Insight Image

سقوط “إخوان المغرب” في انتخابات 8 سبتمبر.. كيف ولماذا؟

16 سبتمبر 2021

سقوط “إخوان المغرب” في انتخابات 8 سبتمبر.. كيف ولماذا؟

16 سبتمبر 2021

مقدمة:

شهد المغرب خلال الثامن من شهر سبتمبر الجاري عملية انتخابية جمعت لأول مرة بين الانتخابات البرلمانية (مجلس النواب)، والانتخابات الجماعية (البلدية)، وانتخابات مجالس الجهات (المحافظات)، وهي المرة الأولى من نوعها التي تجتمع فيها هذه الانتخابات بهذا الشكل، بالإضافة إلى أنها تأتي أيضاً في ظل ظروف استثنائية تبعاً للتدابير المرتبطة بالحد من تفشي وباء كوفيد 19، إضافة إلى كونها ثاني انتخابات تنظمها البلاد بعد إقرار دستور العام 2011.

وتميزت انتخابات هذا العام، بالإضافة إلى الظروف التي نُظِّمت فيها، بالهزيمة المدوية التي تلقاها “حزب العدالة والتنمية” ذو الأصول الإخوانية، حيث حصل في البرلمان على 13 مقعداً فقط، مقارنة بحصوله على 127 مقعداً خلال الولاية التشريعية الماضية، ما جعل الحزب يتراجع إلى الموقع الانتخابي الذي بدأ به منذ عام 1997، حيث كان قد حصل على 14 مقعداً نيابياً.

وتحاول هذه الورقة معالجة أهم العوامل التي تسببت في خسارة حزب العدالة والتنمية موقعه الانتخابي الذي شغله منذ انتخابات عام 2011 حين استغل الحزب ظروف الاحتجاجات التي شهدها المغرب مع “حركة 20 فبراير”. فبعد نحو عشر سنوات من هذه الحركة تعرض الحزب لخسارة فادحة، فيما فاز غريماه اللدودان، حزب التجمع الوطني للأحرار بـ102 مقعد، وحزب الأصالة والمعاصرة بـ87 مقعداً[1].

 

أولاً: مفارقة “القاسم الانتخابي”:

تعود جذور حزب العدالة والتنمية إلى العام 1967 حينما حدث انشقاق داخل حزب الحركة الشعبية، قاده الأب الروحي للإخوان لمسلمين في المغرب عبدالكريم الخطيب، مؤسساً حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. وفي العام 1996، احتضن الخطيب مساعي حركة التوحيد الإصلاح، المنبثقة عن الوحدة التنظيمية لكل من جمعية الإصلاح والتجديد وجمعية رابطة المستقبل الإسلامي، لتأسيس حزب سياسي بإمكانه المشاركة في الانتخابات، حيث فتح لها أبواب حزبه، لتدخل باسمه غمار انتخابات العام 1997، قبل أن يتحول ذلك الحزب إلى تسمية “العدالة والتنمية”، مع حلول العام .1999

غير أن الحزب الذي سرعان ما احتل المرتبة الرابعة في الانتخابات البرلمانية عام 2002، ثم الثانية في مثيلتها للعام 2007، وصولاً إلى تصدره نتائج العام 2011، وقد ظل الحزب منذ عام 2002 يشكو من كونه مكبلاً بكم من الإجراءات القانونية التي تؤطر العملية الانتخابية، والتي لطالما اعتبر أنها تحد من إمكانياته الانتخابية “الجبارة”، وفي مقدمتها مسألة “التقطيع الانتخابي”، أي ضبط حدود الدوائر الانتخابية، التي لطالما أثارها[2]، حيث إن المعايير الديمغرافية والجغرافية التي كانت تعتمدها وزارة الداخلية لم تكن ترضي الحزب الإخواني، وكان يجدها مجحفة في حقه، خصوصاً في المدن الكبرى والمتوسطة، والتي يوجد بها خزانه الانتخابي.

