Insight Image

سينرجي.. القوة الناعمة كمحرك للدبلوماسية الخليجية

07 أغسطس 2023

سينرجي.. القوة الناعمة كمحرك للدبلوماسية الخليجية

07 أغسطس 2023

بداية، أعتذر للقارئ الكريم عن عدم تعريب “لفظ” مصطلح Synergy وذلك ليس لافتقار اللغة العربية إلى مكافئ للمصطلح وهو (التعاضد)، وأعتذر مرة أخرى أن يُظن أنى أخطأت في حق لغة أعتز بها، لكن أجد العذر في قابلية التوظيف لخدمة العنوان. وإذا أردنا استعارة تفسير للمصطلح من قاموس كامبريدج مثلًا، فإنه “حاصل اندماج عنصرين أو أكثر في إنتاج مكون جديد يتجاوز في خصائصه مكونات مُركباته الأساسية”.

وكذلك هو الحال في عالم العلاقات الدولية من منظور العلاقات الثنائية أو المتعددة (ثلاث دول أو أكثر)، ولنقرأ المشهد الإقليمي من واقع استقطابه لثقل دول مركزية انطلاقًا من زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للسعودية، إلى آخر زائريها الرئيس التركي أردوغان. فهذا الاستقطاب الدولي والإقليمي جاء حصيلة تحول في النموذج الإقليمي، وركيزة ذلك التحول هو “اتفاق العلا”، وإن تعذر على البعض (إقليميًّا ودوليًّا) إدراك أبعاد ذلك، والأمثلة كثيرة.

فمن جانبه أكد “اتفاق العلا”، الذي وقعته دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر، على تحقيق التعاون والترابط والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات. وذكر الإعلان نقاطًا لتعزيز العمل الخليجي المشترك، شملت استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وبلورة سياسة خارجية موحدة، بما فيها متطلبات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ومنح مواطني دول المجلس الحرية في العمل والتنقل والاستثمار والمساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز التكامل العسكري لمواجهة التحديات المستجدة، انطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك، ومبدأ الأمن الجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي.

كما ترتب على اتفاق العلا العديد من النتائج، التي انعكست بالإيجاب على المنطقة عامة، وعلى دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، والتي من بينها تسوية الخلافات الخليجية-الخليجية، وطي صفحة الماضي، وإعادة العلاقات الأخوية والدبلوماسية إلى طبيعتها المعهود، والتي تقوم على روح الأخُوّة والمحبة والتكامل، بل والاندماج في كثير من الأحيان، وإعادة الروح إلى مؤسسات مجلس التعاون الخليجي، هذا من ناحية.

ومن ناحية ثانية، تنسيق المواقف الخارجية؛ الأمر الذي أجبر القوى الإقليمية والدولية على مراعاة مصالح دول مجلس التعاون في أغلب الملفات الدولية. كما أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل سعت أغلب الدول الكبرى إلى دول مجلس التعاون من أجل تفعيل العلاقات فيما بينها، والعمل على التنسيق المشترك حول العديد من القضايا التي تخص المنطقة، بعد أن كانت تلك الدول تتصرف منفردة بغض النظر عن المصالح الحيوية والاستراتيجية للوحدات الدولية المكونة لهذا الإقليم.

ويضاف إلى ذلك، فإن اتفاق العلا عمل على تهيئة الأجواء لإتمام العديد من المصالحات الإقليمية، مثل المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران وبين البحرين وإيران، وأيضًا بين تركيا والدول العربية، الأمر

الذي يؤكد صدق نوايا دول مجلس التعاون التي تسعى دومًا إلى إقرار وتحقيق الأمن والاستقرار، وتمد يد التعاون إلى كل القوى المحبة للسلام. كما أثبت هذا الاتفاق على القوة التأثيرية الضخمة التي تمتلكها دول الخليج في مجريات الأحداث العالمية، وأيضًا داخل المؤسسات الدولية المتعددة الأطراف، السياسية منها والاقتصادية.

وقد باتت دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قبلة للعديد من القوى الدولية التي تسعي إلى طي خلافاتها أو نزاعاتها، حيث نجحت الدولتان في اختراق الصراع الروسي-الأوكراني من خلال عملية نجاح أو عملية تبادل الأسرى بينهما. كما تستضيف السعودية الآن مشاورات دولية للتوصل إلى اتفاق سلام عادل وشامل بينهما.

واللافت للنظر أن دول مجلس التعاون تستخدم الدبلوماسية بنوعيها، الصلبة والناعمة، ليس فقط لتحقيق حالة الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة بل لتحصينها أيضًا من التدخلات الخارجية المعيقة لاستمرار حالة الهدوء والسلام، وضد الدول التي تسعى لعودة تأجيج الصراع مرة أخرى عبر أذرعها من دول أو أحزاب وجماعات متطرفة.

وهنا، يمكننا الجزم بالقول إن الدبلوماسية أو القوى الصلبة والناعمة التي تستخدمها دول مجلس التعاون الخليجي ساعدت بشكل كبير على وقف تدخلات القوى الكبرى التي بدأت تدرك جيدًا أن دول المجلس لديها رؤيتها وأدواتها الخاصة التي تستطيع من خلالهما تحقيق الأمن الإقليمي الجماعي بمنأى عن وساطات أو تدخلات خارجية، وكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خير مثال على ذلك، حيث أكدت تلك الزيارة القدرة والرغبة الجماعية في فتح صفحة جديدة من العلاقات الخليجية التركية، وتجاوز اختلافات وجهات النظر حول بعض الملفات من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، ومواجهة الأزمة الإنسانية التي تمر بها تركيا بعد الزلازل المدمر الذي ألم بها مؤخرًا.

