Insight Image

فهم ضرورات السياسة الخارجية للرئيس بايدن

18 يناير 2021

فهم ضرورات السياسة الخارجية للرئيس بايدن

18 يناير 2021

أثبتت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 من نوفمبر 2020، والأسابيع التي أعقبتها، أنها كانت فترة حافلة بالأحداث الدرامية الغريبة. طوال هذه الأيام، كان الرئيس المنتخب جو بايدن يتحلى بالصبر والنضج، ويمارس مواقف رجل الدولة الحكيم، ويشدد على أن هدفه يتمثل في توحيد الأمة ولملمة قدراتها المبعثرة، حالما يتم تنصيبه رئيسا للبلاد. وقد اتسمت خطاباته، طوال شهري نوفمبر وديسمبر 2020، بالنبل والفكر السَمْح والرصانة، وركز فيها على محاربة أزمة كوفيد-19، وتحسين وضع الاقتصاد الأمريكي الذي تلقى ضربات موجعة بسبب الجائحة.

كان رد فعل بايدن – في أقل تقدير – عاطفياً ولكنه كان منطقياً وموقف رجل دولة تجاه عملية اقتحام مبنى الكونغرس في واشنطن العاصمة، في 6 من يناير 2020، من قبل حشد من المتظاهرين استمدوا جرأة القيام بفعلهم من رفض ترامب الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وهذا الهجوم فاجأ الأمريكيين. كما أثبتت اختيارات بايدن لأعضاء وزارته، ولشخصيات أخرى ستشغل مناصب حكومية رفيعة، أنه يتبنى مقاربة على درجة عالية من الحرفية، مع التأكيد على أهمية الخبرة والموثوقية.

أكد بايدن أيضاً أن هناك توافقاً في الكيمياء الشخصية بينه وبين المسؤولين الحكوميين الذين قام بانتقائهم، مثل وزير الخارجية توني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وكلاهما كانا مستشارين له لفترة طويلة. وخلال الفترة التي أعقبت الانتخابات، ألقى بايدن الضوء على ضرورة وجود مقاربة موحدة ومبتكرة لحل مشاكل الأمة.

لقد شكلت هذه المقاربة أيضاً الاستراتيجية التي أراد بايدن أن يتبناها في ما يخص إدارة العلاقات الأمريكية الخارجية. وبينما كان ترامب يبذل أقصى جهوده لتقسيم الشعب الأمريكي وبذر بذور الخوف وعدم الثقة المتبادلة، كان يبذل أيضاً جهوداً شــبه متعمدة لخلق خلافات مع العديد من الحلفاء المقربين لأمريكا في أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط، ومناطق أخرى.

في مقابل هذا تعتزم إدارة بايدن توجيه مسار عملها نحو مسار تعاوني، متعدد الأطراف، ويتمتع بقدر أكبر بكثير من الاستقرار والوضوح، وقابلية التنبؤ بالتطورات. كما يرغب بايدن في التعامل والحوار مع الحلفاء والأعداء، ومن المستبعد جداً أن يطبق سياسة انعزالية، أو حمائية، أو شبه استبدادية. وقد وعد بايدن، على سبيل المثال، بعقد اجتماع “قمة الديمقراطية” العالمية، خلال السنة الأولى من فترة عهدته الرئاسية[1].

مع أن بايدن يدرك مزايا العولمة ومحاسنها، إلا أنه يدرك أيضاً مزالقها ومخاطرها الاقتصادية، ومن ثم يُتوقع من الرئيس الجديد أن يحاول إعادة الولايات المتحدة إلى مكانة القيادة العالمية التي تحتلها وتعزيزها عبر خيارات العمل الجماعي، ومن ذلك، على سبيل المثال، الخطوات التي اتخذها بالفعل لإعادة الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، وإلى منظمة الصحة العالمية، وبموجب شروط معينة يمكن إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة).