وفي حين اعتمد حزب العدالة والتنمية على موقف من “التقطيع الانتخابي” مبني على تكتيك انتخابي غايته تحسين موقع الحزب من الحصيلة الانتخابية، شأنه في ذلك شأن أحزاب أخرى[3]، عملت الديناميات المؤسسية المغربية منذ العام 2011 على اتباع سبيل إصلاحات قانونية مهمة تبدأ بتحويل قانون الأحزاب إلى قانون تنظيمي، وتدخل تعديلاً مهماً على قانون الانتخابات، بما في ذلك معايير “التقطيع الانتخابي”[4]، وذلك على النحو الذي جعل الحياة السياسية في البلاد تسير نحو مزيد من التطور، خاصة لجهة الملاءمة أكثر بين التعددية الحزبية والسياسية التي اختارها المغرب منذ الاستقلال، وبين قوانين المنظومة الانتخابية التي تلائمها، من نمط اقتراع نسبي وقانون للأحزاب ومعايير أكثر دقة وعقلانية للتقطيع الانتخابي.

بيد أن اللافت في الأمر أن حزب العدالة والتنمية، وكما استفاد من تلك الإصلاحات خلال العقد الماضي، كان هو نفسه الحزب الأكثر رفضاً للمزيد من الإصلاحات، خصوصاً فيما يتعلق بإقرار طريقة أفضل لاحتساب المقاعد، بالشكل الذي يمنح فرصاً متكافئة وعادلة لجميع الأحزاب، سواء أكانت أحزاباً كبيرة أم صغيرة، وذلك عبر تعديل آلية القاسم الانتخابي (يسمى أيضاً المعدل الانتخابي أو الحاصل الانتخابي)، والذي على أساسه يتم توزيع المقاعد المتنافس حولها من خلال احتساب عدد الأصوات التي تمكّن حزباً معيناً من الحصول على مقعد في المجلس المنتخب، بحيث تجري قسمة عدد الناخبين المسجلين بكل دائرة انتخابية على عدد المقاعد المخصصة لها، بينما يتم توزيع المقاعد الباقية حسب قاعدة أكبر البقايا، وذلك بمنحها للوائح الانتخابية التي تتوفر على الأرقام القريبة من القاسم المذكور. وهكذا جعلت التعديلات الجديدة من القاسم الانتخابي ممثلاً في عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية بدل الاعتماد على عدد الأصوات المعبر عنها كما كان يتم في السابق[5]، وذلك بالرغم من أن هناك بعض الأحزاب مَن كان يطالب باعتماد عدد الكتلة الناخبة، وليس عدد المسجلين فقط.

المفارقة الغريبة تكمن في أن حزب العدالة والتنمية الذي عارض هذه التعديلات بشدة، وبرغم التصويت بالأغلبية الذي حظيت به في البرلمان المغربي، فإنها هي نفسها التي أنقذته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ومكنته من الحصول على 13 مقعداً؛ لأنه لو لم تكن تلك التعديلات لما تمكن من الحصول على ذلك العدد. فقبيل الانتخابات كان الحزب يعتبر نفسه صاحب الأكثرية الناخبة ويمتلك قوة انتخابية ضاربة، متغافلاً أن خزانه الانتخابي قد نضب بسبب السياسات الاجتماعية التي أمعن في تطبيقها خلال السنوات العشر الماضية، خصوصاً سياسات التعليم والتقاعد والزيادات في الأسعار والمحروقات.

يبدو إذن أن حزب العدالة والتنمية كغيره من حركات وأحزاب الإخوان المسلمين في العالم العربي، قد تمسك بالأطروحة القاتلة، المتمثلة في تهميش قيم الديمقراطية والاعتناء فقط بإجراءاتها[6]، دون الانتباه إلى أن هذه الإجراءات تتطور مع مرور الوقت، ولا يكون لها في البناء المؤسسي الديمقراطي من معنى إذا لم تكن خادمة لروح الديمقراطية، وكما تتغير المواقع ضمن الخرائط الانتخابية، فإن من شأن تلك الإجراءات إذا كانت منبثقة عن قيم الديمقراطية، أن تحمي جميع الأحزاب والتيارات، سواء صغر حجمها أو كبر؛ وهو ما يجعل هذه المحطة الانتخابية تعطي درساً ديمقراطياً كبيراً للإخوان، سواء على صعيد المغرب أو المنطقة والعالم.

