احتضنت أديس أبابا أعمال الدورة العادية السابعة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في الفترة من 17 إلى 18 فبراير 2024، وسط مشاركة واسعة لـ 49 دولة إفريقية منها 30 يمثلها رؤساؤها، وغياب 6 دول هي السودان ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري والجابون، بعد تعليق عضويتها بسبب التغييرات غير الدستورية التي شهدتها خلال الفترة الماضية. بالإضافة إلى حضور 6 دول من خارج إفريقيا وقادة بعض المنظمات الدولية.
وتحمل هذه القمة شعار “تعليم إفريقي مناسب للقرن الحادي والعشرين.. بناء أنظمة تعليمية مرنة لزيادة الوصول إلى التعلم الشامل مدى الحياة وجودة ملائمة لإفريقيا”. وذلك في إطار الإدراك الإفريقي بأهمية رأس المال البشري، الأمر الذي دفع الاتحاد الإفريقي للاهتمام بالتعليم في عام 2024 باعتباره فرصة لاستكشاف سبل تحسين مؤشر التنمية البشرية في القارة.
ويأتي توقيت انعقاد القمة الإفريقية في إطار مشهد إفريقي عام يواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تضفي مزيدًا من التعقيد على السياق الإفريقي، بما يعزز أهميتها باعتبارها فرصة حاسمة لاتخاذ حزمة من القرارات التي قد تسهم في معالجة الأزمات الإفريقية والملفات الشائكة التي تواجه بعض دول القارة مثل السودان وإثيوبيا والصومال والكونغو الديمقراطية والكاميرون والسنغال ومنطقة الساحل وغيرها؛ وهو ما يستدعي تعاون الدول الإفريقية لمواجهة تلك التحديات، مع تعزيز قدرة الاتحاد الإفريقي على تجاوزها وجعل عام 2024 عامًا أفضل.
الإطار العام للقمـة.. وملامح المشهد الإفريقي
يعد السياق الإقليمي الراهن الذي تنعقد في إطاره قمة الاتحاد الإفريقي مُثقَلًا بالعديد من التحديات والأزمات التي تفرض مزيدًا من التعقيد على المشهد الإفريقي الذي تهدده سلسلة من الصراعات والنزاعات المتنامية في عدد من المناطق الإفريقية. ويمكن الإشارة إلى أبرز ملامح المشهد الراهن في القارة الإفريقية خلال الفترة الأخيرة على النحو التالي:
1- أزمات الحكم وعدم الاستقرار السياسي: هناك سلسلة من الأزمات السياسية التي تفرض نفسها على المشهد العام في عدد من الدول الإفريقية؛ لأسباب متباينة من بينها: استمرار الصراعات المسلحة كما في حالة السودان الذي ينخرط في صراع عسكري ممتد منذ منتصف إبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وسط مستقبل ضبابي ينذر باستبعاد وجود أفق لتسوية الصراع في المدى المنظور على الأقل. كما تشهد إثيوبيا سلسلة من الصراعات الداخلية على رأسها المواجهات المسلحة بين القوات الإثيوبية الفيدرالية وميلشيا فانو الأمهرية في إقليم أمهرة، على خلفية خلافات ما بعد توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022 بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي الذي أنهى الصراع المسلح الذي وقع في نوفمبر 2020، وما ترتب عليه من عدة إجراءات شكلت تخوفًا لدى إقليم أمهرة بما في ذلك ميلشيا فانو التي ادعت تحالف آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، مع جبهة تحرير تيغراي من أجل استرداد الأراضي التي استولت عليها أمهرة عقب اندلاع الحرب الإثيوبية في إقليم تيغراي قبل ثلاث سنوات تقريبًا. بالإضافة إلى التوترات السياسية والأمنية في بعض المناطق الإثيوبية الأخرى مثل إقليم أوروميا، واستمرار المواجهات المسلحة بين القوات الإثيوبية وبعض الحركات المسلحة مثل جيش تحرير أورومو، خاصة عقب فشل جولات التفاوض بينهما في أروشا التنزانية خلال العام المنقضي[1].
ويدخل الصراع في المناطق الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون غربي القارة عامه الثامن دون أي تسوية، فلا يزال المتمردون في الشمال الغربي والجنوب الغربي يهاجمون عناصر الجيش الكاميروني؛ ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين خلال السنوات الماضية. وقد انتشرت الميليشيات الموالية للحكومة في المناطق الناطقة بالإنجليزية، ما دفع إلى انتشار المزيد من الفوضى؛ الأمر الذي عزز المخاوف بشأن مستقبل البلاد في ظل حكم الرئيس بول بيا الذي تجاوز 90 عامًا، وانشغال الرأي العام بحقبة ما بعد بيا[2].