يدرك بايدن ضرورة إيجاد إجماع جديد حول قضايا الحوكمة العالمية الحيوية. وسيأخذ المبادرة لإصلاح منظمة التجارة العالمية، بالتعاون مع دول أخرى، وربما يعلن انضمام بلاده إلى منظمة “الشراكة الشاملة العابرة للمحيط الهادئ”، وهي منظمة اقتصادية معظم أعضائها من الدول الآسيوية؛ وهذا التوجه التعاوني سيشكل انقلاباً على توجه ترامب الرافض لتثبيت عضوية الولايات المتحدة في منظمات عالمية مشابهة.

إن سياسة الحوار والتعاون التي تتبناها إدارة بايدن مع الحلفاء والأعداء مصمَّمة للتغلب على الانحدار الواضح في المكانة العالمية لأمريكا، وهدفها إحياء وتعزيز مكانة أمريكا التي ما تزال فريدة كقوة عظمى عالمية، ومن بين أهداف هذا التوجه عمل إدارة بايدن إلى إعادة بناء العلاقات مع أوروبا، وأيضاً العلاقات مع روسيا، والصين، وبطبيعة الحال العلاقات مع دول الشرق الأوسط.

العلاقات عبر الأطلسي

خلال فترة إدارة الرئيس ترامب، تدهورت العلاقات الأمريكية-الأوروبية إلى مستوى يكاد يكون غير مسبوق. وخلال فترة التحضير لغزو العراق عام 2003 وفي أعقاب الغزو، كانت العلاقات بين الطرفين في حالة سيئة خلال فترة رئاسة جورج بوش الابن، وخاصة خلال الفترة الأولى لوجوده في منصب الرئيس. ولكن بايدن يختلف عن ترامب، وهو يدرك جيداً أهمية الثقل الذي يتمتع به الحلفاء الأوربيون (والحلفاء الآخرون)، ويدرك أن الثقل الأوروبي يعزز مكانة أمريكا ونفوذها في الشؤون العالمية بدرجة كبيرة.

وبعد ذلك كله، فإن موظفي تخطيط السياسات التابعين لوزارة الخارجية الأمريكية أدركوا منذ سبعينيات القرن العشرين عبر وثيقة داخلية أن الولايات المتحدة كانت “ملتزمة بشكل وثيق مع أوروبا الغربية لفترة طويلة جداً، وأن أي تناقص خطير في مكانتنا ونفوذنا هناك سيترك آثاراً سلبية على موقفنا الدبلوماسي وموقعنا الاستراتيجي في التوازن العالمي”[2].

من دون أدنى شك، ستقوم إدارة بايدن أيضاً بحضّ الأوروبيين على زيادة الإنفاق على الدفاع، وفي الوقت نفسه لن تشكّك في أهمية حلف الناتو، أو تفكر في الانسحاب من الحلف كما فعل ترامب. ولن يحاول بايدن تقسيم الأوروبيين بهدف إضعاف الاتحاد الأوروبي (وهذا يعني ضمنياً خلق قارة أوروبية موحدة سياسياً أكثر من أي وقت مضى)، على عكس ترامب الذي دعّم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعمل على تشجيع دول أوروبية أخرى لأن تحذو حذوها، وكان يعتقد خاطئاً أن هذا الخروج سيؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، ويزوّده بميزة أفضلية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

هناك فرصة طيبة ربما يحاول بايدن اغتنامها لإحياء المفاوضات في ما يخص “الشراكة التجارية والاستثمارات عبر الأطلسي”، التي بدأت في عهد إدارة أوباما، ولكن ترامب تخلى عنها بسرعة، أما بايدن بشخصيته المتوازنة والثابتة سيسعى لكي يضمن عدم السماح للخلافات والصعوبات السياسية مع بعض القادة الأوروبيين (على سبيل المثال القادة في هنغاريا وبولندا) أن تؤدي إلى شخصنة العلاقات عبر الأطلسي بأكملها، وبالتالي إنتاج مشاحنات واستياء عام على غرار ما حدث في كثير من الأحيان في عهد ترامب؛ وعلى وجه التحديد، كانت علاقات ترامب سيئة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وبالكاد كان ترامب يتكلم معها في الآونة الأخيرة قبيل نهاية فترة رئاسته[3].