 

ثانياً: ضمور الأيديولوجيا:

لقد كان وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة منذ بداية العام 2012، عقب حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية للعام 2011، مرتبطاً بسياق جيوسياسي إقليمي مشحون، ساهمت في جعله كذلك كل من تركيا وقطر، عبر تدخلاتهما في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، وما رافق ذلك من عملية ضخ إعلامي كثيف قامت به قناة الجزيرة، وهو ما صنع مزاجاً انتخابياً متقبلاً لتوجهات الإسلام السياسي في معظم البلاد العربية التي توجد بها تنظيمات للإخوان المسلمين، خصوصاً تلك التي كانت في حالة مهادنة مع المؤسسات السياسية قبيل اندلاع أحداث ما سُمي بـ”الربيع العربي”.

لكن ذلك السياق الإقليمي لم يستمر على حاله؛ ففي المغرب تعمل البُينات الاجتماعية والثقافية والتجربة الديمقراطية للبلاد على “تفكيك” كل التأثيرات الإقليمية والدولية التي تفد على البلاد، ومن ثم فقد تعرض وجود إخوان العدالة والتنمية المغربي لعملية هضم بطيء من طرف المجتمع، خصوصاً وأنهم تمسكوا طويلاً بشعارات من قبيل “مكافحة الفساد”، والزعم بوجود جيوب مقاومة لهم، وكل ذلك ترافق مع الهرع الذي بدا على قيادات الحزب نحو تكديس مغانم التواجد في السلطة، وتزامن أيضاً مع التمسك بخطاب أيديولوجي فج ساهم فيه إلى حد بعيد الأمين العام السابق ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، وبلغ مداه مع تقلد السياسي المغربي إلياس العماري لمنصب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة خلال العام 2015، وما تلا ذلك من إعلاناته المتكررة أنه جاء لمحاربة الإسلاميين[7].

ومن ناحية ثانية، فإن التنابز الأيديولوجي الفج الذي بلغ أوجه بين حزبي “العدالة والتنمية” و”الأصالة والمعاصرة”، وصولاً إلى اندلاع احتجاجات مدينة الحسيمة المغربية[8]، في أكتوبر من العام 2016، قد وضع حزب العدالة والتنمية في الزاوية، وأدخله في قلب تمرين قاس، حيث بات الناخبون المغاربة على بينة من البون الشاسع بين الخطاب الأيديولوجي المملوء بمزاعم التآمر على الحزب الإسلامي وادعاء الطهرانية ووصم الخصوم بأقبح النعوت، وبين واقع السياسات الاجتماعية التي يدافع عنها الحزب، وفي مقدمتها تلك التي تسببت في نضوب خزانه الانتخابي، وخاصة أنه يعول كثيراً على فئات رجال ونساء التعليم والمتقاعدين وقسم من أقسام الطبقة الوسطى في المدن، وهي الفئات التي تضررت كثيراً من برامج الحزب، كاعتماد التعاقد في توظيف أساتذة التعليم، وفرض نظام الاختبارات في التوظيف على العاطلين من حاملي الشهادات العليا، ورفع سن التقاعد، والتسبب في غلاء الأسعار عبر إصلاح صندوق الدعم (المقاصة)، وغيرها.

لقد تسبب ذلك الواقع في انكشاف غير مسبوق للحزب الإسلامي، ومنذ تلك الفترة وهو يتراجع، خصوصاً بعدما فشل زعيمه السابق عبد الإله بنكيران في تشكيل حكومة غداة تكليفه بتشكيلها، ليخلفه منذ بداية العام 2017 سعد الدين العثماني، في رئاسة الحكومة، ثم في قيادة الحزب، ومن ثم بدأت إخفاقات الحزب تتدحرج بسبب ضعف الكفاءة التواصلية للزعيم الجديد، وصولاً إلى تفكك الأغلبية الحكومية وما تبع ذلك من ظروف اقتصادية تسبب فيها انتشار وباء كورونا مع بداية العام 2020، خصوصاً في قطاعات السياحة والخدمات، لتزداد المسألة الاجتماعية إلحاحاً، ويتوارى الخطاب الأيديولوجي أكثر خلف الأولويات الملحة.