وفي سياق متصل، صاحب إجراء الانتخابات الرئاسية في بعض الدول الإفريقية سلسلة توترات سياسية في ضوء رفض المعارضة السياسية لنتائج معظم النتائج، والدعوة إلى خروج التظاهرات الشعبية للتعبير عن رفضها. فقد أعلنت كل من الكونغو الديمقراطية التي أُجريت انتخاباتها في ديسمبر 2023، وجزر القمر التي أُجريت انتخاباتها في يناير 2024 عن فوز الرئيسين فليكس تشيسيكيدي وغزالي عثماني على الترتيب بفترة ولاية رئاسية جديدة في البلدين، ما دفع المعارضة لرفض نتائج الانتخابات، والمطالبة بإعادة الانتخابات الرئاسية مرة أخرى؛ الأمر الذي عزز حالة عدم الاستقرار السياسي، وخاصة أن كينشاسا تواجه تصاعد نشاط الإرهاب في شرق البلاد[3]. بينما تتزايد المخاوف من تصعيد التوتر السياسي في بعض الدول المقبلة على عقد الانتخابات الرئاسية خلال العام الجاري 2024 مثل جنوب السودان المقرر عقدها في ديسمبر المقبل، وسط توقعات بتأجيلها إلى العام المقبل 2025، بما يعزز التكهنات باحتمال اندلاع أزمة سياسية في البلاد ربما تؤدي إلى انقلاب عسكري في البلاد والإطاحة بنظام الرئيس سلفاكير ميارديت؛ الأمر الذي قد يفاقم التحديات التي تواجه جوبا، ولاسيما أنها تنخرط في صراع مسلح منذ منتصف ديسمبر 2013[4]. كما أن تأجيل الانتخابات السنغالية قد أدى إلى توتر المشهد السياسي السنغالي قبل أن يحسم القضاء الجدل بشأن عدم دستورية قرار التأجيل وضرورة تحديد موعد قريب لإجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد التي تمثل واحة استقرار وديمقراطية فريدة في غرب إفريقيا.
2- خطر اندلاع حروب إقليمية في إفريقيا: تضفي التوترات الإقليمية بين بعض الدول الإفريقية مزيدًا من القلق حول احتمال اندلاع حرب إقليمية جديدة في أنحاء القارة. ففي شرق إفريقيا، سرعان ما تحولت العلاقات الإيجابية بين الصومال وإثيوبيا إلى توتر متنامٍ بين الطرفين عقب توقيع الأخيرة اتفاقًا مبدئيًّا مع إقليم “أرض الصومال” للحصول على منفذ بحري على ساحل البحر الأحمر، وهو ما رفضته مقديشو، بما ينذر بتصعيد محتمل بين البلدين ربما يؤدي إلى صدام عسكري بالرغم من تأكيد أديس أبابا عدم انخراطها في مواجهة عسكرية مع الجانب الصومالي[5]. كما يتصاعد الخلاف المكتوم بين إثيوبيا وإريتريا خلال الفترة الأخيرة، في ضوء تحول شهدته العلاقة بين الحليفين الرئيسيين آبي أحمد وأسياس أفورقي خلال حرب تيغراي الأخيرة، ما دفع البعض للتكهن باحتمال انخراط الطرفين الإثيوبي والإريتري في مواجهة عسكرية لاتساع الهوة بينهما في عدد من الملفات على رأسها اتفاق السلام ببريتوريا مع جبهة تحرير تيغراي، والتلميح الإثيوبي للحصول على منفذ بحري بالقوة بما عزز السخط الإريتري[6].
بينما تتصاعد التوترات في منطقة البحيرات العظمى بين الكونغو الديمقراطية التي تتهم رواندا بدعم بعض الحركات المسلحة المتمردة في شرق الكونغو، ولاسيما حركة 23 مارس التي تشكل تهديدًا أمنيًّا مستمرًا منذ سنوات. وقد هددت كينشاسا بالحرب على كيجالي، وخاصة بعدما أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة اتهام رواندا بتزويد الحركة بأسلحة متطورة، بالرغم من رفضها لهذه المزاعم بشكل مستمر. وهو ما يعزز التوترات بين البلدين التي تصاعدت مجددًا منذ عام 2021 مع هجمات حركة 23 مارس في شرق الكونغو بعد ثماني سنوات من الهدوء نتيجة اتفاق السلام الذي أُبرم في عام 2013[7].
ومن جهة أخرى، ثمة توتر يسود العلاقات بين الكونغو الديمقراطية وكينيا، بعدما أعلن الرئيس تشيسيكيدي في نوفمبر 2023 عدم تجديد تفويض قوة شرق إفريقيا في البلاد لعدم فعاليتها على حد زعمه، ما أثار غضب واستياء كينيا التي كانت القوة الدافعة للعملية. وتعزز الخلاف بين البلدين في ديسمبر 2023 بعد اتهام كينشاسا لكينيا بإيواء بعض العناصر المعارضة التي تتورط في تشكيل تحالفات عسكرية مع حركة 23 مارس، ما دفع كينشاسا إلى سحب سفيرها لدى نيروبي، الأمر الذي قد يفاقم التوترات والخلاف بين الجانبين خلال الفترة المقبلة[8].
أما في غرب إفريقيا، تتجه العلاقة بين تكتل إيكواس ودول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إلى مزيد من التعقيد، بعد انسحاب الدول الثلاث من التكتل الإقليمي بسبب اتهاماتها للتكتل بالتبعية لبعض الجهات الأجنبية، في إشارة إلى فرنسا، وخاصة أن إيكواس قد هددت بالتدخل العسكري في النيجر عقب وقوع الانقلاب العسكري الأخير في يوليو 2023، الأمر الذي يعزز المخاوف من تصعيد الموقف بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، في ظل إصرار إيكواس على عودة الشرعية الدستورية في النيجر بالأساس بعودة الرئيس السابق محمد بازوم[9].