في المقابل، لن تعطي إدارة بايدن اهتماماً خاصاً للعلاقة مع المملكة المتحدة التي توصف بأنها “علاقة خاصة” وليس من المتوقع أن يتلقى رئيس الوزراء البريطاني الشعبوي اهتماماً خاصاً في البيت الأبيض خلال رئاسة بايدن. وربما يكون بايدن متأثراً بخلفيته الأيرلندية، حيث لم يكن معجباً بفكرة جونسون للتخلص من التحفظات في ما يخص فتح الحدود بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية – وبذلك يعرّض للخطر “اتفاق الجمعة العظيمة” لعام 1998 الذي أنهى “المشاكل” في إيرلندا الشمالية – لكي يحصل على امتيازات أكثر من صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومع هذا، وعلى الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنها تظل شريكاً أمنياً واستخباراتياً مهماً للولايات المتحدة، ويُتوقع للعلاقات بين واشنطن ولندن أن تكون رصينة واحترافية، ولكن من دون أن تكون علاقة خاصة مميزة.

كما يُتوقع للحوار بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن الصين الذي تم الاتفاق عليه بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومفوضية الاتحاد الأوروبي في أكتوبر 2020 أن يستمر في عهد إدارة بايدن. وفي المحصلة، فإن جهود التشاور المكثف مع حلفاء أمريكا فيما يخص المشاكل العالمية الضاغطة ستكون من السمات البارزة للبيت الأبيض بقيادة بايدن؛ ويحظى هذا التوجه بترحيب كبير على الضفة الأخرى من الأطلسي. يُشار إلى أنه في أواخر نوفمبر 2020، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مسودة اتفاقية جديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بهدف تنشيط التحالف عبر الأطلسي. وتتضمن هذه المسودة بناء توافق وثيق في ما يخص السياسات تجاه الصين.

سياسة معقدة تجاه الصين؟

رغم أن الولايات المتحدة كانت تشهد انقسامات عميقة خلال فترة إدارة ترامب، حتى في شؤون السياسة الخارجية، إلا أنه كان هناك إجماع نادر بين الحزبين السياسيين الرئيسيين بخصوص ضرورة تبني سياسة صارمة تجاه الصين. وليس من المتوقع أن يتغير هذا التوجه في القريب العاجل في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. ونظراً لوجود العديد من الشكوك حول “قســـوة” بايدن خلال حملته الانتخابية، إلا أنه لا يستطيع أن يتحمل تكاليف النظرة إليه على أنه “ليّـن” في التعامل مع الصين. وبصورة مشابهة لعملية إعادة هيكلة سياسة جديدة تجاه الاتحاد الأوروبي، يُتوقع أن يكون هناك مقاربة جديدة وبنّاءة بدرجة أكبر تجاه الصين (وربما تجاه روسيا، مع أن هذا التحول تجاه روسيا أكثر صعوبة بسبب عمليات القرصنة الروسية الأخيرة الناجحة التي استهدفت العديد من قواعد البيانات وحسابات البريد الإلكتروني الحساسة التابعة للحكومة الأمريكية).

ستكون سياسة بايدن تجاه الصين أكثر تعقيداً وأقل تركيزاً على العلاقة مع الرئيس الصيني شي جين-بينغ (أو أي رجال أقوياء في حقل السياسة العالمية). كما ستركز أكثر على إعادة بناء تواصل ثنائي ومتعدد الأطراف، وفتح قنوات للتشاور مع بكين. وستشكل هذه المقاربة نهجا أكثر وضوحاً وأقل تقلّباً بكثير غير أن بايدن سيضع، في الوقت ذاته، تأكيدات أكثر بكثير مما فعل ترامب على مسألة حماية حقوق الإنسان (في هونغ كونغ، وإقليم شينجيانغ/سنجان غرب الصين بأغلبية مسلمة، والتيبت، ومنغوليا الداخلية). وسيتوقع بايدن من الصين أن تكون أقل تشدداً في بحر الصين الجنوبي، وتجاه تايوان، وداخل سياق مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وهذه المبادرة لا تعدو كونها برنامجاً طموحاً لامتلاك بنية تحتية عالمية.