الدبلوماسية في حالتيها الصلبة واللينة تمثلان نوايا أو موقفًا، وفي نفس الوقت نوافذ لأبعاد أخرى، ففي حين تتمثل الأولوية خليجيًا في تحصين حالة الاستقرار وتوسيع نطاقه سياسيًا (جغرافيًا)، فإن منظور بعض حلفاء المنطقة، الولايات المتحدة مثلًا، ينطلق من مناظير حزبية (سياسة محلية). ولنقس على ذلك مثلًا قابلية أو فرضية تبادل الاعتراف السياسي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل دون احتساب تكلفة ذلك القرار إقليميًا، عربيًا أو إسلاميًا. وكذلك القراءات الصادرة من واشنطن عن سياسات الطاقة السعودية، أو ما يعظم من تباينات أمريكية-سعودية، حيث انهالت الانتقادات الأمريكية على السعودية على أثر قرار أوبك بلس بتخفيض الإنتاج دونًا عن الدول الأعضاء الآخرين في المنظمة النفطية، واعتبر الأمريكان قرار خفض إنتاج النفط “عملًا عدائيًا” ضد الولايات المتحدة ومنحازًا إلى روسيا من خلال ملء خزائنها بالبترودولار أثناء شنها حربًا على أوكرانيا، وأعلن نواب ديمقراطيون في الكونجرس وشخصيات في دوائر صنع القرار بواشنطن، عن إمكانية مراجعة صفقات التسلح ما بين السعودية والولايات المتحدة، ردًّا على قرار تخفيض الإنتاج النفطي،

وكذلك لوّحت بقانون نوبك، (قانون نوبك وهو الاختصار الإنجليزي لعبارة No Oil Producing and Exporting Cartels هو مقترح مشروع اقتُرح عام 2007 داخل أروقة الكونغرس لمناقشته ومنذ ذلك الوقت والجدل يتجدد بين الفينة والأخرى حوله). ويهدفُ مشروع القرار أو مشروع القانون إلى إزالة حصانة الدول المصدّرة للنفط أوبك بالإضافة إلى باقي شركات النفط الوطنية، وهو الأمر الذي فجر أزمة غير مسبوقة في طبيعة العلاقات السعودية-الأمريكية التي كانت توصف بالحيوية والاستراتيجية. وردًا على التهديد الأمريكي، أبدت دول أوبك بلس، ولاسيما الدول العربية، في بيانات متفرقة دعمها وتضامنها للمملكة العربية السعودية في قرار خفض الإنتاج النفطي، فعلى سبيل المثال أكد بيان الخارجية العراقية أن قرار أوبك يعبر عن رؤية فنية مرتبطة باستقرار أسواق النفط ومتطلباته وتنظيم عملية العرض والطلب وحماية مصالح المنتجين والمستهلكين، مع رفض أي سياسة هادفة إلى التهديد أو الضغط، و”ندعم موقف أوبك ولاسيما موقف السعودية الشقيقة”.

إن نقاط التوافق الخليجي وحاصل جملة تحولاتها هو ما يُفتقر إلى فهمه في بعض العواصم العالمية، وربما نتحمل نحن بعض إثم ذلك، وكذلك الإخفاق في توظيف سرديات قد ثبت فشلها، مثل اعتداءات 11 سبتمبر، في استهداف المملكة العربية السعودية.

إن الدبلوماسية الناعمة (بكل أدواتها) أو الشعبية (الاتصال أو التواصل غير الرسمي بين الأفراد والمؤسسات) باتت أهم محركات الدبلوماسية الخليجية، وتوجد إرادة إقليمية Regional Agency مقتدرة على تمثيل مصالحها، وقادرة على تحصين مكتسباتها، ومنتمية للثقافة الإنسانية؛ الأمر الذي يعد تجسيدًا لما عبر عنه الكاتب الأمريكي جوزيف ناي عندما وضع مصطلح القوة الناعمة، والذي يُقصد بها القدرة على الوصول إلى الأهداف المرسومة من خلال قوة الإعجاب التي نتحلى فيها في عيون الآخرين، أو الصداقات التي نملكها، والمصالح المشتركة التي تربطنا بهم. وبعبارة أخرى، فإن القوة الناعمة هي القدرة على جعل الآخرين يريدون بأنفسهم ما نريده طوعًا، عن طريق قوة الإعجاب، وجعل اختياراتنا قدوة جذابة بالنسبة إليهم.

وأخيرًا، يمكننا القول إن اتفاق العلا ضيق هوامش التباينات الداخلية إلى أدنى حدودها، ومن ثم علينا الاستثمار في تعظيم مساحة التوافقات عبر مشاريع من شأنها تحفيز المزيد من الاستقطابات القائمة على تكامل المصالح أو تطابقها، وكذلك استمرار البنّاء على مكاسب الدبلوماسية بكل أدواتها، وأهمها الآن القوة الناعمة Soft Power والشعبية Public Diplomacy.

المواضيع ذات الصلة