وعلى صعيد آخر، فقد وجد خطاب العدالة والتنمية ذو الملمح الأيديولوجي نفسه مرة أخرى أمام ضعف شديد حيال خطاب السياسات العمومية، والبرامج الحكومية الدقيقة، خصوصاً بعد المبادرات الملكية التي تزامنت مع ظروف وباء كورونا، سواء فيما يتعلق بإستحداث صندوق خاص لمواجهة تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، أو فيما يتعلق بالدعوة إلى مراجعة نموذج التنمية الذي اعتمدته البلاد خلال العقود الماضية، وهي الأبعاد الذي التقطها منافسو حزب العدالة والتنمية وفي مقدمتهم حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث عمل على صياغة برنامجه الانتخابي على نحو دقيق، مركزاً على وعود انتخابية “ذكية” وقابلة للقياس، وأكثر إجرائية وعملية.

وبالمقابل استمر حزب العدالة والتنمية في صوغ خطابه الدعائي خلال انتخابات العام 2021 على المنوال التقليدي ذاته، بحيث تمسك بالسعي إلى النيل من حزب التجمع الوطني للأحرار، عبر الزعم بكونه يستعمل المال غير المشروع من أجل استمالة الناخبين، وهي دعاية لم تكن تمتلك أسانيد وحججاً من شأنها أن تجر حزب الأحرار إلى القضاء فقط، بل إنها أيضاً جاءت بنتائج عكسية، حيث كانت بمثابة دعاية غير مباشرة للتجمع الوطني للأحرار، فقد تحول النقد المبالغ فيه للخصوم دعاية لهم، كما يشير إلى ذلك علم الاتصال السياسي، خصوصاً عندما يكون الجمهور أصلاً ممتعضاً من حامل تلك الدعاية ومنتجها، كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.

 

ثالثاً: التواصل الاجتماعي ونظافة الحملات الانتخابية

كان الأسلوب الذي اتبعه حزب العدالة والتنمية في إدارة حملته الانتخابية سبباً آخر في الخسارة التي تعرض لها، إذ اكتفى الحزب بالاعتماد على وسائل تواصلية تقليدية مثل الحصص التلفزيونية، في ظل عدم قدرته على استخدام وسائل أخرى، مثل المهرجانات الخطابية وتنظيم الولائم، بسبب تدابير البلاد لمواجهة وباء كورونا؛ ما جعل الحزب يفقد الكثير من الأساليب التي كان يستخدمها في استمالة الناخبين.

في المقابل تميزت الحملة الانتخابية التي نظمها حزب التجمع الوطني للأحرار بالاعتماد الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك عبر إنتاج عشرات المقاطع المصورة باحترافية عالية، والصور عالية الجودة، والنصوص التي تفسر البرنامج الانتخابي، إضافة إلى التفاعل مع أسئلة الناخبين وانتقاداتهم[9].

ويعود الاهتمام بإدارة الحملة الانتخابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدى حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى الفئة الكبيرة من رجال الأعمال والمهندسين وخبراء التواصل التي يمتلكها الحزب، بحيث استقطب قسماً مهماً منها خلال السنوات الماضي، وبلغ الأمر مداه مع التحاق عدد من المشاهير ونجوم التلفزيون والسينما بالحزب، في سابقة من نوعها، حيث تم تأسيس “فدرالية الفنانين التجمعيين”، وهي تنظيم حزبي موازٍ يضم عدداً من الممثلين والممثلات، بحيث تمكنت إحداهن، وهي الممثلة فاطمة خير، من الفوز بمنصب مقعد برلماني، وهو ما أعطى للحزب دفعة قوية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت الذي راهن فيه حزب العدالة والتنمية على الأساليب التقليدية، فإن معظم قياداته تعرضوا لموجات من النقد اللاذع من عدد من المواطنين في الأحياء الشعبية، إضافة إلى انفضاض الناخبين عن آخرين منهم لتظهر تجمعاتهم ضئيلة الأعداد[10]، وانعكس ذلك ببالغ الأثر على الصور التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما أعطى الانطباع بأن حزب العدالة والتنمية أدار حملة فاشلة، لم تتمكن من استثمار ظروف وباء كوفيد 19 التي ربطت بقوة بين الناخبين وبين وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه كان من شأن اعتماد حزب التجمع الوطني للأحرار عليها أن يجذب قطاعاً عريضاً من الشباب إلى الاقتناع بجدوى التصويت، وهو ما يفسر ارتفاع نسبة التصويت خلال تلك الانتخابات.