وسيبحث بايدن، في الوقت ذاته، عن الفرص لبناء تعاون مع الصين. كما أن قضايا التغير المناخي، والسياسة تجاه البرنامج النووي الإيراني، وربما وضع مقاربة مشتركة للتعامل مع قضايا التنمية في أفريقيا، يمكن أن تكون جزءاً من الأجندة التعاونية المحتملة. ولن يتردد بايدن في العمل على استكشاف مجالات أخرى تحظى باهتمام مشترك، مثل تطوير إطار تعاوني عالمي (COVAX) للتعامل مع أزمة كوفيد-19 (وحتى الآن لم تنضم الولايات المتحدة لهذه المبادرة ولكنها وعدت بالانضمام إليها بعد تسلم بايدن رسمياً السلطة في 20 يناير 2021) وربما تساهم إدارة بايدن في بناء شبكة عالمية لتوزيع اللقاح في البلدان النامية.

سيهتم الرئيس الجديد أيضاً بإعادة فتح حوار ثنائي سياسي واقتصادي/تجاري مع بكين؛ ومع أنه قد لا يكون متحمساً كما كان ترامب بشأن إعادة تموضع سلاسل الإمداد الرئيسية وإرجاعها إلى الولايات المتحدة (وخاصة في حقل المعدات الطبية والذكاء الاصطناعي/الروبوتات)، إلا أن بايدن لن يتردد في تطبيق استراتيجية مشابهة إذا شعر أن الصين تواصل اللعب بطريقة غير نزيهة في قضايا سياسة التجارة العالمية. كما ستكون قضايا العجز التجاري الأمريكي في السلع مع الصين، وسرقات الملكية الفكرية، والدخول المتبادل إلى الأسواق من المجالات التي ستحظى باهتمام كبير لدى الإدارة الأمريكية الجديدة.

سيدفع إبرام معاهدة الاستثمار كذلك بين الصين والاتحاد الأوروبي في أواخر ديسمبر 2020 إدارة بايدن إلى الحصول على المزيد من التنازلات في السوق من جانب الصين، وهذه المسألة تذهب إلى أبعد من مضمون المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية التي تفاوضت إدارة ترامب بشأنها مع بكين في يناير 2020؛ ومن المؤكد أن بايدن ليس راغباً في تطبيق سياسة تجاه الصين يمكن أن تؤدي إلى “حرب باردة جديدة”، مع أنه لن يسمح لبلاده وحلفائه أن “يكونوا مطية” للصين أيضاً. ولكن حتى الآن لا يمكن أن نحكم ما إذا كان التعاون عبر الأطلسي مع الصين سيحقق النجاح.

سياسة بايدن في الشرق الأوسط

سيتوجب على بايدن وفريقه المكلف بالسياسة الخارجية أن يخصصوا قدراً كبيراً من الاهتمام لمنطقة الشرق الأوسط الحافلة بالاضطرابات؛ هذه المنطقة من العالم التي أحرز فيها ترامب بعض النجاحات في سياسته الخارجية. وبالتحديد، سيحتاج الرئيس الجديد إلى التركيز على علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل، والسعودية، وإيران.

ويعتزم بايدن مباركة الاتفاقيات التي أُطلق عليها “اتفاقيات إبراهيم” والبناء عليها؛ باعتبارها اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية المجاورة لها، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب. وأشار بايدن في أحاديثه إلى أنه سيلتزم بقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وعدم إلغاء الاعتراف الأمريكي بمرتفعات الجولان (السورية) كأراض إسرائيلية، ولكنه انتقد تجاهل القضية الفلسطينية من قبل إدارة ترامب، ووجه انتقادات حادة لسياسات إسرائيل بشأن التوجه إلى بناء المزيد من المستوطنات.

