يشهد العالم في عام 2025 سنَةً مليئةً بالتغيرات والتحديات الكبرى، حيث تتداخل الأزمات الجيوسياسية مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية لتشكل واقعًا جديدًا. ومن المتوقع أن يكون هذا العام نقطة تحوّل حاسمة في العديد من الملفات الاستراتيجية، ولاسيّما الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط وأوروبا. وفي الوقت نفسه، تتسارع الجهود لتحقيق توازن جديد في النظام العالمي، مع بروز قوى صاعدة تسعى لتعزيز نفوذها ومواجهة السياسات التقليدية للدول الكبرى.
ويتناول هذا التقرير أبرز الملفات السياسية والاستراتيجية لعام 2025، بما في ذلك التحولات في النظام الدولي، والصراعات المستمرة، والتطورات التكنولوجية، وقضايا المناخ، والصحة العالمية. كما يستقرئ تأثير عودة ترامب على المشهد العالمي، وما قد يعنيه ذلك على صعيد إعادة تشكيل توازن القوى الدولية، حيث سيكون عام 2025 اختبارًا لقدرة النظام الدولي على مواجهة الأزمات، وتكيّف الفاعلين العالميِّين مع واقع جديد مليء بالتغيرات.
أولًا- الولايات المتحدة: قرارات حاسمة وتغيرات جيوسياسية
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2025، من المتوقع أن تنتهج الولايات المتحدة سياسة خارجية تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في العالم. وسيكون على ترامب اتخاذ قرارات صعبة بشأن العلاقات مع روسيا والصين، وهما المحوران الرئيسيان في السياسة الخارجية الأمريكية.
وفيما يتعلق بروسيا، قد يسعى ترامب إلى إبرام صفقة “الأرض مقابل السلام” في أوكرانيا، التي تتيح وقف إطلاق النار مقابل تنازلات إقليمية من جانب كييف وضمانات أمنية غربية لها. ولكنّ قضية الضمانات الأمنية الغربية لمنع الهجمات الروسية مستقبلًا ستظل العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق سلام أكثر ديمومة؛ لأنّ أوكرانيا تريد الالتحاق بالناتو.[1] وعلى أي حال، فإنّ الصفقة المحتملة لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية عام 2025 سوف تؤثر تأثيرًا كبيرًا على التوازن الأمني في أوروبا؛ ولذا قد تواجه هذه الصفقة، أو أي محاولة أمريكية لإشراك روسيا في هيكل الأمن الأوروبي، مقاومةً شديدة من النخب السياسية الأمريكية، وحلف الناتو.
وبالنسبة للصين، قد تعتمد إدارة ترامب استراتيجيةً مزدوجة: فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية؛ الأمر الذي يعزز النزعة الحمائية الأمريكية، وفي الوقت نفسه محاولة التفاوض على صفقة كبرى. وهذه الصفقة قد تتضمن تخفيف الدعم لتايوان، مقابل أن تستخدم الصين نفوذها على روسيا لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وهذه السياسة قد تُحدِث استقرارًا مؤقتًا في العلاقات بين القوى الكبرى، لكنها قد تثير غضب الحلفاء الآسيويين مثل اليابان وكوريا الجنوبية، الذين يعتمدون على الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة.
والسياسات المقترحة تعكس منهج ترامب “أمريكا أولًا”، لكنها قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات الداخلية والخارجية، وإعادة تشكيل التحالفات العالمية. وسيكون التحدي الرئيسي هنا هو تحقيق توازن بين مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية وضغوط الحلفاء والمعارضة الداخلية؛ لذا سيكون عام 2025 اختبارًا لمرونة النظام الدولي في مواجهة تغييرات غير مسبوقة.
ثانيًا- التحولات في النظام الدولي: نحو تعدّدية قطبية جديدة
يشهد العالم منذ سنوات عملية إعادة تشكيلٍ للنظام الدولي أحادي القطبية، بدأت بتحوله من طبيعته الجامدة إلى الطبيعة المرنة (نظام غير متركز القوة Deconcentrated Unipolar System) منذ الأزمة الاقتصادية العالمية (2008-2009).[2]
وثمّة اتفاق واسع بين الخبراء والممارسين على أنّ النظام الدولي الراهن يتجه إلى التعددية. ففي ظل تراجع مطّرد في دور وربما قدرة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة، من المتوقع أن تواصل القوى المتحدّية والصاعدة، مثل الصين وروسيا والهند وغيرها، تشكيل النظام العالمي والدفع باتجاه نظام تعددي؛ مما يؤدي إلى إعادة توزيع القوة، والتأثير على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
فالصين تعمل على ترسيخ موقعها كقوة عالمية من خلال استراتيجيات متكاملة، أبرزها مبادرة “الحزام والطريق”، التي تربط العشرات من الدول عبر شبكات بنية تحتية وتجارية ضخمة. ودعمها لسياسات اقتصادية تركز على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة يعزز من مكانتها، كما أن وجودها العسكري المتزايد في بحر الصين الجنوبي يزيد من احتمالات المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة.