 

رابعاً: ردود الأفعال والمآلات

فور إعلان وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، للنتائج الانتخابية، والتي كانت معظم التقديرات لا تتوقع أن يحل حزب العدالة والتنمية في تلك المرتبة المتدنية، بادر الحزب إلى التفاعل معها باستقالة جماعية لأعضاء أمانته العامة، معتبراً في بيان أصدره لهذا الغرض أن “نتيجة الانتخابات غير مفهومة وغير منطقية”، ومندداً بما اعتبره “خروقات عرفتها الانتخابات”، وهي الخطوة التي يمكن أن تتم قراءتها باعتبارها تأكيداً للطبيعة الانتهازية التي اتسم بها قياديو الحزب، خصوصاً وأن لهفتهم على التمسك بمغانم المناصب الوزارية تكاد تعادل تهافتهم على القفز من الحزب عقب خسارته الفادحة، بحيث لم يعد هناك من داع بالنسبة إليهم للوجود فيه، وموازاة مع ذلك لجأ بعض قياديي الحزب إلى استعادة الحديث عن “ثورة وشيكة”[11]؛ ما يعد هروباً إلى الأمام وتبييضاً لسجل الأخطاء المرتبكة، فمَن فشل في إقناع المواطنين بالتصويت لصالح حزبه، كيف له أن تكون لديه أية مصداقية لكي يقنع أحداً بفكرة “الثورة”.

وربط حزب العدالة والتنمية بين فشله الانتخابي وبين ما اعتبره استعمالاً للمال الانتخابي تارة، والقاسم الانتخابي تارة أخرى، في حين يعتبر المتتبعون للشأن الانتخابي المغربي أن ما تم هو عبارة عن تصويت عقابي مازال حزب العدالة والتنمية لم يهضمه.

 من جهة أخرى كان الإخوان المسلمون خارج المغرب ينتظرون النتيجة فقط لكي يقدّروا الوضع على أنه “إسقاط ناعم” لتجربتهم في الحكم، وذلك بالرغم من الدوافع المحلية الكافية لكي يضعف الحزب انتخابياً ويرسم مسار سقوطه بنفسه، حيث إن مجرد الزعم بكون الحزب قد تم تحميله شعبياً وزر سياسات اجتماعية لم يكن مسؤولاً عنها، هو زعم خاطئ؛ لأن كل تلك السياسات كانت محط دفاع مدروس من طرف إخوان العدالة والتنمية طوال السنوات العشر الماضية، بل وبسببها تصدعت علاقاتهم مع فرقاء آخرين.

وبعد يومين من إعلان النتائج استقبل الملك محمد السادس زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وكلفه بتشكيل الحكومة وفقاً لما ينص عليه الدستور المغربي؛ ما يجعل مسألة التحالف الحكومي مفتوحة على سيناريوهات من أبرزها أن تلتئم الأحزاب الثلاثة الأولى، أي حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، إضافة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزبي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، وهو السيناريو الذي سيجعل الأمر رهيناً بعودة تحالف متخم بعدد كبير من الأحزاب، ما سينعكس على كل الحكومة وعدد الحقائب الوزارية، ولاسيما بعد أن كانت الحكومة السابقة قد توجهت في آخر تعديل لها لتقليص تلك الحقائب، وبالمقابل سيجعل فضاء المعارضة ضعيفاً، تشغله فقط الأحزاب الصغيرة، إضافة إلى حزب العدالة والتنمية، والذي ترجح بعض الأوساط أن معارضته ستكون كيدية وانتقامية، وحزب التقدم والاشتراكية القريب منه، والذي يرجَّح أنه سيمضي في خلافاته مع حزب التجمع الوطني للأحرار.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في تشكيل الحكومة من أحزاب التجمع والحركة والاتحاد الدستوري، وتخيير أحد الأحزاب الثلاثة، الأصالة والمعاصرة والاستقلال والاتحاد الاشتراكي للذهاب نحو المعارضة، حيث ترغب هذه الأحزاب جميعها في الدخول إلى الائتلاف الحكومي. ولاشك أن خروج أحدها إلى المعارضة من شأنه أن يمنح الحياة السياسية معارضة قوية وبناءة؛ وذلك لضمان قدر من التوازن في العمل البرلماني للبلاد.