ويُتوقع من إدارة بايدن أن تعود لمساعي تحقيق حلّ الدولتين، وربما تلعب دور الوسيط مرة ثانية، وستعود إلى تقديم المساعدات التي أوقفها ترامب إلى الضفة الغربية وغزة. وبالتالي، فإن علاقات بايدن السياسية والشخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي المحافظ للغاية بنيامين نتنياهو، يمكن أن تكون أقل حميمية مما كانت عليه خلال السنوات الأربع الماضية. ولكن الولايات المتحدة ستواصل دورها في تحمل مسؤولية حماية أمن إسرائيل ومصالحها.

أما بشأن سوريا والعراق، فإن إدارة بايدن ستركز على محاربة داعش وتنظيم القاعدة، وليس من المتوقع أن تزيد الوجود العسكري الأمريكي بشكل كبير في أي من الدولتين. وبشأن سوريا، ربما يحاول بايدن التوصل إلى اتفاق مع روسيا (ومع تركيا أيضاً) كجزء من جهود إعادة هيكلة السياسة الخارجية الأمريكية مع موسكو وأنقرة (وهذه السياسة الجديدة فيما يخص روسيا، يجب أن تتضمن أيضاً التحرك لمعالجة الصراع في شرق أوكرانيا).

أما بشأن العراق، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة مهتمة بتطبيع العلاقات مع بغداد وترسيخ الاستقرار في دولة تشهد اضطرابات متزايدة، وذلك من خلال تقديم مساعدات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية.

وبشأن أفغانستان، يميل بايدن إلى مواصلة تعامل واشنطن مع حركة طالبان، وعلى الأرجح سيقبل الاتفاقية التي أبرمتها إدارة ترامب بشأن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان. وبالنسبة لليمن، أعلن بايدن أنه يعتزم أن يفعل شيئاً ما بخصوص الحرب الدائرة في هذا البلد منذ سنوات، والتي تشكل واحدة من أسوأ الكوارث التي عرفها العالم في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، وسيضغط بايدن من أجل إنهاء هذا الصراع.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع السعودية، فإنها ستشكل تحدياً للإدارة الأمريكية الجديدة؛ ومع أن الأهمية الاستراتيجية للرياض بالنسبة للولايات المتحدة كحليف سياسي مخلص وواحدة من أهم الدول النفطية في العالم ستستمر، إلا أن بايدن قد يكون له رأي آخر في ما يخص مواصلة بيع الكميات الكبيرة نفسها من المعدات العسكرية المتقدمة والحساسة إلى المملكة، وربما تصبح مسألة حقوق الإنسان قضية خلافية في هذه العلاقة، وخاصة بعد جريمة قتل المواطن السعودي وكاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي التي حصلت عام 2019، حيث يمكن أن تعود ملابسات هذه الجريمة إلى بقعة الضوء مرة ثانية.

ومؤخراً، أنهت السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة مقاطعتهما لدولة قطر، وهذا يعني بداية حقبة جديدة من التعاون الإقليمي. ولكن حتى الآن، هناك شعور مستمر بقلق عميق وتوجس لدى السعوديين والإسرائيليين بشأن السياسة التي ستتبناها إدارة بايدن تجاه إيران.

وقد أكد بايدن مراراً أنه يرغب في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي انسحب منها ترامب عام 2018. كما يضغط حلفاء واشنطن من الأوروبيين لمنع إيران من زيادة جهودها في برنامج التخصيب النووي فوق المستوى المقرر. وقد أوضح بايدن أنه لا يرغب في عودة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة وفق الظروف التي كانت سائدة من قبل. وفي المعاهدة المعدلة، يتوجب على طهران أن تعيد ترسيخ التزامها بشروط الاتفاقية التي أُبرمت عام 2015، وأن تقلص أنشطتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط عموماً؛ وهذا الهدف سيتطلب التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، وربما دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهذا يُعتبر تحدياً بالغ التعقيد ويستهلك وقتاً طويلاً.