والهند بدورها تسعى إلى تحقيق توازن مع صعود الصين عبر استراتيجيات إقليمية ودولية. وهي تستثمر في تعزيز قدراتها العسكرية واقتصادها الرقمي، بالإضافة إلى توثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان ضمن إطار التحالف الرباعي (QUAD) لاحتواء النفوذ الصيني في منطقة الإندوباسيفيك.
ولا شك أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض سيكون لها تأثير كبير على التحولات في النظام الدولي، خصوصًا في سياق التوجه نحو التعددية القطبية. فترامب معروف بنهجه غير التقليدي في السياسة الخارجية؛ مما قد يسرّع من إعادة تشكيل النظام العالمي. وتتميز سياسات ترامب بالتركيز على “أمريكا أولًا”؛ مما يعني تقليل الالتزامات الدولية، والانكفاء نحو الداخل. ومن المتوقع أن تُضعف توجهات إدارته الجديدة التحالفات التقليدية، مثل الناتو؛ بسبب انتقاداته المستمرة لدور الولايات المتحدة في تحمّل العبء المالي لهذه المنظمات. وقد يؤدي هذا إلى فراغ في القيادة الغربية؛ مما سيتيح لقوى متحدّية أو صاعدة مثل الصين وروسيا تعزيز نفوذها. وفي الوقت نفسه، قد تكون سياسة ترامب تجاه الصين أكثر تصعيدًا، حيث من المتوقع أن يعزز القيود الاقتصادية والتكنولوجية عليها؛ مما سيؤدي إلى زيادة التوتر بين القطبين الاقتصاديين. وهذه المنافسة قد تُشكّل محور التحولات في النظام العالمي، مع احتمال انحياز دول أخرى إلى أحد المعسكرين؛ مما يعزز الاستقطاب.
وبالرغم من الفوائد المحتملة لنظام متعدد الأقطاب، مثل توزيع أكثر عدالة للقوة، فإن المخاطر تبقى حاضرة. فالتنافس بين القوى الكبرى، ولاسيّما في ظل السياسات المحتملة لإدارة ترامب، قد يؤدي إلى سباق تسلح جديد وزيادة احتمال الصراعات الإقليمية، خصوصًا في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية مثل بحر الصين الجنوبي وأوروبا الشرقية. ولا شك أن الاستقرار في هذا النظام سيعتمد على قدرة القوى الكبرى على التعاون لإدارة تنافسها وصراعاتها في الوقت نفسه.
وبالتواكب مع اتجاه التغير في هيكل النظام الدولي، شهدت خريطة الفاعلين الدوليين تغيّرًا كبيرًا؛ فثمة تزايد هائل في أعداد ونفوذ الفاعلين من غير الدول، ولاسيّما الشركات متعددة الجنسية، والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وحركات الكفاح المسلح، والكيانات ما دون القومية أو الأقاليم، والتنظيمات غير الشرعية كالمافيا والحركات الإرهابية.[3]
ثالثًا- ضَعف التحالفات التقليدية وصعود تحالفات جديدة
من المتوقع أن تواجه التحالفات الغربية التقليدية، مثل حلف الناتو، تحديات كبيرة نتيجة الخلافات الداخلية وتغير المصالح الاستراتيجية.[4] فقد تُشجّع عودة ترامب دولًا مثل ألمانيا وفرنسا على السعي لتحقيق استقلالية استراتيجية بعيدًا عن الولايات المتحدة، بما يعزز من سياسات الاتحاد الأوروبي المستقلة. وفي المقابل، قد تشهد تحالفات جديدة مثل مجموعة “بريكس” توسعًا في نطاقها وتأثيرها، حيث تسعى إلى إعادة هيكلة النسق الدولي سياسيًّا واقتصاديًّا، وإنهاء الهيمنة الأمريكية المنفردة، وتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب، ووضع أسس نظام اقتصادي عالمي جديد، وإنهاء حقبة الدولرة على حركة التجارة الدولية والتنظيمات الاقتصادية والمؤسسات المالية المرتبطة بالغرب. كما أنّ روسيا، التي تركز على تعزيز نفوذها في آسيا وأوروبا الشرقية، تعمل على بناء اصطفافات واقعية وربما تحالفات استراتيجية مع الصين وإيران وكوريا الشمالية؛ لمواجهة الضغط الغربي. وهذا التوجه يُبرز رغبة القوى الصاعدة في كسر الهيمنة الغربية، وإعادة تعريف النظام الدولي.
رابعًا- تأثير الصراعات والحروب القائمة
تشكل الصراعات والحروب القائمة تحديات معقدة للنظام الدولي، حيث تعيد رسم موازين القوى وتعمق الانقسامات الجيوسياسية. وقد يحمل عام 2025 فرصًا محدودة للتهدئة، لكنه يظل محفوفًا بمخاطر التصعيد وعدم الاستقرار المستدام. ويُرجح أن يكون لقوى الصراع اليد العليا؛ خصوصًا في ظل اختبار النظام الدولي مرحلة انتقالية عسيرة من نمطٍ قطبي إلى آخر، وانتخاب إدارة أمريكية جديدة بقيادة دونالد ترامب، الذي يحمِل توجهات عدائية تجاه الصين. ففي العام المنصرم، لاحظنا زيادةً كبيرة في عدد الصراعات الدولية، وتصاعدًا لافتًا للنظر في مستواها. وعلاوة على ذلك، تكتسب الصراعات طابعًا ممتدًّا وتأخذ اتجاهًا استنزافيًّا، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية. وبالرغم من تفاوت نمط ومستوى الصراع الدولي بين الصين والولايات المتحدة، ولاسيّما في منطقة الإندوباسيفيك، خلال هذا العام، من فترةٍ لأخرى، من المتوقع أن يستمر الصراع بينهما، وربما يتحول إلى حربٍ باردة جديدة، ولاسيّما مع عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.