3- تداعيات سلسلة الانقلابات العسكرية: شهد عام 2023 انقلابين جديدين في النيجر والجابون، وهما امتداد للانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول المنطقة منذ عام 2020 مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري؛ الأمر الذي دفع الاتحاد الإفريقي لتعليق عضوية هذه الدول بعد الإطاحة بالأنظمة الحاكمة؛ وذلك إعمالًا بما نصت عليه اتفاقية لومي 2000 التي تقف ضد أية تغييرات غير دستورية في الدول الإفريقية[10]. ومع ذلك، يبدو أن النخبة العسكرية الجديدة الصاعدة على الساحة الإفريقية لا تهتم بإجراءات الاتحاد الإفريقي، وخاصة أنها تستعيض عنه بالانفتاح على بعض الجهات الدولية الفاعلة ولاسيما روسيا، التي طورت علاقاتها مع دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر خلال الفترة الماضية، وهو ما يستدعي تفكير الاتحاد الإفريقي في تطوير أساليب جديدة لتعزيز الحكم الديمقراطي واستيعاب النخب الجديدة الصاعدة في القارة. وخاصة في ظل التخوف من استمرار سلسلة الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية خلال الفترة المقبلة.
4- تفاقم أزمات التكتلات الإقليمية: شَكّل قرار دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو الانسحاب الكامل من تكتل إيكواس هزة قوية للمنظمة في ضوء تزايد المخاوف من حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين الدول الأعضاء التي ربما تؤدي بدورها إلى انقسام دول التكتل وبالتالي الدفع نحو تفككها على غرار مجموعة دول الساحل الخمس. وتظل الأزمة قائمة في ظل فشل إيكواس في التوصل إلى تسوية مع الدول الثلاث الرافضة للتعامل مع التكتل الإقليمي، باعتباره مقوّضًا للاستقرار الإقليمي وداعمًا للقوى الأجنبية التي تناصبها العداء، ولاسيما فرنسا[11].
وفي جانب آخر، تتزايد حالة التوتر في داخل أروقة الهيئة الحكومية الدولية للتنمية “إيغاد” بعد إعلان السودان في يناير 2024 تجميد عضويته بالمنظمة على خلفية اتهامات لها بالانحياز لأحد طرفي الصراع المسلح في السودان، وسط محاولات للوساطة من جانب جيبوتي مع الخرطوم للعدول عن موقفها. كما توترت العلاقات بين الصومال وإيغاد عقب توقيع إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الاتفاق الثنائي في أوائل يناير 2024، وذلك بعد ترحيبها بالاتفاق بين الطرفين، وهو ما رفضته مقديشو باعتباره يقوّض الثقة الإقليمية في مصداقية إيغاد[12]. الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبل هذه التكتلات في ظل توسع نفوذ بعض الدول الأعضاء فيها وتكرار الاتهامات لبعضها بالتبعية لبعض القوى الخارجية، بما يقوض الثقة فيها لدى الرأي العام الإفريقي.
5- تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في القارة: ينشط أكثر من 62 تنظيمًا إرهابيًّا في أنحاء إفريقيا، وتحتضن أخطر البؤر الإرهابية على مستوى العالم، مثل منطقة الساحل، التي شهدت سقوط أكثر من 12 ألف شخص بسبب الهجمات الإرهابية في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال عام 2023، بما يجعله العام الأكثر دموية منذ عام 2012 في المنطقة. وتنشط العديد من التنظيمات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة وداعش في العديد من المناطق الإفريقية، حيث يتمدد تنظيم داعش من الساحل وغرب إفريقيا مرورًا بوسط القارة وشرقها ووصولًا إلى أقصى الجنوب الشرقي في شمال موزمبيق، بما يعزز حالة عدم الاستقرار الأمني في معظم الدول الإفريقية، وهو ما يؤثر بدوره على الاستقرار السياسي وعمليات التنمية الاقتصادية في معظم أنحاء القارة.
ويأتي ذلك في ظل انسحاب بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام؛ ما يعزز نشاط الإرهاب ومخاطره، إذ من المقرر أن تنسحب بعثة حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية التي لا تحظى بشعبية بحلول نهاية عام 2024 بعد أكثر من عقد في البلاد. وينظر معظم الكونغوليين إلى البعثة على أنها عاجزة، إلا أن الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة قد أبديا قلقهما من أن مغادرة البعثة الأممية قد تجعل المدنيين الضعفاء بالفعل أكثر عرضة للعنف[13]. بينما يعلق الرئيس تشيسيكيدي آماله على دعم الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي “سادك” التي وافقت في مايو 2023 على إرسال قوة عسكرية تضم قوات من جنوب إفريقيا ومالاوي وتنزانيا، بحيث تم نشر الفئة الأولى في ديسمبر 2023. وفي مالي، طالبت الحكومة في يونيو 2023 بانسحاب بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام من البلاد بحلول نهاية عام 2023، بعد مغادرة الجنود الفرنسيين من البلاد في أغسطس 2023[14]. الأمر الذي يشكل تحديًّا كبيرًا لأمن القارة، بالرغم من الجهود الدولية والإقليمية المبذولة في هذا الصدد خلال الفترة الأخيرة.
6- تصاعد التنافس الدولي على إفريقيا: يمثل التنافس الجيوسياسي على النفوذ والموارد بعدًا رئيسيًّا يعزز توجه العديد من القوى الفاعلة نحو القارة الإفريقية، التي تشهد انخراط العديد من اللاعبين الدوليين والإقليميين خلال السنوات الأخيرة. إذ تشهد إفريقيا تنافسًا دوليًّا محتدمًا تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي وغيرها من القوى الفاعلة الصاعدة مثل تركيا والهند واليابان، الأمر الذي يهدد بعسكرة القارة الإفريقية في ظل تنامي الوجود العسكري الأجنبي في العديد من المناطق الإفريقية، وانعكاسات تلك السلبية على الاستقرار السياسي والأمني على الصعيد الإفريقي الذي يتأثر أيضًا فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية الغائبة منذ عقود عن دول القارة، في الوقت الذي يستفيد فيه الغرب من حجم الموارد والثروات الطبيعية التي تتمتع بها إفريقيا[15].