وتمتد التكهنات نحو طيف واسع من القضايا والاستحقاقات التي تنتظر تشكيل تلك الحكومة، وفي مقدمتها معالجة الأضرار الاقتصادية لوباء كورونا، وتفعيل مقتضيات البرنامج التنموي الجديد، ورأب الصدوع التي تركتها تدابير حكومتي العدالة والتنمية السابقتين، ولاسيما فيما يتعلق بمجالات التشغيل والتعليم والصحة.

 

خامساً: رؤية مستقبلية للتنظيمات الإخوانية:

لاشك في أن الهزيمة الكبيرة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية سيترتب عليها بعض التداعيات السلبية، سواء بالنسبة لإخوان المغرب أو لجماعات الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي عموماً في المنطقة.

فعلى مستوى الداخل المغربي، فقد طوى الناخبون المغاربة صفحة “الإخوان” بشكل سيبعدهم عن العمل السياسي المؤثر حتى داخل البرلمان، بما أن وجودهم في المعارضة خلال السنوات المقبلة لن يكون قوياً لقلة مقاعدهم، وكذلك لإمكانية وقوعهم في تناقض معارضة سياسات كانوا قد باشروها[12]، فضلاً عن سجلهم الصدامي مع التنظيمات الحزبية الأخرى.

وفيما يرى فريق من الباحثين أن حزب العدالة والتنمية ممثل الإخوان في المغرب، لن يختفي ويمكنه العودة من جديد إذا جاء بقيادة جديدة والتزم الشروط الحزبية والمبادي الأخلاقية في العمل السياسي، رأى فريق أكبر أن الحزب لن يستطيع العودة لتصدر المشهد السياسي حتى ولو استرجع بعض قواه[13]. ويؤكد هذا الفريق أن عودة إخوان المغرب لإشعاعهم الشعبي السابق على المدى القريب بات صعباً، ولاسيما أن المرحلة السابقة التي أدار فيها حزب العدالة والتنمية الشأن العام والشأن المحلي، كانت مكلفة جداً للمغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، حيث راكم خلالها عدة اختلالات ومشاكل عمقتها جائحة كورونا.

وفي تقديرنا أن الخرجات الإعلامية الأخيرة للأمين العام السابق للحزب، عبدالإله بنكيران، تصب في اتجاه بعث الحياة من جديد في أوساط الحزب، اعتماداً على كاريزميته المهمة داخل الحزب وداخل قاعدته الشعبية الإسلامية، وعبر خطاب شعبوي يعود بالهزيمة إلى شخصية الأمين العام المستقيل سعدالدين العثماني.

أما فيما يتعلق بتداعيات هزيمة حزب العدالة والتنمية المغربي على جماعات الإخوان المسلمين وتنظيمات الإسلام السياسي الأخرى في المنطقة، فيرى فريق من الباحثين أن هذه الهزيمة ستؤثر على مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة وبخاصة على الأحزاب والتنظيمات التي كانت تعتبر ‘العدالة والتنمية’ نموذجاً للإسلام السياسي الوسطي الذي حافظ على استقراره.

ولا شك في أن هزيمة “العدالة والتنمية” تمثل ضربة قوية للحركات “الإخوانية” في المنطقة عموماً وتأتي في سياق التحولات التي شهدتها منذ سقوط حكم الإخوان في مصر، حث يؤكد السقوط المدوي للحزب الإدراك المتزايد لدى شعوب المنطقة لمحاسبة الإخوان المسلمين في ضوء التباين الواضح بين وعودهم وما حققوه على أرض الواقع من إنجازات بدت ضعيفة وغير مقبولة من قبل هذه الشعوب.

ولا يعبر وقع هزيمة إخوان المغرب فقط عن سوء تدبير للشأن العام بل يمتد أيضاً إلى فضح المنطلقات الأيديولوجية والفكرية للتنظيمات الإخوانية كلها، فقد كشفت تجارب هذه التنظيمات في الحكم، سواء في مصر أو السودان أو تونس وأخيراً المغرب، أنها لا تملك أي قدرات لإدارة شؤون البلاد، وأن ما كانت تتباهى به من أفكار وأيديولوجيا إنما هي مجرد شعارات براقة استغلتها من خلال توظيف الدين لتحقيق مكاسب سياسية.