ولا تتّسع هذه المساحة للتعرج إلى كل أو حتى أبرز حالات الصراع الدولي، وعلى رأسها الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية ولبنان، والصراع بين الهند وباكستان على ولاية جامو وكشمير، والصراع المخيف في بحر الصين الجنوبي، الذي يُطلق عليه “أخطر صراع لا يتحدث عنه أحد”، والصراع في شبه الجزيرة الكورية.
ولكن لا يمكن أنْ نتجاوز حديث الصراعات الدولية من دون الإشارة إلى عودة ظاهرة عودة التكالب على أفريقيا، بل وتصاعدها بين القوى الكبرى المتنافسة عمومًا. والواقع أنّ القارة الأفريقية غدَت فعليًّا ميدانًا لحربٍ باردة جديدة بين القوى الكبرى من أجل الهيمنة والنفوذ والمصالح، فضلًا على التكالب على مواردها وأسواقها. وتشهد القارة منافسة اقتصادية واستراتيجية حادة بين القوى الكبرى؛ ولاسيّما الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، بل والقوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا وإسرائيل. ويُتوقع أنْ تستمر ظاهرة التكالب على أفريقيا من جانب القوى الكبرى على وجه الخصوص، وتكتسب زخمًا في الأعوام المقبلة.[5]
وبالتوازي مع الاتجاه التصاعدي للصراعات الدولية، فقد شهد العام المنصرم جهودًا تكاملية، ولكن حكمها، بصفة عامة، المنافسة بين القوى الكبرى، والانقسام بين الجنوب العالمي والشمال العالمي. ولعل حالة مجموعة بريكس أبرز دليل على ذلك.
خامسًا- الشرق الأوسط: استراتيجيات الدعم والاحتواء
يواجه الشرق الأوسط تحديات تاريخية وتغيرات جيوسياسية هائلة، وقد رسخ صورته بصفته أكثر أقاليم العالم فوضوية واضطرابًا؛ حيث يعجّ بأنماط الصراعات كافةً؛ من حروبٍ وصراعات أهلية وتوترات طائفية وحروب بالوكالة وعمليات إرهابية. كما أنّ الإقليم يُعدّ أكثر أقاليم العالم جذبًا للتدخلات الأجنبية من جانب القوى الكبرى، التي تزيد مستوى الفوضى الإقليمية.
ومع أن هناك أنماطًا مختلفة من الترابط والاعتماد المتبادل قد تبلورت بين بعض وحداته في مجالات التجارة والاقتصاد والدفاع والطاقة، ولاسيما بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنّ قوى الصراع في الإقليم ماتزال لها الغلبة؛ ولاسيّما أنّ الصراعات الإقليمية متعددة ومركبة وشديدة التعقيد، وبعضها أصبحت صراعات اجتماعية ممتدّة، مثل الصراع العربي-الإسرائيلي، والصراع الكردي-العربي في بعض الدول العربية (سوريا والعراق) والصراع التركي-الكردي.
وبالنسبة لتفاعلات القوى الرئيسية في الإقليم، التي تُحدّد القطبية الإقليمية، نلاحظ تنامي الدور الإقليمي التركي، خصوصًا بعد إطاحة نظام بشار الأسد في سوريا، في 8 ديسمبر 2024، ودعم تركيا الفصائل السورية المسلحة التي انخرطت في عملية تغيير النظام بالقوة، ومتابعتها استراتيجية طموحة للانتقال السياسي في سوريا، وانتهاجها سياسة نشِطة وتدخلية تجاه محيطها الجغرافي في الشرق الأوسط، اصطلح الخبراء والمراقبون على تسميتها “العثمانية الجديدة Neo-Ottomanism”.[6] ويُقصد بها أنّ تركيا تتصور لنفسها دورًا فعّالًا وقائدًا، يرتقي إلى درجة الهيمنة، في مركِب الأمن الإقليمي للشرق الأوسط، الذي كان بالفعل تحت الهيمنة والسيطرة التركية خلال فترة الإمبراطورية العثمانية، منذ الثلث الأول من القرن السادس عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر على الأقل. وكأنّ العثمانية الجديدة، كما يوحي بذلك اسمها، هي دعوة لإحياء فترة الحكم العثمانية لبلدان المنطقة في صورةٍ جديدة، تتضمن النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي واسع النطاق.