7- التحديات الاقتصادية والتكامل الإقليمي: أشار تقرير للبنك الإفريقي للتنمية إلى أن الاقتصاد الإفريقي قد خسر قوته بسبب التضخم الذي وصلت نسبته لنحو 17.8% وتباطؤ النمو خلال عام 2023، لكنه لا يزال مرنًا، وهو أعلى بحوالي 3.6% عما كان عليه في العام 2022، كما أن التضخم قد ارتفع في إفريقيا منذ بداية جائحة كوفيد-19 ولا يزال مرتفعًا بشكل متواصل ما يهدد استقرار الاقتصاد الكلي[16]. ويغذي هذا التضخم ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية، فضلًا عن عوامل محلية على غرار تأثيرات انخفاض قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار الأمريكي. كما تباطأ النمو في إفريقيا، حيث يقدَّر نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.2% في عام 2023، مقارنة بنسبة 4.1% في عام 2022، ويرجع ذلك إلى تداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية وعدم الاستقرار السياسي والأمني في مناطق عدة في القارة. ويتوقع البنك الإفريقي أن يصل النمو في إفريقيا خلال عام 2024 إلى 3.8% وأن تضم القارة 11 من الاقتصادات العشرين الأسرع نموًا في العالم، بحيث تظل إفريقيا ثاني أسرع المناطق نموًا بعد آسيا[17].
وبالرغم من النمو الاقتصادي الواعد للقارة في السنوات الأخيرة، فلا زال العديد من الدول الإفريقية تواجه عقبات كبيرة في طريقها للتقدم. فقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم تعرُّض إفريقيا للصدمات الخارجية واعتمادها على نظام مالي عالمي لم يستجب للأزمات المتعددة، ما دفع العديد منها إلى سحب ديون ضخمة فهناك نحو 30 اقتصادًا إفريقيًّا مثقلًا بالديون الخارجية[18]. وفي ضوء الحاجة الملحة إلى معالجة هذه القضايا؛ عُقد حوار يضم كلًّا من رؤساء الدول، بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الإفريقي، والمؤسسات المالية الإفريقية متعددة الأطراف، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا، والمركز الإفريقي للتحول الاقتصادي؛ من أجل إعادة تأكيد التزامهم بإنشاء المؤسسات المالية للاتحاد الإفريقي، وترسيخ أجندة إفريقيا لإصلاح البنية المالية العالمية، والاتفاق على طريق للمضي قدمًا، وإطلاق النادي الإفريقي رسميًّا كطريق رئيسي لتعزيز مكانة إفريقيا في المشهد المالي العالمي[19].
8- سوء الأزمات الإنسانية: أسهمت سلسلة الأزمات التي تواجهها الدول الإفريقية، ولاسيما المرتبطة بالحروب والصراعات، وكذلك تغير المناخ، في تفاقم الأوضاع الإنسانية لقطاعات كبيرة من الشعوب الإفريقية. ففي حرب تيغراي الإثيوبية، أدى الاقتتال في شمال إثيوبيا إلى نزوح مئات الآلاف من السكان هربًا من المواجهات المسلحة، وفي الصراع السوداني قدرت الأمم المتحدة الفارّين من الصراع الراهن بحوالي 6 ملايين شخص. كما أدى تصاعد النشاطات الإرهابية في عدد من المناطق مثل غرب إفريقيا والساحل إلى هروب مئات الآلاف من السكان من ساحات القتال، بما يفاقم من أزمات الغذاء وغيرها. وهو ما يعزز حالة عدم الاستقرار في الساحة الإفريقية[20].
أبرز القضايا المطروحة خلال القمة
تضمنت أعمال القمة الإفريقية العديد من الملفات المهمة التي طُرحت على القادة الأفارقة المشاركين فيها، والتي تتعلق بالقضايا التي تمس مصالح الدول الإفريقية والدفاع عنها وإيجاد معالجات عاجلة من أجل تنمية واستقرار القارة، وهو ما وضح في البيان الختامي للقمة الذي قدم بعض التوصيات القابلة للتنفيذ من أجل مستقبل أفضل للقارة الإفريقية، بما يتجاوز سلسلة التحديات التي تواجه دولها خلال الفترة الأخيرة. ويمكن الإشارة إلى أبرز القضايا التي تناولتها هذه القمة على النحو التالي:
1- رئاسة الاتحاد الإفريقي لعام 2024: اُختيرت موريتانيا لتولي رئاسة الاتحاد الإفريقي في عام 2024 خلفًا لجزر القمر التي تولت الرئاسة في العام المنقضي. وقد توافقت دول الشمال الإفريقي على اختيار موريتانيا بعدما شهدت الفترة الماضية مفاوضات مكثفة في خضم التوتر بين المغرب والجزائر على خلفية الخلاف بشأن قضية الصحراء الغربية، والذي انعكس على عملية الاختيار، بما هدد بتصدير أزمة داخل أروقة الاتحاد حول رئاسة المنظمة لعام 2024، قبل أن يتم حسم الأمر لصالح موريتانيا، وهو ما يمثل فرصة بالنسبة لنواكشوط للمضي قدمًا نحو تعزيز نفوذها والمساهمة مع بقية الدول الأعضاء في مواجهة التحديات القارية، وتعزيز التعاون من أجل تحسين قارة إفريقيا[21].
