Insight Image

سيناريوهات الحرب في أوكرانيا.. بين التصعيد ووقف الحرب

20 يناير 2022

سيناريوهات الحرب في أوكرانيا.. بين التصعيد ووقف الحرب

20 يناير 2022

مع استمرار الاستفزازات الكلامية بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى، تختلف المواقف على الساحة الدولية بشأن هذه الاستفزازات، وما ستؤول إليه الأمور جراء هذه الحرب. وصف مسؤولون من كلا الجانبين التوتر في العلاقات بين موسكو وواشنطن والغرب بأنه الأسوأ، منذ الحرب العالمية الثانية.

فاستمرار المعارك في أوكرانيا، مع تواصل الدعم لسلطات كييف من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يجعل المشهد برمته أمام سيناريوهات عدة:

احتمالية أن تحسم روسيا الحرب بضربات موجعة تشل البنية التحتية الأوكرانية:

يعتمد هذا السيناريو على تصعيد روسيا من عملياتها العسكرية، وزيادة القصف العشوائي المدفعي والصاروخي في مختلف المناطق بأوكرانيا. ويرجح هذا السناريو أيضًا شن القوات الجوية الروسية، التي شهدنا دورًا لها في الأيام الأخيرة عبر غارات مدمرة، وتعرض المؤسسات الأوكرانية الرئيسة إلى هجمات إلكترونية واسعة. على الرغم من المقاومة الشرسة، إلا أن خبراء عسكريين يرجحون سقوط كييف خلال أيام، إذا أرادت موسكو ذلك فعلًا. ويتضمن هذا السيناريو عزل الحكومة الأوكرانية، واستبدالها بأخرى موالية للنظام في موسكو.

 ويرجح هذا السيناريو أن الرئيس زيلينسكي إما أن يُغتال، أو أن يهرب لتشكيل حكومة في المنفى. والرئيس بوتين يعلن النصر ويسحب بعض قواته، تاركًا ما يكفي منها للسيطرة على الأوضاع. آلاف اللاجئين يواصلون الهروب غربًا.. هذا التصور ليس مستحيلًا، ولكنه مرتبط بعدد من العوامل؛ منها فترة أمد الحرب وتصعيد أكثر يستنزف جميع الأطراف، والعامل الآخر يتمثل في تداعيات هذه الخطوة على المستوى الداخلي والخارجي في روسيا نفسها، وفي الداخل الأوكراني. وقد ينجح بوتين في تغيير النظام في أوكرانيا بعد حملته العسكرية، خصوصًا في ظل عدم استيعاب الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات خطورة الموقف.

احتمالية استمرار الحرب لوقت طويل:

من المحتمل أن يتطور هذا النزاع إلى حرب طويلة الأمد. فقد تجد القوات الروسية نفسها غارقة في الوحل، بسبب تحطم معنوياتها أو ضعف معداتها، أو فشل في إدارة المعركة. وما لاحظناه من استبدال لقائد العمليات العسكرية في أوكرانيا بآخر جديد، سيرغي سوروفيكين، أكثر حنكة في مثل هذا النوع من المعارك، هو دليل على وجود خلل في الخطة العسكرية منذ بدايتها. وقد تستغرق القوات الروسية وقتًا أطول في السيطرة على المدن، التي تشهد معارك عنيفة. ومع استمرار القتال قد يتسبب بحصار طويل الأمد، حتى وإن تمكنت القوات الروسية من دخول المدن الأوكرانية، فإنها قد تجد صعوبة في إحكام السيطرة عليها. وقد لا تستطيع روسيا توفير العدد الكافي من القوات، لفرض وجودها في بلاد بهذا الحجم مساحة. إذن فروسيا تكتفي بفرض سيطرتها بالكامل على شرق أوكرانيا، والحفاظ على الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا إليها. لكن الأمر ليس سهلًا، خصوصًا مع مواصلة بريطانيا والولايات المتحدة والغرب إمداد الأوكرانيين بالأسلحة والذخيرة. وربما تتغير القيادة السياسية في موسكو بعد سنوات، فتغادر القوات الروسية أوكرانيا، مثلما حدث لها في 1989 في أفغانستان.

احتمالية انتقال الحرب إلى أوروبا:

قد يسعى بوتين إلى استعادة أجزاء من الإمبراطورية الروسية السابقة، فيرسل قواته إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، مثل مولدوفا وجورجيا، وهما ليستا في حلف الناتو. وقد يكون الأمر مجرد تصعيد وحسابات خاطئة. وقد يعلن بوتين أن إمداد الغرب لأوكرانيا بالأسلحة عدوان يتطلب الرد. فقد يهدد بإرسال قواته إلى دول البلطيق التي هي في حلف الناتو، مثل لتوانيا، وفتح ممر أرضي إلى الجيب الروسي الخارجي الساحلي كالينينغراد. فمن بين الظروف، التي تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الناتو، استفزاز الأخير للدب الروسي واحتمالية انخراط قوات الناتو مع القوات الأوكرانية، والمشاركة في المعارك. وخير دليل على ذلك المناورات النووية الأخيرة من كلا الجانبين، وهو ما تحذر منه روسيا مرارًا وتكرارًا؛ حيث إنه إذا حصلت بالفعل مواجهة مباشرة، فإن نتائج ذلك ستكون خطيرة وقد تؤدي إلى حرب عالمية. وسيكون هذا الأمر بالغ الخطورة.