وتستمر إسرائيل (مع الولايات المتحدة) في سياستها الرامية إلى إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط.[7] وبرغم إضعاف النفوذ الإقليمي الإيراني بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، ماتزال طهران ماضية في سعيها ليس فقط لتعزيز نفوذها، بل الهيمنة في المنطقة من خلال استراتيجيات تجمَع بين مزيج من الأيديولوجيا الطائفية والطموحات القومية. وتعتمد سياساتها على دعم الميليشيات، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وإثارة النزاعات الإقليمية.[8]
وفيما يتصاعَد الدور الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيّما السعودية ودولة الإمارات، يواجه الدور الإقليمي المحوريّ لمصر تحديات اقتصادية وأمنية. وهذه الأدوار المتباينة للدول الرئيسية في الإقليم، بالإضافة إلى المحاور الإقليمية الناشئة أو المستمرة، مثل المحور التركي ومحور دول مجلس التعاون-مصر والمحور الإيراني، سوف تُحدد هيكل القوة الإقليمي، الذّي يُرجَّح أنْ يظل تعدّديًا صراعيًّا عام 2025.
ويُلاحَظ أنّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 2025 ستجدد تركيز الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن من خلال استراتيجيات تتمحور حول مصالح محددة أبرزها دعم إسرائيل، واحتواء النفوذ الإيراني. وهذه السياسات قد تسهم في تعزيز بعض العلاقات الثنائية، لكنها ستظل قاصرة عن تحقيق استقرار شامل في المنطقة بسبب تعقيد الصراعات المستمرة. وسيواصل ترامب تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، مع تكثيف الجهود لتعزيز أمنها ضد التهديدات الإقليمية مثل حماس وحزب الله. ومن المتوقع أن تضغط إدارة ترامب على دول عربية لإبرام مزيد من اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، في خطوة لتعزيز التحالفات ضد إيران. لكن هذه السياسات ستواجه عقبات كبيرة، أبرزها رفض شعبي واسع في الدول العربية لفكرة التطبيع دون تقدم ملموس في القضية الفلسطينية. وبالنسبة لإيران، سيعود ترامب إلى استراتيجية “الضغط الأقصى”، بما في ذلك إعادة فرض عقوبات شديدة، وتعزيز التحالفات الإقليمية ضد طهران. وهذا النهج يهدف إلى تقويض قدرة إيران على دعم وكلائها في المنطقة مثل حزب الله والحوثيين، لكنه قد يؤدي إلى تصعيد التوترات بدلًا من تهدئتها.
وبالرغم من السعي الأمريكي لدفع الاستقرار، فإن استمرار الصراعات في سوريا واليمن وليبيا، إلى جانب تزايد التوترات بشأن القضية الفلسطينية، سيجعل من الصعب تحقيق سلام دائم. وغياب حل شامل يراعي القضايا الجذرية مثل حقوق الفلسطينيين، ودور إيران في المنطقة، يعني أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستظل منطقة أكثر مناطق العالم فوضويةً واضطرابًا وصراعًا.
سادسًا- أوروبا: تحديات السياسة والأمن والاقتصاد
تشهد أوروبا في عام 2025 مرحلة محورية مع تزايد التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل الاتحاد الأوروبي، ودوره على الساحة الدولية. فالاتحاد الأوروبي يشهد تصاعدًا في نفوذ أحزاب اليمين الشعبوي والمتطرف (أو اليمين الجديد). وثمّة تطبيع سريع للأفكار الشعبوية لليمين المتطرف في مجتمعات أوروبية مختلفة؛ فالخطاب العنصري والتكتيكات الخطابية لليمين المتطرف تم تبنّيها بواسطة أحزاب التيار الرئيسي، ووسائل الإعلام السائدة التي أثّرت بشكل ملحوظ على سياساته.
وهذا الصعود، الذي بدأ بوضوح في عام 2024، يثير تساؤلات حول مستقبل التكامل الأوروبي، حيث تسعى هذه الأحزاب إلى تقليص صلاحيات مؤسسات الاتحاد، وتعزيز السيادة الوطنية. ويقع في صلب أفكار اليمين المتطرف نظرة عالمية مانوية تلخّص كل شيء في فكرتَي الخير والشر، وتتعارض، من ثم، مع فكرة الحلول الوسط التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية.
وتتبنّى هذه الأحزاب سياسات مشدَّدة تجاه الهجرة واللجوء؛ مما قد يؤدي إلى فرض قيود أكبر على اللاجئين، وتقويض روح التعاون داخل الاتحاد. كما تحمِل أحزاب اليمين المتطرف رؤى ضد الإسلام، وتتبنّى نوعًا من القومية الإثنية، وتروج لنفسها على أنها المخلِّص للحضارة الغربية من التهديد الإسلامي الذي يمثّله المهاجرون. وعلاوة على ذلك، يعزز صعود اليمين التوجهات الحمائية في السياسات الاقتصادية؛ مما يقلّل التعاون بين الدول الأعضاء، ويزيد من التحديات أمام تحقيق وحدة اقتصادية مستدامة. وتروج هذه الأحزاب لمزيد من السياسات الانعزالية والمعادية للعولمة.