وفي إطار عملية اختيار رئيس جديد لمفوضية الاتحاد الإفريقي الذي سيحل محل الرئيس الحالي موسى فقي محمد، في ولاية مدتها أربع سنوات، بحيث يدير أمانة المنظمة القارية، والذي من المقرر أن يتم اختياره في القمة المقبلة في عام 2025، بالإضافة إلى نائبه وستة مفوضين ممن يشكلون مع الرئيس القيادة العليا للمفوضية. وفي محاولة لضمان اختيار المرشحين على أساس الجدارة، قرر الاتحاد الإفريقي تشكيل فريق من الشخصيات البارزة يقوم بفحص المرشحين ووضع قائمة مختصرة، خاصة بعد تحديد مايو 2024 كموعد نهائي لتقديم الدول الأعضاء مرشحيها للمنصب.
2- تحسين جودة التعليم الإفريقي: يظل التعليم حقًا أساسيًّا من حقوق الإنسان كما ورد في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 11 من الميثاق الإفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته، والتي تؤكد جميعها على أهمية قيام الدول الأطراف بتوفير التعليم الأساسي المجاني والإلزامي. ويحاول الاتحاد الإفريقي تجديد التزامه بالعمل على تحقيق استراتيجية التعليم القارية لإفريقيا 2016-2025 والأهداف المتعلقة بالتعليم في أهداف التنمية المستدامة “الهدف الرابع”. وقد اتخذت الدورة العادية 36 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي قرارًا رائدًا باعتماد التعليم كموضوع للاتحاد الإفريقي لعام 2024[22].
كما اضطلعت الحكومات الإفريقية على مدار العقد الماضي بسلسلة من البرامج والجهود على مستوى السياسات لضمان حصول كل طفل على التعليم، خاصة أن نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس كانت مرتفعة حتى عام 2010 تقريبًا، بينما تحسنت معدلات إكمال التعليم الابتدائي والإعدادي، وصولّا إلى التعليم والتدريب المهنيين والفنيين والمشاركة فيه.
وهناك عدد من التحديات التي تواجه التعليم في إفريقيا، على رأسها وصول معدل عدم الملتحقين بالمدارس في إفريقيا إلى 98 مليون طفل وفقًا للتقديرات الدولية، بالرغم من تناقص هذا المعدل وفقًا لبيانات إفريقيا. كما أن معدل فقر التعلم في إفريقيا يقدر بحوالي 90% بمعنى أن تسعة من كل عشرة أطفال لا يستطيعون قراءة نص بسيط مع الفهم في سن العاشرة. وتعد إفريقيا بحاجة إلى 17 مليون معلم إضافي من أجل تحقيق التعليم الابتدائي والثانوي الشامل بحلول عام 2030. ومن المرجح أن تمثل إفريقيا أكثر من 90% من احتياجات التمويل الخارجي العالمية للتعليم بحلول عام 2030، إلى جانب مبلغ إضافي قدره 40 مليار دولار لتمويل التعليم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للتعليم، والتحرك نحو تلبية تطلعات أجندة 2063[23].
وبالرغم من التقدم المحرز في إفريقيا على مدى العقدين الماضيين من حيث الوصول إلى التعليم الأساسي وجودته، فإن التفاوتات لاتزال قائمة داخل الدول الإفريقية وما بينها. كما أن التحصيل التعليمي لا يزال منخفضًا في أجزاء متعددة من إفريقيا. فلا تزال الفتيات والأطفال، من الفئات الفقيرة والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال النازحين، يواجهون صعوبات في الحصول على حقهم في التعليم. كما أن هناك قيودًا عديدة تواجه تطوير المعلمين في إفريقيا، ولاسيما النقص في عدد المعلمين، إلى جانب نقص فرص التطوير المهني وتدني الوضع وظروف العمل.
3- الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الإفريقي: وهو الذي شكّل إحدى الأولويات بالنسبة لجدول أعمال القمة الإفريقية الأخيرة، في ظل وجود العديد من التعقيدات والصعوبات المؤسسية التي تواجه الاتحاد الإفريقي، وعلى رأسها المعضلة المادية التي تمثل عائقًا رئيسيًّا أمامه، فهو يعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي الذي يأتي معظمه من الاتحاد الأوروبي، ما يعرضها للانتقاد بسبب افتقارها إلى الاستقلال. وعزز ذلك مناقشة الأفارقة لقضية إصلاح المؤسسات المالية الدولية، خاصة بعد انضمام إفريقيا إلى عضوية مجموعة العشرين في سبتمبر 2023 بما يفتح لها مجالًا مهمة للمناقشة في مثل تلك القضايا التي تؤثر على الدول الإفريقية.
وقد أجريت لقاءات رئاسية إفريقية قادها الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو حول المؤسسات المالية للاتحاد الإفريقي، بهدف إعادة تأكيد الالتزام بإنشاء مؤسسات مالية للاتحاد الإفريقي، والدعوة إلى إصلاحات في الهيكل المالي العالمي. وإطلاق النادي الإفريقي لتعزيز التعاون بين المؤسسات المالية الإفريقية متعددة الأطراف من أجل تلبية احتياجات القارة.
4- انتخاب أعضاء مجلس السلم والأمن الإفريقي: شهد المجلس انتخاب عشرة أعضاء من الدول الإفريقية لعضوية المجلس الذي يستهدف التصدي لتحديات السلام والأمن في إفريقيا وتعزيز قدرته على منع الصراعات الإفريقية وإدارتها وحلها، مع الالتزام بالتمثيل الإقليمي العادل والتناوب.
