعمق لديناميات الاستقرار السياسي؛ ما يُثري الأبحاث، ويُسهم في تحقيق نتائج أكثر شمولية ودقة.
خلاصة القول؛ يُعد الذكاء الاصطناعي أداة قيمة للتنبؤ بالاستقرار السياسي، لكنه ليس حلًا مثاليًا. وتتطلب الاستفادة القصوى من إمكانياته تحسينَ النماذج، وتعزيز الشفافية، والتعاون بين الفاعلين في هذا المجال. ويمكن أن تُسهم الأبحاث المستقبلية في تجاوز التحديات الحالية، ودفع حدود ما يمكن تحقيقه باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق.
[1] Samuel P. Huntington, Political Order in Changing Societies (New Haven: Yale University Press, 1968).
[2] Andreas Kaplan and Michael Haenlein, “Siri, Siri, in My Hand: Who’s the Fairest in the Land? On the Interpretations, Illustrations, and Implications of Artificial Intelligence,” Business Horizons 62, no. 1 (2019): 15.
[3] Huntington, Political Order in Changing Societies, Op Cit, 6.
[4] Kaplan and Haenlein, “Siri, Siri, in My Hand: Who’s the Fairest in the Land?” Business Horizons 62, no. 1 (2019): 15-25.
[5] Jungherr, Andreas. 2023. “Artificial Intelligence and Democracy: A Conceptual Framework.” Social Media + Society 9 (3). https://doi.org/10.1177/20563051231186353.
[6] Daniel W. Drezner, “The AI Revolution and International Politics: Why States Will Build AI Armies,” Foreign Affairs 98, no. 3 (2019): 56.
[7] Trevor Hastie, Robert Tibshirani, and Jerome Friedman, The Elements of Statistical Learning: Data Mining, Inference, and Prediction (New York: Springer, 2009): p 11.
[8] Viktor Mayer-Schönberger and Kenneth Cukier, Big Data: A Revolution That Will Transform How We Live, Work, and Think (Boston: Houghton Mifflin Harcourt, 2013), p 20.
[9] Viktor Mayer-Schönberger and Kenneth Cukier, Ibid, p 25.
[10] Lepore, Jill. 2024. “The Artificial State.” The New Yorker, November 4, 2024. https://www.newyorker.com/magazine/2024/11/11/the-artificial-state.
[11] Solon Barocas, Moritz Hardt, and Arvind Narayanan, Fairness and Machine Learning (FairMLBook.org, 2019), p 31.
[12] Erman, Eva, and Markus Furendal. 2022. “Artificial Intelligence and the Political Legitimacy of Global Governance.” Political Studies 72 (2): 421–41. https://doi.org/10.1177/00323217221126665.
[13] Zeynep Tufekci, “Big Data: How Artificial Intelligence Can Predict Revolutions,” Foreign Affairs 95, no. 6 (2016): 8-12.
[14] David Gunning, “Explainable Artificial Intelligence (XAI): Challenges and Opportunities,” Defense Advanced Research Projects Agency (DARPA), 2017.
[15] Jennifer Pan, “How Social Media Moderates Political Protests,” American Political Science Review 115, no. 1 (2021): p 121.
[16] Steven Feldstein, The Rise of Digital Repression: How Technology Is Reshaping Power, Politics, and Resistance (Oxford: Oxford University Press, 2021), p 44.
[17] Andreas Kaplan and Michael Haenlein, “Siri, Siri, in My Hand: Who’s the Fairest in the Land?” Business Horizons 62, no. 1 (2019): 15.
[18] Goldstein, Joshua, and Jon Pevehouse, “Predicting Political Crises Using International News Analysis,” International Studies Quarterly 62, no. 4 (2018): 731-748.
[19] Cederman, Lars-Erik, Nils B. Weidmann, and Kristian Skrede Gleditsch, “Predicting Ethnic Conflict Using Machine Learning,” Journal of Peace Research 54, no. 1 (2017): 19-36.
[20] O’Brien, Sean, “Artificial Intelligence and Political Risk Analysis: Social Media as a Data Source,” World Politics 72, no. 2 (2020): 224-260.
[21] Hastie, Tibshirani, and Friedman, The Elements of Statistical Learning.
[22] Gunning, David, “Explainable Artificial Intelligence (XAI): Challenges and Opportunities,” DARPA, 2017.
[23] Polishchuk, Alla. 2024. “AI Poses Risks to Both Authoritarian and Democratic Politics.” Wilson Center. January 26, 2024. https://www.wilsoncenter.org/blog-post/ai-poses-risks-both-authoritarian-and-democratic-politics.
[24] Goldstein, Joshua, and Jon Pevehouse, “Predicting Political Crises Using International News Analysis,” International Studies Quarterly 62, no. 4 (2018): 732.
[25] Gunning, David, “Explainable Artificial Intelligence (XAI): Challenges and Opportunities,” DARPA, 2017.
[26] O’Brien, Sean, “Artificial Intelligence and Political Risk Analysis: Social Media as a Data Source,” World Politics 72, no. 2 (2020): 224.
[27] Cederman, Lars-Erik, Nils B. Weidmann, and Kristian Skrede Gleditsch, “Predicting Ethnic Conflict Using Machine Learning,” Journal of Peace Research 54, no. 1 (2017): 19.
[28] Pan, Jennifer, “How Social Media Moderates Political Protests,” American Political Science Review 115, no. 1 (2021): 121-140.
[29] Mayer-Schönberger, Viktor, and Kenneth Cukier, Big Data: A Revolution That Will Transform How We Live, Work, and Think (Boston: Houghton Mifflin Harcourt, 2013).
[30] Barocas, Solon, Moritz Hardt, and Arvind Narayanan, Fairness and Machine Learning (FairMLBook.org, 2019).
[31] Hastie, Tibshirani, and Friedman, The Elements of Statistical Learning.
[32] Nielsen, Michael A., Quantum Computation and Quantum Information (Cambridge: Cambridge University Press, 2010).