وتعتبر الانتخابات الألمانية المقرر إجراؤها في فبراير 2025 نقطة تحول رئيسية في السياق الداخلي والاوروبي على حد سواء، حيث يُتوقع أن تسفر عن تشكيل حكومة جديدة قادرة على تجديد القيادة السياسية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي. مع استمرار التباطؤ الاقتصادي في ألمانيا، الذي يعد أكبر اقتصاد في الاتحاد، ستواجه الحكومة الجديدة ضغوطًا هائلة لمعالجة الركود الاقتصادي ودعم الصناعات الحيوية مثل صناعة السيارات.
إلى جانب التحديات الاقتصادية، ستعكف أوروبا على تعزيز أمنها الصناعي، والاعتماد على قدراتها الذاتية في مواجهة التحولات الجيوسياسية. إن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض بسياساته الانعزالية، سيضغطان على أوروبا لتعزيز استقلالها الاستراتيجي، وتقليل اعتمادها على الحليف الأمريكي. والمبادرات الأوروبية المتوقعة، مثل الورقة البيضاء التي ستُصدِرها المفوضية الأوروبية بشأن الدفاع، ستسعى إلى تحقيق مزيد من التنسيق الأمني والصناعي لتعزيز قدرة أوروبا على مواجهة التحديات الأمنية.
وعلى مستوى الناتو، ستواجه أوروبا اختبارًا صعبًا في الحفاظ على تماسك الحلف، خصوصًا مع احتمالية تقليص الولايات المتحدة التزاماتها تجاه أمن الأطلسي. وتعمّق عودة ترامب المخاوفَ بشأن التزام واشنطن بالدفاع الجماعي، بل احتمالية الخروج الأمريكي منه؛[9] ممّا سيدفع الدول الأوروبية إلى تحمّل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن أمن القارة، سواء عبر تعزيز الإنفاق العسكري، أو تطوير صناعاتها الدفاعية.
إضافةً إلى ذلك، ستُركز أوروبا على بناء شراكات اقتصادية وأمنية داخلية للتعامل مع التحديات الخارجية، بما في ذلك النزاعات المستمرة في أوكرانيا والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط؛ لذا سيبرز عام 2025 كاختبار حقيقي لقدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود، والتكيف في مواجهة الأزمات المتعددة.
سابعًا- آسيا والمحيط الهادي: تصاعد التوترات والتحولات الاقتصادية
من المتوقع أن تتصاعد التوترات في منطقة آسيا والمحيط الهادي؛ نتيجة عواملَ مختلفةٍ أهمها سياسات ترامب غير المتوقعة التي قد تؤدي إلى تصعيد النزاعات مع الصين، وتقويض استقرار المنطقة. فترامب يركز على تعزيز النفوذ الأمريكي عبر فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات الصينية؛ مما يزيد من حدة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وهذه الإجراءات قد تدفع الصين إلى تعزيز استراتيجياتها الاقتصادية والعسكرية لمواجهة الضغط الأمريكي.
وفي بحر الصين الجنوبي، يُرجّح تصاعد الصراع بين الصين ودول آسيان، خصوصًا الفلبين، فيما يتصل بالمطالبات الإقليمية وحقوق السيادة في مياه البحر. وسوف تستمر الصين أيضًا في الإصرار على مطالبها الإقليمية، التي تستوعب نحو 90% من مياه البحر، طبقًا لخط النقاط التسع، الذي عدّته محكمة التحكيم الدولي عام 2016 غير قانوني،[10] وتصعيد إجراءاتها العسكرية وتعزيز سيطرتها البحرية، ومن المحتمل أن تتبنّى إدارة ترامب موقفًا أكثر عدائية تجاه مطالب الصين الإقليمية، وتزيد تعاونها الدفاعي مع حلفائها وشركائها في رابطة آسيان ضد التصعيد الصيني. كما أن الدعم الأمريكي لتايوان قد يؤدي إلى تصعيد خطير، حيث تعتبر الصين أي تحرك لتعزيز استقلال تايوان خطًّا أحمر.
وعلى الجانب الاقتصادي، تواجه الصين تباطؤًا في النمو نتيجة سياسات شي جين بينغ التي تسعى إلى تعزيز سيطرة الحزب الشيوعي على الاقتصاد. وهذا التباطؤ يزيد من الضغط على القطاع الخاص، ويُضعف قدرة الصين على الاستجابة بفعالية للضغوط الأمريكية.
أما الدول الأخرى في المنطقة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، فقد تجِد نفسها عالقة بين التنافس الأمريكي-الصيني. ومن جهة، تعتمد هذه الدول على التحالفات الأمنية مع الولايات المتحدة، ومن جهة أخرى، تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على التجارة مع الصين.
لذا، سيشكل عام 2025 اختبارًا لقدرة دول آسيا والمحيط الهادي على الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والأمنية؛ في ظل تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين. كما قد يدفع الوضع الإقليمي المتأزم بعض الدول إلى تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة؛ في محاولة للحفاظ على الاستقرار وسط الاضطرابات الجيوسياسية.