5- حوكمة الفضاء السيبراني: اعتمد مجلس السلم والأمن الإفريقي وثيقة الموقف الإفريقي المشترك حول تطبيق قواعد القانون الدولي في استخدامات تكنولوجيا المعلومات في الفضاء السيبراني. وقد تطورت الوثيقة نتيجة الجهد المشترك بين مجلس السلم والأمن الإفريقي ولجنة الاتحاد الإفريقي للقانون الدولي، وذلك بمبادرة وإشراف من مصر[24].
فيما انتخبت مفوضية الاتحاد الإفريقي مجلس الفضاء الإفريقي المكون من عشرة أعضاء، وهو المنوط به الإشراف على وكالة الفضاء الإفريقية، وتعزيز استخدام الموارد والمصالح المجتمعية والاقتصادية والعلمية. إذ يهدف المجلس إلى مواءمة الاستثمارات الفضائية مع الأهداف القارية، وتعزيز الابتكار في صناعات الفضاء التجارية، والمشاركة في التوعية العامة، كما أنه سيعالج أيضًا المخاوف الأمنية المتعلقة بالأصول الفضائية.
6- قضية التغير المناخي: شهدت قمة الاتحاد الإفريقي الـ37 عقد المنتدى التشاوري لأصحاب المصلحة المتعددين حول أفكار كوب28 التي استضافتها الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر-ديسمبر 2023، والذي يهدف إلى تقييم استجابة إفريقيا لتغير المناخ. وجاء انعقاد هذا المنتدى امتدادًا للمبادرات السابقة التي شهدتها القارة؛ مثل قمة المناخ الإفريقية، ومؤتمر الأطراف الثامن والعشرين. وعقد هذا المنتدى حوارًا بين مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون والمجتمع المدني وممثلو القطاع الخاص، وهو يستهدف بالأساس تعزيز الصوت الموحد لإفريقيا في مفاوضات المناخ الدولية، والتأكيد على الترابط بين قضايا المناخ والأهداف التنموية الأوسع، وتبادل وجهات النظر حول نتائج كوب28، والمساهمة في قرارات الاتحاد الإفريقي بشأن تغير المناخ، ورسم مسار جماعي للمضي قدمًا نحو كوب28 وما بعدها.
كما انعقد لقاء آخر جمع بين مسؤولي الاتحاد الإفريقي ومنظمة الفاو في 16 فبراير 2024 بشأن تمويل المناخ من أجل الزراعة والأمن الغذائي. ويهدف هذا الحدث إلى معالجة الحاجة الملحة إلى تمويل المناخ في أنظمة الأغذية الزراعية الإفريقية، وحشد الدعم لجهود إفريقيا في مواجهة تغير المناخ. وتمت مناقشة إعلان نيروبي ونتائج مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وذلك في إطار التحديات الكبيرة الناتجة عن التفاوت بين الالتزامات ومتطلبات التمويل. وهناك حاجة إلى توافر سبل مالية وسياسات وتدخلات معرفية مبتكرة لتعزيز التكيف مع المناخ والقدرة على الصمود في نظم الأغذية الزراعية الإفريقية، بناء على مبادرات مثل البرنامج الشامل للتنمية الزراعية في إفريقيا.
وكانت قمة المناخ الإفريقية التي انعقدت في نيروبي في سبتمبر 2023 قد اقترحت هيكلًا تمويليًّا جديدًا، بما في ذلك إعادة هيكلة الديون والتخفيف منها، ووضع ميثاق عالمي جديد لتمويل المناخ، بحيث تم اعتماد إعلان نيروبي للقادة الأفارقة بشأن تغير المناخ والدعوة إلى العمل، وأصبحا الأساس لموقف إفريقيا المشترك بشأن الاستثمار لتعزيز الاستخدام المستدام للأصول الطبيعية الإفريقية والعمل المناخي.
7- الأمن الصحي والسلام في إفريقيا: كشف البيان الصادر عن الاجتماع الـ(1200) لمجلس السلم والأمن الإفريقي في 8 فبراير 2024 عن التفاعل الحاسم بين الأمن الصحي والسلام والأمن في إفريقيا، وذلك في ضوء ما تشير إليه المواد 6 و7 و15 من البروتوكول الخاص بتأسيس مجلس السلم والأمن الإفريقي، التي تنص على العمل الإنساني وإدارة الكوارث كجزء من ولاية المجلس الذي يملك سلطة دعم وتيسير العمل الإنساني في حالات الصراعات المسلحة أو الكوارث الطبيعية في إفريقيا، وخاصة في ظل التحديات التي تفرضها الصراعات المسلحة على تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية؛ ما يدعو إلى التعجيل بتفعيل الوكالة الإنسانية للاتحاد الإفريقي ووكالة الأدوية الإفريقية.
كما أكد البيان على أهمية التنسيق متعدد القطاعات والدبلوماسية الصحية وتكامل أنظمة الإنذار المبكر لمعالجة المخاطر الأمنية المتعلقة بالصحة. وسلط البيان الضوء على الحاجة إلى برامج بناء القدرات في سياقات الصراع والتعاون الإقليمي في مجال الأمن والصحة، والاستثمار في البحث والتطوير للتصنيع المحلي للمنتجات الصحية الأساسية[25].