تنص المادة الخامسة من ميثاق التكتل العسكري على أن أي اعتداء على عضو واحد في الحلف، هو اعتداء على جميع الأعضاء. ولكن بوتين قد يجازف بذلك، إذا رأى أنه السبيل الوحيد الذي، يضمن له البقاء في السلطة وبقاء كيان روسيا كدولة. وبشأن التهديد بالنووي، يشكك أغلب المحللين في أن يعني هذا استعمالها المرجح أو الوشيك. ولكنه تذكير بأن العقيدة الروسية تسمح بالاستعمال التكتيكي للأسلحة النووية في ساحة المعركة، وهو ما دعا إليه زعيم جمهورية الشيشان رمضان قديروف.

احتمالية أن ينتج عن المفاوضات حل دبلوماسي:

بالرغم من استمرار الحرب، إلا أن الحوار متواصل عبر أطراف دولية؛ بعضها أخذ دور الوساطة لوقف التصعيد وإنهاء الحرب، إلا أن استمرار تزويد سلطات كييف بالأسلحة يؤزم الوضع. وتبقى فرص استئناف حوار جدّي مرهونة بتقدم دول فاعلة للوساطة بين موسكو وكييف، من أجل إيقاف الحرب والخروج بحلول ترضي الطرفين، وعدم الانجرار إلى إملاءات واشنطن والغرب، الذي للأسف يسهم في تأجيج الوضع واستمرار الحرب. مع تأكيد دبلوماسيين أن الغرب يواصل استشعار مواقف موسكو. كما أن المسؤولين الروس والأوكرانيين أحدثوا مفاجأة، عندما التقوا لإجراء محادثات على الحدود مع بيلاروسيا في بداية الحرب. وإن كانت المحادثات لم تحقق أي تقدم، فإن بوتين على الأقل قَبِل باحتمال التفاوض على وقف إطلاق النار. واتهم بوتين واشنطن بتدخلها وإملاءاتها على زيلينسكي، لإيقاف المفاوضات بين الروس والأوكرانيين. السؤال الأساسي المطروح هو:  هل العقوبات الغربية سترتد على أصحابها؟ وهذا الأمر بات واضحًا في مجال النفط والغاز والقمح إلخ. وما يحصل الآن من احتجاجات في العواصم الأوروبية، قبل دخول الشتاء، دليل على أن الأوضاع في أوروبا لا تبشر بخير. إذن من مصلحة الجميع اللجوء إلى لغة الحوار.

وفي الوقت نفسه يشاهد المسؤولون الأوكرانيون التدمير المتواصل لبلادهم، ويقتنعون بأن التنازلات السياسية أفضل من الدمار وزهق الأرواح. فيتدخل الدبلوماسيون ويتوصلون إلى اتفاق. يقبل الأوكرانيون مثلًا بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم، وعلى أجزاء من إقليم دونباس. وفي المقابل يقبل بوتين باستقلال أوكرانيا، شرط عدم انضمامها إلى الناتو. هذا لا يبدو مرجحًا، ولكن ليس من المستبعد أن يخرج مثل هذا الاتفاق من رحم الأنقاض، التي تركها النزاع الدموي.

الولايات المتحدة والغرب يسعون إلى الإطاحة بنظام بوتين:

بحسب خبراء، يبدو هذا الأمر بعيدًا عن التصور. ولكن العالم تغير في الأيام الأخيرة، ومثل هذه الأمور يجري التفكير فيها فعلًا، خاصة خصوم بوتين ومن يدعمهم داخليًا وخارجيًا. ما يثبت هذه الفرضية تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، الذي اقترح اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قائلًا في مقابلة مع محطة “إل بي سي نيوز” الإذاعية البريطانية: إن الولايات المتحدة قد تغتال بوتين، إذا لجأ إلى استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا.

السيناريو الأرجح في الميدان:

قد يكون الانسحاب الجزئي للقوات الروسية هو تكتيك بإعادة ضبط الإمساك بزمام تفاصيل المعركة، والبقاء على الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا، باعتبار أن حرب الشوارع لا تتسق مع حرب نظامية يقودها جيش. فقد تكون روسيا مقبلة على سيناريو جديد يتوافق مع حرب العصابات والشوارع، تختلط فيه الأوراق وتكون حربًا استنزافية بين عصابات، وليس بين جيش ومقاومة شعبية مع تزايد دعم المقاومة الشعبية بمرتزقة. فالأرجح، قد يقوم الروس بدعم جماعات مسلحة تواجه وتشتبك مع المقاومة والمرتزقة. وقد يبدأ سيناريو حرب الميليشيات المفتوح، وفي مثل هذه الحال أوكرانيا وأوروبا ستُستنزَفان أكثر من روسيا.

استنتاج

خلاصة هذه السيناريوهات أيًا كانت، فإن العالم سيتغير بعدها. لكن ذلك سيأخذ وقتًا طويلًا بل سنوات، ولن يعود إلى ما كان عليه من قبل. فعلاقة روسيا بالخارج ستكون مختلفة. وسيكون تعامل الأوروبيين مع القضايا الأمنية مختلفًا. فقد اكتشف النظام الدولي حقيقة البناء الهش والتناقضات والازدواجية في المواقف، الأمر الذي يؤكد حتمًا تغير النظام العالمي. ولن يكون هناك قطب واحد يتحكم في العالم، بل سيحصل توازن في ميزان القوى الدولي، في حال لم ينتج عن الصراع الروسي الأوكراني حرب عالمية. ولعدم نشوب تلك الحرب المدمرة، يحتاج من العقلاء التحرك الفوري وأخذ دور الوساطة، بين بوتين وزيلينسكي، لوقف الحرب وإنهاء هذه اللعبة الخطرة.

المواضيع ذات الصلة