ثامنًا- أفريقيا: فرص وتحديات في ظل التحولات العالمية
سيكون عام 2025 عامًا محوريًّا لأفريقيا، حيث ستتولى جنوب أفريقيا رئاسة مجموعة العشرين؛ مما يمنح القارة منصةً عالميةً غير مسبوقة لطرح قضاياها والتأثير في السياسات الدولية. وستُسلّط هذه الرئاسة الضوء على التحديات والفرص التي تواجه القارة، كالتنمية المستدامة، ومكافحة الفقر، وتعزيز التجارة والاستثمار.
لكن هذا العام يحمِل تحدياتٍ أيضًا، فعودة ترامب قد تُنذر بتراجع الدعم الأمريكي للقارة؛ مما يُفسح المجال أمام قوى أخرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي وروسيا لتعزيز نفوذها. وسيُؤثر هذا التنافس على مختلف الأصعدة، من الاستثمارات في البنية التحتية إلى التعاون الأمني. وستحتاج الدول الأفريقية إلى التحرك بحذَر والتوازن بين هذه القوى؛ للحفاظ على مصالحها وتحقيق أهدافها التنموية.
ولا يُمكن إغفال التحديات الأخرى التي تواجه القارة، كالصراعات الداخلية، وانعدام الأمن الغذائي، وتغيّر المناخ. وسيكون على الاتحاد الأفريقي القيام بدورٍ رياديٍّ في تعزيز التعاون والتكامل الإقليمي لمواجهة هذه التحديات.
إضافة إلى ذلك، ستكون الانتخابات في دول كثيرة مثل مالاوي وتنزانيا وكوت ديفوار (ساحل العاج) اختبارًا للاستقرار والانتقال السلمي للسلطة في القارة، في ظل التحديات المتعلقة بالاستقرار السياسي والاقتصادي.[11] لذا سيبرز عام 2025 أفريقيا كفاعل مهم في التحركات الدولية، لكنه سيكشف أيضًا عن التحديات المستمرة التي تواجهها القارة في تحقيق الاستقرار والتنمية.
تاسعًا- الصحة العالمية: تحديات التعاون والأمن الصحي
يشهد عام 2025 استمرار الجهود الدولية لصياغة اتفاقية الجائحة العالمية التي تمثل اختبارًا حقيقيًّا للتعاون الدولي في مواجهة الأزمات الصحية. وهذه الاتفاقية، التي يُتوقع تبنّيها خلال اجتماع جمعية الصحة العالمية في مايو، تهدف إلى تحسين التنسيق العالمي في التعامل مع الأوبئة وتعزيز الأمن الصحي على مستوى الدول. إلا أن ضعف الثقة بالنظام متعدّد الأطراف يهدد بتحقيق تقدّم ملموس، حيث تسعى بعض الدول لتعزيز استراتيجياتها الوطنية بدلًا من الالتزام بالتعاون الدولي.
ويضيف تغير المناخ بُعدًا جديدًا للتحديات الصحية، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة الكوارث الطبيعية، إلى انتشار الأمراض المُعدية وانعدام الأمن الغذائي. وهذه التغيرات تزيد من عبء الأنظمة الصحية، خصوصًا في الدول النامية التي تعاني من نقص الموارد.
ومع زيادة تأثيرات التغير المناخي، تصبح الحاجة إلى استراتيجيات صحية مرنة أمرًا حتميًّا. وتشمل هذه الاستراتيجيات تعزيز التعاون الإقليمي، والاستثمار في البنية التحتية الصحية، وضمان عدالة توزيع اللقاحات والأدوية.
علاوة على ذلك، سيكون التقدم في مراجعة اتفاقيات حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالأدوية قضيةً رئيسية، حيث قد تؤثر بشكل كبير على قدرة الدول النامية على الوصول إلى العلاجات الحيوية. وسيحدّد عام 2025 مدى قدرة المجتمع الدولي على مواجهة الأزمات الصحية بفعالية وشمولية.
عاشرًا- التطورات التكنولوجية: تأثيرات على الأمن والسياسة
من المتوقع أن يشهد عام 2025 تطورات تكنولوجية هائلة، خاصة في مجالي الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، مما سيؤثر بشكل كبير على الأمن والسياسة العالمية. فالذكاء الاصطناعي أصبح أداةً أساسية في تعزيز الأمن السيبراني.[12] وتُستخدم تقنيات التعلم الآلي لتحليل كميات ضخمة من البيانات؛ مما يساعد في الكشف المبكر عن التهديدات والتصدي لها بفعالية أكبر. فعلى سبيل المثال، يمكن للأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحديد الأنماط غير الطبيعية في الشبكات؛ مما يُتيح استجابة سريعة للهجمات المحتملة.
وتؤدي التطورات التكنولوجية المتسارعة إلى ظهور مفاهيم جديدة للقوة والأمن. فالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في المجالات العسكرية يُعيد تشكيل موازين القوى العالمية. فعلى سبيل المثال، يثير استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة ذاتية التحكم مخاوف بشأن السباق نحو التسلح التكنولوجي، وتأثيره على الأمن والسِّلم الدوليين.