8- بناء السلام في مرحلة ما بعد الصراعات: عقد مجلس السلم والأمن الإفريقي في 13 فبراير 2024 اجتماعه رقم (1199) بشأن العدالة الانتقالية وبناء السلام بعد الصراع، الذي تضمن بعض النقاط الرئيسية؛ مثل تأييد سياسة الاتحاد الإفريقي للعدالة الانتقالية، والدعوة إلى مشاركة الضحايا، وتعزيز المحاكمات العادلة للجناة. وقد أكد الاجتماع على أهمية برامج التعويضات والتكامل التعليمي، وإشراك وسائل الإعلام، وسلط الضوء على التكيف مع السياقات المحلية والنُّهج الشاملة والتنسيق مع الآليات الإقليمية.
كما أشار المجلس إلى ضرورة دعم برنامج العدالة الانتقالية والمنتدى الإفريقي للعدالة الانتقالية، بوصفهما إطارين قاريين حاسمين لتوجيه الجهود الوطنية وبناء القدرة المؤسسية للدول الأعضاء الخارجة من صراعات عنيفة لتعزيز العدالة الانتقالية فيها بشكل فعال، فيما يدعو البرنامج إلى مشاركة أكثر جدوى لضحايا المظالم المتصلة بالنزاع، بمن فيهم النساء والشباب والفتيات، إضافة إلى الفئات المهمَّشة في جميع عمليات العدالة الانتقالية[26].
مخرجات القمة الإفريقية
توصل القادة الأفارقة إلى عدد من المخرجات في ختام أعمال القمة الإفريقية، حيث تم تحديد السلام والاستقرار وحقوق الإنسان والحكم الرشيد والتنمية المستدامة كأولويات رئيسية لمخرجات القمة. وبالرغم من خلو جدول الأعمال من مناقشة الصراعات والنزاعات الإفريقية بشكل أساسي، فإن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني قد أكد أنها تمثل التحدي الأكبر الذي يواجه القارة، وذلك في إطار السعي للالتزام القوي بمواجهة تحديات القارة وتحديد أولويات المجالات الرئيسية لمعالجتها وتعزيز الدبلوماسية الدولية. كما قد طالبت القمة بوقف فوري لإطلاق النار في السودان من أجل إنهاء الصراع الدائر في البلاد منذ إبريل 2023، وضرورة إيجاد حل فوري للأزمة السياسية بين إثيوبيا والصومال على خلفية التوتر الناجم عن توقيع أديس أبابا اتفاقًا ثنائيًّا مع إقليم أرض الصومال في يناير 2024.
وأشارت القمة إلى أن تحقيق الطموح الأول من أجندة 2063 الذي ينص على: “من أجل إفريقيا مزدهرة قائمة على النمو الشامل والتنمية المستدامة” إنما يتطلب أن تقوم إفريقيا باستثمارات كبيرة في التعليم بهدف تطوير رأس المال البشري والاجتماعي من خلال ثورة التعليم والمهارات التي تركز على الابتكار والعلوم والتكنولوجيا.
وفي هذا الصدد يقوم مركز استراتيجية التعليم القاري لإفريقيا CESA على توسيع نطاق الوصول ليس فقط إلى التعليم الجيد، ولكن أيضًا إلى التعليم ذي الصلة باحتياجات القارة، بالنظر إلى أن عدد سكان القارة يتزايد بسرعة. ومن أبرز الأهداف الرئيسية للمركز تنشيط مهنة التدريس لضمان الجودة والأهمية على جميع المستويات. وتوسيع نطاق الوصول إلى التعليم الجيد من خلال بناء وإعادة تأهيل والحفاظ على البنية التحتية للتعليم، ووضع السياسات التي تضمن بيئة تعليمية دائمة وصحية ومواتية في جميع القطاعات الفرعية[27].
وفي إطار الحرص الإفريقي على تحديد أولويات الدول الإفريقية خلال المرحلة المقبلة، فقد تم اعتماد المرحلة الثانية من خطة أجندة 2063 العشرية، في ظل الحاجة إلى عمل موحد لمعالجة القضايا الملحة وتأمين مستقبل أكثر إشراقًا لإفريقيا، والتعهد بتعزيز الجهود لحل القضايا الإفريقية، بما في ذلك الصراعات والنزاعات القائمة في بعض دول القارة. كما اتفق القادة الأفارقة على التنفيذ الفعلي لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وبرنامج البنية التحتية الداعم لها من أجل المزيد من الاتحاد والتكامل والاندماج الإقليمي والقاري. ويرتبط ذلك بالمساعي الإفريقية لتعزيز حضور القارة على الساحة الدولية، باعتبارها قوة فاعلة في النظام الدولي تتحكم في مصيرها، والدعوة إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لضمان هيكل السلام العالمي العادل[28].
وقد نالت القضية الفلسطينية اهتمامًا ملحوظًا بالتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، حيث دعت القمة الإفريقية إلى إجراء تحقيق دولي مستقل بشأن الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي في قطاع غزة، كما طالبت القمة إسرائيل بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية لمنع الإبادة الجماعية في غزة، في إدانة واضحة لاستخدام القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، إضافة إلى الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، والتنديد بالعقاب الجماعي ومحاولات نقل الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية.
