Insight Image

فقدان التنوع الحيوي وآثاره على الصحة الدولية

21 يونيو 2022

فقدان التنوع الحيوي وآثاره على الصحة الدولية

21 يونيو 2022

ظهر مصطلح التنوع الحيوي (biodiversity) للمرة الأولى عام 1986، ضمن فعاليات ندوة علمية عقدها المجلس الوطني للأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ ذلك الحين، وجد هذا المفهوم قبولاً واسعاً، واستخداماً شائعاً، من قِبل علماء الأحياء، والمدافعين عن البيئة، والسياسيين والاقتصاديين. وهو ما ترافق مع انتشار القلق العالمي حول الزيادة المتسارعة في معدلات انقراض الأنواع المختلفة خلال العقود الأخيرة. ويشير مصطلح أو مفهوم التنوع الحيوي إلى الحضور المتزامن لأشكال عدة من الحياة الطبيعية بصورها المختلفة، من نباتات وحيوانات وكائنات مجهرية، في بيئة ما. وبما أن كل صورة من صور الحياة تلك، هي تركيبة وراثية فريدة، استغرق تكوينها عشرات ومئات الملايين من السنين، يمكن أن نعتبر أن التنوع الحيوي هو مجموعة فريدة -لا تقدر بثمن- من التركيبات الوراثية الجينية أيضاً، المختلفة والمتشابهة إلى حد ما في الوقت ذاته.

وترد أهمية التنوع الحيوي إلى أربع فوائد أو قيم، أولى تلك القيم هي القيمة البيئية، التي تتلخص في حقيقة أن الكائنات الحية الموجودة في نظام بيئي ما، يضطلع كل منها بوظيفة محددة، يعتمد عليها النظام البيئي برمته في توازنه واستمراره. وتظهر القيمة الثانية، أو القيمة الاقتصادية، في شكل توفير مصادر متنوعة من النباتات والحيوانات، يخدم كل منها هدفاً بشرياً أو يحقق غرضاً إنسانياً. أما القيمة الثالثة، فهي أخلاقية فلسفية مجردة. ففي نظرة الفلاسفة البيئيين، تتمتع الكائنات الحية الأخرى بحق جوهري في البقاء والاستمرار، مثل حق الإنسان هو الآخر في البقاء والاستمرار. وهو ما يجعل انتقاص مجال التنوع الحيوي، من خلال القضاء على الكائنات الحية الأخرى، ونفيها من الوجود عبر الانقراض، تصرفاً غير أخلاقي تجاه مكونات الطبيعة الأم. وتكمن القيمة الرابعة للتنوع الحيوي، في الأهمية العلمية، المتلازمة مع توفر طائفة أوسع من النباتات والحيوانات المختلفة. فكل نوع وجنس من هذه الكائنات، يحمل في داخله أسراراً، من مركبات خاصة ومواد كيميائية فريدة، يمكنها أن تساعد في اكتشاف أدوية وعقاقير جديدة تساعد في علاج الأمراض والعلل المستعصية. كما تلعب البيئات الطبيعية المتمتعة بتنوع حيوي واسع النطاق، دوراً مهماً في الحفاظ على الاستقرار المناخي، ودرء مخاطر التغيرات المناخية المفاجئة، والحد من انتشار الأمراض، وخصوصاً المعدية منها. هذه النوعية من الأمراض تصيب أكثر من مليار شخص سنوياً، وتقتل الملايين منهم عاماً بعد آخر.

وللأسف، يفقد كوكبنا التنوع الحيوي لكائناته، بمعدل مطرد وغير مسبوق، ما يتوقع أن يؤدي إلى تبعات صحية سلبية على صحة أفراد الجنس البشري في أصقاع الكوكب كله، وذلك حسب تقرير صدر بالمشاركة بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة والاتفاقية الدولية للتنوع الحيوي (Convention on Biological Diversity) ومنظمة الصحة العالمية. ويلقي هذا التقرير، وما تبعه من تقارير ودراسات، الضوء على المخاوف المتزايدة من التبعات الصحية لفقدان التنوع الحيوي وتراجعه، وما قد يؤدي إليه هذا التراجع من آثار على توازن النظم البيئية واستمراريتها، وما توفره من ظروف مناسبة للحياة، من ماء وهواء وغذاء.

ويرد الوضع المتدهور باطراد الذي آل إليه حال التنوع الحيوي إلى عوامل عدة، يقف أفراد الجنس البشري خلف معظمها. أول تلك العوامل وأهمها هو فقدان الموطن الطبيعي للحيوان أو النبات، من خلال التناقص المستمر الذي يشهده العالم في مساحات البراري والمناطق الطبيعية. فالتزايد المستمر في تعداد البشر، تطلب التوسع في تحويل البراري والغابات والمناطق الأخرى الطبيعية إلى أراض زراعية ومدن سكنية ومناطق صناعية. هذا التزايد في استهلاك الإنسان من البيئات الطبيعية لسد احتياجاته، ترافق بالضرورة مع تناقص مماثل فيما هو متوافر منها لأشكال الحياة البرية. العامل الآخر الذي أصبح يهدد التنوع الحيوي هو الأنواع الدخيلة أو الغريبة، وهي الحالة التي يتم فيها نقل نوع من النبات أو الحيوان إلى موطن آخر غير موطنه الطبيعي. هذا النقل أو الإدخال الذي يتم غالباً من قِبل الإنسان، إما من خلال التجارة أو السياحة وإما من خلال إجراءات التحكم البيولوجي، ما يخل بالتوازن الطبيعي في البيئة الجديدة، حيث يجلب إليها أنواعاً وأجناساً غير متطابقة مع ما هو موجود فيها، والتي تدفع في النهاية بالأنواع المستوطنة إلى حافة الانقراض والاندثار، إما من خلال التنافس على الغذاء وإما من خلال الافتراس المباشر. والعامل الثالث والخطر خلف التدهور المستمر الذي يعانيه التنوع الحيوي حالياً، هو التجارة الدولية في الحياة البرية، فرغم أن معظم هذه التجارة يقع ضمن الشرعية القانونية، فإن هناك جزءاً كبيراً منها ما زال يتم خارج حدود هذه الشرعية.

المواضيع ذات الصلة