ولا شك أن التطور التكنولوجي يؤثر أيضًا على صنع السياسات العامة. فتقنيات الحوكمة الرقمية تسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتتيح مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار. ومع ذلك، تطرح هذه التقنيات تحديات تتعلق بالخصوصية والأمان؛ مما يستدعي تطوير سياسات تنظيمية متوازنة تضمن الاستفادة من فوائد التكنولوجيا مع حماية الحقوق الفردية.
أحدَ عشرَ- التغير المناخي: فرصة حاسمة وتحديات معقدة
تمثّل قمة COP30 المقرر عقدها في البرازيل عام 2025 لحظة فارقة في الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، خصوصًا مع تفاقم تأثيرات هذه الظاهرة، مثل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وزيادة وتيرة وشدة الكوارث الطبيعية. وتزداد الحاجة إلى اتفاقات دولية فعالة لتعزيز الالتزام بأهداف اتفاقية باريس للمناخ، والحد من الاحترار العالمي إلى أقل من 2 درجة مئوية.
وستركز القمة على تحقيق تقدّم في “المساهمات المحددة وطنيًّا”، التي تحدّد كيفية تنفيذ الدول لالتزاماتها المناخية. ويُعدّ هذا الأمر جوهريًّا؛ لضمان تحقيق تقدّم ملموس في خفض الانبعاثات. كما ستتناول القمة تعزيز التمويل المناخي للدول النامية، التي تُعتبر الأكثر تضررًا من التغير المناخي والأقل قدرة على التكيف. وتُعدّ الخلافات حول تمويل المناخ من أهم التحديات التي تواجه القمة، حيث تُطالب الدول النامية بتوفير المزيد من الدعم من الدول المتقدمة التي تتحمل مسؤولية تاريخية عن الانبعاثات. [13]
وستستخدم البرازيل، كمضيف للقمة، موقعها الفريد لتسليط الضوء على قضايا رئيسية مثل الحفاظ على الغابات، والترويج للاقتصاد الحيوي. وإلى جانب الدول، من المُتوقع أن تلعب الجهات الفاعلة غير الحكومية دورًا مُهمًّا في COP30، مثل المنظمات غير الحكومية وشركات القطاع الخاص والعلماء، من خلال الضغط من أجل اتخاذ إجراءات أكثر طموحًا.
ومع ذلك، فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تُضيف تحديات جديدة. وقد تُعيق سياساتُه المشكِّكة في التغير المناخي ورفضُه التعاون متعدد الأطراف، بما في ذلك الانسحاب المتوقع من اتفاقية باريس، تحقيقَ توافق عالمي.[14] وسيزيد هذا من الضغط على القوى الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والصين، لتعويض هذا الفراغ القيادي. كما يُتوقع أن تُسلّط COP30 الضوءَ على دور التكنولوجيا في التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيّف معه، مثل تقنيات الطاقة المتجددة، والتقاط الكربون، وإدارة الموارد المائية.
وبينما تمثّل COP30 فرصة لتعزيز الجهود العالمية، فإن التوترات السياسية والانقسامات بشأن تمويل المناخ قد تعرقلان إحراز تقدّم ملموس. ويمكن لـ COP30 أن تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خصوصًا الهدف 13؛ المتعلق بالتصدي للتغير المناخي؛ لذا يُعدّ عام 2025 عامًا حاسمًا في مستقبل مكافحة التغير المناخي.
اثنا عشر- القانون الدولي: اختبار للعدالة وسيادة القانون
يمثّل عام 2025 مرحلة حاسمة للقانون الدولي، حيث تواجه المؤسسات الدولية تحديات متزايدة في فرض سيادة القانون والتعامل مع النزاعات القانونية المعقدة. وتتصدّر القضايا المتعلقة بجرائم الحرب والتغير المناخي أجندة المحاكم الدولية، لكنها تُواجَه بعقبات تعرقل تحقيق تقدّم ملموس.
وإحدى أبرز القضايا هي استمرار المحاكمات المرتبطة بجرائم الحرب، مثل تلك المتعلقة بالصراع في أوكرانيا، أو العدوان الإسرائيلي على غزة. وتُضاف إلى ذلك القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرات اعتقال لقادة سياسيين بارزين مثل بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين؛ مما يزيد من التوترات الدولية ويختبر إرادة الدول في تطبيق هذه القرارات. [15]
وعلى صعيد التغير المناخي، يُنتظر أن تُصدِر محكمة العدل الدولية رأيَها الاستشاري بشأن التزامات الدول تجاه المناخ. [16] ويأتي ذلك عقِب لجوء جزر مهدَّدة بوجودها، بسبب ارتفاع منسوب المياه الناجم عن التغير المناخي، إلى المحكمة الدولية. وتهدف هذه الخطوة إلى وضع إطار قانوني يُلزم الدول اتخاذ إجراءات لمواجهة تداعيات التغير المناخي.[17] وقد يُسهم هذا في دفع الدول لتحسين سياساتها البيئية، لكنه أيضًا قد يُستغَلّ كأداة سياسية لتبرير الحواجز التجارية بين الدول؛ مما يزيد من تعقيد تنفيذ العدالة المناخية.