خاتمة:
من غير المرجح تحقيق الاتحاد الإفريقي أية تحولات جوهرية في العديد من الملفات الشائكة التي تواجه القارة الإفريقية، وعلى رأسها الإسهام في تسوية الصراعات والنزاعات السياسية والأمنية، بما في ذلك تصاعد نشاط الإرهاب في العديد من المناطق الإفريقية. فلاتزال المنظمة القارية تفتقد القوة السياسية والقدرات المادية التي تسهم في تفعيل وتعزيز ثقلها السياسي بما يجعلها في موقع تشعر فيه بأنها أقوى من دولها الأعضاء، أو سلطة “فوقية” فوق الدول، وبما يمكّنها من إنهاء تبعيتها لبعض الجهات الفاعلة الأجنبية التي تقوم بتمويلها ماديًّا على مدار السنوات الماضية. لذلك، قد تجد المنظمة القارية صعوبة في تحقيق معظم أهداف الخطة العشرية الثانية لأجندة 2063 في ضوء حجم التحديات التي تواجه الاتحاد الإفريقي، وهو ما يستدعي ضرورة المضي قدمًا نحو عملية إصلاح شاملة، وإعادة تقييم العلاقة بين الدول الأعضاء والمنظمة الأم، بما يعزز دورها من أجل مستقبل أفضل للقارة الإفريقية خلال الفترة المقبلة.
[1]. International Crisis Group, Ethiopia’s Ominous New War in Amhara, 16 November 2023, accessible at: http://tinyurl.com/jjafzezh
[2]. International Crisis Group, Eight Priorities for the African Union in 2024, 14 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/58yzn9pw
[3]. Ange Adihe Kasongo, DRC conflict: Why is fighting intensifying and can it threaten regional stability?, Reuters, 20 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/wcrp2stm
[4]. New Lines Magazine, In South Sudan, Political Rivalries Fuel Conflict, 13 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/bvhahbad
[5]. Ahmed Mahmoud, Tensions Escalate Between Somalia, Ethiopian Over AU Summit Incident, Voice of America, 19 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/yh47tkt9
[6]. Mohamed Kheir Omer, Are Ethiopia and Eritrea on the Path to War?, Foreign Policy, 7 November 2023, accessible at: http://tinyurl.com/2s39djt3
[7]. Edith M. Lederer, Tensions between Congo and Rwanda heighten the risk of military confrontation, UN envoy says, Apnews, 12 December 2023, accessible at: http://tinyurl.com/ua4kb426
[8]. Al-Jazeera.net, Kenya ‘disassociates’ from DR Congo rebels alliance after diplomatic row, 17 December 2023, accessible at: http://tinyurl.com/mabcrk5r
[9]. Jones Hayden, Niger, Mali, Burkina Faso quit ECOWAS bloc as West African tensions deepen, Politico, 28 January 2024, accessible at: http://tinyurl.com/34t3s49k
[10]. Sohaib Mahmoud and Mohamed Taifouri, The Coups d’État of the Sahel Region: Domestic Causes and International Competition, Arab Center Washington DC, 27 September 2023, accessible at: http://tinyurl.com/4jrux5zt
[11]. Jones Hayden, Idem,.
[12]. Nosmot Gbadamosi, Sudan and Ethiopia Snub Regional Mediation, Foreign Policy, 24 January 2024, accessible at: http://tinyurl.com/cch67muz
[13]. Xinhua, UN envoy warns of escalation of tensions between DRC, Rwanda, 12 December 2023, accessible at: http://tinyurl.com/5r3fk2vp
[14]. Institute for Security Studies, AU has a solid foundation to build on, says Commissioner Adeoye, 14 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/mtdnnvzz
[15]. Michelle Gavin, Major Power Rivalry in Africa, council on Foreign Relations, May 2023, accessible at: http://tinyurl.com/5n73hxvy
[16]. Joab Okanda and Fadhel Kaboub, African Union Summit: A chance to transform Africa’s debt, climate and development agenda, African Business, 14 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/mr23cnux
[17]. فرانس 24، قمة الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا: أي قرارات أمام استمرار الانقلابات العسكرية والأزمات الإنسانية؟ 17 فبراير 2024، متاح على: http://tinyurl.com/4ue6a7p7
[18]. The African Union, Presidential Dialogue on African Union Financial Institutions; Reforms of the Global Financial Architecture; and the Launch of the Africa Club, 17 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/39fskp5k
[19]. The African Union, Education, Peace, Politics, Climate, Economy and International /Global Diplomacy in Focus at 37th AU Summit, 18 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/34c8bzfy
[20]. Alex Rondos, After Six Months of Civil War, What’s the State of Play in Sudan?, United States Institute of Peace, 19 October 2023, accessible at: http://tinyurl.com/38xmxw7n
[21]. Fatshimetrie, Mauritania designated to chair the African Union in 2024, 10 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/mp9dkpbn
[22]. UNESCO, PODCAST | Education as African Union Theme of the Year 2024, 14 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/m4u2cxsz
[23]. The African Union, African Union Commission and Partners Advocate for Equitable and Inclusive Education to Prevent Violence in Africa, 13 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/47bywkaz
[24]. Mustapha Iderawumi, AUC to Elect Members of the African Space Council at the 37th AU Summit, Space in Africa, 8 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/4ty3uhb4
[25]. The African Union, Communique for the 1200th meeting of the Peace and Security Council held on 8 February 2024, on Health Security and the Promotion of Peace and Security in the Continent, 14 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/ma58twu8
[26]. The African Union, Communique of the 1199th meeting of the Peace and Security Council held on 6 February 2024, on Transitional Justice, Post-Conflict Peacebuilding, 13 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/3vbvfmkp
[27]. The African Union, 37th AU SUMMIT: African Union takes steps to address Education Challenges in Africa, 18 February 2024, accessible at: http://tinyurl.com/mr3nzjur
[28]. الوكالة الوطنية الإثيوبية، اختتمت قمة الاتحاد الإفريقي بخطط عمل وتجديد الدعوات من أجل الوحدة لمواجهة التحديات، 19 فبراير 2024، متاح على: http://tinyurl.com/yr4b67yt