 

خاتمة:

لقد كان سقوط حزب العدالة والتنمية مرتهناً لسياقات محلية خاصة، ومن بوابة عملية سياسية ديمقراطية مستقرة، سِمُتها الأساسية إصرار البلاد ومؤسساتها على تبني سبل التداول السلمي للسلطة، ولم يكن ذلك ممكناً من دون نضج الممارسة الديمقراطية المغربية، موازاة مع نضج الثقافة السياسية لدى قسم مهم من الناخبين. وعلى صعيد آخر، فإنه كما كان السياق الإقليمي سبباً في تكوين مزاج انتخابي عام سهل ظفر إخوان المغرب بالسلطة، فإن التكلفة التي دفعتها دول مثل مصر وليبيا وهي تكافح مساعي التغوُّل الإخواني قد أسقطت القناع عن ذلك المشروع، وجعلته منكشفاً حيال الرأي العام العربي، وهو ما جعل كلاً من تونس والمغرب تُسقِطان المشروع ذاته من بوابة العمل السياسي، حيث التكلفة أقل، وحيث التورط العدائي للإخوان المسلمين في البلدان المذكورة قد جعلها أكثر انكشافاً، إضافة إلى ما جنته تنظيمات الإخوان على نفسها بسبب سياساتها الاجتماعية لدى حضورها في السلطة، وبسبب دفعها العمل السياسي نحو الجشع الشخصي والعنجهية والتصلب حيال التعدد السياسي والثقافي.

 

المراجع:

[1] . “وزارة الداخلية المغربية تعلن تفاصيل نتائج الانتخابات التشريعية”، https://www.youtube.com/watch?v=Qir6jNI6etQ

[2] . عبداللطيف بروحو، بشأن صراع الداخلية والأحزاب حول التقطيع الانتخابي، https://www.pjd.ma/node/1417

[3] . محمد زين الدين، التقطيع الانتخابي بالمغرب: بين المنظور القانوني.. والفعل السياسي، جريدة الاتحاد الاشتراكي، 5 أكتوبر 2011.

[4] . تراجع النصوص التالية:

  • القانون التنظيمي رقم 11.59 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعية الترابية الصادر بتاريخ 21 نوفمبر2011 ، الجريدة الرسمية، العدد 5997 مكرر.
  • القانون رقم 11.57 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملة الانتخابية والاستفتائية، الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 2011 ،الجريدة الرسمية، العدد 5991 .
  • القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 2011 ، الجريدة الرسمية، العدد 5989 .

[5] . انظر: مدونة الانتخابات، صيغة محينة، موقع المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، 5 إبريل 2021، https://bit.ly/2YOL3c8

[6] . عبدالفتاح نعوم، القاسم الانتخابي.. الشجرة التي أخفت عداء الإخوان للديمقراطية، سكاي نيوز عربية، 20 إبريل 2021، https://cutt.us/Ef8Yh. راجع أيضاً: عبدالفتاح نعوم، المروع الإسلامي/الديمقراطي بين القيم والإجراءات، موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 27 يناير 2016، https://bit.ly/2VG7oHG

[7] . العماري ومحاربة الإسلاميين، https://www.youtube.com/watch?v=wnWBN3WxICg.

[8] . عبدالفتاح نعوم، حزب الأصالة والمعاصرة يواجه الضغوط، نشرة صدى، مركز كارينغي للسلام للعالمي، 8 سبتمبر 2017.

[9] . راجع صفحات الحزب على مواقع التواصل الاجتماعي.

[10] . ظهر ذلك مع حملات كل من سعد الدين العثماني في تيزنيت، ومصطفى الخلفي في الجديدة، والآزمي الإدريسي في فاس، وعبدالله بوانو في مكناس.

[11] . مثال ذلك في تدوينة كتبها القيادي عبدالعزيز أفتاتي على صفحته الفيسبوكية.

[12] . إسماعيل عزام، انتخابات المغرب.. لماذا مُني “العدالة والتنمية” بخسارة تاريخية؟ دويتشه فيله، 9 سبتمبر 2021، https://bit.ly/3nvHq5j

[13] . المصدر السابق.

المواضيع ذات الصلة