وتُعقّد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض المشهدَ أكثر، حيث يُتوقع أن تقلّل إدارته من الالتزام الأمريكي بالمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ. وهذا الموقف قد يُضعف الجهود العالمية لتوحيد المواقف بشأن التحديات العابرة للحدود؛ مما يُلقي بظلاله على مصداقية المؤسسات الدولية.
وسيختبر عام 2025 مدى قدرة القانون الدولي على مواجهة هذه التحديات، وتحقيق توازن بين السيادة الوطنية والالتزامات الدولية لضمان العدالة والأمن العالميَّين.
الخاتمة
مع تطور المشهد العالمي في عام 2025، تبرز مجموعة معقّدة من التحديات والفرص التي تُعيد تشكيل العلاقات الدولية والنظام العالمي. ومن خلال استشراف ديناميكيات القوى العالمية، تظل التحولات السياسية والاستراتيجية مرهونة بقدرة الفاعلين الدوليّين على إدارة الأزمات، وتحقيق التوازن بين التنافس والتعاون.
وسيكون لعام 2025 دورٌ حاسم في تحديد معالم المستقبل، حيث تواجه الدول اختبارات صعبة تتعلق بالأمن والدفاع والاقتصاد والتغير المناخي، والأزمات الصحية، والتطورات التكنولوجية. وفي الوقت نفسه، ستشكل عودة دونالد ترامب، وتوجهاته السياسية، نقطة تحوّل رئيسية في العلاقات الدولية، والتحالفات التقليدية.
ويبدو أن عام 2025 سيشكل اختبارًا حقيقيًّا لمرونة النظام الدولي، وقدرة العالم على التكيف مع التحديات المتسارعة التي تتجاوز قدرة أي دولة، أو مجموعة دول منفردة، على التعامل معها بمفردها.
[1] Michael McFaul, “How Trump Can End the War in Ukraine,” Foreign Affairs, December 12, 2024, https://www.foreignaffairs.com/ukraine/how-trump-can-end-war-ukraine.
[2] قسم الدراسات الاستراتيجية، “الاتجاهات الاستراتيجية الدولية في عام 2024،” مركز تريندز للبحوث والاستشارات، 1 يناير 2024، https://shorturl.at/12jl8.
[3] Anne-Marie Balbi, “The Influence of Non-State Actors on Global Politics,” Australian Institute of International Affairs, n.d., https://shorturl.at/6I5kh.
[4] Sergio Cantone, “What will Trump’s return to the White House mean for NATO?,” Euro News, November 06, 2024, https://shorturl.at/xX0wa.
[5] Peter Leger, “The new scramble for Africa,” Coronation, October 2024, https://shorturl.at/XZRMa.
[6] Yavuz, M. Hakan, ‘Erdoğan’s Neo-Ottomanism’, Nostalgia for the Empire: The Politics of Neo-Ottomanism (New York, 2020; online edn, Oxford Academic, 20 Aug. 2020), https://doi.org/10.1093/oso/9780197512289.003.0007, accessed 20 Dec. 2024.
[7] Jeffrey Sachs, “The Inevitable War with Iran, and Biden’s Attempts to Sabotage Trump,” The Tucker Carlson Show, December 17, 2024, https://www.youtube.com/watch?v=Ks0l_Zpt1xA&ab_channel=TuckerCarlson.
[8] أحمد جلال محمود، سياسات إيران الإقليمية في المنطقة العربية وتأثيرها على أمن الشرق الأوسط، مجلة بحوث الشرق الأوسط: https://shorturl.at/IV8PF
[9] Shane Croucher, “Will Trump Withdraw US From NATO? What Analysts Said,” Newsweek, November 06, 2024, https://www.newsweek.com/will-trump-withdraw-us-nato-what-analysts-said-1981209.
[10] Permanent Court of Arbitration (PCA), “The South China Sea Arbitration: The Republic of the Philippines v. The People’s Republic of China,” July 12, 2016.
[11] انتخابات أفريقيا 2025، أفريقيا كرونيكل:
https://afriquechronique.com/ar/elections-afrique-2025/?q=%2Fen%2Fafrica-elections-2025%2F
[12] نسيم رمضان، كيف يعيد الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تشكيل الأمن السيبراني في 2025؟، الشرق الأوسط، 19 ديسمبر 2024:
[13] 2025 UN Climate Change Conference (UNFCCC COP 30), IISD,
https://sdg.iisd.org/events/2025-un-climate-change-conference-unfccc-cop-30/
[14] هل تنسف عودة “ترامب” سياسات المناخ الأميركية؟ العربية نت، 24 نوفمبر 2024:
https://www.alarabiya.net/aswaq/special-stories/2024/11/24/amanytest-3
[15] Leslie Vinjamuri et la., The world in 2025, Chatham House, December 19, 2024: https://tinyurl.com/yfmpmxn4
[16] وكالة الأنباء الإماراتية، مساعد وزير الخارجية لشؤون الطاقة والاستدامة يترأس وفد الإمارات المشارك في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول في العمل المناخي، 5 ديسمبر 2024: https://tinyurl.com/3sy7wwdj
[17] “العدل الدولية” تنظر في أكبر قضية في التاريخ متعلقة بالمناخ، دويتشه فيله، 2 ديسمبر 2024: https://tinyurl.com/58tsmnmm