علاوة على هذا، فإن العملية التي نفذتها القوات الأمريكية باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في يناير 2020، وقيام إسرائيل باغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري-زادة في أواخر نوفمبر 2020، وهما عمليتان أدتا إلى تسميم الأجواء وتمكين المتشددين في طهران، قد تزيدا من أزمة الثقة بين البلدين؛ ومع أنه من غير المتوقع أن تتمكن الولايات المتحدة، وحلفاء واشنطن، وإيران من العمل بسرعة والتوصل إلى اتفاقية نووية جديدة، إلا أن الوضع الاقتصادي الإيراني الذي يزداد تراجعاً يمكن أن يشكل العامل الحاسم في نجاح أي مفاوضات نووية جديدة. وبالفعل، تشعر السعودية وإسرائيل بقلق كبير تجاه المقاربة الجديدة التي سيتبناها بايدن تجاه إيران، وإلى حد ما، تجاه الشرق الأوسط بأكمله.

ولكن هذا التوجه ليس بجديد، فخلال فترة إدارة أوباما، عندما كان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس، لم تُظهر الولايات المتحدة رغبة كبيرة لأن تصبح أكثر تدخلاً في الشرق الأوسط. وفي الواقع، بدأت تقليص تدخلاتها. ونظراً لأن بايدن يتمنى أيضاً أن ينهي “الحروب الأبدية” التي أصبحت الولايات المتحدة متورطة بها منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، فإن الإدارة الجديدة يمكن أن تواصل إلى حد كبير تجاهل المنطقة، والتركيز بشكل أكبر على أوربا، وروسيا، والصين، في قائمة أولويات سياستها الخارجية.

خاتمـــــة

يُتوقع من إدارة بايدن أن توجه سياستها الخارجية ضمن ثلاثة مسارات رئيسية: تعددية الأطراف، الدبلوماسية، الديمقراطية/حقوق الإنسان. وعلى الأقل في المرحلة الأولى، يتوقع للشؤون والاهتمامات المحلية أن تغطي على أنشطة بايدن في السياسة الخارجية. هناك حاجة ملحّة للتعامل مع أزمات فيروس كورونا ومشكلات توزيع اللقاح، والاهتمام بالاقتصاد الأمريكي ومعالجة الاستقطاب العميق في الاقتصاد ووضعه تحت السيطرة. وبشأن السياسة الخارجية التي سيتبناها بايدن، فإن العلاقات عبر الأطلسي والعلاقات مع الصين ستهيمن على السياسة الخارجية لواشنطن (وربما سيكون هناك مقاربة جديدة تجاه روسيا).

لن تكون منطقة الشرق الأوسط محور تركيز السياسة الخارجية لإدارة بايدن، مع العلم أن الرئيس الجديد لا يستطيع أن يتحمل تكاليف تجاهل المنطقة بشكل كامل. إن علاقات واشنطن مع إسرائيل والسعودية، وفي جميع الأحوال، الجهود المتواصلة لمكافحة الإرهاب ولمنع انتعاش داعش وتنظيم القاعدة في العراق وأماكن أخرى في المنطقة، ستحتل على الأقل في المرحلة الأولى حيزاً كبيراً من سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط خلال فترة إدارة بايدن.


المراجع

[1]  Joseph R. Biden, Sr., “Why America Must Lead Again: Rescuing Foreign Policy After Trump,” Foreign Affairs (March/April, 2020), pp.64-75.

[2]  Summary of a paper prepared in the Bureau of European and Canadian Affairs and the Policy Planning Staff, undated (November 1973), published in Foreign Relations of the United States (FRUS), 1969–76, Vol. E-15, Part 2, p. 172..

[3]  See Klaus Larres, “Angela Merkel and Donald Trump: Values, Interests, and the Future of the West,” German Politics, Vol.27/2 (June, 2018), pp.193-213.

المواضيع ذات الصلة